وضع داكن
22-11-2024
Logo
الخطبة : 1039 - وحدة المسلمين ، محنة المسلمين في غزة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى
الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق و البشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

لهذه الخطبة قصة : المحنة في غزة

أيها الإخوة الكرام، لهذه الخطبة التي سألقيها على مسامعكم بتوفيق الله تعالى قصة، قصة هذه الخطبة ؛ أن وفداً من كبار علماء غزة زارني قبل أسبوعين في البيت، ولأن عدداً من الإذاعات في غزة تذيع دروسي في اليوم مرتين أو ثلاثًا قالوا لي، وأتمنى أن أكون كذلك، أنا عندهم مقبول، عند كل الفرقاء، لذلك تمنوا علي وهم في محنة لا يعلم أبعادها إلا الله أن ألقي خطبة، وسوف تنشر في الإنترنت، وسوف يتلقونها ويذيعونها مرات عديدة عن وحدة المسلمين، فكانت هذه الخطبة استجابة لهم.

هذا هو لسان حال العدو : دعوا الفلسطينيين يقتل بعضعم بعضا

أيها الإخوة الكرام، في موقع معلوماتي ذكر ما جرى في جلسة وزارية لمجلس الوزراء الإسرائيلي قال : " من المثير جداً معرفة السبب وراء حدوث انقلاب في الموقف الإسرائيلي من شن حملة عسكرية على قطاع غزة، توقفوا، وظهور أغلبية داخل الحكومة والأجهزة الأمنية الإسرائيلية تعارض شن هذه الحملة حالياً، فوزراء الحكومة وقادة الأجهزة الاستخباراتية يرون أن إسرائيل سترتكب خطأ كارثياً في حال قامت بشن هذه الحملة في الوقت الذي يقتل فيه فلسطينيون بعضهم بعضاً، فحسب رأي هؤلاء إن أكبر، وأنجح حملة عسكرية يشنها جيش الاحتلال على حركات المقاومة لا يمكنها أن تحقق نتائج أفضل لإسرائيل من نتائج الاقتتال الفلسطيني، لذلك هم ينصحون بأن لا يشنوا حرباً، ويدعوا الفلسطينيين يقتل بعضهم بعضاً.
هذا كلام قيل في مجلس الوزراء الإسرائيلي، واتخذ موقفاً فجائياً بإيقاف حملة عسكرية شمولية على غزة، انتظاراً لكي يصفي الفلسطينيون بعضهم بعضاً.

الناس فريقان

عداؤنا يجب أن يكون لأعداءنا وليس لبعضنا
والله أيها الإخوة، إن تعلق المسلمون والعرب في شتى أنحاء بلادهم بهذه الحركات، حركات المقاومة التي رفعت رأسنا عالياً، ولكننا الآن والله نحن في خجل شديد أن يُوَجه السلاح، سلاح المسلمين إلى صدور المسلمين.
أولاً : دققوا فيما سأقول، وأنا أخاطب إخوتنا في غزة : الناس على اختلاف مللهم ونحلهم وانتماءاتهم، وأعراقهم وأجناسهم، وطوائفهم ومذاهبهم وأطيافهم، واتجاهاتهم عند الله لا يزيدون على فريقين لا ثالث لهما : فريق آمن بالله، وانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسلم، وسعد في الدنيا والآخرة، وفريق آخر كفر بالله، وآمن بالدنيا وبالمادة وبالشهوات وبالمناصب، وتفلت من منهج الله، وأساء إلى خلق الله، فشقي، وهلك في الدنيا والآخرة هل يعقل ونحن تحت قهر العدو أن نقتتل
دققوا الآن في كل أطيافنا وانتماءاتنا، وألواننا ومذاهبنا واتجاهاتنا من كلا الفريقين، وأنا لا أتهم جميع الفرقاء، أتهم فريقاً منهم من كلا المتحاربين أنهم أرادوا الدنيا، ولم يريدوا الآخرة، لذلك كان بأسهم بينهم، وهذه والله وصمة عار في حق هذه الأمة، والله الذي لا إله إلا هو كادت المقاومة تقطف ثمارها كادت تقف أمام الغطرسة اليهودية، ومع ذلك الآخرة تدعونا إلى التعاون، والدنيا تدعونا إلى الاقتتال، ولا يعقل والفرقاء تحت حكم ظالم يريد إفقارنا، وقد أفقروهم، يريد إضلالنا، يريد إفسادنا، يريد إذلالنا، يريد إبادتنا، هل يعقل ونحن تحت هذا الكابوس وتحت هذا الطغيان في فلسطين القهر القتل الهدم إقامة الجدار ؟ هل يعقل تحت هذا القهر وتحت الفقر، وتحت الإذلال، وتحت التقتيل وهدم البيوت، وجرف المزارع وردم الآبار، وإتلاف المنتجات، هل يعقل أن نقتتل، والعدو والله يرقص ؟
لذلك أيها الإخوة، القضية الآن ما رأيت موضوعاً ساخناً أقوى من هذا الموضوع.

 

الإنسان بين الطبع والتكليف

طبع الإنسان يدفعه لأخذ المال لكن التكليف يقتضي أن ينفقه
أيها الإخوة الكرام، دققوا في ما سأقول : الإنسان معه طبع، الطبع يريد أخذ المال، الطبع يقتضي أخذ المال، الطبع يقتضي أن يملأ المرء عينيه من محاسن النساء، الطبع يقتضي أن يخوض في أعراض الناس، الطبع يقتضي أن تبقى نائماً في فراشك، والتكليف يقتضي أن تنفق المال، والتكليف يقتضي أن تغض بصرك عن محارم الله، والتكليف يقتضي أن تسكت، وألا تخوض في أعراض الناس، والتكليف يقتضي أن تستيقظ لتصلي، هذا التناقض بين الطبع والتكيف ثمن الجنة، وهذا تمهيد، الطبع فردي، والتكليف تعاوني، فأنت تتعاون بقدر طاعتك لله، وتتنافس بقدر معصيتك له، التعاون تكليف، كإنفاق المال، كغض البصر، كالاستيقاظ، كالصمت، التعاون تكليف، بينما الفردية طبع، فالذي يريد أن يعيش، وأن يلغي الطرف الآخر، أن يغتني، وأن يفقر الطرف الآخر، أن يتولى زمام الأمور، وأن يحرم الطرف الآخر، أن يعيش في أمن ودَعة، وأن يجعل الطرف الآخر في خوف وقلق، هذا ينطلق من فرديته التي تناقض التكليف.

 

 

دعوة إلى وقف الاقتتال

أيها الإخوة الكرام، لا يمكن، ولا يقبل، ولا يعقل أن ينشأ خلاف بين مؤمنين، المعركة بين حقين لا تكون، لأن الحق لا يتعدد، والمعركة بين حق وباطل لا تطول، لأن الله مع الحق، أما بين باطلين فإنها لا تنتهي.
أيها الإخوة الكرام، بدافع من إيمان المؤمنين، بدافع من الخطر الجاثم عليهم جميعاً، بدافع من المصلحة العامة ينبغي أن يقف الإنسان عن الاقتتال.
أيها الإخوة الكرام، المسلمون في كل بقاع الأرض يعتزون بالمقاومة التي أرغمت أنف العدو، ولكن العدو الآن يرقص طرباً والله الذي لا إله إلا هو، كما جاء في جلسة مجلس الوزراء، و أي حملة عسكرية شاملة على غزة ليست بشيء أمام النتائج الإيجابية التي يحققها اقتتال الفلسطينيين فيما بينهم، لذلك أيها الإخوة، هذا الذي لا يحمل همَّ المسلمين، هذا الذي يبني مجده على أنقاضهم، هذا الذي يبني تحقيق حظوظه من الدنيا على حساب سمعتهم، هذا لا ينتمي إلى الدين إطلاقاً، وأنا لا أوفر أحداً، أقول : في كلا الطرفين فريق آثر الدنيا على الآخرة، في كلا الطرفين فريق آثر حظوظه ومصالحه على مصالح المسلمين، آثر حظوظه ومصالحه على سمعة المسلمين.

 

 

ثنائية لا بد منها في الصراع بين الحق والباطل

معركة الحق والباطل مستمرة
أيها الإخوة الكرام، لا شك أن هناك في حياتنا مؤمن وغير مؤمن، مؤمن بالله وكافر به، مؤمن بالآخرة وكافر بها، يبني حياته على العطاء والآخر يبني حياته على الأخذ، مؤمن يحب ذاته، ويكره من حوله، يحب من حوله، ويضحي بذاته، وغير مؤمن يحب ذاته ويكره من حوله، لا شك أن هذه الاثنينية كان من الممكن أن يكون الطرف الأول في كوكب، والطرف الآخر في كوكب آخر، وكان من الممكن أن يكون الطرف الأول في قارة والطرف الآخر في قارة، وكان من الممكن أن يكون الطرف الأول في حقبة والطرف الآخر في حقبة، ولكن قرار الله ومشيئته وحكمته ورحمته اقتضت أن نعيش معاً، مؤمن وغير مؤمن، مخلص وغير مخلص، مادي وقيمي، محسن ومسيء، منصف وجاحد، اقتضت حكمة الله أن نكون معاً، وأن نعيش معاً، ومن مقتضيات هذه الحكمة أن يكون هناك معركة بين الحق والباطل أزلية أبدية هكذا.

 

 

طبيعة الحياة أساسها الابتلاء

طبيعة الحياة الدنيا أساسها الابتلاء
قد سُئل الإمام الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ : " أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ فقال : لن تمكن قبل أن تبتلى "، قال تعالى :

 

 

﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾

[ سورة : المؤمنون ]

طبيعة هذه الحياة الدنيا أساسها الابتلاء، قال تعالى :

 

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾

[ سورة آل عمران ]

أيها الإخوة الكرام،

 

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾

[ سورة العنكبوت ]

فالابتلاء قدرنا، وأنت ممتحن فيما أوتيت، وفيما زوي عنك، ممتحن بالقوة وسوف تحاسب عنها، وممتحن بالضعف وسوف تحاسب عنه، ممتحن بالمال وممتحن بفقد المال، ممتحن بالغنى وممتحن بالفقر، قال تعالى :

 

﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[ سورة : المؤمنون ]

الحقَّ لا يقوى إلا بالتحدي

لن نُمكّن قَبْل أن نبتلى، لذلك قد يسأل سائل : لماذا أراد الله أن نعيش معاً ؟ لماذا أراد أن تكون بيننا معركة حق وباطل أزلية أبدية ؟ الجواب والله أعلم وهذا اجتهاد شخصي : لأن الحق لا يقوى إلا بالتحدي، والطرف الآخر الذي كاد للمسلمين لو يعلم أن كيده وضغطه وحربه عاد بالخير على المسلمين بشكل غير مرئي لتألم ألماً شديداً، أنا أقول لكم : الفضل الأول في صحوة المسلمين وفي تقاربهم من بعضهم الطرف الآخر، لذلك هذا الطرف الآخر يسهم بشكل أو بآخر كالشيطان تماماً بتقريب الناس من الله من دون أن يؤجر على ذلك.
لذلك أيها الإخوة، كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، شر مطلق لا وجود له في الكون، لأنه يتناقض مع وجود الله، هناك شر نسبي، لذلك قال تعالى :

 

﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة البقرة ]

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾

[ سورة القصص ]

واقع مؤلم : أعداؤنا متفقون ونحن مختلفون

أعداؤنا متفقون ونحن نتقاتل
لكن الذي أقوله دائماً، وهو يؤلمني أشد الألم : إن أعداءنا وهم على باطل، وهم يسعون للدنيا يتعاونون، يتعاونون وبينهم قواسم مشتركة خمسة بالمئة، بينما نحن أو الذين حولنا، ونسأل الله أن يسلم بلدنا من كل فتنة، لأن الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية هذه الفتن هي الورقة الرابحة الوحيدة بين أعداء المسلمين بدءًا من فرعون موسى، قال تعالى :

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾

[ سورة القصص ]

وانتهاءً بفرعون العصر، الذي قال وزير خارجيته : أنا لا يعجبني أن يكون العالم مئتي دولة، أتمناه خمسة آلاف دولة، هم يصرحون بأعلى صوت لهم، ويقولون : نريد فوضى خلاّقة، ترونها في العراق فوضى خلاقة، يريدون حرباً لا تبقي ولا تذر، يريدون كل يوم مئة قتيل، يريدون أن نرى كل يوم مئة قتيل، مجهول الهوية، هذه الفوضى التي يخططون لها، الآن يخططون لها في لبنان، وخططوا لها، ونفذوها في فلسطين، ونسأل الله مرة ثانية أن يحمي وحدتنا من الفساد، أن نكون على قلب واحد، وعلى اتجاه واحد، وأن نكون مع الله، وأن نملك الوعي الكافي لإسقاط هذه الورقة الرابحة التي بيد أعدائنا.

لا بد من التعاون

يقتضي إيماننا أن نتعاون
يقتضي إيماننا، تقتضي مصلحتنا، تقتضي مروءتنا، تقتضي وطنيتنا، تقتضي أخلاقنا أن نتعاون الآن، الآن غير مسموح بطرح أي مشكلة خلافية لعل الله سبحانه وتعالى يتابع حفظه لنا ولبلدنا الطيب، فالله عز وجل يرينا ما يحصل في بلاد أخرى، نحن نحاط بدول يتقاتلون، وبينهم تسعون بالمئة قواسم مشتركة، ويبحثون كل يوم عن أشياء تباعدهم عن بعضهم، يضعون الجدر فيما بينهم، وجدار سيكلف أربعة وعشرين مليار دولار بين دولتين إسلاميتين، طوله تسعمئة كيلو متر.

 

 

 

قانون العداوة والبغضاء

أيها الإخوة الكرام، نحن في أمسّ الحاجة إلى أن نصطلح مع الله، إلى أن نعود إلى الله، أنا أبين لكم بلا مواربة أن آية قرآنية واحدة تنطبق على كل شخصين، وعلى كل زوجين، وعلى كل أخوين، وعلى كل شركين، وعلى كل جارين، وعلى كل مؤمنين، وعلى كل أسرتين، وعلى كل عائلتين، وعلى كل شعبين، وعلى كل قبيلتين، وعلى كل طائفتين، وعلى كل عشيرتين، وعلى كل أمتين، وعلى كل حضارتين، آية واحدة، قال تعالى :

 

 

 

 

بقدر طاعتنا لله نحب بعضنا

 

﴿ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾

 

[ سورة المائدة : 14]

بقدر طاعتنا لله نحب بعضنا بعضاً، بقدر طاعتنا لله يتنازل بعضنا لبعض، سيدنا الصديق قال لعمر، << يا عمر، مدّ يدك لأبايعك، قال : أنا ؟ قال : أنت، قال : أيّ أرض تقلّني، وأي سماء تظلني إذا كنت أميراً على قوم فيهم أبو بكر، قال : يا عمر، أنت أقوى مني، فقال : أيها الصديق، أنت أفضل مني، فقال عمر : قوتي إلى فضلك >>، نتعاون.
علامة إيمانك التعاون، علامة حملك لهَمّ المسلمين، علامة أخلاقك التعاون.
واللهِ مرة كنت في جامعة في فلوريدا، رأيت حكمة أدهشتني، في فضيلة التنازل، أن تتنازل لأخيك حفاظاً على المصلحة العامة، تطاوعا ولا تختلفا، من فضيلة المؤمن أنه إذا عز أخوه فليهن هو، لا مانع.

نتقاتل والعدو يتفرج مرحا

أيها الإخوة الكرام، العالم كله يتفرج علينا، وأكاد أقول : يرقص طرباً، لأن آخر مّن كنا نظن أنهم سيتقاتلون أعضاء المقاومة الذين أرغموا أنف العدو، لكن العدو أصدر أمراً فجائياً بإيقاف الحملة، لأن أية حملة عسكرية لاجتياح غزة لن تحقق الأهداف التي يحققها اقتتال الفلسطينيين، قال : دعوهم يقتل بعضهم بعضاً، ويمدونهم بالأسلحة، أحياناً يغرون بينهم، إلى متى نحن هكذا ؟ نحن أصحاب حق، نحن أصحاب وحيين، نحن معنا ضوء الشمس، ونائمون، ونتقاتل، وغيرنا ماذا معه ؟ معه الشهوة، معه الفساد، معه المعاصي، معه الإيدز، معه السحاق، معه اللواط، معه تبادل الزوجات، معه ثلاثة وعشرين مليون موقع إباحي، معه أربعمئة فضائية إباحية، لا يملك إلا إفساد الناس، ونحن نحقق له أهدافه.

 

أيها الإخوة الكرام.

﴿ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾

[ سورة المائدة : 14]

يا أيها الإخوة الكرام، بدافع من إيمانك بدافع من مروءتك، بدافع من أخلاقك، بدافع من وطنيتك، بدافع من انتمائك إلى هذه الأمة، بدافع من أن معركة الأمة معركة أزلية أبدية، أيها الأخوة الكرام، نحن نتقاتل وعدو جاثم علينا، متربص بنا، يتمنى إبادتنا، يتمنى إفقارنا، أرحناه، دعه، هذا لنا، استرح أنت، وفر مالك وجهدك وأسلحتك، نحن سنحقق لك أهدافك، وبلا ثمن، وقد سقطنا من عين الله ومن عين الناس، هل تصدقون أن أكبر وعيد في القرآن الكريم حينما يقتل مؤمن مؤمناً متعمداً، أكبر وعيد في القرآن الكريم حينما يقتل مؤمن مؤمناً متعمداً.
أكبر وعيد في القرآن حين يقتل مؤمن مؤمنا متعمدا
أيها الإخوة الكرام، ماذا أقول، ادعوا من أعماقكم، ادعوا ربكم أن يخفف عنهم، وأن يلهمهم السداد والرشاد، وأن يردهم إلى دينهم رداً جميلا، أنا لا أبرئ فريقاً، ولا أمدح فريقاً، ولكنني أقول : في كلا الفريقين أناس أرادوا الدنيا، ولم يريدوا الآخرة، أرادوا المكاسب، أرادوا الأموال، أرادوا أن يكونوا أعواناً للأعداء، هل تصدقون أن الإنسان حينما يبيع نفسه لعدو المسلمين ما وصفه ؟ صدقوني، ولا أبالغ منديل ورق رخيص تمسح به أقذر عملية، ثم يلقى في المهملات، نحن أمة معنا وحي السماء، نحن أمة فضلنا الله على بقية الأمم بهذا الدين العظيم، فقال تعالى :

 

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾

[ سورة آل عمران : 110]

إن لم نأمر بالمعروف وإن لم ننه عن المنكر فنحن لسنا من هذه الأمة نحن أمة التبليغ وليست الأمة الخيرة التي وعد الله أن يعطيها من عطائه الكبير.

لا بد من إسقاط الورقة الطائفية والفوضى البناءة

أيها الإخوة الكرام، إن كنتم لا تملكون شيئاً فادعوا الله في صلواتكم أن يوفق بينهم، وادعوا الله في صلواتكم أن يردهم إلى الصواب رداً جميلاً، وادعوا الله في صلواتكم أن يحقن دماءهم، وادعوا الله في صلواتكم أن يلهمهم الحكمة والسداد، لأنه من يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، وأنتم أيضاً مكلفون أن تحفظوا لهذا البلد الطيب وحدته، أن تسقطوا من أيدي أعداء هذه الأمة أوراقها الرابحة، ولا سيما الفتن الطائفية، هم يقولون جهاراً نهاراً : نريد فوضى بناءة، نريد فوضى تجعل الأمة عشرة دول، والثروات لهم وحدهم.
جاؤوا إلينا من أجل نفطنا
ذكرت لكم من قبل أنهم اكتشفوا أن أكبر احتياطي للنفط في العالم في العراق، أربعمئة وخمسين مليار برميل، وأرخص نفط استخراجاً نفط العراق، ثمانون سنتًا كلفة استخراج البرميل بأي بلد آخر ثمانية دولارات فما فوق، لذلك جاؤوا إلينا بجيوشهم وتحالفاتهم، ورقتهم الرابحة الفتن الطائفية، ونحن سلاحنا الوحيد أن نسقط هذه الورقة من أيديهم نتعاون، نتعايش أيعقل أن النبي عليه الصلاة والسلام لما دخل المدينة المنورة أقام ميثاقاً جمع كل الأطراف، قال : أهل يثرب أمة واحدة، حربهم واحدة، وسلمهم واحدة، نحن الآن في سفينة واحدة، أي إنسان أراد أن يثقب هذه السفينة نغرق جميعاً، فإن أخذنا على يده نجونا ونجا، وإن تركناه هلكنا وهلك، نحن في سفينة واحدة، نحن في قارب واحد، مصلحتنا واحدة.
لذلك أيها الإخوة، إذا كان من قبل التفاهم والتلاقي والوحدة من فضائلنا الآن من فرائضنا، أنا أقول لكم هذه الكلمة، وأسأل الله عز وجل أن يلهمنا جميعاً الصواب.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين، أستغفر الله.

 

* * *

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صل و سلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هيئّوا للطلاب الجو الدراسي المناسب

هيئوا الجو المناسب لأولادكم من أجل الامتحان
أيها الإخوة، رئيس وزراء العدو قال مرة، وقد توفي، وهو غير هذا الذي أمد الله في عمره، قال مرة : العرب لا يقرؤون، وإذا قرؤوا لا يفهمون وإذا فهموا سريعاً ما ينسون، قبحه الله، لكن نحن ينبغي أن نقرأ، ينبغي أن نثقف، وأنا أقول، والامتحان على الأبواب : أولادكم أيها الإخوة أمانة في أعناقكم، هيئوا لهم الجو المناسب، ألغوا كل علاقاتكم في هذين الأسبوعين، أوقفوا كل المناسبات، هيئوا لأبنائكم جوا دراسيًّا مريحًا، اسهروا على دراستهم، على راحتهم، على إيقاظهم، على نومهم، أنا بحكم عملي في التعليم ثلاثين سنة مئات الطلاب رسبوا لأنهم ناموا نوماً عميقاً، ففاتهم موعد الامتحان، أين أبوهم وأمهم ؟ أين أهلوهم ؟ الآن أول واجب تجاه أولادنا أن نسهر على دراستهم، وتوفير الأجواء لهم، وأنا أعتب عتباً لا حدود له على إنسان ليس عنده طلاب مدارس يحلو له أن يرفع المذياع لأعلى درجة، أخي هناك أناس يدرسون، ومرضى متألمون، وأناس عندهم مشكلات، لذلك أتمنى على كل الناس أن يوقفوا المذياع، وأن يهيئوا أجواء مريحة للطلاب، قال الله عز وجل :

 

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾

[ سورة الأنفال : 60]

العلم قوة

العلم قوة
الآن قوة العلم، الحرب بدأت بالإنسان، أصبحت بين آلتين، الآن بين عقلين، يجلس إنسان من أحقر بني البشر في طائرة، وأمامه شاشة رادار، وتحته خريطة مأخوذة من الأقمار الاصطناعية بيتًا بيتًا، يضع المربع فوق مدخنة البيت فتأتي القنبلة في البيت، ويفجر، إنسان جبان، الأسلحة الحديثة الآن ألغت البطولات، ألغت المروءة، ألغت الشجاعة، فلذلك الآن الوضع خطير جداً، قال تعالى :

 

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾

[ سورة الأنفال : 60]

الجهاد بمفهومه الواسع

الآن الحرب بين عقلين، لذلك هناك جهاد، دققوا نحن مشكلتنا إذا ذكر الجهاد ما تصورنا إلا جهاداً قتالياً، كما أن الأمة في أمسِّ الحاجة إلى من يموت في سبيلها، هي في أمس الحاجة ألف مرة إلى من يعيش في سبيل الله، إلى من يعيش في سبيل الله، كن شيئاً مذكوراً، كن شخصاً مهماً، تعلم، ادرس، أنا أخاطب الشباب، الآمال معقودة عليكم، أمتكم كبت، كبا جوادها، ولكل جواد كبوة، ولكل حسام نبوة، ولكل عالم هفوة، والأمل معقود على الشباب.

1 – جهاد النفس والهوى :

أول جهادٍ جهادُ النفس والهوى، يكفي أن تستقيم على أمر الله، وأن تغض بصرك عن محارم الله، وأن تضبط لسانك، وأن تطلب العلم، وأن تلجأ إلى المؤمنين، وأن تنتمي إليهم فهذا جهاد في سبيل الله تغطيه الآية الكريمة :

 

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾

[ سورة العنكبوت: 69]

2 – الجهاد الدعوي :

الجهاد الثاني الجهاد الدعوي : لمجرد أن تفهم القرآن، وأن تحضر مجالس العلم، وأن تعلم القرآن فأنت في جهاد كبير، قال تعالى :

 

﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً﴾

[ سورة الفرقان]

أي بالقرآن.

3 – الجهاد البنائي :

الثالث : الجهاد البنائي، قال تعالى :

 

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾

[ سورة الأنفال : 60]

الدولة الآن التي تملك السلاح النووي لا تجرؤ جهة في الأرض أن تحاربها، وقد لا تستخدمه إطلاقاً، ترهبون به عدو الله.
لابد أن نبني أمتنا بناء زراعيا صحيحا
لذلك أيها الإخوة، ما لم نبنِ أمتنا بناءً صحيحاً، بناء زراعيًا صحيحًا، كل شيء نأكله نستورده، وويل لأمة تأكل ما لا تزرع، وكل شيء نلبسه نستورده من الخيوط، وكل شيء نستخدمه من آلات نستوردها، بل إننا نستورد الأسلحة، إذاً : القرار ليس بيدنا، لذلك أيها الإخوة، قبل أن نفكر في الجهاد القتالي هناك جهاد بنائي.
والله مرة طفل عمره سبع سنوات قال لي : ماذا أعمل ؟ قلت له : أنت حينما تتفوق في دراستك تكون في الجهاد البنائي، أتقن عملك، طور عملك، تفوق في دراستك، ادرس دراسة عميقة جداً، هذا الأمل الوحيد، لأن أعداءنا يتهموننا بأننا لا نقرأ، الآن نريد طبيبًا داعية، نريد مهندسًا داعية، نريد معلوماتيًا داعية، أنا الآن لا أعجب بإنسان ثقافته إسلامية فقط، العالم قوي، العالم يتفنن في إفقار المسلمين، وفي إضلالهم، وفي إفسادهم، العالم الآخر ذكي جداً، لا يفكر أن يهاجم الدين الإسلامي أبداً، يفجره من داخله، يريك نماذج إسلامية غير مقبولة إطلاقاً، يريك فكرًا إسلاميا متخلفا، يريك أن المسلمين يعتقدون أن الأرض مسطحة، لذلك الآن الحرب قاسية جداً صدقوا ولا أبالغ : هناك حرب عالمية ثالثة معلنة على هذا الدين، والأمل معقود على الشباب، وعلى تفوقهم الدراسي، يجب أن تحمل همَّ أمتك، بمجرد أن تخرج من ذاتك لتصلح أمتك فأنت عند الله كبير، احمل همَّ هذه الأمة، هذه الأمة بحاجة إلى الشباب، كما أقول : نحن نصغر أمام من يموت في سبيل الله، ولكننا في أمسِّ الحاجة إلى من يعيش في سبيل الله، إلى من يعيش في سبيل الله.

نصيحة عامة

فلذلك أيها الإخوة الكرام، أيها الطلاب الأعزاء، ادرسوا جيداً، أيها الأولياء، هيئوا لأولادكم أجواء مناسبة، أيها الجيران أوقفوا كل صوت يزعج، أيام إنسان يريد أن ينادي زوجته عند بيت أهلها ببوق سيارته الساعة الثانية في الليل ما في ذوق إطلاقاً، المؤمن عنده ذوق عنده لطف عنده إحساس.
أيها الإخوة الكرام، إلى متى نحن نتبجح أننا أفضل أمة، نحن والله لسنا كذلك، الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح.

الدعاء

أيها الأخوة الكرام، إني داع فأمنوا : اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، خذ بيد ولاة المسلمين لما تحب وترضى يا رب العالمين، إنك على ما تشاء قدير، اللهم أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، احفظ بلاد المسلمين من تآمر المتآمرين، ومن تخطيط الحاقدين، يا أكرم الأكرمين، ألهم الوحدة بين أفراد الأمة الواحدة اللهم ألهمهم الرشاد والسداد والحكمة والتلاقي والتعاون يا رب العالمين، انصر عبادك المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها، وفي شمالها وجنوبها، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، هيئ له بطانة خير، ووزراء صدق، يا رب العالمين، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور