الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً -صلى الله عليه وسلم رسول الله- سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين أمناء دعوته وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
أعراض الإعراض عن الله -عزَّ وجلَّ-:
أيها الإخوة الكرام؛ المشكلات التي يعاني منها المسلمون لا تُعدّ ولا تُحصى، ولكن الحقيقة الدقيقة أن كل هذه المشكلات هي أعراض لمرض واحد هو الإعراض عن الله، إذاً مشكلاتنا هي أعراض الإعراض، لذلك سوف أتحدث عن بنود عديدة هي سبب مشكلاتنا، هذه المشكلات سببها الإعراض أي ضعف الإيمان، ما مظاهر ضعف الإيمان؟ ضعف الإيمان أخطر مرض لأنه وراء كل مشكلاتنا الأسرية والاجتماعية والاقتصادية، لذلك محور هذا اللقاء الطيب في هذه الخطبة المباركة: أعراض الإعراض عن الله -عزَّ وجلَّ-.
1ـ الإيمان الذي لا يحمل على طاعة الله إيمان لا ينجي:
أولاً: الإيمان الذي لا يحملك على طاعة الله ليس إيماناً كافياً، هناك إيمان لا ينجي، إبليس اللعين:
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)﴾
آمن به رباً، وآمن به عزيزاً، وقال:
﴿ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِىٓ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79)﴾
آمن باليوم الآخر ومع ذلك هو إبليس، ما كل إيمان ينجّي، فالإيمان الذي لا يحملك على طاعة الله لا يُعد إيماناً مُنجِّياً، لذلك أنا أنطلق في هذا اللقاء الطيب من أن الحقيقة المُرّة أفضل ألف مَرّة من الوهم المريح، إياك أن تقع في شرك الوهم المريح، الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، فالإيمان الذي لا يحملك على طاعة الله، على أن تستقيم على أمره، على أن تجعل دخلك حلالاً، على أن تجعل مالك حلالاً، على أن تربي أولادك وفق منهج الله، على أن تختار زوجة صالحة، الإيمان الذي لا يحملك على طاعة الله إيمان لا ينجّي، لئَلّا تقع في الوهم؛ لأن الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، الدعاء: نعوذ بك من الجهل والوهم، ونعوذ بك من وحول الشهوات، بل أخرجنا يا رب من وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الآن، إنْ لم تشعر في قلبك برحمة ترحم بها الضعيف فهناك ضعف في إيمانك، قد يقول أحدكم: أنا أرحم أولادي، محبة الأولاد، والحرص على سلامتهم، وتحصيلهم، وسعادتهم، فطرة أودَعها الله فيك، النبي الكريم قال:
(( لمَّا حُضِرَتْ بنتٌ لرسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- صغيرةٌ فأخذَها رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فضمَّها إلى صدرِهِ، ثمَّ وضعَ يدَهُ عليها، فقَضَت، وَهيَ بينَ يدي رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فبَكَت أمُّ أيمنَ، فقالَ لَها رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ-: يا أمَّ أيمنَ، أتبكينَ ورسولُ اللَّهِ عندَكِ، فقالَت: ما لي لا أبكي ورسولُ اللَّهِ يبكي، فقالَ رسولُ اللَّهِ: إنِّي لَستُ أبكي، ولَكِنَّها رحمةٌ ، ثمَّ قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: المؤمنُ بخيرٍ علَى كلِّ حالٍ تنزعُ نفسُهُ من بينِ جنبيهِ وَهوَ يَحمدُ اللَّهَ -عزَّ وجلَّ-. ))
[ صحيح النسائي عن عبد الله بن عباس ]
هل ترحم الآخرين؟ رحمتك بمن يلوذ بك شيء أُودِع في فِطَرنا، الدليل: ادخل إلى مشفى أطفال الأم الملتزمة تبكي، والمتفلتة تبكي، والمستقيمة تبكي، والمنحرفة تبكي، أن يقتصر عملنا على أُسرِنا هذا شيء أُودِع في فِطَرنا فينا ولكنها رحمة عامة، لذلك قال تعالى:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ(159)﴾
أي بسبب رحمة استقرت في قلبك يا محمد كنت ليناً لهم، فلما كنت ليناً لهم التفوا حولك، ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾ هذا قانون، دقق: تتصل بالله يمتلئ القلب رحمة، تنعكس الرحمة ليناً، هذا اللِّين يجعل الناس يلتفون حولك، هذه الآية يحتاجها الأب والأم والمعلم والمرشد، وأي منصب قيادي في الأرض يحتاج إلى هذه الآية ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ﴾ ، ولو كان الإنسان منقطعاً عن الله لامتلأ القلب قسوةً، وانعكست القسوة غلظة، وفظاظة، فينفض الناس من حولك، هذه الآية تنطوي على قانون الالتفاف والانفضاض، أنت كأب تتمنى أن يلتفّ أولادك حولك، أنت كمعلم تتمنى أن يلتف طلابك حولك، أنت كداعية تتمنى أن يلتف المؤمنون حولك، كيف يلتفّون؟ ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ﴾ فالانقطاع عن الله -عزَّ وجلَّ- يورث غِلظة وفظاظة، عندئذ ينفض الناس من حولك، إذاً بقدر رحمتنا تكون مكانتنا عند الله -عزَّ وجلَّ-:
﴿ أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُۥ لِلْإِسْلَٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍۢ مِّن رَّبِّهِۦ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَٰسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ فِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍ (22)﴾
أحد أسباب ضعف الإيمان قسوة القلب، الإيمان الذي لا يحملك على طاعة الله إيمان لا ينجّي، وقسوة القلب حجاب بينك وبين الله.
أيها الإخوة، وقال بعض العلماء: عدم إتقان العبادات، قال تعالى:
﴿ ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ (32)﴾
إتقان العبادات علامة القُرب، إتقان العبادات علامة الحب، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعرفه ثم لا تحبه، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تحبه ثم لا تطيعه.
تَعصِي الإِلهَ وأنتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ هذا لَعَمْرِي في المَقالِ بَديعُ
لَو كانَ حُبُّكَ صَادِقاً لَأَطَعْتَـــهُ إِنَّ المُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ يُطِيعُ
يا أيها الإخوة الكرام؛ مرة ثانية أضع بين أيديكم مقاييس للإيمان المُنجّي، أما الإيمان الذي يتوهم صاحبه أنه منجٍّ ولا يحملك على طاعة الله، ولا يملأ قلبك رحمة فهذا إيمان غير مُنَجٍّ.
أيها الإخوة؛ أنت حينما تتكاسل على أداء الطاعات، تتكاسل في صلة الرحم، تتكاسل في إنفاق مالك، تتكاسل في طلب العلم، أنت حينما تتكاسل عن تنفيذ الأوامر والطاعات، هذا التكاسل أحد أسباب ضعف الإيمان ، وأحد أسباب المشكلات التي يعاني منها المسلمون، الإنسان يسأل زوجته هل كتب الأولاد وظائفهم؟ تقول له: نعم، هل تناولوا طعام العشاء؟ تقول له: نعم، لكن قلّما يسأل أب أهله عن صلاة أولاده، هل صلوا العشاء؟ أنت حينما تهتم بصحتهم وبتحصيلهم شأنك كشأن أي إنسان، أما حينما تهتم بدينهم فقد ربحت، لذلك -إخواننا الكرام-والحقيقة مؤلمة جداً لو بلغت أعلى منصب في الأرض، ولو جمعت أكبر ثروة في الأرض، ولو ارتقيت لأعلى منصب في الأرض ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس، وهذه المشكلة مشكلة كبيرة في بلادنا، لكنها أكبر مليون مرة في بلاد الغرب، لماذا؟ لأن الصوارف عن الدين لا تُعد ولا تُحصى، ولأن العقبات أمام الدين لا تُعد ولا تُحصى، بل من كثرة الصوارف والعقبات يكون الأجر على قدر المشقة.
أيها الإخوة؛ علامة ضعف الإيمان ضيق الصدر، قال تعالى:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُۥ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ أَعْمَىٰ (124)﴾
أنا أقول لك هذه الكلمة -وأرجو أن أكون على صواب-: إن لم تقل أنا أسعد الناس في الأرض إلا أن يكون أحد أتقى مني فهناك خلَل في إيمانك ، والله مرة أحد الإخوة أدى فريضة الحج، ولما عاد زرته مهنئاً فقال لي: والله ما على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني، أنت مع الله.
فلو شاهدت عيناك من حـسننــا الذي رأوه لما وليت عنا لـغيرنــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنــا
ولو ذقت من طعم المحبــة ذرةً عذرت الذي أضحى قتيلاً بـحبنــا
ولو نسمَتْ من قربنا لك نسمـةٌ لَمِتَّ غريبـــــاً واشتيقــاً لقربنــــا
ولو لاح من أنوارنــا لك لائــح تركت جميع الكائنــــــات وجئتنــا
الفرق بين حقائق الإيمان وحلاوة الإيمان:
لذلك أن تذوق طعم الإيمان أو أن تذوق حلاوة الإيمان، فرق كبير بين حقائق الإيمان وبين حلاوة الإيمان، هذا الفرق كما هو بين ورق عليه خارطة قصر، على الورق الغرفة ثمانية أمتار بستة أمتار، وهناك حديقة، له إطلالة، كله ورق، وأنت لا تملك كوخاً، أما حلاوة الإيمان فأن تسكن هذا القصر، مسافة كبيرة جداً بين حقائق الإيمان وبين حلاوة الإيمان، أن تقتني صورة مركبة فارهة صُنِعت في أحدث عام، هذه الصورة شيء وأن تمتلك المركبة شيء آخر، فلذلك الذي يدفعك إلى التضحية حلاوة الإيمان، الذي يدفعك إلى أن تؤثر طاعة الله على طاعة أي إنسان حلاوة الإيمان، الذي يدفعك أن تبكي في الصلاة حلاوة الإيمان، الذي يدفعك أن تبذل الغالي والرخيص والنفس والنفيس حلاوة الإيمان، وقد وردت في السنة:
(( ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً ))
[ صحيح مسلم عن العباس بن عبد المطلب ]
(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ))
[ متفق عليه عن أنس بن مالك ]
حلاوة الإيمان شيء وحقائق الإيمان شيء آخر (ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ -في قرآنه- وَرَسُولُهُ -في سنته- أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا) متى؟ عند التعارض، أنت مستورِد وهناك بضاعة محرمة، الشركة ألزَمتك أن تكون هذه البضاعة ضمن المستوردات، فأنت من أجل الربح الكبير وافقت، أما حينما تركل هذا الشراء بقدمك وتُظهِر طاعة الله -عزَّ وجلَّ- فتكون قد دفعت ثمن حلاوة الإيمان، أنت حينما تؤثر طاعة الله على مصالحك المتوَهَّمة تكون قد ذقت حلاوة الإيمان.
من ذكره الله -عزَّ وجلَّ- منحه صفات رائعة جداً:
أيها الإخوة؛ أنت حينما تقرأ القرآن، أو حينما تصلي، أو حينما تذكر الله ولا تشعر بشيء إطلاقاً فاعلم أنه لا قلب لك، هناك مؤشرات، الصلاة فرضها الله علينا في قوله تعالى:
﴿ ٱتْلُ مَآ أُوحِىَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ ۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾
قال علماء التفسير: ذكر الله أكبر ما فيها، لكن رأياً لأحد الصحابة الكرام هو ابن عباس يقول: "أيها المصلي ذِكْرُ الله لك وأنت في الصلاة أكبر من ذكرك له" ، بمعنى أن الله إذا ذكرك منحك الرضا، إذا ذكرك منحك الحكمة، إذا ذكرك منحك الإنصاف، إذا ذكرك منحك القُرب، إذا ذكرك منحك السكينة، تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، أنت حينما تصلي تذكر الله والله يذكرك، لذلك:
﴿ إِنَّنِىٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِىٓ (14)﴾
إذا ذكرك الله -عزَّ وجلَّ- منحك صفات رائعة جداً، وهذا معنى ما جاء في الأثر: "إنّ بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوّارها هم عمّارها، فطُوبى لِعَبْد تطهّر في بيته ثمّ زارني، وحُقّ على المزور أن يُكْرم الزائر".
أيها الإخوة؛ الغفلة عن ذكر الله من علامات ضعف الإيمان، قال تعالى:
﴿ إِنَّ ٱلْمُنَٰفِقِينَ يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَٰدِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوٓاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)﴾
الآية الكريمة:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)﴾
يا تُرى الأمر ينصبّ على الذكر، لا، ينصبّ على كثرة الذكر:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)﴾
لذلك المنافقون ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ هناك نفاق اعتقادي، ونفاق سلوكي.
7ـ عدم الغضب إذا انتهكت حرمات الله:
أيها الإخوة؛ ومن علامات ضعف الإيمان: ألّا تغضب إذا انتُهِكت حرمات الله، أب يمشي مع ابنته بثياب تُظهِر كل مفاتنها ولا يتأثر، امرأته تقف على الشرفة وتنشر الغسيل بثياب شفافة ولا يتأثر، هذا الذي لا يتأثر بحرمات الله إذا انتُهِكت مشكلته مع الله كبيرة جداً، المؤمن يغضب ويتألم إذا انتُهِكت حرمات الله -عزَّ وجلَّ-، أيها الإخوة؛ ورد في بعض الأحاديث:
(( ... تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ... ))
[ صحيح مسلم عن حذيفة بن اليمان ]
فتن، المرأة فتنة، والفتن لا تعد ولا تحصى: (تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ)
البشر فريقان لا ثالث لهما:
بالنهاية البشر على اختلاف مِلَلهم، ونِحَلهم، وانتماءاتهم، ومواقفهم، وأحزابهم، وتياراتهم، الناس على ذلك ينقسمون إلى قسمين لا ثالث لهما، الفريق الأول عرف الله، فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسلم وسعِد في الدنيا والآخرة، الفريق الثاني غفل عن الله، وتفلت من منهجه، وأساء إلى الخلْق، فشقي وهلك في الدنيا والآخرة، ولن تجد فريقاً ثالثاً أبداً، في النهاية قلبٌ طاهر وقلبٌ ليس بطاهر، إنسانٌ قريب وإنسان بعيد، إنسان مُلهَم، وإنسان غير مُلهَم، إنسان مُوفَّق وإنسان غير موفق، أي المسافة كبيرة جداً بين المؤمن وغير المؤمن، والدليل:
﴿ أَرَءَيْتَ ٱلَّذِى يَنْهَىٰ (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰٓ (10)﴾
أين تتمة الآية؟ أي انظر إلى سلوكه، إلى حياته الزوجية، إلى دخله، إلى إنفاق ماله، إلى مزاحه، إلى لقاءاته:
﴿ أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَى ٱلْهُدَىٰٓ (11) أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰٓ (12)﴾
إنسان آخر يتحلى بالعلم، الحلم، الأدب، التواضع، الصدق، الأمانة، لذلك سيدنا جعفر حينما دخل على النجاشي قال له حدثني عن الإسلام، فقال: "أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْماً أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ وَنُسِيئُ الْجِوَارَ يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولاً مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ" إنْ حدّثك فهو صادق، إن عاملك فهو أمين، إن استُثيرت شهوته فهو عفيف: (نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ) هذه العبادة التعاملية، والعبادات الشعائرية لا تُقبَل ولا تصِحّ إلا إذا صحت العباداتُ التعاملية، الدليل:
(( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا. ))
[ أخرجه ابن ماجه عن ثوبان مولى رسول الله ]
(( خشيةُ الله رأسُ كلِّ حكمة، والورعُ سيدُ العمل، ومن لم يكنْ له ورعٌ يحجِزه عن معصية الله -عَزَّ وَجَلَّ- إذا خلا بها لم يعبأ الله بسائر عمله شيئاً. ))
[ ذكره الألباني بسند ضعيف عن أنس بن مالك ]
أيها الإخوة؛ هذه حقيقة لا بد أن تأخذ بها، الآن ورد في بعض الأحاديث:
(( إذا عُمِلتِ الخطيئةُ في الأرضِ؛ كان من شهِدَها فكرِهَها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيَها كان كمن شهِدَها. ))
[ أخرجه أبو داود عن العرس بن عميرة الكندي ]
يكفي أن تقول: فلان شاطر، جمّع أموالاً طائلة عن طريق حرام لكنه دبّر أموره، أنت بهذا شريكه في الإثم، لذلك كما ورد: " الذنب شؤمٌ على غير صاحبه، إنْ ذكره فقد اغتابه، وإن عيّره ابتلي به، وإن أقره شاركه بالإثم" ، لديك صديق ارتكب ذنباً، إن حدّثت الناس عن هذا الذنب فقد اغتبته، وإن عيّرته ابتلاك الله بهذا الذنب؛ مشكلة كبيرة، فأنت بحاجة إلى أن تتفقه في الدين.
أيها الإخوة الكرام؛ شيء آخر، الآن: حب المظاهر يقول عليه الصلاة والسلام:
(( إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنِعمَ المرضعة وبئست الفاطمة. ))
[ أخرجه البخاري عن أبي هريرة ]
قال له: ماذا تفعل؟ سيدنا عمر كان يقول: "والله لو تعثّرت بغلة في العراق لحاسبني الله عنها، لمَ لمْ تصلح لها الطريق يا عمر؟"، وعيّن أحد الولاة، فأعطاه كتاب التعيين وقال له: "ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب؟ قال: أقطع يده، قال له: إذاً إن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسدّ جَوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر له حِرفتهم، فإن وفّينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها، إن هذه الأيدي خُلِقت لتعمل، فإن لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية"، لذلك جاء إليه مسلمًا جَبلة بن الأيهم ملك الغساسنة، فرحّب به سيدنا عمر وفق السنة، هذا الملك في أثناء الطواف بدويٌّ من فزارة داس طرف ردائه، فانخلع رداؤه عن كتفه، فهذا الملك ضرب هذا الأعرابي ضربةً هشَّمت أنفه، فذهب إلى عمر شاكياً، سيدنا عمر استدعى جَبلة فوقف أمامه ملك الغساسنة، ووقف أمامه هذا الأعرابي الذي هُشِّم أنفه، وقال سيدنا عمر لجبلة:
قال عمر: أصحيح ما ادّعى هذا الفزاري الجريح؟
قال جبلة: لست ممن ينكر شياً، أنا أدبت الفتى، أدركت حقي بيدي.
قال عمر: أرضِ الفتى، لابد من إرضائه، مازال ظفرك عالقاً بدمائه أو يُهشَمَنّ الآن أنفك، وتنال ما فعلته كفك.
قال: كيف ذلك يا أمير؟ هو سوقة-من عامة الشعب-، وأنا عرش وتاج؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً؟
قال عمر: نزوات الجاهلية، ورياح العنجهية قد دفناها، أقمنا فوقها صرحاً جديداً، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً.
فقال جبلة: كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني.
فقال عمر: عالم نبنيه، كل صدع فيه يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
هذا الإسلام.
أيها الإخوة؛ شيء آخر: الشحّ والبخل أحد مظاهر ضعف الإيمان.
10 ـ النفاق الاعتقادي والنفاق العملي:
الشيء الآخر: النفاق الاعتقادي والنفاق العملي أحد مظاهر ضعف الإيمان، النفاق الاعتقادي أن تقول شيئاً لا تعتقده، والنفاق العملي أن تفعل شيئاً لا تريده.
أيها الإخوة الكرام؛ أرجو الله-سبحانه وتعالى- أن ننتفع بهذه الحقائق، أحد الأشياء التي يُصنَّف بها الإنسان مع المنافقين-شيء خطير- أن يفرح بمصيبة نزلت بالمؤمنين، والدليل:
﴿ إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ۖ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَآ أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ (50)﴾
لمجرد أن تفرح بمصيبة أصابت مؤمناً فأنت مع المنافقين:
﴿ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْـًٔا ۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)﴾
هذا الآخر أخوك في الله! أي نال درجة علمية عالية، علامة إيمانك أن تفرح، أصابته مصيبة علامة إيمانك أن تتألم لهذه المصيبة، وهذا الذي لا يعنيه حال المسلمين ما دام دخله كبير، ويعيش في بلاد فيها أمن وسلام، ولا علاقة له بما يجري في العالم الآخر..، أما الذي يتألم بما يصيب المسلمين فهذه علامة الإيمان.
طلب العلم واجب على كل إنسان:
أيها الإخوة؛ من الأحاديث الشريفة:
(( الحَلَالُ بَيِّنٌ، والحَرَامُ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشَبَّهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، ومَن وقَعَ في الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يُوَاقِعَهُ، ألَا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألَا إنَّ حِمَى اللَّهِ في أرْضِهِ مَحَارِمُهُ، ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وهي القَلْبُ. ))
[ أخرجه البخاري، ومسلم باختلاف يسير عن النعمان بن بشير ]
لذلك قال الله تعالى:
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِىٓ إِلَيْهِمْ ۚ فَسْـَٔلُوٓاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)﴾
لا تعلم اسأل، لا يوجد إنسان متخصص تدخل إلى مكتبه إلا مقابل مبلغ، إلا رجل الدين لوجه الله، اسأل أي سؤال، اطلب أي نصيحة، اطلب أي معلومة، كله يُقدَّم لك مجاناً، هذا من نعم الله عليك: (الحَلَالُ بَيِّنٌ، والحَرَامُ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشَبَّهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ) ، ببساطة يقول لك أحدهم: أقرضني مبلغاً، وأعطيك عليه كل شهر مبلغاً، هذا قرضٌ حسن، لمجرد أن تأخذ مبلغاً شهرياً على هذا القرض فهذا ربا، بل هو أشد أنواع الربا، أو استثمِر لي هذا المال فيقبل، ويعطيه ربحاً ثابتاً ولا علاقة له بالأرباح الحقيقية، هذا ربا، هناك أشياء كثيرة جداً، لذلك "من دخل السوق من غير فقهٍ أكل الحرام شاء أم أبى" ، أحكام البيوع، أحكام الجعالة، أحكام دقيقة جداً، فلذلك لا بد من طلب العلم.
11 ـ عدم الاكتراث بالذنب:
شيء آخر: (لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- هَبَاءً مَنْثُورًا، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا) ، هناك جلوة وهناك خلوة، هناك أعمال مُعلنة وأعمال لا تُعلَن، ما دام هناك ازدواجية، وهناك جلوة وخلوة، وشيء لا تقوله وشيء تفعله، دخلنا في النفاق.
أيها الإخوة الكرام؛ من علامات المؤمن إذا وقع في ذنب:
(( إن المؤمن يرى ذنوبه كأنّه قاعدٌ تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذبابٍ مرّ على أنفه فقال به هكذا ))
[ أخرجه البخاري موقوفاً ومرفوعاً عن عبد الله بنِ مسعود ]
حينما تعظّم الذنب فأنت مؤمن، حينما لا تعبأ بالذنب فهذا من علامات النفاق.
أيها الإخوة الكرام؛ من تتمات هذا الموضوع:
(( لا تَحْقِرَنَّ شيئًا مِنَ المعروفِ أنْ تَأْتِيَهُ؛ ولَوْ أنْ تَهِبَ صِلَةَ الحَبْلِ، ولَوْ أنْ تُفْرِغَ من دَلْوِكَ في إِناءِ المُسْتَسْقِي، ولَوْ أنْ تَلْقَى أَخَاكَ المُسْلِمَ ووَجْهُكَ بَسْطٌ إليهِ، ولَوْ أنْ تُؤْنِسَ الوَحْشَانَ بِنَفْسِكَ، ولَوْ أنْ تَهِبَ الشَّسْعَ. ))
[ أخرجه أبو داود، والنسائي عن جابر بن سليم أبو جري الهجيمي ]
مهما كان العمل صغيراً هو عند الله كبير، لا تستصغر عملاً صالحاً، مهما كان لك مكانة كبيرة فالعمل الصالح محسوب لك.
12 ـ عدم الاهتمام بهموم المسلمين:
شيء آخر من علامات ضعف الإيمان: ألا تهتم لهموم المسلمين، ألّا تحمل همّهم، الذي لا يحمل هَمّ المسلمين بشتى بقاع الأرض هو على ثُلمة من النفاق.
ومن وسائل ضعف الإيمان كثرة الجدال والمراء.
اللهم اهدِنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله، ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وما توفيقي، ولا اعتصامي، ولا توكلي إلا على الله.
الحكمة من بقاء رأس الدابة موصولاً بها عند الذبح:
أيها الإخوة الكرام؛ النبي -عليه الصلاة والسلام- أمرنا عندما نذبح الذبيحة أن نقطع أوداجها فقط ونُبقي رأسها متصلاً بها، العالَم كله تُعلّق الدابة من رجليها ويُقطع رأسها، ما هذا التوجيه؟ ما حكمة هذا التوجيه؟ ما علاقة هذا التوجيه بالقضية العلمية؟ لا في حياته صلى الله عليه وسلم، ولا بعد مئة عام، ولا بعد خمسمئة عام، ولا بعد ألف عام، ولا بعد ألف وثلاثمئة عام، قبل عشرين عاماً ظهرت الحكمة، ما الحكمة؟ أن هذا القلب ينبض ثمانين نبضة بأمر داخلي لأنه عضو نبيل، وعلى ضخه تتوقف حياة الإنسان، ينبغي ألا يخضع للكهرباء الخارجية، يتلقى الأمر من ذاته، عنده مركز كهربائي، فإذا ضعف هذا المركز لدينا مركز كهربائي احتياطي، فإن ضعف الثاني فهناك مركز كهربائي ثالث، هناك ثلاثة مراكز كهربائية في القلب، وكلكم يعلم عندما يضعف القلب يوضع بطارية في القلب، فالقلب يتلقى الأمر من ذاته، أول مركز فالثاني، فالثالث، لكن هذا الأمر لا يزيد على ثمانين نبضة، فإذا واجه الإنسان عدواً أو صعد درجاً طويلاً فيحتاج إلى مئة وثمانين نبضة، الإنسان الرياضي عندما يركض يرتفع نبضه إلى مئة وثمانين نبضة، فكيف ترتفع نبضاته؟ هناك غدة في الدماغ اسمها (الغدة النخامية) وزنها نصف غرام، عندما يواجه الإنسان خطراً أو جهداً عالياً هذه الغدة النخامية ترسل رسالة هرمونية إلى الكظر فوق الكلية، الكظر يرسل خمس رسائل هرمونية؛ أول رسالة إلى القلب فيرتفع النبض إلى مئة وثمانين نبضة، والرسالة الثانية إلى الرئتين فيزداد وجيبهما، فتجد الخائف نبضه مئة وعشرون، مئة وستون، مئة وسبعون، مئة وثمانون، ويلهث، أما الأمر الثالث فيذهب للكبد لطرح كميَّة من السكر إضافية، لو أخذنا عيّنة دم من إنسان خائف فنسبة السكر في دمه 230، 300، 400، بينما الطبيعي 90، فيطرح الكبد سكراً إضافياً، وأمر للكبد ليطلق هرمون التجلط، حتى إذا جاءته ضربة سكين لا يسيل دمه كله، فيميل الدم للتجمد، وآخر أمر للأوعية الخارجية بالتضيُّق، فيصفر لونه، فالخائف يرتفع نبضه، ويزداد وجيب رئتيه، ويُفرز إليه سكر إضافي، وهرمون تجلط فتضيق أوعيته الدموية، هذا الإجراء يتم بثوانٍ، صنع مَن؟! حكمة مَن؟! قدرة مَن؟! عظمة مَن؟! لذلك حينما يقطع الإنسان رأس الدابة كلياً بقي في الأمر ثمانين ضربة للدابة فتُخرِج ربع الدم فقط، أما لو بقي الرأس متصلاً بها يأتي أمر استثنائي من الدماغ، فيرتفع النبض إلى مئة وثمانين نبضة فيخرج الدم كله، لذلك الدم المذبوح وفق الشريعة لونه زهري، والدابة المذبوحة بخلاف الشريعة لونها زرقاء والفرق كبير، هذا النبي الكريم من علمه ذلك؟ الآن كُشف أنه حينما نُبقي رأس الدابة موصولاً بها معنى ذلك سيرتفع نبض القلب إلى مئة وثمانين وعندئذ يخرج الدم كله، هذا ديننا دين علم، دين من وحي السماء، منهج الخالق، منهج الصانع، وأنت أعقد آلة في الكون، ولك صانع حكيم، ولهذا الصانع الحكيم تعليمات التشغيل والصيانة، وانطلاقاً من حبك لذاتك، من أنانيتك، من حبك لسلامة وجودك، وكمال وجودك، واستمرار وجودك، ينبغي أن تطيع الله.
﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾
اللهم اهدِنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، اللهم صن وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالإقتار فنسأل شر خلقك، ونبتلى بحمد من أعطى، وذم من منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء.
اللهم احقن دماء المسلمين في شتى البلاد وفي بلاد الشام يا أرحم الراحمين، يا أمان الخائفين، يا جار المستجيرين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على رسولنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الملف مدقق