- ندوات إذاعية
- /
- ٠01برنامج الإسلام والحياة - إذاعة دمشق
برنامج الإسلام والحياة ، لقاء يومي من إعداد : عدنان شيخو .
مقدمة :
يسرنا أن نلتقي مع الأستاذ محمد راتب النابلسي ، المحاضر في جامعة دمشق كلية التربية، وخطيب جامع النابلسي ، أهلاً ومرحباً بكم .
تعلمون أن شهر رمضان المبارك شهر القرآن ، شهر تفتح أبواب السماء وتصفيد الشياطين ، ونحن في سوق الجنة هذا التوحيد نراه مرتسماً على المؤمنين سلوكاً وأعمالاً ونيةً طبعاً في الأصل هذه الناحية ، إذا أردنا أن نتعرف على التوحيد في إطاراته المتعددة أو من جوانبه المتعددة نبدأ ذلك من التعريف ، كيف نعرف التوحيد ؟ وماذا نقول في ذلك ؟
التوحيد نهاية العلم :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
التوحيد نهاية العلم كما قال العلماء ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، والتوحيد هو لب الإسلام بل هو محور رسالات السماء ، ربنا عز وجل يقول :
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾
إله واحد خالق كل شيء ، ورب كل شيء ، له الأمر وإليه المصير ، في السماء إلهٌ وفي الأرض إلهٌ ، قال تعالى :
﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾
هو وحده الجدير أن يعبد فلا يلحد ، وأن يشكر فلا يكفر ، وأن يطاع فلا يعصى ، روى الشيخان البخاري ومسلم عن معاذ بن جبل :(( عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ : بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلا أَخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ : يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ ! قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ : يَا مُعَاذُ ! قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ : يَا مُعَاذُ ! قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ، قَالَ : هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ : يَا مُعَاذُ ابْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ، فَقَالَ : هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ : حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لا يُعَذِّبَهُمْ ))
كأن الله عز وجل أنشأ لعباده حقاً عليه إذا هم عبدوه ألا يعذبهم ، ولا ننسى أن مطلب السلامة والسعادة مطلبان ثابتان لكل إنسان على وجه الأرض ، والتوحيد والعبادة يحققان للإنسان مطلب سلامته وسعادته في الدنيا والآخرة .لوازم التوحيد :
1 ـ ألا يتخذ الإنسان من دون الله رباً يعظّمه :
التوحيد أيضاً له سلوك ظاهر على الإنسان ، وهذا السلوك ممكن أن يندرج تحت أمور متعددة ، إذا تحدثنا عن لوازم التوحيد فماذا يمكن أن نشرح ؟من أبرز لوازم التوحيد أستاذ عدنان ألا يتخذ الإنسان من دون الله رباً يعظمه كما يعظم الله ، قال تعالى :
﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾
فلو اعتقد أن جهةً غير الله يمكن أن تعطي أو أن تمنع ، يمكن أن تخفض أو أن ترفع ، يمكن أن تعز أو أن تذل مستقلة عن إرادة الله فقد أشرك ، والشرك ذنب لا يغفر ، قال تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً﴾
لأن المشرك يمشي في طريق مسدود ، قال تعالى :﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
2 ـ ألا يتخذ الإنسان من دون الله ولياً :
على هذا يمكن أن يكون من لوازم التوحيد ألا يتخذ الإنسان من دون الله ولياً ، أليس كذلك ؟ هذا شيء صحيح ، فالإنسان حينما يوحد الله عز وجل ينبغي ألا يوالي أحداً إلا الله ، لأن الله ولي الذين آمنوا ، ذلك أن الذين كفروا لا مولى لهم ، ألا يتخذ الإنسان من دون الله ولياً يحبه كحب الله ، قال تعالى :
﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾
نحن خالق الكون ، مبدع السماوات والأرض ، من بيده كل شيء ، من إليه يرجع الأمر كله ، يقول لهذا الإنسان الضعيف : أنا وليك يا عبدي ، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان الله عليك فمن معك ؟ يا ربي ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ هذا لازم آخر من لوازم التوحيد .3 ـ ألا يتخذ الإنسان غير الله حكماً يطيعه كما يطيع الله :
ومن لوازم التوحيد أيضاً ألا يتخذ الإنسان غير الله حكماً يطيعه كما يطيع الله ، قال تعالى :
﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾
أستاذ عدنان هناك نقطة دقيقة جداً ، الله عز وجل من خلال آية سأقرؤها بعد قليل ينفي عن المؤمن الإيمان كلياً إذا احتكم إلى غير الله ، يقول الله عز وجل :﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً﴾
لأن الإنسان أعقد آلة في الكون ، ولهذا الإنسان خالق عظيم ، وتوجيهات الله في قرآنه الكريم ، وفي سنته سنة نبيه المطهرة هي بمثابة تعليمات الصانع ، والجهة الصانعة هي الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها لأنها الجهة الخبيرة ، قال تعالى :﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾
لو أن عندنا آلةً كالحاسوب ، آلة غالية جداً ، لها نفع عظيم ، تقضي لنا حوائجنا الحسابية ، وأصابها خلل ، من منا يدفع هذه الآلة المعقدة إلى بائع خضار طيب نحبه كثيراً ليصلحها لنا ؟ لا يمكن ، لابد من أن ندفعها إلى الخبير ، فالإنسان في تعامله اليومي يبحث عن الخبير لماذا في تعامله مع نفسه ، ومع جسمه ، ومع دنياه ، ومع آخرته ، لا يبحث عن تعليمات الخبير ؟ قال تعالى :﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾
فمن لوازم التوحيد ألا ترجع إلى حكم إلا الله عز وجل .ثمرات التوحيد :
الحقيقة كما بينتم من لوازم التوحيد أن الإنسان عندما يتبع هذه اللوازم لاشك أنه سيعطي ثماراً جنيةً واضحةً يحبها الجميع ، وينتفع منها الجميع ، لو تطرقنا إلى ثمرات التوحيد فماذا يمكن أن نقول ؟
الحقيقة إن الإنسان حينما يؤمن بالله خالقاً هذه حقيقةً حينما يؤمن بها ما فعل شيئاً ، كما لو أن الشمس ساطعة قلت : إن الشمس ساطعة ، أنت ما فعلت شيئاً ، لو قلت خلاف ذلك اتهم عقلك ، أما حينما تقول : إن الشمس ساطعة وهي ساطعة ما فعلت شيئاً ، أما التوحيد فشيء آخر ، التوحيد حينما تتعرف إلى الله ، وتصطلح معه ، وتقيم منهجه في بيتك ، وفي عملك ، تقطف ثماراً يانعة ، ثمار الدين يانعةٌ جداً ، ولكن الإنسان إن لم يقدم الثمن الذي فرضه الله علينا كي يعطينا هذه الثمار يغدو الدين ثقافةً ، يغدو عادات وتقاليد ، يغدو أحياناً فولكلوراً ، وتذهب قيمته الحقيقية ، فحينما نؤدي اللوازم التي أمرنا الله بها ، حينما نؤمن به خالقاً ومربياً ومسيراً ، وحينما نطبق منهجه في بيوتنا وأعمالنا عندئذٍ يسمح الله لنا أن نقطف هذه الثمار .
التوحيد في الواقع يحرر الإنسان من كل عبودية إلا لربه الواحد الديان ، الذي خلقه فسواه وكرمه ، التوحيد تحرير لعقل الإنسان من الخرافات والأوهام ، التوحيد تحرير لضميره من الخضوع والذل والاستسلام ، التوحيد تحرير لحياته من تسلط الأرباب والمتألهين ، فالتوحيد حرية لا يليق بالإنسان أن يكون لغير الله ، فحينما يوحد الله عز وجل حرر نفسه من كل ألوان الضغوط الأرضية ، وأصبح عبداً لله عز وجل يأتمر بما أمر الله ، وينتهي عما عنه نهى وزجر .
ومن ثمار التوحيد أيضاً أن التوحيد يعين على تكوّن الشخصية المتزنة قال تعالى :
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
هناك نقاط ضعف في شخصية الإنسان أرادها الله لصالح الإنسان ، هذه الآلة المعقدة جداً فيها نقطة ضعف تسمى في التعبير الاصطلاحي ـ فيوز ـ نقطة الضعف هذه في الإنسان لأن الإنسان خلق هلوعاً ، خلقه كثير الجزع ، خلقه كثير الحرص ، خلقه ضعيفاً ، لو أنه خلقه قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه ، خلقه ضعيفاً ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره ، فالإنسان عندما يوحد الله عز وجل ما الذي يحصل ؟ تتكون شخصيته المتزنة التي توضحت في الحياة وجهتها ، وتوحدت غايتها ، وتحددت طريقتها ، فليس لها إلا إله واحد تتجه إليه في الخلوة والجلوة ، وتدعوه في السراء والضراء ، وتعمل على ما يرضيه في الصغيرة والكبيرة ، في القرآن الكريم :﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾
لو أن موظفاً في شركة علاقته مع عدة أشخاص يكاد يتمزق ، هذا يأمره أن تعال ، هذا يأمره أن اذهب ، هذا يأمره أن اجلس ، هذا يأمره أن يقف ، أما إذا كانت علاقة هذا الموظف مع واحد فيرتاح تماماً ، وهذا هو التوحيد ، أيضاً الله عز وجل يقول :﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
لذلك من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها ، اعمل لوجه واحد يكفك الهموم كلها ، لذلك الله عز وجل ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن أمرك كله عائد إليه ، إليه يرجع الأمر كله ، كله توكيد فاعبده وتوكل عليه .خاتمة وتوديع :
في ختام هذا اللقاء نشكر الأستاذ محمد راتب النابلسي ، المحاضر في جامعة دمشق كلية التربية ، وخطيب جامع النابلسي ، شكراً لك .