وضع داكن
23-11-2024
Logo
تربية الأولاد إصدار 1994 - الدرس : 06 - التربية الصحية - 1 مسؤولية الآباء عن التربية الجسمية لأولادهم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيِّدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهمَّ لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنَّك أنت العليم الحكيم، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحقَّ حقاً وارزقنا اتِّباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الأخوة المؤمنون، مع الدرس السادس من دروس تربية الأولاد في الإسلام.

مسؤوليَّة الآباء عن تربية أولادهم التربية الجسميَّة:

 في دروسٍ سابقة، تحدَّثنا عن مسؤوليَّة الآباء عن تربية أولادهم التربية الإيمانيَّة، ثمَّ تحدَّثنا عن مسؤوليَّة الآباء في تربية أبنائهم التربية الخلقيَّة، واليوم ننتقل إلى موضوع ثالث وهو: مسؤوليَّة الآباء عن تربية أولادهم التربية الجسميَّة.
 أيُّها الأخوة الكرام، كلُّكم يعلم أنَّ أكبر نعمةٍ بعد نعمة الهدى هي نعمة العافية ونعمة الصِّحة، وفي الدعاء النبويّ الشريف:

((اللهمّ اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت))

[النسائي، أبو داود، أحمد، الدارمي، عن الحسن بن علي ]

 وقال عليه الصلاة والسلام:

 

(( اللهمَّ إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ))

 

[ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه ]

 أي إنَّ أثمن نعمة على الإطلاق بعد نعمة الإيمان هي نعمة العافية، وقد يقال إنَّ هذه النعمة بالنسبة إلى بقيّة النعم الماديّة كواحد، وأية نعمةٍ بعد هذه النعمة تساوي الصفر أمام الواحد، فأصبح المجموع مساوياً العشرة، فمثال ذلك: صحَّة ومال أصبح المجموع مساوياً العشرة، صِّحة ومال وأولاد فالمجموع مئة، صحّة ومال وأولاد وزوجة صالحة فالمجموع ألف، صحة ومال وأولاد وزوجة صالحة ومكانة اجتماعيَّة فذلك مساوٍ عشرة آلاف، فإذا حذف الواحد تصبح بقيَّة النعم أصفاراً لا معنى لها.
 لذلك فصحَّة الإنسان رأسماله في حياته، لا أقول إنَّ الآباء بإمكانهم أن يعطوا أولادهم صحَّةً كما يريدون، ولكنَّ مسؤوليَّة الآباء تترتب عليهم في أن يكونوا محافظين على صحَّة أولادهم، فالأب يجب عليه أن يكون عالماً بما ينفع ابنه وما يضرُّه.
 و كم من غلطةٍ ارتكبها الأب فسببت عاهةً دائمةً في الأولاد، وكم من خطأٍ بسيط سبب مرضاً خطيراً وبيلاً عانى منه الابن طوال الحياة، فهناك أمراض مزمنة، و أمراض وبيلة، وأمراض عضال ليس لها حل، فالأب حينما يكون أباً حقيقياً فهذه الأُبوَّة تعطيه مسؤوليَّة تجاه أولاده.

أول مسؤوليات الأب تجاه أولاده وجوب الإنفاق عليهم:

 

 أوَّل مسؤوليَّات الأب تجاه الابن من حيث التربية الجسميَّة وجوب الإنفاق عليه، فلابدَّ لهذا الجسم من النمو، فيحتاج إلى غذاء، هناك آباء كثيرون يبخلون بالمواد الأساسيَّة التي تقوّي عظام أبنائهم، فلابدَّ من أجل نموّ العظام والعضلات من غذاء خاص حينما يكون الأب مقتدراً، ولابد من أن ينفق على أولاده لإطعامهم وكسوتهم وتوفير كسوتهم ومسكنهم بشكلٍ يضمن لهم صحَّتهم.
 كثير من الأخوة لا يقدِّرون بعض أنواع الأطعمة، فيدفع ثمناً للدواء عشرة أضعاف ثمن الطعام أحياناً، لأنَّ الدواء قسري، فالقارورة ثمنها ثلاثمئة ليرة مثلاً بسبب نقص في الفيتامين ويمكن أن نستدرك ذلك بتناول بعض أنواع الفاكهة، فالأبوَّة علم فلابدّ أن تعلم ما ينبغي لابنك أن يأكل، فإن كان هناك تقصير أو إهمال فتصبح هناك مضاعفات في جسمه تحتاج إلى أدويةٍ غاليةٍ جدّاً، قال تعالى:

﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ(233) ﴾

(سورة البقرة)

  وقال عليه الصلاة والسلام وهذا حديث دقيق جداً:

 

(( دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَدِينَارٌ فِي الْمَسَاكِينِ وَدِينَارٌ فِي رَقَبَةٍ وَدِينَارٌ فِي أَهْلِكَ أَعْظَمُهَا أَجْرًا الدِّينَارُ الَّذِي تُنْفِقُهُ عَلَى أَهْلِكَ ))

 

[رواه مسلم عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ]

  أمَّا التعليل فهو أنَّ أهلك ليس لهم إلا أنت، لكنَّ الآخرين فأنت وغيرك لهم، فإن لم ترعَهُم الرعاية الجسميَّة الكافية فهذا إهمال كبير، فأحياناً لديهم أسنان متراكبة، والأب لا يصغي لهذا الطلب، والخطأ يمكن علاجه، أو يوجد خطأٌ في الجهاز العظمي، فيمكن تقويمه بعمليَّة، فهذه الفتاة كانت معاقةً فأصبحت سليمة، وربما هذه العاهة أعاقت زواجها، فالأب مسؤول، وأغلب الظَّن أنَّ جميع الآباء، لا يتحمَّلون أن يروا في أولادهم ولا في بناتهم شيئاً غير صحيح، لكن هناك من يبادر في الوقت المناسب، ويسأل الأطباء ويتابع الأمر وهذا واجب عليه، وهناك من يقصر في ذلك.

 

توفير الحاجات الأساسيَّة ووسائل السلامة في البيت مسؤولية لابدَّ منه:

 

 

 فلنستمع لهذه القاعدة: لست بطلاً إذا لم تصبك الملمّات، ولكنَّ البطولة أنَّها إذا أصابتك أن تقف منها الموقف الكامل.
 وهناك إنسان له ابن معه مرض، وموقفه كأب مؤمن عليه أن يتابع من طبيب لآخر ويطبِّق المعالجة وعلى الله الشفاء، أدّ الذي عليك واطلب من الله الذي لك، ولكنني أقول كلاماً ليس من الهواء ولكن من الواقع، فإنني أعرف حالات خطيرة جداً رَسَخَت في الأبناء بسبب إهمال الآباء، أحياناً يوجد إهمال في ترتيب البيت وأثاثه، فبعض الطاولات لها حرف مدبَّب وهذا ربَّما سبب كسراً للجمجمة أحياناً، فتوجد طريقة لبناء البيت، وقد تجد دعامات حادَّة الزوايا، ولو أنَّ طفلاً كان مندفعاً وارتطم بها فيصاب بكسر في الجمجمة، أو ارتجاج في الدماغ، أو عاهةً دائمة.
 وأحياناً تكون أسلاك الكهرباء ظاهرة، ومن الممكن أن يلمسها طفل، وهي ذات تيار يبلغ مئتين وعشرين فولت مثلاً، فيصبح معه ارتجاج، فيجب أن تعتني بكهرباء البيت وبكل شيء يسبب خطراً على الأولاد، فأنت مسؤول، التمديدات الكهربائية يجب ألا يكون فيها تماس، وكذلك الأعمدة يجب ألا تكون زواياها حادّة، وكذلك سقف بيت الدرج بالملاحق قد يكون منخفضاً جداً فكثيراً ما يصطدم رأس الخارج من البيت به.
 فالقضيَّة فيها مسؤوليَّة، وعندما يشعر الإنسان بأنَّه كان مسؤولاً عمَّا حدث، وأنَّ هذا الابن أصيب بما يشبه العاهة الدائمة، فهذا الشيء لا يحتمل، فلذلك توفير الحاجات الأساسيَّة ووسائل السلامة في البيت لابدَّ منه.
 أيُّها الأخوة الكرام، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ))

[رواه أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو]

الغذاء والمسكن والكساء هي الحاجات الأساسية التي يجب على الأب توفيرها لأبنائه:

 عدم الإنفاق هذا أكبر أنواع الإثم بالنسبة للأب، ومن التقصير أن يكون المعال بحاجة ماسَّة لنوع معيَّن من الغذاء متعلِّق بالنمو، والأب لا يبالي، وقد يكون ميسور الحال، ولكنَّه غير مقتنع، تأتيني حالات كثيرة مثلاً: بنتٌ في ريعان شبابها وأسنانها متراكبة، وهذه الأسنان المتراكبة تتفاقم، والأب غني، ويملك من الأموال الكثير، ولكنَّه غير مقتنع ويقول: تستقيم لذاتها وهذا كلام غير صائب، فإذا كبرت البنت وصارت أسنانها غير مقبولة فربَّما سببت لها عقدة نفسيَّة، فالمفروض أن يعتني الإنسان بأولاده من حيث توفير الحاجات الأساسيَّة كالغذاء والملبس والمسكن، وأن يكون المسكن مريحاً فقط وفيه حد أدنى من السلامة.
 وقد تجد طفلاً وقع من الطابق العاشر فنزل ميِّتاً لعدم وجود حواجز على النوافذ، وتجد بعض الناس قبل أن يسكنوا مثل هذا البيت يضعون الحواجز على النوافذ، وتوجد شرفات ذات حاجز منخفض، قد تسبب سقوط طفل من طابق عالٍ.
 واليوم درسنا عن التربية البدنيَّة، عن مسؤوليَّة الآباء عن صحَّة أبنائهم وعن سلامتهم، فأحياناً يكون هناك تلقيح فننسى أن نلقِّحهم، وتوجد مثلاً جائحة التهاب سحايا أو غيرها، فيجب بقدر الإمكان أن يراعي الأب هذه الناحية، والعلماء قالوا: " على الأب أن ينفق على أهله وأولاده ما يصلح حياتهم وشأنهم ولاسيَّما الغذاء الصالح، والمسكن الصالح، والكساء الصالح ".

على الوالدين توجيه أولادهم توجيهاً إسلامياً عن كيفية الطعام والشراب:

 الآن الأب والأم يراقبان أولادهما، كيف يأكل هذا الابن، وعند وجود توجيه إسلامي عن كيفية الطعام، قال النبيّ عليه الصلاة والسلام:

(( مَا ملأ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ فَثُلُثُ طَعَامٍ وَثُلُثُ شَرَابٍ وَثُلُثٌ لِنَفْسِهِ ))

[رواه الإمام أحمد والترمذي عن الْمِقْدَامَ بْنَ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيَّ]

  وبالمناسبة أطفال كثيرون تنمو أجسامهم نموَّاً غير معقول، بسبب قناعة الآباء المغلوطة أنَّ الصِّحة في كثرة الشحوم والدهون، فينشأَ هذا الطفل على عادات غذائيَّة سيِّئة، فيصبح ضحيَّةً لإهمال أبيه وأمِّه، فلابدَّ من العناية بهذا التوجيه، ومن هدي النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الشراب كما علَّمنا:

 

(( لَا تَشْرَبُوا وَاحِدًا كَشُرْبِ الْبَعِيرِ وَلَكِنِ اشْرَبُوا مَثْنَى وَثُلاثَ ))

 

[رواه الترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ]

  فالسنَّة أن نشرب الماء أو كأس الماء على مرَّتين أو ثلاث وفي حديثٍ يقول عليه الصلاة والسلام:

 

(( مصّوا الماء مصَّاً ولا تعبّوه عبَّاً فإنَّ الكباد من العبّ )).

 

[أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس بالشطر الأول ولأبي داود في المراسيل من رواية عطاء بن أبي رباح إذا شربتم فاشربوا مصاً ]

  وفي توجيهٍ آخر للنبيّ عليه الصلاة والسلام أنَّه نهى عن التنفس في الإناء، وفي توجيهٍ ثالثٍ له عليه الصلاة والسلام أنَّه نهى عن الشرب قائماً.

 

آداب الطعام والشراب:

 

 فإذا لاحظ الأب أولاده، وكذلك لاحظت الأم أولادها، وقاما بتنبيههم ؛ اشرب وأنت جالس، اشرب كأس الماء ثلاث مرَّات، مصَّ الماء مصّاً ولا تعبَّه عبّاً، إيّاك أن تتنفَّس في الإناء فبعض الأمراض تنتقل عن طريق الزفير إلى الماء، وقبل أن تشرب اذكر اسمِّ الله، وإذا انتهيت من الشرب احمد الله، هذا توجيه النبيّ، وإن كان التوجيه مستمراً فتجد أنَّ هذا الابن ينشأ على شرب الماء وفق السنَّة، فإن وجد توجيهاً بأن يأكل ويسمّي، وأن يأكل ويتكلَّم، اجعل وجبة الطعام وجبة للحديث والمؤانسة، فهناك أُسر لا تلتقي إلا على الطعام، وهناك من يجعل من هذا الطعام مناسبة للحديث، فازدراد الطعام بسرعة يسيء إلى هضمه، أمَّا الأكل بهدوء وببطء مع الحديث الممتع على الطعام فهذا مما يعين على هضمه وتمثُّله، ويعين على أن تكتفي بقدرٍ مناسبٍ منه، أمّا من يضع رأسه في الإناء، ويزدرد الطعام ازدراداً فهذا يسيء إلى هضمه.
 قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( لَا تَشْرَبُوا وَاحِدًا كَشُرْبِ الْبَعِيرِ وَلَكِنِ اشْرَبُوا مَثْنَى وَثُلاثَ وَسَمُّوا إِذَا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ وَاحْمَدُوا إِذَا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ ))

[رواه الترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ]

  تسمّي وتشرب على ثلاث، وتشرب قاعداً، وتمصُّ الماء مصّاً ولا تعبُّه عبّاً، وبعد الانتهاء تحمد الله على أنك شربت ماءً عذباً، فأن يكون الإنسان شربه إسلامي وطعامه إسلامي، وعند دخوله إلى البيت ألقى السلام، وجلس للطعام وسمّى، وإنّكم تعرفون أنّ الشيطان إذا رأى رجلاً دخل بيته ولم يسلِّم قال: أدركتم المبيت، فطوال الليل مشاجرات بين أهل البيت، وإذا جلس ولم يسمّ قال: أدركتم العشاء، لعدم وجود البركة، فالأكل لا يكفي، فإذا دخل ولم يسلّم، وجلس إلى الطعام ولم يسمّ، يقول الشيطان لإخوانه: أدركتم المبيت والعشاء.

 

الحكمة من تقديم الفاكهة على الطعام:

 

 وتوجد توجيهات كثيرة في الطعام، فمن كان متعوداً على تناول قطعة من الفواكه بعد الطعام، لو أكلها قبل الطعام لرأى فوائد لا تحصى، لأنّ هذا الغذاء السكريّ سريع الهضم، وسريع الوصول إلى مركز الشبع للإنسان ويمكث أقلّ مدة ممكنة في المعدة، حوالي عشرين دقيقة، فلو دخل الإنسان إلى بيته، وأكل من الفاكهة قبل الطعام، ولو نصف برتقالة، أو نصف تفّاحة، ما كان سيأكله بعد الطعام، فبذلك تخف عنده حدّة الجوع، فالتفاح سكري، والسكّر ينتقل من الفم إلى الدم في ثلث الساعة، أو يأكل شيئاً موجوداً من السكريّات ولو تمرة فهذا مما يخفف من حدّة الجوع، ويخفف من النهم في الطعام، والدليل قوله تعالى:

﴿ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) ﴾

( سورة الواقعة)

  تقديم الفاكهة على اللحم له حكمة، استنبط العلماء أنّ التقديم أولى، وقد حدّثني صديق لي أنه في أكثر من دولة غربيّة يقدِّمون الفاكهة على الطعام وهو عُرف.
 أقترح عليكم اقتناء كتاب عن الغذاء، فأحياناً يحتاج الجسم لبعض الأدوية لما فيها من مواد فعّالة، وهذه المواد تكون متوفِّرة في غذاء معيَّن، فمثال على ذلك: الملوخيَّة يوجد فيها مادّة غرويّة تعدّ مرممةً للغشاء المخاطي في الجهاز الهضمي، فتناولها لابدَّ منه، فإذا عرفنا الحكمة من كل طعام وُقي الجسم من المرض، فالثوم يخفِّض الضغط ويعقِّم الأمعاء، لو وضعنا في لتر من الماء بعض النقاط من الليمون أصبح الماء معقَّماً، فالليمون له فائدة، وكذلك البصل والثوم.
 فلو قرأنا عن كل غذاء، ما هي فوائده التي تعود على الجسم بالنفع، أقبلنا عليه وكأنَّنا نقبل على الدواء، لذلك قيل: خير الدواء ما كان غذاء، وخير غذاء ما كان دواء.

 

فوائد حبة البركة وبعض الخضراوات:

 النبيّ قال عن حبَّة البركة:

 

(( عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ فَإِنَّ فِيهَا شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلا السَّامَ ))

[صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

  وهو صلّى الله عليه وسلَّم لا ينطق عن الهوى قال تعالى:

 

﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) ﴾

 

(سورة النجم)

  فقد عقد مؤتمر في مصر عن حبَّة البركة، فاكتشف أنَّ حبَّة البركة تقوِّي جهاز المناعة في الإنسان، وإذا قوي جهاز المناعة قويت مقاومة الجسم للأمراض، فإنَّ فيها الشفاء هكذا قال النبيّ، فهي ذات فائدة عظيمةٍ جداً.
 وهناك فواكه رخيصة، فمن منكم يصدِّق أنّ البصل فيه من الفوائد أكثر من التفَّاح بعشرة أمثال، فهذه المادَّة الشعبيَّة يجب أن تأكل منها وتتناولها يومياً فهو معقِّم ومطهِّر ويعطي قوَّة على التفكير، وهو مغذٍ للدماغ أحياناً.
 وقد قرأت مقالة عن اللفت فيها ما لا يصدق، وهذا الملفوف ( اليخنة ) فيه أعلى نسبة من فيتامين (C)، فالقصد من كلامي هذا أنّ الخضراوات التي تجدها أمامك في الطرقات مبتذلة ورخيصة، فكل واحدة منها دواء بل صيدليّة، فإن كان الإنسان عنده ثقافة غذائيَّة فسيقبل على هذه الخضراوات إقبالاً علمياً لا إقبالاً ذوقياً، فيعرف الضروري من كل واحدة من الخضراوات، ونحن قد اخترنا أرخص الأنواع وذكرناها حتّى لا يعتب علينا أحد، البصل والملفوف أشياء رخيصة، ولم نتكلَّم عن الأسماك ولا مرّة.
وفي الصحيحين قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإنَاءِ ))

 

[صحيح البخاري عَنْ عَبْد ِاللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ]

  وفي روايةٍ للترمذيّ:
 نهى أن يُتَنَفَّس في الإناء أو ينفخ فيه فهذا من آداب النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أن تشرب وأن تبعد القدح عن فيك فيما بين الشربتين، تجد كثيراً من الأطفال يشرب وينفخ في الكأس، و والده لا يتكلَّم معه ولا ينبّهه، فالابن قد خالف السّنة بذلك.
 قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( لا يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ ))

 

[رواه مسلم عن أبي هريرة]

  اشرب وأنت جالس.

 

آداب النوم وأشكاله:

 

 

 ومن هدي ِالنبيّ صلّى الله عليه وسلَّم في النوم ؛ النوم على الجانب الأيمن، قيل النوم أربعة: نوم الملوك، ونوم الشياطين، ونوم المؤمنين، ونوم الأغنياء، الأغنياء ينامون على شِقّهم الأيسر، فهم مثقلون بالطعام كثيراً، والكبد بالجانب الأيسر فيشعر بالراحة، والملوك على ظهورهم، والشياطين على بطونهم، والمؤمنون على شقِّهم الأيمن، فالمؤمن يضطجع على شقِّه الأيمن، ويضع كفَّه تحت خدِّه كما يفعل النبيّ عليه الصلاة والسلام ويدعو دعاء النوم ويستلقي.
 وكان عليه الصلاة والسلام يقول:

(( إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وَضُوءَكَ للصَّلَاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ وَقُلِ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ لا مَلْجَأَ وَلا مَنْجَى مِنْكَ إِلا إِلَيْكَ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ فَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ ))

[رواه البخاري ومسلم عن الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ]

  هذا الدعاء احتياط.

 

على الإنسان أن يعرف كل شيء عن الخبز والفاكهة والخضراوات:

 

 تحدَّثنا عن الطعام والشراب والنوم، وفي نفسي أنَّ الطعام يحتاج إلى دروس كثيرة، فمثلاً يوجد إقبال شديد على الخبز الأبيض الناصع الغالي مع أنَّه من السموم الثلاثة، فقد قيل: إنَّه في حياتنا ثلاثة سموم ؛ الملح والسكَّر والخبز الأبيض. وأوَّل بدعةٍ ابتدعها المسلمون بعد وفاة رسول الله هي نخل الطحين، كلُّ الغذاء بالقشر ففيه ستة من الفيتامينات، واثنا عشر معدناً، فكل ما في القمح من فائدة في القشر، فنحن نعطي القشر للدواب، ونأكل النشاء أي الغراء الذي يعقِّد جهازنا الهضمي، فأحضر قطعة من لب الخبز واضغطها، وضعها في كأس من الماء فلا تتغيَّر، أمّا لو أحضرت شيئاً محمّصاً ووضعته في الماء فإنك تجده يتفتت، فلذلك المفروض أن نعرف شيئاً عن الخبز، وعن الفاكهة، وعن الخضراوات وعن كل شيء ماذا يفيد ؟ فيقبل الإنسان على هذه الأشياء وفق خطَّة.

بعد الإنفاق على الأولاد واتباع القواعد الصحية علينا التحرز من الأمراض المعدية:

 إذاً الشيء الأول: الإنفاق على الأهل والأولاد والنبيُّ عليه الصلاة والسلام قال:

(( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ))

[ أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو]

 الشيء الثاني: اتباع القواعد الصحيّة في المأكل والمشرب والنوم.
 الشيء الثالث: التحرُّز من الأمراض المعدية، قَالَ:

 

(( كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْجِعْ فَقَدْ بَايَعْنَاكَ ))

 

[صحيح مسلم عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ الشَّرِيدِ يُقَالُ لَهُ عَمْرٌو عَنْ أَبِيهِ]

  وأحياناً يزور الإنسان مريضاً مرضاً معدياً، ويصرُّ أهل المريض على أن يضيِّفوه، النبي الكريم نهى عن أن تأكل شيئاً، أو أن تشرب شيئاً وأنت تعود المريض، لعل المريض مرضه معدٍ فيحدث لك الضرر، فمن يزُر المريض فلا يشرب شيئاً، ولا يأكل شيئاً هكذا السُّنة فقد يكون معه التهاب كبدي معدٍ، أو مرض معدٍ فيحرج الضيف حرجاً شديداً، قد لا يوجد اهتمام بموضوع الأواني وتنظيفها، فالنبي قال للمجزوم:

 

((ارْجِعْ فَقَدْ بَايَعْنَاكَ ))

 

[صحيح مسلم عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ الشَّرِيدِ يُقَالُ لَهُ عَمْرٌو عَنْ أَبِيهِ]

  وروى البخاريُّ في صحيحه أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم قال فيما معناه: فَرّ من المجذوم فِرارك من وحشٍ كاسر. فمن كان معه مرض معد ٍ ينبغي لك أن تبتعد عنه من دون أن تشعره، وفي الصحيحين قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

(( لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ ))

 

[ مسلم عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ِ]

  فمن عنده مرض معدٍ، فليس له حق أن يزور أشخاصاً أصحاء، وسيدنا عمر قال لامرأةٍ معها جذام: الزمي بيتك يا أمة الله لا تؤذي عباد الله. فلزمت بيتها إلى أن تَوَفَّى الله عمر، فقيل لها: الآن لا عليك اخرجي. قالت: كلا والله ما كنت لأُطيعه حياً وأعصيه ميِّتاً، ولم تقبل أن تخرج.

 

معالجة الأمراض بالتداوي فلكل داء دواء:

 

 أحياناً يكون المرض في الابن معدياً، فيرسله أبوه إلى المدرسة، وهناك أولاد الناس الآخرون، فيؤذيهم، المسلم منضبط، فمادام هناك مرض معدٍ يبقي ابنه في البيت إلى أن يشفيه الله، فلا تؤذ أطفال المسلمين.
 معالجة الأمراض بالتداوي، فقد روى مسلمٌ وأحمد وغيرهما:

(( لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِابَ دَوَاءُ الدَّاءِ برأ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))

[رواه مسلم وأحمد عَنْ جَابِرٍ]

 هذا الحديث يعطينا نفساً طويلاً في المعالجة، لكلِّ داءٍ دواء، والآن يكتشف أن لكل داء دواء، وتجري الآن عمليَّات في جسم الإنسان شبه مستحيلة، يدخلون منظاراً إلى المعدة، أو قسطرة يدخلونها من الوريد الفخذي إلى القلب، ليمتحنوا شرايين القلب، فيوجد تقدم طبّي مذهل، وهذا من كرامة الإنسان على الله، عمليّات تتم داخل القلب، فتحة بين الأُذينين، وعمليّات تتم في أعقد الأمكنة، وفي الجمجمة، والله هو الموفِّق، وتوجد الآن جراحة مجهريَّة المكان لا يزيد عن ميكرون، ويبدو للجرّاح سنتيمتراً، فيتحرَّك بمشرطه بحرّية تحت المجهر، وهذه الجراحة الآن اختصاص، وهذا التقدّم الطبّي أساسه أنَّ الإنسان كريم على الله عزَّ وجلَّ، لذلك:

 

(( لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِابَ دَوَاءُ الدَّاءِ برأ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))

 

[رواه مسلم وأحمد عَنْ جَابِرٍ]

  ولهذا الحديث تفسير لطيف، لكلِّ داءٍ دواء، فمهمةُ الطبيب أن يشخِّص الدّاء أولاً وأن يوفَّق لاكتشاف الدواء ثانياً، وهنا انتهت مهمَّة الطبيب، وبدأت عناية الله، إذا سمح لهذا الدواء أن يفعل فعله، شفي بإذن الله.
 لذلك أي دواء لا يفعل فعله إلا إذا سمح الله له أن يفعل:

 

(( لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِابَ دَوَاءُ الدَّاءِ برأ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))

 

[رواه مسلم وأحمد عَنْ جَابِرٍ]

  إذاً مهمة الطبيب أن يكتشف الدَّاء، وأن يكتشف الدّواء، وتنتهي مهمّته وعلى الله عزَّ وجلَّ أن يخلق الشفاء لوجود الدواء فيشفى بإذن الله وهذا معنى قوله تعالى:

 

﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) ﴾

 

(سورة الشعراء)

 وقال عليه الصلاة والسلام:

 

(( تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنَزِّلْ دَاءً إِلا أَنْزَلَ مَعَهُ شِفَاءً إِلا الْمَوْتَ وَالْهَرَمَ ))

 

[مسند الإمام أحمد عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ]

الدواء من قدر الله والمرض من قدر الله:

 ولذلك يقول بعض العلماء: " المعالجة بأخبار طبيبٍ مسلمٍ حاذقٍ ورعٍ، ترقى إلى مستوى الفرض ".
 فلو وجد مرض وأهمله الإنسان، يكون قد أهمل فرضاً، لأنّ صحّته ليست ملكه بل هي ملك أهله أولاً وملك المسلمين ثانياً، وهي وعاء عمله، وهي رأسماله، فإذا أهمل صحَّته وأصبح عاجزاً فقد أساء لنفسه ولإخوانه ولكلِّ المسلمين.
 لذلك:

(( تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنَزِّلْ دَاءً إِلا أَنْزَلَ مَعَهُ شِفَاءً إِلا الْمَوْتَ وَالْهَرَمَ ))

[مسند الإمام أحمد عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ]

  فهذا الشيء لابدَّ منه، وهو يزهِّد في الدنيا.

 

(( أبو خزامة رحمه الله: عن أبيه قال: ' قلتُ: يا رسول الله أرأيتَ رُقَاة نَستَرقي بها، ودَوَاء نتَداوَى به، وتُقَاة نَتَّقيها: هل ترُدُّ من قَدَرِ الله شيئاً ؟ قال: هو من قَدَرِ الله))

 

[رواه الترمذي عَنْ أَبِي خُزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ]

  الدواء من قدر الله، أي أنه إذا أراد الله عزَّ وجلَّ الشفاء، يلهم الطبيب الدواء المناسب، ويأذن بالشفاء لوجود الدواء، فصار الدواء من قدر الله، والمرض من قدر الله، جواب دقيق جداً.

 

الوصايا الصحّية التي ينبغي أن يوجِّهها الآباء إلى الأبناء:

 

 وتوجد عندنا قاعدة أُصوليَّة ـ من أهمّ قواعد الفقه ـ مأخوذة من قول النبيّ صلّى الله عليه وسلَّم :

(( لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ ))

[رواه مالك وابن ماجة والدار عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ]

  فكل شيء فيه ضرر، أنت المسلم منهيُّ عنه أن تفعله، فهذا الحديث الشريف عدّه الفقهاء قاعدةً شرعيّةً من أهمِّ القواعد، مثلاً أكل الفواكه فجَّةً، ففي أيام ظهور الفول، وهو أخضر يأكله الطفل فيتسمم دمه، ويسعف إلى المشفى، إذا قرأ الإنسان القرآن لا يأكل الفاكهة الفجّة فهي مؤذية قال تعالى:

 

﴿ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ (141) ﴾

 

(سورة الأنعام)

  ومن أكل الخضار والفواكه قبل أن يغسلها، فقد أعان على قتل نفسه لقول النبيّ:

 

(( من أكل الطين فكأنما أعان على قتل نفسه ))

 

[ رواه الطبراني عن سلمان ]

  وتوجيه ثانٍ: إدخال الطعام على الطعام، يسبب أمراضاً في المعدة، وفي جهاز التنفُّس، وجهاز الهضم.
 تناول الطعام باليدين قبل غسلهما، يؤدّي إلى انتشار المرض، وقد سمعت بنشرة صادرة من اليونسكو، أن ثلاثمئة مليون إنسان في العالم يصابون كل عام بأمراض القذارة، أي عدم غسل اليدين فتأتي العدوى والإنتانات والمشكلات، أمّا في الإسلام فتوجد دقةٌ بالغة.

 

((عن سلمان الفارسي رضي الله عنه: قال: قرأتُ في التوراة: أن بَرَكَةَ الطَّعام الوضوءُ بعدَه، فذكرتُ ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأخبرتُه بما قرأتُ في التوراة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' بركة الطعام الوُضُوء قبلَه، والوضوء بعدَه ))

 

[سنن الترمذي عَنْ سَلْمَانَ]

  وقالوا: وضوء الطعام غير وضوء الصلاة، فوضوء الطعام غسل اليدين والفم.
 شيء آخر من الوصايا الصحّية التي ينبغي أن يوجِّهها الآباء إلى الأبناء أخذاً من قوله تعالى:

 

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (60) ﴾

 

( سورة الأنفال)

مداعبة الأولاد وتعليمهم الرمي والسباحة ليس من اللهو بل من الأعمال الصالحة:

 وهنا حديثٍ رواه الإمام مسلم:

(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ))

[رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 فالتدريبات الرياضيّة، والمشي، والجري للشباب، هذه كلُّها تقوّي القلب، وتعطي لياقة بدنيّة عالية، ومن فاته العمر، ولم يتدرَّب عليها، فليعتن بأولاده، فاللياقة البدنيّة مهمّةٌ جداً، وقد جئت من سفر في أيّام الشتاء القارس، والبرد الشديد والأمطار، فوجدت إنساناً يجري في الطريق فقلت: كم هو مقتنع بجدوى الجري، والناس كلُّهم في البيوت، وحول المدافئ، ومستريحون على الأرائك، إلا هذا فهو تحت المطر يجري، فعندما يقتنع بشيء يفعل المستحيل، فأخذت عبرة من هذا الإنسان، برد شديد ومطر غزير والناس كلّهم في البيوت وهو يجري، إذاً فقناعته دفعته إلى هذا العمل غير المعقول وغير المألوف، فلو قنعت بالخير لأقبلت عليه، فالقضيّة قضيّة قناعة:

 

(( إِنَّ اللَّهَ لَيُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ الثلاثة الْجَنَّةَ صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ وَالرَّامِيَ بِهِ وَالْمُمِدَّ بِهِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْمُوا وَارْكَبُوا وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا وَكُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ بَاطِلٌ إلا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ وَمُلاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ ))

 

[رواه الطبراني عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ]

  وقال:

 

(( كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لهو أو سهو، إلا أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين، وتأديبه فرسه وملاعبته أهله، وتعليم السباحة ))

 

[رواه الطبراني في الأوسط عن عطاء بن أبي رباح]

  عنده أولاد فجلس معهم وداعبهم وتقرّب إليهم وآنسهم ولو كان مرحاً معهم، فأدخل على قلبهم السرور، فهذا ليس من اللهو بل من الأعمال الصالحة، وتعليمه السباحة.

 

أهمية تعلم الرمي في الحديث والسنة:

 

((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) أَلا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ ))

[رواه مسلم عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ شُفَيٍّ]

  وهذا الحديث أيُّها الأخوة، من دلائل نبوّة النبيّ عليه الصلاة والسلام، فإذا كان الصاروخ ثمنه مئتان وخمسون ألف دولار ولم يصب الطائرة فهذه خسارة كبيرة، والآن الأسلحة الفتّاكة أساسها دقّة الإصابة، يقولون: نزلت القنبلة في مدخنة المعمل، فهي تنطلق مسترشدة بشعاع من الليزر ( الضوء المركَّز )، فتصيب الهدف بدقّةٍ بالغة، ولا تتجاوز سنتيمترات محدودة:

 

((أَلا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ ))

 

[رواه مسلم عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ شُفَيٍّ]

  على اختلاف الأسلحة، واختلاف مستوياتها ومداها، وأقوى شيء في السلاح دقّة إصابته.

 

(( عليكم بالرمي فإنَّه من خير لهوكم ))

 

[رواه البزّار والطبراني عن سعد بن أبي وقاص]

  النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يمرُّ على أصحابه في حلقات الرّمي فيشجّعهم ويقول لهم:

 

(( ارموا وأنا معكم كُلِّكم ))

 

[رواه البخاري عن سلمة بن الأكوع]

  وجاء في الصحيحين أنَّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أَذن لأبناء الحبشة أن يلعبوا بحرابهم في مسجده الشريف، وكان يقول لهم:

 

(( دونكم يا بني أرفده ـ أي أبناء الحبشة ـ وبينما هم يلعبون عند النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بحرابهم دخل عمر فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها، فقال عليه الصلاة والسلام: دعهم يا عمر ))

  و تعلُّم الرّمي قيّم جداً، فقد سمح النبيّ أن يكون هذا في المسجد.

 

 

من وصايا النبي تعويد الأولاد على التقشف وعدم الإغراق في التنعم:

 

 من وصايا النبيّ عليه الصلاة والسلام في تربية الأولاد، تعويد الولد على التقشُّف، وعدم الإغراق في التنعُّم.
 والطفل المدلّل لا يُحتمل، فإذا أردّت أن يكره النّاس ابنك فدلّله، وأعطه كلَّ شيء، اطلب تعط، فينشأَ الطفل بحالة لا تحتمل أبداً، والنبيّ علمنا أن نعوّد أبناءنا على التقشُّف، فالنبي عليه الصلاة و السلام لما بعث معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى الْيَمَنِ قَالَ:

(( إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ ))

[رواه الإمام أحمد عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ]

  وقال:

 

(( تمعددوا واخشوشنوا وانتضلوا ))

 

[ الطبراني وابن شاهين وأبو نعيم عن القعقاع ]

 تمعددوا أي عوّدوا المعدة الطعام الخشن، فبعض الأشخاص لا يمكن أن يأكل الخبز اليابس، وهناك أشخاص غيرهم يقومون بترطيبه بقليل من الماء وتسخينه قليلاً ثمَّ يأكلونه، فمن السُّنة التعوّد على الشيء الخشن.
 اخشوشنوا: أي على الطعام الخشن، وعلى الثياب الخشنة، وانتضلوا.
 وللحديث رواية أُخرى: فإنَّ النعم لا تدوم.
 فإذا تعوَّد الإنسان على الرفاهية ولم يتمكّن من تغيير هذه العادة، ربما يضطّر إلى أن يخرج عن دينه من أجل الحفاظ على دخله إن كان بعمل ودخله كبير وأجبر على معصية، وهو معوّد على الرفاهية، أمّا إن كان معوّداً على الخشونة فمبدؤه فوق كلّ شيء.

 

أهم النقاط الأساسية التي وردت في هذا الدرس:

 

  أيُّها الأخوة الكرام، كتلخيصٍ لهذا الدرس الذي نحن في أمسِّ الحاجة إليه:
 أوّلاً: مسؤوليّة الآباء في تربية أولادهم التربية الجسميَّة الصحيحة تتلخّص في أنّ من واجبهم الإنفاق على الأهل والأولاد، الإنفاق الذي يوفِّر لهم الحاجات الأساسيّة التي تحقق نموّهم الطبيعي.
 ثانياً: تأمين الطعام والشراب والمسكن والكساء.
 ثالثاً: اتّباع القواعد الصّحية في الأكل والشرب والنوم، والتحرُّز من الأمراض السارية المعدية.
 رابعاً: معالجة الأمراض بالتداوي، وتطبيق مبدأ لا ضرر ولا ضرار.
 خامساً: تعويد الولد على ممارسة الرياضة، ليقوى جسمه.
 سادساً: تعويد الولد على التقشُّف، وعدم الإغراق في التنعُّم.
 سابعاً : تعويد الولد على حياة الجِّد والرجولة، والابتعاد عن التراخي والميوعة والانحلال وقد ورد هذا المعنى في درسٍ سابق.

(( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ))

[صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

ظاهرة التدخين من الظواهر الخطيرة المتعلقة بالصحة:

 أيُّها الأخوة، توجد عندنا عدّة ظواهر خطيرة متعلِّقة بالصّحة، ومنها: ظاهرة التدخين، وعن هذه الظاهرة المرضيّة التي تتفشى بين شبابنا سأفرد لها درساً خاصاً إن شاء الله تعالى، وسأوضّح لكم بالدليل العلميّ الأخطار الناجمة عن هذه الظاهرة، ولن أعطيكم الحكم الفقهيّ فيه، فكلّكم يمكن أن يستنبط الحكم الفقهي، أعطيكم أدقَّ الحقائق العلميَّة عن هذه الظاهرة فهذه متعلّقة بالصّحة.
 توجد ظاهرات أخرى ـ من فضل الله المؤمنون بعيدون عنها ـ أمّا التدخين فهو ظاهرة متفشّية.
 ما زلنا في مسؤوليّة الآباء عن تربية أبنائهم التربية الجسميّة، وقد تحدّثنا عن التربية الإيمانيّة، وعن التربية الخُلقيَّة، وها نحن أولاء نتحدَّث عن التربية الجسميّة.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور