وضع داكن
17-11-2025
Logo
الخطبة : 1088 - الأزمة المالية في العالم الغربي - مجامع الفقه تحرم التعامل بالبورصة .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخــطــبـة الأولــى:

الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يَهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلن تجد له ولّياً مرشداً، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ، أو سمعت أُذُنٌ بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعِلم، ومن وحول الشهوات إلى جنَّات القُربات .

الأزمة المالية في العالم الغربي: 


أيُّها الإخوة الكرام: بادئ ذي بدء ليس من الحكمة إطلاقاً، أن تبتعد خُطبة الجمعة عن الموضوعات الساخنة، ولكننا وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يرعانا، نُعاني من عدة موضوعات ساخنة، اخترت أحدها: الأزمة المالية في العالم الغربي، والتي انتشرت آثارها السلبية إلى كل أنحاء العالم، كل يومٍ خبر إفلاس أكبر شركة، بل إنَّ الخسارة التي تحقَّقت خلال أربعٍ وعشرين ساعة، خمسة تريليون دولار، يعني كل إنسان يملِك رصيداً في البورصة، خسر أربعين بالمئة من رأسماله، وإفلاسات الشركات تترا، والأسعار اضطربت، ماذا نستفيد من هذا الدرس البليغ الإلهي؟
أيُّها الإخوة: أخٌ كريمٌ استأجر صفحةً بأكملها في أول صحيفةٍ دنمركية، والدنمرك كما تعلمون، هو البلد الذي تطاول على النبي عليه الصلاة والسلام، وأكرمني الله بمقالاتٍ عدة تزيد عن سبع، كل أسبوع لي مقالة في الدنمرك باللغة الإنكليزية، أردت أن أُبيِّن للعالَم الغربي، هذه الأزمة المالية الخطيرة، كيف هي من منظور الشريعة الإسلامية.
ابتكار النقود بديلاً عن المقايضة تسهيلاً وضبطاً للمبادلات بين أفراد البشر: 
أيُّها الإخوة: إنَّ من أعظم الأشياء التي قامت بها البشرية بابتكارها النقد، النقد كان بديلاً عن نظام المُقايضة، المُقايضة شيء غير عملي إطلاقاً، مُتعِب جداً، فأصبحت النقود معياراً لقيَم الأشياء، وأداءً للذمم التي في الأعناق، وتسهيلاً وضبطاً للمبادلات بين أفراد البشر، لكن من غير المنطقي أن يتم تبادل النقود في المجتمعات البشرية، من دون أن تنتقل بوساطتها السِلع والخدمات، النقد شيء، والسِلع والخدمات شيء، طبعاً قُرَّاء هذه المقالة، لا يعنيهم أن تكون في القرآن آيةٌ تُحرِّم الرِبا، يعنيهم الدليل العلمي فقط، فلذلك ليس من المعقول، أن تنتقل النقود دون أن تنتقل معها السِلع والخدمات.

قيام النظام العالمي الاقتصادي بالمتاجرة بالنقود و السندات و ترك البضائع في أماكنها:


والذي حصل أنَّ المُتاجرة الآن بالنقود والأسهُم والسندات فقط، والبضائع في أمكنتها لا تتحرك، ولا تنتقل، ولا تُجلَب، ولا تُباع، إلا عن طريق المُقامرة بها، هذا النظام العالمي الاقتصادي، لأنَّ السِلع والخدمات هي الأصل في اختراع النقود، فإذا تبادل الناس النقود من دون سِلعٍ وخدمات، أصبحت النقود بحدِّ ذاتها سِلعٌ، مع أنَّ الفرق جوهريٌ بين السِلع وبين النقود، الفرق الجوهري أن السِلع يُنتفَع بها مُباشرةً، البيت تسكنه، الطعام تأكله، المركبة تركبها، أمّا إذا كنت جائعاً وليس هناك طعامٌ، وأنت في الصحراء، ماذا تفعل بألف ليرة؟! لا قيمة لها إطلاقاً، لذلك قصةٌ فرنسية أرويها كثيراً، إنسانٌ ركب ناقته وعليها طعامه وشرابه ليجتاز بها الصحراء، ضلَّ الطريق، ونفذَ طعامه وشرابه، لمح عن بُعدٍ واحة ماءٍ، فهرع إليها، وفرح بها فرحاً عظيماً، لأنه ابتعد عن الموت عطشاً، بعد أن شرب وارتوى، حالت منه التفاتةٌ فإذا كيس، فظنَّ به خبزاً وسُرَّ به سروراً عظيماً، فلمّا فتح الكيس لم يرَ فيه إلا اللآلئ، فصاح قائلاً: وا أسفاه هذه لآلئ، ماذا ينتفع بها في الصحراء وقد أوشك على الموت جوعاً؟ السِلع يُنتفَع بها مباشرةً، أمّا النقود واسطة.

تجارة الهامش: 


أيُّها الإخوة: وحينما نتعامل مع النقود كسِلعٍ فنُتاجر بها، عندئذٍ نكون قد وقعنا في خطأٍ مُدمِّر ظهرت نتائجه في هذا الأسبوع، نظامٌ عالميٌ قائمٌ على الرِبا، وقائمٌ على المُتاجرة بالنقود، وقائم على بيعٍ وهمي وشراءٍ وهمي بما يُسمّى بتجارة الهامش.
تقول أنا رأسمالي مئة ألف دولار، تدفع فقط عشرة وتشتري بضاعة، الذي باعك إيّاها لا يملكها، وأنت بعد أن اشتريتها لا تملكها، لكن يُحسَب لك الفرق، إن ربحت سُجِّل هذا في ربحك، وإن خسرت هذا في خسارتك، هذه اسمها تجارة الهامش، يتعامل معظم المسلمين بها، ولا يغيب عنكم، أنه قبل عامين دخل في دولةٍ إسلامية، ثمانية وثلاثين ألف إنسان بأزماتٍ قلبية، بسبب انهيار البورصة بثمانين مليار دولار، في بلدٍ إسلاميٍ وعربي، وقبل ذلك في سوق المُناخ في الخليج، وقبل ذلك في بنك الاعتماد، حتى إنني قرأت كتاباً لعالِمٍ اقتصاديٍ كبير في ألمانيا، يؤكِّد أنَّ كل ثمن النفط الذي قبضناه من الغرب، دفعناه خسارةً في البورصة، وليس هناك من مُتَّعِظ، وليس هناك من مُعتبر، والآن الأزمة تتفاقم كل يوم. 

انهيار الأسواق العالمية تأكيد لقوله تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا:


هذا أحد الموضوعات الساخنة، ولكن قبل أن أُتابع هذا الموضوع، هناك موضوع دقيق جداً وهو: أننا معشر المسلمين نتمتع بحالةٍ لا مثيل لها، أنا أُسمّيها الأمن العَقَدي، يعني كل ما سيجري يؤكِّد حقيقة دينك، لمّا الاتحاد السوفيتي قبل أن ينهار حرَّم الخمر، هذا تأكيدٌ لديننا، وانهيار الأسواق العالمية - والله لا نشمت- لكن انهيار الأسواق العالمية تأكيدٌ لكلمتين في القرآن الكريم:

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)﴾

[ سورة البقرة  ]

كلامٌ دقيق، أحياناً هناك أمرٌ أو نهي، العلاقة بين الأمر ونتائجه، وبين النهي ونتائجه علاقةٌ علمية، لكن في بعض الأوامر العلاقة ليست علمية، يعني مستحيل أن تُقرِض مئة ألف وتأخذها مئةً وعشرين ألفاً وتخسر، فالرِبا على الآلة الحاسبة يربح، لا يوجد قرض حسن بالعالم الغربي، ولكن الذي يقع عكس ذلك، الذي يقع تأكيدٌ لهذه الآية: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) وكأنني أرى أنَّ العلاقة بين تحريم الرِبا وبين النتائج المُترتبة عليه، ليست علاقةً علميةً إطلاقاً، ولكنها علاقةٌ تكوينية بفعل الله (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) .

تداول الكتلة النقدية بين الناس إرادة الله عزَّ وجل في مُحكم تنزيله: 


أيُّها الإخوة: من مُسلَّمات الاقتصاد الإسلامي أنَّ المال قِوام حياتنا، فإذا عصينا منهج خالقنا العظيم، الخبير، بأسباب سلامتنا وسعادتنا، الذي أراد المال في مُحكَم تنزيله، أن يكون متداولاً بين الناس جميعاً، طبعاً الآية الكريمة: 

﴿ مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)﴾

[ سورة الحشر  ]

الكتلة النقدية أرادها الله أن تكون متداولةً بين كل الخلق، الوضع الصحي، الوضع الطبيعي، الوضع السالم والآمن، أن تكون هذه الكتلة متداولةً بين كل الخلق.

تحريم الرِبا و توعُّد آكلها بحربٍ من الله و رسوله:


لذلك حرَّم الشرع أشدَّ التحريم، وليس من آيةٍ في القرآن الكريم إلا هذه الآية، تتوعد آكل الرِبا بحربٍ من الله ورسوله:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)﴾

[ سورة البقرة  ]

والحرب وقعت.

المال قوام الحياة الإنسانية في النظام المالي الإسلامي: 


أيُّها الإخوة: النظام المالي الإسلامي يَعدُّ المال قوام الحياة الإنسانية، قال تعالى: 

﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (5)﴾

[ سورة النساء  ]

تقوم حياتكم بها، يعني شابٌ يحصل على وظيفةٍ، مهما يكن هذا الدخل، هو تحرك نحو الزواج، نحو استئجار بيتٍ، نحو خِطبة فتاة، فالمال قِوام الحياة هذه حقيقة، ولا تُصدِّق من يقول لك: إنني أحتقر المال، كاذب، قال تعالى:

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)﴾

[ سورة آل عمران  ]

أيُّها الإخوة: أول حقيقة المال قِوام الحياة، وأنَّ هذا المال الذي فيه قِوام الحياة، يجب أن يكون موزعاً ومتداولاً بين كل البشر، لا أن يكون دولةً بين الأغنياء منكم.

حقيقة النظام الإسلامي أن الأعمال تلد المال والأرباح توزع على أكبر شريحة: 


أيُّها الإخوة: لقد حرَّم الله خالق السماوات والأرض، في كل الشرائع السماوية، في اليهودية والنصرانية والإسلام حرَّم الرِبا، لأنَّ حقيقة الرِبا أنَّ المال يلد المال، بينما حقيقة النظام الإسلامي أنَّ الأعمال تلد المال، يعني بعضكم من التجار، لا يوجد تاجر إلا يدفع أحياناً في الأعمِّ الأغلب نصف أرباحه مصاريف، فتحت محلاً تجارياً، استأجرت محلاً فانتفع صاحب المحل، زينته فانتفع مهندس التزيين، اشتريت أثاثاً، عيَّنت موظفاً، طبعت دفاتر، اقتنيت سيارةً للعمل، يعني أقل محل تجاري، هناك أربعمئة أو خمسمئة شخص، ينتفعون من هذا المحل دون أن يكونوا موظفين فيه، مرةً قرأت مقالةً، شركة رينو للسيارات في فرنسا، يعمل لها مئتان وعشرون معملاً، حينما تلد الأعمال المال، تتوزع الأرباح على أكبر شريحة، عندك أرض زرعتها، هناك حشرة، تذهب إلى السوق تحتاج إلى مهندس زراعي يُعيِّن لك ما نوع هذه الحشرة، شغّلت مهندساً، تحتاج إلى مِرشة، تحتاج إلى دواء، حينما تُفكِّر أنَّ الأعمال تلد المال، الأرباح توزَّع على أكبر شريحة، أمّا إذا ذهبت إلى البنك وأودعت فيه المال، لم ينتفع أحد بل هو أُقرِض بالرِبا وصار عبئاً على من اقترضه.

من نتائج الرِبا جمع الأموال في أيدٍ قليلة و حرمان الكثرة الكثيرة منها: 


أيُّها الإخوة: شيءٌ آخر أتمنى أن يكون واضحاً لكم، أنَّ الأموال إذا ولدت الأموال، تجمعت الأموال في أيدٍ قليلة، وحُرِمت منها الكثرة الكثيرة، الحقيقة المؤلمة أنَّ دوَل الشمال تملِك تسعين بالمئة من ثروات الأرض، وأنَّ دوَل الجنوب الفقيرة لا تملِك إلا عشرةً بالمئة من ثروات الأرض، دوَل الشمال هُم عشرة بالمئة من سكان الأرض، يملكون تسعين بالمئة من ثرواتها، بلد تعرَّض لحرب فاقترض أربعين مليار دولار، نصف دخله القومي سدادٌ لا للقرض ولكن لفوائد القرض، ولا يعلم إلا الله بعد مئة سنة، ينتهي هذا القرض مع فوائده المُرَّكبة أم لا؟ (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) .
أيُّها الإخوة الكرام: لذلك تجد في دول الغرب ثراءً يفوق حدّ الخيال، مهما وصفت لكم الثراء والبذخ والترف أكثر مما تتصورون، قد تعجبه لوحةً زيتية ثمنها 50 مليون دولار يشتريها، هذا واقع المسلمين.
أيُّها الإخوة: تجد في العالم الغربي الذي يعد عشرة بالمئة من سكان الأرض، معه تسعون بالمئة من ثرواتها، تجد بذخاً، تجد ترفاً، مهما وصفت لكم لكن الحقيقة أبلغ، وتجد في العالم الثالث الفقر، والقهر، والمجاعات، والأوبئة، والأمراض، ما لا سبيل إلى وصفه، هذه نتائج الرِبا، الرِبا يُجمِّع الأموال في أيدٍ قليلة ويحرم منها الكثرة الكثيرة، وربما جاء دور هؤلاء المُرابين ووقع السحر على الساحر.

المفارقة الحادة بين دول الشمال ودول الجنوب سبب الإرهاب في الأرض: 


أيُّها الإخوة: بيني وبينكم وبهمسٍ أقول لكم: هذه المفارقة الحادة بين دوَل الشمال ودوَل الجنوب، بين الأغنياء والفقراء، بين المُترفين والمُتعبين، هي سبب الإرهاب في الأرض، هذه الحقيقة الدقيقة، لأنَّ النبي الكريم لمّا جاءه صحابيٌ يسوق له سارقاً، دخل بستانه وأكل من دون إذن، ماذا قال له النبي عليه الصلاة والسلام؟ النبي الكريم عالج المشكلة من بدايتها قال له:

(( قدمتُ مع عمومتي المدينةَ فدخلتُ حائطًا من حيطانها ففركتُ من سنبلِه فجاء صاحبُ الحائطِ فأخذ كسائي وضربني فأتيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أستعدى عليه فأرسل إلى الرجلِ فجاؤوا به فقال ما حملك على هذا فقال : يا رسولَ اللهِ : إنه دخل حائطي فأخذ من سنبلِه، ففركه، فقال رسولُ اللهِ: ما علمتَه إذ كان جاهلًا، ولا أطعمَته إذ كان جائعًا، ارددْ عليه كساءَه ))

[ أخرجه النسائي وأبو داوود والبيهقي ]

((  كاد الفقرُ أن يكون كُفْرًا، وكاد الحسدُ أن يَسْبِقَ القَدَرَ ))

[ أخرجه الطبراني ]

وكاد الفقر أن يكون جريمةً، وكاد الفقر أن يكون سرقةً، وكاد الفقر أن يكون احتيالاً، وكاد الفقر أن يكون إرهاباً، هذا الإرهاب الذي نغَّص على المُترفين عيشتهم، ورفاههم، وطمأنينتهم، وأقضَّ مضاجعهم، إنه فعل أيديهم هُم سبب الإرهاب.

خروج النقود عن وظائفها الأساسية نتج عنه نقص الأرباح وتقليل الفاعليات الاقتصادية: 


لذلك أيُّها الإخوة: إنَّ خروج النقود عن وظائفها الأساسية، كأداةٍ لتبادُل السِلع والخدمات، وجعل محلها للمُتاجرة بها كما في الرِبا الذي حَرَّمته الشرائع، ولاسيما الشريعة الإسلامية، ومعناه تعطيلٌ لتلك النقود وتضييقٌ في المُبادلات، وهذا ما ينتج عنه نقص الأرباح، وتقليل الفاعليات الاقتصادية، وزيادة البطالة، وانتشار المُعاملات الوهمية، كل أسعار البورصة والسندات وهمية، شركة في الخليج سعر السهم فيها خمسةً وثلاثون درهماً، اليوم خمسة دراهم، فالذي عنده ألف سهم خسر أربعة أخماس مبلغه، هناك شركات أنا أُتابع الأخبار بدقة، تسعة آلاف نقطة في أمريكا، أضخم شركة ذهب نصف المبلغ فيها، خلال يومين أو ثلاثة، خمسة تريليون خسر المودعون في البنوك (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) بفعلٍ تكويني.
يقول موريس آلياس: عالِمٌ اقتصادي كبير حاز على جائزة نوبل في الاقتصاد قال: "إن آلية الائتمان، أي التمويل الربوي، تؤدّي بصورةٍ جوهرية إلى خلق وسائل دفع وهمية" شخصٌ اشترى بيتاً بستمئة ألف دولار، اليوم ثمنه مئتي ألف، لم يعُد يدفع أقساطاً، وعندما لم يدفع الأقساط البنك باع البيت، لأنَّ البنك لا يهمه الربح يهمه أن يأخذ المئتي ألف، باعه بأرخص الأثمان، الناس في الطرقات الآن خسروا أعمالهم، لأنه أحد شركات السيارات مبيعاتها هبطت أربعين بالمئة، إذاً يُسرِّحون خمسة آلاف عامل، العامل لم يعُد له دخل، بيته بالتقسيط الربوي لم يعُد يدفع للبنك، البنك باع البيت، باعه بربع قيمته، هذه المشكلة الكبيرة، يقول الخبراء: لا يوجد مشكلة بعد الحرب العالمية الثانية تفوق هذه المشكلة، وآثارها وصلت إلى كل البلاد.
وزير اقتصاد اليابان قال: نحن موقفنا جيد جداً اقتصادنا متين، ثاني يوم البورصة نزلت خمسة عشر بالمئة في اليابان، هذه الدولة العملاقة (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) .
أنت معك أمن عَقَدي، معك آيتان في القرآن الكريم، كل ما يجري تأكيدٌ لهاتين الآيتين، لذلك أحد أدلة أنَّ هذا القرآن كلام الله، وقوع الوعد والوعيد.

وقوع الوعد والوعيد من أدلة كلام الله عزَّ وجل: 


أيُّها الإخوة: الحقيقة هذه الأزمة سبَّبَت خسارات فلكية، خمسة تريليون، تريليون يعني مليون مليون، أي اثني عشر صفراً، خمسة تريليون دولار، هي أربعون بالمئة من جميع الأموال المودعة في البنوك الربوية (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) وقوع الوعد والوعيد من أدلة كلام الله عزَّ وجل.

انتشار أعمال العنف و الاحتيال نتيجة وجود بنوك تؤدّي فوائد ربوية عالية: 


أيُّها الإخوة: هناك حقيقة دقيقة، إذا كان هناك مصرفاً يعطي فائدة ربوية عشرة بالمئة، عشرة بالمئة أنت آمن بلا جهد، بلا خسارة، بلا ضرائب، بلا تعيين موظف يطالبك بالتأمينات، بلا دفع ضريبة تُسهم في حلّ مشكلة الأمة، ليس له علاقة إطلاقاً بالأمطار، عنده فائدة ثابتة إذا كان هناك بنكٌ يعطي فائدة ثابتة، مُحقَّقة، دائمة، من دون جهد، من دون مخاطرة، من دون مغامرة، من دون قلق، من دون مالية، من دون تمويل، من دون تأمينات اجتماعية، من دون موظفي الطوابع، من دون أي قلق، من دون تعيين موظف، من دون دفع خسارة، لا يوجد إنسان يطرح رأسماله في العمل التجاري والصناعي والزراعي، بأقل من أربعين بالمئة أرباح، ما دام هناك عشرة من دون جهد، من دون مغامرة، إذاً آلية الرِبا ترفع الأسعار، مادام هناك مصارفٌ ربوية فالأسعار مرتفعة، لأنَّ الإنسان لا يقبل أن يضع خمسين مليوناً بمشروعٍ يربح بالمئة عشرة، يضعه في البنك، بمنطق إنسان مادي غير مسلم، ما دام سيوظف أربعين خمسين مليوناً لا يضعهم بعملٍ تجاري، هناك احتمالٌ أن يخسر، أساساً لماذا التجارة حلال؟ لأنَّ فيها ربح وخسارة، فيها ما يُسمّونه قرار مغامرة، التاجر يُغامِر فيربح أحياناً أو يخسر، فلذلك لمجرد وجود بنوك تؤدّي فوائد ربوية فالأسعار مرتفعة.
 الآن عندنا موشور، الموشور عبارة عن دوائر متناقصة، فكلما ارتفع السعر الدائرة المنتفعة من هذه السِلعة ضاقت، يعني مَثَل بين أيديكم، بأحد السنوات أصبح سعر كيلو الكرز بخمس ليرات، لا أعتقد أنَّ بيتاً لم يشترِ الكرز، فإذا كان بمئة ليرة، عِشر البيوت تشتري الكرز، كلما السعر ارتفع وهذه الظاهرة الخطيرة، كل شيء موجود بالعالم الرأسمالي، لكن كل شيء سعره مرتفع، فوق طاقة الإنسان، الآن الحياة لمن؟ للأقوياء والأغنياء فقط، هذا الإنفاق الذي فيه ترف فوق طاقة الناس، لذلك هناك حرمان، وهناك حقد، وهناك أعمال عنف، وهناك دعارة.
إنسانة درست الدعارة في بعض البلاد الإسلامية، تفاجأت خمسٌ وتسعون بالمئة من المومسات لَسنَ فاسدات ولكنهنَّ فقيرات، وهذه وصمة عارٍ تمسُّ الأُمة كلها، كاد الفقر أن يكون دعارةً، احتيالاً، قبضوا على إنسانٍ يبيع لحم حميرٍ، فوضعوه في السجن، فقام أحد السجناء وضربه ضرباً مُبرحاً، سألوه لِمَ تضربه؟ قال أنا آكل عنده لحم بحجم الحمار، فقر، احتيال، دابةٌ ماتت فيصنعون منها لحماً على عجين ويبيعونها! فقرٌ وقلة دين.

من جمع أمواله بإسم المُضاربة وأكلها على الناس فقد ضعضع ثقة الناس بالإسلام:


أيُّها الإخوة الكرام: الآن انتبهوا إلى الخَلل في الرِبا، قال: من المُسَلَّم به أنَّ مصلحة الأنشطة الاقتصادية المختلفة، من زراعةٍ وصناعةٍ وتجارة، أن يكون المشتركون فيها لهم رغباتٌ وأهدافٌ، ومصالحٌ متآلفة ومُتَّحدة، تتجه إلى ترقية هذه الأنشطة، أي تتجه إلى الربح، فما لم يكن الربح موزعاً بين كل النشاطات صار هناك رِبا، البنك لا يهمه ربحك يهمه أنه سيُحقِّق ربحاً ثابتاً، فإن ربحت أو خسرت أو أفلست، لا يهمه، وأنت لا يهمك أن تربح، يهمك أن تتخلص من الدَين مع الفائدة، أمّا بالمُضاربة.
والله أيُّها الإخوة: ما من شيءٍ حرَّمه الله إلا جعل له قناةً نظيفةً تسري خلاله، المُضاربة، شريك المال معك، فإذا لم تربح ليس له عندك شيئاً، وإذا خسرت يعاونك بالخسارة، وإذا ربحت يأخذ جزءاً من الربح، والنبي الكريم كان أول مضارب في الإسلام، لكن المشكلة في بلادنا، أنَّ الذين جمعوا الأموال بإسم المُضاربة، وأكلوها على الناس بالمليارات، هؤلاء ضعضعوا الثقة بالمنهج الإسلامي، والله أقول ولا أُبالغ هؤلاء بحقِّ الأُمة مجرمون، القناة النظيفة الوحيدة التي تربح بها المال بأحلَّ من حليب أمك أفسدوها، وجعلوها قنصٌ واحتيال، فصار البنك أكثر ثقة من المُتاجرة بأموال الناس.

ضعف الإيمان والفقر وراء ما يعاني العالم كله: 


أيُّها الإخوة: الآن عندما يُموُّل المصرف مشروعاً ويأخذ ثمانية بالمئة فائدة، قد يكون حقّه أربعين بالمئة، المصرف ظُلِم، وعندما يخسر صاحب المشروع، ويُصرّ البنك على أخذ الفائدة أيضاً، ظُلِم صاحب المشروع، بالرِبا أحد الطرفين مظلوم، إمّا البنك أو المُنتفع قطعاً، جاء الإسلام لئلا يكون هناك ظلمٌ بين البشر، يستغرب الإنسان (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) .
بالخمر تجد إنساناً مخموراً في الطريق، بالسرقة مودَع بالسجن، هذه المعاصي واضحة، لكن البنك بناءٌ فخم، مُكيَّف، فيه استقبال، فيه كومبيوترات، شيءٌ مُرتَّب أين الحُرمة؟ الحُرمة أنَّ التعامل الربوي يُدمِّر أُمةً.
بشكلٍ مُختصر: حينما يلد المالُ المال تتجمَّع الأموال في أيدٍ قليلة، وتُحرَم منها الكثرة الكثيرة، والفارق الفلكي بين الدخول وراء الإرهاب، وراء السرقة، وراء الغش، وراء الاحتيال، في الخُبز هناك مادةٌ تُعين على نضوجه الكيلو ثمنه خمسة آلاف، وهناك مادةٌ مسرطنة ثمن الكيلو خمسون ليرة، كي يربح يضع مادة مسرطنة، فضعف الإيمان والفقر وراء ما يُعاني العالم كله، سبحان الله لحكمة بالغةٍ بالغة، بلدنا الطيِّب الناس ما عندهم قناعة بالبورصات، كل شخصٍ ماله عنده، تجارة، بضاعة، يعني أقل الدول خسارة هي الدول الإسلامية، لأنَّ موضوع البورصة ما دخل في حسابهم.

التقرير الذي صدر عن مجلس الشيوخ الفرنسي حول النظام المصرفي الإسلامي: 


أيُّها الإخوة: اسمعوا هذا التقرير الذي صدر عن مجلس الشيوخ الفرنسي قريباً بالإنترنت، تقريرٌ يتناول النظام المصرفي الإسلامي الذي يعيش ازدهاراً واضحاً، وقد أكدَّ هذا التقرير أنَّ النظام المصرفي الإسلامي مُربحٌ للجميع مسلمين وغير مسلمين، ويمكن تطبيقه في جميع البلاد، فضلاً عن أنه يُلبّي الحاجات الأساسية عند الإنسان، لذلك يحث التقرير على فتح مصارفٍ إسلامية في فرنسا، أو إقامة نُظُمٍ تشريعيةٍ وضريبيةٍ إسلامية على التراب الفرنسي، تُراعى فيها قواعد الشريعة الإسلامية في المجال المالي، ويعني النظام المصرفي الإسلامي بخاصة والمالي بعامة.
الآن دققوا: أن يقوم هذا النظام الإسلامي على خمسة مبادئ، نحن لازلنا في التقرير الفرنسي: المبدأ الأول تحريم الرِبا وتحريم بيع الغَرَر، اليانصيب مثلاً، وتحريم الميسر، وتحريم التعامل في الأمور المُحرَّمة شرعاً كالخمر والزِنا، وتقاسم الربح والخسارة، لا يوجد فائدة ثابتة، البنك الإسلامي يُموُّل لكن له نصيبٌ من الربح وليس فائدة ثابتة، وتحريم التورُّق إلا بشروط، هذا التقرير صدر عن مجلس الشيوخ الفرنسي، يحثُّ المسؤولين على فتح مصارفٍ إسلامية، لأنَّ هذه المصارف يربح منها الجميع مسلمين وغير مسلمين، ويمكن تطبيقه في جميع البلاد، فضلاً عن كونه يُلبّي حاجات أساسية عند الإنسان، لذلك يحثُ هذا التقرير على فتح مصارفٍ إسلامية في فرنسا، أو إقامة نُظُمٍ تشريعيةٍ وضريبيةٍ إسلامية على التراب الفرنسي، تُراعى فيها قواعد الشريعة الإسلامية في المجال المالي، ويعني النظام المصرفي الإسلامي بخاصة والنظام المالي بعامة، أنه يقوم على خمسة مبادئ وهي: تحريم الرِبا وتحريم بيع الغَرَر، وتحريم الميسر، وتحريم التعامل في الأمور المُحرَّمة شرعاً كالخمر والزِنا، وتقاسُم الربح والخسارة من دون فائدة ثابتة، وتحريم التورُّق إلا بشروط.

اكتشاف العالم الغربي مع مرور الزمن أنَّ الصواب في الشريعة الإسلامية: 


أيُّها الإخوة الكرام: مع تقدُّم الزمان، يكتشف العالَم الغير المؤمن، أنَّ الصواب في الشريعة الإسلامية، قبل أن ينهار الاتحاد السوفيتي ماذا حرَّم؟ حرَّم الخمر تحريماً قطعياً، مُعسكر يؤمن بأنه لا إله لكنه حرَّم الخمر، والآن الدعوة بأعلى صوت إلى إلغاء النظام العالمي القائم على الرِبا، دعوةٌ بأعلى صوت، وبعض الدول الرأسمالية أمَّمت المصارف كلها، شيءٌ عجيب! الأخبار صاعقة، هذا النظام الربوي القائم على الاستغلال تداعى.
أيُّها الإخوة الكرام: من سمات الموازنات العامة في الدول النامية، وبخاصةٍ العربية والإسلامية، أنها تقوم على أهراماتٍ هائلة من الديون، والفضل لله عزَّ وجل، هذا البلد الطيِّب أيضاً هذه النقطة انتبهنا لها منذ وقتٍ طويل، ديوننا قليلةٌ جداً، أمّا غير دوَل كابوسٌ لا ينتهي بخمسين سنةٍ قادمة، هناك دولة نصف الدخل القومي سداد للفوائد، والقرض أربعون ملياراً.
أيُّها الإخوة: حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن مَلَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا، وسيتخطَّى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه وعمل لِمَا بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني، والحمد لله ربِّ العالمين.

* * *

الخطبة الثانية : 

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

عناية مجامع الفقه الإسلامية بالموضوعات المعاصرة:


أيُّها الإخوة: الآن مجامع الفقه الإسلامية من فضل الله على أعلى مستوى من الاجتهاد، هناك مجمعان كبيران المجمع الفقهي الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي، تقريباً بكل مجمع يوجد سبعين أو ثمانين عالماً كبيراً يعالجون قضيةٍ معاصرة، أحياناً تفتح كتاب فقهٍ قديم، يقول لك: اشترى جاريةٍ وباعها، الآن لا يوجد جواري تُباع، الآن هناك تأمين ما حكمه؟ هناك مرابحة، هناك بنكٌ إسلامي، فهذه المجامع تُعنى بالموضوعات المُعاصرة، أكثر من أربعين قراراً وعندي هذه القرارات تُحرِّم التعامل بالبورصة، حالات قليلة جداً مسموحٌ بها، إذا كان هناك تقابض وأخذ البضاعة إلى رحلك، أمّا كله بيع وهمي، خمسون طناً من البن لا يُزحزحون من مكانهم، يباعون مليون مرة، ويأخذ الذي اشترى وما امتلك يأخذ الفرق فقط، أو يدفع الخسارة هذا اسمه تجارة الهامش، فهناك قرارات إن شاء الله في خُطبةٍ قادمة أقرأ لكم بعض هذه القرارات، وأنا قرأتها مرةً قبل سنة على المنبر، الأمر واضح تماماً، هناك تحريمٌ مُجمَعٌ عليه من كل العلماء في المجامع الفقهية، التعامل بالبورصة واحد بالمئة منه حلال، إذا أنت اشتريت بضاعة ودفعت الثمن وأخذت البضاعة، هذه حالةٌ لا شيء فيها، أمّا الباقي كله ليس كذلك، هناك فوائد، لا يوجد تملُّك، هناك بيعٌ وهمي، هناك تجارة الهامش، فلذلك إن شاء الله في الأسبوع القادم يمكن أن أقرأ لكم بعض هذه القرارات لتقتنعوا.
المسلمون الذي أخذوه من الغرب ثمن النفط استردَّه الغرب بالبورصة، قلت قبل قليل ثمانية وثلاثون ألف إنسان أصابتهم أزمةٌ قلبية، دخلوا بها إلى المستشفيات بسبب أزمةٍ، قبل عامٍ بسبب انهيار البورصة، الخسارة كانت ثمانين مليار دولار.

العلاقة بين الرِبا وبين نتائجه ليست علاقة علمية بل علاقة تكوينية: 


فيا أيُّها الإخوة: هذا القرآن الكريم أحد أدلتي أنه كلام الله، وقوع الوعد والوعيد، والعلاقة بين الرِبا وبين نتائجه بصراحة ليست علاقةً علمية بل علاقة تكوينية (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا)
والله أعرف شخصاً عنده محل تجاري في عاصمةٍ عربية بأرقى الشوارع التجارية، ثلاث واجهات بثلاث واجهات، ومحل، ومكتب استيراد، ومستودع، وبيوت، بسبب قرضٍ ربوي، اضطُر أن يبيع كل هذه المحلات الثلاثة مع بيته (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا) .
هذه قاعدة إمّا أن تُصدِّق كلام الله عزَّ وجل، أو تفضل هذه الأزمات، الذي ليس له علاقة بالبورصة ليس له علاقة بالموضوع كله، الإنسان مثل مسرح، هناك مشاهدين وهناك خشبة مسرح، إذا كنت مستقيماً فأنت لك مكان مع المشاهدين، ترى على هذه الخشبة ما هبَّ ودبّ، فإن لم تكن مستقيماً لابُدَّ من أن تُجرَّ إلى خشبة المسرح وتغدو أنت قصة، الآن هناك أزماتٌ قلبية، انهيار عصبي، اختلال توازن، فُقدان عقل، ليس من المعقول أن يخسر مئة مليون في يومٍ واحد، قبل يوم كان يستطيع أن يبيعهم ويأخذ مئة مليون يضعهم في اسمه ذهبوا الآن!
مثلاً الحديد الطن بثمانيةٍ وستين ألفاً، الآن سعره العالمي عشرون ألفاً، فالذي اشترى حديداً بثمانيةٍ وستين ليُتاجر به، على أمل أن يرتفع السعر ويربح، ماذا حلَّ به الآن؟ خسر أربعة أخماس دخله، وارتفاع السعر ليس طبيعياً، ارتفاعٌ مُفتعل، متى يرتفع السعر عشرة أضعاف؟ إذا الطلب عليه ازداد عشر مرات، وإذا إنتاجه قلَّ عشر مرات، أمّا لا الإنتاج نقص ولا الطلب زاد، الأسعار الآن قبل هذه الأزمة عشرة أضعاف، صنعوا وقود الطائرات من المواد الغذائية، مثلاً: الذرة وفول الصويا هذه للفقير، صُنع من هذه المواد الغذائية الأساسية للفقراء وقود الطائرات! ترفٌ ما بعده ترف، الآن دفعوا الثمن.
أعود وأقول لكم: إنَّ أعظم ما يملكه المؤمن الأمن العَقَدي، كل شيء يحصل في الأرض يؤكِّد له صحة دينه، وصحة قرآنه، ووقوع الوعد والوعيد أكبر أدلتي أنَّ هذا القرآن كلام الله تعالى.

الدعاء: 


اللهم اهدِنا فيمَن هديت، وعافِنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقِنا واصرف عنّا شرَّ ما قضيت، فإنك تقضي بالحقِّ ولا يُقضى عليك، وإنه لا يذلُّ من واليت، ولا يعزُّ من عاديت، تباركت ربّنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك.
اللهم هب لنا عملاً صالحاً يُقربنا إليك، اللهم اعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنّا، آثرنا ولا تؤثِر علينا، ارضنا وارضَ عنّا.
اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تُبلغنا بها جنتك، ومن اليقين ما تُهوُّن به علينا مصائب الدنيا، ومتِّعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوُّتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منّا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مبلغ عِلمنا، ولا تُسلِّط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا، مولانا ربَّ العالمين.
اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحقّ والدين، وانصر الإسلام وأعزَّ المسلمين، وخُذ بيد ولاتهم إلى ما تُحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور