وضع داكن
22-11-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 012 - اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع.....
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

الترغيب والترهيب .

 أيها الإخوة الكرام ؛ مازلنا في إتحاف المسلم بما في الترغيب والترهيب من صحيح البخاري ومسلم ، وموضوع اليوم :

العمل بما يعلم .

 الترهيب من أن يعلم وأن لا يعمل بعلمه ويقول ولا يفعل ، هذا ينطلق من قوله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾

[ سورة الصف الآيات : 2-3]

 عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ لا أَقُولُ لَكُمْ إِلا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

(( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا))

[ أخرجه مسلم والترمذي والنسائي ]

 أهم نقطة لأن العمر محدود ولأن المشاغل لا تعد ولا تحصى فلابد من أن تصطفي ، لابد من أن تصطفي إنساناً دون إنسان ، ولقاءً دون لقاء ، وسهرةً دون سهر، وكتاباً دون كتاب ، وموضوعاً دون موضوع ، لو كان الإنسان في الحياة الدنيا مخلداً ليقرأ ما يشاء ، حال الناس أنه يتابع كل شيء ، وقتك محدود والمهمة كبيرة ، والموت على الأبواب فينبغي أن تشتغل بما ينفعك في الآخرة ، والأمر واضح تماماً كما لو أن عندك مكتبةً ممتلئةً بالكتب لم تقرأها ومن بين هذه الكتب كلها كتابٌ سوف تؤدي فيه امتحاناً بعد أسبوع والامتحان أساسي والصف أخير والتخرج خطير يبنى على نجاحك وظيفتك ودخلك وزواجك ، فهل يعقل وقد وبقي للامتحان أياماً معدودة أن تقرأ من مكتبتك قصةً تافهةً أو كتاباً في تاريخ الإغريق ، أو كتاباً لهوميروس في الإلياذا والأوديسا ؟ أم أنك تقرأ الكتاب المقرر الذي سوف تؤدي فيه الامتحان ؟ كأن هذا الحديث الشريف الجامع المانع يقول :

((... اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ..))

 معنى ذلك هناك علم لا ينفع ولو تفوقت به ، لو قرأت الأدب الجاهلي كله قد يقو لسانك لكن كمعلومات كلها خلافية .
 ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالةَ زائل
 فخر وفخر كاذب أساساً ، وهجاء رخيص ، وغزل فاضح ، فلو قرأت كل الأشعار ماذا تنفع عند الموت ؟ لو حصلت أعلى ثقافة في فن معين وهذه لا علاقة لها بالآخرة إطلاقاً ، هذه لا تنتفع بها ، وما دام النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((... اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ... ))

 معنى ذلك هناك علم لا ينفع ، هناك علم يضر ، هناك علم يؤذي ، قال تعالى :

﴿ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ﴾

[ سورة الجاثية الآية : 23]

 أساساً يقال الجريمة المنظمة كمصطلح، الجريمة المنظمة وراءها أدمغة ، وراءها عباقرة ، وراءها ذكاء عالي جداً ، فحينما يستخدم العقل والفكر والذكاء للشر فهذا علم يضر ، وعلم يشقي ، وحينما يستخدم العلم للمتعة فقط هذا علم لا ينفع ، وقد دخل النبي عليه الصلاة والسلام المسجد فرأى رجلاً تحلق الناس حوله فسألهم سؤال العارف من هذا ؟ قالوا : هذا نسابة ، قال : وما نسابة ؟ قالوا : رجل يعرف أنساب العرب ، قال : ذلك علم لا ينفع من تعلمه ولا يضر من جهل به .
 ومن هذا النوع ألوف العلوم ، علوم لا تعد ولا تحصى لا تضر من جهلها ولا تنفع من تعلمها ، لابد من اصطفاء ، لابد من أن تصطفي كتاباً يدلك على الله ، لابد من أن تصطفي صديقاً يعينك على أمر دينك ، لابد من أن تصطفي جلسةً فيها مدارسة لكتاب الله ، أما الإنسان غير المخطط الجاهل أين ما كان يقعد ، مع من ما كان يجلس ، جلسة فيها كذب ، غيبة ، نميمة ، كلام فارغ ، فيها اختلاط ، محرمات ، هذا الذي لا يصطفي ليس مؤمناً ، هذا الدعاء من أدق الأدعية .

(( ... اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ..))

 قلب قاسي، البعد عن الله جعله قاسياً، تراكم المعاصي جعله قاسياً قال تعالى:

﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ﴾

[ سورة البقرة الآية : 88]

 أجمل شيء أن يكون لك قلب حي ممتلئ معرفة بالله، ممتلئ يقيناً بعطاء الله، ممتلئ أمناً ورضاً ، هذا القلب قلب المؤمن آية من آيات الله ، قال هذا القلب يكبر ويكبر ويكبر ولا ترى كبره فيتضاءل أمامه كل عظيم ، ويصغر ويصغر ويصغر ولا ترى صغره فيتعاظم عليه كل حقير ، قلب كالألماس صفا وراق وقلب كالكذر ، وكل مؤمن له قلب قلب مفعم معرفة ، مفعم علم ، مفعم تواضع ، مفعم كمال ، مفعم أدب ، مفعم ذوق ، هذا قلب موصول بالله .

((...وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ...))

 أيام يجلس أناس في عقد قران والقرآن يتلى ترى رجل بكى خشوعاً ورجل لا يمكن أن يذرف دمعةً من خشوع عينه جامدة لأن قلبه قاسي ، لأن المعاصي متراكمة على قلبه ، فإذا إنسان قرأ القرآن وما شعر بشيء إطلاقاً ، وصلى وما شعر بشيء ، وذكر الله وما شعر بشيء في مشكلة عنده ، مشكلة كبيرة ينبغي أن ينتبه إليها قبل فوات الأوان .

(( ... وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ... ))

 هل من مزيد ، تجد معظم الأناس يعيشون لحظتهم يريد مزيداً من المال ، مزيداً من الرفاه، مزيداً من المتعة ، ثم يأتيه الموت فجأةً ولم يحسب له حساباً فيقع في حيص بيص كما قالوا ، قال تعالى :

﴿ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ﴾

[ سورة الزخرف الآية : 83]

 وفي آية:

﴿ فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ ﴾

[ سورة الطور الآية : 45]

((... وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا ))

 كم دعوة في المساجد ؟ في خطب الجمعة ، اللهم دمر أعداء المسلمين ، لا يدمروا ، اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم ، لا يدمروا ، اللهم اجعل الدائرة تدور عليهم ، لا يوجد استجابة مهما دعونا عليهم يزدادون قوةً لأن الدعوة المستجابة تحتاج إلى فم طاهر وإلى مؤمن مقيم على أمر الله عز وجل ، أدعو ما شئت قال تعالى :

﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾

[ سورة الأعراف الآية : 55]

 يعني إذا كنت معتدياً على حق أخيه لم يستجيب الله لك والحديث الشهير:

(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))

 يعني اجعل طعامك طيباً ، أي اشتريته بمال حلال أي أن هذا المال كسبته من طريق مشروع ، إذا كسبت مالاً حلالاً واشتريت به طعاماً كان الطعام طيباً فإذا أطبت مطعمك تكن مستجاب الدعوة والدعوة المستجابة شيء رائع جداً ، المؤمن مستجاب الدعوة لأنه طاهر ، قلبه طاهر ، وفمه طاهر ، ورزقه طاهر ، فإذا دعا الله عز وجل استجاب له ، فالنبي عليه الصلاة والسلام استعاذ من :

((... اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا))

 والله كأن معظم المسلمين يدعون ربهم فلا يستجيب لهم، قلبهم ليس خاشعاً نفسهم طماعة علمه في أشياء لا تنفعه ، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول :

(( يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ ولا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ ))

[ متفق عليه ]

 أقتابه : أمعاءه .
 فهذا الذي باطن وظاهر ، وسر وعلن ، وخلوة وجلوة ، وأمام الناس يتزين بما ينتزع إعجابهم وفيما بينه وبين نفسه يرتكب كل الكبائر هذا تندلق أقتابه يوم القيامة في النار يقول له الناس ألست أنت فلان ؟ يقول نعم ، ما شأنك ؟ يقول : كنت أمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه .
وفي حديث ثالث وأخير عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رِجَالاً تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلاءِ قَالَ هَؤُلاءِ خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا يَعْقِلُونَ ))

[ أحمد ]

 الكلام سهل يا أيها إلأخوة ، لا يكلفك إلا فصاحة ، وطلاقة ، وتزين ، وإعجاب بنفسك ، الكلام سهل لكن الأنبياء حينما قلبوا وجه الأرض لم يتكلموا فقط ولكن فعلوا ما قالوا فاليوم الموضوع الترهيب من أن يعلم ولا يعمل ومن أن يقول ولا يفعل ، قال تعالى :

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ*كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾

نص الزوار

إخفاء الصور