- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠33برنامج حديث الجمعة الديني - قناة سوريا الأولى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
الناس في نص القرآن الكريم زمرتان لا ثالث لهما :
أيها الأخوة المشاهدون، الله عز وجل يقول في كتابه العزيز:
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
الآن هناك آية تبين أن الناس على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، وتياراتهم كل هؤلاء الناس في نص القرآن الكريم زمرتان لا ثالث لهما.
1 ـ رجل عرف الله فانضبط بمنهجه وأحسن إلى خلقه فسعد في الدنيا والآخرة :
أما الزمرة الأولى:
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
صدق بالحسنى، الحسنى هي الجنة، قال تعالى:
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾
الحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم، فالذي آمن بالحسنى آمن أنه مخلوق للجنة، آمن أنه مخلوق لسعادة أبدية، آمن أنه مخلوق لجنة عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
الإنسان هو المخلوق الأول و المكرم و المكلف :
الإنسان حينما يؤمن بالله يؤمن أيضاً أنه مخلوق للجنة، وأن الإنسان هو المخلوق الأول، والمكرم، والمكلف:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ ﴾
ويؤمن أيضاً أنه المخلوق المكرم:
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾
ويؤمن أيضاً أنه المخلوق المكلف:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
المؤمن مستقيم على أمر الله :
الإنسان بنص هذه الآية:
﴿ ﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾﴾
صدق وآمن وأيقن أنه مخلوق للجنة، مخلوق لسعادة الأبد، مخلوق لجنة:
﴿ لَهُم مَّا يَشَاءونَ فِيهَا ﴾
مخلوق لجنة لا نصب فيها ولا تعب، ولكن هذه الآية لها ثمن، ثمنها في الدنيا، لذلك:
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
لأنه مخلوق للجنة، ولأنه آمن بالجنة، ولأنه يسعى إلى الجنة، اتقى أن يعصي الله، فالمؤمن مستقيم على أمر الله، ولو ألغينا من الدين الاستقامة لأصبح ثقافة، وتراثاً، وفلكلوراً، لا شيء غير ذلك.
الدين منهج حياة كاملة :
لكن الدين منهج حياة كاملة، يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية:
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
اتقى أن يعصي الله، المؤمن يتحرك وفق منهج الله ، بحياته شيء فرض، فرض لسلامته وسعادته، وهناك واجب، و سنة مؤكدة، و سنة غير مؤكدة، و مستحب، و مباح، ومكروه كراهة تنزيهية وكراهة تحريمية، وهناك حرام، المؤمن يتحرك وفق منظومة قيم، المؤمن يتحرك في حياته الدنيا وفق منهج، وفق اعمل ولا تعمل، افعل ولا تفعل، وفق تعليمات الصانع، لأن المؤمن آلة بالغة التعقيد، الإنسان أعقد آلة في الكون، ولهذه الآلة صانع حكيم، ولهذا الصانع تعليمات التشغيل والصيانة، إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي.
من آمن بالآخرة يتحرك وفق منهج الله عز وجل :
إذاً:
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
صدق بالحسنى فاتقى أن يعصي الله، تحرك وفق ضوابط الشرع، تحرك وفق منهج الله، تحرك بدافع من حاجته للطعام والشراب، ومن حاجته إلى الطرف الآخر ، ومن حاجته إلى تأكيد الذات، تحرك وفق منهج الله، بل هو تعليمات الصانع، والإنسان أعقد آلة في الكون وله صانع حكيم، ولهذا الصانع الحكيم تعليمات التشغيل والصيانة، إذاً:
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
صدق أنه مخلوق للجنة فاتقى أن يعصي الله، الآن ندقق، بنى حياته على العطاء، يسعده أن يعطي لا أن يأخذ، الذي آمن بالدنيا يسعده أن يأخذ، الذي آمن بالدنيا قد يبني مجده على أنقاض الآخرين، الذي آمن بالدنيا قد يستغل حاجتهم إليه، قد يبني غناه على فقرهم، قد يبني أمنه على خوفهم، قد يبني حياته على موتهم، قد يبني مجده على إتلافهم، قد يبني ثقافته على محو ثقافتهم، هذا الذي آمن بالدنيا، أما الذي آمن بالآخرة يتحرك وفق منهج الله، وفق الضوابط الشرعية، وفق افعل ولا تفعل، وفق تعليمات الصانع:
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
اتقى أن يعصي الله، بنى حياته على العطاء، المؤمن معطاء، يعطي من علمه، يعطي من ماله، يعطي من وقته، يعطي من خبرته، يعطي من عضلاته، يعطي من كل شيء يملكه:
﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
من آمن بالله سلم و سعد في الدنيا و الآخرة :
هؤلاء الزمرة الأولى الذين آمنوا، والذين انضبطوا وفق منهج الله، والذين أحسنوا إلى خلق الله، هؤلاء سلموا وسعدوا في الدنيا والآخرة:
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
الرد الإلهي:
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
أي سنيسره لما خلق له، خلق لسعادة الدارين:
﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
قال علماء التفسير: جنة في الدنيا وجنة في الآخرة.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾
هؤلاء الفريق الأول.
التقسيمات الأرضية باطلة ما أنزل الله بها من سلطان :
البشر على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، كل هذه التقسيمات الأرضية؛ دول الشمال، ودول الجنوب، والعرق الآري، والأنكلوسكسوني، والسامي، والبيض، والملونون، كل هذه التقسيمات ما
أقرها القرآن الكريم
كل هذه التقسيمات لم يعبأ بها كتاب الله، القرآن الكريم يؤكد أن البشر نموذجان؛ نموذج عرف الله فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسلم وسعد في الدنيا والآخرة، والرد الإلهي في القرآن الكريم:
﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
لذلك :
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
لا يحزن قارئ القرآن وهو يقرأ قوله تعالى :
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
2 ـ و رجل غفل عن الله فتفلت من منهجه وأساء إلى خلقه فهلك في الدنيا والآخرة :
أما الفريق الثاني، أما الزمرة الثانية، أما القسم الثاني:
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى*وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
كذب أنه مخلوق للجنة، آمن بالدنيا، آمن بمتعها، آمن بشهواتها، آمن بحظوظه المادية منها، آمن بالدنيا وليس غير الدنيا، هؤلاء ينتهي علمهم عند الدنيا كما قال الله عز وجل:
﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
هؤلاء تنتهي آمالهم عند القبر، هؤلاء ينتهي كل نشاطهم في حياتهم الدنيا، هؤلاء أيقنوا بالدنيا وكفروا بالآخرة:
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى*وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
كذب أنه مخلوق للجنة، وآمن بالدنيا فقط، ولا شيء غير الدنيا، هذا الذي كذب بالحسنى على ماذا يبني تكذيبه؟ أنه استغنى عن طاعة الله، لماذا يطيع الله؟ لماذا يأتمر بما أمر الله؟ لماذا ينتهي عما عنه نهى الله؟ هو تعلق بالدنيا، وجعل الدنيا نهاية آماله ومحط رحاله، قال: هذا النموذج الثاني أيقن أنه مخلوق للدنيا فقط، كذب بالحسنى، ولأنه كذب بالحسنى استغنى عن طاعة الله، لماذا الطاعة؟ لماذا البذل؟ لماذا التضحية؟ لماذا الانضباط؟ لماذا الاستقامة؟ لم يعبأ بكل هذا، رأى الدين فلكلوراً، ورأى الدين ثقافة قديمة، وتراثاً ليس غير، ولأنه آمن بالدنيا آمن بحظوظه من الدنيا، آمن أن الاستمتاع قمة النجاح في الدنيا، آمن أن المال قمة المجد في الدنيا، سعى إلى الدنيا بكل ما يملك:
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى*وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
لما كذب بالحسنى استغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ، نموذجان لا ثالث لهما، قال تعالى:
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى* وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى* وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى* إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى* فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
من كذب بالآخرة و بيوم الدين سيُيسر للعسرى :
الرد الإلهي: ما دام قد كذب بالآخرة، وكذب بيوم الدين، وكذب بالجنة، وآمن بالدنيا، رأى متاع الدنيا هو هدفه، ومالها هو الوسيلة، أيقن بالدنيا وكفر بالآخرة، فاستغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ
هذا الذي يبني مجده على أنقاض الناس، ويبني حياته على موتهم، ويبني غناه على فقرهم، ويبني ثقافته على محو ثقافتهم، هذا الإنسان الذي آمن بالدنيا الله عز وجل يرد عليه:
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
أي سوف نسيره لغير ما خلق له لأنه آثر الدنيا، لأنه أصر عليها، لأنه كفر بالآخرة، لأنه استغنى عن طاعة الله، و استغنى عن كسب رضوان الله.
فلذلك أيها الأخوة، هذه الآية تبين أن البشر على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، لا يزيدون عن نموذجين؛ نموذج عرف الله فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسلم وسعد في الدنيا والآخرة، ونموذج آخر كفر بالآخرة وآمن بالدنيا، واستغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ، وأساء إلى خلق الله عز وجل، فشقي وهلك في الدنيا والآخرة، وليس هناك نموذج ثالث، وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.