وضع داكن
23-11-2024
Logo
رسالة التجديد - الحلقة : 8 - أعذار المتقاعسين.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

تمهيد :

المذيع :
  لقاءنا اليوم في رسالة التجديد يتجدد بلقاء رجال الفكر والعلم والدعوة والتجديد من علماء هذه الأمة ، ضيفنا اليوم عالم تعرفونه وتنتظرونه دوماً هو الأستاذ الداعية الدكتور محمد راتب النابلسي أهلاً وسهلاً بكم دكتور .
الأستاذ :
 وبكم أستاذي .
المذيع :
 بالطبع كما هو معلوم فإن الأمة الآن تجتاز مرحلة دقيقة في تاريخها وحياتها المثل واضح هناك دور تآمري وعالمي ضد وجود هذه الأمة وضد هويتها وكيانها ، هناك مشاريع مبرمجة تنفذ الآن الأمة الإسلامية مستهدفة في وجوه كثيرة لا بد أن يكون الجميع على أهبة الاستعداد بالطبع هذا المشهد عاشته الرسالة الإسلامية أيام المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما كان الأعداء يحيطون برسالة الدعوة من كل وجه ، فكان صلى الله عليه وسلم صابراً ، في الواقع مقاومة أعداء الأمة لم تتم بين عشية وضحاها وإنما كان هناك عمل مستمر وجهد مستمر ، بالتأكيد كان هناك سابقون أولون وكان هناك متقاعسون هذا المشهد الآن يتكرر ، هناك من يتعاطى مع التطورات السياسية المختلفة باللامبالاة يتقاعس يرى أن أعداء الأمة يريدون أن يسلخون من هويتنا وذاتنا ووجودنا ثم لا يبالي بذلك ، وهناك آخرون يعملون ليلاً ونهاراً بجد وإخلاص من أجل المواجهة ، من أجل الإجابة على هذا السؤال الكبير معنا اليوم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي .
الأستاذ :
 بسم الله الرحمن الرحيم
 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 أخوتي المؤمنين ، أعزائي المستمعين : شكاوى كثيرة ترفع إلى الدعاة إلى الله ملخصها أن الإنسان في بداياته وفي ساعات تألقه وفي صلحه مع الله وعقب توبته النصوح يشعر بأحوال وحالات قرب وتألق يفوق حد الخيال ثم هو بعد حين تخف هذه الحدة ويفتر هذا العزم ويشعر أنه قد تراجع ، والحقيقة التي لا بد من توضيحها هي أن لكل داخل دفشة وكل خطوة في طريق جديد لها أثر بليغ في النفس وقد أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الحالة التي تعتور بعض السالكين إلى الله :
 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

[ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ ـ أي ثورة ـ وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ وَمَنْ كَانَتْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ ]

[ أخرجه الإمام أحمد والبزار في مسندهما وابن حبان وابن خزيمة في صحيحهما ]

 هذا الموضوع أن يشكو السالك إلى الله حالة فتور بعد حين إن كان منضبطاً وفق منهج الله ومستقيماً على أمره فلا شيء في ذلك ، ولا علاقة لهذا الموضوع التمهيدي في حلقتنا هذه .

أعذار المتقاعسين.

 لكن حلقتنا تلك تتجه إلى أن الإنسان أحياناً يتقاعس وتضعف همته ويميل إلى الراحة والاسترخاء ويتلافى العمل الجاد ويتعذر بأعذار شتى بعضها من عقله الباطن .

1- التقدم بالسن .

 أيها الأخوة الكرام ؛ من هذه الأعذار التي يعتذر بها المتقاعسون هو التقدم في السن يقول أنا كبرت سني ورق عظمي ويكفي ما قدمت ويتصور أن العمل الصالح يعتريه التقاعد والإحالة على المعاش كما يقولون علماً أن القافلة تسير ونهايتها الجنة وأن الله عز وجل حينما قال :

﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾

[سورة الحجر الآية : 99]

 قال الإمام الحسن البصري :
 لم يجعل الله للعبد أجلاً في العمل الصالح دون الموت .

 

أحوال الصحابة في العبادة والعمل الصالح .

 أيها الأخوة ؛ عن أنس رضي الله عنه أن أبا طلحة الأنصاري رضي الله عنه تعالى قرأ سورة براءة فلما أتى على قوله " انفروا خفافاً وثقالاً قال : إني أرى ربنا عز وجل يستنفرنا شيوخاً وشباباً جهزوني أي بني ، فقال بنوه : يرحمك الله لقد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع أبو بكر رضي الله تعالى عنه حتى مات ، ومع عمر رضي الله تعالى عنه حتى مات ، فنحن نغزو عنك فأبى فجهزوه فركب البحر فمات ، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام ، ولم يتغير فدفنوه .
المذيع :
 هذا في الواقع مشهد جيل الرسالة الأول عندما كان يحمل هذه الرسالة بإخلاص ، وعندما كان يدرك تماماً ماذا ستلقي عليه الأيام من مسؤوليات ، المشهد نفسه الواقع الآن يتكرر في قراءة واضحة لواقعنا وحياتنا وقراءة واضحة للتحديات التي تعصف بالأمة من كل جانب ، لذلك نحن نقول لأبناء هذه الأمة في كل وقت إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم القدوة الصالحة والمثل الصالح لهذه الأمة ، وعلينا أن ندرك عندما واجهوا هذه التحديات الكبيرة في صدر الإسلام الأول إنهم يواجهون تحديات مماثلة في هذه الأيام ، نحن نريد ألف أبا طلحة الأنصاري ، نريد مثل أبي أيوب الأنصاري الذي ولد في المدينة ودفن في القسطنطينية ، صفوان ابن المعطل مواليد المدينة مدفون في أرمينية قسم ابن العباس مواليد مكة المكرمة مدفون في طاشقند ، ما الذي جعل هؤلاء الرجال يتحركون في كل أفق ؟ إنه الإحساس بالرسالة والمسؤولية والهم الذي يحملونه هم رسالة ومسؤولية .
الأستاذ :
 دكتور محمد حينما تلقى النبي صلى الله عليه وسلم رسالة ربه دعته السيدة خديجة إلى أخذ قسط من الراحة فقال كلمة لا تنسى قال : انتهى عهد النوم يا خديجة لأن الإنسان المؤمن حينما يشعر أن هذه الدنيا دار عمل وليست دار أمل ، دار تكليف وليست دار تشريف ، لعل الله سبحانه وتعالى يمتع المؤمن أحياناً بمتعة بريئة طاهرة ، لكن المؤمن لا يسعى إلى اقتناص اللذائذ وإلى الاسترخاء والانغماس في المتع لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ بِهِ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ ))

[مسند الإمام أحمد]

 هذا المؤمن الذي حمل هم المسلمين وشعر أنه يحمل هم الرسالة ينبغي أن تؤدى هذا المؤمن يصبح عند الله مقدسا لأنه عاش للناس وفرق كبير بين أن يعيش الإنسان للناس وبين أن يعيش الناس له ، إذا عاش للناس كان في قلوبهم ، فلذلك الأنبياء ملكوا القلوب والأقوياء ملكوا الرقاب ، وفرق كبير بين أن تملك القلب وبين أن تملك الرقبة ، الأنبياء أعظم شيء أتوا به أنهم طبقوا ما قالوا ، ولم يستطع أحد أن يرى مسافة بين أقوالهم وأفعالهم ، بل إنني أرى والله أعلم رسالة النبي الأولى هي القدوة قبل التكليف ، لأن التبليغ يحسنه أي ذكي طليق اللسان ، أما القدوة هي المعاناة ، فنحن حينما نتبع النبي عليه الصلاة والسلام ونفعل ما نقول نتألق عند الله .
 مرة كنت في زيارة أحد الكبار الدعاة وفي نهاية اللقاء سألته أن يقدم نصيحة للدعاة فظننت أنه سيبقى وقتاً طويلاً في الحديث عن هذه النصيحة فإذا بي أفاجأ بكلام مقتضب لا يزيد عن سطر يقول : ليحذر الداعية أن يراه المدعو على خلاف ما يدعو له فقط ! ونحن حينما نطبق ما نقول نتألق ، ونكون قدوة للآخرين ، أما قوله تعالى :

﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾

[سورة الحجر الآية : 99]

 هذا اليقين كما فسره الإمام الحسن البصري هو الموت.

 

المجتمع الاستهلاكي :

المذيع :
 هذا ما يعبر عنه الآن باعتقادي بالنظم الحديثة في المجتمع الاستهلاكي وهو مجتمع لا يمكن أن يقود حضارة ولا يمكن أن يقود نهضة هو المجتمع الذي يبحث عن وسائل الرفاهية والراحة وينتهي إلى آخر سطر مما أنجزه الناهضون فيكتفي بوسائل الراحة وهذا السبيل ، فالمجتمع الاستهلاكي الآن هو صورة طبقة عن واقع المجتمعات الغربية الغنية لا تعيش هذه الحال ظروف الاستهلاك التي نعيش ، أحياناً تجد إنسان في بلادنا منعم بمعنى من المعاني فلديه عشرين أو ثلاثين من الخدم والحشم والسواق والمرافقين ، بينما دعني أذكر تجربتي في اليابان خمسة بالمائة من سكان اليابان يعيشون في استديو عبارة عن حجرة داخل حجرة كبيرة خمسة وثمانون بالمائة من أبناء المجتمع الياباني لا يعرفون هذه الأشكال من التمتع ، إذا أراد مزرعة موجود حدائق عامة يمكن أن يتنزه فيها لا يفكر بإنجاز مزرعة ، إذا أراد حيوان لا يفكر بشرائه بل يذهب لحديقة الحيوان ، ولكن العقلية الاستهلاكية التي نعاني منها نحن في واقعنا كعرب في الواقع تقتل المال والطموح والإنجاز الوحيد الذي تحققه هو ذلك الإنجاز المتمثل في توفير وسائل الراحة ، لذلك موقف النبي عليه الصلاة والسلام من ما عبرت وإياك .....
الأستاذ :

(( إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ ))

[أخرجه الإمام أحمد في مسنده ]

المذيع :
 هذا ليس موقفاً اقتصادياً فحسب بل موقفاً حضارياً ، فيمكن أن تكون تملك عشرين مصنع ويدخل عليك يومياً آلاف الدولارات و أن تعيش بقدر حاجتك ، لا يوجد أي سبب لإحراق الموارد الزائدة و أن ما تنفق في أماكن ..... عندما يملك الياباني مائة مليون لا يفكر بشراء المزيد من السيارات والمزارع بل بشراء مزيد من المصانع ، هذا هو الفرق بين المجتمع الاستهلاكي الإتكالي وبين المجتمع الناهض الذي نقرأ عنه.
الأستاذ :
 لا بد من التنويه إلا أن أركان الإيمان وردت في القرآن الكريم ، ولكن الشيء الذي يلفت النظر أنه ما من ركنين تلازما في القرآن الكريم بشكل يلفت النظر كركن الإيمان بالله واليوم الآخر فمن بديهيات الإيمان أن المؤمن نقل اهتماماته وطموحاته إلى اليوم الآخر .
 فلذلك هو في مرحلة الإعداد لحياة أبدية في مرحلة عطاء ليكون العطاء ثمناً لسعادة أبدية ، ولابد من التنويه لأخوتنا الأكارم ما الأبد ؟ أنت حينما تضع واحد وأصفار إلى الشمس وكحل مائة صفر شيء صعب تصوره ، ثلاثة أصفار ألف مليون مليار ....كل ميلي صفر من الأرض إلى الشمس والمسافة مائة وست وخمسين مليون كيلو متر ، هذا الرقم إذا وضع صورة ومخرجه لا نهاية قيمته صفر ، فالدنيا لا شيء ، دار من لا دار له .
المذيع :
 فكرة مهمة لا بد من شرحها ، وأعتقد عندما نتكلم رياضيات الأرقام محايدة وهي تملك اسبمولوج معرفي لا يقبل النقاش دعونا نستوضح هذه الفكرة وإن كان من الصعب أن توضح في الإذاعة ولكن قدر الإمكان .
الأستاذ :
 هو الإنسان في حقيقته زمن والزمن هو البعد الرابع للأشياء إن حذفت نقطة رسمت خطاً ، وإن حذفت خطاً رسم سطحاً ، وإن حذفت سطحاً رسم حجماً ، وإن حذفت حجماً شكل زمناً فهو البعد الرابع للأشياء ، كل شيء متحرك ضمن زمن ، فإذا فهم الإنسان أن حقيقته وجوهره وخصائصه الكبرى أنه زمن ، التعريف الدقيق الجامع المانع للإمام الحسن البصري أنه بضعة أيام كلما قضى يوم انقضى بضع منه ، الزمن أثمن شيء يملكه الإنسان بل هو رأس ماله الوحيد بل هو حقيقته هذا الزمن متحرك لأنه يعبر عن حركة الإنسان والإنسان كائن متحرك إلى هدف ثابت .
 أية ثانية تقربه من أجله هذا الزمن الذي هو رأس ماله كيف ينفق ؟ إما أن ينفق استهلاكاً أو ينفق استثماراً ، والأخوة التجار يعرفون هذه الكلمات ما معناها الذي ينفق من رأس ماله ينتهي إلى الإفلاس ، أما الذي ينفق من ريع ماله يتنامى فعله فكيف أنفق الوقت وهو أثمن شيء تملكه ؟ وكيف أنفق الوقت إنفاقاً استهلاكياً كما يفعل معظم الشاردين عن الله عز وجل ، يأكل ويشرب ويتمتع وبلا هدف وهذا شأن معظم شأن البشر الذين غفلوا عن الله عز وجل يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام ، يعيش ليأكل أما إنفاق الوقت إنفاقاً استثمارياً يكون كما قال الله عز وجل :

 

﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

[ سورة العصر الآية : 3 ]

 لأن الله أقسم بمطلق الزمان لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن قال :

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

[ سورة العصر الآية : 1-2]

 ومعنى في خسر أن مضي الزمن وحده يستهلك الإنسان ، يتلافى الخسارة وأن يبحث عن الحقيقة ويعمل بها ويدعو إليها ويصبر على طلبها على معرفتها والعمل بها والدعوة إليها ، هذا مفهوم بسيط للزمن ، فنحن حينما ندرك أن هذه الدنيا فانية وهي أحقر من أن تكون عطاء أو تكون عقاب لأنها لا تعدل عند الله جناح بعوضة ولو أن الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة لما سقى الكافر منها شربة ماء ، نحن جميعاً مدعوون إلى الجنة .
 ما من ركنين من أركان العقيدة تلازما في القرآن الكريم وهذا التلازم يلفت النظر كركن الإيمان بالله واليوم الآخر .
المذيع :
 ولو بحثنا في إطار الشرائع وكانت العقيدة تؤكد على تلازم الإيمان بالله مع الإيمان باليوم الآخر فالشريعة أيضاً تؤكد على تلازم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، دائماً في القرآن وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة .
الأستاذ :
 الله عز وجل يجيب عن هذا السؤال بآيات كثيرة منها :

 

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

[سورة النساء الآية : 147]

 الإنسان حينما يؤمن وحينما يشكر يحقق الهدف من وجوده .

﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾

[سورة الشورى الآية : 31]

 طبعاً هناك مصائب ترقى بالإنسان هذا موضوع كبير جداً ، لكن إذا إنسان متلبس بمعاصي وآثام وتقصيرات ومخالفات وانحرافات وجاءه تأديب إلهي ينبغي أن يربط هذا بتقصيره ، أما إن كان مستقيماً ومتألقاً هناك امتحانات ترقى بالإنسان إلى أعلى عليين ، لذلك نحن حينما نبحث عن واقعنا المؤلم نقرأ قوله تعالى :

 

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾

 

[سورة مريم الآية : 59]


 هذه الآية تبين أنه في آخر الزمان ربما ضعف إيمان الناس واستمرئوا في التنعم والانغماس في المتع الرخيصة ونسوا الدار الآخرة ، وأقاموا حياة ملئها الفرح بما في أيديهم من أموال ومن أطيان عندئذ يستحقون لفت النظر من الله عز وجل ، فالواقع هو أن الله عز وجل يقول :

 

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

 

[سورة الأنفال الآية : 33]

 والآية دقيقة جداً بمعنى أنه ما دامت سنة النبي صلى الله عليه وسلم مطبقة في حياته في بيوتهم ولقاءاتهم وأفراحهم وأتراحهم وكسب أموالهم وعلاقاتهم وكل نواحي حياتهم هم في مأمن من عذاب الله ، ورحمة الله أيضاً تؤكد وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ، فإذا أخطأ الإنسان وراجع نفسه وتاب إلى الله هو في بحبوحة ثانية من عذاب الله ، لذلك الله عز وجل من سياسته مع عباده أنه يبدأ بالدعوة البيانية وأنت صحيح معافى قوي شديد غني يأتيك دعوة من الله من خلال خطبة أو درس علم أ و شريط أو كتاب أو مقالة أو حوار أو لقاء هذه دعوة بيانية ، المرجح أن يقف الإنسان منها موقف المستجيب .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾

[سورة الأنفال الآية : 24]

 فإن لم يستجب أخضعه الله بأسلوب آخر وهو التأديب التربوي .

 

﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

 

[سورة السجدة الآية : 21]

 الموقف الكامل في المرحلة الثانية أن يتوب فمن لم يستجب ولم يتب يخضعه الله لمعالجة ثالثة وهي الإكرام اللإستدراجي .

 

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾

 

[ سورة الأنعام الآية : 44]

 والمنتظر في هذه المرحلة أن يذكر فإذا لم يستجب في الدعوة البيانية ولم يتب في التأديب التربوي ولم يشكر في الإكرام اللإستدراجي كان القصم .
المذيع :
 تتصل بما كنت تتحدث عنه من أن الإنسان زمان وعلى الإنسان أن يدرك أن ما أنت نبضات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني وهو بضعة أيام كلما انقضى يوم منه قضى بضع منه .
 هنا أريد أن أشكرك هذا المحور أصبح واضحاً الآن ، نريد أن ننتقل إلى المحور الثاني حول واقعنا الآن ووجوب العمل وذم التقاعس كما يدل على ذلك القرآن الكريم ، ونحن نتحدث عن مسؤوليات الأمة فيما يفرض عليها من تحديات ونتحدث بهذا الجانب عن ظاهرة التقاعس الذي تصيب بعض الناس فتتحول حياتهم إلى حياة استهلاكية لا يعبئون بها بالرسالة ، دعونا نعبر بتعبير أكثر وضوحاً هناك جيلان في المجتمعات الإسلامية الجيل الذي يعتقد أن الحياة سهلة ،و هناك جيل المياعة والانحلال وكلا الجيلين الآن لهم ثقافة في المجتمع الإسلامي وهناك من يروج لكل لصالحه .... أين موقع المسلم في هذا المشهد أمام هذه التحديات كيف يمكن له أن ينتصر ؟؟؟

 

2- الرزق .

الأستاذ :
 لا بد من التعقيب على كلمة مجتمع الاستهلاك أذكر أن رئيس الجمهورية الفرنسية جيسكاردستان جمع نخبة من علماء الاجتماع ووضعهم في منتجع ثلاثين يوماً يجيبوه عن سؤال واحد : لماذا العنف في الأرض ؟
 ظاهرة العنف متفشية في معظم البلاد فبعد ثلاثين يوماً كان تقريرهم كما يلي :
 السبب الأول : مجتمع الاستهلاك ! لأن الإنسان حينما يرى على الشاشة وفي الطرقات هذه الصناعات الراقية المركبات الأدوات الكهربائية في أبهى صورة وأجمل أداء ولا يملك ثمنها هناك ثلاث ردود فعل عند المستهلكين الذي لا يملك ثمن هذه الآلات وتلك المركبات وهذه الإنجازات يشعر بالحرمان وهو شعور مدمر ، فإذا بقي كذلك تفككت أسرته .
 والحالة الثانية : أن يمد يده لدخل غير مشروع عندئذ سقط عندنا كمسامين عند الله وعند الناس .
 والحالة الثالثة : أن يلغي وقت فراغه فإذا ألغي وقت الفراغ ألغيت حقيقة الإنسان والعمل الذي يمتص كل الوقت خسارة كبيرة .
 يعني أنك تخليت عن الذي خلقت من أجله ، تخليت عن رسالتك التي أنيطت بك فإما أن يلغى وقت الفراغ ولم يبقى الأب أباً ولا الزوج زوجاً ولا الأم أماً ، وإما أن تفكك أسرته بسبب الحرمان ، وإما أن يمد يده لدخل غير مشروع .
 والحقيقة حينما نربي أولادنا على نأخذ الحاجة التي نحتاجها فقط من دون تطلع إلى الترف والبذخ وما إلى ذلك نكون قد حصلنا مجتمعنا من هذه الحالات الثلاثة المتعبة ، دائماً وأبداً الإنسان إذا حمل رسالة صارت حياته في الدنيا حياة معتدلة فيها توازن بيد دخله وإنفاقه لذلك هذا يقودنا إلى سبب آخر من أسباب التقاعس ألا وهو موضوع الرزق والشيء الفاصل في هذا ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ ))

[سنن ابن ماجة]

 فالإنسان حينما ينظم وقته وقت لعمله وقت لأسرته وقت لعبادته وقت لمراحل المشروع لا بد من تنظيم الوقت ودائماً المتفوقون هم الذين يتحركون عن الخطوط كلها فمثلاً حينما نعرف العبادة بأنها طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية هذا التعريف فيه ثلاثة كتل كبيرة الجانب المعرفي والسلوكي والجمالي فحينما أعتمد جانباًُ واحداً أتطرف ، وحينما أتحرك على الخطوط الثلاثة أتفوق .
 فهناك من ينجح في البيت ولا ينجح خارج البيت وهناك من ينجح خارج البيت ولا ينجح في البيت فلا بد من التوازن دائماً وأبداً الإنسان حينما يبحث عن رزق حلال ويأخذ منه حاجته يبارك فيه ، وكلمة البركة قد لا نستوعبها كثيراً ، الله عز وجل حينما يبارك في شيء يقدم الخير الكثير في حجم قليل ووقت كثير فالرزق أن يكون حجة للتقاعس عن العبادات والأعمال الصالحة والدعوة إلى الله وتحقيق الرسالة التي خلق الإنسان من أجلها هذا رزق ما أراده الله عز وجل يقابل ذلك :
 الفقر أنواع ثلاثة هناك فقر القدر وهو معذور كإنسان أصابته عاهة ، وهناك فقر الإنفاق وهذا نادر جداً كما سأل النبي صلى الله عليه وسلم الصديق رضي الله عنه يا أبا بكر ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال : الله ورسوله ، أما الفقر المذموم هو فقر الكسل !! مضطر أن أقول بعض الحقائق : اليابان كما تفضلت قبل قليل تصدر للعالم أربع أمثال العالم الإسلامي بأكمله إما في النفط ....ماليزيا وحدها تصدر ما يزيد عن صادرات العالم العربي بأكمله بما في النفط بعض الشركات في اليابان ربحها يساوي دخل أكبر دولة عربية سبعين مليون قسموا الدخل على الوقت فكان العمل في بعض البلاد الإسلامية سبعة عشرة دقيقة في اليوم ، وفي بلد آخر سبعة وعشرون بينما هم يعملون ست ساعات كاملة وفي بعض القارات ثماني ساعات فنحن مع العلم لكن مع تنظيم الوقت ، وحينما يكون فقرنا فقر كسل فالكرة في ملعبنا ، أما أن نعتبر أن الأمور صعبة ومعقدة نحن لا نعمل ، أما حينما نعمل نكسب أرزاقنا وننظم أوقاتنا ، أما أن يعتبر بطلب الرزق بحيث أن الإنسان تعطل عقيدته وعباداته وأعماله الصالحة ورسالته التي خلق من أجلها فهذا يتنافى مع أصل التكليف الذي كلفنا الله إياه .
المذيع :
 بالتأكيد كل الإشارات التي تحملنا إلى حقيقة واحدة أن المسلم ينبغي أن يدرك ذاته وهويته في هذا الركام كل من أهمل ذاتيته فهو أولى الناس فراً بالفناء لم يرى في الدهر قوميته كل من قلد عيش الغرباء ، فإذا أردنا أن ننهض علينا أن نتطلع صوب الأمم التي نهضت ، هذه الأرقام التي قدمها الدكتور راتب يجب أن تكون لو أننا التزمنا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياتنا وأحوالنا لأن الأمة كانت في عهد الرسالة لا تعرف الفساد لم تعرف الخمول.
 الأستاذ : على كل دكتور محمد حينما يقول الله تعالى :

 

﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ ﴾

[سورة النور الآيات : 36-37]

 كلمة رجال لا تعني الذكور بل تعني أنهم أبطال !!!!!

﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

[سورة النور الآية : 37]

 يتاجرون ويبيعون ، لكن البطولة كما ذكرت قبل قليل تنظيم الوقت .

 

﴿ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ﴾

 لا بد من أن نأخذ الجوانب كلها ، وأقول دائماً : الإنسان له عقل يدرك وقلب يحب وجسم يتحرك ، غذاء العقل العلم وغذاء القلب الحب ، وغذاء الجسم الطعام والشراب ، وما لم يتحرك على الخطوط الثلاثة لا يتفوق هذا الذي أريد أن أقول أن تكون حجة كسب الرزق مثبطة للمسلمين عن طلب الرسالة التي خلقوا من أجلها هذه حجة واهية ليست مقبولة وقد ومرد في بعض الأحاديث من طلب العلم تكفل الله له في طلب رزقه لا بمعنى أنه يجد المال تحت الوسادة لكن بمعنى أن الله يتولى توفيقه بهذا العمل .
المذيع :
 بما أننا كنا نتحدث بهذا الجانب فمن الواضح أن تربية الإسلام واضحة تماماً هنا دكتور راتب أريد أن أتوقف عند نقطة مرت عرضاً ولكن أعتقد أنها جوهرية من المعلوم أن السادة الصوفية في تربيتهم الإيمانية للناس جزاهم الله خيراً في الواقع انصرفوا إلى ترغيب الإنسان في الخمول وعدم الشهرة والفكر على أساس خشية أن يقع الناس في الرياء ، على أساس أن الرياء محبط للأعمال ، ولكن ألا ترى معي أننا بحاجة إلى منطقة وسطى ، نحن نريد الإنسان أن يعمل لا أن يصاب بالغرور مثلاً :
 أذكر عبد الله بن رواحه عندما جاء الصحابة ليودعوه قالوا له : أبشر يا عبد الله بالنصر والغنيمة ، قال : لا ! لكنني أسأل الرحمن مغفرة ، وضربة ذات فرغ تقذف الزبد حتى يقال : إذا مروا على جسدي يا أرشد الله من غازٍ وقد رشد .
 أنا أرى أن من حق الرجل الصالح ، من حق العامل أن ينتظر الثناء ، لا يجب أن نبالغ في مسألة الخوف من الرياء بحيث نعيق الإنسان عن أداء العمل ، من حق الإنسان أن ينتظر الثناء ، أن ينتظر المديح ، أن ينتظر أن يقال له أحسنت ، هذا الشيء تطلبه النفس وهو ليس بالشيء السيئ ، ليس شيئاً شريراً أن يكون الإنسان بانتظار أن يمدحه الناس ، ورد حديث :

(( إذا مدح المؤمن ربى وجهه بالإيمان ))

 كما ورد أيضاً :

(( عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ قَالَ جَعَلَ يَمْدَحُ عَامِلًا لِعُثْمَانَ فَعَمَدَ الْمِقْدَادُ فَجَعَلَ يَحْثُو التُّرَابَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ مَا هَذَا قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ ))

[مسند الإمام أحمد ]

 كيف يمكن أن نقارب بين هذه الحقائق ؟.
الأستاذ :
 سهل جداً إذا كان الإنسان في أعلى درجات التوحيد كلما أثنيت عليه ازداد إيماناً وازداد تواضعاً ، وازداد شعوراً بفضل الله عليه ، أما إذا مدحت إنساناً في أول الطريق ولا يزال بعيداً عن الكمال يصاب بالغرور ، أنت حينما تمدح إنساناً وهذا المديح يقوده إلى الغرور والاستعلاء والكبر ينبغي إذاً أن تعتبر في هذا المدح ، أما حينما تمدح إنساناً وترى أن مدحك دفعه إلى مزيد من العطاء فهذا المدح ضروري وهو التشجيع ، لكن دائماً وأبداً الإنسان يطرب للمديح ، وليس هذا يناقض أوامر الله عز وجل كما تفضلت ، إلا أنه حينما يزداد العمل مع المديح ويتلاشى مع الذم فهذا ليس هو الإخلاص وحينما يزداد العمل أمام الناس ويختفي في خلوة الإنسان ليس هذا هو الإخلاص .
المذيع :
 هناك حديث : من أراد أن يعرف منزلته عند الله فعليه أن يرى منزلة الله عنده ، ومن أحسن صلاته أمام الناس وأساءها حين يخلو بربه فتلك استهانته بربه .
 تحضرني هنا قصة طريفة : يروى أن الأعمش والأعرج وكلاهما من علماء السلف الصالح وكان الأعمش كان فيه عموشة في عينيه ، والأعرج كان يوجد عرجة في رجله ، مشيا مرة فقال الأعمش : يا أخي امشِ وحدك وأنا وحدي لأن الناس إذا رأونا سيقولون أعمش وأعرج . أي لا يمكن أن نخلو من التعليق ، فقال له الأعرج : يا أخي ما عليك ؟ دعهم يقولون ويسخرون فنؤجر . فقال له الأعمش : ويحك لماذا لا يسلمون ونسلم ؟ أي لماذا لا نكف أنفسنا عن ألسنة الناس ؟ ويروى أن الأعرج كان حاضر النكتة وكان طريفاً ويروى أنه وقعت خصومة بينه وبين امرأته ، فدعا أحد أصدقائه للدخول في الصلح ، فجاء صديقه وهو عالم شيخ قال للمرأة : يا أختاه إن الأعمش أستاذنا وشيخنا ، لا يغرنك منه عموشة عينيه ، وخموشة ساقيه ، ورعشة يديه . قال له الأعمش : قاتلك الله لقد دللتها على عيوبي ، لم تكن تعرفها . أرجع إلى القصة وإن كنا أوردناها لأنا نريد للمستمع أن يكسر الملل ، قال له : لا عليك أن يأثموا ونؤجر . قال له : ما عليك أن يسلموا ونسلم . فرحم الله امرؤ جب المغيبة عن نفسه ، وأقصد بذلك أن الإنسان حينما يعمل لابأس ولا حرج أن يعمل وهو ينتظر ثناء الناس ، لماذا نغالب الطبيعة ؟ لماذا نقول يجب أن لا نهتم على الإطلاق لكلام الناس ؟ يجب أن نهتم لأن ألسنة الخلق أقلام الحق ، ولأن عندما لا يهتم بردود أفعال الناس هذا مظهر من الكبر .
الأستاذ :
 مرة ودعنا أستاذاً كبيراً في علم النفس جامعة دمشق وهو الأستاذ الوحيد الذي أجريت له حفلة وداع كبيرة جداً ، قال كلمة : الإنسان الذي لا يشعر بحاجة إلى أن يُحَب ليس من بني البشر . من خصائص الإنسان أنه يشعر أنه يجب أن يُحَب ، وأن يحِب ، فلذلك على كلمة الأعمش مرة قال أحدهم لشخص : لقد اغتبتني !. فقال له : ومن أنت حتى أغتابك ؟ لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت أبي وأمي ، لأنهما أولى بحسناتي منك .
المذيع :
 هذه الإشارات أحياناً قد لا تكون في صلب الموضوع الذي نتحدث فيه ولكنها تعلمنا الكثير ، نحن نريد للمسلم أن يكون واقعياً ، أن يعيش حياته يحظى باحترام الناس ومن حقه أن يبحث عن احترام الناس ، إن الرجل يحب أن تكون دابته حسنة ، مظهره حسن أي بمعنى أن يقول الناس : ما أحسن فلان . أيحبط هذا العمل ؟ قال لا إن الله جميل يحب الجمال .
الأستاذ :
 بقيت نقطة دكتور محمد هو أن الجنة بالعمل ، طبعاً هذا لا يتناقض مع قول النبي عليه الصلاة والسلام : إنها برحمة الله . لكن العمل هو سبب دخول الجنة ، بينما الجنة هي فضل الله عز وجل ، ولا يستطيع أحد أن يدفع ثمنها ، بل أن يقدم سببها ، والفرق كبير ، بيت ثمنه خمسين مليون أنت قدمت ثمن المفتاح فقط ، بما أن الجنة بشكل أو بآخر بالعمل

 

﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

 

[سورة النحل الآية : 32]

 بعيداً عن تلك القضية التي أوضحتها قبل قليل معنى ذلك أن القوة أحد أسباب العمل الصالح ، فلن تستطيع أن تعمل عملاً صالحاً إلا إن كنت قوياً إما في مالك أو في منصبك ، أو في علمك ، فلأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ))

[صحيح مسلم]

 في كل خير جبار خواطر ، فالعمل الصالح يحتاج إلى قوة ، أي أن الذي يتفوق في الدنيا فرص العمل الصالح أمامه كبيرة جداً ، ولأن الجنة بالعمل الصالح إذاً أنت حينما تتفوق إن في علمك ، أو في عملك ، أو في دراستك ، أو في تعليمك ، هذا التفوق يعطيك إمكانيات لأعمال صالحة لا تعد ولا تحصى .
المذيع :
 في نهاية هذا اللقاء نتوجه بالشكر للضيف الكريم والكبير محمد راتب النابلسي .

 

نص الزوار

إخفاء الصور