- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا لرُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر ، أو سمعت أذنٌ بِخَبر . اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين ، اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم ، ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر ، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير ، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير ، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدْنا علمًا ، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه ، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
معرفة النفس الخطوة الموضوعيّة الصحيحة لإصلاحها :
أيها الأخوة الأكارم ؛ موضوع اليوم دقيق دقيق ، هو أنّ الإنسان يميلُ دائمًا إلى أن يُحْسن الظنّ بنفسه ، فقد لا يرضى عن دَخْله ، وقد لا يرضى عن رزقه ، وقد لا يرضى عن حظوظه الدّنْيَوِيّة ، ولكنّه راضٍ أشدّ الرّضا عن عقله ، وعن إيمانه ، وعن مكانتِهِ ، وعن مرتبتهِ عند الله عز وجل .
أيها الأخوة الأكارم ؛ الخطوة الموضوعيّة الصحيحة لإصلاح النفْس تبدأ بِمَعرفة النّفس ، كما أنّهم يقولون : إنّ أوّل خطوَةٍ في حلّ مشكلة أن نعرف أنّها مشكلة ، وأن نُحدِّد حدود المشكلة ، فالإنسان كما قلتُ قبل قليل يميلُ دائمًا إلى أن يُحْسن الظنّ بنفسه ، وإلى الرضا عن إيمانه ، وإلى الطمأنينة لِعَمله ، ولكن لعلّ في إيمانه خللاً ، لعلّ في إيمانه ضَعفًا ، لعلّ في إيمانه نقصًا ، لعل في إيمانه زَيْغًا ، لعلّ في إخلاصه شبهةً ، ما الذي يعرّفُه بِذَاته ؟ وما الذي يُحدّدُ له حجمهُ ؟ ما الذي يحجّمُ الإنسان ؟ النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة ، بعضها وردَ في الصحيحَيْن ، بعضها وردَ في الكتب الصّحاح الستّة ، بعضها ورد في الجامع الصغير ، بعضها ورد في كنز العمال ، بعضها ورد في رياض الصالحين ، بحثْتُ لكم في كلّ هذه الكتب عن الأحاديث التي تعرّف الإيمان .
أيها الأخوة الأكارم ؛ هذه الأحاديث لها هدفٌ مزدوَج ؛ إنّها هدفٌ لكلّ مؤمن ، وإنّها مِقياسٌ لكلّ مؤمن ، قِسْ نفسَكَ بهذا الحديث ، فإن تحقّق فيك فاحْمَد الله عز وجل ، وثابِر على ما أنت عليه ، وإن لمْ يتحقّق يجب أن تعلم أنَّه بينك وبين الإيمان مراحِلُ كبيرة ، لا بدّ من الجُهْد ، ولا بدّ من تجديد الإيمان ، وتصحيح المسار ، لا بدّ من أن تعملَ عملاً اسْتِثنائيًّا لينطبق عليك تعريف النبي عليه الصلاة والسلام .
أحاديث اليوم هي تعريفات النبي عليه الصلاة والسلام للإيمان ، فكلّنا يظنّ أنَّه مؤمن ، كلّنا يحْسنُ الظنّ بإيمانه ، كلّنا يقول : أنا على الحقّ والحمد لله كما قلتُ قبل قليل ، أكثر الناس لا يرْضون عن حظوظهم الدنيويّة ، ولا عن رزقهم ، ولكنّهم يرْضَون عن إيمانهم، وعن مكانتهم ، وعن عقلهم ، إذًا جاءَت هذه الأحاديث التي تعرّف المؤمن بِحَقيقة الإيمان ، وبِحَجم الإيمان .
الإيمان معرفة بالقلب و قول باللسان و عمل بالأركان :
قبل أن ندخل في الموضوع يجب أن تعلموا أيّها الأخوة علمًا يقينيًّا أنّ الإيمان يزيدُ وينقص ، والدليل على ذلك أنَّ الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ﴾
أي إيمانكم لا يُنجيكم ، لا بدّ من مزيدٍ من الإيمان ، ولا بدّ من رفْع مستوى الإيمان، ولا بدّ من التّحقّق بِحَقائق الإيمان ، لذلك أحاديث اليوم تتحدّث عن الإيمان .
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((الْإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ))
الإيمان فيه جانب معرفي كامنٌ في النّفس ، وفيه جانب قولي ، يتمثّل في شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمَّدا رسول الله ، ويتمثّل بالتَّذْكير ، تذْكير الناس بِحَقائقه ، وفي الإيمان جانبٌ سلوكي ، عملي ، إنّه العمل بالأركان ، فليس الإيمان كما يقول عليه الصلاة والسلام بالتَّحَلّي ، ليس الإيمان أن تضعَ مصحفًا في مركبتك ، ولا أن تعلّق لوحةً في محلّك التجاري مكتوبٌ عليها : بسم الله الرحمن الرحيم ، ولا أن ترتدي زيًّا إسلاميًّا ، ولا أن تسْلُك سُلوكًا إسلاميًّا، والقلب خواءٌ من معرفة بالله عز وجل ، فالإيمان قبل كلّ شيءٍ معرفة بالقلب ، وإقرار باللّسان ، وعملٌ بالأركان ، إنَّها فقراتٌ ثلاث ، وشروط ثلاثة لا يُغني أحدها عن الآخر .
فيا أيها الأخوة الأكارم ؛ الإيمان معرفة بالقلب ، إذًا لا بدّ من بذل جهْدٍ لبُلوغِهِ ، ولا بدّ من تخصيص وقتٍ لكي يحْصُلَ هذا الإيمان في القلب ، ولا بدّ من أن يطْمئنّ قلبكَ لأسماء الله الحسنى ، لابدّ من أن تكون من الداخِلِ مُتماسكًا ، وحسنَ الظّن بالله عز وجل ، لا بدّ من أن تكون لك رؤْيَة صحيحة ، لا بدّ من أن ترى الله وحدهُ يعملُ في كلّ شيءٍ ، لا بدّ من أن ترى أنّ الله معك حيثما كنت ، هذه هي معرفة القلب ، أنْ تراهُ يراقبُك ، أن تراه معك ، أن تراهُ عادلاً، أن تراهُ رحيمًا ، أن تراه قويًّا ، أن تراه متصرّفًا ، أن تراه واحدًا وكاملاً ، هذه هي معرفة القلب، وهذه لا تُحصَّلُ في ليلة أو ضُحاها ، لا بدّ من التراكم ، لا بدّ من التّأمّل ، لا بدّ من التّفكّر ، ولا بدّ من النّظر ، لا بدّ من أن تجلسَ على ركبتَيك في مجالس العلم ، لا بدّ من أن يزداد علمك كلّ يوم معرفةً بالقلب .
وقولٌ باللّسان ، فلو أنّ الإنسان سكَتَ عن الحقّ لكان شيطانًا أخرسًا ، لو أنّه لم يبيِّن لخان أمانة العلْم ، لو أنَّه تكلّم بالباطل لأفتى بِخِلاف ما يعلم وهي من الكبائر ، لا يكفي أن يرتاح قلبك إلى الإيمان ، لا بدّ من أن ينطق لسانك بالإيمان ، لا ينبغي أن تأخذك في الله لَومةُ لائمٍ ، لا ينبغي أن تستحي بإيمانك ، لا ينبغي أن تصْمُت ، لا بدّ من أن تجْهر بالحقّ ، في الموْطن المناسب ، وفي الوقت المناسب ، ومع الشّخص المناسب ، لِقَوله تعالى :
﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾
وعملٌ بالأركان ؛ إذا اكْتَفَيْتَ بإيمانك من دون أن تعمل ، ماذا فعلْتَ ؟ بالتأكيد لم تفْعل شيئًا ، لأنّ الشمس ساطعة ، آمنْتَ بها أو لم تؤمن ، قوْلُك إنَّها ساطعة لا يزيدها سطوعًا، ولا يثبتُ سطوعها ، إنّها ساطعة ، ولكن حينما تقتربُ من أشعّة الشمس فَتَسْري في جلْدك ، وتطهّر خلاياك ، وتمْنَحُكَ الدّفء عندئذٍ اسْتَفَدْتَ من الشّمس ، فما لمْ تقْطِف ثِمار إيمانك فلا قيمة لهذا الإيمان النظري الذي لا يقدّم ، ولا يؤخِّر ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((الْإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ))
هذا تعريف .
المؤمن يرى عدالة الله فلا يفتك بأحد :
وهناك تعريفٌ آخر ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( الإِيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ لا يَفْتِكُ مؤمِن ))
مؤمن بأنّ الله مراقبُك ، وتوقِعُ الأذى بالآخرين ، وتفتِكُ بهم ، تفتِكُ بِحَيوانٍ بريء ، تفتِكُ بإنسانٍ بريء ، ألَمْ يقل عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :
((عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ قَالَ فَقَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلَا سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا وَلَا أَنْتِ أَرْسَلْتِهَا فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ ))
ألم يقل عليه الصلاة والسلام حينما سئِل :
(( إن فلانة تقوم الليل ، وتصوم النهار ، وتفعل وتصدق ، وتؤذي جيرانها بلسانها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا خير فيها ، هي من أهل النار . قالوا : وفلانة تصلي المكتوبة ، وتصوم رمضان ، وتتصدق بالأثوار ، ولا تؤذي أحدا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي من أهل الجنة ))
(( الإِيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ لا يَفْتِكُ مؤمِن ))
ويجب أن تعلم أيّها الأخ الكريم أنَّه لمُجَرّد أن تفتِكَ بِمَخلوقٍ ما ظلمًا ، وعدوانًا فقد برئ الإيمان منك كما برئ الذئْب من دم يوسف ، برئ الإيمان منك ، ولا تنْطوي على ذرّة إيمان.
(( الإِيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ لا يَفْتِكُ مؤمِن ))
المؤمن يرى أنّ الله عز وجل ربّ كلّ هذه المخلوقات ، المؤمن يرى أنّ الله عز وجل أقْدرُ عليه منه على غيره ، المؤمن يرى أنّ الله بالمرصاد ، المؤمن يرى عدالة الله ، وأنّ الإساءة إلى المخلوقات لنْ تمرّ بِسَلام ، لن تمرّ إلا وسيُحاسَبُ عليها ، إنّ لكلّ سيّئةٍ عقابًا ، هذه عدالة الله عز وجل ، فالإيمان قيْدُ الفتْك ، هذا الذي يغشّ الناس ، ويكذب عليهم ، ويأكل أموالهم بالباطل ، يوقعُهم في حرجٍ شديد ، يُسبّبُ متاعب لهم ، هذا بالتأكيد ليس مؤمنًا ، لأنّ:
(( الإِيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ لا يَفْتِكُ مؤمِن ))
هذا تعرفٌ آخر .
الإيمان في قلب الرجل أن يحبّ الله عز وجل :
أيها الأخوة الأكارم ؛ الإيمان في قلب الرّجل أن يحبّ الله عز وجل ، ما لمْ تشعر بهذا الحبّ ، ما لمْ تشعر بِهذا المَيْل ، ما لمْ تؤْثِر رضا الله على رضا غيره ، ما لمْ تؤثر طاعة الله على طاعة المخلوقين ، ما لمْ تؤثر الانقياد لله على أن تنقاد لما سوى الله ، ما لمْ يشعر قلبك بهذا الحبّ ، وما لم يقْشعرّ جلدك إذا تُلِيَتْ عليك آياتُه ، ما لم يوجَل قلبك ، فهذا بعيدٌ عن الإيمان ، وهذا تعريفٌ ثالث ، الإيمان في قلب الرجل أن يحبّ الله عز وجل ، هل تحبّ الله في قلبك ؟ وهل تشعر أنّك مُقيَّدٌ بالأمْر والنّهي ؟ وأنّك تتمنَّى ألف مرّة أن تُقطَّع إربًا إرَبًا من أن توقِعَ الأذى بِمَخلوق ؟ وهذا المخلوق الله عز وجل خلقهُ ، الإيمان أن ترى أنّ الإنسان بنيان الله ، وملعونٌ من هدمَ بنيان الله ، هذا هو الإيمان ، والإيمان شيءٌ عظيم ، وهو يجعل منك شخْصيَّة فذَّة ، وشخصيَّة تَشْرَئِبّ إليها الأعناق ، ترْمقها العيون ، تتهاوى إليها الأفئدة ، المؤمن شخصيّة أخلاقيّة ، المؤمن شخصيّة ذات أذواقٍ رفيعة ، وجماليّة ، المؤمن شخصيّة علميّة ، هناك جانب علمي ، وجانب أخلاقي ، وجانب جَمَالي ، فالإيمان في قلب الرجل أن يحبّ الله عز وجل ، وهذا تعريفٌ ثالث للإيمان .
الإيمان عفيف عن المحارم و المطامع :
مرّة ثانيَة أيّها الأخوة ، هذه الأحاديث لها هدفٌ مزدوَج ؛ إنّها مِقياسٌ تقيس بها إيمانك ، إنّها هدفٌ تضَعُهُ نصْب عَيْنَيْك ، إن انْطَبَقَتْ هذه الأوصاف عليك فأَنْعِم بك من مؤمن، اثْبت على هذه الصّفات ، وإن لم تنْطبق عليك فاتَّجِه نحوها ، واجْعلها هدفًا لك ، لا تقل: أنا مؤمن وتقْعُد ، لا تعْتقِد أنّ كلّ شيءٍ يُحصّل بالكَسْب إلا الإيمان ، والإيمان كذلك يُحصَّلُ بالكَسْب ، إنّ سماع الحقّ ، والتّأمّل في الكون ، والتدبّر القرآن ، والنَّظر في أفعال الله عز وجل، إنّ التَّفكّر في خلق السموات والأرض ، وتدبّر القرآن الكريم ، والنَّظر في أفعال الله عز وجل ، هذا الذي يزيدُ من إيمانك ، إنّ مُصاحبة المؤمنين أنْ تصبِرَ نفسَك مع الذين آمنوا ، مع الذين يدْعون ربّهم بالغداة والعشيّ هذا الذي يرفعُ مستوى إيمانك ، فالإيمان عفيف عن المحارم ، عفيف عن المطامع ، طابعُ العفّة يغلبُ على المؤمن ، فهو لا يطمحُ إلى ما ليس له ، لا تشرئب عنقه إلى أموال الناس ، لا يقفُ أمام غنيّ فيتَضَعْضَع له ، لا يطْمحُ أن يأخذ ما ليس له، عندهُ عفّة لو وُزِّعَت على أهل بلدٍ لكفتْهم ، عفيف عن المطامع ، قانعٌ بالذي له ، لا يطمحُ لما ليس له ، عفيف عن المطامح ، عفيف عن المحارم ، الله الغنيّ ، الله الغني عن أن يعْصِيَهُ، الله الغني عن أن يسْتعجلَ شيئًا أخَّره عنه ، ألَمْ يدْعُ عليه الصلاة والسلام بهذه الدعوات: " اللهمّ اجْعَل حبّك أحبّ الأشياء إلى قلبي ، اللهمّ لا تجعلني أسْتعجلُ ما أخَّرت ، ولا أؤخِّرُ ما استعجلتَ ".
أيها الأخوة الأكارم ؛ الإيمان عفيف عن المحارم ، عفيف عن المطامع ، الإيمان في قلب الرجل أن يحبّ الله عز وجل :
(( الإِيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ لا يَفْتِكُ مؤمِن ))
((الْإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ))
الإيمان الصلاة :
وقد تسْتغربون أنّ النبي عليه الصلاة والسلام يجمعُ الإيمان كلّه في الصّلاة فيقول: " الإيمان الصلاة " من فرّغ لها قلبهُ ، وحافظ عليها بِحَدِّها ووقْتها وسُننها ، فهو مؤمن ، جَوْهر الإيمان الاتِّصال بالله عز وجل ، الإيمان الصلاة فمن فرّغ لها قلبهُ - مادام قلبه مَشغولاً إنَّه ساهٍ ولاهٍ - وحافظ عليها بِحَدِّها ووقْتها وسُننها ، فهو مؤمن ، الإيمان قَيد ، والإيمان معرفة بالقلب ، وقول باللّسان ، وعمل بالأركان ، والإيمان أن تحبّ الله عز وجل ، الإيمان عفيف عن المحارم، عفيف عن المطامع ، والإيمان الصلاة ، فمن فرّغ لها قلبهُ ، وحافظ عليها بِحَدِّها ووقْتها وسُننها فهو مؤمن .
أفضل الإيمان الصبر والسماحة :
والشيء الذي يدعو للعَجَب هو أنّ النبي عليه الصلاة والسلام لخَّص الإيمان كلّه في كلمة واحدة أو بِكَلمتين ، بل إنّ الكلمتين متكاملتان ، عن معقل بن يسار قال :
((أفضل الإيمان الصبر ، والسماحة ))
الإنسان مركّب على مُيول ، وعلى شهوات ، وعلى أهواء ، والشَّرْع في أغلبهِ يُعارضُ هذه المُيول والأهواء ، ركَّب الله فيك حبّ المال ، وحبّ الأخْذ ، وأمرك بالإنفاق ، ركَّب فيك حبّ النّوم في أجْمل ساعات النهار والليل ، وقْت صلاة الفجر ، وأمرك أن تصلّيَ الفجر ، ركّب الله فيك حبّ النّساء ، وأمرك بِغَضّ البصر ، ركَّب الله فيك حبّ السلامة وأمرك بالجهاد ، ركّب الله فيك حبّ الحديث عن الناس وأمرَكَ بِضَبْط اللّسان ، كلّ شيءٍ تفعلُه وفيه مجاهدةٌ لنفسك ، ومعاكسةٌ لها ، فهو محض الإيمان ، لا ترقى إلا إذا عاكسْتَ نفْسَكَ ، وهواك قال تعالى :
﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴾
لا تتصَوَّر أيها الأخ الكريم أنّ التكاليف تتماشى مع أهوائك ، ومع حظوظك ، ومع شهواتك ، لو أنّها كذلك لما ارْتَقَيْتَ بها ، لو أنّها كذلك لما كانت ثمنًا للجنة ، لو أنّها كذلك لما شعرْتَ أنّ الله يحبّك ، لو أنّها كذلك لما شعرْت انّك قريب منه ، ولكن لأنّ التكاليف ذاتُ كُلفةٍ عليك ، لأنّ التكاليف تكلّفك جهْدًا ، تكلّفُك معاكسةً لِمُيولِكَ ، لأنّ التكاليف تجْعلكَ تقاوِمُ رغباتك، عندئذٍ ترقى بها إلى الله عز وجل ، لهذا قال عليه الصلاة والسلام عن معقل بن يسار قال :
((أفضل الإيمان الصبر ، والسماحة ))
تصبر عن الشهوات ، تصبر على الطاعات ، تصبر على فعْل الله بك ، هذا هو الإيمان ، لذلك حياة المؤمن سلسلة من الصّبر ، قد يتوافر المال بين يديك ، فصبْرُك ألا تنفقهُ فيما لا يرضي الله ، قد تتوافرُ القوّة بين يديك فصَبْرُكَ ألا توقِعَ أذًى بالآخرين ، وأنت مَغْرورٌ بهذه القوّة ، الغنيّ عليه أن يصبر ، والقويّ عليه أن يصبر ، والفقير عليه أن يصبر ، والضعيف عليه أن يصبر ، والمتألّقُ ذكاءً عليه أن يصبر ، أن يجعلَ من ذكائِهِ سِلاحًا لإيمانه، والأقلّ ذكاءً عليه أن يصبر ، والوسيم عليه أن يصبر ، والدميم عليه أن يصبر ، الصّبر أيها الأخوة هو الإيمان ، الإيمان الصّبر ، لكنّ الصَّبْر يحْملُ طابعًا سلبيًّا ، اِمْتَنَعْتَ و اِمْتَنَعْتَ و اِمْتَنَعْتَ ، ولكنّ السماحة تحمِلُ الطابع الإيجابيّ ، الإيمان الصبر والسماحة ، الإيمان العفّة ، الإيمان الحبّ ، الإيمان التقيّد ، الإيمان المعرفة ، الإيمان الإقرار ، الإيمان السّلوك ويقول عليه الصلاة والسلام :" الإيمان نصفان ، نصف في الصبر ونصف في الشكر . . . . ." هذه كلّها تعاريف النبي عليه الصلاة والسلام ، أُخِذ بعضها من الجامع الصغير ، وبعضها من كنز العمال ، وبعضها من الصحيحين ، وبعضها من رياض الصالحين ، وبعضها من كتب الصحاح الستّة ، تعاريف النبي عليه الصلاة والسلام للإيمان ، إنّها أحاديثُه تقدِّمُ لك مِقياسًا دقيقًا ، تعرفُ بها حجْم إيمانك ، إنَّها أحاديث تُعدُّ هدفًا ماثلاً بين عَيْنَيك تسْعى إليه .
الإيمان نصفان نصف في الصبر ونصف في الشكر :
هل هناك حالة ثالثة ؟ إما أن تكون في بحبوحة ، وإما أن تكون في ضيقٍ ، إما أن تكون في صحّة ، وإما أن تكون في مرضٍ ، إما أن تكون قويًّا ، وإما أن تكون مستضعفًا ، إما أن تكون غنيًّا ، وإما أن تكون فقيرًا ، إما أن تكون صحيحًا ، وإما أن تكون مريضًا ، إن كنت صحيحًا عليك أن تشكر ، إن كنت قويًا عليك أن تشكر ، إن كنت غنيًّا عليك أن تشكر ، إن كنت معافًى عليك أن تشكر ، إن كنت مريضًا عليك أن تصبر ، هذا الحديث يدور معك حيثما ذهبت ، المؤمن في الرّخاء شكور ، وفي البلاء صبور ، قانعٌ بالذي له ، لا يبتغي ما ليس له ، روي عن النبي أنه قال :
(( الإيمان نصفان نصفٌ صبرٌ ونصفٌ شكرٌ ))
تكامل الإيمان مع العمل :
شيءٌ آخر أيها الأخوة الأكارم ؛ الإيمان والعمل شريكان في قرْن لا يقبلُ الله أحدهما إلا بِصَاحِبِه ، أقربُ شيءٍ إليك ، هذه الأسطوانة أسطوانة الغاز هل تنفعُك من دون رأس الغاز ؟ وهذا الرأس هل ينفعُك من دون أسطوانة ؟ كيف أنّهما متكاملان ، وأنّك لن تنتفع بأحدهما من دون الآخر ، كذلك الإيمان والعمل ، لن يقبل الله عملاً بلا إيمان ، والعمل بلا إيمان لا يكون ، وإذا كان فهو من أجل الدنيا ، تبتغي به الدنيا ، والسُّمْعة ، وأن تنتزِعَ به إعجاب الآخرين ، تبتغي منه تسليك مصالحك ، العمل بلا إيمان ، والإيمان بلا عمل هو كلامٌ فارغ ، واعْتِقادٌ خاطئ ، وسُلوك متناقض :
((الإيمان والعمل شريكان فى قِرْنِ لا يقبل الله أحدهما إلا بصاحبه))
الإيمان نية و هجرة بالنفس و المال :
ومن الأحاديث التي تتعلّق بالإيمان ، ما رواه عبد الخالق بن زاهر الشحاني عن عمر قال :
((الإيمان بالنية واللسان ، والهجرة بالنفس والمال))
شيءٌ داخلي ، وشيءٌ سُلوكي ، الإيمان بالنيّة واللِّسان ، والهِجرة ، جالسٌ مع أهل الدنيا ، غارقٌ في شهواتك ، تُقيم علاقاتٍ حميمة مع البعيدين عن الله عز وجل ، وتقول : أنا مؤمن !! المؤمن أن تهْجُر المنكرات ، أن تهجر رفاق السوء ، أن تهجر أصحاب السوء ، الإيمان بالنيّة واللّسان والهجرة بالنفس والمال .
أيها الأخوة الأكارم ؛ الإنسان أحيانًا يزداد حجمهُ زِيادة غير صحيحة ، إذا أراد أن يحجّم نفسه ، وأن يعرفَ قدْرهُ ، وأن يعرف حقيقة إيمانه فلْيَعْرِض نفسه على هذه الأحاديث ، إنّها مقاييس ، وإنها في الوقت نفسه أهداف الإيمان والعمل ، وعبارة الذين آمنوا وعملوا الصالحات وردَت في كتاب الله أكثر من ثلاثمئة مرة ، قال تعالى :
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
وقال تعالى :
﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
قال تعالى :
﴿َ فإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾
الإيمان شكر وصبْر ، والإيمان صبرٌ وسماحةٌ ، والإيمان قيْدٌ ، والإيمان حبّ ، والإيمان عفّة ، والإيمان صلاة ، والإيمان نيّة وقول ، وهجرة بالنفس والمال ، هذه تعاريف الإيمان .
دعائم الإيمان :
بقيَ حديث أخير عن العلاء بن عبد الرحمن قال :
((قام رجل إلى علي بن أبي طالب فقال : يا أمير المؤمنين ما الإيمان ؟ قال : الإيمان على أربع دعائم على الصبر والعدل واليقين والجهاد))
أيها الأخوة الأكارم ؛ الإنسان عليه أن يُراجع نفسه ، عليه أن يخْلُوَ بنفسه ، وأن يعرف موقِعَهُ ، العُظماء في العالم ، والناجحون في الدنيا دائمًا يتعرّفون إلى مواقعهم بِحَسب أقرانهم ، في أيّ موقعٍ هو؟ ، في أيّ صفٍّ هو ؟ في أيّ مركبةٍ هو ؟ في أيّ مركز هو ؟ فإذا عرفْت موقعك ، ومركزك تحرَّكْت في ضوء هذه المعرفة .
أيها الأخوة المؤمنون ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزَنَ عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا ، فلْنتَّخِذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنَّى على الله الأماني.
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الإيمان يزيدُ وينقص ؛ تزيدُه الأعمال الصالحة وتنقصُه المخالفات :
أيها الأخوة الأكارم ؛ بقي علينا ثلاثة أحاديث ، الحديث الأوّل تابعٌ للخطبة الأولى؛ وهو أنّ الإيمان يزيد وينقص ، تزيدُه الأعمال الصالحة ، وتنقصُه التقصيرات ، قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصِيَة ، إذا خالفَ أمر الله عز وجل يُمْحى الإيمان من قلبه ، وقد يعْجَبُ الإنسان أنَّه قد يكون متألِّقًا في إيمانه ، فإذا صاحب أهل الفسق والفجور ، مُحِيَ الإيمان من قلبه ، فإذا فعل ما يفعلون ، وانْغمَس فيما هم فيه منغمسون ، ويصيبهُ من الهمّ والحزن مثل ما يُصيبهم ، فالإيمان يزيدُ وينقص ، تزيدُه الأعمال الصالحة ، وتنقصُه المخالفات ، لذلك كلّما جاءَت آيةٌ كريمة من مثل قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا آمنوا . . أيْ ابْحَث عن الإيمان الأكْمَل ، والإيمان المنجِّي ، والإيمان الذي يحملك على طاعته سبحانه وتعالى .
الإيمان بالقدَر يذهب الهم والحزن :
أما الحديثان المتعلّقان بالخطبة الثانية ، فهما في جزءٍ من الإيمان : عن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
((الإيمان بالقدر يذهب الهم والحزن))
ما من شيءٍ أفْعَل في النّفس من القلق والنّدم والحزن ، إنّ هذه المشاعر من شأنها أن تحطِّم الإنسان ، أن تسْحقَ سعادتهُ ، أن تجعلَ حياتهُ جحيمًا لا يُطاق ، لكنّ الإيمان بالقدَر أنّ كلّ شيءٍ بعِلْم الله ، وأنّ كلّ شيءٍ بقضاء من الله وقدر ، وأنّ كلّ شيءٍ بِتَقدير الله ، وأنّ كلّ شيءٍ بفِعْل الله ، بعِلم الله ، وتقديره ، وفعلهِ ، هذا هو الإيمان بالقدر ، الإيمان بالقدر يُذهب الهمّ والحزن ، الإيمان بالقدر يُلغي كلمة لو من حياتك ، وإلغاء كلمة لو إلغاءٌ للنّدم ، الإيمان بالقدر يستأصلُ الأحقاد بين البشر ، الإيمان بالقَدر يستأصلُ النَّدَم ، ويستأصلُ التَّمَنِّي ، وتمنِّي ما ليس عندك ، يستأصلُ الحسد ، الإيمان بالقدر هو صحّة لأنّ كلّ الأمراض الوبيلة هي في أصْلها شِدّة نفسيّة ، وما هذه الشدَّة إلا بِسَبب ضَعْف الإيمان ، ترى أنّ خصْمَكَ يمْلِكُكَ وأنت لا تملكُهُ ، وينوي أن يُدَمّرك وأنت لا تستطيعُ أن تدمّره ، هذا الشّعور وحده يكفي لإصابة الإنسان بِأفْدَح الأمراض ، شُعور بالقهْر ، شعور القلق ، وشعور الخوف ، لذلك قال الله عز وجل :
﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
ويقول الله عز وجل :
﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً ﴾
ولذلك يقول الله عز وجل :
﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
فالإيمان بالقدَر يذهب الهم والحزن ، والإيمان بالقدر نِظام التوحيد .
ثلاث حقائق كبرى ؛ الأولى أنّ الله موجود ، والثانيَة أنّ الله واحد لا شريك له ، والثالثة أنّ الله كامل ، فإذا آمنْت بالقدَر خيره وشرّه من الله تعالى فأنت موحِّد ، وإذا كنتَ موحِّدًا اسْتَحْققْتَ من الله كلّ خير .
أيها الأخوة الأكارم ؛ لا بدّ من اقْتِطاعِ وقتٍ ثمين لِمعرفة الله تعالى ، لا بدّ من اقْتِطاعِ وقتٍ ثمين لِيَرْبُوَ الإيمان في قلبك ، لا بدّ من اقْتِطاعِ وقتٍ ثمين لتَتَعَلَّم العلم الشريف ، ولتتعرّف إلى كلام الله ، وإلى سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وإلى مواقف أصحاب رسول الله ، وإلى أحكام الله عز وجل في شتّى مناحي حياتك .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .