- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (067) سورة الملك
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام الآية الثامنة والعشرون من سورة المُلك وهي قوله تعالى
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28)﴾
هذه الآية تشير إلى معنى دقيق جداً وهو أنّ الكافر دائماً يتمنى ضعف المسلمين ويتمنى إطْفاء نور الله ويتمنى إشاعة الفاحشة وكلّ شرٍ للمسلمين قال تعالى:
﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)﴾
لو أنّ الكافر حُقق له ما تمنى وأهلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ هل يُعفى الكافر من الحِساب والعذاب ؟ لا... سواءٌ انتصر المسلمون أو لم ينْتصروا سعِدوا أو لم يسْعدوا وارْتفعوا في الأرض أو لم يرْتفعوا فَسَعادتهم وعدمها وارتفاعهم وعدمه هل تُلغي حساب الكافرين ؟ لا... ما علاقة هذه الآية بِحيانا اليوميّة ؟ يقول لك أحدهم كلُّ الناس على هذه الوتيرة ! لو أنّ على وجه الأرض خمسة آلاف مليون إنسان وكانوا كلهم على الضلال إلا واحداً فهل أنت مُعْفى من الحساب ؟ لا... أيُّ إنسانٍ يعتمد على الأكثرية المُنْحرفة قال تعالى
﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)﴾
الله عز وجل أثبت في كتابه أنّ الأكثرية على غير الحق دائماً قال تعالى:
﴿ وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)﴾
وقوله:
﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)﴾
فلو أنَّ أكثر الناس لم يكونوا على الحق فهل يُعْفيك هذا من الحساب ؟ أبداً، فإذا عافى الله إنساناً وكان أُناسٌ يسْبحون في بِركةٍ آسِنة وهم كُثر فهل ينبغي أن تسبح أنت معهم ؟ وإذا نزلت معهم فهل تُعفى من رائِحتها الكريهة ومن جراثيمها الضارة ؟ أبداً وكذلك الذي يُؤَلِّهُ المجتمع ويفْعل ما يفعل فهو يعْبُدُه من دون الله ويقول لك: كل الناس على هذه الوتيرة قال تعالى:
﴿ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)﴾
فهذا هو شأن ضعيف التفكير الذي يُقلِّد تقْليداً أعمى أو يطْمئنّ اطْمِئناناً ساذِج للأكثريَّة المُنْحرفة فأنت علاقتك مع الله عز وجل فلو كنت مع مُجتمعُ جُلُّ أهله فُساق لا يُعْفيك هذا من المسؤوليَّة حتى لو أنَّ الكافر تمنى هلاك النبي وأهلك الله النبي هل تُحلُّ المشكلة قال تعالى:
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28)﴾
الكافر سَيُحاسب وكلُّ إنسانٍ مُحاسب بِما يفْعل قال تعالى:
﴿ مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15)﴾
وقوله تعالى:
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92)﴾
أردتُ من هذه الآية الأوهام التي تُعَشْعِش في أذهان الناس القائلة: كل الناس هكذا ومن يستطيع أنْ يغض بصره ؟ ومن الذي يستطيع أنْ لا يقْتني هذا الصحن وأصبح شيئاً ضروريا وحياتي فكلما شاعت معصية أو بدعة أو مفْسدةٌ الإنسان الجاهل يطمئن ويقول لك: الناس كلهم هكذا ؛ لو أنّ الناس كلهم عصَوا ربهم هل تُعفى أنت من الطاعة ولا تُحاسب على المعصية ؟ هذه هي النقطة التي تنْطوي عليها الآية وهو أنه لا تزر وازرة وزر أخرى وكلُّ إنسانٍ مُحاسب بِصَرف النظر عن الذين يعْصون الله بِكَثْرتهم أو بِقِلَّتِهم وعن قوتِهم أو عن ضعْفهم بعض الأشخاص لِضَعْفٍ في تفكيرهم يقول لك: الآن ملايين من البشر في آسيا تعبد النار والبوذا والجرذان والسيخ فهل كلُّ هؤلاء عن ضلال ؟ هذا ليس من شأنك أن تفهمه فهو من شأن الله ؛ شأنك أنّ الله تعالى أعطاك منهج فإذا وجد طالب أن كل الصف ما كتب الوظيفة فهل هذا يعني أنه مُعفى ؟ وهل ينجح ؟ لن ينجح وسَيَكون مصيره كَمَصيرهم، فهذه الآية التي أراد الله أن يُطَمْئن المؤمنين وأن يُحَذِّر الكافرين مِن أنّ هلاك المؤمنين أو نجاحهم نجاحهم في دعْوتهم أو إخْفاقهم سعادتهم أو عدم سعادتهم وعُلُوُّهم في الأرض أو سُقوطهم هذا لا يُقَدِّم ولا يؤخِّر في شأن حِسابك مع الله لذلك المؤمن يُعبِّر عن إيمانه بالولاء للمؤمنين والمنافق الكافر يُعبِّر عن كُفره بالبراء من المؤمنين وبِمُعاداتهم وقد قال الله عز وجل:
﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)﴾
قال تعالى:
﴿ قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29)﴾
المؤمن متوَكِّل على الله ولا يستطيع أنْ يُغطي كلّ المُفاجآت المُستقبلية إذْ هناك مليون خطر أمام كلِّ واحدٍ منا فمن الذي يضمن أن يبقى دمُهُ سائلاً إذْ لو تجمَّد لصار مشلول ومن الذي يضمن أن لا تأتيه سيارة وقائد طائش ؟ ومن يضمن أن لا يخسر ماله كله ؟ ومن الذي يضمن أن لا يفقد بعض حواسِّه ؟ أما المؤمن يعيش بِرَحمة الله وبِوَعْد الله له قال تعالى:
﴿ قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29)﴾
أنت متوكِّل على الله ومن يتوكَّل على الله فهو حسْبُهُ والله عز وجل يُلَبيه ثم قال تعالى:" فستعلمون من هو في ضلال مبين " تعلمون من هو الذي سيضْحك أخيراً والإنسان في أوج نجاحه في الحياة الدنيا يفْرح وربنا عز وجل يُعاتِبُهُ فقال لقارون في قوله تعالى:
﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)﴾
وقال تعالى:
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)﴾
قل لي ما الذي يُفْرحك أقول لك من أنت ؛ ما الذي يُفرحك ؟ إذا أفْرحتك الدنيا فأنت من أهلها أما إذا أفْرحتْك طاعة الله عز وجل فأنت من أهل الله، خرج على قومه بِزينَتِه قال تعالى:
﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)﴾
مُلخَّص الآية أنَّ المؤمنون سلامتهم أو عطبهم وتفَوُّقهم أو سقوطهم نجاحهم أو إخْفاقهم وعُلُوُّهم أو دُنُوُّهم لا يغني عنك شيئاً إذْ أنك مُحاسبٌ على عملك ولا يُعْفيك من هذه المُحاسبة شأن المؤمنين فالمؤمن يجب أن لا يفكِّر في هذا الموضوع قال تعالى:
﴿ قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29)﴾
هذه السين هي سين الاستقبال والله عز وجل يبْتلي ويمْتحن ويُؤدِّب ويُكَرِّم أما في النهاية الذي يضْحك هو المؤمن وآخر الأمر قوله تعالى:
﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)﴾
قال تعالى:
﴿ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107)﴾
وقوله تعالى:
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)﴾
فالعِبرة في الخِتام ونِهاية الحياة وعلى ما يُختم له تجد أشخاص ترك الصلاة بالخامسة والستين من عمره واشترى صحن فالعِبرة ما الذي يُختم للإنسان وربنا عز وجل قال في كتابه:
﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً (80)﴾
هناك دخولٌ وخروج فالعِبرة بالخروج لا بالدخول وسيِّدنا معاوية سأل سيِّنا عمرو ابن العاص وكان من دُهاة العرب: قال يا عمرو ما بلغ من دهائك ؟ قال له: والله ما دخلت مُدْخلاً إلا وأحسنت الخروج منه فقال له: لسْتَ بِداهِيَة أما أنا فو الله ما دخلتُ مُدخلاً أحتاج الخروج منه ففي الأساس لا أدخل وأنت تدخل وتُحسن الخروج أما أنا فلا أدخل أبداً وفي آخر الآية قال تعالى:
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)﴾
الله جل جلاله فالماء قِوام الحياة ولو جفَّت الأنهار وغارت الينابيع وانقطعت الأنهار يُصبح البيت الذي ثمنه خمسة ملايين لا يساوي ليرة وكذا المُدُن الجميلة فالله هو الرزاق ذو القوة المتين وليس في الأرض جِهة تستطيع إنزال المطر:
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)﴾
في إفريقيا مرت عليها بعض السنوات العِجاف ومعي صُوَرٌ في البيت كلّ الأشجار يَبِسَتْ والزراعة انتهت والحيوانات ماتت فالناس هجروا بلادهم إلى بلادٍ فيها ماء فانقِطاع الماء يُنهي الحياة ويموت النبات ويموت الحيوان ويموت الإنسان فالله هو الرزاق ذو القوة المتين.