وضع داكن
12-08-2025
Logo
الخطبة : 1184 - حقيقة الاعتقاد بذكرى المولد - أتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ ؟.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى: 

الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلّ له، ومن يُضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً -صلى الله عليه وسلم- رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغرّ الميامين أمناء دعوته وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

معرفة سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جزء أساسي من الدين:


أيها الإخوة الكرام؛ بعد أيام قليلة تُطل علينا ذكرى مولد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبادئ ذي بدء هناك جدل كبير حول إحياء ذكرى مولد النبي -عليه الصلاة والسلام-، والحقيقة التي يقبلها الأطراف جميعاً هو أن الله -سبحانه وتعالى- حينما قال:

﴿ وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (120)﴾

[ سورة هود ]

فإذا كان قلب سيد الخلق وحبيب الحق يزداد ثبوتاً بسماع قصة نبي دونه، فلأن تمتلئ قلوبنا إيماناً بسماع سيرة سيد الأنبياء والمرسلين، شاهد آخر هو قول الله -عزَّ وجلَّ-:

﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (69)﴾

[ سورة المؤمنون ]

معنى ذلك معرفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، معرفة شمائله، فضائله، كمالاته، أقواله، أفعاله، إقراره، جزء أساسي من الدين.
شاهد ثالث:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ ۖ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46)﴾

[ سورة سبأ ]

إذاً من خلال هذه الآيات الثلاث يتأكد أن معرفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جزء أساسي من الدين؛ لأن كلمة الإسلام الأولى (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ، فمعرفة شمائل النبي، وأخلاق النبي، وأحاديث النبي، وصفات النبي، وأفعال النبي، وإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام- جزء من الدين، إذاً ما الذي يمنع أن نلتقي في مسجد، أو في بيت، ونتحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ وهذه الأدلة الثلاثة أدلة قرآنية على أن هذا النشاط نشاط دعوي، نشاط تبليغي، نشاط إرشادي، أما إذا قلت لي: الاحتفال بعيد المولد عبادة، نقول لك: لا، العبادات توقيفية، لا يضاف عليها ولا يحذف منها، هو نشاط دعوي، هو جزء من الدعوة إلى الله، نشاط توجيهي، نشاط إرشادي، نشاط تعريفي، ولكن عيد المولد بل الاحتفال بعيد المولد ليس عبادة ولكنه دعوة إلى الله، الإشكالية أن تصف هذا الاحتفال بأنه عبادة، فإذا قلت: عبادة، نقول لك: لا، إنه بدعة، فرق واضح جداً.

ارتباط ارتقاء الإنسان بتطبيق منهج النبي العدنان:


أيها الإخوة؛ شيء آخر أوضّحه بمَثَل: أب عظيم، عالم كبير، محقق متفوق، وله ابن جاهل وأميّ، لو أمضى هذا الابن كل حياته في مدح أبيه هل يرقى درجة؟ لا ننتفع بقراءة سيرة النبي إلا إذا طبقناها، تصور عالماً كبيراً له مئة مؤلف، يحمل أربع شهادات دكتوراة، له مكتب، في أثناء غياب هذا العالم المستخدَم عنده أميّ، قفز وجلس على كرسيه في غيبته، هذا المستخدَم الأميّ جلس بمكان هذا العالم الكبير، هل يرقى؟ لا، هو يرقى إذا درس، يرقى إذا سار على طريق سيده، إذا نال شهادة ابتدائية يرقى، ثم إعدادية، ثم ثانوية، ثم ليسانس، ثم دبلوم، ثم ماجستير، ثم دكتوراة، يرقى إن سار على نهج سيده، أما أن يجلس مكانه في غيبته فهذا لا يقدم ولا يؤخر، هذه بعض الحقائق التي لا بد منها قبل الحديث عن شمائل النبي -عليه الصلاة والسلام-، شيء آخر أنت حينما تقرأ آية كريمة:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)﴾

[ سورة الأنفال ]

الآية في حياة النبي واضحة تماماً، لكن ما معنى هذه الآية بعد موت النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ قال علماء التفسير: مستحيل وألف ألف مستحيل أن تُعذّب أمته من بعده إذا كانت سنته مطبقة فيها: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾ ، أنت فيهم بعد موتك، أي منهجك مطبق في حياتهم، وهذا أهم درس ننتفع به في هذا اللقاء الطيب، أنت شاب طبقت سنة النبي التفصيلية في بيتك، في زواجك، في اختيار زوجتك، عليكم بذات الدين، في تربية أولادك، في كسب مالك، في إنفاق مالك، في علاقاتك الاجتماعية، ما دمت مطبقاً لسنة النبي -عليه الصلاة والسلام- أنت كفرد في سلام، وإذا طبقت الأمة سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- هي كأمة كبيرة في سلام، لذلك ما من شيء ينهض بنا إلى الله، ما من شيء يقوي جمعنا، ما من شيء يهدي رشدنا، كأن نتبع سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾ .
أيها الإخوة؛ مرة ثانية جميل جداً أن نمدح النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن الذي ننتفع به هو أن نتبعه، أن نطبق منهجه، أن نقتدي به، أن نقتفي أثره، أن نكون على طريقه، أن نكون على شاكلة أصحابه، هذا الذي يرقى بنا، المديح من دون تطبيق لا يقدم ولا يؤخر هذه حقيقة، الإنسان قد يذهب إلى العمرة، وقد يزور مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبعد مزاحمة طويلة قد يستطيع أن يصلي ركعتين في المكان الذي صلى به النبي -عليه الصلاة والسلام-، أنا أقول لكم: افعلوها لكن لا تكتفوا بها، وحدها لا تقدم ولا تؤخر، البطولة الاتباع، والدليل:

﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31)﴾

[ سورة آل عمران ]

وكأن الله -سبحانه وتعالى- ربط محبته باتباع سنة نبيه: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾ .

من لا يدخل الله في حساباته فهو أحمق لا محالة:


في ضوء الآية السابقة قد تفسر معظم ما يجري في العالم الإسلامي، أمة شردت عن الله تعاني ما تعاني، ولا نهاية لمعاناتها؛ لأنها أهملت سنة هذا النبي العظيم الذي أرسله الله رحمة للعالمين، أنت قوي عندك محل تجاري، عندك صانع يتيم، ليس بيده شيء، بإمكانك أن تستغله، وإذا جاءت أمه ذممته لها، فضربته في البيت وهو بريء، إن طالبك بحقه تكيل له الصاع صاعين، أنت بهذه الطريقة ما أدخلت الله في حساباتك، للتوضيح: عندما -لا سمح الله ولا قدر- إنسان من عامة المواطنين، يقدّم للدولة وثيقة مزورة، ويبنى على هذه الوثيقة مبلغ كبير قبضه، هذا المواطن إذا ما أدخل في حساباته أنه قد يُكشف هذا التزوير يكون أحمقاً، قد يكشف وإذا كشف دُمّر، هذا هو الحمق بذاته؛ هذا تمهيد، وأنت حينما تتعامل مع الخلق، مع الناس، مع من هو أضعف منك، لك زوجة أهلها فقراء، وليسوا مستعدين لاستقبالها لو طردتها، هي ضعيفة أمامك قد تتفنن في إذلالها، وقد تتفنن في أخذ مالها، وحينما لا تدخل في حساباتك أن الله سينتقم منك فأنت في الدين لا تفهم شيئاً، خذوا هذه القاعدة؛ تنطبق على زوج في البيت، وتنطبق على أقوى إنسان في بلد، إذا ما أدخل الله في حساباته عندئذ يأتيه البلاء من حيث لا يحتسب، مع الله -عزَّ وجلَّ- لا ينتفع الذكي بذكائه، ولا ينتفع القوي بقوته، ولكن مع الله -عزَّ وجلَّ- ينتفع المستقيم باستقامته، والذي أتمناه عليكم قبل أن تقول كلمة، قبل أن تُعرض عن إنسان، قبل أن ترفع صوتك، قبل أن تضرب بيدك، قبل أن تقطع علاقاتك مع جهة، أدخل الله في حساباتك، الله كبير، فكل مكانة الإنسان، وكل هيمنته، وكل قوته، وكل ما يملك من أوراق رابحة هذه تتلاشى في دقيقة، وترون وتسمعون كل أسباب القوة موجودة بلحظة واحدة فُقدت كل هذه الأوراق، أليس كذلك؟ هناك موعظة، وكما جاء في الأثر: "أَمَرَنِي ربي بتسع: خشية الله في السّرّ والعلانية، وكلمة العدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وأن أَصِلَ مَنْ قَطَعَنِي، وأعطي مَنْ حَرَمَنِي، وأعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنِي، أن يكون صَمْتي فِكْرًا، ونُطْقِي ذِكْرًا، ونظري -إلى الأخبار- عبرة" .
لو أنك تملك كل أسباب القوة، تملك كل أسبابها، ولم تكن ترضي الله -عزَّ وجلَّ- في دقائق وفي يوم واحد يُسحب البساط من تحت قدميك، وتلقى نتيجة عملك، أين الأوراق الرابحة التي تملكها؟ تلاشت، لا شيء، لذلك الله -عزَّ وجلَّ- حينما وصف ذاته العلية، قال:

﴿ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (107)﴾

[ سورة هود ]

أما أنت أيها الإنسان فلست فعالاً لما تريد، أنت قوّالاً لما تريد، تتكلم، الكلام إذا وافق الواقع نسمعه، فإذا خالفه نحتقره ولو كنت فصيحاً، ولو كنت متكلماً، الله -عزَّ وجلَّ- فعّال لما يريد، أي في أية لحظة يسحب البساط من تحت قدميك، في أية لحظة ولو أنك تملك كل الأوراق الرابحة، ولو أنك تملك كل أسباب القوة، في لحظة واحدة تُسحب من تحت قدميك البُسُط، مهما تكن كثيرة.
أيها الإخوة؛ ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، لا ينفع مع الله ذكاؤك، ولا تنفع قوتك، ولا تنفع هيمنتك، ولا تنفع كثرة من حولك، لا ينفعك مع الله إلا استقامتك، لا ينفعك مع الله إلا خوفك من الله، الذي لا يدخِل الله في حساباته هو أغبى الأغبياء، هو أحمق الحمقى، هو أجهل الجهلاء الذي لا يدخِل الله في حساباته، عندما تقدم وثيقة لموظف، وهذا الموظف إنسان مثلك تماماً، وقد تكون أذكى منه، لكن أدخل في حساباتك أن هذه الوثيقة قد يطلّع عليها موظف آخر أذكى منك، يكشف أنها مزورة وعندئذ تُدمر تدميراً كاملاً، فأنت حينما لا تدخل الله -عزَّ وجلَّ- في حساباتك فأنت ترتكب حماقة ما بعدها حماقة، والإنسان الجاهل يتحرك وينسى أن الله موجود، أنا أقول دائماً أيها الإخوة؛ استمعوا إلى الأخبار والآن شاهدوها حية، واستمعوا إلى التحاليل الدقيقة، لكن لا تنسوا للحظة واحدة أن الله موجود، وأن الله يمكن أن يقلب كل المعادلات رأساً على عقب: 

(( كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا رفَع رأسَه منَ الرُّكوعِ قال ربَّنا لكَ الحمدُ مِلءَ السماواتِ ومِلءَ الأرضِ ومِلءَ ما شِئتَ من شيءٍ بعدُ أهلَ الثَّناءِ والمجدِ حَقُّ ما قال العبدُ كلُّنا لكَ عبدٌ اللهمَّ لا مانِعَ لمِا أعطَيتَ ولا مُعطِيَ لمِا منَعتَ ولا يَنفَعُ ذا الجَدِّ مِنكَ الجَدُّ ))

[ أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري ]

من دعاء النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا ينفع ذا الجد من يملك ذكاء وتألق وليس مستقيماً: (ولا يَنفَعُ ذا الجَدِّ مِنكَ الجَدُّ) .

أهمية اتباع سنّة النبي العدنان -عليه الصلاة والسلام-:


أيها الإخوة؛ الحديث عن سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- ضروري جداً؛ لأننا حينما تركنا سنته وقعنا في شر أعمالنا، سمع بكاء طفل صغير في أثناء الصلاة، وهذا الطفل الصغير ينادي أمه ببكائه، فاختصر الصلاة، من عادته -عليه الصلاة والسلام- أنه إذا صلى الفجر يقرأ قرآناً مديداً طويلاً، فلما سمع بكاء طفل علم أن هذا الطفل ينادي أمه ببكائه فاختصر الصلاة، ولما رأى دابة تحمل فوق ما تستطيع – رأى ناقة-:

(( أردَفَني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ خَلفَهُ ذاتَ يومٍ، فأسرَّ إليَّ حَديثًا لا أحدِّثُ بِهِ أحَدًا من النَّاسِ، وَكانَ أحبُّ ما استَترَ بِهِ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ لحاجَتِهِ هَدفًا، أو حائِشَ نَخلٍ، قالَ: فدخلَ حائطًا لرَجُلٍ مِن الأنصارِ فإذا جَملٌ، فلَمَّا رأى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ حنَّ وذرِفَت عيناهُ، فأتاهُ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فمَسحَ ذِفراهُ فسَكَتَ، فقالَ: مَن ربُّ هذا الجَمَلِ، لمن هذا الجمَلُ؟ فَجاءَ فتًى منَ الأنصارِ فَقالَ: لي يا رسولَ اللَّهِ فَقالَ: أفلا تتَّقي اللَّهَ في هذِهِ البَهيمةِ الَّتي ملَّكَكَ اللَّهُ إيَّاها؟ فإنَّهُ شَكا إليَّ أنَّكَ تُجيعُهُ وتُدئبُهُ  ))

[ أخرجه أبو داود وأحمد عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ]

اسمعوا، يقول سيدنا عمر: "لو تعثرت بغلة في العراق لحاسبني الله عنها، لمَ لمْ تصلح الطريق يا عمر؟" 

ضرورة الإحساس بمراقبة الله تعالى وكيف ينعكس ذلك على المسلم:


إخوتنا الكرام؛ -والله الذي لا إله إلا هو- حينما تؤمن إيماناً قطعياً ويقينياً أن الله سيحاسبك، أن الله يعلم وسيحاسب وسيعاقب:

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)﴾

[ سورة الطلاق ]

ألا تسألوا معي هذا السؤال لما اختار الله من أسمائه اسمين، القدير والعليم؟ لأنك إذا آمنت أن علم الله يطولك، وأن قدرته تطولك، لا يمكن أن تعصيه، الدليل: أنت مواطن في هذا البلد الطيب، مواطن عادي، والمركبة تقودها، والشارة حمراء، والشرطي واقف، وشرطي آخر على دراجة نارية، وضابط مرور في السيارة، هل يُعقل أن تمشي والشارة حمراء؟ مستحيل وألف ألف مستحيل، لماذا؟ لأنك موقن أن علم واضع قانون السير من خلال هذا الشرطي يطولك، وأن قدرته تطولك، فإذا كنت تنضبط مع شرطي فكيف بخالق السماوات والأرض؟! علم الله يطولك، وقدرته تطولك: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ يعلم وسيحاسب وسيعاقب، والله الذي لا إله إلا هو أنا حينما أطلع على بعض أعمال الناس لا أرى على وجه الأرض من هو أشد حمقاً وغباءً وجهلاً ممن يتحرك من دون أن يحسب لعدل الله حساباً، الله موجود:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)﴾

[ سورة الفتح ]

﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)﴾

[ سورة الأنفال ]

فكل ذكائك، وكل نجاحك في الحياة، وكل إيمانك إذا هداك إلى أن تخاف من ربك، فأنت مؤمن ورب الكعبة، ابن سيدنا عمر رأى راعياً، فقال له: "بعني هذه الشاة وخذ ثمنها"، قال: "ليست لي"، قال: "قل لصاحبها ماتت، أو أكلها الذئب وخذ ثمنها"، قال: "والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله؟!" ، كل إيمانك، وثلاثون سنة دروس علم إذا قلت: أين الله؟ فأنت مؤمن ورب الكعبة، يمكن أن تضع مادة مسرطنة بمادة غذائية يصبح لونها أشد بياضاً، وترفع السعر وتربح أرباحاً طائلة، اعتقد معي أن كل عباداتك التي تؤديها لا وزن لها عند الله، من أين آخذ هذا الكلام؟ من نص للسيدة عائشة، تقول عن واحد من الناس، قولوا لفلان إنه أبطل جهاده مع رسول الله، أنت حينما تؤذي المسلمين بطعامهم وشرابهم، حينما تغشهم لتأخذ أرباحاً طائلة، أنت لا تعرف الله، ولو كان بمقدمة السيارة التي تركبها آية الكرسي، يمكن أن يكون في بيتك آية الكرسي في أجمل مكان، وأيضاً يمكن أن يكون معك مصحف صغير، وآية قرآنية، كل هذه المظاهر إن لم ترافقها استقامة تامة لا تقدم ولا تؤخر، وفروا أوقاتكم، كل المظاهر الدينية إن لم ترافقها استقامة على أمر الله لا تقدم ولا تؤخر ، ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ نحن إذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- فينا، كانت سنته مطبقة في حياتنا، طبقنا منهجه، نحن في مأمن من عذاب الله.

سنّة النبي الكريم منهج تفصيلي لكل إنسان:


أيها الإخوة؛ ملك عُمان قال بعد أن التقى النبي العدنان: "والله لقد دلني على هذا النبي الأميّ أنه كان لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له"، يطبق ما يقول، الله -عزَّ وجلَّ- يقول:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)﴾

[ سورة إبراهيم ]

النبي بيّن الحلال والحرام، الخير والشر، ما ينبغي وما لا ينبغي، ما يجوز وما لا يجوز، سنته التفصيلية تقترب من مئات ألوف البنود، تبدأ من فراش الزوجية وتنتهي بالعلاقات الدولية، منهج تفصيلي.
أيها الإخوة الكرام؛ ماذا نتكلم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! هو سيد الخلق وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، أقسم الله بعمره الثمين، فقال:

﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)﴾

[ سورة الحجر ]

أيها الإخوة؛ جميل جداً أن نحتفل بعيد المولد، وأن نقيم الزينات، وأن نرفع اللافتات، وأن نقدم الحلويات، لكن الأجمل من هذا كله أن نتبع سيد الكائنات، أن يكون بيتك إسلامياً، وعملك إسلامياً، وأنت مطبق لهذا الدين العظيم، إذا كان من الممكن أن ننتفع بذكرى ميلاد النبي -عليه الصلاة والسلام-، ننتفع بها إذا طبقنا سنته التي هي النهج القويم، والصراط المستقيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين، أستغفر الله. 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.

من يعرف الله لا يمكن أن يعصيه:


أيها الإخوة الكرام؛ حديث مفصلي، سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه الكرام: 

(( أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ.  ))

[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة ] 

(( عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعاً فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ قَالَ: فَقَالَ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-: لَا أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلَا سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا وَلَا أَنْتِ أَرْسَلْتِهَا فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ ))

[ أخرجه البخاري، ومسلم عن عبد الله بن عمر ]

فما قولك بما فوق الهرة؟ هرة! 
إخواننا الكرام؛ أنت حينما تعرف الله قد تعد للمليار قبل أن تعصيه؛ لأن هناك عقاباً وأنت في قبضته، كل مكانتك، وقيمتك، وهيمنتك، وقوتك، وغناك، على ضربات قلبك، فإذا توقفت ضربات القلب، طُبعت النعوة، كل هيمنتك، ومكانتك، وقدرتك، والهالة الكبيرة التي حولك، منوطة بسيولة دمك، فإذا تجمدت نقطة من الدم لا تُرى بالعين في أحد أوعية الدماغ، إن جاءت بمكان الشلل، بمكان العمى، أو بمكان فقد السمع، أو بمكان فقد النطق، أنت في قبضة الله، أنا لا أعجب إلا من إنسان يقول: أنا، من أنت؟ أنت لا شيء، أنت بفضل الله شيء، بقوته شيء، بإمداده شيء، بحفظه شيء، برعايته شيء، فلذلك هذا الذي يتوهم أنه قوي ويفعل ما يريد، وأنه أقوى ممن حوله، وأن حوله لا يملكون له ضراً ولا نفعاً، هذا الإنسان الذي نسي الله فزلزل من تحته الأرض، الله هو القوي.

الدعاء:


اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارضَ عنا، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردّنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمّن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين، اللهم خذ بيدنا إليك، ودلنا بك عليك، اللهم وفق ولاة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير.

الملف مدقق

 والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور