- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
توقف ثمار الدين على إحكام الصلة بالله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام ؛ موضوع الخطبة اليوم الإنفاق ، ولكن لابد من موضوع تمهيدي ؛ لأن علاقة هذا الموضوع التمهيدي مع الإنفاق علاقة متكاملة ، فأحدهما شرط لازم غير كافٍ ، لا يغني أحد الشرطين عن صاحبه ؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾
﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ ﴾
الآن سيأتي ملخص القرآن الكريم كله،
﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾
ماذا يوحى إلي ؟ . .
﴿أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾
هذه العقيدة ،
﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾
من كان يرجو الاتصال بالله عز وجل .
أيها الأخوة الكرام ؛ كل ثمار الدين متوقفة على الصلة بالله ، فالصلاة من أجل الصلة ، والصيام من أجل الصلة ، والحج من أجل الصلة ، والزكاة من أجل الصلة ، وكل العبادات الشعائرية والتعاملية من أجل الاتصال بالله عز وجل . فكل ثمار الدين متوقفة على إحكام الصلة بالله عز وجل ، وهذه الصلة متوقفة على شيئين ، على أن تستقيم على أمر الله أولاً ، وأن تعمل صالحاً ثانياً . الاستقامة والعمل الصالح كلاهما شرط لازم غير كافٍ . إنهما متكاملان ، والدليل الآية الكريمة :
﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾
أي لا يطيع أحداً غير الله عز وجل فيما نهى الله عنه .
ربط الإيمان بالعمل الصالح :
أيها الأخوة الكرام ؛ العلم في الإسلام بادئ ذي بدء ليس هدفاً بذاته ، العلم في الإسلام على جليل قدره ، وعلى خطورة شأنه ، وعلى دوره الأساسي ليس هدفاً بذاته ، الهدف أن ينقلك العلم إلى طاعة الله ، الهدف أن ينقلك العلم إلى الاتصال بالله ، الهدف أن ينقلك العلم إلى أن تسعد في الدنيا والآخرة ، فالعلم ما عُمل به ، فإن لم يُعمل به كان الجهل أولى .
أيها الأخوة الكرام ؛ الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم قرن الإيمان والعمل الصالح في أكثر من مئتي آية ، مشيراً إلى أن الإيمان من دون عمل كالشجر بلا ثمر ، والعمل بلا إيمان هدفه أرضي ، وينتهي عند الموت ، إيمان بلا عمل كالشجر بلا ثمر ، وعمل بلا إيمان سلوك ذكي ينتهي مع نهاية الحياة .
أيها الأخوة الكرام ؛ يمكن أن نصف الاستقامة على أمر الله بأنها تمهيد الطريق إلى الله ، فأية معصية في طريق الإنسان إلى الله هذه المعصية تشكل عقبة كؤوداً تحول بينه وبين الاتصال بالله عز وجل .
شيء آخر : العمل الصالح يشبه التحرك على هذا الطريق ، فالاستقامة شق الطريق ، والعمل الصالح تحرك على هذا الطريق ، لذلك ربنا سبحانه وتعالى يقول :
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾
بالمناسبة . . الإيمان والعمل الصالح إذا انفردا اجتمعا وإذا اجتمعا تفرقا . كيف؟ أي إذا اقتصر القرآن الكريم على كلمة : إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا . تعني تطبيق لمنهج الله ، وعمل صالح يقرب إلى الله . أما إذا اجتمعا فالاستقامة طاعة ، والعمل الصالح إنفاق .
ثمار الاستقامة والعمل الصالح :
أيها الأخوة الكرام ؛ الثمرة الأولى من ثمار الاستقامة والعمل الصالح ، الأولى السعادة النفسية ، فهذا الذي استقام على أمر الله لا يخشى مما هو آت ، ولا يندم على ما فات ، يؤكد هذا قوله تعالى :
﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
ويكمل هذه الآية آية أخرى :
﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه ، ولا يندم على ما فات ، ولا يخشى مما هو آت، فماذا بقي من شروط السعادة في الدنيا ؟
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾
الثمرة الأولى السعادة النفسية ؛
﴿لا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾
لا يندمون على ما فات ، ولا يخشون مما هو آت .
والثمرة الثانية وهي الأخطر ؛ أنك إذا استقمت الله جلّ جلاله في عليائه خالق السموات والأرض وليك في الدنيا والآخرة ، يتولى أمرك في الدنيا والآخرة ، وهل هناك أعظم من الله ؟ وهل هناك أقوى من الله ؟ وهل هناك أغنى من الله ؟ وهل هناك أحكم من الله ؟ وهل هناك أرحم من الله ؟
﴿ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾
الثمرة النفسية الشعور بالأمن ؛ لأن الله وليك ، الشعور بالفوز ؛ لا تندم على ما فات ، ولا تخشى مما هو آت . ولكن ما هي الثمرة المادية للاستقامة ؟ . الله جلّ جلاله يقول :
﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ﴾
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾
معنى ذلك أن ثمار الاستقامة المادية رزق وفير إلا أن تكون لله عز وجل حكمة في هذا الإنسان ، فهذا موضوع آخر .
الاستقامة هي الهدف و عليها يترتب سعادة الدنيا والآخرة :
أيها الأخوة الكرام ؛ هناك إشارة لطيفة جداً في كتاب الله إلى أن الاستقامة هي الهدف . العلم وسيلة والاستقامة هي الهدف ، ومما يترتب على الاستقامة سعادة الدنيا والآخرة . العلم وسيلة ، والاستقامة هدف ، والسعادة نتيجة في الدنيا والآخرة . قال تعالى :
﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ﴾
الدين كله في هذه الآية ضُغط في كلمة واحدة ؛
﴿إنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾
هذا القرآن الكريم كلام رب العالمين ، وحي السماء إلى الأرض ، تعليمات الصانع الحكيم . هذا القرآن الكريم
﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ﴾
لم يقل أن يتعلمه ، أن يفهمه ، أن يتبحر في معانيه . قال :
﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ﴾
الاستقامة هي الهدف ، وهي الغاية ، وعليها المعول .
أيها الأخوة الكرام ؛ في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم :
((عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ ؟ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ غَيْرَكَ ؟ قَالَ : قُلْ : آمَنْتُ بِاللَّهِ فَاسْتَقِمْ))
يريد في الإسلام كله كلمة واحدة جامعة مانعة ، كافية وافية . أي من هم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ؟ الذين آمنوا وكانوا يتقون . آمنوا بالله واستقاموا على أمره ، ومعنى وكانوا يتقون : أي يتقون أن يعصوه ، يتقون أن يغضبوه ، يتقون أن يسخط عليهم، يتقون أن يخسروا .
أيها الأخوة الكرام ؛ من هو العاقل كل العاقل ؟ العاقل الحقيقي كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الحسن :
(( الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ))
دان نفسه : أي أخضعها له . الناس رجلان ، رجل خاضع لنفسه ، ورجل نفسه خاضعة له . وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ . . دانها بالطاعة ، وعمل لما بعد الموت بالأعمال الصالحة، بالإنفاق .
((الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ))
الاستقامة من أجل الله و ابتغاء مرضاته :
أيها الأخوة الكرام ؛ بقي في موضوع الاستقامة فقرة أخيرة ، هي أن الإنسان قد يستقيم ولكن لا يستقيم لله عز وجل ، يستقيم خوفاً من عبيد أو زيد ، يستقيم خوفاً من فلان أو علان ، يستقيم خوفاً من المادة الرابعة في القانون الفلاني ؛ لأنها مادة قاسية جداً . ليست هذه هي الاستقامة التي أرادها الله . أراد الله أن تستقيم من أجله ، أن تستقيم خوفاً منه ، أن تستقيم مبتغياً مرضاته ، أن تستقيم كي تصل إليه ، أن تستقيم كي تقبل عليه . وهناك إشارة لطيفة جداً في القرآن الكريم قال تعالى :
﴿أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ ﴾
اجعلوا استقامتكم توصلكم إليه ، فاستقيموا إليه : أي لا تستقيموا إلى غيره ، لا تجعلوا من استقامتكم خوفاً من زيد أو عبيد ، اجعلوا استقامتكم خوفاً من الله الواحد القهار ، الواحد الديان ، وهذا هو الإخلاص .
الدّين منهج متكامل :
أيها الأخوة الكرام ؛ يحضرني مثل يعبر عن هذا الموضوع أشدّ التعبير . كما قلنا إن الاستقامة والعمل الصالح متكاملان ، وأحدهما لا يغني عن صاحبه شيئاً ، فكل منها شرط لازم غير كافٍ ، وفي القرآن الكريم :
﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾
وما الذي يرفعك عند الله ؟ عملك الصالح ، وما هو حجمك عند الله ؟ هو حجم عملك الصالح .
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾
ولكن هذا العمل الصالح ما لم يكن مع استقامة على أمر الله ، وتطبيق لمنهجه ، وعبادة له وحده دون عبادة سواه ، فهذا العمل الصالح لا تستطيع أن تنتفع منه في الآخرة ، ولا في الدنيا . تماماً كما لو أن إنساناً اشترى قطعاً من سيارة ، قطعاً متفرقة ، هذه القطع دفع ثمنها، وبإمكانه أن يبيعها ، لكن هذه القطع المتناثرة ، المتفرقة ليست سيارة تنقله من مكان إلى مكان . هذه عجلة ، وهذا مقعد ، وهذا محرك ، لكن أين السيارة المتكاملة التي إذا ركبتها نقلتك من مكان إلى مكان ؟
فهذا الدين أيها الأخوة منهج متكامل ، لو أنك قصرت في أحد جوانبه لا تستطيع قطف ثماره كاملة . فالعمل الصالح من دون استقامة ربما أثابك الله عليه في الدنيا . أي هذه القطعة التي اشتريتها ، والتي هي جزء من سيارة بإمكانك أن تبيعها ، وقد تربح بها ، لكن هذه القطعة ومثيلاتها لا تشكل سيارة تنقلك من مكان إلى مكان . لابد من أن تستقيم على أمر الله ، لابد من أن تطبق منهجه الكامل في كل شؤون حياتك ، لابد من أن تعبده بالعبادات التعاملية ، والعبادات الشعائرية ، والعبادات الأخلاقية ، حتى تنقلك هذه العبادة بمجموعها إلى الله عز وجل.
الإنفاق تعبير عن العمل الصالح :
أيها الأخوة الكرام ؛ الاستقامة تمهيد الطريق إلى الله ، وأما العمل الصالح ، وقد عبر القرآن عن العمل الصالح بالإنفاق أيضاً ، الذي ينفق من وقته ، والذي ينفق من عضلاته ، والذي ينفق من جهده ، والذي ينفق من ماله ، والذي ينفق من علمه ، والذي ينفق من خبرته ، فهذا كله إنفاق ، والمطلق في القرآن على إطلاقه .
الله سبحانه وتعالى يقول في سورة البقرة ، وفي أولى آياتها ، يصف المؤمنين بأنهم :
﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
هل في الأرض إنسان لم يؤته الله من الدنيا شيئاً إطلاقاً ؟ هذا بعلمه ، هذا بخبرته ، هذا بقوته ، هذا بجاهه ، هذا يحسن تصليح هذه الآلة ، آتاه الله قدرة على إصلاح هذه الآلة ، فبإمكانه أن ينفق جزءاً من خبرته في سبيل الله .
الآية الأولى وصف ، والوصف أبلغ من الأمر ، أي هذا شأنهم ، شأن المؤمنين أنهم :
﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
وجاء الأمر أيضاً :
﴿ قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ﴾
معاني الإنفاق :
1 ـ الإنفاق يعلمه الله سراً كان أم جهراً :
أولاً : في موضوع الإنفاق أيها الأخوة موضوعات عديدة ، انتقيت لكم من كل موضوع آية واحدة أو آيتين كي تتضح جوانب الموضوع . أولاً : في ثماني آيات في كتاب الله سبحانه وتعالى طمأن الله المؤمن أن أية نفقة أنفقتها أيها المؤمن صغيرةً كانت أم كبيرة ، أنفقتها سراً أم علانية ، أنفقتها في هذا المكان أو في هذا المكان ، أنفقتها بإيصال أم بلا إيصال ، إن أية نفقة أنفقتها في سبيل الله فالله سبحانه وتعالى يعلمها ، وكفاك اطمئناناً أن الله علم بإنفاقك . أي إذا ساهم الإنسان في عمل صالح ولم يرد اسمه في لوحة الشرف ، لم يرد اسمه على رخامة في هذا المكان ، ليس معنى هذا أن الله لا يعلم ، إنه يعلم . لذلك قال تعالى :
﴿وما أنفقتم من نفقة﴾
وهذه المن تفيد استغراق أفراد النوع . أي ليرة واحدة . .
﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾
ولا أريد أن أطيل عليكم ، ثماني آيات في كتاب الله تؤكد المعنى ذاته .
2 ـ أية نفقة تنفق في سبيل الله يعوضها الله ويخلفها أضعافاً مضاعفة :
الآن المعنى الثاني في الإنفاق : وأيضاً هناك آيات تقترب من عشر آيات ، أية نفقة تنفقها في سبيل الله ، الله سبحانه وتعالى يعوضها ويخلفها أضعافاً مضاعفة ، من سبعة أضعاف إلى سبعمئة ضعف كما قال الله عز وجل حينما وصف الإنفاق :
﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾
لكن العلماء قالوا : إن هذه النسب التي تزيد متعلقة بالإخلاص ، فلان أثابه الله عشرة أمثال ، فلان مئة مثل ، فلان سبعمائة مثل ، فلان مليون مثل ، هذه الأضعاف المضاعفة متعلقة بالإخلاص لله عز وجل . درهم تنفقه في إخلاص خير من مئة ألف درهم يُنفق في رياء . لذلك يقول ربنا سبحانه وتعالى :
﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ﴾
هذا إيمان المرء المؤمن .
﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ﴾
أيها الأخوة الكرام ؛ إذا أنفقت من مالك مالاً لجهة تربحك عليه أضعافاً كثيرة ، مئتان بالمئة ، فإذا عددت المال وسلمته لهذا الإنسان ، وأنت واثق من ربحك الكبير ، هل يُعد هذا الإنفاق إتلافاً للمال أم استثماراً له ؟ فحتى المال الذي أنفقته في سبيل الله ، والذي عوضه الله عليك أضعافاً كثيرةً في الآخرة . قال تعالى :
﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ ﴾
مآله إليك ، وإن المؤمن ليطعم مسكيناً لقمة يجدها يوم القيامة كجبل أحد .
نوع الإنفاق :
لكن نوع الإنفاق . قال تعالى :
﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾
﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ﴾
إذاً هناك وصف للمؤمنين بالإنفاق ، وهناك أمر بالإنفاق ، والله يعلم ما تنفق ، والله يعوض عليك ما تنفق ، لكن ينبغي أن يكون هذا الشيء الذي تنفقه محبباً إلى نفسك .
لا تتصدقوا بما تكرهون . إلا أن العلماء استثنوا الألبسة ، فقد يصغر الثوب على صاحبه ، ويصلح لغيره ، وقد يمل منه صاحبه ويتمناه غيره ، في موضوع اللباس هذا الوضع مستثنى من النهي عن إنفاق ما تكره .
تعلق الإخلاص بالتوحيد :
بقي الإخلاص : قال تعالى :
﴿وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله﴾
﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً﴾
الإخلاص الإخلاص . . درهم أنفقته في إخلاص خير من مئة ألف درهم أنفقته في رياء . وقد يسألني أحدكم : ومن أين نأتي بالإخلاص ؟ الإخلاص متعلق بالتوحيد ، فكلما وحدت الله ازداد إخلاصك له . أي إذا علمت أن هذه المعاملة التي بيدك لا يستطيع أن يوافق على مضمونها إلا واحد في هذه الدائرة ، وفيها ألف موظف ، إذا أيقنت أن واحداً في هذه الدائرة لا يتأثر بغيره أبداً ، وهو وحده الذي يوافق أو لا يوافق عندئذ لا تتجه إلى من سواه أبداً . . بشكل مبسط ؛ إذا أيقنت أن الأمر كله بيد الله لا تتجه إلى سواه ، لا بعملك ، ولا باستقامتك ، ولا بأي شيء في حياتك ، لذلك أنت مخلص بقدر ما أنت موحد ، وأنت تبتعد عن الإخلاص بقدر ما تبتعد عن التوحيد ، والتوحيد ملخص كسعر العملة في بلد ما يلخص اقتصادها كله ، كذلك التوحيد يلخص دينك كله ، وإيمانك كله ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، والتوحيد نهاية العلم .
المؤمن الصادق ينفق في السراء والضراء :
أيها الأخوة الكرام ؛ هناك من ينفق وهو في بحبوحة ، لا يجد مشقة في الإنفاق ، ولكن المؤمن الصادق ينفق في السراء والضراء . . النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا رأى إنساناً ذا حاجة بالغة كان يقترض ويعينه ، وهذا ليس حكماً شرعياً ، إنما هو فعل من أفعال النبي الكاملة . لستم مكلفين به ، لكن من شدة حبه للعمل الصالح ، من شدة رحمته كان بإمكانه أن يستقرض مبلغاً من المال وهو واثق من وفائه كي يلبي حاجة هذا الفقير .
أيها الأخوة الكرام ؛ ربنا سبحانه وتعالى يقول :
﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ﴾
وأنت في بحبوحة ، وأنت في ضائقة ، لذلك زكاة الفطر حكمتها تجب على كل مسلم ، حر أو عبد ، ذكر أو أنثى ، غني أو فقير ، يملك قوت يومه . وجبة طعام واحدة في بيته ، عليه أن يخرج زكاة فطره . لماذا ؟ ليذيق الله المؤمن طعم الإنفاق ولو كان فقيراً ؛ لأن الفقير الذي ينفق زكاة فطره يستحق زكاة الفطر ، قد يعطي وقد يأخذ ، ولكن أراد الله جل جلاله أن يذيقنا طعم الإنفاق .
أكبر دافع للإنفاق معرفة الإنسان أن هذا المال الذي بحوزته ليس ماله إنه مال الله :
أيها الأخوة الكرام ؛ هناك شيء خطير جداً أن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾
من معاني هذا : عدم الإنفاق يؤدي بك إلى التهلكة . . المعنى الآخر : لو أنفقت مالك كله دون تعقل ، ولك امرأة وأولاد ربما حصلت نكسة في طريق إيمانك ، هذه النكسة لا ترضي الله عز وجل . أما قوله تعالى :
﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾
فكل مالٍ لم تُؤد زكاته فهو كنز تنطبق عليه هذه الآية ، وأي مبلغ من المال مهما كان كبيراً ، أديت زكاته فليس بكنز .
أيها الأخوة الكرام ؛ أما الكفار فلهم حجة واهية في عدم الإنفاق :
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
هذا الكلام يقوله العامة أحياناً : يا أخي لا يكفي العباد إلا رب العباد ، عليك من نفسك ،. الله يتولى أمر الناس ولكن ابتلى بعضنا ببعض ليمتحننا ، فكل إنسان ينسحب من الإنفاق بهذه الدعوى فكلامه ينطبق على كلام الكفار
﴿ أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ ﴾
.
أيها الأخوة الكرام ؛ لكن أكبر دافع للإنفاق أن تعلم أن هذا المال الذي بحوزتك ليس مالك إنه مال الله ، ويدك عليه يد الأمانة ، وأنت مستخلف فيه ، هذا المال الذي تنفقه ليس مالك ، الأغنياء أوصيائي ، والفقراء عيالي ، فمن حرم مالي عيالي أذقته عذابي ولا أبالي . وسُمي المال مالاً لأنه ما لك ، ليس لك . عارية مستردة .
مواقف الناس من الإنفاق :
أيها الأخوة الكرام ؛ ثلاثة مواقف : موقف المؤمنين ، موقف المنافقين ، موقف الكافرين . المؤمن : عندما دعا النبي إلى الجهاد ، كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقراء ، لا يجدون رواحل يجاهدون عليها ، فلما عرضوا أنفسهم على النبي ، قال لهم النبي :
﴿ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ ﴾
من شدة تأثرهم ، من شدة أسفهم على أنه لم يُتح لهم أن يجاهدوا في سبيل الله ،
﴿ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ ﴾
هكذا المؤمن يتمنى أن ينفق. إذا معه مال ينفق منه ، إن لم يملك يتمنى أن ينفق . أما المنافق :
﴿ لاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾
ينفق على كراهة شديدة ، على حرج شديد . . إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ، ولا يذكرون الله إلا قليلاً ، ولا ينفقون إلا وهم كارهون ، لكن الكفار ينفقون قال تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾
أما الإنفاق الاستهلاكي فشأن المؤمن شأن الاعتدال ، قال تعالى :
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾
يجب أن تعتدل في الإنفاق الاستهلاكي ، قال تعالى :
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾
﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً ﴾
أيها الأخوة الكرام ؛ رمضان شهر القرآن ، وقد تحدثت عن القرآن في خطبة سابقة، ورمضان شهر الإنفاق ، كان عليه الصلاة والسلام جواداً ، وكان أجود ما يكون في رمضان .
اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، والحمد لله رب العالمين .
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
صدقة الفطر :
أيها الأخوة الكرام ؛ صدقة الفطر كما قلت قبل قليل تجب على كل مسلم حر أو عبد ، ذكر أو أنثى ، غني أو فقير . تجب عليه وعلى من يعوله أو يليه ، عليه وعلى أهله. العلماء قالوا : صدقة الفطر في حساب هذا العام أربعون ليرة على حساب الشعير ، وخمسون ليرة على حساب القمح . الفقير بإمكانه أن ينفق عن نفسه وعن كل فرد يعيله أو يلي عليه ، أربعون ليرة سورية الحد الأدنى ، والذي هو في بحبوحة فلا حدّ لأكثر هذه الزكاة ، تتصدق بألف، بألفين ، بخمسة آلاف ، فلا حدّ لأكثرها ، ولكن أقلها أربعون على حساب الشعير ، وخمسون على حساب القمح .
والإمام الشافعي يفضل دفعها في أول رمضان ، وهي طهرة للصائم وطعمة للمساكين ، طهرة للصائم من اللغو والرفث ؛ لعله تكلم كلمة ينبغي ألا يقولها ، لعله نظر نظرةً ينبغي ألا ينظر إليها ، فلذلك شرع الله لنا زكاة الفطر طهرة لنا في صيامنا ، وإطعاماً للمسكين ، وإن شاء الله تعالى في الأسبوع قبل الأخير من رمضان ، لي عودة لزكاة الفطر . هذه زكاة الفطر أو زكاة الرأس . أما زكاة المال فالنصاب على حساب الفضة سبعة آلاف ليرة سورية ، أي مئتا درهم ، الدرهم ثلاثة ونصف غرام ، سبعمئة غرام فضة ، من ملك ما يقابل سبعمئة غرام فضة من العملة الورقية فهذا نصاب الزكاة في حدها الأدنى . وأما حدها الأقصى فعلى أساس الذهب ، خمسة وثمانون غراماً من الذهب بسعر اليوم تقريباً خمس وأربعون ألفاً إلى خمسين ألف ليرة . فالعلماء يفضلون أن تُخرج الزكاة على أقل النصابين ، على نصاب الفضة لصالح الفقراء والمساكين . والله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾
تطهرهم : تطهر الفقير من الحقد ، والغني من الشح ، والمال من تعلق حق الغير به . وتنمي نفس الفقير بشعوره بأن مجتمعه مهتم به ، وتنمي نفس الغني بشعوره بأن له عملاً طيباً في المجتمع ، والمال ينمو بطريقتين ، بطريقة علمية ، وبطريقة العناية الإلهية المباشرة .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .