وضع داكن
23-11-2024
Logo
إلى الإيمان من جديد - الندوة : 5 - أهل العلم .
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، وأتمّ الصلاة وخير التسليم على نبي الرحمة ، على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، السلام عليكم وأهلاً ومرحباً بكم مشاهدينا الكرام ، لا زال حديثنا عن الشباب ، نتحدث في هذه الحلقة عن العلم ، وعن أهميته ، وعن دوره في بناء الشباب ، وعن دور الشباب المتعلم في بناء الأمة ، فأهلاً ومرحباً بكم .
لم يجعل الله سبحانه وتعالى الذين يعلمون و الذين لا يعلمون في مقام واحد ، قال سبحانه وتعالى :

﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة الزمر:9 ]

وأرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم أن طلب العلم هو طريق إلى الجنة :

((...من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ...))

[ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه]

فما هي أهمية العلم في حياتنا ؟ وأي علم ذاك الذي ننشد ونبحث عنه ؟ وما هي مصادر العلم في هذه الحياة ؟ ماذا عن العلم الشرعي ؟ وماذا عن العلم الدنيوي ؟ أسئلة كثيرة ومهمة نطرحها في هذه الحلقة مع العالم الرباني الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، حياكم الله دكتور .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ونفع بكم .
المذيع:
شيخنا الفاضل نتحدث عن طلب العلم كواحدة من النقاط المهمة في حياة الشباب، وعن دور الجامعات ومصادرها ، ونبدأ بأهمية العلم وطلبه في بناء الأمة .

 

أهمية العلم في بناء الأمة :

الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين .
لا شك أن معظم الطلاب تعلموا في المراحل الأولى أن الكون جماد ونبات وحيوان وإنسان ، فالجماد كائن يشغل حيزاً ، وله وزن ، وله أبعادٌ ثلاثة ، هذا الجماد، بينما النبات كائنٌ له وزن ، ويشغل حيزاً ، وله أبعادٌ ثلاثة ، لكنه ينمو ، يختلف عن الجماد أنه ينمو ، بينما الحيوان كائن يشغل حيزاً في الفراغ ، وله أبعادٌ ثلاثة ، وله وزن وينمو كالنبات ، أما الإنسان فيمتاز أنه كائنٌ يشغل حيزاً في الفراغ ، وله أبعادٌ ثلاثة ، وله وزن ، وينمو ، ويتحرك ، كبقية المخلوقات لكنه يفكر ، ميّز الله الإنسان بأنه أودع فيه قوةٌ إدراكية ، فما لم تُلبَّ هذه الحاجة العليا بطلب العلم هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى آخر لا يليق به عندئذ ، قال تعالى :

﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾

[ سورة النحل: 21 ]

﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾

[ سورة الفرقان : 44]

﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾

[ سورة المنافقون: 4 ]

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾

[ سورة الجمعة: 5 ]

فما لم يبحث الإنسان عن الحقيقة ، ما لم يطلب العلم ، ما لم يلبِّ هذه القوة الإدراكية ، ما لم يبحث عن سرّ وجوده ، وغاية وجوده ، ومآل وجوده ، وماذا بعد الموت ؟ ولماذا خلق الإنسان ؟ وماذا أعد الله له من عطاء لو أنه أطاعه ؟ هذه كليات يجب البحث بها ، لذلك يقال : دائماً هناك ذكي وقد لا يكون عاقلاً ، أي ما كل ذكي بعاقل ، فالذي يغرق بالجزئيات في الحياة الدنيا ، ويتجاوز الكليات الكبرى الأمور الأساسية في حياته ، وينسى أنه عبد لله ، وخلق لجنة عرضها السموات والأرض ، وجاء الله به إلى الدنيا كي يدفع ثمن الجنة هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به ، ولا يليق بالقدرة الإدراكية التي ميزنا الله بها إلا أن تلبى بطلب العلم ، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً .
المذيع:
شيخنا الفاضل لماذا كان لطلب العلم هذه الأهمية في شرعنا ؟ الله سبحانه تحدث عن العلماء ، بل إن أول آية كانت اقرأ ، لماذا للعلم هذه المكانة في الإسلام ؟

 

الإنسان هو المخلوق الأول سخر له الكون تسخير تعريف و تكريم :

الدكتور راتب :
الحقيقة ، قال تعالى :

﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾

[ سورة الرحمن: 1-4]

قد يسأل سائل : أيعقل أن يعلم الإنسان قبل أن يخلق ؟ نقول له : هذا الترتيب في الآية ترتيب رتبي ، وليس ترتيباً زمنياً ، بمعنى أن وجود الإنسان لا معنى له من دون منهج يسير عليه ، بمعنى أنك إذا اقتنيت آلة غالية الثمن جداً ، الآن هناك بعض الكومبيوترات الصناعية لتحليل الدم ، تضع نقطة دم يعطيك فوراً التحليلات كلها مطبوعة على ورق ، فهذا الجهاز غال جداً لأن نفعه كبير جداً ، ودخله كبير جداً ، لكنه معقد في تصميمه ، الشركة التي استوردت منها هذا الجهاز لسبب أو لآخر لم ترسل لك تعليمات التشغيل ، فهذا الجهاز الغالي جداً عظيم النفع ، معقد التركيب يعد إنجازاً علمياً كبيراً جداً ، هذا الجهاز لا قيمة له من دون منهج يسير عليه ، لا قيمة له من دون تعليمات الصانع ، والكتاب والسنة هي في الحقيقة تعليمات الصانع لهذا المخلوق الأزل الذي جعله الله فوق المخلوقات جميعاً ، ذلك أن الإنسان حينما عرضت الأمانة في عالم الأزل المخلوقات كلها أبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ، فلما قبل الإنسان حمل الأمانة كان عند الله المخلوق الأول رتبة ، ولأنه المخلوق الأول كافأه الله بأن سخر الله له ما في السموات والأرض جميعاً منه ، تسخير تعريف وتكريم ، تسخير التعريف يقتضي أن يؤمن ، وتسخير التكريم يقتضي أن يشكر ، فإذا آمن وشكر حقق الهدف من وجوده ، وحينما يحقق الهدف من وجوده تتوقف كل المعالجات الإلهية ، والدليل قوله تعالى:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[ سورة النساء: 147]

على مستوى الفرد إن آمن الفرد وشكر حقق سرّ وجوده ، وغاية وجوده ، عندئذ تتوقف جميع المعالجات الإلهية ، هذا على مستوى الفرد أما على مستوى الأمة فهناك شأن آخر، قال تعالى :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 33 ]

وما كان الله ليعذب أمة محمد ما دامت سنته قائمة في حياتهم ، نطبقها في دخلنا ، في إنفاقنا ، في علاقاتنا ، في سرنا ، في جهرنا ، في أعمالنا ، في كل شؤون حياتنا ، فهذه الأمة مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعذب :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 33 ]

ما كان الله نفي الشأن ، فرق كبير بين نفي الحدث وبين نفي الشأن ، فقد تسأل إنساناً : هل أنت جائع ؟ يقول : لا ، لكن لو قال له : هل أنت سارق ؟ هل يكفي أن يقول : لا، لا يكفي ، يقول : ما كان لي أن أسرق ، هذا نفي الشأن ، ليس من شأني أن أسرق ، ولا من طبيعتي ، ولا من منهجي ، ولا من مبدئي ، ولا أقبل ، ولا أسمح ، وأرفض ، وألوم ، وأوبخ ، وأعاقب ، عدّ العلماء عشرة أفعال تنفى بكلما وما كان ، الله عز وجل يقول :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 33 ]

مادامت سنة النبي قائمة في حياتهم نطبقها في دخلنا وإنفاقنا ، في زواجنا ، في يسرنا وعسرنا ، في إقامتنا وخلوتنا وجلوتنا ، مستحيل وألف ألف مستحيل أن نعذب .
المذيع:
شيخنا الفاضل الآن الشباب بكل صراحة طبيعة المناهج التعليمية في المدارس ، وفي جزء كبير من الجامعات هي مناهج رتيبة علمية ليست مشوقة ، وقسم كبير من الشباب ينزعجون منها ، والدافع الوحيد هو الإجبار ، والعلامة المدرسية والجامعية ، كيف يمكن أن نصنع علماً جميلاً للشباب ؟

 

مصادر إيصال العلم إلى الشباب :

الدكتور راتب :
والله كما تعلم هذا الإنسان يحتاج إلى توجيه ، فهناك الأسرة ، والمدرسة ، والإعلام، ثلاث مؤسسات كبيرة جداً تتولى توجيه الإنسان ، فالأسرة الأب مهمته الأولى أن يوجه أولاده والدليل :

(( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ))

[ أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو]

هو يطعمه ، يكسوه ، يضعه في المدرسة ، إذا ضيع ولده ، ولم يتعاهد ولده في التربية الإيمانية والأخلاقية والجسمية والعلمية والاجتماعية ، ما لم يتعهد هذا الابن بالتربية المنوعة بحكمة بالغة فقد ابنه ، وكثير من الآباء يكتشفون في لحظة حرجة أن ابنه لا ينتمي إليه، فكنت أقول في بلاد الغرب : عندما كان كلينتون رئيس الجمهورية ، أنا كنت في أمريكا بعهد كلينتون ، قلت لهم : لو بلغت منصباً ككلينتون ، وثروة كأوناسيس ، وعلماً كأنشتاين ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس .
والحقيقة الدقيقة أن الله سبحانه وتعالى وصف مشاعر الأب تجاه ابنه الصالح بأن هذه المشاعر تتلخص بكلمة قرة عين ، قال تعالى :

﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ﴾

[سورة الفرقان: 74 ]

لا تصدق كم هي سعادة الأب إذا رأى ابنه سليماً في دينه ، وفي عقيدته ، وفي استقامته ، وفي سلوكه ، هذا الشعور لا يوصف ، كما أن الكون من آيات الله ، كما أن السموات والأرض من آيات الله ، كما أن الشمس والقمر من آيات الله ، قال تعالى :

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾

[ سورة الليل : 1-4]

أي الأبوة آية من آيات الله ، قال تعالى :

﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ﴾

[ سورة البلد : 1-3]

الأبوة ذاتها ، والأمومة ذاتها ، أكبر آية دالة على عظمة الله ، فالأب لا يسعده إلا أن يكون ابنه كما يتمنى ، فلو لم يعتن بابنه واكتشف في وقت لاحق متأخر أن ابنه ليس على شاكلته ، ولا يؤمن بما يؤمن به الأب ، وبعيد عن هذا الجو ، كنت مرة في أستراليا ودعنا رئيس الجالية وكان إنساناً محترماً فقال لي : مزابل الشام خير من جنات أستراليا ، سألته : لماذا ؟ قال لأن ابنك خمسون بالمئة ملحداً ، خمسون بالمئة شاذاً ، وإن لم تصدق فاسأل .
نحن عندنا في بلادنا إيجابيات كبيرة جداً ، الابن ابن ، والأب أب ، والأخ أخ ، هناك علاقات أسرية جيدة جداً ، تماسك أسري ، أما حينما نبتعد عن الدين فالحياة مادة .
المذيع:
أول مصدر في إيصال العلم للشباب الأسرة .
الدكتور راتب :
ثم المعلم .
المذيع:
حديثنا متواصل عن أهمية العلم في بناء الشباب ، وأهمية الشباب المتعلم في بناء الأمة ، نرحب بشيخ الشباب فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، تحدثنا عن ثلاثة مصادر لإيجاد العلم عند الشباب ، بدأنا بالأسرة ونتحدث الآن عن دور المدرسة والإعلام .

 

دور المدرسة في إيجاد العلم عند الشباب :

الدكتور راتب :
الحقيقة الدقيقة أن هؤلاء الشباب ما طموحاتهم ؟ سؤال دقيق ، هذا الشاب يتمنى فرصة عمل يكسب منها رزقه ، يتمنى مأوى ، يتمنى زوجة ، ثلاثة طلبات ، فإذا لبينا لهم هذه الحاجات كانوا في خدمة الأمة ، وسبب ارتقاء الأمة ، وهم المستقبل ، وهم أمل الأمة لكن لابد من أن نوفر لهم الحاجات الثلاث بالحد الأدنى ، مسكن ، فرصة عمل ، زوجة ، فإن أغفلنا هذه الحاجات الأساسية وتعامينا عنها وانشغلنا بشؤوننا وجدنا هناك تطرفاً ، تطرفاً تفلتياً وتطرفاً تشددياً ، فحينما لا يرى هذا الشاب أهدافه الثلاثة الأساسية بسقفها الأدنى لا الأعلى متوافرة يتطرف ، فإما أن يتفلت من منهج الله فيصبح إباحياً ، أو أن يتشدد فيكفر ويفجر ، فإذا أردنا أن نبتعد عن تطرف الشباب السلبي والإيجابي التشددي والتفلتي لا بد من توفير فرص عمل ، أنا عندما أصافح صاحب معمل يقول لي : أنا عندي أربعة آلاف وظيفة ، أنا أكبره كثيراً ، مرة أحد أصحاب المعامل من أخواننا الكرام استأذنني بإغلاق معمله ، قال لي : ربحي صفر ، قلت له : كم عامل عندك ؟ قال : أربعة وثمانون عملاً ، قلت له : أنت تفتح أربعة وثمانين بيتاً ، إذا كل بيت فيه خمسة أشخاص حوالي خمسمئة إنسان يأكل من هذا المعمل ، مع أنك لا تربح ، فإبقاء العمل في هذا المعمل مع العلم أنك لا تربح هو أكبر ربح ، أنت فتحت أربعة وثمانين بيتاً ، لذلك الإنسان حينما يقيس أموره بالمادة فقط يقع بإشكال كبير ، هناك أرباح كبيرة جداً للإنسان ليس لها علاقة بالمال ، أنت وفرت فرص عمل للشباب ، فأنا حينما أقيس أموري بالمادة فقط أصبحت مادياً ، أما حينما أقيس بمجمل قيم الحياة أنا فتحت ستة وثمانين بيتاً ، المقاييس عندما تكون صحيحة يختلف الأمر .
المذيع: شيخنا الفاضل ما رأيكم بمستوى التعليم الذي يقدم الآن في الجامعات وعبر الإعلام؟

الاعتناء بالمعلم و تأمين رواتب جيدة له :

الدكتور راتب :
التعليم كلما اتسعت دائرته على حساب النوعية ، وكلما ارتفعت النوعية ضاقت دوائر التعليم أما أن يكون التعليم مجانياً بلا مقابل على مستوى الأمة ، وبأعلى مستوى فهذا مستحيل ، مثلاً : أنت عندك سيارة كبيرة مريحة بالسفر كأنها سفينة ، وسيارة صغيرة جداً مصروفها قليل ، إن طالبتني بسيارة كبيرة أربعة طن ، بمصروف الصغيرة هذا مستحيل ، لا تطلب جمع المتناقضات ، إذا أردت تعليماً جيداً لابد من دفع رواتب جيدة ، والمعلم إنسان ، أحياناً يعطى المعلم أجراً لا يكفيه عشرة أيام ، يضطر أن يشتغل عملاً ثانياً وثالثاً ، فحينما تتنوع أعمال المعلم حتى يؤمن قوت يومه لن يعطي كل ما عنده للطالب ، فأنا أقول دائماً : سمعت عن ألمانيا الدولة الأولى في العالم التي تكرم المعلم ، معلم في قرية أفضل بيت للمعلم ، هذا الذي ينهض بالأمة ، بالاحتفالات الرسمية يدخل المعلم قبل رئيس الجمهورية ، هذا الترتيب الألماني ، هذا الإنسان كيف يعطي كل ما عنده من مبادئ وقيم إذا كان عنده معاناة مالية كبيرة جداً ؟ تجد المعلم يبحث عن أعمال كثيرة عنده بعد الظهر عمل ، وفي الليل عمل ، وباكراً عنده عمل ، قضية تخفيض رواتب المعلمين إذا اعتبرناها ظاهرة عشوائية فهي مشكلة كبيرة ، إذا اعتبرناها ظاهرة وراءها تخطيط فالمشكلة أكبر .
المذيع:
ماذا عن الإعلام دكتور ؟

دور الإعلام في توجيه الشباب :

الدكتور راتب :
هناك نقطة دقيقة ؛ أنت من هي الحواضن الثلاث التي تربي الإنسان ؟ الأسرة ، ثم المدرسة ، ثم الإعلام ، فإذا أوهمنا المرأة أنه إن لم يكن لك عمل فأنت لست امرأة حضارية ، تركت بيتها ، فلما ترك البيت من ربى الأولاد ؟ الخدم ، هذه أول خطة ذكية جداً لإضعاف الأمة، أن تقنع المرأة أن قيمتها بعملها خارج البيت ، وفي العالم الغربي أرقى مستوى للمرأة إن كتب على بطاقتها : سيدة منزل ، أرقى مستوى لأنها تربي الأولاد .

(( أول من يمسك بحلق الجنة أنا ، فإذا بامرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي، قلت : من هذه يا جبريل ؟ قال : هي امرأة مات زوجها ، وترك لها أولاداً فأبت الزواج من أجلهم))

[ الأدب المفرد للبخاري ]

المرأة التي تربي أولادها تعبد الله فيما أقامها ، تربية الأولاد أعلى مستوى تصل إليه المرأة ، الإعلام والثقافة العامة ، والطروحات في الانترنيت ، والفيس بوك ، توهم المرأة أنك لا تكوني امرأة حضارية إلا إذا كان لك عمل خارج البيت فأهملت زوجها و أولادها ، كما لو أقنعنا الطيار أن يجلس مع الركاب ، هناك أربعمئة راكب في رقبته ، هذا البيت الصغير مدرسة لقادة الأمة ، فإذا كان هناك قادة للأمة إذاً هناك أم متفرغة لأولادها ، ترعى شؤونهم ، دراستهم ، صحتهم ، عاداتهم ، تقاليدهم ، هذه أشياء دقيقة جداً ، أنا عندما أوهم المرأة أن مكانتك فقط في خروجك من البيت ، هذه مشكلة كبيرة جداً ، فإما أن تكون عفو الخاطر ، وإما أن تكون مبرمجة من أجل إضعاف الأمة .
هذا المعلم ، لماذا أقل دخل للمعلم ؟ هذا يتولى تربية أبنائك ، الحداد علاقته مع الحديد ، النجار مع الخشب ، والبناء مع الأسمنت ، وهذا المعلم علاقته مع من ؟ مع فلذة أكبادنا ، مع أغلى إنسان في حياتنا ، تسلم ابنك لمعلم ، يجب أن يعمل عدة أعمال حتى يكفيه رزقه ، إذاً ليس متفرغاً للتعليم .
المذيع:
شيخنا في حديثنا عن التعليم والمعلمين ، هل الجامعات هي المصدر الوحيد للمعلومات للشباب أم أن هناك مصادر أخرى ؟

 

تنوع مصادر العلم :

الدكتور راتب :
هناك مصادر كثيرة ، هناك تعريف لاذع للجامعة في الدول النامية ، هي مدرسة يدخلها الطالب متواضعاً جاهلاً يخرج منها جاهلاً متكبراً
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، أخطر شيء نصف العالم ، دعني من الجامعة ، نصف العالم لا هو عالم يفيد من علمه ، ولا هو جاهل يقبل أن يتعلم ، معه شهادة أعطته كبراً لا يقبل أن يتعلم ، لذلك تعلموا قبل أن ترأسوا فإن ترأستم فلن تعلموا ، نحن إذا اعتنينا بالتعليم الابتدائي والإعدادي والجامعي ، صار الآن في الجامعات مواد توجيهية ، بأي فرع في الجامعة هناك مواد تربوية أخلاقية ، في جامعاتنا في سوريا هناك مادة اللغة العربية ، بأي فرع ، طب ، هندسة ، فلك ، فيزياء ، هذه لغتنا ، لو أضيف لهذا المادة في اللغة العربية مادة توجيهية قيمية أخلاقية ، طبيب يحتاج مبادئ وأخلاق ، فنحن عندما نعتني بالمناهج قطعنا خطوات كبيرة جداً .
نحن عندنا التعليم وعندنا الأسرة ، فإذا أقنعنا المرأة أن مكانتك الاجتماعية تتأتى من عمل خارج البيت أفقدناها مهمتها الأولى ، والتعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي إذا لم يكن فيه مواد دينية يتولاها اختصاصيون يستطيعون تقديم الدين بشكل مبسط ، بشكل رائع محبب ، هذه مشكلة ثانية .
المذيع:
إذا كان مصدر العلم دول الغرب هل تشجع الشباب على يذهبوا إلى هناك ؟

ثقافة أية أمة ملك البشرية جمعاء :

الدكتور راتب :
سئل أحد الأدباء الكبار عن هذا الموضوع : ماذا نأخذ وماذا ندع عن الغرب ؟
قال: نأخذ ما في عقولهم وندع ما في نفوسهم . عندهم إباحية ، اختلاط ، إنكار للوجود ، وعندهم علم، نأخذ ما في عقولهم وندع ما في نفوسهم ، هناك منهج آخر قالوا : ثقافة أية أمة ملك البشرية جمعاء لأنها بمثابة عسل استخلص من زهرات مختلف الشعوب على مرِّ الأجيال ، وهل يعقل إذا لدغتنا جماعة من النحل أن نقاطع عسلها ؟ نأخذ ما في عقولهم وندع ما في نفوسهم ، نأخذ علمهم وندع عاداتهم وتقاليدهم ، فأما إذا أخذنا عاداتهم وتركنا علمهم فجمعنا السيئين .
المذيع:
شيخنا الفاضل مجموعة من الشباب يحبون أن يتثقفوا أكثر في دينهم ، هذا مهندس وآخر معلم ، ورياضي لا يمتلكون الوقت ليتفرغوا لدراسة الشريعة ، ما مصادر العلم الشرعي ؟

 

مصادر العلم الشرعي :

الدكتور راتب :
حينما يهبط إنسان من طائرة بالمظلة ، هناك حقائقُ كثيرة عن المظلة ، نوع قماشها، مساحته ، شكله ، لونه ، نوع حبالها ، أطوالها ، أقطارها ، ألوانها ، الحبال كم حبل ، لا يعرف إلا معلومة واحدة إذا جهلها نزل ميتاً ، طريقة فتح المظلة ، يجب أن تُعلم بالضرورة
فهذا عبر عنه العلماء بكلمة دقيقة ما ينبغي أن يعلم بالضرورة ، مهندس ، طبيب معه بورد ، كل هذه الشهادات وتلك العلوم لا تغنيه عن أن يعرف ربه ، وأن يعرف سرّ وجوده ، وغاية وجوده ، هذا سماه العلماء ما ينبغي أن يعلم بالضرورة ، هذا مبذول في كل مكان ، في الانترنيت ، في الجوامع ، المعاهد ، في كل مكان مبذول ، الذي طلب الحقيقة يجب أن يتابعها من مصادرها ، فكما أنني أنا رجل دين إن أعطيتني تخطيط قلب أنا أمي فيه ، أرى خطوطاً هكذا أما طبيب القلب فيقول لك : عنده انقباض ، هنا عنده ضعف في عضلة القلب ، تسرع ، يفهم من التخطيط أشياء كثيرة ، أنا أمي في قراءة تخطيط القلب ، وهو أمي في الدين ، ليس كل إنسان معه شهادة عليا يظنّ نفسه عالماً ويكتفي بعلمه ، العلم الدنيوي علم حرفة .
المذيع:
ما الحد الأدنى المطلوب من العلم الشرعي ؟

الحد الأدنى المطلوب من العلم الشرعي :

الدكتور راتب :
أركان الإيمان ، وأركان الإسلام ، والأحكام الفقهية المتعلقة باختصاصه ، هذا ينبغي أن يعلم بالضرورة كطريقة فتح المظلة لا بد أن تعرف بالضرورة .
المذيع:
شيخنا الفاضل هل تستبشر خيراً بالأمة إذا الشباب أصبحوا أكثر إقبالاً على العلم الحقيقي ؟

الاستبشار بالشباب إن أقبلوا على العلم الحقيقي :

الدكتور راتب :
نعم ، العلم سلاح ذو حدين ، إذا طلب الحقيقة ، وطلب الجامعة يستخدم كل شيء قرأه كأدلة إيجابية لصالح دينه دون أن يشعر ، أما إذا أراد شيئاً آخر فقد يستخدم بعض الأشياء السلبية كنظرية دارون مثلاً لمناقضة الدين .

خاتمة و توديع :

المذيع:
أشكر الدكتور العلّامة على هذه الكلمات الطيبة ، و الشكر لكم مشاهدينا الكرام في حديثنا عن أهمية العلم في بناء الشباب ، وأهمية الشباب المتعلم في بناء الأمة ، بحول الله عز وجل نقاط كثيرة مع فضيلة الدكتور ، والحديث يبقى متواصلاً على الملفات التي تهم الشباب في حلقاتنا المقبلة فابقوا معنا .
سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك ، تحية طيبة لكم ، والسلام عليكم .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور