- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرِنا الحــق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
الحكمة عطاء متميز :
أيها الأخوة الكرام ، انسجاماً مع الاحتفال الذي سبق هذه الخطبة ، بمناسبة انتهاء الدورة الصيفية لتحفيظ القرآن الكريم في هذا المسجد ، سيكون إن شاء الله محور هذه الخطبة : وصية لقمان لابنه ، وصية جامعة مانعة ، فيها أصول العقيدة والعبادة والمعاملة ، يقول الله عز وجل:
﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ *وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾
الحكمة أيها الأخوة أعظم عطاءٍ إلهي على الإطلاق ، إنها جائزة الطاعة ، تطيعه يؤتيك الحكمة ، قال تعالى:
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾
بنص القرآن الكريم ومن يؤتى فقد أوتي خيراً كثيراً ، الله جل جلاله أعطى المال لمن لا يحب ، أعطاه لقارون:
﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾
وأعطاه لمن يحب ، وأعطاه لسيدنا عثمان ذي النورين رضي الله عنه ، أعطاه لسيدنا عبد الرحمن بن عوف ، لكنك إذا رأيت غنياً مؤمناً تشتهي الغنى ، التواضع ، والسخاء ، والإنفاق ، وضبط الإنفاق .
أعطى الملك لفرعون وهو لا يحبه ، وأعطاه لسليمان - عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام - إذا أعطى الشيء لمن يحب ولمن لا يحب إذاً ليس مقياساً ، هذه نعمة موقوفة على نوع استخدامها:
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾
ليس عطائي إكراماً ولا منعي حرماناً ، عطائي ابتلاء ، ومنعي دواء ، هذا العطاء موقوف على نوع استخدامه ، فإذا استخدم في طاعة الله كان نعمة ، وأي نعمة ورب الكعبة ، وإذا استخدم في الشر ، في الإيقاع بين الناس ، كانت نقمة ، وأية نقمة ورب الكعبة.
لكن الحكمة لا تُعطى إلا للمؤمن.
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾
إنها عطاء متميز ، العلم والحكمة عطاء متميز .
الحكمة أعظم عطاء إلهي :
الحكمة أيها الأخوة مرةً ثانية أعظم عطاء إلهي ، إنها جائزة الطاعة ، وبضدها تتميز الأشياء:
﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾
أعمالهم ضالة ، أعمالهم مضلة ، أعمالهم لا تحقق أهدافها :
﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
المؤمن يؤتى الحكمة ، الكافر يُحبط عمله ، تُضل أعماله ، أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم .
تعريف الحكمة :
ما الحكمة أيها الأخوة ؟ قال بعض العلماء : النبوة ، وقال بعضهم : المعرفة بالقرآن.. من أوتي القرآن فرأى أن أحداً أوتي خيراً منه فقد حقر ما عظّم الله تعالى :
(( خيرُكمْ من تعلّمَ القُرآنَ وعَلَّمَهُ ))
(( يا علي لأن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس ))
(( خير لكَ من حُمْرِ النَّعَم ))
الحكمة الإصابة في القول والفعل ، أن تقول الكلمة المناسبة للرجل المناسب في الوقت المناسب بالقدر المناسب ، وأن تفعل الفعل المناسب بالقدر المناسب في الوقت المناسب في الظرف المناسب ، هذا من تعاريف الحكمة.
الحكمة المعرفة بدين الله ، وهي أعظم معرفة على الإطلاق ، إذا كنا نقول : فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه ، نقيس على هذه القاعدة ، فضل من عرف الله على من عرف سواه كفضل الله على خلقه ، الحكمة المعرفة بدين الله ، واتباع ما جاء فيه.
وقال بعضهم : الحكمة هي الخشية ، وقال بعضهم : الحكمة هي الفهم في القرآن الكريم ، وقال بعضهم : الحكمة هي الورع ، وقال بعضهم أيضاً الحكمة ضالة المؤمن.
((... ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ))
لذلك قال تعالى :
﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾
فإذا سمعت الخير فهذه بشارة من الله ، ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ، فإذا أتيح لك أن تسمع الخير ، فهذه بشارة من الله ، لأن أكثر من ستمئة مليون يعبدون البقر ، وأكثر من ألف مليون يعبدون آلهة ما أنزل الله بها من سلطان ، إذا أتيح لك أن تعبد الله ، وأن تعرفه ، وأن تعرف دينه ، فهذه نعمة لا تعدلها نعمة.
الحكمة من تأديب الصغار بأدب القرآن الكريم :
ورد في تفسير القرطبي نص موقوف عن صحابي اسمه ثابت بن عجلان الأنصاري، يقول: إن الله تعالى إذا أراد بأهل الأرض عذاباً ، فإذا سمع تعليم الصبيان الحكمة، صرف عنهم ذلك العذاب ، لأن هؤلاء الصغار رجال المستقبل إذا علمتم الصغار ، إذا اعتنيتم بتربيتهم ، إذا اعتنيتم بمعرفتهم بالقرآن الكريم ، إذا نشؤوا على محبة الله ، على معرفة الله ، وعلى محبته ، وعلى طاعته ، وعلى حب آل بيته ، وعلى الأدب بأدب القرآن الكريم فهذه نعمة لا يعرفها إلا من أتيحت له.
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾
الآن وازن بين هذه الآية وبين قوله تعالى :
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾
أن تملك الملايين المملينة ، أن تسكن في أجمل البيوت ، أن تركب أجمل المركبات ، هذا في الدنيا متاع ، و متاع الدنيا قليل ، لأنه منقطع ، يأتي الموت فيلغي كل شيء ، أما إن كان لك عمل طيب ، تلقى الله به ، فهذا هو الغنى الحقيقي ، وتربية الأولاد من أجل الأعمال الطيبة لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ))
تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف و تكريم :
قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾
قال علماء النحو : هذه أنْ تفسيرية ، أي الحكمة تعني أن تشكر الله لأن الله جل جلاله سخَّر للإنسان هذا الكون تسخير تعريف وتسخير تكريم ، له مهمة كبرى ، أن تعرف الله من خلاله ، وله مهمة دنيوية أن تنتفع به ، نظر النبي عليه الصلاة والسلام إلى الهلال فقال:
((عن قَتَادَة أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ آمَنْتُ بِالَّذِي خَلَقَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ذَهَبَ بِشَهْرِ كَذَا وَجَاءَ بِشَهْرِ كَذَا ))
خير ننتفع به في الدنيا ، ورشد يرشدنا إلى الله عز وجل ، فكل شيء خلقه الله عزو جل له وظيفتان ، وظيفة تعريفية ، ووظيفة نفعية ، فما دام الكون قد سخر للإنسان تسخيرين تسخير تعريف وتسخير تكريم ، كيف ينبغي لك أن تقف من تسخير التعريف ؟.. أن تؤمن بالله ، وكيف ينبغي لك أن تقف من تسخير التكريم ؟.. أن تشكره ، إن عرفته وشكرته ، حققت الهدف من وجودك ، والدليل قوله تعالى:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾
أي لك مهمة واحدة ، أن تعرفه ، فإذا عرفته عرفت كل شيء :
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾
أنعم عليك بنعمة الإيجاد ، وأنعم عليك بنعمة الإمداد ، وأنعم عليك بنعمة الهداية والإرشاد ، فالله سبحانه وتعالى تفضل عليك بأن أوجدك ، وتفضل عليك بأنه أمدك ، وتفضل عليك بأنه هداك إليه ، فماذا ينبغي أن تفعل ؟ لابد من أن تشكر ، فحينما تشكر تكون حكيماً ، حينما تشكر تكون قد أوتيت الحكمة ، حينما تشكر تحقق الهدف من وجودك ، تفتح الطريق إلى الجنة ، حينما تشكر تحقق الهدف الذي من أجله خلقت .
الحكمة هي معرفة الحقيقة :
قال بعض العلماء : الحكمة أن تعرف الحقيقة ، وأن يأتي عملك موافقاً لها ، قد تعرف ولا تفعل فلست حكيماً ، قد تتعلم ولا تطبق ما تعلمت لست حكيماً ، لا تُسمى حكيماً إلا إذا عرفت الحقيقة ، وجاء السلوك اليومي متوافقاً معها ، أي إذا عملت بما علمت كنت حكيماً :
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ﴾
اسألني عن النهايات ، نهاية العلم ، قد تحمل أعلى شهادة في الأرض قد تترك مئتي مؤلف ، نهاية العلم التوحيد ، ونهاية العمل التقوى ، فإذا وحدته وأطعته وصلت إلى النهايتين ، حزت المجد من أطرافه كلها ، أن توحده ، وأن تعبده ، الدين كلمتان ، توحيد وعبادة.
وقال بعض العلماء : ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ؛ الشكر : صرف النعم إلى ما خُلق الإنسان من أجله ، أي أن تستغل نعمة الصحة في أداء الطاعات ، وأن تستغل نعمة الفراغ في التقرب إلى الله ، وأن تستغل نعمة المال في الإنفاق في سبيل الله ، وأن تستغل نعمة الأمن لتتقلب في رحمات الله ، أن تنفق النعم الذي أوتيت إياها وفق منهج الله ، أن تحقق الهدف من وجودك ، الشكر : صرف النعم إلى ما خُلق الإنسان من أجله.
فحوى دعوة الأنبياء جميعاً التوحيد و الطاعة :
آية كريمة تكررت في القرآن أكثر من عشرين مرة:
﴿ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾
قالها سيدنا نوح ، وقالها سيدنا هود ، وقالها سيدنا صالح ، وقالها سيدنا شعيب ، وجاءت هذه الآية في أكثر من سورة ، أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ، هذا هو الدين.
الإنسان أحياناً يحب الضغط ، يحب كلمات جامعة مانعة ، يحب كلمات موجزة ، الدين كله أن توحده ، وأن تعبده ، الجانب العلمي هو التوحيد ، الجانب السلوكي هو الطاعة ، أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره بل إن فحوى دعوة الأنبياء جميعاً من دون استثناء ، قال تعالى:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
فحوى دعوة الأنبياء جميعاً من دون استثناء أن توحد ، وأن تعبد.
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾
أخلص نصيحة هي النصيحة التي يجزيها الأب لابنه :
الآية الثانية:
﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾
لا يمكن أن تكون موعظة الأب لابنه متهمةً ، لا يمكن أن تكون موعظة الأب لابنه مشكوك فيها ، إن أخلص نصيحة هي النصيحة التي يجزيها الأب لابنه ، لأن الله أودع في قلوب الآباء الشيء الذي لا يوصف ، أودع في قلوبهم المحبة ، أودع في قلوبهم العطف ، أودع في قلوبهم رغبة أن يكون أبناؤهم أرقى منهم ، في حياتك إنسان واحد يتمنى أن تكون خيراً منه هو أبوك ، لذلك لا يمكن أن نشكك في نصيحة الأب ، ولا يمكن أن تكون هذه النصيحة متهمةً إطلاقاً.
النصيحة الأولى للقمان عدم الشرك بالله :
﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾
بماذا بدأ.. لا تشرك بالله :
﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾
الشرك ظلم عظيم ، ظلم عظيم للنفس ، أشد أنواع الظلم أن تحرم نفسك السعادة الأبدية التي خُلقت من أجلها ، هذا ظلم ما بعده ظلم ، هذه خسارة ما بعدها خسارة ، أشد أنواع الظلم أن تشرك بالله ، أن تتجه إلى غيره ، إنك إن اتجهت نحوه نلت كل الخير ، كل السعادة ، كل الأمن ، كل الرضا ، كل الغنى ، كل الطمأنينة ، أما إذا اتجهت إلى غيره ، غيره لا شيء ، سلكت طريقاً مسدوداً ، أُصبت بالإحباط ، أُصبت بخيبة الأمل ، لو أن لك مبلغاً كبيراً جداً ، تقبضه في حلب ، وركبت قطار حلب ، قد تخطئ أخطاء كثيرة ، لكن القطار يسير إلى حلب ، قد تقطع من الدرجة الأولى ، وتجلس في مقطورة من الدرجة الثالثة ، هذا خطأ ، قد تجلس مع شباب أزعجوك ، قد تتلوى جوعاً ولا تعلم أن في القطار مطعماً ، قد تجلس عكس اتجاه القطار فتصاب بالدوار ، لكن في النهاية القطار متجه إلى حلب ، وستأخذ هذا المبلغ الكبير ، أما هناك خطأ لا يُغتفر ، لا يُصحح ، أن تركب قطار درعا ، مهما كان فخماً إلى لا شيء ، مثلاً..
فيا أيها الأخوة الكرام:
﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾
حينما يشرك الإنسان فقد كل شيء ، لذلك يجب أن نعتني بعقيدة أولادنا ، لأن الخطأ في السلوك قد يصحح ، بينما الخطأ في العقيدة لا يُصحح ، كيف أن الخطأ في الميزان لا يُصحح ، لكن الخطأ في الموزون لا يتكرر..
أيها الأخوة ـ افتراضاً لو أن الخطأ في العقيدة لا ينعكس خطأً في السلوك اعتقد ما شئت ، ولكن يجب أن تعلم علم اليقين أن كل خطأ في العقيدة لا بد من أن ينعكس خطأً في السلوك ، فعلى الآباء أن يعتنوا بعقيدة أولادهم.. سيدنا لقمان بماذا بدأ النصيحة:
﴿ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾
أخطار الشرك :
بين يدي آيات كريمة تتحدث عن الشرك ، الآيات التي تتحدث عن الشرك تزيد عن مئة وسبع وستين آية ، اخترت لكم بعضها ، لنجد ما هي أخطار الشرك : أولاً :
﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ﴾
المشرك خائف دائماً ، المشرك يأكل قلبه الخوف ، سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا.. لن تجد في الأرض مشركاً واحداً ليس في قلبه خوف ، الخوف يملأ قلبه ، هذا قانون ، زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعده ووعيده .
أيها الآباء ، يا أولياء الأمور ، يا أولياء الفتيات ، قال تعالى :
﴿ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾
ابحث عن الإيمان فيمن يكن زوجاً لابنتك ، ابحث عن الإيمان ولا تعبأ بمظاهر الدنيا ، ويا أيها الشباب ، قال تعالى:
﴿ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾
هذا هو الشرك..
أنواع الذنوب :
أيها الأخوة الكرام كما قلت قبل قليل :
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً﴾
إن اتجهت لغير الله فالطريق مسدود ، ذنب لا يُغفر وهو الشرك بالله ، وذنب لا يُترك وهو ما بينك وبين العباد ، وذنب يُغفر وهو ما كان بينك وبين الله.. حقوق العباد مبنية على المشاححة ، وحقوق الله عز وجل مبنية على السماحة ، أما الذنب الذي لا يُغفر فأن يشرك الإنسان بالله ، إلا أن علماء التفسير قالوا : إن الله لا يغفر أن يُشرك به ما لم يَتب ، فإذا تاب ؛ الإسلام يجبُّ ما قبله ، قال تعالى:
﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾
الإيمان طريق الجنة ، والشرك طريق النار :
﴿ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴾
حتى الشرك في الدنيا يتناقض مع فطرة الإنسان ، يشرك إعلاناً ولا يشرك حقيقةً ، لأنه يعرف نفسه حق المعرفة:
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴾
﴿ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾
الشرك هو التوجه لغير الله :
أيها الأخوة الكرام: عار بالإنسان أن يذكر الله عند المصيبة ، فإذا أكرمه الله وأزاح عنه هذه المصيبة عزا خلاصه منها إلى البشر..
مرض عضال يصيب الابن ، الأب يدعو الله ، يبتهل إليه ، يرجوه ، فإذا أكرمه الله بشفاء ابنه ، عزا هذا الشفاء إلى بعض الأطباء ، قال تعالى:
﴿ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ ﴾
الشرك أن تتوجه إلى غير الله ، قال تعالى:
﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
إذا توجهت إلى غير الله ، إذا عقدت الآمال على غير الله ، فهذا هو نوع من أنواع الشرك بمعناه الواسع .
المؤمن لا يخاف من القوى التي في الأرض ، إلا أن يسمح الله لها أن تصل إليه ، هذا معنى دقيق.. وحش كاسر ، حشرة مميتة ، حية رقطاء ، عقرب شائلة ، هذه الحشرات المؤذية ، لن تستطيع أن تصل إلى الإنسان إلا إذا أذن الله ، وهذه الآية تضبط هذا الموضوع:
﴿ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ، أنا أخاف من قوة إذا سمح الله لها أن تصل إلي فقط ، لذلك قال الله تعالى:
﴿ أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ *مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ *إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
من أشرك بالله فقد حبط عمله :
الإنسان حينما يشرك كل عمله في الأرض يحبطه الله عز وجل ، قال تعالى:
﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا ﴾
إما أن العمل يسقط ، وإما أن العمل يبطل أجره ، قد يكون العمل مقبولاً عند الناس ولكن لأن صاحبه قد أشرك بالله ، هذا العمل لا أجر له عند الله.. يا رب قد علمت العلم من أجلك ، يُقال له : كذبت علمت العلم ليقال عالم ، وقد قيل ، خذوه إلى النار ، الإنسان حينما يشرك يُحبط عمله ، ولو كان عملاً طيباً يخسر أجره يوم القيامة ، أو أن هذا العمل يسقط بالمقياس الأرضي .
﴿ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
أنت أيها المؤمن مُكلف أن تعرض عن المشركين ، قال تعالى:
﴿ اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾
يجب أن تعرض ، ويجب ألا تنساق مع أهل الشرك ، أهل الشرك جبريون..
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾
﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
لذلك قال بعضهم - وأظنه الإمام الغزالي - قال : لأن يرتكب العوام الكبائر أهون من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون ، يبعدهم عن الله عز وجل ، هذا يرتكب أكبر معصية على الإطلاق.
على الإنسان أن يكون مع الناس ليأخذ بيدهم إلى الله :
لكن لا ينبغي أن نكون بعيدين عمن طلب منا أن يعرف الله ، قال تعالى:
﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
كن مع الناس ، عش معهم ، خذ بيدهم إلى الله ، كن في برج عاجي أخلاقي ، ولا تكن في برج عاجي فكري ، الأنبياء كانوا مع الناس ليأخذوا بيدهم إلى الله ، ولكنهم نأوا بأخلاقهم عن سقطات الناس. الله جل جلاله يعطينا هذا التوجيه:
﴿ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾
من أجل أن يكون المسلم قدوةً..
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾
لم يقل الله عز وجل إنهم نجسون ، قال : إنهم نجس ، الشيء النَجِس يُطهر ، أما النجَس فعين النجاسة ، لا تطهر أبداً ، فلا ينبغي أن تقيم علاقة حميمة مع مشرك ، إنه يصرفك عن الله عز وجل ، يبعدك عن الجنة ، يبعدك عن أهل الإيمان ، يغريك بالمعصية والآثام ، لذلك هذا تحذير من الله عز وجل.
الشرك بنيان هاو :
وهذا الشرك لا يقف على حقيقة ، لا أصل له ، ليس بشيء ، بنيان هاوٍ ما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ، إن يتبعون إلا الظن ، وإن هم إلا يخرصون ، والشيء الذي لا يُصدق أن الشرك بمفهومه الواسع يصيب كثيراً من المؤمنين ، قال تعالى:
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
أي إذا دعوت إلى نفسك ، أو دعوت إلى غير الله ، أو كانت الدعوة دعوة إلى الذات مغلفةً بدعوة إلى الله ، هذا نوع من الشرك ، يجب أن تختفي أنت ، أن تظهر حقيقة هذا الدين ، ألا يكون لك وجود وأنت تشرح حقائق الدين ، يجب أن ينصرف الناس إلى الله ورسوله ، لا إليك بالذات :
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
لو دعوت إلى غير الله ، أو لو دعوت إلى الله من دون بصيرة لكنت من المشركين.
عدم التمكين و الاستخلاف لمن أشرك بالله :
أناس كثيرون جداً تزل أقدامهم فيلعنون الشيطان ، اسمع الإجابة:
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
والإنسان أيها الأخوة ستأتيه لحظة إذا كان مشركاً يعض أصابعه ندماً ، يا ليتني لم أشرك بربي أحداً ، نحن في الدنيا ، نحن في بحبوحة مادام في العمر بقية فأنت في بحبوحة ، وحد يا أخي ، لا ترَ مع الله أحداً ، الله هو الذي يرفع ، هو الذي يخفض ، هو الذي يعطي ، هو الذي يمنع ، هو الذي يعز ، هو الذي يذل ، لا تشرك بالله .
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
بل إن المسلمين وهم يعدون ملياراً ومئتي مليون ، لماذا لم يستخلفهم الله عز وجل؟ ولماذا لم يمكن لهم ؟ ولماذا لم يطمئنهم ؟.. الجواب قال تعالى:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾
فإذا تطلعنا إلى غير الله ، إذا أردنا أن نقيم حياتنا على منهج غير منهج الله ، إن أردنا أن نأخذ من الغربيين ما عندهم من نظم لا ترضي الله ، حينما نشرك في أخذ مناهج غير منهج الله عز وجل ، هذا هو الجواب ، لأن الله لم يستخلفنا ، ولم يمكنا ، ولم يطمئنا ، و الله عز وجل يقول :
﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
ما من إنسان على وجه الأرض له حق عليك كحق والديك ومع ذلك :
﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
يا بني - أم سيدنا سعد- سأدع الطعام حتى أموت أو تكفر بمحمد ؟ قال : يا أمي لو أن لك مئة نفس فخرجت واحدة واحدة ، ما كفرت بمحمد ، فكلي إن شئت أو لا تأكلي .
﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
هؤلاء الذين أشركتهم مع الله :
﴿ إنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾
الشرك موضوع خطير جداً :
أيها الأخوة الكرام: موضوع الشرك موضوع خطير جداً ، بمعناه الضيق ، أن تقول بوذا إله ، هذا ليس في مجتمع المسلمين.. بالمعنى الضيق أن تقول : إن بوذا إله ، وأن هذه البقرة إله ، هذا ليس موجوداً في عالم المسلمين إطلاقاً:
(( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفي ـ أما إني لست أقول أنكم تعبدون صنما ولا حجراً ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله ))
الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء ، على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ، وأقله أن تغضب على نصيحة ، وأن تحب على جور.
ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، والتوحيد هو الإيمان ، والتوحيد هو الإسلام ، والتوحيد فحوى كل الأديان ، والتوحيد هو العقيدة والطاعة هي السلوك ، فمن عرف الله واحداً ، كاملاً ، موجوداً ، وأطاعه فقد حقق الهدف من وجوده ، فقد جمع المجد من كل أطرافه .
أيها الأخوة الكرام:
حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .
* * *
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخُلُقِ العظيم ، اللهمَّ صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين .
الاستقامة :
آية أخيرة أختم بها هذه الخطبة ، قال تعالى:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ﴾
فاستقيموا إليه ، واستغفروه عن الماضي ، أنت الآن في المستقبل استقم إليه ، استقم استقامةً تصلك إليه ، والماضي لا تعبأ به ، الإسلام يجب ما قبله.. لو جئتني بملء السموات والأرض خطايا غفرتها لك ولا أبالي .
﴿ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ﴾
كل الويل ، كل الهلاك ، كل الشقاء ، كل الإحباط ، كل خيبة الأمل لمن أشرك بالله :
﴿ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ﴾
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، لك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك. اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين.
اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرَّ خلقك ونُبتلى بحمد من أعطى وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء.
اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب .
اللهم إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك ، ومن الخوف إلا منك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء.
اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى إنه على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير.