الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلّ له، ومن يُضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً -صلى الله عليه وسلم- رسول الله سيد الخلق والبشر ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغرّ الميامين أمناء دعوته وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
محبة الله -عزَّ وجلَّ- هي أعظم إنجازات الإنسان:
أيها الإخوة الكرام؛ أيّ إنسان على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة جُبِل أو فُطِر على حبّ وجوده، وعلى حبّ سلامة وجوده، وعلى حبّ كمال وجوده، وعلى حبّ استمرار وجوده، حبّ وجوده، وسلامة وجوده، وكمال وجوده، واستمرار وجوده، لماذا يشقى الإنسان إذاً؟ ما دام أي إنسان جُبِل على حبّ وجوده، وعلى حبّ سلامة وجوده، وعلى حبّ كمال وجوده، وعلى حب استمرار وجوده، لماذا يشقى؟! بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوّه أن يفعله به؛ لذلك أزمة أهل النار في النار هي الجهل، والدليل:
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)﴾
لو كنا نسمع الحق، أو نعقله ببحث ذاتي ما كنّا من أصحاب السعير.
أيها الإخوة الكرام؛ أعظم إنجاز يحققه الإنسان في الدنيا على الإطلاق أن يحبه الله، يُنادى له في الكون: أنّا نحبه، فيسمع مَن في الكون أمر مُحبه، إذا أحبك الله وصلت إلى كل شيء، ولكن كما يقال: درء المفاسد مقدّم على جلب المنافع.
من هم الذين لا يحبهم الله -عزَّ وجلَّ-؟
1ـ المعتدون:
الموضوع اليوم: مَن هذا الذي لا يحبه الله؟

كي نتلافى هذه البنود وبعدئذ كيف يحبك الله -عزَّ وجلَّ-؟ الله -عزَّ وجلَّ - يقول:
﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)﴾
العدوان على الأنفس بالإيذاء، أو التعذيب، أو القتل، والعدوان على الأموال بالسرقة، أو بالاحتيال، والعدوان على الأعراض؛ وعرض الإنسان سمعته، بالغيبة والنميمة، ﴿وَلَا تَعْتَدُوا﴾ لا تعتدي، لا تعتدي لا على الأنفس تعذيباً وقتلاً، ولا على الأموال سرقة واحتيالاً، ولا على الأعراض كذباً ونميمة ﴿وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ ، لكن هذا لا يعني أنه إذا اعتُدِيَ عليك أن تبقى مكتوف اليدين، هذا يتناقض مع كرامة المؤمن، يتناقض مع عزة المؤمن، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ (39)﴾
البغي: العدوان.
(( اطلُبُوا الحوائِجَ بِعِزَّةِ الأنُفُسِ، فإِنَّ الأمورَ تَجْرِي بالمقادِيرِ ))
[ رواه الألباني في (ضعيف الجامع) عن عبد الله بن بسر ]
المؤمن عزيز ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ ، لكنهم إذا انتصروا:
﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)﴾
كلام دقيق جداً: إذا غلب على ظنك أن عفوك عنه يصلحه، الله -عزَّ وجلَّ- يقول لك: اعف عنه يا عبدي وأنا أكافئك ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ ، للتقريب إنسان يقود مركبته بسرعة أقل من المقبول، طفل قفز إلى نصف الطريق فدُهِس، السائق هذا بحسب القوانين ينبغي أن يُحاسب حساباً شديداً، لكن الواقع يؤكد عكس ذلك، ليس له ذنب إطلاقاً، يمشي على أقل سرعة لكن الطفل أهوج قفز إلى أمام الطريق فدُهِس، هذا إذا عَفَونا عنه عَفْونا عنه يصلحه، أما هذا الذي يقود مركبة ويتحدى الآخرين، ويتطاول على الآخرين، فإذا أخطأ ينبغي أن نحاسبه.
الضابط: إذا كان عفوك عنه يصحله فاعفو عنه والله يكافئك، أما إذا كان عفوك عنه يزيده انحرافاً وتطاولاً فينبغي ألا تعفو عنه، لذلك: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ﴾ أي أصلح بعفوه، غلب على ظنه أن العفو يصلحه، عندئذ يقول الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ .
حكم الغيبة والنهي عن الاستماع لها:
أيها الإخوة؛ قال عليه الصلاة والسلام:
(( إيَّاكُم والغِيبَةَ، فإنَّ الغِيبَةَ أَشَدُّ من الزِّنا، إنَّ الرجلَ قد يَزْنِي ويتوبُ فيتوبُ اللهُ عليه، وإنَّ صاحِبَ الغِيبَةِ لا يُغْفَرُ له حتى يَغْفِرَ له صاحِبُهُ ))
[ رواه الألباني في (ضعيف الجامع) عن أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله (ضعيف) ]

لأنه عدوان على أعراض الآخرين، والعِرض موضع المدح والذم في الإنسان،
(فإنَّ الغِيبَةَ أَشَدُّ من الزِّنا، إنَّ الرجلَ قد يَزْنِي ويتوبُ فيتوبُ اللهُ عليه، وإنَّ صاحِبَ الغِيبَةِ لا يُغْفَرُ له حتى يَغْفِرَ له صاحِبُهُ) ، شخص قال لآخر: لقد اغتبتني، فقال له: ومن أنت حتى أغتابك؟ لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت والديّ لأنهما أحق بحسناتي منك، لذلك ورد: أن قذف محصنة يهدم عمل مئة سنة،
فالغيبة من العدوان، والإيذاء المادي – التعذيب-
من العدوان، والقتل من العدوان، ولا تنظر إلى من أعطاك الأمر انظر إلى صاحب الأمر، انظر إلى الواحد الديّان، انظر إلى الذي أنت في قبضته
﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ .
إخواننا الكرام؛ لازلنا في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ ، نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الغيبة وهذا معروف لديكم، ولكنّ الذي قد يغيب عن بعضكم أنه نهى عن الاستماع للغيبة، كان هناك عالم جليل في هذا البلد الطيب إذا اغتاب أحد عنده أحداً يقول له: "اسكت أظلم قلبي" ، فالنبي الكريم نهى عن الغيبة ونهى عن الاستماع للغيبة، أول بند: إن الله لا يحب المعتدين لا على الأنفس بالتعذيب والقتل، ولا على الأموال بالسرقة والنهب، ولا على الأعراض بالغيبة والنميمة، أول فقرة: الله -عزَّ وجلَّ- لا يحب المعتدين.
أشد أنواع الظلم الإشراك بالله -عزَّ وجلَّ-:
الآية الثانية:
﴿ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)﴾

وأشد أشد أنواع الظلم الإشراك بالله، لقوله تعالى:
﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)﴾
أنت حينما اتجهت إلى إنسان وتوهمت أن خيرك منه، وأن خوفك منه، وأن شرّك منه، وأن مقاديرك بيده، وأنك في قبضته، ونسيت الله، عبدته من دون الله، وهذا هو الشرك العظيم.
(( يجيءُ الرجلُ آخذًا بيدِ الرَّجلِ، فيقولُ: يا ربِّ! هذا قتلَني، فيقولُ اللهُ لَهُ: لم قتَلْتَهُ؟ فيقولُ: قتَلْتُهُ لتكونَ العزَّةُ لكَ، فيقولُ: فإِنَّها لِي، ويجيءُ الرجلُ آخذًا بيدِ الرجلِ، فيقولُ: أيْ ربِّ! إِنَّ هذا قتلَني، فيقولُ اللهُ: لم قتلْتَهُ؟ فيقولُ: لِتكونَ العزَّةُ لفلانٍ! فيقولُ: إِنَّها ليستْ لفلانٍ، فيبوءُ بإثمِهِ. ))
[ أخرجه النَسائي والطبراني والبيهقي عَن عبد اللَّه بن مسعود ]
فالمؤمن يأتمر بالقرآن والسنة، وأي أمر جاءه يتناقض مع الكتاب والسنة ينبغي ألا ينفذه وليكن ما يكن، هذا هو المنهج الإلهي: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ ، أشد أشد أنواع الظلم الشرك بالله، أن ترى مع الله أحداً، أن ترى مع يد الله يداً، أن ترى أن الأقوياء بيدهم الأمر، الله -عزَّ وجلَّ- متى أمرك أن تعبده؟ قالوا: بعد أن طمأنك فقال لك:
﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾
متى أمرك أن تعبده؟ بعد أن طمأنك أن الأمر كله بيده، حياتك بيد الله، موتك بيد الله، رزقك بيد الله، سعادتك بيد الله، أهلك بيد الله، أولادك بيد الله، من فوقك بيد الله، من تحتك بيد الله، من حولك بيد الله، هذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، لذلك: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ ، ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ .
2. الظالمون:
الحديث: من هم أولئك الذين لا يحبهم الله -عزَّ وجلَّ-؟ لا يحب الظالمين، مرة شرحت هذه الآية بمثل:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا (48)﴾
إنسان من دمشق له مبلغ كبير في حلب، وقد وُعِد أن يقبضه مثلاً الساعة الثانية عشرة ظهراً، هناك قطار يتجه من دمشق إلى حلب يصل الساعة الحادية عشرة، ركب بمركبة من الدرجة الثالثة وبطاقته من الدرجة الأولى، أليس هذا غلط؟! مع أن هذا غلط لكن القطار متجه إلى حلب وسيصل الساعة الحادية عشرة، ركب مع شباب أزعجوه كثيراً وهذا خطأ ثانٍ ولكن القطار يتجه إلى حلب وسيقبض المبلغ الساعة الثانية عشرة، ركب القطار وهو يتلوى من الجوع وهناك عربة فيها مطعم، لا يعلم ذلك هذا خطأ ثالث، ممكن أن أعدد لك عشرات الأخطاء، لكنه بالنهاية القطار يتجه إلى حلب وسيصل الساعة الحادية عشرة، أما هناك غلط لا يغتفر فيركب قطار عمان، لا شيء، لا يوجد مليون ليرة هناك، فالإنسان إذا اتجه لغير الله أشرك، هذا الذي هو بعيد عن أن يكون مقصدك، إذا اتجهت إلى غير الله وقعت بالشرك العظيم: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا﴾ هناك مع الشرك أخطاء، مع الشرك أكل أموال الناس بالباطل، مع الشرك عدوان على الأشخاص وعلى حياتهم، أيها الإخوة؛ البند الثاني: الله -عزَّ وجلَّ- لا يحب الظالمين.
﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)﴾
إذاً: لا يحب المعتدين، لا يحب الظالمين، لا يحب المسرفين.
4ـ الفرحون:
الشيء الذي يلفت النظر:
﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)﴾
حرام أن تفرح؟! الآية الأخرى، سُمّي القرآن الكريم مثاني، كل موضوع فيه آيتان، الآية الثانية تنثني على أختها فتفسرها، الآية الكريمة:
﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)﴾
لا تفرح بالمال، والمال ينقلك إلى معاصي الله، عندئذ ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ ، لكن ما الذي ينبغي أن تفرح به؟
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58)﴾
افرح إن كنت مؤمناً، افرح إن كنت مستقيماً، افرح إن أجرى الله على يدك الخير، افرح بمعرفة الله، افرح بفهم القرآن، افرح بعمل صالح يرقى بك عند الله، إذاً ليس النهي عن الفرح مطلقاً أن تفرح بالدنيا، الدنيا تغرّ وتضرّ وتمرّ، حدثني إنسان توفي -رحمه الله- كان يعمل في سوق الحميدية وله سلوك هكذا فعل، يجمع قمامة المحل بعلبة فخمة، يغلفها بورق هدايا مع شريط أحمر، ويضعها على الرصيف أمام المحل، يراها إنسان يظنها شيئاً نفيساً ألماساً أو ذهباً، يحملها ويسرع، يتبعه، بعد مئة متر يفك الشريط، بعد مئة متر ثانية يفك الورق، يفتح العلبة يظن أنه سيلقى فيها ذهباً أو ألماساً، فإذا في العلبة قمامة المحل فيزمجر ويسب، وهذا حال الإنسان عند لقاء الله، أحبّ الدنيا وتعلق بها، وظنها شيئاً ثميناً، ولكن كُشفت له الحقيقة لكن متى؟ بعد فوات الأوان، إذاً: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ ، فأول سؤال: لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، لا يحب الظالمين، إن الشرك لظلم عظيم، لا يحب الفرحين، ينبغي أن تفرح بفضل الله -عزَّ وجلَّ-، باستقامتك، بعملك الصالح، بإنفاق المال، بطلب العلم.
﴿ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107)﴾
أيّة خيانة على وجه الأرض لا يحبها الله -عزَّ وجلَّ-، بل إن الله -عزَّ وجلَّ- يقول:
﴿ ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)﴾
الكيد: التدبير ، إذا خان إنسان الأمانة، أقسم قبل أن يتخرج على أن يرعى حقوق الوطن، أن يرعى حقوق المرضى كطبيب، أن يرعى حقوق المظلومين كمحامٍ، أقسم عند التخرج فإذا به لا يفعل ذلك، هذه خيانة للمبدأ، خيانة للقَسَم، كل الحِرَف الراقية فيها قسم عند التخرج، أقسم بالله أن أرعى حقوق الأمة، حقوق المواطنين، لذلك ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا﴾ والجواب: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾ ، أي تدبير مهما كان متقناً، مهما كان محكماً، إذا انطلق من خيانة فالله -عزَّ وجلَّ- لا بد من أن يكشفه.
﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)﴾

الكبر على ماذا؟! بثانية واحدة الإنسان يكون من أهل القبور، قطرة دم لا تزيد عن رأس الدبوس إذا تجمدت في أحد شرايين الدماغ يُصاب الإنسان بالشلل، أو بالعمى، أو بأمراض لا تعد ولا تحصى، أي كل مكانتك وهيمنتك وقوتك وشأنك بين الناس مبني على قطرة دم بحجم رأس الدبوس إذا تجمدت بأحد أوعية الدماغ يصاب الإنسان بالشلل، هناك ملك ببلد عربي كان مشلولاً لعشر سنوات بسبب قطرة دم، من أنت؟! لا تقل أنا، لذلك
﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾ ، و
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ ، تواضع لرب العرش، تواضع لله -عزَّ وجلَّ-، تواضع لمن حولك، لذلك الخيانة أن تخون مبدأك.
7ـ مَن يجهر بالسوء:
والله -عزَّ وجلَّ- أيضاً:
﴿ لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148)﴾
هناك توجيه للنبي مذهل، أحد الصحابة سبّ أبا جهل؛ أكفر كفار قريش، ناصب العداء للنبي عشرين عاماً، تفنن بإذلال أصحابه والعدوان عليهم، ومع ذلك حينما سبّه أحد الصحابة، قال: "يأتيكُم عِكرمةُ بنُ أبى جهلٍ مؤمنًا مهاجِرًا، فلا تسبُّوا أباهُ، فإنَّ سبَّ الميِّتِ يؤذي الحيَّ، و لا يبلُغُ الميِّتَ" ، ما هذا الأدب؟! نهى عن سب أبي جهل إكراماً لعكرمة، عوّد نفسك ألا تستخدم السباب في حياتك.
﴿ لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)﴾
(( لو لم تكونوا تُذْنِبونَ، لخِفْتُ عليكم ما هو أكبرُ من ذلِكَ؛ العُجْبُ العُجْبُ ))
[ أخرجه البزار، والعقيلي، والديلمي عن أنس بن مالك ]
(( قالَ اللَّهُ -عزَّ وجلَّ-: الكبرياءُ ردائي، والعظمةُ إزاري، فمَن نازعَني واحدًا منهُما، قذفتُهُ في النَّارِ ))
[ أخرجه أبو داود، وأحمد وابن ماجه عن أبي هريرة ]
9ـ الكافرون:
أيها الإخوة الكرام.
﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)﴾
هذا الكافر الذي كفر بالله، لكن قد يقول أحدكم: كفر بالله أي أنكر وجود الله؟ لا، اسمع الآية من أخطر الآيات:
﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)﴾
ما هذه الآية؟! ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ ، لذلك العلماء قالوا: هناك كفر دون كفر، هناك كفر يُخرج من الملّة، وهناك كفر دون كفر، أنت لا تنفق المال، أنت لم تعبأ بأوامر الله في إنفاق المال، أنت لا تغض بصرك عن محارم الله، لم تعبأ بقوله تعالى:
﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)﴾
ألا تعبأ بحكم فقهي، ألا تعبأ بأمر قرآني، ألا تعبأ بأمر نبوي، هذا نوع من الكفر به، إنسان زار طبيباً والطبيب عالجه وكتب له وصفة، والمريض ذكي جداً ولبق واجتماعي، صافح الطبيب، وأثنى عليه وشكره شكراً عالياً، ودفع له الأتعاب، ولكن هذا المريض لأنه لم يستخدم الوصفة التي كتبها له الطبيب فمعنى ذلك ليس واثقاً من علمه، فعدم شراء الدواء واستخدامه نوع من الكفر بهذا الطبيب، ما من داعٍ أن تقول: أنا أؤمن بالله، إذا كنت مؤمناً بالله ماذا فعلت؟ ما العمل الذي فعلته ليؤكد إيمانك، هناك أنواع من الانحراف سببها أن الإنسان لم يقنع بأمر الله بعد، أو ما عنده إرادة أن يطبقها.
أيها الإخوة الكرام؛ إذاً الله -عزَّ وجلَّ- لا يحب الكافرين، وهناك كفر دون كفر، ﴿لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾ ولا يحب الخائنين، ولا يحب المستكبرين، ولا يحب الجهر بالسوء من القول، ولا يحب من كان مختالاً فخوراً، لا يهدي كيد الخائنين، لا يحب من كان خواناً أثيماً، لا يحب المفسدين، لا يحب الفرحين بالدنيا، لا يحب الظالمين، لا يحب المعتدين، هذا الذي لا يحبه الله، وفي لقاء آخر إن شاء الله نتحدث عن الذين يحبهم الله -عزَّ وجلَّ-.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
الصلح مع الله أساس الخلاص من كل المشكلات:
أيها الإخوة الكرام؛ أحياناً هناك كلمات قليلة أنا أسميها كلمات جامعة مانعة، ورد في الأثر:

"لا يخافنّ العبد إلا ذنبه"، لا تخف من قوي لأنه بيد الله، لا تخف من أي شيء، لكن خف من ذنبك:
"لا يخافنّ العبد إلا ذنبه" ، الذنب وحده سبب أي مشكلة، والآيات تؤكد ذلك، أي
ما نزل بلاءٌ إلّا بذنب، ولا رُفع إلاّ بتوبة. ورد في الأثر: "ما من عثرةً، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عودٍ، إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله أكثر" ، فأنت حينما تؤمن أن الله -سبحانه وتعالى- لا يسوق للعباد مصيبة إلا بسبب، فإذا بحثت عن هذا السبب قطعت أربعة أخماس الطريق إلى الله -عزَّ وجلَّ-، حينما تؤمن أنه ما من بلاء ينزل إلا بسبب، وأن هذا السبب إذا أزيل رُفِع البلاء، أي قوة غاشمة، هذه القوة لا تزول، جاءت بسبب تقصير من المؤمنين، متى تزول؟ إذا اصطلح المؤمنون مع الله -عزَّ وجلَّ- أولاً، ثم تحركوا وفق الحكمة، لا بد من أن نبدأ بالصلح مع الله حتى تزول عنا المشكلات.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الملف مدقق