- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الاولى
الحمد لله، ثمّ الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله، وما توفيقي، ولا اعتصامي، ولا توكّلي إلا على الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقرارًا لرُبوبيَّته، وإرغامًا لمن جحد به وكفر، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر، وما سمعت أذنٌ بِخَبر، اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد، وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين، اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم، ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علّمتنا، وزدْنا علمًا، وأرنا الحقّ حقًّا، وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، كان موضوع الخطبة السابقة الترغيب في ذِكر الموت، وهذا الموضوع يحتاج إلى خطبة أخرى، فقد أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأمل وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أبي سعيد الخدري قال:
((اشترى أسامة بن زيد وليدة بمائة دينار إلى شهر، فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ألا تعجبون من أسامة المشتري إلى شهر، إن أسامة لطويل الأمل...))
والشاهد قوله:
((والذي نفسي بيده ما طرفت عيناي وظننت أن شفري يلتقيان حتى أقبض ولا رفعت طرفي وظننت أني واضعه حتى أقبض، ولا لقمت لقمة فظننت أني أسيغها حتى أغص بالموت، يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم في الموتى، والذي نفسي بيده إنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين))
ومعنى معجزين أي: لا تستطيعون أبدًا أن تتفلَّتُوا من الموت، ولا من ملك الموت.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
((أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ))
كلامٌ دقيق جدًّا، خُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ؛ أيْ وأنت صحيح، اعْمَل الأعمال الصالحة، حتى إذا ضعفَت قواك، ووجدْت ذخيرةً تُقبلُ بها على الله عز وجل، خُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ، وأنت حيّ تُرزق، وأنت في أوْج قوّتك، وأنت في أوْج غِناك، بادِر إلى الأعمال الصالحة، حتى إذا جاء ملك الموت وجدْت لك عند الله مقامًا عظيمًا، ورتبةً كريمًا، ومقعد صدْقٍ عندهُ، خُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ جَسَدِي فَقَالَ:
((اعْبُدْ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ وَكُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ))
النبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو ويقول: اللهمّ اجعلنا نخشاك حتى كأنا نراك، وأسْعدنا بلُقياك، ولا تُشقنا بالبُعد عنك، خرْ لنا في قضائك وبارك لنا في قدرك، حتى لا نحبّ تعجيل ما أخّرْت، ولا تأخير ما عجّلتْ.
إذًا يا ربّ اجعلنا نخشاك حتى كأنا نراك، الإنسان كلّما نما عقله يخاف بعقله، فإذا ضعف عقله يخاف بعينه، الذي يخاف بِعَينه ضعيف العقل، كلّما نما عقل الإنسان أدْرك الخطر قبل أن يأتيَ الخطر، أدْركَ ساعة الحساب قبل أن تأتي ساعة الحساب، أدْرَك هَول المطلع قبل أن يأتي المَطلَع، أدرك اليوم العسير قبل أن يأتي اليوم العسير، هذا هو العقل أنْ تصِل إلى الشيء قبل أن تصل إليه.
مثالٌ بسيط بل ومُضحك، السيارات العامّة في حينٍ من الوقت بعض الخُطوط كانت تقف في المرجة، على اليمين ظلّ ظليل، وعلى الشمال شمسٌ محرقة في الصيف، فالراكب الذي يُحكِمُ عقلهُ يجلسُ في الشمس لأنّه بعد دقيقة واحدة تنعكسُ الآية، فيَنْعُم بالظلّ إلى آخر الخطّ، وأما الذي عطّل عقله، وحكّم حواسهُ يجلسُ في الظلّ وبعد دقيقة واحدة الشمس تحرقهُ حتى نهاية الخطّ، وهذا مثَلٌ بسيط، العقل أن تصل إلى الخطر قبل أن يأتي الخطر، أن تواجه الشيء المخيف قبل أن يأتِي الشيء المخيف، أن تصل إلى الشيء قبل أن تصل إليه، فكلّما نما عقل الإنسان خاف قبل أن يأتِي الخوف، وكلّما ضعُف عقلهُ خاف بِحواسّه، والذي يخافُ بحواسّه فقط هو الحيوان، لذلك قال عليه الصلاة والسلام رأسُ الحكمة مخافة الله، فهذا الذي يأخذ من حياته إلى موته، ومن صحّته إلى مرضه، ومن غِناه إلى فقره، هو العاقل، لذلك قال عليه الصلاة والسلام أرْجحكم عقلاً أشدّكم لله حبًّا، إذًا خُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ.
عن معاذ بن جبل قال:
((أردت سفراً فقلت يا رسول الله أوصني ؟ قال: اعبد الله كأنّك تراه، واعْدُد نفسكَ من الموتى، واذكر الله عند كلّ حجَرٍ وعند كلّ شجر، وإذا عملت سيّئةً فاعْمل بِجَنبها حسنةً، السرّ بالسرّ والعلانيَة بالعلانيَة))
أنت مُحاطٌ بِظَواهر تَدعو للعَجَب، وتدعو للخُشوع، وتدعو للتوبة، لا حصْرَ لها، قال تعالى:
﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ﴾
أنت غارق في نِعَمٍ لا تنتهي، أنت غارقٌ في آيات لا تنتهي، في أدلّة على عظمة الله لا تنتهي، لذلك
((واذكر الله عند كلّ حجَرٍ وعند كلّ شجر، وإذا عملت سيّئةً فاعْمل بِجَنبها حسنةً، السرّ بالسرّ والعلانيَة بالعلانيَة))
أيها الإخوة الأكارم، كم من إنسانٍ يبني ما لا يسْكن، ويؤمّل ما لم يبلُغ ويهتمّ لِشَيءٍ عمّا قليل سينْصرفُ عنه، هذا ضَعفٌ في عقله، في حديث للنبي عليه الصلاة والسلام رواه عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:
((مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُطَيِّنُ حَائِطًا لِي أَنَا وَأُمِّي فَقَالَ مَا هَذَا يَا عَبْدَ اللَّهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَيْءٌ أُصْلِحُهُ فَقَالَ الْأَمْرُ أَسْرَعُ مِنْ ذَلِكَ))
أي حياة الإنسان في الدنيا قصيرة، بل إنّ الإنسان في هذه الأيام يبني بناءً لا يفْنى على مرّ الدّهور، حياتهُ قصيرة وأملُه طويل، وأراد النبي عليه الصلاة والسلام من هذا الحديث لا أن يكفّ الصحابيّ عن بناء الجدار، بل أراد أن لا يعلّق الأمل في الدنيا، وكي تكون الدنيا بين يديه لا في قلبه، أن يتّخذها وسيلة لا أن يجعلها غاية، أن يحْتويَها لا أن تحتوِيَهُ، أن يستخدمها لا أن تستخدمهُ، أن يُذلّها للحق، لا أن يذَلّ لها، في حديث آخر:
((أصلح دُنياك))
أراد النبي عليه الصلاة والسلام المعنى الإيجابي، وليس ألاّ تُطَيّن حائطك، لكن معنى الحديث ألاّ تؤمّل في الدنيا، أن لا تبني قصورًا من الأوهام فيأتي ملكُ الموت فيُخيّبُ هذه الأوهام.
أيها الإخوة الأكارم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ))
المؤمن ؛ ماذا بينه وبين الجنّة ؟ أن يتوقّف قلبهُ عن النّبْض، وكم من سبب وما أكثرها، والتي يموت فيها الإنسان فجْأةً، بلا سابق إنذار، بلا سابق مرضٍ، بلا سابق إشارة أو علامة، والقصص التي نسمعها كثيرة، إذا كنتَ مؤمنًا، بينك وبين الجنّة توقّف القلب، وإذا كان الرجل كافرًا وفاجرًا وغارقًا في شهواته، بينه وبين النار كما بينك وبين شِراك نعْلك، شِراكُ النّعْل كما فسَّرهُ المفسِّرون أحدُ سيور النعل، أقربُ شيءٍ إلى النّعل أحدُ سيوره، هذا أقربُ شيءٍ للنّعل، لذلك:
((الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ))
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ:
((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عِظْنِي وَأَوْجِزْ فَقَالَ إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ وَلَا تَكَلَّمْ بِكَلَامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ غَدًا وَاجْمَعْ الْإِيَاسَ مِمَّا فِي يَدَيْ النَّاسِ))
كلّما قمْت إلى الصلاة تصوّر أنّ هذه آخر صلاةٍ، كيف تُصلِّيها ؟ والغنى أن تتعفّف مما في أيدي الناس، لذلك قيل: احْتَجّ إلى الرجل تكن أسيرَهُ واسْتغْنِ عنه تكُن نظيرهُ، وأحْسِن إليه تكن أميرهُ، كنْ نظيرًا أو أميرًا ولا تكن أسيرًا، قال عليه الصلاة والسلام:
((وَاجْمَعْ الْإِيَاسَ مِمَّا فِي يَدَيْ النَّاسِ))
وإياك وما يُعتذر منه، فأيّ عملٍ سوف يضْطرّك إلى أن تصغُر، إلى أن تعتذر، إلى أنْ تتوسّل، إلى أن ترجو المغفرة، والمعذرة، والعفْوَ ؛ هذا العمل في الأصْل ابْتَعِد عنه، قلتُ لكم سابقًا كيف أنّ حِوارًا جرى بين سيّدنا معاوِيَة، وسيّدنا عمرو بن العاص، وهما كما تعلمون في التاريخ من دُهاة العرب، فقال معاوِيَة لعمرو: ما بلغ من دهائك ؟ قال: والله ما دخلتُ مُدخلاً إلا أحْسنتُ الخروج منه، فقال: لسْتَ بِداهيَة، أما أنا ما دخلتُ مدخلاً أحتاج أن أخرج منه، هذا هو تمام العقل، وإياك وما يُعتذر منه، ايئس مما في أيدي الناس تكن غنيًّا، وصلّ صلاة مودّع، إن كنتَ لا تراهُ فإنّه يراك.
حديث تعرفونه جميعًا لأنّني أُكثر روايته، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ أَحَدُهُمْ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا))
بادروا بالأعمال أيْ تسابقوا عليها، ابتدروا إليها، اسْتغلُّوا فرصَة حياتكم واعملوا الصالحات، ضغوط الحياة كثيرة، ومُغرياتها كبيرة، الفِتَن كانت نائمة، وهي الآن يقظةٌ، كلّ شيءٍ يدعوك إلى المعصِيَة، الإنسان إن لم يتسلّح بالإيمان، وإن لم يكن له إيمانٌ قويّ ربّما أصبح مؤمنًا، وأمْسى كافرًا، وربّما أمسى مؤمنًا، وأصبح كافرًا، يبيعُ دينه بِعَرضٍ من الدنيا قليل.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوْ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوْ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ))
أي الذي لا يُبادر بالعمل الصالح، والذي يلقي أمْر دينه وراء ظهره، الذي يقبلُ على الدنيا بكُليّته، الذي يرى أنّ الدنيا هي كلّ شيء، والذي يهتمّ بأمر الآخرة، لا يعنيه إلا حياته الدنيا، هذا ماذا ينتظرُه ؟ كلّ يومٍ يستيقظ كالذي سبقهُ، إلى متى ؟ إلى متى هو صحيح معافى ؟ إلى متى هو في أهله ؟ وبين أهله ؟ وبين أولاده ؟ قال:
((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا أيْ إن لم تُبادروا سبعًا تنتظركم ؛ هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوْ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوْ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ))
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ وَكَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ تُرْزَقُوا وَتُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا))
لأنّ التوبة عند طلوع الروح لا تُقبل، وليْسَت التوبة كما قال تعالى:
﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾
والإنسان قد يشتغل بِصِحَّته، وقد يكبر أولاده، وقد يغرق في مشكلاتٍ لا نهاية لها، فما دام فارغًا فلْيُبادر،
((وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ وَكَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ تُرْزَقُوا وَتُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا))
هذه خطّة النبي عليه الصلاة والسلام.
وقد يستمعُ بعضنا من أُناسٍ ينصحونه ؛ إن رآهُ مُقبلاً على الدِّين يقول له: خفِّفْ ! اِعْتَدِلْ! لا تُكثِرْ ! كُن معتدلاً في كلّ شيءٍ ! هذه نصيحةٌ مرفوضة لِقَول النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه الْأَعْمَشُ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ الْأَعْمَشُ وَقَدْ سَمِعْتُهُمْ يَذْكُرُونَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الْأَعْمَشُ وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((التُّؤَدَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ))
التؤدة ؛ الاعتدال والتريّث، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾
أقْبِل على ذِكْر الله، أقْبِل على طلب العلم، أقْبِل على تلاوة القرآن، أقْبِل على الصُّلح مع الله، وعلى نشر العلم، وبكلّ ما تملك،
((التُّؤَدَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ))
أيها الإخوة الأكارم، عن يَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَال سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إِلَّا نَدِمَ قَالُوا وَمَا نَدَامَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنْ كَانَ مُحْسِنًا نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ ازْدَادَ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ نَزَعَ))
ففي كلا الحالين سينْدَم، وهذا الحديث يعطي الإنسان حافزًا كبيرًا للإكثار من العمل الصالح، وإذا أراد الله بعبْدٍ خيرًا اسْتعملهُ، لذلك إن أردْت أن تعرف مقامك فانْظر فيما استعملك، إذا أراد الله بعبْدٍ خيرًا استعملهُ، قيل كيف يستعملهُ ؟ قال: يوفّقهُ لعملٍ صالح قبل الموت، وإذا أحبّ الله عبدًا عسًّلهُ، قالوا: وما عسَّله ؟ قال: يوفّق له عملاً صالحًا بين يدي رحلته حتى يرضى الله عنه، فأنت حجمك عند الله بحجم عملك الصالح اسأل نفسك هذا السؤال ؛ ما الذي أجراه الله على يديك ؟ وما العمل الذي ساقهُ الله إليك ؟ وما الوظيفة التي وظَّفك الله إيّاها ؟ هل لك دَوْرٌ في المجتمع ؟ هل أنت في قلوب الناس ؟ هل دعوْتهم إلى الله عز وجل ؟ هل أحْسنْتَ إليهم ؟ هل مسحْتَ على دُموعهم ؟ هل فرَّجْت همَّهُم ؟ هل أزلْتَ كُرْبتهُم ؟ هل كنتَ عونًا لهم على الشيطان ؟ أم كنت عونًا للشيطان عليهم ؟ ما دوركَ في المجتمع ؟ وما وظيفتك ؟ ماذا تعمل ؟ من أين تكسبُ رزقك ؟ من آلام الناس وظلمهم، من أخْذ مما في أيدي الناس، أم من عملك الطيّب هل يخافك الناس أم يرتاحوا لك ؟ من أنت ؟ سؤال خطير ! ما دوري في الحياة ؟ وما بعد الموت؟ كيف سأسْأل ؟ وكيف سأُحاسَب ؟ قال: إذا أحبّ الله عبدًا عسًّلهُ، قالوا: وما عسَّله ؟ قال: يوفّق له عملاً صالحًا بين يدي رحلته.
في حديث آخر، وهذا الحديث مُوجّه لِمَن بلغ سنّ الستّين، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً))
أي من بلغَ ستّين سنةً فلا عُذر له عند الله مقبولاً !
إلى متى أنت باللّذات مشْغول وأنت عن كلّ ما قدّمْتَ مسؤول
إلى متى وأنت في المخالفات ؟ إلى متى أنت في الشبهات ؟ إلى متى أنت في الدّخْل الحرام ؟ إلى متى أنت في الاختلاط ؟ ألا ترتدع ؟ ألا ترْعوِي ؟ إلى متى أنت غافل ؟
((أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً))
معنى أعْذرهُ أي قطَعَ عنه المعذرة، وقد قيل قد أعْذرَ من أنذَر.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ قَالَ:
((مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ قَالَ فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ قَالَ مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ))
عمرٌ طويل في المعاصي والموبقات، كان زير نساء، هذا يلْهو، والشَّيْبُ قد علا رأسُه، وشرّكم من طال عمره وساء عمله.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا وَأَحْسَنُكُمْ أَخْلَاقًا))
وفي رواية: إذا سدَّدوا ؛ أيْ إذا عرفوا أعمالهم، وسدَّدوا أعمالهم وصوَّبوها، هؤلاء هم خيار الناس.
((إن لله تعالى عبادا يضن بهم عن الأمراض والأسقام في الدنيا يحييهم في عافية، ويميتهم في عافية ويدخلهم الجنة في عافية))
هذا الذي أقبل على الله وأخلص له ربّما أراحه الله من متاعب الحياة ؛ أطال عمرهُ، ووفّقه لعمل صالح، وعاشَ في بحبوحةٍ وعافيَة، وهذا إن كان في الدّين والتقوى ؛ نِعْم المال الصالح للرجل الصالح، وهذا من فضل الله على الإنسان، ومن تكريمه له.
أيها الإخوة الأكارم، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((دَخَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ وَهُوَ يَشْتَكِي فَتَمَنَّى الْمَوْتَ فَقَالَ يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ لَا تَتَمَنَّ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتَ مُحْسِنًا تَزْدَادُ إِحْسَانًا إِلَى إِحْسَانِكَ خَيْرٌ لَكَ وَإِنْ كُنْتَ مُسِيئًا فَإِنْ تُؤَخَّرْ تَسْتَعْتِبْ خَيْرٌ لَكَ فَلَا تَتَمَنَّ الْمَوْتَ، وَإِنْ كُنْتَ مُسِيئًا فَإِنْ تُؤَخَّرْ تَسْتَعْتِبْ مِنْ إِسَاءَتِكَ خَيْرٌ لَكَ))
إذًا النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن تمنّي الموت.
عَنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((لَا تَمَنَّوْا الْمَوْتَ فَإِنَّ هَوْلَ الْمَطْلَعِ شَدِيدٌ وَإِنَّ مِنْ السَّعَادَةِ أَنْ يَطُولَ عُمْرُ الْعَبْدِ وَيَرْزُقَهُ اللَّهُ الْإِنَابَةَ))
أي من أشدّ الساعات التي تأتي على الإنسان حين يلقى الله عز وجل إن لم يكن قد أعدّ لهذه الساعة عُدّتها،
((فَإِنَّ هَوْلَ الْمَطْلَعِ شَدِيدٌ وَإِنَّ مِنْ السَّعَادَةِ أَنْ يَطُولَ عُمْرُ الْعَبْدِ وَيَرْزُقَهُ اللَّهُ الْإِنَابَةَ))
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي))
يا أيها الإخوة الأكارم، نستنبطُ من هذه الأحاديث الشريفة التي تُلِيَت عليكم في هذه الخطبة، وفي الخطبة التي سبقَت أنّ أخْطرَ ما يملكُه الإنسان هو عمرهُ، فإذا أنفقهُ فيما لا جدْوى منه فقد خسِر خسرانًا مبينًا، ولقد خُلق الإنسان في الدنيا لمُهمة عظيمة، فإن لم يعرف مهمّته فهو في جهْلٍ كبير، لذلك قالوا: التقوى نهاية العلم، والعبادة نهاية العمل.
أيها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيتخطّى غيرنا إلينا، فلنتَّخِذ حذرنا، الكيّس من دان نفسه وعمل إلى ما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمانيّ، والحمد لله رب العالمين.
***
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة الأكارم، الناس ولاسيما الشباب يتساءلون، وكأنّهم شعروا أنّ الله تخلى عن المسلمين، ففي مناطق كثيرة من العالم يُهاجَم بها المسلمون أشدّ الهُجوم، والله جلّ جلاله يقول:
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾
كأنّ هناك وعدًا للمؤمنين في كلّ عصْر، وفي كلّ مصْر، والآية واضحة وُضوح الشمس، صريحة صراحة النهار قال تعالى:
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾
هذا ما وعد الله به، ولكنّ هذه الوُعود الثلاثة أساسها أن يقوم المؤمنون، وأن يقوم المسلمون بطاعة الله عز وجل، لذلك أقول: قبل أن نُطالب بما لنا، علينا أن نؤدّي ما علينا، والقاعدة الشهيرة تقول: أدّ الذي عليك، واطْلبْ من الله الذي لك، متى يحِقّ لنا المطالبة بما لنا ؟ إذا أدَّينا ما علينا، والآية الكريمة وهي قوله تعالى:
﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾
والآية الثالثة قوله تعالى:
﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾
أيها الإخوة الأكارم، في الحديث الصحفي الذي أدلى به السيّد الرئيس عبّر عن وِجهة نظر الشباب فقال: العرب اليوم في وضْع من احْتُلَّت أرضهم، ولا يستطيعون أن يفعلوا شيئًا، والشباب يقولون: إنّ الإسرائليّين هم ثلاثة ملايين، وانتصروا على العرب جميعًا، وهكذا يستنتجوا الشباب أنّ الخَلاصَ هو في الإسلام، الذي عندما كنّا متمسِّكين به لم يسْتطِع أحدٌ أن يذِلّنا، إنّ الخلاص في الإسلام الذي عندما كنّا متمسِّكين به لمْ يسْتطِع أحدٌ أن يذِلّنا، وهذا منطقٌ قابلٌ للتّصديق، لمْ يُعبّر عن رأيِ الشباب في هذا الموضوع بل تعاطف معهم، حينما قال: وأتصوُّر أنَّني لو كنتُ في سنّ أصْغر، وأرى ما يحدثُ حولي في الوطن العربي، ربّما وجدْتُ نفسي ضمن هذه الحركة الأصوليّة.
أيها الإخوة الأكارم، الذي أريد أن أقوله لكم ؛ لِنُؤدِّي الذي علينا، ثمّ لِنَسْأل الله الذي لنا، قال تعالى:
﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
الله جلّ جلاله صادق الوعد، قال تعالى:
﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً﴾
قال تعالى:
﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾
يجبُ أن نتمسّك بالإسلام لأنَّه طريق الخَلاص الوحيد، لئلاّ ينتصر علينا ثلاثة ملايين، ونحن مئة مليون عربي، وألف مليون مسلم، يجب أن نتمسّك بالإسلام حتى لا يُذلّنا أحد، وحتى لا ينتصر علينا أحد، وحتى يتحقّق قول الله فينا:
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾
مرَّةً ثالثة، أدِّ الذي عليك واطلب من الله الذي لك، وعَدَكَ الله بالنّصر وبالتأييد، وعدك بالحِفظ، وعدكَ بأن ينصركَ على عدوِّك، فقبل أن تُطالب بما لك اسأل نفسكَ ؛ هل أدَّيْتَ الذي عليك ؟ هل بيتُك إسلامي ؟ هل يرضى الله عن حِرْفتك ؟ هل طريقة التعامل في حِرفتك ترضي الله عز وجل ؟ هل أنت راضٍ عن بناتك في الطريق ؟ في زيِّهم وحجابهم ؟ هل أنت راضٍ عن سُلوك أولادك ؟ هل أنت راضٍ عن صلاتك ؟ قبل أن تطالب بما لك أدِّ الذي عليك.
الدعاء
اللهمّ اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيْت، وتولَّنا فيمن تولّيْت، وبارك اللّهم لنا فيما أعْطيت، وقنا واصْرف عنَّا شرّ ما قضَيْت فإنَّك تقضي ولا يُقضى عليك، إنَّه لا يذلّ من واليْت، ولا يعزّ من عادَيْت، تباركْت ربّنا وتعاليْت، ولك الحمد على ما قضيْت نستغفرك اللهمّ ونتوب إليك، اللهمّ هب لنا عملاً صالحًا يقرّبنا إليك، اللهمّ أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنّا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارضَ عنَّا، وأصْلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصْلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصْلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا، واجْعل الحياة زادًا لنا من كلّ خير، واجعل الموت راحةً لنا من كلّ شرّ، مولانا ربّ العالمين، اللهمّ اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمَّن سواك، اللهمّ لا تؤمنَّا مكرك، ولا تهتِك عنَّا سترَك، ولا تنسنا ذكرك، يا رب العالمين، اللهمّ إنَّا نعوذ بك من عُضال الداء ومن شماتة العداء، ومن السَّلْب بعد العطاء، يا أكرم الأكرمين، نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الذلّ إلا لك، ومن الفقر إلا إليك، اللهمّ بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحقّ والدِّين، وانصر الإسلام وأعزّ المسلمين، وخُذ بيَدِ وُلاتهم إلى ما تحبّ وترضى إنَّه على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.