- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي هدانا لهذا ، و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا ، و ما توفيقي ، ولا اعتصامي ، ولا توكُّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا بربوبيته ، وإرغاما لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله ، سيد الخلق والبشر ، ما اتَّصلت عينٌ بنظر ، أو سمعت أذنٌ بخبر ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذرِّيته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علِّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علَّمتنا ، وزدنا علماً ، و أرنا الحق حقاً وارزقنا اتِّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
حرص السلف الصالح على الوقت :
أيها الأخوة الكرام ؛ بدأت في الأسبوع الماضي بموضوع الوقت ، وقلت لكم : للموضوع تتمَّة ، وهأنذا أتابع هذا الموضوع .
فيا أيها الأخوة الكرام ؛ كان السلف الصالح حريصين حرصاً لا حدود له على أوقاتهم ، لأنهم كانوا أعرف الناس بقيمة الوقت ، و الإمام الحسن البصري رحمه الله تعالى كان يقول : " أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشدَّ منكم حرصاً على دراهمكم و دنانيركم " كيف أن الإنسان اليوم يحرص أشدَّ الحرص على ماله ، و على استثمار ماله ، و على أن يكون هذا الاستثمار في أعلى درجة ، وعلى أن يأخذ من هذا المال أعلى ريع في أقلِّ جهد ، في أقل وقت، كان السلف الصالح حريصين على أوقاتهم لأنهم أعرف بقيمة الوقت ، كما يحرص الناس التائهون على دنانيرهم و دراهمهم .
أيها الأخوة الكرام ؛ ما من كلمة أبلغ من قول سيدنا عمر بن عبد العزيز حينما قال : " الليل و النهار يعملان فيك أيها الإنسان فاعمل فيهما " ، انظر إلى صورتك قبل عشرين عاماً ، قبل ثلاثين عاماً ، قبل أربعين عاماً ، هناك فرق كبير بين صورة الإنسان حينما كان طفلاً ، ثم حينما كان يافعاً ، ثم حينما كان شاباً ، ثم حينما صار كهلاً ، ثم حينما دخل في الأربعين ، وفي الخمسين ، كيف أن هناك بونًا شاسعًا بين مظهر الإنسان حينما كان صغيراً ، ومظهره حينما كان كبيراً ، " الليل و النهار يعملان فيك أيها الإنسان ، فاعمل فيهما " وإلا فأنت خاسر .
من أنفق ماله في معرفة الله و معرفة منهجه فقد ربح :
أيها الأخوة الكرام ؛ من كان يومُه كأمسه فهو مغبون ، من هو المغبون ؟ من تساوى يوماه ، من كان يومه كأمسه فهو مغبون ، ومن كان يومه شرًّا من أمسه فهو ملعون ، ومن لم يكن في زيادة فهو في نقصان ، لأن الوقت يسير ، لأن الوقت يمضي ، فيكفي أن يكون يومُك كأمسك فأنت مغبون ، و أما كلمة مغبون فهذه نستعملها في التجارة ، في البيع و الشراء ، لأن بعض العلماء يرى أن الإنسان في حقيقته تاجر ، أن العبد المكلَّف تاجر ، له رأس مال ، فإما أن يأكل من رأس ماله فهو خاسر ، و إما أن يستثمر هذا المال فيأكل من ريعه فهو رابح ، رأس مالك وقتك و فراغُك ، هذا رأس مالك إذا استهلكته فيما لا يرضي الله ، أو في عمل مباح لا طائل منه فأنت و رَبِّ الكعبة خاسر ، أما إذا أنفقت هذا المال في معرفة الله ، وفي معرفة منهجه ، وفي حمل نفسك على طاعته ، وفي التقرُّب إليه فقد ربحت ربحاً كبيراً ، وهذا تؤكِّده الآية الكريمة ، قال تعالى :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾
أنت تاجر ، راس مالك هذا العمر ، فإما أن تنفقه بما يعود عليك خيرُه بعد انقضاء العمر فأنت رابح ، و إما أن تنفقه إنفاقاً لا طائل منه في المباحات ، لم نقُل في المعاصي ، لو لم تعص الله فأنت خاسر ، في المباحات ، إذا أنفقته في الطعام و الشراب و كسب المال و ما إلى هنالك فهذه خسارة . الإمام الصحابيُّ الجليل ابن مسعود يقول : " ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسُه فنقص من أجلي ، و لم يزدد فيه عملي " .
مضى هذا اليوم غربت شمسُه ، إذًا هذا اليوم نقص من أجلي و لم يزدد فيه عملي ، و هناك أدعية يرفعها بعضُ العلماء إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، و بعضهم يوقفها على الصحابة و التابعين ، هذا الدعاء : " لا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله علماً ، و لا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله قُرباً " .
أيها الأخوة الكرام ؛ قال بعض الحكماء : " من أمضى يوماً من عمره في غير حقٍّ قضاه ، أو فرض أدَّاه ، أو مجد أثَّله ، أو حمد حصَّله ، أو خير أسَّسه ، أو علم اقتبسه فقد عقَّ يومَه ، وظلم نفسه" ، يجب أن نؤمن ، و أن نعتقد أنَّ أثمن شيء نملكه هو الوقت لأنه يمضي سريعاً ، فإذا مضى الوقت سريعاً و كنا أمام ساعة الاحتضار هذه ساعة لا ينفع فيها مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، تروي بعضُ الآثار أن الإنسان في أول يوم يُوضع في قبره يناديه الله عز وجل يقول له : "عبدي رجعوا و تركوك ، و في التراب دفنوك ، و لو بقوا معك ما نفعوك ، و لم يبق لك إلا أنا ، و أنا الحيُّ الذي لا يموت" .
قتل الوقت :
أيها الأخوة الكرام ؛ كثيرا ما نسمع من العوام عن قتل الوقت ، و عن تمضية الوقت ، و عن استهلاك الوقت
و اللهِ الذي لا إله إلا هو من قتل وقته فقد قتل نفسه ، إنه الانتحار البطيء ، فهناك أناس ينفقون أوقاتهم بلا جدوى ، و ينتقلون من حدِّ التبذير إلى حدِّ التبديد ، يبذِّرون أوقاتهم تبذيراً ، بل يبدِّدون أوقاتهم تبديداً ، يُمضي سهرةً في لعب الورق حتى الساعة الثالثة صباحاً ، و يمضي وقتاً طويلاً في الشطرنج ، ويتابع بعض البرامج الفنية التي لا جدوى منها إلى منتصف الليل ، أليس هذا استهلاكاً للوقت ؟ أليس هذا تبذيراً للوقت ؟ أليس هذا تبديداً للوقت ؟ هو رأس مالك ، بإمكانك أن تقرأ القرآن ، بإمكانك أن تجلس مع أهلك ، بإمكانك أن تعظهم ، بإمكانك أن تقرأ كتاباً في السيرة ، بإمكانك أن تعلِّمهم حكماً فقهياً ، بإمكانك أن تعلِّمهم آية قرآنية ، بإمكانك أن تجلس معهم تؤنسهم ويؤنسوك ، لا بد من عمل صالح ، هذا الوقت الثمين لا يبدِّده إلا جاهل .
يا أيها الأخوة الكرام ، ذكرت هذا في الخطبة السابقة ، وهنا مكانها المناسب ، هذه الفكرة ، إن السفه في تبديد الأوقات أشدُّ من السفه في تبديد الأموال ، إذا رأيت إنساناً يلقي بالعملة في الحاوية ألا تحكم أنه مجنون وأنه يجب أن يُحجر عليه ؟ وأن هذا هو السفه بعينه ؟ واللهِ الذي لا إله إلا السفيه هو الذي يبدِّد وقته الثمين ، في هذا الوقت كان من الممكن أن تعرف الله ، في هذا الوقت كان من الممكن أن تصل الرحم ، أن ترعى أرملة ، أن ترعى طفلاً ، أن ترعى مسكيناً ، أن تقرأ كتاباً ، أن تزداد علماً ، أن تلتقي بأخيك ، أن تتعلَّم منه ، وأن تعلِّمه ، أن تأمر بالمعروف ، وأن تنهى عن المنكر ، وتطعم حيواناً مُتعباً ، هذا كلُّه في إمكانك .
أيها الأخوة الكرام ؛ هذا الذي يقتل الوقت يغفل عن معرفة ربه ، و عن معرفة منهج ربه ، وعن ذكر ربه ، وعن معرفة أمر ربه و نهيه .
نعمتان من نعم الله مغبون فيهما كثير من الناس الصحة و الفراغ :
يا أيها الأخوة الكرام ، نعمتان من نعم الله عليكم مغبون فيهما كثير من الناس ، ما هما ؟ الصحة و الفراغ ، النبي عليه الصلاة و السلام حينما كان يستيقظ من فراشه يدعو بهذا الدعاء ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
((إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ عَنْ فِرَاشِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ إِزَارِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ بَعْدُ ، فَإِذَا اضْطَجَعَ فَلْيَقُلْ : بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ فَإِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا ، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَلْيَقُلْ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي ، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي ، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ ))
استيقظ ، هناك من ينام و لا يستيقظ :
((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ))
.
أيها الأخوة الكرام ؛ هذا الحديث رواه الإمام البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ))
وهذا تؤكِّده الآية الكريمة ، قال تعالى :
﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾
نعمة الصحة كيف استهلكت هذه النعمة ؟ نعمة الفراغ كيف أمضيت هذا الفراغ ؟ نعمة الأمن كيف شكرت اللهَ على هذه النعمة ؟ قال تعالى :
﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
نعمة المال ، نعمة الصحة ، نعمة الفراغ ، نعمة الأمن ، كل هذه النعم سوف تُسأل عنها ، لأن هذه النعم كان من الممكن أن تكون درجاتٍ ترقى بها إلى أعلى علِّيين ، فإذا بها عند بعض الناس دركات يهوي بها الإنسان إلى أسفل سافلين .
اشتداد خطر الفراغ مع الشباب و المال :
يا أيها الأخوة الكرام ؛ معنى الفراغ أي أن تخلُوَ حياتك من مشاغل دنيوية و من معوَّقات كبيرة تحول بينك و بين الاشتغال بالآخرة .
أيها الأخوة الكرام ؛ لا تنسوا حديث رسول الله الصحيح :
(( اِغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغِكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ))
اغتنم الوقت الفارغ فتعرَّف فيه على الله عز وجل .
أيها الأخوة الكرام ؛ الفراغ - دقِّقوا في هذه الكلمة - لا يبقى فراغاً ، نفسُك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر ، طبيعة الإنسان حركي ، ديناميكي ، إن لم يشغل وقته بالخير شغله بالشر ، إن لم يشغل وقته بالأعمال الصالحة شغله بالأعمال الطالحة ، إن لم يشغل وقته بخدمة الخلق يشغله بإيذاء الخلق ، نفسك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر ، صاحب الحكم العطائية ، ابن عطاء الله السكندري يقول : " الخذلان كل الخذلان أن تتفرَّغ من الشواغل ثم لا تتوجَّه إليه ، و تقلُّ عوائقُك ، ثم لا ترحل إليه " ، هذا هو الخذلان ، هذا هو الشقاء ، أن تنعم بصحة طيِّبة ، و أن يكون عندك وقتٌ كاف ، ثم لا تصرف هذا الوقت في معرفة الله ، لا تحضر مجالس العلم ، لا تطلب العلم الذي أمرك الله أن تطلبه .
أيها الأخوة الكرام ؛ قال بعض الحكماء : الفراغ للرجال غفلة ، و للنساء غلمة ، أي أن المرأة إذا فرغت من العمل فكِّرت فيما لا يرضي الله عز وجل ، و يشتدُّ خطرُ الفراغ مع الشباب و مع المال ، لذلك قال الشاعر :
إن الشباب و الفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
***
والجدة هي الغنى .
الوقت يتحرَّك بسرعة على الإنسان أن يملأه بالعمل الصالح :
أيها الأخوة الكرام ؛ فماذا ينبغي أن نفعل ؟ دقِّقوا في هذه الآية الكريمة و هي قوله تعالى :
﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾
استبقوا ، أي أنت في الدنيا تعيش عمراً محدوداً ، هو بضعة سنوات ، كلما انقضت سنة ، وكلما انقضى شهرٌ ، وكلما انقضى أسبوع ، وكلما انقضى يوم ، وكلما انقضت ساعة ، وكلما انقضت دقيقة ، وكلما انقضت ثانية انقضت من عمرك ، وقرَّبتك إلى أجلك ، لذلك قال الله تعالى :
﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾
أي استبقوا هناك سباق ، الوقت يتحرَّك بسرعة بالغة ، فإما أن تملأه بالعمل الصالح ، وإما ان تكون مسبوقاً ، قال تعالى :
﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾
أنت مخيَّر ، هذه الوجهة الذي أنت فيها هي من اختيارك ، هي من إرادتك :
﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا﴾
في أي مكانة كنت ، و في أيِّ مكان أنت ، قال تعالى :
﴿يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً﴾
كل مخلوق يموت ، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت ، والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر ، والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبر .
كل ابن أنثى و إن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
فإذا حملت إلى القبــــــــور جنــازة فاعــــــلم بأنك بعدها محمــول
***
في نهاية كل خطبة ألقي على مسامعكم هذا القول : واعلموا أن ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتَّخذ حذرنا ، سِر في الطريق ترَ عشرات النعوات، لابد من يوم يقرأ الناسُ فيه نعيك ، تدخل إلى المسجد لتصلي لا بد من وقت تدخل فيه ليُصلَّى عليك ، هذه حقيقة لا ريب فيها ، من هو البطل ؟ الذي يُعدُّ لهذه الساعة عدَّتها ، الذي يعد جوابا لربه لكل عمل عمله ، و عن كل موقف وقفه ، و عن كل تصرُّف تصرَّفه .
من جعل الدنيا محطَّ رحاله ونهاية آماله فقد أعرض عن الدين :
أيها الأخوة الكرام ؛ قال تعالى :
﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً﴾
في هذه الآية إشارة إلى قيمة الوقت ، و إلى قِصر الوقت ، و إلى عِظم المهمة ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا ، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا ، أَوْ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ ، أَوْ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ))
لو أن الإنسان أراد الدنيا ، و جعل الدنيا محطَّ رحاله ، ونهاية آماله ، و أعرض عن الدين ، ماذا ينتظر من الدنيا ؟ قال عليه الصلاة و السلام : " بادروا بالأعمال الصالحة هل تنتظرون إلا فقراً منسياً - ينسيك كل شيء - أو غنى مطغياً - يحملك على الطغيان - أو مرضاً مفسداً - يفسد عليك حياتك - أو هرماً مفنداً - خرف في الشيخوخة - أو موتاً مجهزاً ، أو الدجال فشر غائب ينتظر ، أو الساعة و الساعة أدهى و أمر" ماذا تنتظرون من الدنيا ؟ لو أن الإنسان أراد الدنيا فقط ولم يرد الآخرة ، ماذا ينتظر من الدنيا ؟ فقراً منسياً ، غنى مطغياً ، مرضاً مفسداً ، هرماً مفنِّداً ، موتاً مجهزاً ، الدجال فشر غائب ينتظر ، الساعة و الساعة أدهى و أمر .
ضرورة تنظيم الوقت :
أيها الأخوة الكرام ؛ إذًا لا بد من تنظيم الوقت ، دقَّقوا فيما أقول ، من هم أشدُّ الناس حاجة إلى تنظيم الوقت ؟ المُثقلون بالأعمال ، الذين يحملون على كواهلهم أكثر من وقتهم، هؤلاء إن لم ينظِّموا أوقاتهم استهلكهم عملُهم ، و هذا من أشقى الناس ، من استُهلِك بطريقة رخيصة ، لذلك حتى لا يطغى بعضها على بعض ، حتى لا يطغى واجب على واجب ، حتى لا يطغى عمل على عمل ، حتى لا يطغى غيرُ المهمِّ على المهم ، حتى لا يطغى المهمُّ على الأهمِّ ، حتى لا يطغى غيرُ الموقوت على الموقوت ، قد تستغرق في عملك ، و يدخل وقتُ الصلاة قال تعالى :
﴿الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً ﴾
فحتى لا يطغى عملك الذي هو مباح على فرض موقوت الذي هو الصلاة لا بد من تنظيم الوقت ، لا بد من وضع الكوابح ، لا بد من أن تخصِّص لكل جانب في حياتك وقتاً خاصًّا .
أيها الأخوة الكرام ؛ ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه جاء في صحف إبراهيم : " على العاقل ما لم يكن مغلوباً على أمره أن يكون له أربع ساعات ؛ ساعة يناجي فيها ربَّه ، و ساعة يحاسب فيها نفسَه ، و ساعة يتفكَّر في صنع الله عز وجل ، و ساعة يخلو لحاجته من المطعم و المشرب ".
يا أيها الأخوة الكرام ؛ من هم أندم الناس ؟ من كانت تصرُّفاتهم ردودَ أفعال ، كلما جاء فعل ردَّ عليه بفعل آخر ، إذًا هو تتقاذفه الأفعالُ ، ليس هناك تخطيط لحياته ، ليس هناك تنظيم ، ليس هناك توازن ، من كانت حياته مجموعةَ ردود أفعال على الأفعال التي يواجهها ، فهذا إنسان يعيش على هامش الحياة .
لكلّ وقت عمله :
يا أيها الأخوة الكرام ، نصيحة أزجيها لكم ، لا تسمح لعملك مهما كنت ناجحاً فيه، مهما كنت متفوِّقاً فيه ، مهما كان دخلُه كبيراً ، لا تسمح لعملك أن يستغرق كل وقتك ، و إلا فأنت أكبر خاسر ، لأن الله سبحانه و تعالى خلقك لمهمة كبيرة ، فإذا نسيتها فقد ضيَّعت كلَّ شيء ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :
((آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ لَهَا : مَا شَأْنُكِ ؟ قَالَتْ : أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ : كُلْ ، قَالَ : فَإِنِّي صَائِمٌ ، قَالَ : مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ ، قَالَ : فَأَكَلَ ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ قَالَ نَمْ فَنَامَ ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ : نَمْ ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ : قُمْ الْآنَ فَصَلَّيَا ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ : إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صَدَقَ سَلْمَانُ ))
موضوع متعلِّق بالوقت ، لكل وقت عمله ، سيدنا الصديق رضي الله عنه و أرضاه أوصى سيدنا عمر حينما ولاه الخلافة قال :
((يا عمر إن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، و إن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار))
جاء من أذربيجان رسول عامل عمر على أذربيجان رآه يصلي في الليل ، قال : يا أمير المؤمنين ألا تنام الليل ؟ قال :
((إن نمت الليل أضعت نفسي ، و إن نمت النهار أضعت رعيَّتي))
وإن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل ، و إن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار ، و قد كان أصحاب النبي رضوان الله تعالى عليهم رهباناً في الليل فرساناً في النهار .
أيها الأخوة ؛ ليست البطولة أن تعمل أيَّ عمل في أيِّ وقت ، هذا ضياع في الإنسان ، هذه فوضى ، ليست البطولة أن تعمل أيَّ عمل في أيِّ وقت ، لكن البطولة أن تعمل العمل المناسب في الوقت المناسب ، وقت الفجر للصلاة ، وتلاوة القرآن ، لا لإجراء بعض الحسابات ، كلُّ وقت له عمل مناسب له ، ليست البطولة أن تعمل أيَّ عمل في أيِّ وقت ، و لكن البطولة أن تعمل العمل المناسب في الوقت المناسب ، بل إن بعض العلماء يرى أن أعمال القلب كأعمال البدن ، لكل موقف عمل للقلب المناسب ، أخذًا من أربع آيات ، فإذا كنت في الطاعة فمشاعر قلبك ينبغي أن تكون على النحو التالي ؛ قال تعالى :
﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
إذا كنت في الطاعة فاشكر المولى على أنه مكَنك من طاعته ، الحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات ، و إن كنت في النعمة فليكن حالُ قلبك كقوله تعالى :
﴿كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾
و إن كنت - لا سمح الله - في حالة معصية ، فاتلُ قوله تعالى :
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
وإن كنت - لا سمح الله - في بلية فاذكر قوله تعالى :
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾
و قد ورد في صحيح مسلم عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ .))
تخصيص الله عز وجل بعض الأوقات بمزايا عظيمة :
أيها الأخوة الكرام ؛ بقي في الخطبة موضوع صغير ، و هو أن الله سبحانه و تعالى لحكمة أرادها خصَّص بعض الأوقات بمزايا ، وهذه من فعله جلّ جلاله ، فقد ورد في الحديث :
((إن لربكم في أيام دهركم نفحات ، فتعرضوا لها))
هذه النفحات ربنا سبحانه و تعالى يجعلها في بعض الأوقات مخصوصة ، مثلاً ربُّنا سبحانه و تعالى فضَّل من الليل ثلثه الأخير وقت السحر ، قال تعالى :
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾
وقت السحر وقتٌ فضَّله الله عز وجل ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
((لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا))
ابن آدم لا تعجز عن ركعتين قبل الشمس أكفِك النهار كله ، وعَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ : سَمِعْتُ جُنْدَبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلَا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ))
أنت في عين الله ، و في رعايته ، و في حفظه ، و في تأييده ، إذًا من وقت الليل وقت السحر ، هذا وقت النفحات الإلهية ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
((يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ))
إذا فضَّل الله من وقت الليل وقت السحر ، و فضَّل من النهار الوقت المبكَّر ، عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا قَالَ : وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا وَكَانَ إِذَا بَعَثَ تِجَارَةً بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ))
وقد ورد في الحديث الشريف عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
((أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ))
و فضَّل الله من أيام الأسبوع يوم الجمعة ، فهم عيد المسلمين الأسبوعي ، ففيه فريضة صلاة الجمعة ، و فيه لقاء الجمعة بين إخوانك و أحبابك ، و في يوم الجمعة ساعة إجابة كما قال عليه الصلاة و السلام عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ :
((خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُهْبِطَ وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ وَفِيهِ مَاتَ وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُسِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينَ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنْ السَّاعَةِ إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ حَاجَةً إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهَا))
لذلك أنا أعرف أسراً يوم الجمعة يوم عيد ، هناك أسرٌ أخرى الغسيل ، تنظيف البيت ، المتاعب ، حلُّ المشكلات يوم الجمعة ، هذه يوم عيد يجب أن تقوم بأعمالك قبل هذا اليوم ، و أن يكون هذا اليوم عيداً لك ولأهلك ولأولادك ولصلاة الجمعة .
أيها الأخوة الكرام ؛ يتوهَّم الناس اليوم أنه إذا أدرك ركعة واحدة مع الإمام يوم الجمعة أدرك الصلاة ، استمعوا إلى ما يقول النبي عليه الصلاة و السلام :
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : تَقْعُدُ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ يَكْتُبُونَ النَّاسَ عَلَى مَنَازِلِهِمْ ، فَالنَّاسُ فِيهِ كَرَجُلٍ قَدَّمَ بَدَنَةً ، وَكَرَجُلٍ قَدَّمَ بَقَرَةً ، وَكَرَجُلٍ قَدَّمَ شَاةً ، وَكَرَجُلٍ قَدَّمَ دَجَاجَةً ، وَكَرَجُلٍ قَدَّمَ عُصْفُورًا ، وَكَرَجُلٍ قَدَّمَ بَيْضَةً))
إن من غدا إلى الجمعة في الساعة الأولى - أي في الفوج الأول - كان كمن قدم بدنة - أي جملاً ثمنه مئة ألف - ومن ذهب في الساعة الثانية كان كمن قدم بقرة ، ومن جاء المسجد في الساعة الثالثة كان كمن قدم شاة ، ومن جاء في الساعة الرابعة كان كمن قدم دجاجة ، وفي الساعة الخامسة - في آخر وجبة - كان كمن قدم بيضة ، ثم تطوي الملائكة صحفها حين يصعد الخطيب المنبر ، فهذا الذي يأتي بعد انتهاء الخطبة ، ويصلى مع الإمام ركعة واحدة ، ويتوهَم أنه أدَّى صلاة الجمعة ، ماذا استفاد منها ؟ أهم ما في صلاة الجمعة الخطبة ، إنها عبادة تعليمية .
أيها الأخوة الكرام ؛ و قد فضَّل الله من أيام العام كله أيام العشر من ذي الحجة، و أفضل هذه الأيام يوم عرفة ، أفضل الأيام على الإطلاق ، فيه نفحات إلهية ، وفضَّل الله تعالى من الشهور شهر رمضان فهو موسم المؤمنين ، ومتجر الصالحين ، وفيه فلاح الفالحين، و قد صعد النبي المنبر فقال :
((رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ))
أيها الأخوة الكرام ؛ هناك موضوع آخر أرجو الله أن يوفِّقني لمعالجته عن الوقت أيضاً .
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، و زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطِّانا إلى غيرنا ، وسيتخطَّى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيِّس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت ، و العاجز من أتبع نفسه هواها ، و تمنى على الله الأماني ، و الحمد لله رب العالمين .
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
فوائد ألياف التمر :
أيها الأخوة الكرام ؛ الأطباء في حيرة شديدة من ارتفاع نسب الأمراض الخبيثة ، والوبيلة ، والمستعصية في هذه السنوات الأخيرة ، و أغلب الظن أن هذا يُعزَى إلى تغيير خلق الله ، فحينما نعود إلى الحياة الطبيعية التي أمرنا الله بنا ، والتي رسمها لنا ، والتي صمَّمها من أجل أن نعيش حياة ملؤها الصحة والسعادة ، ينبغي أن نعود إلى الأصول ، فقد حدَّثتكم في الأسبوع الماضي عن قيمة التمر الغذائية ، و بيَّنت لكم أن حبة التمر إنما هي صيدلية كاملة ، في هذه الحبَّة ستٌّ وأربعون مادة من بين معدن ، وفيتامين ، والإنسان في أشدّ الحاجة إليها ، ووعدتكم في الأسبوع الماضي عن هذا الأسبوع أن أتحدَّث عن فوائد التمر الغذائية ، كنت قد تحدَّثت عن مكوِّناته ، وعن نسب المعادن التي فيه .
يا أيها الأخوة ؛ إن هناك أمراضاً وبيلة ، وخطيرة تعاني منها المجتمعات الغربية التي أساس غذائها الغذاء المصفَّى ، فإذا خلا غذاءُ الإنسان من الألياف يجب أن يأكل الإنسان في اليوم ثلاثين غراماً فما فوق من الألياف ، ففي مئة غرام من التمر ثمانية غرامات و نصف من الألياف ، هذه الألياف تقاوم الإمساك ، و الإمساك عرَض لخمسين مرضاً ، هذه الألياف تقاوم الإمساك ، و هذه الألياف تقاوم الدهون التي قد تسدُّ الشريان التاجي الذي هو المرض الأول في هذا العصر ، فالتمر له هذه الفائدة ، بأليافه يقضي على الإمساك الذي هو عرضٌ لخمسين مرضاً ، و بأليافه يقضي على ترسُّب الدهون في الشريان التاجي الذي هو مرض العصر الأول .
أيها الأخوة ، التمر فقير جداً بالصوديوم ، أي مئة غرام فيه خمسة مليغرامات من الصوديوم ، غني بالبوتاسيوم و المغنيزيوم ، و في التمر في المئة غرام نصف حاجة الجسم إلى البوتاسيوم ، و خُمس حاجة الجسم إلى المغنيزيوم ، إذًا هو فقير بالعنصر الذي يسبِّب ارتفاع ضغط الدم ، ومع ارتفاع ضغط الدم يسبِّب الخثرة في الدماغ ، والجلطة في الدم ، ومع انخفاض ضغط الدم يتمتَّع الإنسان بصحة مريحة غالية .
أيها الأخوة الكرام ؛ في المئة غرام من التمر ستة ميليغرامات من الحديد ، و الإنسان في أمسِّ الحاجة إلى هذا العنصر ، وله أثر كبير في خضاب الدم ، وفي بعض النشاطات الحيوية في الجسم ، و في مئة غرام من التمر ثلث حاجة الإنسان إلى فيتاميـــن " ب3 " وهذا الفيتامين أساسي جداً في بعض المعادلات الحيوية في الجسم ، والشيء الذي يلفت النظر أن التمر لا تعيش فيه الجراثيم ، و قد ورد في الحديث الشريف عن وصف التمر أنه يذهب الداء و لا داء فيه ، لا يقبل التلوُّث .
فيا أيها الأخوة الكرام ؛ أتمنى على الله سبحانه و تعالى أن نعود إلى الأغذية الطبيعية التي صُمِّمت لنا كي نتمتَّع بصحَّتنا فهي مالنا في الحياة ، أما هذه الأغذية التي فيها أصبغة تتراكم ، وبعضُها مسرطِن فكلُّ شيء فيه تغيير لخلق الله فيه مخاطرة ومقامرة ، فالإنسان عليه أن يسعى ، و عليه أن يعود إلى أصل الفطرة ، و أن يبتعد عن الأغذية التي فيها مواد حافظة ، و ربما كانت هذه المواد إذا كثُرت مسرطنة ، هذه المواد التي مُنعت في بلد المنشأ ، فلا ينبغي أن نستخدمها في بلد أبناؤه هم قوته .
أيها الأخوة الكرام ، إني داعٍ فأمِّنوا :
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .