وضع داكن
23-11-2024
Logo
موضوعات إسلامية عامة - الدرس : 11 - الإنسان خير فيما كلف ومسير فيما عدا ذلك.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الإنسان مخير فيما كلف و مسير فيما لم يكلف :

 أيها الأخوة المؤمنون؛ الإنسان مخير فيما كلف، مسير فيما لم يكلف، في دائرة الإنسان فيها مسير ولادته، أمه، أبوه، عصره، مكانه، بلدته، قدراته، إمكاناته، هذه منطقة التسيير، ولكن هذه المنطقة سير فيها الإنسان لصالح إيمانه، يعبر عن هذه الحقيقة بقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: " ليس في الإمكان أبدع مما كان" والإنسان مخير فيما كلف، ولولا أنه مخير لما كان هناك جنة، بإمكان الله عز وجل - لأن الله وحده واجب الوجود، وما سوى الله ممكن الوجود- أن يجعل الناس جميعاً تستقيم بطريقةٍ أو بأخرى، بل إن الإنسان الآن استطاع أن يحمل الناس على الاستقامة، مثلاً محل تجاري كبير جداً فيه بضائع بآلاف الملايين، لا يوجد فيه إلا خمسة موظفين على الباب، فأي بضاعة تحملها ولم تدفع ثمنها تحدث صوتاً كبيراً أثناء الخروج، من هو الأمين إذاً؟ الناس جميعاً حملوا على الاستقامة، لكن هذه الاستقامة التي أكرهوا عليها لا يرقون بها أبداً، ممكن الله عز وجل بطريقة أو بأخرى أن يحمل الناس جميعاً على طاعته ولا خيار لهم في ذلك أبداً، هذا معنى قوله تعالى:

﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾

[ سورة الشورى : 8]

﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾

[ سورة السجدة : 13]

 لو أراد الله عز وجل أن يحمل عباده على الطاعة لحملهم، ولكن الله خلقهم ليسعدهم، وهذه الطاعة القسرية لا تسعدهم، ولا ترقى بهم، هذا الذي أقوله أساسه أن الإنسان عندما يأتي ربه مختاراً طائعاً بمبادرة منه يرقى بهذا الاختيار، وحينما يقهر على عمل، وهذا العمل مهما كان طيباً لا يرقى به إطلاقاً، قضية أن تؤمن أن الله أجبرك على شيء ما هذه قضية مهلكة، الإنسان حينما يعتقد أنه مجبور شلت حركته، وأساء الظن بربه، قال تعالى:

﴿ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾

[ سورة آل عمران: 154 ]

 أيعقل أن يجبرك الله على معصية ثم يحاسبك عليها؟ الآية الكريمة:

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾

[ سورة الأنعام : 148]

مرور الإنسان في حياته بثلاث مراحل :

 أخواننا الكرام؛ قوم يونس لما آمنوا كشف ما بهم من ضر، ومتعهم الله في الدنيا متاعاً حسناً، ما معنى ذلك هذه الآية وردت في هذه الليلة؟ معنى ذلك أن الإنسان يمر في حياته بثلاث مراحل؛ مرحلة التأديب إذا كان يعصي الله، ومرحلة الابتلاء بعد الاستقامة، وبعد أن يستقيم يمر بمرحلة الابتلاء لامتحان مدى صدق استقامته، وبعد هذه المرحلة يدخل بمرحلة التكريم، وهذا ما تعنيه الآية الكريمة لما آمنوا :

﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾

[ سورة المؤمنون : 75]

 فهناك حياة طيبة للمؤمن.

الرحمة هي مطلق عطاء الله :

 ولكن حتى نكون دقيقين هذه الحياة الطيبة ليست مادية فقط، قد تكون حياة طيبة روحية، لذلك رحمة الله عز وجل هذه الآية الكريمة:

﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾

[سورة الزخرف: 32]

﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

[ سورة فاطر: 2]

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾

[ سورة هود : 119]

 هذه الرحمة هي مطلق عطاء الله، إن أردت التفصيل السكينة في قلب المؤمن من رحمة الله، الشعور بالأمن في قلب المؤمن من رحمة الله، الاطمئنان للمستقبل في قلب المؤمن من رحمة الله، قال تعالى:

﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾

[ سورة التوبة : 51]

 احترام الذات، المؤمن وحده يحترم ذاته، لأن خلوته كجلوته، وسره كعلانيته، وظاهره كباطنه، وإقامته كسفره واحد، هذا الانسجام يحمل المؤمن أن يحترم ذاته، فاحترام الذات من رحمة الله، والطمأنينة على المستقبل من رحمة الله، وعدم الخوف من الموت من رحمة الله، والشعور بالأمن من رحمة الله، والشعور بالسكينة من رحمة الله، وأن يهبه الله أهلاً طيبين من رحمة الله، أولاداً أبراراً من رحمة الله، سمعةً طيبةً من رحمة الله، أن يقذف في قلبه نوراً يريه الحق حقاً والباطل باطلاً من رحمة الله، أن يعطيه علماً من رحمة الله، كلمة رحمة الله عز وجل واسعة جداً، مطلق عطاء الله، إذا دخلت المسجد اسأله أن يفتح لك أبواب رحمته، إذا خرجت من المسجد اسأله أن يفتح لك أبواب فضله، أنت في بيت الله في رحمة الله، لذلك الآية الكريمة:

﴿ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾

[ سورة الزخرف : 157]

 والآية التي بعدها:

﴿ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ﴾

[ سورة آل عمران : 158]

الاستقامة القسرية لا تسعد صاحبها و لا تنجيه من عذاب النار :

 لذلك أيها الأخوة؛ لو الإنسان كان مسيراً ما ذاق رحمة الله عز وجل، رأيت بأم عيني في بلاد ضبط إلكتروني عجيب، أي لا يمكن أن تغلط، و إن غلطت تحسب عليك الغلطة، ولها ثمن باهظ، فالناس استقاموا لا حباً بالطاعة ولا حباً بالكمال، لا حباً بالاستقامة، ولا طلباً للآخرة، استقاموا كي يسلموا من عقاب محقق، مكتبة ضخمة جداً فيها كتب ثمينة جداً، لابد من أن تخرج منها ضمن قوس، هذا القوس فيه جهاز إلكتروني، إذا معك كتاب ما دفعت ثمنه يصدر صوتاً شديداً، إذا كان بهذه المكتبة ألف إنسان من هو الأمين؟ التغت الأمانة، من هو الخائن؟ التغت الخيانة، يوجد ضبط إلكتروني، الإنسان ضبط فألغى الفضائل الإنسانية، الانضباط انضباط ظاهري أما ديننا فعظمته أنه مبني على الوازع الداخلي، أما الحضارة الغربية فمبنية على الوازع الخارجي، لو أن هذه الكهرباء قطعت لسبب أو لآخر لارتكبت آلاف السرقات، مئات آلاف السرقات، يوجد مدينة من مدن أمريكا قطعت فيها الكهرباء ليلة واحدة ارتكبت في هذه الليلة مئتا ألف سرقة، في ليلة واحدة، فالاستقامة القسرية لا تسعد صاحبها، ولا ينجو صاحبها من عذاب النار، هذا معنى قوله تعالى:

﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة يونس : 99]

﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾

[ سورة السجدة : 13]

 طبعاً الأمثلة كثيرة جداً، إذا إنسان دخل إلى بيت، خلال ثانية وجود الشخص يوجد أشعة ليزر تتقاطع، عندما يدخل جسم غريب هذه الأشعة انقطعت، وصار إعلان لمركز الشرطة، خلال دقيقتين صاروا في البيت، خفت السرقة جداً، هذا ضبط إلكتروني، وأنا سميتها استقامة إلكترونية، لا تقدم ولا تؤخر، ولا ترقى بصاحبها.

الاختيار يثمن العمل :

 الآية التي وردت الليلة:

﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة يونس : 99]

 ما معنى ذلك؟ إذا إنسان تمكن أن يحمل الناس على الاستقامة، هذه الاستقامة ليست هي الدين إطلاقاً، أما الدين فأن تؤدي ما عليك دون أن تكون مداناً في الأرض، ذكرت هذا الشيء كثيراً جداً، أرسل لي إنسان ورقة صغيرة وقال لي: عقب سماع درس الأمانة في جامع العثمان أديت عشرين مليوناً، وليس في الأرض كلها وثيقة ضدي في هذا المبلغ، أداه للورثة، ويبدو أن الأب أودع هذا المبلغ عند هذا الإنسان، ولا يعلم أحد، ومات بحادث مفاجئ، لا يوجد وثيقة، ولا إعلام، ولا خبر، ولا شيء، قال لي: عشرون مليوناً أديتها خوفاً من الله، الذي يرقى بك إلى الله أن تكون مخيراً، فإذا كنت مسيراً كما رأيت بعيني في بلاد الغرب لا يوجد رقي إطلاقاً، يوجد انضباط قسري، ولا تعرف من هو المستقيم.
 أيها الأخوة؛ بالاختيار نرقى لذلك قال تعالى:

﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾

[ سورة الأنعام : 148]

 الاختيار يثمن العمل، لولا أنك مخير لما كان لمجيئك من معنى، أخ من أخواننا مقيم في السعودية، هناك الصلاة فيها إجبار، أي إذا إنسان فاتح محله أثناء الصلاة يوجد عليه مخالفة كبيرة جداً، فالناس جميعاً مؤمنهم وغير مؤمنهم إذا نودي للصلاة يغلقون محلاتهم ويذهبون إلى المسجد، هذا الأخ زار دمشق وصلى بجامع بدر، يوجد ظاهرة لفتت نظره نحن لا نراها إطلاقاً، في صلاة الجمعة الجامع مكتظ بالمصلين ولا يوجد مكان، ويوجد بائع يبيع اللوز أثناء الصلاة ولا يصلي، استنبط أن كل هؤلاء الذين في المسجد دخلوا طواعيةً، والدليل أن هذا الذي لا يصلي لا أحد يحاسبه، معنى هذا أن الدخول طوعي، قال: أما عندنا فالدخول ليس طوعياً، لذلك كلما صار هناك إجبار تضعف قيمة العمل، الاختيار يثمن العمل، الإجبار يلغي قيمة العمل، لذلك:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة البقرة : 256]

 إذا كان هناك إكراه لا يوجد رقي، ولا يوجد عمل له قيمة، قيمة عملك أنك مخير، الآن طريقة مفترضة لو أن الله عز وجل عاقب الإنسان بعد أية معصية، وعقب أي عمل صالح أعطاه عطاء سريعاً، ما الذي يحصل؟ التغى الاختيار، قل الآن للناس ادفع عشرة وخذ مئة ترى وراءك مئة إنسان، قد يكونون كفاراً، هذه عشرة وهات مئة، إذا كافأت مباشرةً التغى الاختيار، وكل إنسان يقترف هذا الذنب يقتل الكل يستقيمون، فلو جاء العقاب مباشراً والمكافأة مباشرة التغى الاختيار، لذلك من سنة الله في خلقه أنك بإمكانك أن تعصيه إلى أمد بعيد دون أن تصاب بشيء، ويمكن أن تطيعه إلى أمد بعيد دون أن ترى نتيجةً ماديةً، يوجد نتيجة روحية فوراً، مادية لا يوجد، قد يكون الإنسان فقيراً، ودخله محدوداً، استقام وتاب وهو هو، لأنه يمكن أن تطيعه ولا تكسب مادياً فوراً، ويمكن أن تعصيه ولا تعاقب فوراً، لو أن النبي كان قوياً لم يعد قيمة للإيمان به إطلاقاً، لو جاء نبي قوي وكل إنسان لم يؤمن به يقتل في اليوم الثاني كلهم يؤمنون به، أما لحكمةٍ بالغة بالغة جعل الله النبي ضعيفاً، بحيث تقول عنه: ساحر، ومجنون، وكاهن، وشاعر، ولا تعبأ به، وتسخر منه، وتهجوه، وتغري الصبيان بإيذائه، وأنت معافى لا أحد يحاسبك، معنى ذلك النبي ضعيف، لأنه ضعيف كان الإيمان به عظيماً، ولا يوجد إكراه، ولا يوجد إغراء، لا يوجد شيء يغري، ولا يوجد شيء يخيف، فالذي آمن به آمن به إيماناً صحيحاً صادقاً مخلصاً.

الاختيار أروع ما في الدين :

 أيها الأخوة؛ ذكرت هذا لأن عقيدة الجبر متفشية بين صفوف المسلمين، وهذه العقيدة إذا أصابك منها لوثة تشل، انتهى كل شيء، لا يوجد عندك دافع أن تستقيم، تطلب العلم، يقول: أنا الله أعلم من الأشقياء مكتوب عند الله، من الذي قال لك إنك شقي؟ فكرة ليس لها أساس إطلاقاً، وأنا أردت أن أركز على هذه الناحية في هذا الدرس، أن الإنسان مخير، ولولا أنه مخير لما سعد باستقامته، وما أقبل على الله بها، والآن الإنسان بالتقدم العلمي الكبير تمكن أن يحمل الناس على الاستقامة، ولكن هذه استقامة قسرية إلكترونية لا تقدم ولا تؤخر، أما الذي يرقى بهم فالاستقامة الطوعية.
 مرة ذكرت في ندوة هنا أن أجهزة دقيقة جداً في الطرقات إذا السرعة زائدة تكشف السرعة، الآن يوجد عندنا طرق مراقبة بالرادار، أي إذا سائق تجاوز السرعة يوجد مخالفة كبيرة، يأتي الإنسان يخترع جهازاً يكشف له جهاز الرادار، أين بقيت الاستقامة؟ أنا راكب سيارة، شيء أصدر صوت رنين، قلت له: ما هذا؟ قال لي: يوجد أمامنا رادار من أجل أن أخفض السرعة، إذا كان هناك جهاز يكشف الرادار وينبه، ما هذه الاستقامة؟ حرب بين عقلين، كما أن واضع القانون ذكي والمواطن أذكى، عمل ترتيباً يلغي الرادار، الآن يصنعون جهازاً يكشف جهاز السيارات حتى يعاقبوه، هذا طريق طويل.
 قال له: بعني هذه الشاة وخذ ثمنها؟ قال له: ليست لي، قال له: قل لصاحبها ماتت، قال له: ليست لي، قال له: خذ ثمنها، قال له: والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ولو قلت لصاحبها ماتت، أو أكلها الذئب لصدقني، وإني عنده صادق أمين ولكن أين الله؟
 أي إذا جاء مضان في أيام الصيف الحارة، ودخل أحدكم إلى الحمام، ويوجد صنبور عداد، هل يستطيع أن يشرب؟ لا أحد يشاهده، هذه عبادة الإخلاص، أروع ما في الدين الاختيار تأتيه طائعاً، تأتيه بمبادرة منك، تأتيه عن حب، هذا الذي يرقى بك، لذلك كلما ضبطنا الأمور ضبطاً إلكترونياً تلغ الاستقامة لا تعرف من الآدمي، أي إذا أنت جالس وراء الصندوق من الساعة الثامنة إلى الساعة التاسعة مساءً ما غادرت، وعندك خمسة موظفين أيهما الأمين لا تعرف، أما لو تركت المحل وتركت الدرج مفتوحاً، وأنت أحصيت المبلغ بدقة دون أن يشعر الموظف أنك أحصيت المبلغ تعرف من هو الأمين، لذلك قال تعالى:

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾

[ سورة إبراهيم : 42]

 معقول أن يكون الله غافلاً؟ يبدو غافلاً، ترى القوي ينحرف، ويرتكب المعاصي والموبقات، لا يصيبه شيء، الله يطمئنك لا تحسبن الله غافلاً، الأصح يبدو لك أنه غافل وهو ليس بغافل، إنما يؤخرهم إلى يوم تشخص فيه الأبصار.

نص الزوار

إخفاء الصور