الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلن تجد له ولّياً مرشداً، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ، أو سمعت أُذُنٌ بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذُريته ومَن والاه ومَن تَبِعه إلى يوم الدين.
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعِلم، ومن وحول الشهوات إلى جنَّات القُربات.
الإسلام دينٌ عظيم لم ينسَ أحداً من فضله:
أيُّها الإخوة الكرام: اتفاقياتٌ كثيرة، كاتفاقية المرأة، واتفاقية حقّ الطفولة، هُم يأخذون مشكلاتهم ويُعمِّمونها على العالم كله، والمُسلم حينما يُتابع أمر دينه، ويرى ما في هذا الدين العظيم الذي هو وحي السماء، ومنهج خالق الأرض والسماء، يشعُر بألمٍ شديد، لأنَّ الذي عندنا يفوق ما عندهم بآلاف المرات، إن في حقوق الإنسان، وإن في حقوق المرأة، وإن في حقوق الطفل.
اليوم أعرِض على مسامعكم بعض ما في هذا الدين العظيم، من حقوقٍ للطفولة لا يحلُم بها الطرف الآخر، مَن منّا يُصدِّق أنَّ الإسلام يُنشئ للطفل حقَّاً على والديه، أو على أبيه إن صحّ التعبير قبل أن يولد، على الأب أن يُحسِن اختيار أُم الطفل، فهذا أول حقٍّ يترتَّب على الأب قبل أن يكون له ابنٌ، لا يوجد نظام في الأرض أشار إلى هذه الناحية، حقّ الابن على أبيه أن يُحسِن اختيار أُمه.
1 ـ على الأب أن يُحسِن اختيار أُم الطفل:
في اتفاقية حقوق الطفل، لا يوجد أبداً إشارةً إلى أنَّ من حقّه أن يكون ابن أبَوين، أربعون بالمئة من الأطفال لُقطاء، لا يوجد إشارة بالقانون والاتفاقية إلى أنَّ هذا الطفل من حقّه على مجتمعه أن يكون له أبٌ يعترف به، وأُمٌ تعتني به، الُلقطاء بحدائق الجامعات في بلدٍ غربي ثلاثمئة وخمسين ألفاً، بينما في بلدٍ كبلدنا المُسلم الذي فيه بقية مُروءة، بقية عِفّة، أربعون حالة فقط، هذا فضل الدين، فضل الانضباط، فضل الحياء، فضل العِفّة، لنا ميزات لا يعرفها إلا مَن غادر هذا البلد، تماسُك الأُسرة، الأب مُقدَّس، مرة حدثني أخٌ كريم سافر إلى باريس، رأى شاباً على نهر السين ساهِم الوجه، قال له مالكَ وما تتمنى؟ قال له أتمنى أن أقتل أبي، فهذا الأخ كإنسانٍ مسلمٍ صُعِق، لِمَ؟ قال أُحب فتاةً فأخذها منّي، أمّا آباء المسلمين همّه الأول تزويج أولاده، همّه الأول أن يبيع بيته في دمشق، ليسكُن خارج دمشق كي يُزوج أولاده، أنا أتمنى على الإخوة الكرام، لا تغفل عن ميزات المسلمين، تتمتع بتماسُكٍ أُسري، الأب مُقدَّس، الأُم مُقدَّسة، الأولاد مُقدَّسون، لذلك أول حقٍ للطفل على أبيه، أن يُحسِن اختيار أُمه.
2 ـ حق الجنين على أُمه أن تفطر في رمضان كي يستطيع أن ينمو:
الآن لا يوجد بأي اتفاقية طفولة حقوق للجنين، حقّ الجنين على أُمه أن تُفطِر في رمضان، وهو شهر الصيام، وهو ثاني أكبر عبادة في الإسلام، أن تُفطِر إذا كانت حاملاً أو مُرضعاً، هذا حقٌّ للجنين كي يستطيع أن ينمو، وكي يستطيع بعد الولادة أن يرضع، إذاً سمح للأم أن تُفطِر من أجل جنينها إن كانت حاملاً، ومن أجل وليدها إن كانت مُرضعاً، لذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( لا تَجْنِي أُمٌّ على ولدٍ ))
أيُّها الإخوة: حينما يؤذى الصغير يُحاسَب عنه الكبير، الآن من تعدَّى على الجنين فأسقطه فعليه الديَّة، يقول لك: شيءٌ بسيط عملت إجهاض! وكل مؤتمرات السكان تدعو إلى الإجهاض الآمن، يعني تحمل فتاة، فتذهب إلى مستشفى تطلُب عملية إجهاض دون أن تُسأل لماذا زَنَت؟ مثلاً، فالإجهاض عندنا ممنوع في الإسلام، بل إن إسقاط الجنين يوجِب ديَّةً لأنه أزهق نفساً.
أيُّها الإخوة:
(( أنَّ امْرَأَتَيْنِ مِن هُذَيْلٍ، رَمَتْ إحْدَاهُما الأُخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا، فَقَضَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فِيهَا بغُرَّةٍ، عَبْدٍ أوْ أمَةٍ ))
لا يوجد بأي اتفاقيةٍ، أنَّ إنساناً أساء لامرأةٍ فمات الذي في بطنها، فعليه ديَّة قتيل.
أيُّها الإخوة: الحامل إذا شربت دواءً فألقت الجنين، فعليها الديَّة والكفَّارة تُدفع إلى ورثة الجنين.
الآن الحامل إذا ماتت وفي بطنها جنين، ما الذي ينبغي أن نفعله؟ ينبغي أن يُشق بطنها طولاً، وأن يُخرَج منه الجنين، لقوله تعالى:
﴿ مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)﴾
لازلنا والجنين في بطن أُمه.
4 ـ حفظ حق الجنين في الميراث إن مات والده و هو لم يولد بعد:
الآن مات أبوه وترك أموالاً، يا ترى هذا الجنين ذكرٌ أم أُنثى؟ لو أنها أُنثى وحيدة تأخذ نصف المال، قال: يُفرَض أن تكون أُنثى حفظاً لحقّ الجنين، الورثة يقتسمون الإرث على أنَّ الذي في بطن الأُم أُنثى، لأنه أعلى نسبة لها، فإذا جاء ذكراً وزَّعوا الفرق على البقية، هذا من أحكام توزيع الإرث.
أيُّها الإخوة: أمّا السِقطُ يُصلّى عليه ويُدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة، أمّا إذا نُفخ فيه الروح، يُغسل ويُصلّى عليه، احتراماً للسِقط هكذا جاءت الشريعة.
الآن المولود ولِد، أولاً ينبغي أن يُحنَّك، أن نأتي بتمرةٍ نأخذ قطعةً منها نُحنِّك بها فمه، كي يذوق طعم الحلو، مع قراءة الفاتحة والإخلاص وما شاكل ذلك، ثم يُدعى له بالبركة، الآن أهم حقٍّ حقه في النسَب، لذلك قال تعالى:
﴿ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (5)﴾
أول حقٍّ للابن أن يعرف مَن أبوه؟ مَن أنجبه؟
6 ـ عدم الشك بنسَبه أو رفضه:
أيُّها الإخوة: الطفل حينما يكون له أبٌ وأُمٌ، مع الحليب يرضع الرحمة والحُب للمجتمع، أمّا هذا الذي يقسو على الناس قسوة لا حدود لها، هذا الذي يقصِف ليُدمِّر شعوباً، لعلَّه لقيط، لعلَّه لم يذُق طعم الحنان.
صدِّقوا أيُّها الإخوة: حدَّثنا أستاذٌ في الجامعة قال: لو أنَّ الأُم أرضعت ابنها بقسوةٍ لكان المولود قاسياً، يشرب الحنان مع حليب أُمه، فإذا كان في المجتمع أربعون بالمئة من المواليد لُقطاء، أين الرحمة؟ الآن القوي يذبح الضعيف بالعالم كله، والغني يأكل الفقير، لا يوجد رحمة أبداً، ومن أجل حسم الخلافات، جاء الحديث الشريف:
(( الولدُ للفِراشِ ، وللعاهِرِ الحَجَرُ ))
مادامت زوجتك وهذا فراشُك فالذي وَلدَت هو ابنُك، ولو كنت أبيض اللون وهو أسود، وكأنَّ النبي تعلَّم عِلم الوراثة.
(( أنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ امْرَأَتي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ، وإنِّي أَنْكَرْتُهُ، فَقالَ له النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: هلْ لكَ مِن إبِلٍ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: ما أَلْوَانُهَا؟ قالَ: حُمْرٌ، قالَ: فَهلْ فِيهَا مِن أَوْرَقَ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: فأنَّى هُوَ؟ قالَ: لَعَلَّهُ يا رَسولَ اللهِ، يَكونُ نَزَعَهُ عِرْقٌ له، فَقالَ له النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: وَهذا لَعَلَّهُ يَكونُ نَزَعَهُ عِرْقٌ له. ))
موضوع الشك والاتهام (الولدُ للفِراشِ) والذي يرفُض ابنه يكفر.
(( كُفرٌ بامرئٍ ادِّعاءُ نسَبٍ لا يعرفُهُ أو جَحدُهُ وإن دَقَّ ))
هذا الذي يدَّعي نسَباً لا يعرفه أو يجحده كان كافراً، أمّا في العالم الغربي، شابٌ أحبَّ فتاةً، استأذَن والده في الزواج منها، قال له: لا يا بُني إنها أُختك وأُمك لا تدري، أبوه كان زير نساء، فلمّا أحبَّ فتاةً ثانية، قال له: أيضاً هذه أُختك وأُمك لا تدري، فلمّا أحبَّ الثالثة، قال له نفس الكلام، فضجر الابن من أبيه وشكا لأُمه، فقالت له: خُذ أيّاً شئت فأنت لست ابنه وهو لا يدري، هذا العالم الغربي، نراه قِبلةً لنا، نُقلِّده، نراه الحضارة.
إخوانا الكرام: والله أحياناً يخجل الإنسان أن ينتمي لهذه المجتمعات (كُفرٌ بامرئٍ ادِّعاءُ نسَبٍ لا يعرفُهُ أو جَحدُهُ وإن دَقَّ) إذا رفضت ابنك، أحياناً يكون الزواج خارج المحكمة، يقول: ليس ابني، هل يعرف بماذا يتكلم أمام القاضي؟ لا يوجد دليل، هذه العقود خارج النطاق الشرعي لها مشكلة، إذا قال ليس ابني انتهى الأمر، لأنه لا يوجد دليل.
حقّه في الرضاع:
﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ۚ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ۗ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)﴾
على كل أُم أن تُرضِع ابنها لأن الثديين هدية من الله تعالى:
أيُّها الإخوة: (يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ) صيغةٌ جاءت في معرِض الخَبَر بمعنى الأمر، أيتها الوالدات أرضِعن أولادكن، لذلك الفرق بين الإرضاع الطبيعي والصناعي فرقٌ كبيرٌ جداً، أكثر الأطفال الذين يرضَعون صناعياً كحليب البقر، يُصابون بآفاتٍ قلبية ووعائية حينما يكبرون، لأنَّ حليب البقر فيه خمسة أضعاف الحموض الأمينية التي في حليب الأم، حليب الأم تتبدل نسبه في أثناء الرضعة الواحدة، يبدأ بأربعين بالمئة دسَم وستين بالمئة ماء، ينتهي ستين بالمئة دسَم أربعين بالمئة ماء، مُعقَّم، باردٌ في الصيف دافئٌ في الشتاء، فيه مواد حافظة، فيه مواد تمنع التصاق الجراثيم بالمعدة، أكثر الأمراض الإنتانية بسبب الإرضاع الصناعي، بالقرآن الكريم: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ) حتى أنَّ كل معامل حليب الأطفال أُلزِمت أن تكتُب: لا شيء يعدل حليب الأم.
﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)﴾
قال ابن عباس: الثديين هديةٌ من الله.
العقاب الإلهي للنساء اللواتي أَبينَ إرضاع أولادهن ورمٌ خبيثٌ في الثدي:
بالمناسبة، أكثر حالات سرطان الثدي تُصاب به نساءٌ أَبينَ إرضاع أولادهن من أجل شكلهن، فالعقاب الإلهي ورمٌ خبيثٌ في الثدي، أمّا فطام الابن، لا يمكن أن يكون قراراً من أُمه وحدها ولا من أبيه، قرارٌ مشترك بالأحكام الفقهية.
ولمّا سيدنا عُمر حرس قافلةً سمع طفلٌ يبكي، فقال لأُمه: أرضعيه، فأرضعته ثم بكى، قال: أرضعيه ثم غضِب قالت له: ما شأنك بنا؟ إنني أفطمه، قال: ولِمَ؟ قالت: لأنَّ عُمر لا يُعطينا العطاء إلا بعد الفِطام، وهي لا تعلم أنه سيدنا عُمر، تروي الروايات أنه ضرب جبهته وقال: "ويحك يا ابن الخطاب كم قتلت من أطفال المسلمين؟" ولمّا صلّى الفجر، ما سمع الصحابة القراءة التي كان يقرأها من شدة بكائه، لكنه دعا فقال: "يا ربّ هل قبلت توبتي فأُهنئ نفسي أم رددتها فأُعزّيها؟" بماذا اتَّهم نفسه؟ كم قتلت من أطفال المسلمين، لأنه أعطى التعويض العائلي على الفِطام لا على الولادة، ثم أمر أن يكون التعويض فور الولادة.
8 ـ أن يُحسِن الأب اختيار اسم ابنه:
حقّه في التسمّي، هناك أمرٌ نبوي أن يُحسِن الأب اختيار اسم ابنه، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام غيَّر بعض الأسماء، إحداهُن اسمُها عاصية قال: بل أنت جميلة، شخصٌ اسمه أصرم قال له: أنت أزرع، غيَّر النبي عليه الصلاة والسلام الأسماء، من حقّ الابن على أبيه، أن يختار له اسمٌ يتباهى به، ثم يعقُّ له أي يذبح العقيقة تكريماً لهذا المولود، ولإشعاره أنه كبير يُسن أن يُكنَّى بكنية، قال لطفلٍ صغيرٍ يلعب بعصفور: يا أبا عُمير ما فعل النُغير؟ تذبح له عقيقة وتختار له اسماً حسناً وتُكنِّه.
أيُّها الإخوة: ويُحلَق رأسه ويتصدَّق بوزن شَعره ذهباً إكراماً له، ويُغتل الذَكَر وجوباً، كلها أحكامٌ شرعية.
حقَّه في الحضانة، الولد يحتاج إلى حنان، إلى عطف، إلى رعاية، والشريعة قد كفلت له ذلك، حضانته حتى يستقل بأمره، يُحفظ ويوقى من جميع الأضرار والشرور، والأُم هي الحاضنة الأولى، وقد نُصَّ عليها في التشريع الإسلامي، وفي حال السفر يُختار له أفضل امرأةٍ بعد أُمه كي تكون حاضنةً له، هناك ترتيبٌ جاء به الفقهاء، الأُم أولاً، ثم أُمهات الأم، ثم الأب، ثم أُمهاته، ثم الجد ثم أُمهاته، ثم الأخت من أَبوين، ثم الأخت من أب، ثم الأخت من أُم، ثم الخالة، ثم العمَّة، ثم الأقرب فالأقرب.
حقّه في الحضانة امرأةٌ ترعاه، تعتني به، تُحبُّه، تُقبُّله، تشمُّه، تضمُّه، تُطعمُه، تُنظفه، هذا من حقّه.
حدَّثني طبيبٌ في شيكاغو أقسَم لي بالله، في ليلةٍ واحدة ليلة الأحد، وهو كان في مستشفى بشيكاغو طبيب إسعاف، والآن طبيب أطفال كبير في دمشق، قال لي: والله خمس عشرة حالة لأطفالٍ ضُربوا بآلاتٍ حادَّة من آبائهم وأُمهاتهم لأنهم نغَّصوا عليهم لذّتهم، فجيء بهم إلى المستشفى، الآن في العالم الغربي، الطفل الصغير يضغط على الصفر بالهاتف فتأتي الشرطة، يشتكي على أبيه وأمه من قسوتهم، من بُعدهم عن الله، من سوء تربيتهم، هذا القانون ليس لنا هذا لغيرنا، أيُّ طفلٍ في أستراليا أو أوربا، يضغط رقم صفر أو واحد فتأتي الشرطة يأخذون الأب يُحاسبونه، وقد يأخذونه منه لستة أشهر، أطفالنا المسلمون في حفظٍ، وحمايةٍ، ورعايةٍ، وحِضانةٍ، وكفالةٍ، والنبي الكريم قال لأُمٍ:
(( أنَّ امرأةً أتَتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالَتْ يا رسولَ اللهِ ابْنِي هَذَا كانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وحَجْرِي له حِوَاءً وثَدْيِيِ لَهُ سِقَاءً وزَعَمَ أَبوهُ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنِّي قال: أنتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لم تَنْكِحِي ))
[ أخرجه أبو داوود وأحمد ]
إذا تزوجتِ ممكن تأتي امرأةٌ أُخرى، ما دام أنتِ غير متزوجة وانفصلتِ عن زوجك فأنتِ الحاضنة الأولى.
هل تُصدِّقون أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام استشار الطفل نفسه، سأله مَن تريد؟ اختر، فاختار الابن أُمه، النبي الكريم استشار الطفل بالسنة السابعة، مع من تُحب أن تكون؟ حتى سن السابعة يكون من حق أُمه حصراً، لكن بعد السابعة يُستشار الطفل.
مرةً اختار الابن والده، فقالت الأُم للقاضي: سله لِمَ اختار والده؟ فسأله القاضي، قال: أُمي تأخذني إلى تحفيظ القرآن والمُعلِّم يضربني، أمّا أبي يدعني ألعب مع الصبيان، فأمر القاضي أن تكون الأُم هي الحاضنة.
10 ـ حقّه في النفقة عليه:
حق النفقة عليه:
(( أَفْضَلُ دِينارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ، دِينارٌ يُنْفِقُهُ علَى عِيالِهِ، ودِينارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ علَى دابَّتِهِ في سَبيلِ اللهِ، ودِينارٌ يُنْفِقُهُ علَى أصْحابِهِ في سَبيلِ اللَّهِ. قالَ أبو قِلابَةَ: وبَدَأَ بالعِيالِ، ثُمَّ قالَ أبو قِلابَةَ: وأَيُّ رَجُلٍ أعْظَمُ أجْرًا مِن رَجُلٍ يُنْفِقُ علَى عِيالٍ صِغارٍ، يُعِفُّهُمْ، أوْ يَنْفَعُهُمُ اللَّهُ به، ويُغْنِيهِمْ؟! ))
أحياناً يقول الناس أنَّ العمل عبادة، أنا أؤمن بهذا الكلام، إذا عمِل الشاب، وهيأ مالاً لأولاده، أطعمهم، ألبسهم، أكرمهم، أي جعلهم يُحسِّون أنهم في بحبوحة، وفي جنَّة فعمله عبادة، أمّا أبٌ كسولٌ لا يعمل، ما معه شيء دائماً، فأولاده خرجوا من حاضنته، التصقوا بأصدقائهم الأغنياء، فالإنسان حينما لا ينفق على أولاده يخسرهم، من هُنا كان العمل عبادة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( كُنَّا جُلُوسًا مع عبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، إذْ جَاءَهُ قَهْرَمَانٌ له، فَدَخَلَ، فَقالَ: أَعْطَيْتَ الرَّقِيقَ قُوتَهُمْ؟ قالَ: لَا، قالَ: فَانْطَلِقْ فأعْطِهِمْ، قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: كَفَى بالمَرْءِ إثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ ))
11 ـ حق الطفل في المساواة بينه و بين إخوته:
يطعمه لكن لم ينتبه إلى دينه، ولا إلى إيمانه، ولا إلى أخلاقه، ولا إلى عقيدته، بل إن زكاة الفطر تجب على الصغير، بل تجب على الجنين في بطن أمه، والإسلام يهتم بمشاعر الصغار، فأمر بالعدل التام بين الأولاد، ليس للأب حقٌّ أن يُقبِّل واحداً دون الآخر، ولا أن يضحك بوجه واحداً دون الآخر، ولا أن يحمل واحداً دون الآخر، ولا أن يضم واحداً دون الآخر، إلى هذا المستوى.
(( تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي ببَعْضِ مَالِهِ، فَقالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بنْتُ رَوَاحَةَ: لا أَرْضَى حتَّى تُشْهِدَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَانْطَلَقَ أَبِي إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ لِيُشْهِدَهُ علَى صَدَقَتِي، فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أَفَعَلْتَ هذا بوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟ قالَ: لَا، قالَ: اتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا في أَوْلَادِكُمْ، فَرَجَعَ أَبِي، فَرَدَّ تِلكَ الصَّدَقَةَ. ))
له حق التربية، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ عليهم وهو مسؤولٌ عنهم والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِهِ وهو مسؤولٌ عنهم والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلها وولدِهِ وهي مسؤولةٌ عنهم وعبدُ الرجلِ راعٍ على بيتِ سيدِهِ وهو مسأؤولٌ عنهُ ألا فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ ))
[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي ]
(( مُروا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سنينَ، واضربوهُم عليها وهمْ أبناءُ عشرٍ، وفرِّقوا بينهُم في المضاجعِ))
[ أخرجه أبو داوود وأحمد والحاكم ]
يقال أنَّ أباً عاتب ولده لأنه كان عاقَّاً، فقال الولد: يا أبتِ إنك عققتني صغيراً فعققتك كبيراً، وأضعتني وليداً فأضعتك شيخاً، والجزاء من جنس العمل، حينما ترعى ابنك في الأعم الأغلب، بقناعتي تسعةً وتسعين بالمئة إلا بحالات نادرة جداً، يكون ابنك باراً بك، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يُعلِّم الصغار:
(( يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ، احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ، ولو اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ ))
(( كُنْتُ غُلَامًا في حَجْرِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ، فَقالَ لي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وكُلْ بيَمِينِكَ، وكُلْ ممَّا يَلِيكَ فَما زَالَتْ تِلكَ طِعْمَتي بَعْدُ ))
أحياناً يكون إنسان بدعوةٍ مع أولاده، يتلقَّطون اللحم فقط، لا ينتبه فيُحرَج الأب إحراجاً كبيراً، النبي عليه الصلاة والسلام رأى غلاماً تطيش يده في الصفحة، قال له: (يا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وكُلْ بيَمِينِكَ، وكُلْ ممَّا يَلِيكَ) علِّم الطفل إن علَّمته تُحبه، إذا ما علَّمته تكرهه.
13 ـ حقه في الملاطفة و المداعبة:
هناك حق آخر عجيب حقه بالمداعبة والملاطفة.
(( أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُقبِّلُ الحَسَنَ بنَ علِيٍّ، فقال الأقرَعُ بنُ حابِسٍ: إنَّ لي عَشَرةً مِن الوَلَدِ، ما قبَّلتُ منهم أحَدًا. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن لا يَرحَمْ، لا يُرحَمْ. ))
[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داوود وأحمد ]
أيُّها الإخوة:
(( عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما رأيتُ أحدا كان أرحم بالعِيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كان إبراهيم مُسْتَرضَعًا له في عَوَالي المدينة، فكان ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت وإنه ليُدَخَّن، وكان ظِئْره قَيْنًا، فيأخذه فيُقبِّله، ثم يرجع، قال عمرو: فلما تُوفي إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إبراهيم ابني، وإنه مات في الثَّدي، وإن له لظِئْرين تُكمِلان رضاعه في الجنة ))
مَن ينتقل الآن من المهاجرين إلى المخيم؟! ويركب ساعةً ونصف ليُقبِّل ابنه ويرجع، هكذا النبي علَّمنا، كان يأخذ الحسن بن علي والحسين فيُقعدهما على فخذه يلاعبهما ويحملهما.
(( خَرَجَ عَلَيْنَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأُمَامَةُ بنْتُ أبِي العَاصِ علَى عَاتِقِهِ، فَصَلَّى، فَإِذَا رَكَعَ وضَعَ، وإذَا رَفَعَ رَفَعَهَا ))
(( خرَجَ علينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في إحدى صَلَاتَيِ العِشاءِ، وهو حامِلٌ حسنًا أو حُسينًا، فتقدَّمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فوضَعَه، ثمَّ كبَّرَ للصَّلاةِ، فصلَّى، فسجَدَ بينَ ظَهْرَانَيْ صلاتِهِ سجدةً أطالَها، قال أَبِي: فرفَعْتُ رَأْسي، وإذا الصبيُّ على ظَهرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو ساجِدٌ، فرجَعْتُ إلى سُجودي، فلمَّا قضَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قال الناسُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّكَ سجَدْتَ بينَ ظَهْرَانَيْ صلاتِكَ سجدةً أطَلْتَها، حتَّى ظَنَنَّا أنَّه قدْ حدَثَ أمْرٌ، أو أنَّه يُوحَى إليكَ، قال: كلُّ ذلكَ لم يكُنْ، ولكنَّ ابْني ارْتَحَلَني، فكرِهْتُ أنْ أُعْجِلَهُ حتَّى يَقضيَ حاجتَهُ. ))
هذا أكبر داعية في الأرض، أعظم نبي، أكبر قائد، يرتحله ابن ابنته على ظهره وهو في الصلاة، فيؤخِّر السجود إكراماً له.
14 ـ حقه في الحفاظ عليه وعدم لعنه وسبّه والدعاء عليه:
أيُّها الإخوة: الآن حقّه في الحفاظ عليه وعدم لعنه وسبّه والدعاء عليه، أحياناً يدعوا الآباء على أولادهم بالهلاك، هذا الكلام القاسي لماذا؟ أسمِعه كلمةً طيبة ينشأ الطفل مؤدَّباً، ينشأ الطفل على حُب، اجعل البيت جنَّةً، هدئ حالك، كُن حليماً، هذا السُباب والكلام القاسي، هذا يُقيم شرخاً في العلاقة بين الأب وابنه.
(( لا تدْعوا على أنفسِكم، ولا تدْعوا على أولادِكم، ولا تدْعوا على خَدَمِكم، ولا تدْعوا على أموالِكم، لا تُوافقوا من اللهِ ساعةَ نيْلٍ فيها عطاءٌ فيُستجابَ لكم ))
[ أخرجه أبو داوود ومسلم ]
(( إذا كانَ جُنْحُ اللَّيْلِ -أوْ أمْسَيْتُمْ- فَكُفُّوا صِبْيانَكُمْ، فإنَّ الشَّياطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فإذا ذَهَبَ ساعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَخلُّوهُمْ، فأغْلِقُوا الأبْوابَ، واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ؛ فإنَّ الشَّيْطانَ لا يَفْتَحُ بابًا مُغْلَقًا، وأَوْكُوا قِرَبَكُمْ واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، ولو أنْ تَعْرُضُوا عليها شَيئًا، وأَطْفِئُوا مَصابِيحَكُمْ ))
بعد وقتٍ مُحدَّد يجب أن يكون الابن في البيت، يأتي الساعة الثانية ليلاً لا يجوز، بعد وقتٍ مُحدَّد قد يكون العشاء، قد يكون بعد العشاء بساعة، يجب أن يكون الابن في البيت (إذا كانَ جُنْحُ اللَّيْلِ -أوْ أمْسَيْتُمْ- فَكُفُّوا صِبْيانَكُمْ) .
حقّه في العلاج.
(( أنَّه سُئِلَ عن أجْرِ الحَجَّامِ، فَقَالَ: احْتَجَمَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ حَجَمَهُ أبو طَيْبَةَ، وأَعْطَاهُ صَاعَيْنِ مِن طَعَامٍ، وكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفُوا عنْه، وقَالَ: إنَّ أمْثَلَ ما تَدَاوَيْتُمْ به الحِجَامَةُ والقُسْطُ البَحْرِيُّ. وقَالَ: لا تُعَذِّبُوا صِبْيَانَكُمْ بالغَمْزِ مِنَ العُذْرَةِ، وعلَيْكُم بالقُسْطِ. ))
[ أخرجه مسلم وأحمد والنسائي ]
مثلاً: بنت يوجد بأسنانها حالة غير صحيحة تحتاج إلى تقويم، لكَ أجرٌ كبير، هذه بنت، أو كان هناك جُرحٌ فكانت المعالجة غير مُتقنة، تحتاج إلى مُعالجةٍ مُتقنة لئلّا يكون هناك تشويهٌ بوجهها، هذا من واجبات الأب.
16 ـ احترام شخصية الصغير:
هُناك شيءٌ يكاد لا يُصدَّق، احترام شخصية الصغير:
(( أُتِيَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقَدَحٍ، فَشَرِبَ منه، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ أَصْغَرُ القَوْمِ، وَالأشْيَاخُ عن يَسَارِهِ، فَقالَ: يا غُلَامُ أَتَأْذَنُ لي أَنْ أُعْطِيَهُ الأشْيَاخَ، قالَ: ما كُنْتُ لِأُوثِرَ بفَضْلِي مِنْكَ أَحَدًا يا رَسولَ اللَّهِ، فأعْطَاهُ إيَّاهُ ))
سيد الخلق يستأذن طفلاً صغيراً! هل هناك مثل هذه التربية؟ طفلٌ تستأذنه؟ أحياناً الأب العاقل يستشير ابنه ليمنحه الثقة، يضع المال بمكانٍ ويقول لابنه: خُذ وسجِّل حتى نضبط أمورنا، فهذه تُنشئ ثقة كبيرة بالطفل، لمّا تمنح ابنك الثقة يمنحك روحه. قال له: (يا غُلَامُ أَتَأْذَنُ لي أَنْ أُعْطِيَهُ الأشْيَاخَ، قالَ: ما كُنْتُ لِأُوثِرَ بفَضْلِي مِنْكَ أَحَدًا يا رَسولَ اللَّهِ، فأعْطَاهُ إيَّاهُ) .
فحقَّه في العلاج أن تعالجه، هناك أمراضٌ بالبداية من السهل معالجتها، لكن إذا أُهمِلت أصبحت عاهة دائمة بالطفل.
أيُّها الإخوة الكرام: الموضوع طويل لكن نموذج، هذه حقوق الطفل في الإسلام، أين منها حقوق الطفل في العالَم الغربي؟ يتَّفقون على حقوقٍ ونُلزَم بها، وإذا ما طبّقناها نُعاقب، وإذا تحفّظنا عليها تقوم الدنيا ولا تقعُد، وعندنا دينٌ من وحي السماء.
أيُّها الإخوة الكرام: حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أنَّ مَلَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا، وسيتخطَّى غيرنا إلينا، فلنتخذ حِذرنا، الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني، والحمد لله ربّ العالمين.
الحمد لله ربّ العالمين، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخُلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أولادنا هُم الورقة الرابحة الوحيدة في أيدينا فعلينا الحفاظ عليهم:
أيُّها الإخوة الكرام: حقيقةٌ أُردِّدُها كثيراً، لم يبقَ في أيدي المسلمين من ورقةٍ رابحةٍ إلا أولادهم، أولادهم أي المستقبل، لعلَّ الله عزَّ وجل يُعيد مجد هذه الأُمة على يد أولادنا، الأولاد ثروةٌ كبيرة يحتاج المجتمع إلى قادةٍ في المستقبل، قد رُبّوا تربيةً صحيحة، رُبّوا تربيةً أخلاقية، تربيةً إسلامية، تربيةً اجتماعية، تربيةً نفسية، تربيةً علمية، فيا أيُّها الإخوة، قضية تربية الأولاد هي العمل الأول في حياة المسلمين، لأنَّ القنبلة الذَّرية نرجو أن نُقابلها بقنبلة الذُّرية.
اللهم اهدِنا فيمن هديت، وعافِنا فيمن عافيت، وتولَّنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقِنا واصرِف عنّا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك.
اللهم هَبّ لنا عملاً صالحاً يُقربنا إليك.
اللهم اعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنا، آثرنا ولا تؤثِر علينا، ارضنا وارضَ عنّا، اقسِم لنا من خشيتك، ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تُبلغنا بها جنَّتك، ومن اليقين ما تُهوُّن به علينا مصائب الدنيا، ومتِّعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقوُّتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منّا، واجعل ثأرنا على مَن ظلمنا، وانصُرنا على مَن عادانا، ولا تجعل الدنيا أكبر همِّنا ولا مبلغ علمنا، ولا تُسلِّط علينا مَن لا يخافك ولا يرحمنا، مولانا ربّ العالمين.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمَّن سواك.
اللهم لا تؤمنّا مكرك، ولا تهتِك عنّا سِترك، ولا تُنسنا ذِكرك يا ربّ العالمين.
أعلِ بفضلك ورحمتك كلمة الحق والدين، وانصُر الإسلام وأعز المسلمين، وأذِل الشرك والمشركين، وفِّق ولاة المسلمين في جميع بلادهم إلى ما تُحب وترضى، واجمعهم على الحق والخير يا ربّ العالمين، إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير والحمد لله ربِّ العالمين.
الملف مدقق