وضع داكن
22-11-2024
Logo
موضوعات إسلامية عامة - الدرس : 09 - حقوق الإنسان - حق الحياة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

حق الحياة من أهم حقوق الإنسان :

 أيها الأخوة الكرام؛ من المُلاحظ أنَّ بعضَ المُسلمين أو أنَّ مُعظم المُسلمين يؤخذون بالإعلام الغربي، فالإعلام الغربي لا يفتأ يتحدث عن حقوق الإنسان، وهُنا انتهكت حقوقُ الإنسان، وقد يجهلُ المُسلم أنّهُ ما من دينٍ رعى حقوقَ الإنسان كالإسلام، وإذا انتهت الحرب العالمية الثانية بثلاثة وستين مليون قتيل، وفي عام ألفٍ وتسعمئة وثمانية وأربعين أُعلنت حقوقُ الإنسان، ومن أُولى هذهِ الحقوق حقُّ الحياة.
 الشيء الذي لا يُصدّق أنَّ المؤمنَ إذا قُتِلَ عمداً جزاءُ قاتِلِهِ جهنم خالداً فيها أبداً، وأنَّ الإنسانَ بُنيانُ الله، وملعونٌ من هَدَمَ بُنيانُ الله، وفي الدين الحنيف يُقتل العالِمُ بالجاهل، إنسان يحمل أعلى شهادة قتل إنساناً أُميّاً لا يقرأ ولا يكتُب، يُقتل العالِمُ بالجاهل، ويُقتلُ الشريفُ بالوضيع، إنسان من أرقى أُسرة، من أعلى أرومة، إذا قتلَ صعلوكاً يُقتلُ بِهِ، ويُقتلُ العاقِلُ بالمجنون، لو إنسان عاقل قتل مجنوناً يُقتل بِهِ، ويُقتلُ الكبيرُ بالصغير، ويُقتل الرجل بالمرأة، ويُقتلُ المُسلم بغير المُسلم.. هذهِ أحكامُ الفِقه.. الله عزَّ وجل يقول:

﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ﴾

[سورة النساء: 93]

 ويقولُ أيضاً:

﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾

[سورة المائدة: 45]

 ولا يغيبُ عن بالِكُم أنَّ ملِكاً أعلنَ إسلامُهُ أمامَ عُمر عملاق الإسلام، وعُمر رحّبَ بِهِ، في أثناء الطواف حولَ الكعبة داسَ طَرَفَ ثوبِهِ فزاريّ أمي لا يقرأ ولا يكتُب، فلمّا داسَ طَرَفَ ثوبِهِ انخلع الثوبُ من على كتِفِهِ، فالتفت جَبَلَةُ وضربَهُ ضربةً هشّمت أنفَه، هذا البدوي اشتكى إلى عُمر، سيدنا عُمر استدعى مَلِكَ الغساسنة وأوقَفَهُ أمامَهُ نِدّاً لِنِدّ، وقالَ: أرض الفتى لابُدَّ من إرضائِهِ ما زالَ ظِفرُكَ عالِقاً بِدِمائِهِ أو يُهشمنَّ الآن أنفُك وتنالَ ما فَعَلَتهُ كفُك، قالَ: كيفَ ذاكَ يا أمير هوَ سوقةٌ وأنا عرشٌ وتاج؟ كيفَ ترضى أن يَخِرَّ النجمُ أرضاً؟ قالَ لَهُ: نزواتُ الجاهلية ورياح العُنجُهية قد دفناها أقمنا فوقها صرحاً جديداً وتساوى الناسُ أحراراً لدينا وعبيداً، قالَ لَهُ: كانَ وهماً ما جرى في خَلَدي أنني عِندَكَ أقوى وأعزّ، أنا مُرتدٌ إذا أكرهتني، فقالَ: عُنُقُ المُرتدِّ بالسيف تُحزّ، عالمٌ نبنيه كُلُ صدعٍ فيه بِشبا السيفِ يُداوى، وأعزُّ الناسِ بالعبدِ بالصعلوكِ تساوى.
 هذا هو الدين، هذهِ الحقوق جاءتنا قبلَ ألفٍ وأربعمئة عام، وكُلُ ما يتبجحونَ بِهِ أنهم يدعونَ إلى احترام حقوقِ الإنسان، واللهِ الذي لا إلهَ إلا هو هُم وحدهم الذينَ ينتهكونَها، هُم وحدهم ينتهِكونِها أو تُنتهَكُ أمامَهُم ولا يُحركونَ ساكناً.
 الآن: القتل بالخطأ لَهُ أحكام دقيقة جداً، الذي يقتُلُ إنساناً خطأً، حادث سير، لَهُ ديةٌ مُسلّمةٌ إلى أهلِهِ، هذا هوَ الحق الخاص، أمّا الحق العام فأنقصَ المُجتمع الإسلامي عُنصراً لابُدَّ لَهُ من إدخالِ عنصرٍ مكانَهُ، فكفّارةُ القتل الخطأ تحريرُ رقبةٍ مؤمنة فمن لم يجد فصيامُ ستينَ يوماً، هذا القتل الخطأ ليسَ بِهِ قصد أبداً، أي حادث سير.

ضرورة معرفة الإنسان دينه :

 هذهِ الدعوة العريضة أنهم متفوقون، هناك قصة ذكرتها قبل عام تقريباً: هناكَ عالِم ألماني يقرأ كتاب رحّالة بريطاني زارَ الشرق الأوسط، فهذا الرحّالة البريطاني لِجهلِهِ الفاضح تهكّمَ على المسلمين أنهم يُنظفون أسنانهُم بقطعة خشب، ظنّها قطعة عادية، فكانَ يتهكّمُ على السِواك، وهل تعلمون أنَّ الأوروبيين إلى مئتي عام كانوا يتمضمضونَ بالبول لينظفوا أسنانِهُم؟! على كُل العالم الألماني أرادَ أن يستقدم سِواكاً من الشرق الأوسط، لهُ صديق يزور السودان فطلبَ مِنهُ أن يُحضر لِهُ بعضَ أعوادِ الأراك، جاءَ هذا العالِم الألماني بأحد الأعواد وسحقَهُ وبللهُ وجعلهُ مزرعةً للجراثيم ثُمَّ فوجئ أنَّ فِعلَ مسحوقِ السِواك في الجراثيم كفِعلِ البنسلين تماماً، معنى ذلك السِواك فُرشاة ومعجون بآن واحد.
 أخواننا الكِرام؛ أنا أُحبّ للمسلم أن يعرف دينهُ، قبلَ أن يذوب في الغرب ويترنّم في أقوال الغربيين عن حقوق الإنسان، طبعاً اغتصبوا خمسة وثلاثين ألف امرأة في البوسنة وما حرّكوا ساكناً، وهناك امرأة ساقطة أجرت مقابلة في محطة فضائية سَمِعها أكثر من خمسمئة مليون، كانت ملكة في بريطانيا، أنها زنت في اليوم الفُلاني مع فُلان، ذكرت سبع حالات زِنى قامت بِها، ولمّا ماتت مشى في جنازتِها ستة ملايين إنسان، وعليّة القوم هُناك بكوا حينما ماتت بحادث، الإنسان إذا لم يكفُر بالكُفر لا يعرف الله عزّ وجل، يجب هؤلاء الكفرة من هَويَهُم حُشِرَ معهُم ولا ينفعُهُ عملُهُ شيئاً.

من لوازم حق الحياة :

1 ـ تأمين الأرزاق وحماية المنتجات وعِقابُ المُحتكرين :

 الآن: من لوازمِ حق الحياة هذه الأحكام، من لوازمِ حق الحياة تأمين الأرزاق، وحماية المنتجات، وعِقابُ المُحتكرين.

(( مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَلَهُ مِنْهَا يَعْنِي أَجْرًا وَمَا أَكَلَتِ الْعَوَافِي مِنْهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ ))

[أحمد عَنْ جَابِرِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ]

 هُناك مشروع كانَ اسمهُ: الأرض، أي يعطون كُل إنسان قطعة أرض بعلاً فإذا جعلَهَا خضراء يُعطونه إياها مكافأة ومنزلاً وجراراً وما إلى ذلك، فالنبي الكريم قال: " من أحيا أرضاً مواتاً فهي لَهُ " أي أحياها بالزراعة، فقام بحفر بئر فيها، وزرعها، وجعلَها خضراء، فمن لوازمِ حق الحياة تأمينُ الرِزق للناس عن طريقِ حماية المنتجات، وعِقاب المحتكرين، وهناك عشرات الأحاديث الشريفة تُشجّعُ على الزراعة، وتُبيّن أنَّ الذي يزرع نباتاً أيّ مخلوقٍ أكلَ من هذا النبات هوَ صدقة لَهُ، أيُّ مخلوق حتى لو باعَهُ بيعاً.
 وسيدنا أبو ذرَ يقول: " إذا جاعَ المُسلم فليسَ لأحدٍ مال "، يجبُ أن يُوزّعَ الطعام بينَ المُسلمين، سيدنا عُمر قال لأحد وُلاتِهِ: ماذا تفعل إذا جاءكَ الناسُ بسارقٍ أو ناهب ؟ قالَ: أقطعُ يدَهُ، قالَ: إذاً فإن جاءني من رعيّتُكَ من هو جائِعٌ أو عاطل فسأقطعُ يدك، ثم قالَ:
 يا هذا إنَّ الله قد استخلفنا عن خلقِهِ لِنسُدَّ جوعَتَهُم، ونستُرَ عورتَهُم، ونُوفِّرَ لهم حِرفتَهُم، فإن وفيّنا لهم ذلك تقاضيناهُم شُكرَها، إنَّ هذهِ الأيدي خُلِقت لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعةِ عملاً التمست في المعصيةِ أعمالاً، فاشغلها بالطاعة قبلَ أن تشغلكَ بالمعصية.

2 ـ الدعوة إلى العمل :

 من لوازمِ حق الحياة الدعوةُ إلى العمل، سيدنا النبي أمسكَ بيد عبد الله بن مسعود وكانت خشِنة فرفعها أمام أصحابِهِ وقال: إنَّ هذهِ اليد يُحبُها الله ورسولُه، وكان عُمر رضي الله عنه يقول: إن رأيتُ الرجل ليسَ لَهُ عمل يسقُطُ من عيني.

3 ـ الدفاع عن النفس و العرض و المال :

 من لوازمِ حق الحياة أنَّ الإسلامَ سَمَحَ للإنسانِ وأعطاهُ حقَّ الدِفاع عن نفسِهِ، وعن عِرضِهِ، وعن مالِهِ، ومن ماتَ دونَ نفسِهِ ودونَ مالِهِ وعِرضِهِ فهوَ شهيد.

4 ـ تحريمُ المبارزة بينَ شخصين في غير الحق :

 من لوازمِ حق الحياة تحريمُ المبارزة بينَ شخصين في غير الحق يُسحبُ عليها المُصارعة الحُرة، هذهِ ممنوعة في الإسلام لأنَّ فيها إزهاقاً لنفس بِلا سبب مُبرر.
 سيدنا عمر سُئِل؛ قيل: يا أمير المؤمنين إنَّ أُناساً قد اغتصبوا مالاً ليسَ لهم، لستُ أقدِرُ على استخراجه منهُم إلا أن أمسّهُم بالعذاب فإن أذنتَ لي فعلت؟ ماذا كان جواب سيدنا عمر؟ قالَ: يا سُبحانَ الله أتستأذِنُني في تعذيب بشر وهل أنا لكَ حِصنٌ من عذاب الله؟ وهل رِضائي عنكَ يُنجيكَ من سَخَط الله؟ أقمْ عليهم البيّنة فإن قامت فخُذهُم بالبيّنة، فإن لم تقُم فادعهم إلى الإقرار، فإن أقرّوا فخُذهُم بإقرارَهم، فإن لم يُقِّروا فادعهم لِحلفِ اليمين فإن حَلَفوا فأطلق سراحهُم، هل هناكَ قنوات فيها إنصاف وفيها ديمقراطية وفيها عدالة كهذهِ القنوات؟ هذا هوَ الإسلام، أول كلمة قالَها سيدنا عمر وهي كلمة خالِدة: " متى استعبدتم الناسَ وقد ولدتهم أمهاتُهم أحراراً ".

5 ـ معالجة النفس :

 من لوازمِ حقوق الإنسان: الإنسان إذا كانَ مُصاباً بمرض ولم يُعالِج نفسَهُ يموتُ عاصياً، لأنّهُ اعتدى على حياتِهِ، لابُدَّ من أن تُعالِجَ نفسك بل إنكَ إذا تأكّدتَ أنَّ هذا المرض لَهُ دواء فأخذُ الدواءِ فرضٌ على كُلِّ مُسلم، إنسان ينام على سطح، مُحرّم قد يقع فيموت، يُسحبُ على هذا إنسان يركب مركبة لا يوجد بِها مكابح جيّدة أو فيها خلل هذهِ معصية لله عزّ وجل، بل إنَّ النبي عليه الصلاة والسلام كانَ يقول: " من كانت ناقتُهُ حرون فلا يخرُج معنا" هناك صحابي ناقتُهُ حرون خَرَجَ مع النبي الكريم ودفعتُهُ من على ظهرِها وماتَ، ودُقت عُنُقه، فالنبي لم يُصلِّ عليه احتراماً لِحق الحياة، بل إنَّ تناول الطعام والشراب من أجلِ صون الحياة فرضُ عينٍ على كُل إنسان، وكُل إنسان تركَ الطعام فمات ماتَ عاصياً لله عزّ وجل، قالَ تعالى:

﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾

[سورة البقرة: 195]

 بل إنَّ الاعتداء على الجنين صونٌ لحق الحياة في وقتٍ مُبكّر، العدوان على الجنين من بابِ صونِ الإسلام لحق الحياة، الله عزّ وجل قال:

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾

[سورة الإسراء: 70]

حق الحياة هو الحق الأول في الإسلام :

 مِحور هذا اللِقاء أجهلُ الناسِ بحقوقِ الإنسان في الإسلام هُم المسلمون، الإسلام رعى حقَّ الحياة إلى أعلى درجة، أمّا الإنسان حينما يستغرب ويُهمل دينَهُ وهذهِ ظاهرة متفشيّة في المسلمين، لا يعرف دينه إطلاقاً، أما يُصغي إلى ما في الإعلام من حديث عن حقوق الإنسان؟ وحق الحياة هو الحق الأول في الإسلام، والإسلام صانَ هذا الحق في أعلى درجة قبلَ ألفٍ وأربعمئة عام.
 أيها الأخوة؛ هناك حق الكرامة، هناك حقوق كثيرة فيها نصوص من الكتاب والسُنّة، فالإنسان قبلَ أن يستغرب - أي يتبع الغرب - وقبلَ أن يُعجب بما يُطرح يجب أن يعلم ما في دينِهِ من هذهِ المبادئ والقيم العظيمة، إن شاء الله في درس قادم نُتابع هذهِ الحقوق، اليوم حق الحياة فقط.

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور