- محاضرات خارجية / ٠26ندوات مختلفة - تركيا
- /
- ٠3ندوات مختلفة - تركيا
أهلاً بكم في دار السلام، في أمسية خاصة ومشرقة بقدوم ضيفها الكريم، الذي أكرمنا بتلبية الدعوة من ديار الشام، فأهلاً به، أمسية ذكر تحفها الملائكة، ويرعاها الرحمن نعم أيها الأخوة أمسية ذكر، حيث ملائكة سبحان تطوف في الطرق تلتمس أهل الذكر فيتنادوا هلموا إلى حاجتكم، فتشرفنا الملائكة في هذه الجلسة الطيبة، أمسية نعم تتشرف برائدها الدكتور محمد راتب النابلسي فهو دكتور ومفكر وأستاذ وداعية يحمل نور العلم والمعرفة ليقدم لنا من علمه واهتماماته الهادفة محاضرة التحديات المعاصرة.
أيها الأخوة:
الدكتور محمد راتب النابلسي ولد في دمشق سوريا نبت من أسرة علم وفضل حيث جده الشيخ عبد الغني النابلسي رحمه الله، حصل على لصنص في آداب اللغة العربية في جامعة دمشق، والماجستير في الآداب جامعة..... فرع لبنان، والدكتوراه في التربية من جامعة...... بريطانية نال إجازة في رواية الحديث من الدكتور صبحي الصالح، ويعمل في حقل الدعوة بتدريس الفقه والعقيدة والسيرة في مساجد دمشق، وهو مدير لمعهد النابلسي الشرعي في دمشق، ومشرف أيضاً على مجلة نهج الإسلام وعضو في لجان عديدة، والله السيرة الذاتي كبيرة ووفيرة أما الكتب له مؤلفات عديدة، نظرات في الإسلام، تأملات في الإسلام، الله أكبر الهجرة، الإسراء، المعراج، موسوعة أسماء الله الحسنة، وقد زارنا مرتين في تركيا جزاه الله خيراً، وللحدث أيها الأخوة من الأحداث التي تقع في هذه الأيام لتؤثر فينا تأثيرٌ كبير فما علينا إلا بالدعاء ومزيد من الاهتمام وألا نكون هملا.
أيها الأخوة لا أقول إلا كما يقول الشاعر:
سأقول وفي نفسي أملاً يكويني يقلـق جفنيــــا
في الشرق لقد عـربدوا وجحدوا حتى بالذات القدسية
والإسلام يئن جريحــاً يومي إلي إلــي إلـي
أفلا يوجد فيكم شهـــم أولا في الوجــدان بقية
أفلا يوجد فيكم عمـــر يملئ سمــع الكون دويا
يا عهد أسامة ساميــة لأكون في جيشك جنـديا
وأبو الزهراء يودعــه بأحر دعاء وتحيــــة
علمني زهد أبـــي ذر لأكون حاماً بـــــريا
علمني عدل أبي بــكر وبه كان الحق قــــويا
علمني كي أفتح قلبــي للأنوار القرآنيـــــة
***
والآن مع المحاضرة التحديات المعاصرة فليتفضل مشكوراً.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الأخوة الأحباب:
بادئة ذي بدء أشكر لكم من أعماق قلبي دعوتكم الكريمة وأرجو الله سبحانه وتعالى أن أكون عند حسن ظنكم في هذه المحاضرة والمحاضرات التي تليها.
أنتم قلقون ونحن قلقون والعالم الإسلامي كله قلق، هذه قلق مقدس هذا القلق سببه الانتماء، لأننا ننتمي للمؤمنين لذلك نحن نقلق، وهناك حقيقة دقيقة جداً في الإسلام حقائق الإيمان وفي الإسلام حلاوة الإيمان وفرق كبير بين حقائق الإيمان وبين حلاوة الإيمان، حقائق الإيمان كخارطة لقصر، ورق، لكن الغرفة الأولى واسعة والشرفات جميلة والحدائق، لكنه ورق بينما حلاوة الإيمان أن تسكن هذا القصر، مسافة كبيرة جداً بين معلومات نظرية نفهمها ونحفظها من خطبة من كلمة من محاضرة من شريط من كتاب وبين أن نعيش هذه الحقائق فنسعد بها لكن هذه الحلاوة وردت في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف نصل إليها يقول عليه الصلاة والسلام:
((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان ـ أولاً ـ أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.))
لو سألت مليار ومئتين مليون مسلم في الأرض ألا تحب الله ورسوله أكثر من أي شيء لقال نعم، ليس هذا هو معنى الحديث، عند التعارض، عندما تتعارض مصلحتك القريبة فيما يبدو لك مع الحكم الشرعي فتضع مصلحتك تحت قدمك وتؤثر الحكم الشرعي عندئذٍ تستحق حلاوة الإيمان لأنك دفعت ثمنها.
ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ـ أي في قرآنه ـ ورسوله ـ أي في سنته ـ أحب إليه ـ عند التعارض ـ مما سواهما ـ هذا البند الأول، والبند الثاني ـ وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ـ ينبغي أن توالي المؤمنين، وأن تقلق على مصيرهم، وأن تسعد بخيرهم، وأن تشق بشقائهم، وأن تحمل همومهم، ولو كانوا فقراء وضعاف، ويجب أن تتبرأ من الكفر ولو أن مصالحك مرتبطة به، ولو كان الكفر قوياً وغنياً، البند الثاني.
(( وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار))
ليس على حرف في الأعماق، لا تثنيه عن عقيدته ولا عن منهجه لا سياط الجلادين اللاذعة ولا سبائك الذهب اللامعة، لأنكم وأنا أحسن الظن بنفسي وبكم إن شاء الله، لأنكم تنتمون إلى هذه الأمة، لأنكم تحملون همومها أنتم قلقون، إنها في محنة شديدة، ولكن أيها الأخوة دعوني أضع بين أيديكم حقيقة موضحة بمثل.
تركب أنت مركبتك وتسير بها إلى هدف ثمين فإذا ضوء أحمر يتألق في لوحة البيانات، تألق أو لم يتألق ليس هذا هو المشكلة، تألق حتماً لأنك رأيته بأم عينك، لكن البطولة أن تفهم لمَ تألق ؟ تألق الذي حدث حدث ما من إنسان على وجه الأرض إلا ورأى بعينه ما حدث فالآن المشكلة مع التواصل الإعلامي الشديد، مع أن الأرض أصبحت غرفة واحدة لا بيت واحد مع هذا التواصل الشديد، المشكلة ليس أن نصدق ما حدث لقد رأيناه رأي العين، ولكن المشكلة الكبيرة أن نفهم هذا الحدث، إما أن نفهمه فهماً شركياً، وإما أن نفهمه فهماً توحيدياً، وفرق كبير بين أن نفهم الذي حدث فهماً توحيدياً أو أن نفهمه فهماً شركياً.
أول حقيقة في الدين: كل شيئاً وقع أراده الله، لا يمكن ولا يعقل ولا يقبل أن يقع في ملك الله ما لا يريد الله، أول حقيقة، لا يمكن أن يقع في ملك الله إلا ما يسمح الله به، الحقيقة الدقيقة والله أيها الأحباب لو استوعبناها لكنا في حال آخر، كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ﴾
لم يقل الله عز وجل بيدك الخير والشر ز
﴿ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾
وحده، لكنه قد يكون الخير مبطن، لأن الله عز وجل يقول:
﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وباطنة﴾
وقال العلماء: المصائب نعم باطن، لقول الله عز وجل:
﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)﴾
كل شيءٍ وقع أراده الله، وكل شيءٍ أراده الله وقع وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
حضرت أيها الأخوة مؤتمر في لوس أنجلوس، مؤتمر الشباب المسلم ودام المؤتمر أربعة أيام، ألقيت عدة محاضرات، في يوم الاختتام من تقاليد هذا المؤتمر أن الضيوف يجلسون على طاولة الخطابات ويتكلم كل واحد منهم دقيقة واحدة، وكان إلى جانبي مندوب العراق ماذا قال:
قال والله لقد أصاب الشعب العراقي من البؤس والقهر والأسى ما لم يصب به المسلمون في شتى أقطارهم في مئة عام، وبكى، ثم قال: والله لقد ارتقى المؤمنون في هذا البلد في سلم الإيمان ما لم يمكن أن يرتقوا إليه في ثلاثة مئة عام.
فكانت كلمتي تعقيباً على كلمته:
إذاً: خطة الله استوعبت خطة أمريكا، أيحسب الذين كفروا أن يسبقوا، ما معنى أن يسبقوا ؟ أن يفعلوا شيئاً ما أراده الله، مستحيل وألف ألف مستحيل، أحسب الذين كفروا أن يسبقوا، أي أن يفعلوا شيئاً ما أراده الله، لكن خطة الله عز وجل تستوعب خطة الكافر.
﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)﴾
لأن الله سبحانه وتعالى من سننه التي تستنبط من هذه الآية " وَمَا كَانَ اللَّهُ " وما كان الله من أشد صيغ النفي في اللغة العربية، سماها علماء اللغة نفي الشأن، لا يمكن، ولا يقبل ولا يعقل، ومستحيل وألف ألف مستحيل، ولا يرضى، ولا يجوز.
﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾
نحنا في حال سكوني لا بد من تحريك، فهذا الذي حدث أراده الله لكن أنا لا أدخل في الفتاوى، يجوز لا يجوز، دعونا من الفتاوى، القاعدة الأساسية: لكل واقع حكمة، دقق بصرف النظر عن الموقع، أكان على صواب أم على خطأ، لكل واقع حكمة ما دام الله سمح لهذا الذي وقع أن يقع ففيه حكمة لا تعد ولا تحصى، يدركها من يدركها ويغفل عنها من لا يدركها لذلك:
﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
إن شاء الله في المحاضرة القادمة أقرأ لكم رسالة جاءتني من أمريكا عن تأكيد لهذا الذي أقول الآن زراني طبيب من بترويد قال لي كنا نوزع في مركزنا عدة مصاحف في الشهر ألف مصحف مع تفسيره وزع في عشرين يوم، الإسلام قفز إلى بؤرة الاهتمام في العالم كله الإسلام أصبح القضية الأولى في العالم كله، وقد سخر الله لنا رجلين واحد مقيم بواشنطن والثاني في تل أبيب، مهمتهما توحيد المسلمين دون أن يشعرا، والله الثمار والله أراها رأي العين وألمسها لمس اليد، صار في تقارب، صار في تعاون في بلادنا وعندكم وفي أي بلاد أخرى.
شيء آخر: قفز الإسلام إلى بؤرة الاهتمام، صار هناك تعاون هذا لم نكن نحلم به صلى عندي الأخ خالد مشعل قبل شهر، أقسم لي بالله ما مر على شعب فلسطين وقت في تاريخهم هم متعاونون كهذا الوقت أنا لا أصدق أن امرأة، هذه ظهرت في فضائية المنار امرأة فلسطينية تعانق ابن لها يزيد طوله عن طولها مرة ونصف من أجمل الشباب، تعانقه وتقبله وهو يحمل بندقية وتدفعه، هذا الشاب عمره ثمانية عشر عام، تقسم أمه بالله أنه ما أمسك بندقية في حياته، أرسلته إلى ناتانيا بأعماق إسرائيل وبأجمل مدينة فيها، إلى ثكنة عسكرية محاط بشبك مكهرب، معه قاطع قاطع معزول، قطع هذا الشبك، معه خليوي، وخبر أمه أن يا أمي أنا قد وصلت وابشري، بقي دقائق حتى تسمعي الأخبار وقتل 12 إسرائيلي وجرح 22، وتقول أمه أنها طوال الليل ما غفلت لحظة عن الدعاء له وتقول بدعائها البسيط يا رب يدك بيده، يا رب كون معه، يا رب وفقه أن يكون شهيداً، واستشهد، إذا كان عندنا أمهات كهذه الأم أبشروا أيها الأخوة، هذا لم يكن من قبل، في تطور نوعي، البطولة ألا ترى السلبيات في السلبيات، أن ترى الإيجابيات في السلبيات.
شاة ميتة ريحها نتن، مر بها النبي مع أصحابه، قالوا ما أنتن ريحها، قال بل ما أشد بيضاء أسنانها.
بطولتك أن ترى الإيجابيات في السلبيات، أنا الذي رأيته أن هناك تقارب لم نكن نحلم به، وأن قضية الإسلام قفزت إلى بؤرة الاهتمام، لكن الإنجاز الأكبر وأخرته إلى الرقم ثلاثة، لكن الإنجاز الأكبر هو أن هذا البلد الكبير يخطف أبصار العالم، أنا زرته أربع مرات كنت أقول إذا كان هناك جنة في الأرض فهي هناك، لكن على شبكية العين، أما بعد أربع سانتي إلى الدماغ جهنم، بلاد جميلة، الإنسان حر، ديمقراطية، حرية رخاء، قيمة الإنسان محفوظة كرامته محفوظة، يعيش حياة تفوق حد الخيال، هذا البلد كان يعبد من دون الله، ومعظم الناس يغفلون عن حقيقته الآن كشف الله عز وجل، لم يكشفه لعلمائنا الكبار، ولا لمثقفينا، ولا لمفكرينا كشفه لأطفالنا، دققوا الآن:
﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)﴾
لمَ لم يقل الله عز وجل فمن يؤمن بالله فقد استمسك، لا يمكن أن تؤمن بالله قبل أن تكفر بالطاغوت، لا يمكن أن تظن كافراً محسناً، وأن كافراً عدلاً وأن كافراً رحيماً، هذه قيم كلها مزيفة، فلما ضربت مصلحهم أصبحوا وحوشاً كما ترون، أكبر إنجاز أن هذا الصنم العملاق سقط في الوحل، الآن الطريق إلى الله سالك، والله قبله ما كان سالكاً، والله قبل أن يسقط هذا الصنم الكبير وهذه الدولة العظمة، التي تدعي الحرية والديمقراطية والرخاء وكرامة الإنسان، ومن دخل إلينا له ما لنا، وعليه ما علينا، ولك أن تقاضِ أي إنسان هناك، سرقوا أدمغة العالم.
على كلٍ أيها الأخوة إن أردتم رأي الشخصي وهذا رأي الشخصي أن أكبر إنجاز لما حدث أن هذا العملاق سقط في الوحل فصار الطرق إلى الله سالكاً، وكان قبلها غير سالك، ثم هذا الذي حدث وحدنا، وحدنا على مستوى أسر، على مستوى مدن، على مستوى أمة، على مستوى وطن وحدنا، خطر واحد، نحن جميعاً في قارب واحد، الإسلام مستهدف، لا يهدفون إلى فئة دون فئة، فلابد من أن نتعاون.
والشيء الثالث: أن الإسلام كدين سماوي قفز إلى بؤرة الاهتمام.
أيها الأخوة:
ولكن نتمنى والله يشهد أن ننتصر، إلا أنكن إذا قرأت القرآن الكريم ترى أن حقيقة النصر ليس أن تأخذ أرضاً، ولا أن تذل شعباً، ولا أن تأخذ ثروة، حقيقة النصر أن تثبت على مبدئك، من أين هذا المعنى
﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(9)﴾
الله عز وجل أثنى على من ؟ على الذين أحرقوا، بالمقياس الظاهري الملك انتصر عليهم وأحرقهم وانتهى الأمر، لكن الله أثنى على من ؟ معنى ذلك أنت حينما تثبت على مبدئك والإنسان حينما يموت مسلماً موحداً مطيعاً لله عليه الصلاة والسلام هو المنتصر، كفاك على عدوك نصراً أنه في معصية الله.
أخوانا الكرام:
أخطر شيء أن نهزم من الداخل، أخطر شيء حالة الإحباط التي عمت المسلمين.
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ﴾
أيها الأخوة:
أنا والله لا أصدق أن يكون في القرآن قصة، لمجرد القصة قصة كي نستمتع بها، حدثنا ربنا عن قوم عاد، قال:
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)﴾
عاد متفوقة في كل شيء، هذا واحد، وكلما أهلك الله قوماً ذكرهم أنه أهلك من هو أشد منهم قوةً، إلا عاد، حينما أهلكهم قال:
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾
ما معنى ذلك ؟ ليس فوق عاد إلا الله، هذه واحدة، وأنه أهلك عداً الأولى، لمَ قال الأولى ؟
﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ﴾
يستنبط أن هناك جاهلية ثانية، وأنه أهلك عاداً الأولى، يستنبط أن هناك عاداً ثانية، وأن هؤلاء نموذج متكرر، أول صفة " لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ " تفوق في شتى الميادين، ثاني صفة الاستكبار.
﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾
ثلاثاً: تفوق عمراني.
﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)﴾
رابعاً: قوة عسكرية.
﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)﴾
خامساً: تفوق علمي.
﴿وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)﴾
استبصار، قوة عسكرية، قوة عمرانية، تفوق في شتى المجالات ثم إن الله عز وجل يقول ماذا فعل هؤلاء ؟
﴿طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12)﴾
في البنتاغون وفي هوليود، الأول يقصف والثاني يفسد.
﴿الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) ﴾
والله أيها الأخوة: قبل الحادي عشر من أيلول كنت في أمريكة وكنت في مؤتمر الشباب المسلم، هذه القوة الكبيرة أن تضع خططاً لصالحها على حساب الشعوب، على حساب ثقافة الشعوب، على حساب ثروات الشعوب، على حساب كرامة الشعوب وأن تنجح هذه الخطط على المدى البعيد والله الذي لا إله إلا هو هذا النجاح لا يتناقض مع عدالة الله فحسب بل يتناقض مع وجوده، أبشروا، أن تتأله أمة، الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني منه شيئاً فأذقته عذابي ولا أبالي، وما قضيت المعسكر الشرقي عنكم ببعيد، والله الذي لا إله إلا هو من كان يظن أن ينهار هذا المعسكر وضع في مستشفى المجانين، ومع ذلك تهاوى من الداخل، أنا أريد معنويات عالية أيها الأخوة، الله عز وجل لا يمكن أن يتخلى عنا، مستحيل وألف ألف ألف مستحيل.
بالمناسبة النبي عليه الصلاة والسلام سيد الخلق وحبيب الحق ومعه صفوة البشر لم ينتصروا في أحد لماذا ؟ لأنهم عصوا أمر قائدهم، لم ينتصروا بسبب سلوكي، لو أن الله نصروهم لسقط أمر النبي، لم ينتصروا، وفي حنين لم ينتصروا، بسبب إيديولوجي، اعتقادي، لن نغلب من قلة، في أحد لم ينتصروا بسبب تكتيكي، وفي حنين لم ينتصروا بسبب إيديولوجي أو لسبب سلوكي، أو سبب اعتقادي، فكيف إذا كان عندنا مليون سبب وسبب لسبب واحد لم ينتصر سيد الخلق، وحبيب الحق ومعه أصحابه، هذه واحدة.
أيها الأخوة:
العلماء قالوا: هناك نصر استحقاقي.
﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾
وهناك نصر تفضلي، غير.
﴿غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ﴾
هل الروم على حق ؟ لا، لكنهم أقرب إلى الإيمان من الفرس فلما انتصروا سما العلماء هذا النصر نصراً تفضلياً، نحن إذا دعون الله بالنصر ندعوه أن ينصرنا نصراً تفضلياً استحقاقياً ! والله لا نستحق نصر تفضلي، في نصر ثالث، النصر الثالث كوني ماله علاقة بالإيمان إطلاقاً، فئتان كافرتان، الذي عنده إف 16 ينتصر فقط، الذي عنده أباتشي ينتصر الذي عنده أقمار صناعية ينتصر، الذي عنده حاملات طائرات ينتصر، إذا كان الطرفين بعيدين عن الله عز وجل ينتصر الأقوى فقط، سما العلماء النصر الثالث نصراً كونياً، في نصر استحقاقي ونصر تفضلي، ونصر كوني، ثم إن معركة بين حقين لا تكون مستحيل لأن الحق لا يتعدد، لكن المعركة بين حق وباطل لا تطول لأن الله مع الحق، أما أن تكون المعركة بين باطلين فلا تنتهي، فلا تنتهي أبداً، بين حقين لا تكون، وبين حق وباطل لا تطول، وبين باطلين لا تنتهي.
أخوانا الكرام:
كلما سمعنا كلمة الجهاد لن يخطر في بالنا إلا الجهاد القتالي، مع أنكم إن قرأتم كتب السيرة وكتب الفقه تفاجئون، أن الجهاد القتالي فرع صغير من جهاد النفس والهوى، فإن لم نقيم الإسلام في بيوتنا وفي أعمالنا لا نستطيع أن نواجه أعدائنا، الإنسان المهزوم أمام شهواته لا يستطيع أن يواجه نملة فنحن مقصرون في جهاد النفس والهوى، ماذا قال ابن القيم عن جهاد النفس والهوى ؟ جهاد النفس والهوى يعني أن تحمل نفسك على معرفة الله، من منا يقتطع من وقته الثمين وقتاً لمعرفة الله، من منا يعكف على طلب العلم، من منا يعكف على معرفة الحقائق، من منا يبتعد عن مشاغله التي لا تنتهي، خذ من الدنيا ما شئت وخذ بقدرها هماً، ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أحد من حتفه وهو لا يشعر، ومن أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله، ولم يؤتيه من الدنيا إلا ما قدر له، ومن أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة.
أيها الأخوة الكرام
نحن في أمس الحاجة إلى جهاد النفس والهوى، هذا كلام دقيق في الصحاح، رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس والهوى، ما بال المسلمين ؟ كلما سمعوا كلمة جهاد يقفز إلى أذهانهم الجهاد القتالي، مثل أنا أستحي أن أذكره لكم لكن مضطر أن أذكره، يعني إنسان جنب من زنى إلى قيام الليل، أين ؟ في مسافات طويلة جداً، حتى نقيم الإسلام في بيوتنا حتى نقيمه في أعمالنا، حتى نقيمه في أفراحنا في أتراحنا، في تجارتنا، في سفرنا، في إقامتنا في تزويج أولادنا، في علاقاتنا، في نشاطاتنا، عندئذٍ نستحق أن يتنزل علينا نصر الله.
أيها الأخوة:
أنا حينما أدعو في دمشق أقول اللهم انصرنا على أنفسنا حتى نستحق أن تنصرنا على أعدائنا، لأن النصر من عند الله وحده، لو أن الله أسلمنا إلى غيره لا يستحق أن نعبده، لو أن الله أسلمنا إلى أعدائنا لا يستحق أن نعبده لأن الله يقول:
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾
ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن الأمر كله عائد إليه، هذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ(218)﴾
أخوانا الكرام:
قبل أحداث الحادي عشر من أيلول في أبيض وفي أسود وفي مليون لون رمادي سبحان الله الآن في أبيض وأسود فقط، ولي أو إباحي صادق أو كاذب، محسن أو مسيء منضبط أو متفلت، مخلص أو خائن بخاف من الله أو يخاف من بوش، هذه أو هذه، الأمور واضحة الآن والله ما مر على تاريخ الأمة حالة الأمور واضحة كهذه الحالة أبداً.
﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر﴾
السؤال الكبير ماذا نعمل ؟ سألني أخ بالشام قال لي ماذا أعمل قلت له أقنع بوش بعدم ضرب العراق، قال لي مستحيل، قلت له إذاً كن مسلماً، أدي الذي عليك، كن مسلماً، هذا الإسلام عظيم، لكن لا ينمو بالكلام، لا ينمو إلا بالأعمال، قل اعملوا، دققوا أيها الأخوة:
﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾
﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾
لذلك أنا أتمنى الآن أن تحل الدعوة الصامتة محل الدعوة الناطقة ذلك أن الأنبياء جاؤوا بالكلمة فقط، فقلبوا وجه الأرض، لكن الآن كفر الناس بالكلمة، ذلك أن هناك مسافة كبيرة بين الكلمة وبين الواقع لذلك زهد الناس بالكلمة، أقل كلمة صف حكي، كلام فارغ، بلا فلسفة، هذا كلام العوام، لأن هناك مسافة كبيرة جداً بين الكلمة وبين الواقع الناس زهدوا في الكلمة، ما الذي يحل محلها الآن ؟ الدعوة الصامتة، صدقك دعوة إلى الله وأنت صادق، أمانتك دعوة، إتقان عملك دعوة، تربية أولادك دعوة والله أيها الأخوة أمامكم مليون طريق إلى الله قبل الجهاد في سبيل الله لو أنك كفيت المسلمين نفسك، اعتنائك بصحتك واجب ديني، عندنا في بلدنا كل يوم ندفع 400 مليون ثمن دخان، 16 مليار ثمن دخان، لو تركت الدخان دعوة، تربية الأولاد طلب العلم، أن تطلب العلم جهاد النفس والهوى، أن تحمل نفسك على معرفة الله، أن تحمل نفسك على طاعة الله أن تحمل نفسك على نقل ما تعلمت.
((قال عليه الصلاة والسلام: بلغوا عني ولو آية.))
المسلم يحضر خطبة، يكتب، يحفظ منها، يجعل طول الأسبوع همه نقل هذه المعلومات لمن حوله، بالمناسبة أيها الأخوة الدعوة إلى الله فرض عين، وفي فرض كفاية.
﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾
فرض كفاية، التبحر، والتعمق، والتفرغ، ومعرفة الأدلة والرد على الشبهات هذا تفرغ، هذا فرض كفاية، أما أن تستمع إلى محاضرة تستوعب واحد بالمئة منها فتحفظه وتنقله إلى صديقك، إلى جارك، الدعوة التي هي فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف فقط بلغوا عني ولو آية.
لذلك نقل المعرفة فرض عين على كل مسلم، من أجل أن تتسع دوائر الحق وأن تضيق دوائر الباطل.
﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
أركان النجاة أن تطلب العلم، وأن تعمل بما علمت، وأن تبلغ ما علمت، وأن تصبر على تعلم العلم، وعلى تعليم العلم، تواضعوا لمن تتعلمون منه وتواضعوا لمن تعلمونه، هذه أركان النجاة، الإنسان خاسر لا محالة، لماذا هو خاسر ؟ لأن مضي الزمن وحده يستهلكه يجب أن نعد أعمارنا عداً تنازلياً لا عداً تصاعدياً.
لأن كل مخلوق سيموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت الليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر، والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبر، وكل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول، فإذا حملت إلى القبور جنازة، فاعلم أنك بعدها محمول.
رجل دميم، وفي رواية كان أعور وأكتع جاء النبي عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله ما علي أن أفعل ؟ قال له تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت، قال له إن فعلت هذا فما لي عند الله ؟ قال له لك الجنة شيء جميل، جاء السؤال المحرج، قال يا رسول الله ما بال هؤلاء الذين حولك لا يزوجونني دمامتي ليست مني، هكذا خلقت، وأنا أمنت بك، وأعلنت الشهادة، وأصلي وأصوم، والذين حولك لا يزوجونني، ما هذا المجتمع الإسلامي فقال عليه الصلاة والسلام: اذهب إلى بيت فلان وقل لهم إن رسول الله زوجني ابنتكم، في شيخ بالأرض يمون على أحد إخوانه يعطي ابنته الجميلة جداً لواحد دميم، ما في بالأرض شيخ يمون على أحد إخوانه هذا ذهب إلى هذا البيت فتح أبوها الباب رآه بهذه الحالة فطرده فوراً سمعت البنت مقالة هذا الرجل ورد أبيها له قالت له يا أبتِ ألا تخشى أن يسبقك الوحي إلى رسول الله فينبئه بما صنعت، إن كنت إنما رفضت من أجلي فأنا راضية به، فاسترجع أبوها، وانطلق إلى النبي عاتبه النبي، قال والله يا رسول الله، طبعاً بالمناسب كحكم شرعي لو أنها رفضت لا شيء عليها، لأن هذا شأن شخصي، قال عليه الصلاة والسلام لو تراجعيه قالت أفتأمرني ؟ قال لا، إنما أنا شفيع، النبي بعظمته لم يستخدم مقامه العالي في شأن شخصي، لكن في موقف شرعي، وفي عمل بطولي.
بالمناسبة: أذكر لكم قصة ضرورية، رجلان ألقي القبض عليهما من قبل مسيلمة الكذاب، قال مسيلمة لأحدهما من صحابة النبي أتشهد أني رسول الله قال ما سمعت شيئاً، فقطع رأسه، قال للثاني أتشهد أني رسول الله قال نعم أشهد وشهد، دقق ماذا قال النبي، قال أما الأول فقد أعز دين الله فأعزه الله، مات قتله، قلبنا هبط، قال وأما الثاني، دقق الآن، قال فقد قبل رخصة الله، ما كلفنا الله فوق ما نطيق، معنى ذلك هناك حد أدنى هو الحكم الشرعي، وحد أعلى هو البطولة.
فهذه البنت لو رفضت لا شيء عليها، لكن بمحبتها لرسول الله قالت يا أبتِ إن كنت إنما رفضت من أجلي فأنا راضية به، جاء به النبي ماذا معك يا فلان ؟ قال والله لا أملك شيئاً على باب الله، ما معه شيء إطلاقاً، فقال يا علي ويا سعد ويا عبد الرحمن احملوا عنه المهر أعطاه كل واحد منهم مئتين درهم، فاليوم عرسه، لا يمكن أن يحلم بزواج، لولا تدخل النبي لا يمكن، فذهب ليشتري الحاجات فإذا بمنادي الجهاد ينادي يا خيل الله اركبي، فترك عرسه ولحق بالجهاد، واستشهد، بكى النبي بكاءً شديداً بيده كفنه، وقال هو معي، اسمه سعد، هو معي بالجنة، وقد أبدله الله حورية بالجنة خيراً من زوجته، وقال لأبي الفتاة قل لابنتك بارك الله لها في عمرها ومالها، فكانت من أطول الصحابيات عمراً ومن أكثرهن مالاً.
أيها الأخوة الكرام
إذا في عندنا فتاة تحترم رغبة النبي، وتضحي بحظها من الرجال تضع حظها تحت قدمها، والله أنا في الشام دخلت في عدة مخالعات لم يعجبها كثيراً، إنه قصير، وشاب ممتاز ومهندس، هذا وراء المسلمين في فرق كبير كثير، مرة ذهبت إلى العمرة من الطريق القديم طريق معركة بدر، وجدت السيارات المازدا والمرسيدس والأكل والشرب وبرادات الماء قلت والله هذا الطقم غير ذاك الطقم، في مسافة كبيرة كثير بيننا وبين الصحابة الكرام، هم في واد ونحن في واد.
أنا قلت لهم في الشام ائتوني بشاب يؤثر الجهاد في سبيل الله على حلمه الذي لم يكن يحلم به أن يتحقق وأتوني بفتاة تؤثر رغبة رسول الله على حظها من الرجال، وأتوني بأب يحترم رغبة رسول الله حتى نملي أوامرنا على رجلين، الأول أسميته وحيد القرن، والثاني ثور هائج مصاب بجنون البقر.
أيها الأخوة الكرام:
لا شك أنكم تعلمون علم اليقين أن النصر المادي التقليدي يحتاج إلى شيئين، يحتاج إلى إيمان.
﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾
ويحتاج إلى إعداد.
﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾
لكن رحمة الله بنا أعفتنا من الإعداد المكافئ، وكلفتنا بالإعداد المتاح فقط، إيمان بعظة الله ووحدانيته وكماله، وأن الأمر كله بيده، وأنه بيده مقاليد السماوات والأرض، وإعداد متاح، وبعدها ننتصر، لكن كلاهما شرط لازم غير كافي.
أيها الأخوة الكرام:
يعني هذا الموضوع شجون، والله ما من مسلم صادق إلا وهو يحمل هم المسلمين والله علامة إيمانك اليوم أن تحمل هم المسلمين والله أنا اسمحوا لي بهذه الكلمة القاسية، والله أحتقر إنسان ما عنده مشكلة لا يعبأ بما يجري في فلسطين، ما في عنده مشكلة، نحن في الشام ما عنا مشكلة إطلاقاً، لكن إن لم تهتم بأمر المسلمين فلست منهم، إخوانك إخوانك يموتون كل يوم يقتلون، تهدم بيوتهم، تقتلع أشجارهم، إن لم تتأثر لهم فهذه علامة خطيرة، لذلك كأني بكم دعوتموني لموضوع أقلقكم وأقلقنا أيضاً، إن شاء الله هذه علامة طيبة.
أيها الأخوة الكرام:
يعني في كلام دقيق عن الجهاد، الله عز وجل قال:
﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52)﴾
إله يقول أن تعلم القرآن، وأن تعرف الناس بالواحد الديان، وأن تعلم الناس أسماء الله الحسنى، وصفاته الفضلى، وأن تعلم الناس منهج الله، وسبل الخلاص، هذا جهاد كبير، بل هذا هو الجهاد الأكبر المقصود والجهاد القتالي تمهيد لهذا الجهاد، فإذا كان ممكناً أن تدعو إلى الله، وأن تعلم القرآن، وأن تلقي المحاضرات، وأن تغذي عقول الشباب، افعل هذا متاح الآن أنا أتألم جداً من إنسان واضع أهداف من المستحيل أن تتحقق إما أن تتحقق أو لا يفعل شيء أعوذ بالله، مليون طريق إلى الله الآن موجود هنا عندكم في اسطنبول، ربي أولادك، الأولاد الورقة الرابحة الوحيدة في حياتنا، أولادنا هم المستقبل، أنا والله الذي لا إله إلا هو لا أرى شخصياً من عمل أعظم من أن نربي الأجيال، ورقة رابحة وحيدة إذا كل أب ربى أولاده، إذا كل أب ضبط نفسه، إذا كل أب ضبط بيته ضبط زوجته، ضبط دخله إنفاقه، عندئذٍ يرضى الله عنا، وعندئذٍ يعطف علينا، وينصرنا، يعني نحن ما نكون نظريين، أن نستمع استماع سلبي نعجب يا أخي ما هذا الكلام، ما هذا القرآن، ماذا فعلت ؟
يعني إذا واحد معه مرض جدري لا سمح الله، ولا دواء له إلا أن يتعرض لأشعة الشمس، جلس في غرفة قميئة وصار يقول يا لها من شمس ساطعة، ما أعظم نور الشمس، لو أمضى طول حياته في الحديث عن الشمس مرضه لا يشفى، إلا إذا تعرض لها " فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا " هذه بعض الخواطر المتعلقة بالأحداث لكن القرآن الكريم فيه أشياء دقيقة جداً، يعني مثلاً والله قرأت آية، أنا سابقاً أقرأها كثيراً لكن والله الذي لا إله إلا هو وكأنني أتلوها أول مرة في حياتي.
﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48)﴾
كأين تفيد التكثير، معنى ذلك هذا من سنن الله عز وجل أن قرية ظالمة تزداد قوة.
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) ﴾
البطولة أن نكون على الحق، وأن تكون عقيدتنا صحيحة، وأن يكون منهجنا سليماً وأن نطبق الإسلام في بيوتنا وفي أعمالنا.
﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾
أدي الذي عليك واطلب من الله الذي لك، وإذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك.
والحمد لله رب العالمين
تركت وقتاً للمداخلات إن شئتم.
الحمد لله الذي أكرمنا بهذه الأمسية الأستاذية، الذي أدخل الفرحة إلى نفوسنا ببشائر النصر والتمكين للمسلمين، والهزيمة لأعداء الله عز وجل إن شاء الله.
أيها الأخوة إذا يوجد أسئلة مكتوبة فإن كان ذلك.
أنا أشكر لكم استقبالكم واهتمامكم وحضوركم.
سؤال:
يقول الجهاد الأكبر هو جهاد النفس، والجهاد النفسي يتفرع إلى فرعين هوى ذاتي ووساوس شيطاني، كيف نستطيع التغلب عليهم، وما هي الطرق والوسائل الناجحة وجزاكم الله الخير.
جواب: جهاد النفس والهوى أربعة بنود، وجهاد الشيطان بندان جهاد النفس والهوى أربعة بنود، أول بند: أن تطلب العلم.
أخوانا الكرام:
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك فإذا أعطيته بعضك فلم يعطيك شيئاً وكل علم وبال على صاحبه ما لم يعمل به طلب العلم، العلم هو الحاجة العليا في الإنسان، إنك إنسان إذا طلبت العلم، وإلا مخلوق آخر، يهبط الإنسان إلى مستوى آخر.
فلذلك لا بد من طلب الحقيقة، جهاد النفس والهوى أن تبحث عن الحقيقة، إنها الله ثانياً: أن تبحث عن منهج الله، حكم الله عز وجل من دخل السوق ولم يتفقه أكل الربا شاء أم أبا، لا بد من أن تعرف الأحكام الشرعية، أنت بالكون تعرفه، وبالشرع تعبده، لذلك طلب معرفة الله وطلب معرفة حكم أمره، الآية:
﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً (59)﴾
﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)﴾
أهل الذكر أهل الوحيين، الكتاب والسنة، إن أردت الحكم الشرعي اسأل علماء الفقه وإن أردت معرفة الله اسأل علماء القلوب.
﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً (59)﴾
﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)﴾
جهاد النفس والهوى أن تطلب الحقيقة، أن تعرف ذاته، وأن تعرف منهجه.
ثالثاً: الآن أن تحمل نفسك على طاعته، سهل جداً أن تعرف الحقيقة دون أن تستجيب لها، هذا يحتاج إلى إرادة، أنت من أجل أن تعرف الله تحتاج إلى فكر، وإلى أدوات لكن من أجل أن تطيعه تحتاج إلى إرادة، ولن تستطيع أن تطيعه إلا إذا كنت في جو ديني، والدليل:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾
تحتاج إلى بيئة مسلمة، إلى أصدقاء مسلمين، إلى أسر مسلمة إلى إنسان يأخذ بيدك وتأخذ بيده، إذاً:
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
يجب أن تضع نفسك في أجواء إسلامية، مع مؤمنين صادقين محبين لله عز وجل هذا البند الثالث في جهاد النفس والهوى.
رابعاً: إن لم تنقل هذا العلم لست متبعاً لرسول الله، الدليل:
﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾
فإن لم تدعو على بصيرة أنت لست متبعاً لرسول الله، ومن لم يتبع رسول الله لا يحب الله.
﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾
إذاً الدعوة إلى الله فرض عين، ممكن تعطي شريط، أنا جئتكم بأشرطة كثيرة جداً ممكن توزع شريط، ممكن تدعو إلى سهرة يذكر الله فيها ممكن تحضر درس علم، فلا بد من أن تدعو إلى الله، لا بد من أن تصبر.
أخوانا: تصوروا هذا المثل، مثل تركيبي طبعاً، أنا ورائي في حائط وكتلة حديدية تسير نحوي كي تسحقني، الموت محقق، في زر أمامي، إذا كبسته توقفت الكتلة، يجب أن أكبسه ؟! بالمئة مليون يجب أن أكبسه، الله ماذا قال ؟ والله شيء لا يصدق قال:
﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾
طائراتهم وكيدهم وصواريخهم ومكرهم وخداعهم كله ينتهي إله يقول، والله أنا عندي زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين.
﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾
كم شاب مؤمن قلبوا موازين القوة كلها، ما عاد له قيمة النووي، ولا الأسلحة، ولا الطيران، لأن شاب أراد أن يضحي بنفسه في سبيل الله، أربع أركان أربع أشياء، أن تطلب العلم، وأن تعمل به، وأن تدعو إليه، وأن تصبر، على خمس أشياء، على تعلمه، وعلى تعليمه، وعلى طاعة الله، وعلى معصية الله، وعلى قضاء الله وقدره.
﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾
الشيطان بندين: الشيطان له شيئان وساوس وشبهات وشهوات الشبهات تجلى باليقين، يطرح شبه الشيطان ابحث عن اليقين.
﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)﴾
والشهوات اصبر، باليقين والصبر، يرد على الشيطان باليقين على شبهاته وبالصبر على شهواته، أصبحوا ستة بنود، طلب العلم والعمل به، والدعوة إليه، والصبر على تعلمه وتعليمه، ورد الشبهات باليقين، ورد الشهوات بالصبر.