- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠88برنامج مع الرسول - قناة الرسالة
مقدمة :
الدكتور بلال نور الدين :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، بسم الله :
﴿ الرَّحْمَنُ ( 1 ) عَلَّمَ الْقُرْآنَ ( 2 ) خَلَقَ الْإِنْسَانَ ( 3 ) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ( 4 )﴾
وأصلي وأسلم على نبينا العدنان .
نحن مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، في مجموعة حلقات نتناول فيها شمائله صلى الله عليه وسلم ، وصفاته ، وأخلاقه الحميدة .
رحبوا معي بداية بفضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، السلام عليكم ورحمة الله .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وأكرمك الله ، ونفع بك ، وأعلى قدرك .
الدكتور بلال نور الدين :
أكرمك الله سيدي ، وجزاك الله عنا خيراً .
سيدي ؛ نتابع في موضوع الأسوة الحسنة الذي بدأناه في الحلقة الماضية ، وأريد أن أنتقل إلى موضوع مهم في موضوع الأسوة .
أنتم بينتم جزاكم الله خيراً أن النبي صلى الله عليه وسلم تحققت فيه الأسوة لما ذاق كل نوع من أنواع الابتلاءات من الطرفين الحادين ، من قوة وضعف ، وصحة ومرض ، ما علاقة عصمته صلى الله عليه وسلم في تحقيق الأسوة وهو المعصوم ؟
عصمة النبي عصمة علمية وعصمة بشرية :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
لأن الله عز وجل قال :
﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) ﴾
أمر إلهي ، وكل أمر يقتضي الوجوب ،
الدكتور بلال نور الدين :
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) ﴾
الدكتور محمد راتب النابلسي :
أن يعصمه من الخطأ ، عصمة علمية ، وعصمة بشرية ، فهو معصوم من أن يخطئ في أقواله ، وأفعاله ، وإقراره .
ولكن هناك ملمح دقيق جداً : لئلا يؤله أعطاه هامشاً اجتهادياً ضيقاً ، فإذا جاء اجتهاده بخلاف الأولى يأتي الشرع ليصحح ، هذا التصحيح ليفرق به بين مقام الألوهية المطلق ومقام البشرية النسبي ، لولا أنه بشر ، تجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر ، بشر :
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) ﴾
النبي يخاف كأي بشر ، خوفه معه إيمان ، معه ثقة بالواحد الديان ، خوفه لا ينقله إلى اليأس ، اليأس ، والسوداوية ، والتشاؤم ، والقنوط يقترب من الكفر ، لا ييئس ، فهو متفائل بإيمانه ، واقعي بتصرفاته .
الدكتور بلال نور الدين :
إذاً سيدي ؛ هو صلى الله عليه وسلم يجتهد أحياناً في بعض القضايا مثل ؟
اجتهاد النبي الكريم في بعض القضايا :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) ﴾
﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) ﴾
لِمَ عبس وتولى ؟ عنده صحابي جليل ممكن أن يؤجل لقاءه معه ساعة ثانية .
الدكتور بلال نور الدين :
عبد الله بن المكتوم .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
نعم ، فهو حينما جاءه ملحاً عبس ، فالله عتب له ، ولم يعتب عليه ، أي عبر عن اهتمامه ، لكن هذا المقام مقام جهة أخرى ، فالله عز وجل ما سمح له ، جعل بعض فعله ما لا ينبغي تأكيداً على بشريته
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾
فعصمته عصمة تبليغ ، ولكن هناك أشياء ثانية إنسانية ليست كذلك .
(( عن أنس بن مالك رضي الله عنه : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد أُخِفْتُ في الله ما لم يُخَفْ أَحدٌ ، وأُوذِيت في الله ما لم يُؤذَ أحد ، ولقد أتى عليَّ ثلاثون من يوم وليلة ، ومالي ولبلال طعامٌ إِلا شيء يُواريه إِبطُ بلال ))
الدكتور بلال نور الدين :
هذه للبشرية .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
لكن
(( وأُوذِيت في الله ما لم يُؤذَ أحد ، ولقد أتى عليَّ ثلاثون من يوم وليلة ، ومالي ولبلال طعامٌ إِلا شيء يُواريه إِبطُ بلال ))
هذا شأن البشر ، لولا أنه بشر ، وتجري عليه كل خصائص البشر ، لما كان سيد البشر .
الدكتور بلال نور الدين :
سيدي ؛ قالوا : هناك شخصية تكونها ، كيف نفهم القدوة ؟
شخصية الإنسان والقدوة التي يتمنى أن يكونها :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
الآن أنت إنسان ، أنت لك شخصية ، لك منطلقات نظرية ، لك طباع ، لك طموحات ، لك مشاعر ، لك تصرفات ، هذه شخصيتك ، لكن تتمنى أن تكون كصحابي جليل في بره للمال كسيدنا عثمان ، كصحابي آخر في شدته بالحق كسيدنا عمر ، كصحابي آخر سيدنا الصديق ، في علمه ، وتؤدته ، فأنت شخصية تكونها ، لك طباع معينة ، أخلاق معينة ، تصورات معينة ، تصرفات معينة ، هذه الشخصية تكونها ، وهناك شخصية تتمنى أن تكونها ، أن تكون في قوتك كسيدنا عمر ، في حلمك كسيدنا الصديق ، في عطائك كسيدنا عثمان .
الدكتور بلال نور الدين :
هذه القدوة ، أو الأسوة .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هذه تتمنى أن تكونها ، وتكره البخيل ، تكره الشرس ، تكره الذي لا يقدر المعروف ، فكل إنسان له شخصية يكونها ، وشخصية يتمنى أن يكونها ، وشخصية يكره أن يكونها .
أنا أقول لكل الأخوة المشاهدين : قل لي ما الشخصية التي تتمنى أن تكونها أقل لك من أنت ، إنسان يتمنى أن يكون غنياً فقط ، قوياً ، إنسان يتمنى أن يكون مؤمناً ، صالحاً ، بعطائه كسيدنا عمر ، أو كسيدنا عثمان ، بقوته بالحق كسيدنا عمر ، بحلمه كسيدنا أبي بكر .
الدكتور بلال نور الدين :
سيدي بموضوع الأسوة حتى يكتمل البحث ، الأسوة تحديداً مع الأطفال ، الأطفال تحديداً يحتاجون إلى القدوة أكثر ، القصة ، السيرة النبوية المطهرة ، لماذا ؟
حاجة الأطفال إلى القدوة في حياتهم :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
والله أنا درست تربية ، اختصاصي بالتربية ، قال : لاعب ولدك سبعاً ، وأدبه سبعاً، وراقبه سبعاً ، ثم اتخذه صديقاً ، الطفولة لو كان هناك قسوة لن يفعل شيئاً أراده ، هذه طفولة ، لاعبه سبعاً حتى يحبك .
أنا مع الأسف الشديد في بعض البلاد الطفل يُهمل وهو صغير ، قال لنا أحد الدكاترة في الجامعة : يبدأ التعلم من الولادة ، سألناه : كيف ؟ قال : هذا الطفل ولد ، بكى فأطعمناه ، أرضعناه ، بكى فنظفناه ، فإذا بكى مرة ثالثة وحملناه ، جعلناه يتعود على الدلال المفرط ، أصبح ينشأ بكراهية لمن حوله ، فيبدأ التدريب من الولادة ، بعد سبع سنوات صار يصعب إعطاؤه مفهومات جديدة ، وعادات جديدة ، فإذا نحن أهملنا الأولاد خلال سبع سنوات نكون قد ارتكبنا خطأ كبير .
بلغني في بعض البلاد أعلى مستوى في التدريس الابتدائي ، نحن أي إنسان أحياناً نقول له : تعال درس ابتدائي ، أحياناً يدخن أمام الطلاب ، أحياناً يتكلم كلمة لا تليق فيه ، يتعلم الطالب كما قلت قبل قليل أو في اللقاء السابق : أخطاء أولادنا من المعلمين أو الآباء أحياناً .
الدكتور بلال نور الدين :
إذاً القصة مهمة جداً .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
القصة حقيقة مع البرهان عليها ، أنت ألقِ على ابنك المتهور بقيادة سيارته ألف محاضرة ، أن يرى حادثاً مريعاً ، ثلاثة قتلى ، السيارة محطمة ، أبلغ من كل التوجيهات ، فالقدوة قبل الدعوة ، الإنسان يتعلم بعينيه لا بآذانه فقط .
الدكتور بلال نور الدين :
والطفل سيدي ، موضوع السيرة النبوية ، علاقة الطفل بالسيرة ؟
علاقة الطفل بالسيرة النبوية :
الدكتور محمد راتب النابلسي :
هي القصة ، ما القصة ؟ القصة أولاً يوجد إنسان ، وبيئة ، ومكان ، وزمان ، وحدث ، وحوار ، وبداية ، وعقدة ، ونهاية ، القصة هي الفن الأول ، إنسان عنده قيم ، القصة الآن تستطيع أن تفكك هذه القيم .
نحن لو فرضنا يوجد بيت فخم جداً ، والزوج أنيق جداً ، ويوجد عنده سيارتان أو ثلاث على الباب ، وله دخل فلكي ، ومكانة اجتماعية ، وهو متفلت من الدين بشكل كامل ، إنسان آخر ، صحته سيئة جداً ، أولاده في الطريق ، زوجته عند الجيران ، إهمال شديد للأولاد ، هذا صاحب الدين ، نحن لم نتكلم عن الدين أية كلمة ، أعطيناك أبشع صورة عن الدين ، هذا الإعلام الفاسد .
لذلك الآن يوجد عندنا تضليل إعلامي ، وتعتيم إعلامي ، وترويج إعلامي ، كان بكل بلد تشريع ، وتنفيذ ، وقضاء ، الآن يوجد إعلام ، نركز على شيء العالم يقوم ولا يقعد ، نعتم على شيء ، يوجد تعتيم إعلامي ، وتضليل إعلامي ، وترويج إعلامي .
الدكتور بلال نور الدين :
لذلك سيدي ينبغي أن نحرص أن نبني نحن القدوات لأطفالنا حتى لا يبني لهم الإعلام ذلك .
الدكتور محمد راتب النابلسي :
القدوة قبل الدعوة .
خاتمة وتوديع :
الدكتور بلال نور الدين :
نبني لهم قدوة من الصحابة الكرام ، ومن النبي صلى الله عليه وسلم .
جزاكم الله خيراً سيدي ، وأحسن الله إليكم .
أخوتي الأكارم ؛ لم يبقَ لي في نهاية هذا اللقاء إلا أن أشكر لكم حسن المتابعة ، سائلاً المولى جلّ جلاله أن تكونوا دائماً على أحسن حال ، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته