- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر . وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر . اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين . اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
صلة الرحم :
أيها الأخوة الكرام ؛ باب كبير من أبواب الأعمال الصالحة يغفل عنه معظم المسلمين ، ومعصية كبيرة كبيرةً يقترفها الناس لجهلهم وهم لا يشعرون ، إن موضوع الخطبة اليوم عن صلة الرحم .
أيها الأخوة الكرام ؛ لقد أوصى الإسلام بصلة الرحم ، ونهى نهياً شديداً عن قطيعة الرحم ، فمن مبادئ الإسلام الاجتماعية تمتين العلاقات بين الأقارب ، وأولى الناس بذلك الأقربون رحماً ، فلهم حق الأخوة بالإسلام ولهم حق القرابة .
أيها الأخوة الكرام ؛ ماذا تعني كلمة صلة الرحم ؟ . .
قال العلماء: تكون صلة الرحم بالزيارة ، وتكون بتلبية الدعوة ، وتكون بتفقد الأحوال ، وتكون بالإكرام ، وتكون بالهدية ، وتكون بالتصدق على الفقراء من الأقربين ، وتكون بعيادة مرضاهم ، وتكون بمشاركتهم أفراحهم ، وتكون بمواساتهم في أحزانهم ، وتكون بتقديمهم على غيرهم في كل أمر هم أحق به ، بسبب قرابتهم ، ثم تكون - وهذا تاج الصلة بالرحم - بدعوة هؤلاء إلى الله ، والأخذ بهم إلى مرضاته . الزيارة ، وتلبية الدعوة ، وتفقد الأحوال ، والإكرام ، والهدية ، والتصدق ، والتعهد ، وعيادة المريض ، والمشاركة في الأفراح ، والمواساة في الأحزان ، وتقديمهم على غيرهم فيما هم أحق به ، ثم دعوتهم إلى الله عز وجل ، والأخذ بيدهم إلى الدار الآخرة . . هذه هي صلة الرحم .
أما قطيعة الرحم فتكون بالهجر ، والإعراض عن الزيارة المستطاعة ، وعدم المشاركة في المسرات ، وعدم المواساة في الأحزان ، وتكون بتفضيل غيرهم عليهم في الصلاة والعطاءات التي هم أحق بها من غيرهم .
أيها الأخوة الكرام ؛ لقد وصف الله المؤمنين - هذه الصفة من أخصّ خصائص المؤمنين- بأنهم يصلون ما أمر الله به أن يوصل ، وقد وصف الله من لهم اللعنة ولهم سوء الدار بأنهم يقطعون ما أمر الله به أن يوصل .
صلة الرحم من موجبات دخول الجنة :
أيها الأخوة الكرام ؛ صلة الرحم من موجبات دخول الجنة . روى الإمام البخاري ومسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه :
(( أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : مَا لَهُ مَا لَهُ ؟ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ ))
أيها الأخوة الكرام ؛ من وصل الرحم وصله الله ، ومن قطع الرحم قطعه الله ، روى البخاري ومسلم - ولا تنسوا أن البخاري ومسلم أصح كتابين بعد كتاب الله ، ولا تنسوا أن الحديث الذي رواه البخاري ومسلم معاً هو من أعلى درجات الأحاديث الصحيحة ، وأن إنكار الأحاديث الصحيحة هو عين الكفر - في صحيحيهما عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ : مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ ))
وروى البخاري أيضاً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((إِنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ ، فَقَالَ اللَّهُ : مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ))
والشجنة عروق الشجر المتشابكة ، وأي إنسان - أيها الأخوة - هو حلقة في سلسلة، وعقدة في شبكة ، فلا ينبغي أن يقطع ما حوله ، حلقة في سلسلة ، وعقدة في شبكة ، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم هذه العلاقات المتشابكة ، قال:
((إِنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ ، فَقَالَ اللَّهُ : مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ))
روى أبو داود في حديث حسن صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما حدث عن ربه ، يقول الله عز وجل :
((أَنَا اللَّهُ ، وَأَنَا الرَّحْمَنُ ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا مِنِ اسْمِي ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ ))
بتته: أي قطعته .
قطيعة الرحم من الأعمال التي تحرم فاعلها دخول الجنة :
أيها الأخوة الكرام ؛ قطيعة الرحم من الأعمال التي تحرم فاعلها دخول الجنة .
روى البخاري ومسلم أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ ))
وأي حديث يعد فاعل معصيته بعدم دخول الجنة فهذه المعصية من الكبائر .
((لا يدخل الجنة نمام))
((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر))
((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ ))
لأن الله سبحانه وتعالى أرادنا أن نجتمع ، وأن نتعاون ، وأن يأخذ كل منا بيد أخيه، فقاطع الرحم يقطع هذه العلاقات ، ويحل محلها الأشجان والآلام ، فلذلك قال عليه الصلاة والسلام :
((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ ))
المعنى الحقيقي لصلة الرحم :
أيها الأخوة الكرام ؛ درج الناس على أن يصلوا من وصلهم ، وعلى أن يقطعوا من قطعهم ، ليست هذه صلة الرحم ، لأن الذي يصل من وصله ، ويقطع من قطعه ليس له فضل على الطرف الآخر ، لذلك من الحقائق الثابتة أنه ليس الواصل لأرحامه الذي يعامل أرحامه بالمثل ، فإن وصلوه وصلهم ، وإن قطعوه قطعهم ، ولكن الواصل هو الذي إذا قطعته رحمه وصلها ، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم:
((أمرني ربي بتسع ، خشية الله في السر والعلانية ، كلمة العدل في الغضب والرضا ، القصد في الفقر والغنى ، وأن أصل من قطعني ، وأن أعفو عمن ظلمني ، وأن أعطي من حرمني ، وأن يكون صمتي فكراً ، ونطقي ذكراً ، ونظري عبرةً ))
ألم يقل الله عز وجل ؟
﴿وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ﴾
أيها الأخوة الكرام ؛ هناك آيات كثيرة ، وهناك أحاديث عديدة ، تؤكد أن صلة الرحم تعني أن تصل الرحم التي قطعتك . يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:
(( لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ ، وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا))
شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قطيعة قرابته له ، على الرغم أنه يواصلهم، ويحسن إليهم ، ويحلم عليهم ، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم عن مبلغ عقوبتهم عند الله ، على قطيعتهم ، وعلى إساءتهم له ، إن صدق فيما قال ، فقال عليه الصلاة والسلام يخاطب هذا الرجل الذي شكا إليه أنه يحسن إليهم ويسيئون إليه ، يصلهم ويقطعونه ، يحفظهم ويضيعونه ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ :
((يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ؟ فَقَالَ : لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ ))
لئن كنت كما قلت ؛ كان عليه الصلاة والسلام متحفظاً ، إن كان هذا الذي تقوله صحيحاً ، لذلك قال العلماء الفتوى على قدر الوصف ، إن كنت كما تقول ، إن كان هذا الذي تقوله صحيحاً ، قال عليه الصلاة والسلام:
((لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ . .))
والملّ هو الرماد الحار ، وشيء عظيم أن يأكل الإنسان رماداً حاراً ، قال عليه الصلاة والسلام :
((لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ ))
قطيعة الرحم معصية كبيرة وإثم شنيع :
روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتِ الرَّحِمُ : هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ ، قَالَ : نَعَمْ ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ؟ قَالَتْ : بَلَى يَا رَبِّ قَالَ : فَهُوَ لَكِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم﴾))
يا أيها الأخوة الكرام ؛ نستنبط من هذه الآيات وتلك الأحاديث الصحيحة أن قطيعة الرحم معصية كبيرة ، وإثم شنيع ، عقابها عند الله عقاب سريع .
صلة الرحم من أسباب زيادة الرزق و إطالة العمر :
من لطائف الشريعة الغراء أن الصدقة على المسكين تُحسب صدقة ، أما الصدقة على ذي الرحم فتحسب باثنتين ، صدقة وصلة . روى الترمذي بإسناد حسن عن سلمان بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(( الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ ))
أيها الأخوة الكرام ؛ صلة الرحم مما يكافئ الله عليها في الدنيا ببسط الرزق ، وإطالة العمر ، وهذا ثواب مُعجل يتسابق إليه معظم الناس ، وهو زائد على ثواب الآخرة .
روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ))
أحد أسباب زيادة الرزق صلة الرحم . . الأثر: هو العمر الذي فيه تُسجل آثار الإنسان ، لأن الإنسان في عمره يترك آثاراً صالحة أو طالحة . ويُنسأ : يؤخر .
(( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ))
آراء العلماء في موضوع إطالة العمر :
وللعلماء في موضوع إطالة العمر آراء كثيرة ، من أوجهها أن طول العمر لا يكون بزيادته زمناً بل يكون بكثافته عملاً ، إذا زاد العمل الصالح زاد العمر ، وأوضح مثل على ذلك أنك إذا فتحت دكاناً وبعت في ساعة بمليون ليرة ، وآخر فتح دكانه أياماً طويلة ، ولم يبع بألف ليرة ، فأيها أكثر حظاً ، وأكثر ربحاً ؟ . . الوقت لا قيمة له . فأن ينسأ له في أجله أن يغتني عمره بالأعمال الصالحة ، ألم يقل سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام حينما سقى للفتاتين قال:
﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾
بل إن العلماء مجمعون على أن الفقر الحقيقي هو فقر العمل الصالح ، لأنك موجود في الحياة الدنيا من أجل أن تعمل صالحاً ، هذا هو سرُّ وجودك ، وهذا هو غاية وجودك، العمل الصالح ثمن الجنة:
﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
بل إن الإنسان إذا أدركه الموت لا يندم إلا على شيء واحد ، على عمل صالح فاته:
﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾
مكافأة الله الإنسان على صلة الرحم في الدنيا قبل الآخرة :
أيها الأخوة الكرام ؛ صلة الرحم كما قلنا مما يكافئ الله عليه في الدنيا قبل الآخرة ، روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال:
(( كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ ، قَالَ أَنَسٌ : فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾
قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ :
﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾
وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ ، قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ - أي الآن ما يشبه مزرعة في أجمل مكان حول المدينة ، فيها ما لذ وطاب ، وفيها كل ما يمتع النظر - بَخٍ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ : أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ ))
بيرحاء: اسم لحديقة فيها نخل .
عطاء الأقارب صدقة و صلة :
وهذه قصة تؤكد أن عطاء الأقارب صدقة وصلة . وروى البخاري ومسلم:
(( عن زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تَصَدَّقْنَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ قَالَتْ : فَرَجَعْتُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ ، فَقُلْتُ : إِنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ الْيَدِ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ فَأْتِهِ فَاسْأَلْهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَجْزِي عَنِّي وَإِلَّا صَرَفْتُهَا إِلَى غَيْرِكُمْ - أي قالت لزوجها : يا أبا مسعود ، إنك رجل خفيف ذات اليد ، أي الأحوال أقل من وسط ، خفيف ذات اليد تعبير لطيف جداً ، تعبير مهذب، تعبير رقيق . . إنك خفيف- إِنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ الْيَدِ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ فَأْتِهِ فَاسْأَلْهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَجْزِي عَنِّي وَإِلَّا صَرَفْتُهَا إِلَى غَيْرِكُمْ قَالَتْ : فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بَلِ ائْتِيهِ أَنْتِ ، قَالَتْ : فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِبَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتِي حَاجَتُهَا قَالَتْ : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ الْمَهَابَةُ ، قَالَتْ : فَخَرَجَ عَلَيْنَا بِلَالٌ فَقُلْنَا لَهُ : ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبِرْهُ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ بِالْبَابِ تَسْأَلَانِكَ أَتُجْزِئُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَلَى أَزْوَاجِهِمَا وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حُجُورِهِمَا وَلَا تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ ؟ قَالَتْ : فَدَخَلَ بِلَالٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هُمَا - ماذا نستنبط من سؤال النبي عن هوية السائل ؟ . . كل سائل له وضع خاص ، الفتوى يجب أن تنصرف إلى حالة يتلبس بها السائل- فَقَالَ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَزَيْنَبُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الزَّيَانِبِ - إذاً هو يعلم من أحوال أصحابه ما يعلم ، وهذه هي التربية ، إلقاء العلم شيء ، وتربية النفوس شيء آخر- أي الزيانب قَالَ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمَا أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ ، وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ ))
أي إذا تصدقت امرأة موسرة على زوجها ، العكس غير صحيح ، لا يجوز أن يعطي الزوج نفقته أو زكاته لزوجته ، لأنه مُلزم بالإنفاق عليها فلو أعطاها من زكاته ، كأنه ما أنفق زكاة ماله ، أما الزوجة الموسرة فلها أن تعطي زكاة مالها لزوجها ، فقال عليه الصلاة والسلام:
(( . . لَهُمَا أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ ))
العقلاء الصادقون مع الله لا تعنيهم المظاهر بل الحق :
وروى مسلم في صحيحه عن عمر بن عبسة السملي في حديث طويل قال:
((كُنْتُ وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلَالَةٍ وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَخْفِيًا جُرَءَاءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ - أي يضيقون عليه- فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ فَقُلْتُ لَهُ : مَا أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا نَبِيٌّ ، فَقُلْتُ : وَمَا نَبِيٌّ ؟ قَالَ : أَرْسَلَنِي اللَّهُ، فَقُلْتُ : وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ ؟ قَالَ : أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ ، وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ ، قُلْتُ لَهُ : فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا ؟ قَالَ : حُرٌّ وَعَبْدٌ ، قَالَ وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ فَقُلْتُ : إِنِّي مُتَّبِعُكَ ؟ قَالَ : إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا أَلَا تَرَى حَالِي وَحَالَ النَّاسِ وَلَكِنِ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِنِي . . . ))
الضعاف لا يقبلون من إنسان ضعيف دعوة ، ولا من إنسان مقهور دعوة ، العقلاء الصادقون مع الله لا تعنيهم المظاهر ، يعنيهم الحق من دون ما حولهم .
صلة الرحم أحد أكبر معالم الدعوة الإسلامية :
أيها الأخوة الكرام ؛ لا زلنا في صلة الرحم . . سيدنا جعفر بن أبي طالب حينما سأله النجاشي عن دعوة الإسلام قال:
(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك ، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه ، وصدقه ، وأمانته ، وعفافه ، فدعانا إلى الله لتوحيده ، ولنعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء))
أبو سفيان حينما كان عند هرقل ملك الروم ، وهذه القصة رواها البخاري ومسلم :
(( قال هرقل لأبي سفيان : حدثني عن محمد ماذا يأمركم به ؟ قال أبو سفيان : قُلْتُ : يَقُولُ : اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ))
أي أحد أكبر معالم الدعوة الدعوة إلى صلة الرحم ؛ ليتماسك المجتمع ، ليتعاون المجتمع ، ليأخذ كل منا بيد أخيه ، ليأخذ القوي بيد الضعيف ، ليأخذ العالم بيد الجاهل ، ليأخذ الغني بيد الفقير . عليه أن يزورهم ، وعليه أن يتفقد أحوالهم ، وعليه أن يلبي دعوتهم ، وعليه أن يواسيهم في أحزانهم ، وأن يشاركهم في مسراتهم ، وعليه أن يكرمهم ، وعليه أن يقدم لهم الهدايا ، وعليه أن يعاونهم إذا كانوا فقراء ، وعليه أن يأخذ بيدهم إلى الله والدار الآخرة ، هذه صلة الرحم ، ولها جزاءان معجلان في الدنيا ؛ أن الله سبحانه وتعالى يزيد في رزق الواصل ، ويؤخر أجله بمعنى أنه يزيد عمره أعمالاً صالحة .
صلة الرحم مطلوبة في الإسلام ولو كانت الرحم غير مسلمة :
الآن - أيها الأخوة - حقيقة دقيقة جداً ؛ صلة الرحم مطلوبة في الإسلام ولو كانت الرحم غير مسلمة ، لو أن إنساناً أسلم ، وأهله ليسوا كذلك ، هل عليه أن يصلهم ؟ الجواب : نعم ، عليه أن يصلهم ولو كانوا غير مسلمين ، ولكن هذه الصلة مشروطة ، بأن تكون فيما لا يتعارض مع أحكام الإسلام ، وفيما لا يتعارض مع صالح المسلمين ، إن لم تتعارض هذه الصلة مع أحكام الإسلام ، ومع مصالح المسلمين يجب أن يزورهم ، وأن يعاونهم ، وأن يتفقدهم، وأن يعينهم ، وأن يكرمهم ، وأن يواسيهم في أحزانهم ، وأن يشاركهم في أفراحهم ، ولو كانت الرحمة غير مسلمة .
صلة الرحم مطلوبة بشرط ألا تقود إلى معصية :
لكن أيها الأخوة لئلا يخطر في بالكم هذا السؤال ، لو أن صلة الرحم نشأ عنها مفسدة ؟ الجواب : دع خيراً عليه الشر يربو . . والقاعدة الأصولية : درء المفاسد مقدم على جلب المنافع . . أي إذا كانت هذه الصلة سوف تقودك إلى معصية ، ومن معصية إلى معصية، ومن اختلاط إلى تبذل ، وبعد عن الله عز وجل ، هذه عندئذ ليست صلة رحم ، لا مؤاثرة في الخير ، ولكن الخير كله في المؤاثرة ، أي لا تؤثر أحداً على طاعتك لله ، لا تؤثر كائناً من كان على طاعتك لله .
أي صلة الرحم في حدود المنهج الذي جاءنا به النبي ، إذا كان هناك تبذل ، اختلاط ، ميوعة ، ميل إلى المعاصي ، هذه مفسدة ينبغي أن نتركها حفاظاً على ديننا ؛ دع خيراً عليه الشر يربو ، ودرء المفاسد مقدم على جلب المنافع .
أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني . .
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
المغزى البعيد من صلة الرحم :
أيها الأخوة الكرام ؛ يخطر في بال معظم الناس أن صلة الرحم تكون بزيارة عابرة ، أو باتصال هاتفي ، أو سؤال عن الصحة ، هذا أقل ما في صلة الرحم ، أعيد هذه الفكرة مرتين، وثلاث من أجل أن يرسخ في أذهانكم أن صلة الرحم تبدأ بالزيارة ، مروراً بتفقد الأحوال ، مروراً بالمعاونة ، بالإكرام ، بتلبية الدعوة ، بالمواساة في الأحزان ، بالمشاركة في الأفراح ، وتنتهي بالدعوة إلى الله ، فبطولة الواحد منكم إذا استنار قلبه بنور الله ، وأقبل على الله ، وعرف المنهج الصحيح ، وعرف طريق السعادة ، بطولة أحدكم أن يقنع أقرب الناس إليه ، أن يقنع أهله ، أن يقنع أولاده ، أن يقنع أولاد عمه ، أن يقنع بني حماه ، أن يقنع كل من يلوذ به ، لماذا كنت قريباً لهم ؟ ينبغي أن تحب لهم ما تحب لنفسك ، وأن تكره لهم ما تكره لنفسك ، فالمغزى البعيد البعيد من صلة الرحم أن تأخذ بيد أقاربك إلى السعادة الأبدية ، إلى معرفة الله ، إلى تطبيق منهجه ، إلى طاعته ، إلى ارتياد مجالس العلم ، إلى التفقه بالفقه الحنيف ، هذه صلة الرحم ، تبدأ بزيارة عابرة ، وتمر بتفقد الأحوال ، وعيادة المريض ، وتقديم الهدية ، والإكرام ، والتصدق ، وتلبية الدعوة ، والمشاركة في الأفراح والمواساة في الأحزان ، وتنتهي بأن هذا الذي وصلته ، واعتنيت به ، وأكرمته ، وقدمت له الهدية ، وقربته إلى الله عز وجل ، كان في صحيفتك إلى يوم القيامة ، وأن كل أعماله في صحيفتك .
قال رسول الله صلى الله عيه وسلم يخاطب علي يوم فتح خيبر:
(( فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ ))
ملخص الملخص ، أن الهدف البعيد الذي في مخيلتك ، أن أقرباءك جميعاً يجب أن يكونوا على شاكلتك ، وعلى الطريق الصحيح التي أنت عليه ، وعلى المنهج القويم الذي تسير فيه ، وعلى الهدف الكبير الذي تسعى إليه ، صلة الرحم تعني دعوة إلى الله ، صلة الرحم تعني أمراً بالمعروف ، ونهياً عن المنكر ، صلة الرحم تعني أن تكون داعيةً في حدود من حولك، أن تكون داعيةً إلى الله :
﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
بدأت الخطبة أيها الأخوة بأن باباً كبيراً من أبواب الخير يغفل عنه بعظم المسلمين، وأن معصيةً كبيرةً يفعلها بعض المسلمين ولا يلقون إليها بالاً ، كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ ))
وإن أحدكم يقطع الرحم ، ولا يلقي لهذه القطيعة بالاً يبتعد عن الله بها مسافات شاسعة .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، لك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ، ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً ، وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .