- أحاديث رمضان
- /
- ٠17رمضان 1431 هـ - أمثال القرآن الكريم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الفرق بين المؤمن وغير المؤمن فرق كبير جداً :
أيها الأخوة الكرام، أحياناً يرغب المرء أن يعرف كم هي المسافة بين الإيمان والكفر، بين الاستقامة والانحراف، بين الطاعة والمعصية، بين الإقبال والإدبار، الحقيقة أن المسافة كبيرة جداً، للتوضيح أحياناً هناك سجاد من أرقى أنواع السجاد، قد يكون ثمن الواحدة بالملايين، وهناك سجاد آلي، صوف، وشكله جميل، ويؤدي الوظيفة، فالفرق جمالي فقط، لكن الفرق بين سجادة وبين قنبلة، الفرق كبير جداً، هنا تجلس عليها وترتاح، وهنا يموت الإنسان، أنا أتمنى من خلال المثل القرآني حينما يقول الله عز وجل:
﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾
أنت حينما تعلم أن المسافة بين المؤمن وغير المؤمن كبيرة جداً، كبيرة إلى درجة يصعب تصورها، فأنت عرفت الحقيقة:
﴿ قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾
الفرق بين المؤمن وغير المؤمن كبير جداً، إنسان بصير و آخر أعمى، إنسان سميع و آخر أصم، إنسان يتقلب في رحمة الله، و آخر يتقلب في غضب الله، إنسان أموره ميسرة، والدليل:
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى* وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى* وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى* إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى* فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
البشر عند الله عز وجل صنفان لا ثالث لهما :
أيها الأخوة الكرام، أنا فيما أتصور أن هناك تقسيمات لبني البشر لا تعد ولا تحصى، يقول لك: العرق الآري، الأنغلو سكسوني، والعرق السامي، والبيض، والملونون، دول الشمال، دول الجنوب، والعالم الغربي، والدول المتقدمة والنامية، والأغنياء والفقراء، والأقوياء والضعفاء، تقسيمات بني البشر لا تعد ولا تحصى، وأحياناً المجتمع يوصف بأنه فسيفسائي
أما الحقيقة هؤلاء البشر عند خالق البشر صدقوا ولا أبالغ لا يزيدون عن صنفين لا ثالث لهما، على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، وتياراتهم، واتجاهاتهم، وميولهم، البشر عند الله صنفان، أعمى وبصير، وأصم وسميع، مؤمن وكافر، مقبل ومدبر، محسن ومسيء، فيما أرى أن في تاريخ البشرية كان هناك حق نرمز له باللون الأبيض الناصع، و باطل نرمز له باللون الأسود الداكن، وبينهما مساحة كبيرة جداً من اللون الرمادي، أي بين بين، مع تقدم الزمن المساحة الرمادية بدأت تختفي، الآن هناك حق وباطل، مؤمن وكافر، مستقيم ومنحرف، محسن ومسيء، بصير أعمى، سميع وأصم، المفارقة حادة جداً، لذلك من هذه الآيات:
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
إنسان يملك تسعين ملياراً وإنسان عليه دين يقدر بتسعين ملياراً، هناك فرق كبير جداً:
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
الله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها :
لذلك المؤمن لأنه عرف الله، لأنه عرف سرّ وجوده، عرف غاية وجوده، عرف حقيقة الحياة الدنيا، عرف أن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترحٍ لا منزل فرح، وأن من عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي.
أيها الأخوة الكرام، ليس من الصعب ولا من المستحيل أن تكون مع الفريق المستنير، مع الفريق المؤمن، والسبب أن الله عز وجل لا يكلف نفساً إلا إذا كان التكليف ضمن وسعه، ضمن إمكاناته، فهناك شهوات لكن هذه الشهوات مسموح لك أن تتحرك من خلالها بزاوية معينة، نضرب على هذا مثلاً، شهوة الجنس مسموح لك بالزواج، ما من شهوةٍ أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناةً نظيفةً تسري خلالها، صدق ولا أبالغ شاب مؤمن، صالح، مستقيم، يغض بصره، ضابط لسانه، ضابط أعضاءه وجوارحه، يعبد ربه، يؤدي شهواته، هذا الإنسان لو تزوج، هذه المرأة تعد له جنةً، قال تعالى:
﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
قال علماء التفسير: الزوجة الصالحة من حسنات الدنيا، إذا نظرت إليها سرتك، وإذا غبت عنها حفظتك، وإذا أمرتها أطاعتك.
الحق لا يخشى البحث لأنه واضح نير :
معنى ذلك اعتقد يقيناً أنه ليس في الإسلام حرمان إطلاقاً، لكن هناك تنظيماً، الإسلام نظيف، الإسلام واضح، الإسلام لا يوجد فيه شيء يستحيا به، الحق لا يستحيا به، كلكم تستمعون أحياناً، أبواق المركبات هناك عرس، لا يستحيون؟ لا، لا يستحيون، الله شرّع الزواج، شرع تأسيس أسرة، إلى أين هم ذاهبون؟ إلى لقاء حميم، لا يستحيون إطلاقاً، شيء مشروع، الحق لا يستحيا به، الحق لا يخشى البحث، مهما بحثت فيه واضح نير، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ))
بيضاء نقية، الأمور واضحة، الهدف واضح، الوسائل واضحة، القرآن بين أيدي الناس جميعاً، فلذلك اعتقد يقيناً أن الحق لا يستحيا به، وأن الحق لا يخشى البحث، وأن الحق لا يحتاج أن تكذب له، ولا يحتاج أن تكذب عليه، ولا يحتاج أن تقلل من خصومه، ولا يحتاج أن تبالغ فيه إطلاقاً، لا تبالغ، ولا تقلل، ولا تستحي به، الحق هو الله:
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
مرة إنسان أراد أن يحرج إنساناً داعية، قال له: تقول: إن المؤمن سعيد، قال: والله ليس سعيداً، شأنه شأن أي إنسان آخر، هناك موجة حر شديدة يتعرض لها، غلاء أسعار يتحملها، مثله كمثل أي إنسان، فسألني هذا السؤال بماذا أجيب؟ فكان جوابي قلت له: إذا إنسان عنده ثمانية أولاد، والقوة الشرائية اليوم للعملة، ودخله أربعة آلاف ليرة، وبيته بالأجرة، وعليه دعوى إخلاء، له عم يملك خمسمئة مليون، لكن لا يوجد عنده أولاد، عمه مات بحادث، الخمسمئة مليون لمن تؤول؟ لابن الأخ كلها، لكن متى يقبضها؟ يحتاج إلى سنة، هناك براءات ذمة في المالية، ووثائق، ومعاملات طويلة، لماذا هو في هذه السنة أسعد إنسان؟ لم يأخذ قرشاً، لم يأكل زيادة، لم يشترِ معطفاً، لكنه دخل بالوعد القطعي، كأن الخمسمئة مليون ملكها، قال تعالى:
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
المؤمن عنده راحة نفسية لأن علاقته مع جهة واحدة هي الله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام، تأكد أن المسافة بين المؤمن وبين غير المؤمن مسافة يصعب تصورها، والله تعالى يقول:
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
المؤمن عنده من الداخل راحة نفسية، علاقته مع جهة واحدة، هذه الجهة غنية، وقوية، وخبيرة، وعليمة، وحكيمة، وتحبه:
﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾
علاقته مع جهة واحدة يرضي هذه الجهة، وهذه الجهة العظيمة الله عز وجل، يحميه من كل أعدائه، وضعه النفسي رائع جداً، وضعه الاجتماعي متوازن، شخصيته قوية، اختار زوجة صالحة، لا تخونه، اختار زوجة صالحة ترعى أولاده، اختار زوجة صالحة تسره إن نظر إليها، تحفظه إن غاب عنها، تطيعه إن أمرها، اختار حرفة شريفة، هناك حرف رائعة جداً فيها عطاء، حرف التعليم مثلاً، هناك حرف كثيرة جداً أساسها نقل المعرفة، أساسها عمل صالح، فالمؤمن حرفته شريفة، زوجته طاهرة، أولاده أبرار، أي وضع المؤمن العام ممتاز جداً، لأنه توجه إلى الله.
أسعد الناس من يشعر أن الله معه في كل حين :
فيا أيها الأخوة الكرام، قضية الآية الكريمة المثل:
﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾
والله الذي لا إله إلا هو لو أن المؤمن أكل أخشن طعام، وسكن بأصغر بيت، وهو يشعر أن الله يحبه، وأن له مستقبلاً كبيراً، والآخرة فاز بها، فهو أسعد الناس، لذلك لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليها بالسيوف.