وضع داكن
22-11-2024
Logo
إتحاف المسلم - الدرس : 02 - هدي النبي عليه الصلاة والسلام في العمل الخالص لوجه الله تعالى.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

أي عمل خالص لوجه الله لا يتصل بمصالح الإنسان خير من الدنيا و ما فيها :

 يقول عليه الصلاة والسلام:

((غدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس و غربت))

[مسلم والنسائي عن أبي أيوب]

 أي هل لك عمل خالص لله عز وجل مئة في المئة, لا ترجو مديحاً, ولا مكانة, ولا منفعة, ولا تألقاً, ولا ثناء؟
 غدوة في سبيل الله ـ ذهاب ـ مشيت مع إنسان لوجه الله، عدت مريضاً لوجه الله، ذهبت إلى مجلس علم لوجه الله، غدوة أو روحة، أي عمل لا يتصل بمصالحك إطلاقاً؛ لا بكسب المال, ولا بعلاقات الأهل, ولا بسمعة, عمل تبتغي به وجه الله, ولا تريد أحداً أن يطلع عليه, قال:

((غدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس و غربت))

[مسلم والنسائي عن أبي أيوب]

 كما يقول النبي عليه الصلاة والسلام مخاطب الإمام علياً رضي الله عنه :

((فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى الله بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ))

[أخرجه البخاري و مسلم عن سهل بن سعد الساعدي ]

 البشر خمسة آلاف مليون, والبشر من آدم إلى يوم القيامة, لا يعلم عددهم إلا الله, كل هؤلاء بكفة, وكلام النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ بكفة خاصة؛ لأن النبي لا ينطق عن الهوى, إنه يبلغنا عن الله.

 

على كل إنسان أن يبحث عن عمل خالص لوجه الله عز وجل :

 حركة الحياة واضحة, الناس كلهم يكبر, يعمل, يتزوج, ينجب أولاداً, تكون له حرفة, كل كلامه, وكل حركاته, وكل تصرفاته، تابعة لمصالحه, أي يكون وكيل شركة؛ المديح والثناء للبضاعة, ولا يوجد أفضل منها, ومن أحسن الأنواع, ولم يأت مثل نوعها, سحبوا الوكالة منه يذمها ـ هو نفسه يذمها ـ و يمدح غيرها, كل كلامه تابع لمصالحه, كل تصرفاته؛ يمدح نفسه, يحطم غيره, يمدح بضاعته, يذم بضاعة الآخرين, أين الأدسم يلبي؟ أين يشعر بسعادة يلبي؟ هكذا الناس؛ كل كلمة يتكلمونها, كل حركة يتحركونها ,في سبيل مصالحهم.
 نحن نريد عملاً ليس له علاقة لا بمصالحك, ولا ببيتك, ولا بأولادك, ولا بدخلك, ولا بمهنتك, ولا بحرفتك, ولا بسمعتك, ولا بمكانتك, ولا بسرك, تبتغي به وجه الله وحده؛ لا تتحرك إلا في سبيل الله, لا تبتغي أن يمدحك الناس, هذا العمل خير لك من الدنيا وما فيها, ماذا يوجد في الدنيا؟ نحن أحياناً بعيدون عما في الدنيا؛ يوجد في الدنيا أموال لا تأكلها النيران, شركة أدوية أمريكية, مبيعاتها أربعمئة مليار في العالم كم أرباحها؟ مالكها إنسان واحد, هناك شركات عملاقة تبيع للعالم كله, مالك هذه الشركة كم حجمه؟ أين يسكن؟ له طائرة خاصة؟ له يخت خاص؟ له ألف إنسان يخدمه؟
 أن تهدي رجلاً واحداً، تذهب إلى بيته, تقنعه بالإسلام, تدعوه إلى مأدبة حتى يميل لك، تكرمه, تعطيه شريطاً, تقنعه بالإسلام, تقدم له هدية ليس لك مصلحة فيه, ولا يهمك أمره, ولا يقدم لك شيئاً, ولا ينفعك, لكنك ابتغيت بهذا العمل وجه الله.
 جالس في بيتك، زوجتك أمامك, أولادك أمامك, بيتك مريح, وأنت مرتاح ومسرور, نهضت وارتديت ثيابك, وجئت إلى مجلس علم, على الأرض, لا يوجد شيء؛ لا كأس عصير, ولا كأس شاي, ولا مقعد مريح, ولا منظر جميل, جالس تستمع, تتعلم كلام الله, ما الذي دفعك إلى دخول هذا المسجد؟ الله عز وجل, ابحث عن عمل خالص.

 

على الإنسان أن يعمل للآخرة لا للدنيا فقط :

 النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان ماشياً مع أصحابه, لقي قبراً, فقال:

(( صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم خير له من كل دنياكم))

[ رواه ابن المبارك عن أبي هريرة ]

 ما هي دنياكم؟ أراض, محاضر, مزارع, فيلات, معامل, شركات، يوجد وكلاء شركات أدوات غذائية؛ شخص في الشام ربحه بليون, هناك حجوم أرباح كبيرة جداً, والله قال لي شخص: أخذت بيتاً بمئة وخمسين مليون في الشام, إذا كان سعر بيته مئة وخمسين مليون؛ ماذا عن حق سيارته؟ نوع مصروفها؟ يأتي إنسان ليقنع إنساناً بالدين, يتعذب معه قليلاً, يتحمله, يزوره, يغريه, يقدم له هدية, يأت به إلى الجامع, كان شارداً وانضبط خير لك من الدنيا, وما فيها.
أغنى غني بالعالم ـ روتشيلد ـ كان يقرض الحكومة البريطانية, خزائنه الحديدية عبارة عن غرفة ـ ليس صندوقاً حديدياً ـ مرة دخل بطريقة, أو بأخرى, الباب أغلق عليه، صرخ, صاح, لا يوجد أمل, ثم جرح يده, وكتب: (أغنى رجل في العالم, يموت جوعاً, وعطشاً) مات ضمن خزانته الحديدية.

 

على الإنسان أن يبحث عن عمل ليس له علاقة بكل مصالحه :

 أنا هدفي: ابحث عن عمل ليس له علاقة بكل مصالحك أبداً، سمعت عن شخص ـ أنت لست مكلفاً أن تفعل هذا الشيء ـ يقوم بخدمة المساجد خدمة صعبة جداً, لا أحد يفعلها, هو يفعلها ولا أحد يعلم به, متعبة, محرجة, يقدمها و يقول لك: هذه لله, يا ترى هل لنا عمل مثل هذا؟ نحن ضمن الدين إنسان يتكلم الناس يستمعون له، هذه الدنيا أما هكذا عمل! سراً، لا أحد يعلم به, تزور فقيراً, تؤمن له طعامه, تعود مريضاً لوجه الله, أحياناً تأتيك دعوة فرضاً خارج دمشق, مكان بعيد ـ قرية ـ على كأس شاي, والكتاب بالطريق, ولا يوجد صالة مكيفة, ولا ضيافة ثمينة جداً, ولا يوجد شيء يطرب له الإنسان, فتلبية دعوة الفقير, تأخذ من وقتك ثلاث ساعات, أربع ساعات, ساعة ذهاب, وساعة إياب, وساعة إقامة، على كأس شاي, على جلسة على كرسي خيزران في الطريق, كي تجبر خاطره لوجه الله, تلبية دعوة الفقراء من عمل الآخرة, وتلبية دعوة الأغنياء من عمل الدنيا.
 إنسان له قريبة ـ ابنة أخته فرضاً ـ مسكينة, زوجها فقير, يسكنان في منطقة بعيدة, لا أحد يزورهم بسبب فقرهم، الغني إذا عطس, يأتيه مئة شخص ـ قلوبنا عندك, خير إن شاء الله ـ سافر, رجع من سفره, الجميع يزوره, كيفما تحرك الجميع يؤدي فرائض الود, والولاء, أما إذا كان الإنسان فقيراً و مرض لا أحد يخطر على باله أن يزوره, ينجب ولداً, ويموت الولد, ويسافر, ويرجع, ويعمل, ولا أحد يزوره, ولا أحد يدعوه, هل خطر في بالك أن تزور فقيراً ليس له شأن في الحياة؟ إذا زرته لا يقدم لك شيئاً, لكن أنت تُشرّفه بهذه الزيارة, نريد عملاً لوجه الله؛ عملاً تبتغي به وجه الله .
 لي قريبة, لها مبلغ من المال عند الدولة ـ أسهم قديمة تأممت ومن ثم وزعوا على صغار المساهمين ـ المبلغ بمقدار الوكالة وهي مقعدة, ذهبت وأملي في المئة واحد أن يوافق الموظف, قلت له: يوجد إنسانة مقعدة في البيت, ولها مبلغ عندكم, هل من الممكن أن تذهب إلى بيتها وتعطيها المبلغ؟ يريد بصمتها وتوقيعها حتى تستطيع أن تقبض المبلغ وهي بحاجة له, قال: نعم ـ والدنيا رمضان ـ قلت له: أنا آخذك في السيارة, فلم يرض، قلت في نفسي: لا يريد أن يأتي، طلب العنوان, أخذ العنوان, والله عصراً طرق الباب: أين الحجة؟ وبصمها, وأعطاها المبلغ, ومعه الحقيبة والدفتر, قال لي: هل من الممكن أن أصلي العصر عندكم؟ قلت له: تفضل, فقلت له: هل من الممكن أن أوصلك؟ قال: لا, لم يرض أن أوصله, والسيارة موجودة, ومكانه بعيد، أحب أن يكون هذا العمل خالصاً لوجه الله، لا أحد يفعلها, أحياناً: شخص يجلس مع شخص يعلمه القرآن ـ هو أستاذ رياضيات ـ ولا يوجد عنده وقت, وكل ساعة بألف ليرة, ورجل فقير سأله أن يعطيه عدة دروس, فأجابه: على عيني.
 حدثنا أحد أخواننا ـ طبيب أسنان ـ جاءت إلى عيادته إنسانة, واجهتها كلها مشوهة, وهي معلمة, كلما تريد أن تفتح فمها, التلميذات يضحكن عليها ـ منظرها ليس مقبولاً ـ سألته: كم تكلف العملية؟ قال: تكلف ستين ألفاً فانزعجت، فقال لها: سنعمل العملية, ومن ثم نحل المشكلة, أجبرها أن تصلح أسنانها, قال لي: عملت حوالي شهرين أو ثلاثة, في تقويم أسنانها، و قلت لها: إن هذا العمل لوجه الله, قال لي: في حياتي كلها ما سعدت, وما شعرت بسرور كهذه المرة، طبعاً عنده مئة زبون, ومئة زبونة, كل واحد حسابه أربعون ألفاً, خمسون ألفاً, أما هذه لوجه الله, أحياناً تجد محامياً يدافع عن شخص فقير لوجه الله، لا يريد منه شيئاً, طبيب يعالج إنساناً لوجه الله, فهناك في الطب, في الهندسة, في التعليم, في شتى شؤون الحياة, أعمال لوجه الله .
 إنسانة وهي تمشي في الطريق شاهدت سيارة صدمت سيارة ثانية فحطمتها، الذي صدم السيارة الثانية قوي ومتجبر و صاحب السيارة الثانية إنسان ضعيف يعيش منها, فصار يبكي, فقالت له: يا بني! هذه تصليحتها علي, ليس لها علاقة معه, هي تمشي في الطريق, لقيت شخصاً اعتدى على آخر, والمعتدى عليه ضعيف, والمعتدي قوي, قالت له: امش، تصليح هذه السيارة عليّ, نريد عملاً لله, ليس لك مصلحة فيه, بهذا العمل في الآخرة تفوق أغنياء العالم, تفوق أقوياء العالم, تفوق أصحاب الحظوظ في العالم. " قال له: يا معاذ, أخلص دينك, يكفك القليل من العمل".
 أحياناً إنسان متعب, لا يستطيع أن يتحرك, يأتيه عمل صالح، رغم تعبه يفعله, رغم تعبه يخرج من بيته, رغم تعبه ينفق ماله, أحياناً معك مبلغ بسيط لآخر الشهر, يأتيك شخص تعطيه إياه .

 

الدين ليس قضية مظاهر بل علاقة متينة مع الله عز وجل :

 أنا هدفي أن الدين عظيم, لا تستهلكه استهلاكاً رخيصاً, الدين ليس قضية مظاهر، قضية علاقة متينة مع الله, قضية إخلاص لله, فعلى الإنسان أن يبحث عن عمل لا يبتغي به إلا وجه الله.

((غدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس و غربت))

[مسلم والنسائي عن أبي أيوب]

 والله بلدنا فيه خير, تجد أناساً يبذلون من مالهم, من وقتهم, من صحتهم, أحياناً أدخل حكماً بين شخصين, مرة اختلف اثنان ـ أب وابنه ـ والله جلست معهم للساعة الثانية عشرة, أول جلسة, وثاني جلسة, الأب لم يرض ـ الأب ليس من أخواننا ـ ذهبوا إلى القضاء, في القضاء القاضي عين حكماً, أخذ مئة ألف على جلستين؛ خمسون من الأب, وخمسون من الابن, وكما حكمت حكم, الناس ماذا يقولون: ليس لنا دخل, فخار يكسر بعضه, أريد راحتي أريد .
 نحن نريد هذا النمط الذي تبتغي به وجه الله، لا تبتغي سمعة, ولا ثناء, هناك أشخاص إذا عمل عملاً, لا يحب أحداً أن يعلم به, هذه لله لا يحب أحداً أن يعلم به, هذه لله:

(( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ......... وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ))

[ البخاري عن أبي هريرة]

 إنسان يصلي قيام الليل, لا أحد يعلم به, هناك شخص ـ مثل جحا ـ يسهر ليلة, يريد أن ينام الليل كله, يظل يتحدث عن نفسه، ماذا فعل؟ ماذا عمل؟ لكي ينتزع إعجاب الناس, هذه شهوة, وهناك شخص يريد الله عز وجل, لا يهمه أحد, أحاديث كثيرة أخذت منها هذا الحديث:

((غدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس و غربت))

[مسلم والنسائي عن أبي أيوب]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور