الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيدنا محمد الصّادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللّهمّ لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهمّ علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.

أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثالث من دروس سورة المائدة، ومع قوله تعالى:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحِلُّواْ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ وَلَا ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلَا ٱلْهَدْىَ وَلَا ٱلْقَلَٰٓئِدَ وَلَآ ءَآمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَٰنًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ ۘ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْإِثْمِ وَٱلْعُدْوَٰنِ ۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ (2)﴾
كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، وكل نهي يقتضي الترك مالم تقم قرينة على خلاف ذلك:
أيها الإخوة؛ بادئ ذي بدء إن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك، أي أمر يقتضي الوجوب وأي نهي يقتضي الترك إلا إذا كان أمر تهديد كقوله تعالى:
﴿ وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلظَّٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍۢ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِى ٱلْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقًا (29)﴾
﴿فَلْيَكْفُرْ﴾ لام الأمر، هذا أمر تهديد، أو إذا كان أمر إباحة.
﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَٱلْـَٰٔنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلْأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلْأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَٰكِفُونَ فِى ٱلْمَسَٰجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)﴾
أو إذا كان أمر ندب.
﴿ وَأَنكِحُواْ ٱلْأَيَٰمَىٰ مِنكُمْ وَٱلصَّٰلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَآئِكُمْ ۚ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ (32)﴾
أما إن لم يكن هناك ندب، ولا إباحة، ولا تهديد فالأمر يقتضي الوجوب، وكيف أنَّ الله أمرك أن تصلي والصلاة فرض؛ لأن الله أمرك أن تصلي في قوله تعالى:

﴿ إِنَّنِىٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِىٓ (14)﴾
كذلك الأمر بالتعاون فرض؛ أمر يقتضي الوجوب، وتعلمون -أيها الإخوة- أن في الإنسان طبعاً ومعه تكليف، وبديهي أن الطبع يتناقض مع التكليف، فإذا أمرك الله أن تصلي الصلوات الخمس وأول هذه الصلوات صلاة الفجر ينبغي أن تستيقظ وجسمك يطلب أن تبقى نائماً، فهناك تناقض بين الرغبة في النوم والاستيقاظ لصلاة الفجر، وكما أن الله أمرك أن تغض البصر والنفس تميل إلى إطلاق البصر، فهناك تناقض بين الطبع وبين التكليف، وهذا التناقض بين الطبع وبين التكليف هو ثمن الجنة، وكيف أن الله أمرك أن تُنفق المال والطبع يقتضي أن تأخذه، وهذا التناقض بين الطبع وبين التكليف هو ثمن الجنة، وكيف أن الله أمرك أن تتعاون والطبع يقتضي الفردية؛ أن تؤكد فرديتك، أن تؤكد ذاتك، أن تعيش وحدك ويموت الناس، فالإنسان مكلّف أن يتعاون وطبعه فردي؛ لذلك بقدر طاعتك لله تتعاون، وبقدر معصيتك له تكون فردياً، والمجتمعات الجاهلية مجتمعات فردية ، الأنا مسيطرة، والمجتمعات الإسلامية مجتمعات تعاونية، مصلحة المجموع تغلب فردية الفرد.
أول شيء -أيها الإخوة- أن فعل (تعاونوا) أمر، وهذا أمر يقتضي الوجوب، وأن التعاون تكليف،

يناقضه الطبع الفردي، فأنت حينما تقوم لتصلي وجسمك يميل إلى الراحة، حينما تغض البصر وأنت تميل إلى إطلاق البصر، حينما تغالب النوم وتستيقظ لتصلي هذا الذي هو عند الله ثمن الجنة، قال تعالى:
﴿وَتَعَاوَنُواْ﴾ أما كلمة (تعاونوا) فعل أمر من عاونَ، عاون على وزن (فاعَل) صيغة مشاركة، وفي اللغة العربية صيغ المشاركة من أبرزها وزن (فاعَل) كقاوم، وقاتل، ودافع، أي الفاعل يكون تارةً فاعلاً وتارةً مفعولاً به، لماذا الأمر بالتعاون؟ لِمَ لمْ يقل: أعينوا؟ (أعينوا) الفعل من طرف واحد، لكن شاءت حكمة الله أن تتقن شيئاً في حياتك، وقد تتقن شيئين أو ثلاثة، لكن هذا الشيء الذي تتقنه محدود، وأنت بحاجة إلى مليون خبرة-تتقن واحدة-، أوضح مثل هذا الرغيف الذي تأكله صباحاً، اشتريته من البقال، البقال جاء به من الفرن، الفرن في الليل عجن الطحين، وخمّر العجين، ورقّ الأرغفة ووضعها في الفرن، هذا الطحين جيء به من المطحنة، المطحنة أخذت القمح وغسلته، وهيأته، وطحنته، والمطحنة جاءت بالقمح من الفلاحين الذين زرعوه، لو عددتَ الذين ساهموا في هذا الرغيف الذي تأكله صباحاً، وفي طبق الطعام هذه المداجن الكثيرة التي تأتي بالفراخ وتربيها وتعتني بها، تدفئها، تطعمها، تعالجها من أمراضها، أنت بحاجة إلى مليون خبرة وحاجة لكن تتقن حاجة واحدة، من أجل أن ترتدي ثياباً هناك معامل للقماش، هناك معامل أصبغة لصبغ القماش، هناك معامل لغزل الخيوط، هناك من يحصد القطن، ثوب تلبسه يدخل في إعداده آلاف الأشخاص، من أجل أن تعالج ابنك عند الطبيب، هذا الطبيب درس ثلاثين سنة علم التشريح، وعلم الفزيولوجيا، وعلم الأمراض، وعلم الأدوية، ثم التدريب العملي، ثم جاء بالدبلوم، ثم ماجستير، ثم دكتوراة، ثم بورد، درس ثلاثين إلى خمس وثلاثين سنة حتى يستطيع أن يقول لك: أعطِ ابنك هذا الدواء، فالطبيب أتقن شيئاً، ومعلم ابنك في الرياضيات درس سنوات طويلة حتى أتقن الرياضيات، وعلّمه المعادلات والجبر والهندسة وما إلى ذلك، وأستاذ الجغرافيا، وأستاذ التاريخ، وأستاذ الفلسفة، وأستاذ اللغة العربية، ثم الكليات المتنوعة في الجامعة، ثم من أجل أن تنتقل تحتاج إلى مركبة وهذا المعمل للمركبات عمره مئة عام، كل سنة فيه تحسين، فشبكة العلاقات العقل لا يصدقها، ستة آلاف مليون إنسان كل إنسان يتقن شيئًا ويُسهم بشكل أو بآخر في تقديم هذه الحاجة، فأنت حينما تشرب كأساً من الشاي هل تدري أنه لولا أن البحار تدفع الأجسام إلى الأعلى لما كان هناك سفن، ولا كان هناك ملاحة في البحر، بواخر تحمل آلاف الأطنان من الشاي تنقله من الهند إلى الشرق الأوسط، هذه البواخر الضخمة العملاقة بعضها يحمل مليون طن، كيف صُنعت؟ من صممها؟ كيف وقودها؟ كيف خُطط لها؟ أنت فكّر بكل شيء تستخدمه، أحياناً ترتدي قميصًا وهذا الزر الذي خيط معه له معامل أنشأته، هذا المقص الذي تقلّم به أظافرك معامل صنعته، هذه الشفرة التي تستخدمها أحياناً، هذه الفرشاة التي تصنعها معامل، أي أنت أمام مليون مِليون مليون حاجة وسمح الله لك أن تتقن حاجة أو أكثر، فأنت مقهور أن تكون مع أخيك، ابنك يحتاج إلى مدرسة، وانتقاله يحتاج إلى مركبة، والمدرسة تحتاج إلى من ينظف هذه المدرسة، وإلى من يعلم، وإلى من يدير المدرسة، وإلى من يراقب، ويحتاج الطفل إلى شيء يأكله في النهار، إذاً هناك من يبيعه الطعام، يحتاج إلى شيء يعينه على استذكار الدروس، يحتاج إلى آلة حاسبة فرضاً أو إلى أجهزة كثيرة.
إذاً حينما قال الله -عزَّ وجلَّ-:
﴿وَتَعَاوَنُواْ﴾ أي أن التعاون قدر أولاً، شئت أم أبيت إن لم تتعاون لا تعيش في الحياة، لكن شاءت حكمة الله أن يكون هذا القهر في الاجتماع طريقاً إلى الجنة، أنت من خلال وجودك مع البشر يمكن أن تكون صادقاً كما يمكن أن تكون كاذباً، يمكن أن تكون مخلصاً كما يمكن أن تكون خائناً، يمكن أن تكون متقناً ويمكن أن تكون غير متقن، يمكن أن تفي بوعدك أو لا تفي، يمكن أن تنجز عهدك أو لا تنجزه، فأنت مقهور بوجودك مع البشر، ولا يستطيع واحد في الأرض أن يعيش وحده، لذلك نجد في الإسلام عبادات جماعية، أنت حينما تصلي في المسجد صلاة الجماعة تفوق صلاة الفرد بسبع وعشرين ضعفاً، والحج جماعي، والصيام جماعي، والصلاة جماعية، وأحاديث كثيرة جداً تأمرك أن تكون مع المجموع.

(( أوصيكُم بأصحابي، ثمَّ الَّذينَ يلونَهم، ثمَّ الَّذينَ يلونَهم ثمَّ يفشو الكذبُ حتَّى يحلِفَ الرَّجلُ ولا يُستَحلَفُ ويشهدَ الشَّاهدُ ولا يُستَشهَدُ ألا لا يخلوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ إلَّا كانَ ثالثَهما الشَّيطانُ علَيكُم بالجماعةِ وإيَّاكم والفُرقةَ فإنَّ الشَّيطانَ معَ الواحدِ وَهوَ منَ الاثنَينِ أبعدُ مَن أرادَ بَحبوحةَ الجنَّةِ فلْيلزَمُ الجماعةَ، مَن سرَّتهُ حسنتُهُ وساءتْهُ سَيِّئتُهُ فذلِكم المؤمنُ ))
[ أخرجه الترمذي، وأحمد باختلاف يسير عن عمر بن الخطاب ]
(( ما مِن ثلاثةٍ في قريةٍ ولا بدوٍ لا تقامُ فيهمُ الصَّلاةُ إلَّا قدِ استحوذَ عليْهمُ الشَّيطانُ فعليْكم بالجماعةِ فإنَّما يأْكلُ الذِّئبُ القاصيةَ ))
[ أخرجه أبو داود، والنسائي واللفظ لهما، وأحمد عن أبي الدرداء ]
أمرك أن تتعاون، والتعاون فعل مشاركة أي تعينه ويعينك، تقدم له خدمة ويقدم لك خدمة، تنصحه وينصحك، تمنحه ويمنحك، تعطيه خبرتك ويعطيك خبرته، وأوضح مثل: الإنسان عندما يشعر باضطراب في صحته يذهب إلى الطبيب، في هذا الموقف هو أدنى من الطبيب، وقد يذهب إنسان بمنصب رفيع جداً لكنه يشكو ألماً في قلبه فيقف أمام الطبيب وهو متأدب؛ لأن الطبيب في هذا الموقف أعلى من المريض، الطبيب نفسه يسمع صوتاً غريباً في مركبته فيذهب إلى الميكانيكي، ويقف بأدب ويسأله: ألهذه المشكلة حل أم لا بد من تغيير المحرك؟ في هذا الموقف الطبيب دون الميكانيكي، فأنت في النهار الواحد مئات المرات دون إنسان وفوق إنسان، باختصاصك أنت فوق، بغير اختصاصك أنت تحت، أحياناً تُمسك تخطيط قلب وأنت عالم كبير ودارس عقيدة وفقه ومواريث وعلم تفسير وعلم حديث وفقه مقارن وتاريخ التشريع الإسلامي وعندك فلسفة عميقة جداً تُعطى تخطيط قلب فلا تفهم منه شيئاً؛ أُمِّي، أنت أمام هذا التخطيط أُمِّي،

والذي معه أعلى شهادة بأمراض القلب أمام آية أُمِّي، يقول لك: ما معنى هذه الآية يا أستاذ؟ حِرت في معنى هذه الآية، فكل إنسان باختصاصه أستاذ، بغير اختصاصه طالب علم أو قد يكون أُمِّيًا، هكذا شاءت حكمة الله أن تكون الحياة متشابكة، لكن وأنت مقهور أن تكون في مجتمع ينبغي أن تكون صادقاً ليكون الصدق سبب دخول الجنة، ينبغي أن تكون متقناً ليكون الإتقان سبب دخول الجنة، ينبغي أن تكون أميناً لتكون الأمانة سبب دخول الجنة، ينبغي أن تكون مخلصاً ليكون الإخلاص سبب دخول الجنة، فهذه القيم التي جاء بها الدين هي الدين.
"......أيها الملك كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله تعالى لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، -الآن دققوا- وأمر بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء...."
التعاون مع كل الخلق، أما الود والمحبة للمؤمنين:
أنت مقهور بأن تكون مع المجموع، شئت أم أبيت، أحببت أم كرهت، فبين أن يكون هذا المجتمع طريقاً إلى الجنة وبين أن يكون هذا المجتمع طريقاً إلى النار،

أنت بلقائك مع الناس إما أن يكون هذا اللقاء وهذا التعاون وفق منهج الله سبباً لدخول الجنة وإما أن يكون هذا التعامل مع الناس سبباً لدخول النار، فهذا الذي يعتدي ويأخذ ما ليس له، يكذب، يدلّس، ينافق، يشتم، يوقع الأذى بالآخرين، هذا يمشي في دركات النار، وهذا الذي يصْدق، ويؤتمن، ويُحسن، وينصح هذا في طريق الجنة، فالله -عزَّ وجلَّ- يقول:
﴿وَتَعَاوَنُواْ﴾ لأنني أردتكم أن تكونوا مجتمعين، الشيء الدقيق -أيها الإخوة- أن هذا التعاون ليس بين المؤمنين فقط،
المطلق في القرآن على إطلاقه، ممكن أن تتعاون مع أي إنسان، فالتعاون شيء والود شيء آخر،
ودك ومحبتك للمؤمنين، لكن تعاونك مع كل الخلق. ﴿ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِۦٓ إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ۖ فَمَا ٱسْتَقَٰمُواْ لَكُمْ فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ (7)﴾
﴿ لَّا يَنْهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوٓاْ إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ (8)﴾
ضرورة تعامل المسلم بالعدل والتعاون مع كل الناس:
فأنت مُكلّف بالتعاون مع كل الناس، وعلاقات العمل لا شائبة فيها ما دام العمل منضبطًا بالمنهج الإلهي ولا يوجد أي مخالفة شرعية فلك أن تتعامل مع أي إنسان، مع المسلمين ومع غير المسلمين، بل إنك إن تعاملت مع غير المسلمين ولم تكن عادلاً معهم وقعت في إثم كبير؛ لأن الله -عزَّ وجلَّ- يقول:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ لِلَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعْدِلُواْ ۚ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌۢ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)﴾
مع من؟ مع من تكرهونهم، ولا يحملنَّكم بغض قوم عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا، العدل فوق الجميع، يجب أن تعامل كل الناس بالعدل، سيدنا عمر له أخ قتله إنسان في الجاهلية ثم أسلم-تغير-، قال له: أتحبني؟ قال له: والله لا أحبك – لا يوجد مجاملات هنا- قال له: هل يمنعك بغضك لي من أن تعطيني حقي؟ قال: لا والله، لا يمكن أن أمنعك حقك، فالمسلم منفتح، المسلم متعاون مع كل الناس، هذا أمر موجّه لكل البشر لا للمسلمين فقط ﴿وَتَعَاوَنُواْ﴾ ، فسكان بلدة فيها عدة أديان فرضاً المفروض أن يتعاونوا لصلاح هذه البلدة، لتأمين فرص العمل، لتأمين مصالح الناس، تأمين أغذيتهم، مساكنهم، هذا مندوب أيضاً ﴿وَتَعَاوَنُواْ﴾ ، الود والحب شيء آخر، الود والحب للمؤمنين لكن التعاون لجميع الناس ﴿وَتَعَاوَنُواْ﴾ ، فالإنسان أحياناً لضيق أفقه ولجهله بأحكام هذا الدين لا يتعاون إلا مع المؤمنين، طبعاً إذا قادني التعاون مع غير المؤمنين إلى معصية فالمعصية ممنوعة، أنت تمتنع لا عن التعاون تمتنع عن المعصية فقط، أما لو أن التعاون وفق منهج الله فلو أن بلدة بحاجة إلى مشروع وفُتح باب للتبرع، ما الذي يمنع أن تسهم مع كل سكان هذه البلدة في إنشاء هذا المشروع الحيوي؟! هذا ضمن الدين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- حضر حلف الفضول، وحلف الفضول حلف ليس إسلامياً لكنه حلف يقوم على تحقيق العدل للمجتمع بأكمله، هذه العقلية لو ملكها المسلمون لكانوا في حال غير هذه الحال، أن يكون في الحياة مسلم وغير مسلم هذا واقع، وهذا الغير مسلم ما دام هناك قواسم مشتركة، ما دام هناك وسائل منهجية شرعية ينبغي أن نتعاون، قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ﴾ على ماذا؟ هنا المشكلة، هذا الكلام كله عن معنى التعاون، فعل أمر، وأمر يقتضي الوجوب، والمطلق على إطلاقه، والصيغة مشاركة تعينه ويعينك، لكن على ماذا أتعاون؟ عُرف من المتعاون، الأمر موجه للمسلم، ومن الذي ينبغي أن تتعاون معه لكل الناس، والفعل مشاركة، لكن على ماذا؟ قال: ﴿عَلَى ٱلْبِرِّ﴾
ما هو البرّ؟ البرّ بتعريف النبي -صلى الله عليه وسلم- التعريف الجامع المانع؛ البر ما اطمأنت إليه النفس.
(( البِرُّ حُسنُ الخُلُقِ، والإِثْمُ ما حاكَ في صدْرِكَ، وكرِهْتَ أنْ يَطلِعَ عليه الناسُ ))
[ أخرجه مسلم عن النواس بن سمعان الأنصاري ]

طبعاً إضافة الماء للحليب لا تكون أمام الشاري؛ مستحيل، تكون في غرفة سرية، إضافة الماء للحليب تكون بمعزل عن المشتري، إذاً هذا إثم، فأي عمل تفعله تحت ضوء الشمس ولا تخشى أن يلومك أحد عليه، أي فعل تفعله وأنت واثق أن الناس لن ينالوا منك هو البرّ أي الفطرة،
لِمَ سمى الله المعروف معروفاً؟ لأن الفِطَر السليمة تعرفه ابتداءً، ولِمَ سمى الله المنكر منكراً؟ لأن الفِطَر السليمة تنكره ابتداءً، أنا لا أنسى -ووقت مناسب جداً لسوق هذه القصة-، أنا سمعت من صديق لي أن محطة فضائية عرضت مقابلة مع شاب مجرم اغتصب أكثر من 15 فتاة ثم قتل كل هؤلاء الفتيات، حُكِم عليه بالإعدام، باحثة اجتماعية طلبت من النيابة العامة إجراء حوار مع هذا الشاب، الذي جرى أنها سألته: أتقرأ وتكتب؟ قال: لا -جاهل-، قالت له: أتصلي؟ قال: لا أعرف الصلاة، قالت له: أتعرف الفاتحة؟ قال: لا، قالت: هل شهدت أنه لا إله إلا الله في حياتك مرة؟ قال: ما هي الشهادة؟ قالت: لا إله، قال لها: كلمة كلمة، وحتى أتقن لا إله إلا الله أكثر من دقيقتين، سُقت هذه التفاصيل لتعلموا أنكم أمام إنسان لا يفقه شيئاً- كتلة جهل-، فسألته: لمَ تغتصب هؤلاء الفتيات ثم تذبحهن؟ قال: من لباسهن، قالت له: وإذا رأيت فتاة محجبة؟ قال: والله الذي يتكلم معها كلمة أقتله، أرأيتم إلى هذا الجهل المطبق؟! هذه الفطرة، أن هذه إنسانة محجبة محترمة لا تثير غرائز الشباب، لا تثير عواطفهم ومشاعرهم، لا تعتدي على أحد، المرأة حينما تظهر مفاتنها تعتدي على من ينظر إليها، تعتدي عليه، تلجئه إلى الانحراف، هذا الشاب الجاهل المجرم المحكوم بالإعدام قال: السبب من ثيابهن، فأنا خطر في بالي مصطلح جديد اسمه تحرش الفتيات بالشباب عن طريق الثياب فقط، فلما سألته: وهذه التي تراها محجبة؟ قال: من يكلمها كلمة أقتله، هذه فطرة، هذه إنسانة شريفة، هذه طاهرة، هذه امرأة لزوجها، لأولادها، لمحارمها، مفاتنها ليست لكل الناس، هي تعتدل في المجتمع.
كيفية التعاون على البر والتقوى:
أيها الإخوة؛ صار معنى التعاون على البر على ما ترتاح له الفطرة، على ما هو معروف من قبل الفِطَر السليمة، لو أنَّا أنشأنا بناءً بشكل متعاون فلامانع؛ مقبول، لو أنشأنا جمعية خيرية فمقبول، لو أنشأنا جمعية لمكافحة التسول فمقبول، لو أنشأنا مستوصفًا، دار أيتام، دار عجزة، لو أنشأنا مكتبًا لفرص العمل فجيد، لو أنشأنا مكتب للزواج جيد جداً، لو أنشأنا بناء على طرق السفر لينام فيه المسافرون فجيد، أي شيء تقبله الفطر السليمة وترتاح له النفس يجب أن نتعاون عليه، أرأيتم إلى هذا الشمول؟! ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبِرِّ﴾ البر ما اطمأنت إليه النفس فترتاح، وهناك مشاريع رائعة: كل واحد منا -فرضاً- يكون في وليمة ويشعر أن هذه الوليمة دُفع ثمنها مبلغاً كبيراً جداً، وأن هذا الطعام لم يؤكل خمسه، فإذا أُنشئت جمعية لجمع هذا الطعام الزائد وإعادة تصنيعه بإضافة بعض المواد الأساسية، ثم وضعه في علب وتقديمه للفقراء، أليس هذا العمل رائعاً؟! هل يعترض أحد؟ أبداً ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ﴾ .
أيها الإخوة؛
البر: الأعمال التي ترضاها الفطر السليمة، وتعرفها ابتداءً من دون تعليم، فألف عمل يقوم به إنسان ولا يتكلم أحد كلمة من مئة مليون عمل طيب، لو أننا أنشأنا مستشفى وجئنا بأطباء متخصصين لمعالجة الأمراض جيد، لو فتحنا مدارس، لو نظمنا حياتنا، لو نظمنا أمورنا، لو جعلنا لكل شيء نظام دقيق نمشي عليه كي يعيش الناس براحة وبسهولة وبيسر هذا هو المطلوب
﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبِرِّ﴾ ، لكن الدنيا محدودة، ستون سنة عشت حياة رائعة، بعد ذلك يوجد أبد، قال لك:
﴿وَٱلتَّقْوَىٰ﴾ ؟ التقوى طاعة الله -عزَّ وجلَّ-، يجب أن تبذل جهداً كبيراً جداً فضلاً عن صلاح الدنيا بصلاح الآخرة، أن تطلب العلم، أن تُعَلِّمَ العلم، أن تأمر بالمعروف، أن تنهى عن المنكر، أن تقوي ارتباط الإنسان بالله -عزَّ وجلَّ-، أن تشد همته إلى الله -عزَّ وجلَّ- هذا مطلوب،

فكل إنسان يتعلم القرآن ويعلمه، يتعلم الفقه ويعلمه، يتعلم الحديث ويعلمه يكون قدوة لغيره، يدعوك إلى الله -عزَّ وجلَّ- وإلى معرفته، إلى طلب العلم هذا أيضاً مشمول بهذا الأمر
﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبِرِّ﴾ أي على صلاح الدنيا،
﴿وَٱلتَّقْوَىٰ﴾ صلاح الآخرة، ولعل الأجانب اقتصروا على صلاح الدنيا فقط، مجتمعات فيها تعاون كبير جداً، ويربون أبناءهم على التعاون في سن مبكرة جداً، حتى إنهم إذا أرادوا موظفاً من الشروط التي تلفت النظر أن يصلُح للعمل ضمن فريق؛ يتعاون، والبلاد المتخلفة- وهذا شيء مؤلم جداً- فضلاً عن أنها متخلفة أفرادها لا يتعاونون، يحطمون بعضهم بعضاً،
فالتعاون رقي، والتعاون دين، والتعاون خلق، والتعاون حضارة، والتعاون قوة، ألا ترى إلى المسلمين ماذا حلّ بهم من فُرقتهم، ومن عدم تعاونهم، ومن أن بأسهم بينهم، ومن أن كل واحد منهم يريد أن يعلو على الآخرين؟! أرأيت إلى هذه النتائج التي لا ترضي صديقاً ولا عدواً؟! قال تعالى:
﴿وَتَعَاوَنُواْ﴾ وفي آية أخرى:
﴿ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَٱصْبِرُوٓاْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ (46)﴾
تضعفوا، ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ﴾ .
التعاون على الإثم والعدوان:
لكن الشياطين يتعاونون
﴿عَلَى ٱلْإِثْمِ وَٱلْعُدْوَٰنِ﴾ ، يتعاونون على إفساد البشرية، سبعمئة مليون امرأة وطفل يعملون في الدعارة،

سبعمئة مليون في العالم يعملون في الدعارة وقد غُرر بهم، هؤلاء يتعاونون على جلب أموال خيالية، وأول تجارة في العالم تجارة المخدرات، أربح تجارة تحتاج إلى تعاون، إلى مراقبة الطريق، وإلى إخفاء المهربات بشكل ذكي جداً
﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْإِثْمِ وَٱلْعُدْوَٰنِ﴾ ، أحدهم خرج إلى المطار ليسافر ورجله مكسورة وهي مجبّرة، وجاء من يتصل أن هذا المسافر على الطائرة الفلانية بالرحلة الفلانية مهرب مخدرات فانتبهوا، أوقفوه وكسروا الجبس لا يوجد شيء، فتشوه لا شيء أبداً، اعتذروا منه، ذهب بالرحلة الثانية، بالرحلة الثانية وضع المخدرات، أليس هذا عمل ذكي؟! عمل ذكي جداً، يوجد تعاون على تهريب المخدرات، على إيقاع الفتيات الغافلات بفخ الدعارة، يوجد تعاون على إيهام الشاري، والله أخ يذكر لي قبل يومين بأن أُناساً يلعبون القمار على الرصيف، وهو يمشي وقد قطع مسافة جيدة، فيأتي إنسان ينبهه أن هذا مسكين أتى من بلاد بعيدة معه قرشين أخذوهم منه، وصف له وصفاً يدمى له القلب- ومعه مبلغ- رجع حتى يسأله، اعتبروه شريك بالمقامرة وضربوه وأخذوا منه النقود؛ تمثيل، والآخرون يمثلون، أنا أتيت بحالات حادة طبعاً، لكن هناك مليون تعاون على الباطل، مليون تعاون على الإثم، مليون تعاون على العدوان، مليون تعاون على أكل الحقوق، مليون تعاون على تحقيق ربح غير شرعي،
﴿وَلَا تَعَاوَنُواْ﴾ إلهٌ يقول:
﴿وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْإِثْمِ وَٱلْعُدْوَٰنِ﴾ ، الإثم أن تنقطع عن الله -عزَّ وجلَّ-،

يقول لك: أنا لا أؤذي أحداً -كلام طيب- إيماني بقلبي أستاذ، لا أؤذي أحداً أبداً، وفعلاً هو لطيف ناعم، إذا خلا ارتكب كل المحرمات فيما بينه وبين نفسه؛ هذا إثم، هذا الأمر قطعك عن الله -عزَّ وجلَّ-، قطعك عن الذي خلقك، قطعك عن سبب التوفيق، أحياناً هناك إنسان لا يؤذي أحداً ولا يعتدي لكن هو يقع في الإثم، أحياناً أنت مهمتك الوحيدة أن تصلح أجهزة وتأتي بالمحطات البعيدة وهناك 450 محطة، هذا عملي ومربح، ماذا تفعل أنت بالمجتمع؟ تهيأ للناس بسهراتهم أن تأتيهم بأبعد المحطات ليغرقوا في الإثم، أليس كذلك؟
(( إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفثَ في رُوعِي، أنَّ نفسًا لَن تموتَ حتَّى تستكمِلَ أجلَها، وتستوعِبَ رزقَها، فاتَّقوا اللهَ، وأجمِلُوا في الطَّلَبِ، ولا يَحمِلَنَّ أحدَكم استبطاءُ الرِّزقِ أن يطلُبَه بمَعصيةِ اللهِ، فإنَّ اللهَ تعالى لا يُنالُ ما عندَه إلَّا بِطاعَتِهِ ))
[ أخرجه الألباني في (صحيح الجامع) عن أبي أمامة الباهلي- صحيح- ]
أنا أبيع مثلاً طاولة زهر مربحة 100%، لكن أنت تعين الناس على هدر أوقاتهم وإيقاع العداوة بينهم.
(( مَن لعِب بالنَّردِ فكأنَّما غمَس يدَه في لحمِ خِنزيرٍ ودَمِه ))
[ أخرجه مسلم عن بريدة بن الحصيب الأسلمي ]
فقد تبيع شيئاً محرماً، تصلح شيئاً محرماً، تتاجر بشيء محرم، تبيع شيئاً أنت لا تقبله، دار نشر فيها كتب فيها ضلالات، أحدهم قال كلمة هي تبدو مستهجنة جداً: لئن تبيع الخمر أهون من أن تبيع كتاب فيه ضلالات، شارب الخمر يتوب، لكن هذا الذي اعتقد خطأ وسار على خطأ طوال حياته فهذا لا يتوب، أنت تقول: أنا أبيع كتاباً لا علاقة لي، لا، لك علاقة، تبيع كتاباً فيه ضلالات، تبيع كتاباً فيه شبهات، تبيع كتاباً يدعو إلى معصية، تبيع كتاباً يحلل الربا فرضاً، تبيع كتاباً يظهر الدين على أنه سلوك غيبي متخلف لا يتناسب مع العصر، تحت اسم مكتبة فهذا لا يصح.
كل عمل نشأ عنه معصية أو مخالفة فله حساب عند الله -عزَّ وجلَّ-:
﴿وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْإِثْمِ وَٱلْعُدْوَٰنِ﴾ أحياناً تجمع بعملك شباباً وشابات، هل تدري ماذا يحصل بينهم من مخالفات شرعية؟ فالقضية لا ترونها تضييقاً، لا والله ولكن سلامة أيها الإخوة، إذا كان عملك يمكن أن ينتج عنه معصية، فقد تقول: لدي مطعم، أحل عمل المطعم، لكن في الزوايا إضاءة خافتة، من يأتي إلى هذا المكان؟ يأتي إلى هذا المكان من عنده شبهة، عنده مشكلة، فأنت يجب ألا تكون سبباً لمعصية، لمخالفة شرعية، لإثم، لعدوان، ﴿وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْإِثْمِ وَٱلْعُدْوَٰنِ ۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ﴾ أي اتقِ أن تعصي الله ﴿إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ﴾ ، أنا أستميحكم عذراً ذكرت بعض المهن لا على سبيل أنني أعدّ هذه المهنة محرمة لا، لكن أية مهنة، أية حرفة إذا لابسها حرام فالحرام هو الحرام لا الحرفة، أن تبيع طعام هذا عمل حلال 100%، لكن إذا رافق بيع الطعام علاقات لا ترضي الله -عزَّ وجلَّ- فالذي جمع هؤلاء في مكان عليه مسؤولية، أي عمل ينشأ عنه معصية أو بُعد عن الله أو مخالفة هذا العمل له حساب عند الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْإِثْمِ وَٱلْعُدْوَٰنِ﴾ لكن لا يوجد نظام من دون -بالتعبير الفقهي- المؤيد القانوني، مثلاً قانون السير، اقرأ قانون السير: من يقود مركبة بلا شهادة تُسحب الإجازة منه وتسحب المركبة ويدفع مبلغ كذا، من يقف في مكان ممنوع، لا يوجد أمر ونهي إلَّا و فيه عقوبة، الله -عزَّ وجلَّ- قال لك: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْإِثْمِ وَٱلْعُدْوَٰنِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ﴾

أحدهم صاحب دار سينما حدثني أحد أقربائه وكان طالباً عندي، قال: كلما كان الفلم فيه إثارة أكثر ففيه أرباح أكثر، فكان يتعمد أن يأتي بالأفلام المثيرة جداً والشباب ينخرطون بهذه الشهوة الحرام، وقد ينحرفون بعد الفلم ما لا يعلمه إلا الله، فجمع ثروة كبيرة جداً، وهو في مقتبل الحياة أصابه مرض خبيث، فقال لقريبه وهو تلميذي، قال له: جمعت أموالاً طائلة حتى أتمتع بخريف عمري فإذا أنا أموت بهذا السن، أيقن أنه ميت، ومات
﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ﴾ ، لا تبنِ ثروتك على فساد أخلاق المجتمع، لا تبنِ ثروتك على إفقار الناس، لا تبنِ ثروتك على إضلال الناس، لا تبنِ ثروتك على فساد ذات البين، والله هناك أعمال -أيها الإخوة- لا يعلمها إلا الله تفرق بين الزوجين، تفسد العلاقة بين الأزواج، تفسد العلاقة بين الآباء والأبناء؛ أعمال كثيرة جداً، مثلاً قد تعمل عملاً يجلب الشباب، فمن لم يجد معه يسرق، شيء ممتع وليس له فائدة إطلاقاً، ألعاب ما لها فائدة إطلاقاً ممتعة، فهذا الشاب أنفق المال الذي معه ولم يكفه، أخذ من أمه، بعد ذلك أخذ من أبيه بإلحاح، بعد ذلك دون أن يعلموا، دخل بالحرام حتى تربح أنت، وهو عمل غير مجدٍ، اختر حرفة فيها نفع للناس، اختر حرفة تكون حلالاً 100%، أنا لست متشدداً بهذا الموضوع ولكنني أضع النقاط على الحروف، الآن هناك حرف لا تُعد ولا تحصى أكثرها يبنى الربح فيها على فساد الأخلاق، أو على فساد العلاقات، أو على ضياع الشباب وانحرافهم.
أيها الإخوة، أتمنى على الله -عزَّ وجلَّ- أن تنقلب هذه الآية إلى سلوك يومي: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْإِثْمِ وَٱلْعُدْوَٰنِ﴾ والمؤيد القانوني: ﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ﴾ ، نجد قصصاً كثيرة جداً عن هذا الذي بنى مجده على أنقاض الناس، أو على فساد أخلاقهم، أو على فساد علاقاتهم، أو بنى ثروته على فقرهم، له نهاية عند الله سواءً في الدنيا أو في الآخرة، ليس شرطاً في الدنيا لأن الله يعاقب بعض المسيئين ردعاً لبقية المسيئين ويكافئ بعض المحسنين تشجيعاً لبقية المحسنين.
الملف مدقق