- الفقه الإسلامي / ٠6العبادات التعاملية
- /
- ٠2الربا
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
القرض الحسن :
أيها الأخوة الأكارم، لازلنا في موضوع الربا، ولكن الحديث اليوم عن البديل الإسلامي للربا. إنه القرض الحسن، فماذا ورد عن القرض الحسن في القرآن والسنة وفي تاريخ الصحابة الكرام؟ وما هي الأحكام التفصيلية المتعلقة بالقرض الحسن؟
أيها الأخوة الأكارم، أسعى جهدي لأنتقل من موضوعات الفقه إلى ما نحن في أمس الحاجة إليه، موضوع القرض، ما من نشاط مالي بين المؤمنين أكثر أهمية من موضوع القرض، ما دام الإسلام قد حرم الربا لكن واقع الحياة الاجتماعية أن الإنسان أحياناً يحتاج إلى مال، فظروف الحياة صعبة، والدخول متفاوتة، والحاجات الطارئة كثيرة، وقد يكون الإنسان ذا عضلات مفتولة و لديه قدرة كبيرة على العمل لكنه يفتقر إلى المال، و هذا شيء طبيعي جداً، لذلك ما دام الربا محرماً، وما من معصية توعد الله مرتكبها حرباً من الله ورسوله كمعصية الربا، ما هو البديل الإسلامي لمثل هذه الحاجة الأساسية في المجتمع؟ ما البديل؟ البديل هو القرض الحسن، لذلك شرع الإسلام الاستقراض للإنفاق وللاستثمار، عملية جراحية طارئة، استقرض الإنسان ليشتري آلة يعمل عليها فيقتات من دخلها ثم يعيد القرض إلى صاحبه.
شرع الإسلام الاستقراض لعلة الإنفاق ولعلة الاستثمار، لكن المقترض أحياناً يماطل ويتهرب ويتعب الدائن، لذلك فالمقترض الذي لا يدفع ويماطل ويُتعب يسد على غيره باب العمل الصالح، و لذلك شدد الإسلام على المقترض لدرجة أنه لو جاهد مع رسول الله ووضع روحه على كفه وقتل في المعركة فعليه الصلاة والسلام كان لا يصلي عليه إذا كان عليه دين، و كما أن الإسلام حثّ على أن تقرض الآخرين، حثّ المقترض على أداء الدين بالكمال والتمام والإحسان.
تعريف القرض عند الفقهاء :
هذا ملخص الدرس أما تفاصيله فهي على النحو التالي: تعريف القرض عند الفقهاء: تمليك الشيء على أن ترد بدله، المال شيء وسمي القرض قرضاً لأن كلمة قَرَض تعني: قطع، لأنك تقتطع من مالك مالاً تقدمه لأخيك.
لكن القضية أن أساس القرض إيمان المؤمن بأنه لا يضيع له عند الله أجر العمل الصالح، وأساس القرض هو الإحسان، حينما تؤمن أنك جئت إلى الدنيا من أجل أن تكون محسناً فهذه العقيدة تنسجم مع القرض. أما إذا رأيت أن الدنيا هي كل شيء، وأن المال هو كل شيء، وأن المال هو مادة الشهوات، لذلك فالقرض لا يتناسب مع هذه العقيدة.
انسجام القرض الحسن مع عقيدة الإيمان :
الإسلام كلّ لا يتجزأ، لا يمكن أن تقنع إنساناً مادياً بالقرض، يقول لك: أنا لست بساذج، لكن المؤمن يبادر إليه عن طيب نفس منه، و حينما ترى أن بعض التكاليف يرفضها أهل الدنيا لا لأنها ليست منطقيةً، ولكن لأنها لا تنسجم مع عقيدة أهل الدنيا، لكن القرض الحسن ينسجم مع عقيدة الإيمان، فأنت جئت إلى الدنيا من أجل العمل الصالح و هذا عمل صالح.
شخص مثلاً غادر إلى بلد أجنبي للسياحة فليس له شغل في المكتبات، و لا يذهب إليها، أما الذي ذهب إلى هذا البلد لطلب العلم فكل علاقته بالمكتبات يكاد يقيم فيها، إنسان سائح يحتاج إلى متنزه، وإلى فندق، إلى مطعم، إلى منظر جميل، إلى مركبة يستأجرها، إلى ملهى، إلى متحف، هذا منطق السياح، أما أن يدخل إلى مكتبة يقبع بها اثنتي عشرة ساعة، فهذا من شأن الطلاب لا من شأن السياح، فإذا كلفت سائحاً أن يدخل إلى هذه المكتبة ليمضي بها عشر ساعات يقول لك: أنا لست مجنوناً، طبعاً هذا التكليف يتناقض مع هذا العمل، لكن لو كلفت طالباً على مشارف الامتحان وسينال أعلى شهادة -الدكتوراه- وسيعود إلى بلده مزهواً بها متنعماً بهذه المرتبة العلمية، فهذا الإنسان الذي على مشارف الامتحان لا يقبل أن يذهب معك إلى نزهة مهما أغريته، هذا له منطق وذاك له منطق، فشيء طبيعي جداً أنّ الإنسان المادي الذي يرى الدنيا هي كل شيء، وهي محط الرحال، ونهاية الآمال، وأن المال عصب الحياة، طبيعي أن تكون هذه المنطلقات لا تنسجم مع القرض الحسن، إن الشخص الاقتصادي يقول لك: التضخم النقدي السنوي بالمئة سبعة عشر، و سأخسر إن أنا أقرضت هذه المئة، بمعنى أني سوف أستردها آخر السنة ثلاثَة و ثمانين ألفاً فأنا لست مجنوناً، هذا إذا ردها لي و كان المدين صادقاً بوعده.
يروون نكتة: "دَيّنتَهُ فرفش، تركته طَنّشْ، طالبته خَرمش".
أهل الدنيا يقولون كلمات وعبارات وتعليقات مفادها أن الذي يقرض الناس إنسان مجنون، ولا سيما في أيام التضخم النقدي، وإذا كان لابد أقرض بالعملة الصعبة.
أعرف رجلاً استقرض ثمانية عشر ألفاً بالعملة الصعبة ليشتري بيتاً، فاضطر أن يبيع البيت كله ليرد هذا القرض، فهذا القرض قرضه قرضاً، فهذه المقدمة مفادها: لا يمكن أن تطالب إنساناً مادياً قيمه مادية يعيش حول ذاته و الدنيا عنده هي كل شيء أن تعرض عليه القرض الحسن.
شيء طبيعي جداً أن الإنسان المؤمن يعلم علم اليقين أنه هنا في الأرض من أجل العمل الصالح، والقرض الحسن من أفضل الأعمال الصالحة كما سوف ترون، والقرض الحسن هو بديل الربا أي القرض الربوي، قد تجدون في كتب الفقه وكتب التاريخ والسيرة كلمة أسلف بمعنى أقرض، أسلفه: أقرضه، كلاهما بمعنى واحد.
شرعية القرض الحسن في الدين الحنيف :
الآن هل القرض مشروع في هذا الدين الحنيف؟ طبعاً القرض له سند شرعي.
((حَدَّثَنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: اسْتَقْرَضَ مِنِّي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا فَجَاءَهُ مَالٌ فَدَفَعَهُ إِلَيَّ وَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ إِنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الْحَمْدُ وَالْأَدَاءُ))
قد يسأل أحدكم هذا السؤال: أيعقل أن يُحيج الله نبيه إلى أن يقترض؟ طبعاً لأنه مشرع، لابد من أن يقرض، وأن يقترض، وأن يهب، و أن يقبل الهبة، وأن يرهن أحياناً، ولابد من أن يكون مثلاً أعلى، ولا بد من أن يكون هذا الشرع العظيم في حياته اليومية، لأنه قدوة، وكل شيء نظري ليس له قيمة.
(( اسْتَقْرَضَ مِنِّي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا فَجَاءَهُ مَالٌ فَدَفَعَهُ إِلَيَّ وَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ إِنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الْحَمْدُ وَالْأَدَاءُ))
يجب أن تشكر من أقرضك، قل له: وفقك الله لأنك أكرمتني، كنت في ضائقة شديدة و أفرجتني، و الله سبحانه قال:
﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ﴾
شجعه على العمل الصالح، اجعل المحسن يزداد إحساناً، لكن أسمع كل قصة من مقترضين أساؤوا إلى من أقرضهم بالكلام القاسي، وبالإهمال، وأحياناً بالقسوة البالغة، هؤلاء تنطبق عليهم الآية الكريمة قال تعالى:
﴿ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾
(( ... إِنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الْحَمْدُ وَالْأَدَاءُ))
عليك أن تشكره بعبارات لطيفة جداً وأن تؤدي ما عليك له.
من نوى نية صادقة بأداء الدين استحق العون من الله :
الآن أصحاب النبي عليهم رضوان الله كانوا يقرضون و يستقرضون في حياته وبعد انتقاله إلى رحمة الله.
في عهد النبي عليه الصلاة والسلام يبدو أن صاحبين من أصحابه أقرض أحدهما الآخر، ويبدو أنهما اختلفا على أداء هذا القرض، وسمع النبي صوتهما فكشف ستر حجرته ونادى كعب بن مالك:
((حَدَّثَنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ الشَّطْرَ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُمْ فَاقْضِهِ))
ما هذه القوة التي يملكها النبي عليه الصلاة والسلام؟ إشارة لم يكلف نفسه أن يقول كلمة واحدة، أشار إليه أن ضع الشطر من دَينِك.
في عهد النبي كان أصحابه الكرام يستقرضون ويقرضون.
(( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَدَّانُ فَقِيلَ لَهَا مَا لَكِ وَلِلدَّيْنِ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ عَبْدٍ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فِي أَدَاءِ دَيْنِهِ إِلا كَانَ لَهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَوْنٌ فَأَنَا أَلْتَمِسُ ذَلِكَ الْعَوْنَ ))
احفظوا هذا الحديث، يكفي أن تنطوي على نية صادقة في أداء هذا الدين عندئذ تستحق العون من الله عز وجل.
النبي الكريم و صحابته استقرضوا و أقرضوا :
سيدنا عمر بن الخطاب عملاق الإسلام، الإمام العادل، الورع، الشديد في أمر الله عز وجل، أرسل إلى عبد الرحمن بن عوف يستسلفه أربعمئة درهم، فقال عبد الرحمن بن عوف: أتستسلفني وعندك بيت المال ألا تأخذ منه ثم ترده؟ فقال عمر: إني أتخوف أن يصيبني قدري، وتقول أنت وأصحابك: اتركوا هذا لأمير المؤمنين حتى يؤخذ من ميزاني يوم القيامة ولكن أستلفها منك لأني أعلم أنك سوف تطالبني إذا مت فتستوفيها من ورثتي.
هذا ورع ما بعده ورع، بيت المال بين يديه، ولا يقول: سآخذ هذا المبلغ و أعيده، بل قال: أخاف أن يصيبني قدري وتقول أنت وأصحابك اتركوا هذا لأمير المؤمنين.
إذاً فالنبي عليه الصلاة والسلام استقرض وصحابته في حياته استقرضوا وبعد مماته استقرضوا.
التوفيق بين مشروعية الدين واستعاذة النبي من غلبة الدين:
لكن الحقيقة أن الإنسان أحياناً يقع في حيرة و أحاديث كثير يستعيذ النبي عليه الصلاة والسلام من خلالها من الدين:
(( دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ: يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاةِ، قَال:َ هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَفَلا أُعَلِّمُكَ كَلامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ، قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي))
وفي حديث آخر في صحيح البخاري:
(( عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلاةِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ، فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ))
فكيف يستعيذ عليه الصلاة والسلام من الدين ويراه مع الإثم؟ وكيف يقول: من غلبة الدين وقهر الرجال؟ وكيف أن النبي استقرض وأصحابه استقرضوا وأقرضوا؟ كيف نوفق بين مشروعية الدين واستعاذة النبي عليه الصلاة والسلام من غلبة الدين وقهر الرجال؟
(( ... فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ، فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ))
غرم: أي أصبح تحت عبء الدين.
ربما يدفع الدين صاحبه إلى أن يكذب، ويخلف وعده، هذه سلبيات الدين، و لذلك فالعلماء قالوا: النبي عليه الصلاة والسلام حذر من الدين، لأن الدين أحياناً يجر إلى صفات المنافقين.
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ))
هذه مشكلة الدين، ربما ساق صاحبه إلى أن يكذب، وإلى أن يخلف الوعد، لكن كأن النبي عليه الصلاة والسلام أراد بهذا الدين الذي استعان به أن بعض الناس يستدين لسبب تافه، وأحياناً ترى العلة غير مقبولة لشيء ثانوي، ولشيء يعد من الكماليات غير ضروري، وهذا الذي يستلف أو يستدين لسبب وجيه أو غير وجيه هذا يقع تحت عبء الدين، ترى شخصاً ينفق إنفاقاً غير معقول، كله دين، ويصبح عليه هذا المبلغ عبئاً كبيراً، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يستعيذ من غوائل الدين أي السلبيات؛ الهمُّ بالليل والذلُّ بالنهار، أن يحملك الدين على أن تكذب، أن يحملك الديْن على أن تخلف وعدك، أكثر المدينين يقول لك: أعدك يوم الخميس، و ليس في نيته ولا بعد شهر أن يعطيك فصار يكذب، تقول ابنته: قال بابا: إنه ليس هنا، كذب وكان وقحاً في كذبه، فهذا الدين لأسباب غير وجيهة ربما حمل صاحبه على الكذب، و على الإفلاس.
الدَّين يجلب الخوف:
و:
(( حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ زُرْعَةَ الْمَعَافِرِيُّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لا تُخِيفُوا أَنْفُسَكُمْ بَعْدَ أَمْنِهَا قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الدَّيْنُ ))
إن كنت غير مدين فأنت ملك، احتجْ إلى الرجل تكن أسيره، أي تتحاشى أن تسلم عليه، وتتحاشى أن تمر بشارع فيه دكانه، كنتَ طليقاً ومطمئناً ورافع الرأس، لكن ليس عندك هذه الحاجة الكمالية، عندما اشتريتها حللت مشكلة داخلية، و وقعت في انهيار خارجي، كنتَ رافع الرأس أصبحتَ مطأطئ الرأس، كنتَ تسلم على هذا الدائن الآن تتهرب منه، كنت آمناً فأصبحت خائفاً، النبي عليه الصلاة و السلام يقول:
(( حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ زُرْعَةَ الْمَعَافِرِيُّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لا تُخِيفُوا أَنْفُسَكُمْ بَعْدَ أَمْنِهَا قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الدَّيْنُ ))
بعض العلماء شرح هذا الحديث فقال: لا تخيفوا أنفسكم بالديْن بعد أمنها من الغرماء لأن الديْن يجلب الخوف لشغل القلب به، و قضائه، و التذلل للغريم عند لقائه، و تحمل منته لتأخير أدائه، و ربما يعد بالوفاء فيخلف، و يحدث الغريم بسببه فيكذب، أو يحلف فيحنث، أو يموت فيرتهن، هذه كلها من مغبة الدين.
صفات حددها الشرع للاستدانة :
1 ـ أن يكون هذا القرض لسبب معقول :
أيها الأخوة الأكارم، الديْن ضرورة، و ما منا واحد إلا و اضطر أن يستقرض لكن الشرع حدد صفاتٍ إذا توافرت لك أن تستدين:
أول شيء: أن يكون هذا القرض لسبب معقول، دخلك محدود لا سمح الله و لا قدر، وطفلك الصغير يحتاج إلى عملية جراحية هل تقول: أنا لا أذلّ نفسي لأحد و لا أخيف نفسي بعد أمنها و لا أستقرض؟ والله هذا لا يجوز، و الله يجب عليك أن تستقرض لإنقاذ هذا الطفل، وهناك عاهات إن لم تُجرَ لها عملية في سن معينة أصبحت عاهات دائمة، فهذا الابن الذي يعلم أن أباه كان من الممكن أن يعالج هذه العاهة و حينما أخرها أصبحت عاهة دائمة ألا يحقد على أبيه؟ إذا كان هناك سبب معقول، سبب وجيه، قضية معالجة، قضية عملية جراحية، قضية شراء دواء لا بد منه، فهذا أحد أسباب الديْن المشروعة، و هو سبب معقول و مشروع للاستدانة.
2 ـ نية الأداء :
الشرط الثاني: نية الأداء، أي لو حللنا دم المؤمن المستقرض سنجد فيه كرية حمراء وكرية بيضاء و كرية أداء، لم يخطر في باله أبداً ألا يعطي، استقرض ليعطي، هذا مؤمن ورب الكعبة، أساساً مثل هؤلاء المؤمنين يشجعون على أن تقرض الناس.
3 ـ إمكانية وفاء الدين في المستقبل :
الشيء الثالث: و هذه ناحية خطيرة و هي إمكانية وفاء الدين في المستقبل. سألني أحد أخواننا الحجاج فقال: هل يمكنني أن أستدين؟ توجيه النبي لا، لكن عنده بضاعة بمئات الألوف و بأي لحظة يستطيع أن يبيعها، إذاً عندك شيء تغطي به، فأنت حينما تستقرض أعندك ما يغطي هذا القرض؟ أحياناً الإنسان تكون عنده بضاعة فحينما تباع البضاعة تغطي، عنده أرض، الأرض تغطي، عنده حلي، الحلي تغطي، عنده ديون على الآخرين، الديون حينما يقبضها تغطي، لكنّ إنساناً يستقرض مبلغاً ضخماً و ليس عنده شيء يغطيه فهذا أيضاً لا يجوز، إذاً صار أول شيء أن تستقرض، أو أن تستدين، أو أن تستلف، تستقرض، تستدين، تستلف، كلها بمعنى واحد، كل هذه الكلمات بمعنى واحد، لسبب معقول و مشروع وأساسي و خطير و مصيري يجب أن تستقرض.
الشيء الثاني: نية الأداء الصادقة.
الشيء الثالث: إمكانية وفاء الدين في المستقبل. أي وجود ما يغطّي الدين.
الأدلة:
(( عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَدْعُو اللَّهُ بِصَاحِبِ الدَّيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُوقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ فِيمَ أَخَذْتَ هَذَا الدَّيْنَ وَفِيمَ ضَيَّعْتَ حُقُوقَ النَّاسِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي أَخَذْتُهُ فَلَمْ آكُلْ وَلَمْ أَشْرَبْ وَلَمْ أَلْبَسْ وَلَمْ أُضَيِّعْ وَلَكِنْ أَتَى عَلَى يَدَيَّ إِمَّا حَرَقٌ وَإِمَّا سَرَقٌ وَإِمَّا وَضِيعَةٌ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: صَدَقَ عَبْدِي أَنَا أَحَقُّ مَنْ قَضَى عَنْكَ الْيَوْمَ فَيَدْعُو اللَّهُ بِشَيْءٍ فَيَضَعُهُ فِي كِفَّةِ مِيزَانِهِ فَتَرْجَحُ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ))
أعرف رجلاً أصلحه الله و عافاه استقرض مبلغاً غير معقول، فجأة أنفق على أهله إنفاقاً مذهلاً، الطعام النفيس، الحلويات، الفواكه، النزهات، الثياب الجاهزة، ثم انتحر و مات وترك لورثته مئة ألف ليرة ديناً عليهم، لم يكونوا يريدون هذه النزهات، هناك كثير من الأشخاص يستقرضون للرفاه، و للنزهات، للولائم، للمظاهر، للحفلات، هذا لا يجوز ويحاسب الإنسان على هذا حساباً عسيراً.
القرض لأسباب تافهة معصية :
بالمناسبة: هل الإسراف محرم؟ نعم محرم، الإسراف في المباحات، التبذير محرم؟ طبعاً محرم في المعاصي، علماء الفقه قالوا: إذا أسرفت أو بذرت من مال دين كان الإثم مضاعفاً، استقرضت للإسراف، استقرضت للتبذير، إثم الإسراف و التبذير يضاعف لأن هناك معصية، الإسراف مع معصية، القرض لسبب تافه، معصيتان، معنى ذلك القرض لأسباب تافهة معصية، و قد ذكر البخاري في صحيحه:
((مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ ))
دقة الحديث أي حسب السياق المنطقي: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، و من أخذها يريد إتلافها أتلفها الله؟ لا، أتلفه و فرق كبير بين أتلفها و بين أتلفه، أحياناً الله عز وجل يدمر هذا الإنسان، كل إنسان يأكل أموال الناس - و المال كما تعلمون شقيق الروح- يأخذ المال و لا ينوي أداءه يتلفه الله عز وجل.
توعد الله من أخذ أموال الناس يريد إتلافها بالعذاب الأليم :
علماء الحديث قالوا: الإتلاف يقع في الدنيا غماً في معاشه أو في نفسه، حدثني أخ أن هناك شريكين، أحد الشريكين أخذ أموال الشركة اغتصاباً و عقد صفقة بمفرده ربح بها أربعة ملايين ليرة، و غادر البلد، و أوقع شريكه بدين لا يحتمل، و إفلاس، و في حرج شديد، قال لي: بعد أربع سنوات فوجئت به يمد يده للناس، إنه الأول الذي عقد تلك الصفقة ظلماً و عدواناً.
إذاً إتلاف المال أو إتلاف النفس عذاب الدنيا وعذاب الآخرة:
(( قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مَنِ النَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ، قَالَ: سَمِعْتُ صُهَيْبَ بْنَ سِنَانٍ يُحَدِّثُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّمَا رَجُلٍ أَصْدَقَ امْرَأَةً صَدَاقًا وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لا يُرِيدُ أَدَاءَهُ إِلَيْهَا فَغَرَّهَا بِاللَّهِ وَاسْتَحَلَّ فَرْجَهَا بِالْبَاطِلِ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَهُوَ زَانٍ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ ادَّانَ مِنْ رَجُلٍ دَيْنًا وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لا يُرِيدُ أَدَاءَهُ إِلَيْهِ فَغَرَّهُ بِاللَّهِ وَاسْتَحَلَّ مَالَهُ بِالْبَاطِلِ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَهُوَ سَارِقٌ ))
(( سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ))
على الإنسان ألا يشتري شيئاً لا يملك ثمنه :
بقي علينا إمكانية وفاء الدين، فأول شرط: لسبب معقول وخطير وأساسي ومصيري، الشرط الثاني تنوي وفاء الدين، إمكانية وفاء الدين، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حَلِيقٍ النَّصْرَانِيِّ لِيَبْعَثَ إِلَيْهِ بِأَثْوَابٍ إِلَى الْمَيْسَرَةِ فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: بَعَثَنِي إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَبْعَثَ إِلَيْهِ بِأَثْوَابٍ إِلَى الْمَيْسَرَةِ فَقَالَ: وَمَا الْمَيْسَرَةُ وَمَتَى الْمَيْسَرَةُ وَاللَّهِ مَا لِمُحَمَّدٍ سَائِقَةٌ وَلا رَاعِيَةٌ فَرَجَعْتُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ أَنَا خَيْرُ مَنْ يُبَايَعُ لأَنْ يَلْبَسَ أَحَدُكُمْ ثَوْبًا مِنْ رِقَاعٍ شَتَّى خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ بِأَمَانَتِهِ أَوْ فِي أَمَانَتِهِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ ))
أي لا تشترِ شيئاً لا تملك ثمنه، أخذت أموال الناس من أجل حاجة ليست أساسية:
(( ...لأَنْ يَلْبَسَ أَحَدُكُمْ ثَوْبًا مِنْ رِقَاعٍ شَتَّى خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ بِأَمَانَتِهِ أَوْ فِي أَمَانَتِهِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ ))
وفي بعض الأحاديث التي تروى عن رسول الله، لا أشتري شيئاً لا أملك ثمنه.
القرض جائزٌ في كل ما يحل تملكه :
بقي علينا موضوع القرض، يا ترى القرض مال فقط؟ العلماء قالوا: مجرى القرض أو نطاق القرض واسع جداً، فهو يجري في النقود و في المكيلات و الموزونات حتى والحيوانات، أحياناً فنجان قهوة يستقرض بين الجيران، كأس شاي طبعاً الشاي يعني أوراق الشاي، كأس من السكر هذه مكيلات، أي شيء ممكن أن تستقرضوه: مكيلات أو موزونات، القرض جائز كما قال الفقهاء في كل ما يحل تملكه أو تمليكه بهبة أو غيرها فهو ممكن، ربطة من الخبز ممكن، وعاء من اللبن تستقرضونه، يأتي الحلاب لعندك يوم الاثنين و لكن أردت اللبن يوم الأحد و عند جارك وعاء زائد، حدثني أخ من أخواننا أنه أوصى بائع اللبن على وعاء من اللبن و كان الحليب قليلاً قليلاً، و دفع ثمن الوعاء، و يوم يريد استلامه وجد وعاءين أحدهما ذا قشدة ثخينة صفراء، و الآخر قشدة رقيقة مستوية مع قليل من المصل، و قد كتب اسمه على الثاني، وكل واحد دافع ثمن وعاء اللبن، و اسمه مكتوب على الوعاء الذي له، قال له: هذا وعاؤك، فقال له: أعطني ذاك، قال: إنه ليس لك، قال: بدّل الورقة ما الذي يحصل؟ فخجل منه و بدل الورقة، فقال: أخذت هذا الوعاء ووضعته بسيارتي و سيارتي جديدة، و في طريقي إلى البيت يتقاطع طريقان، ظهر رجل طائش فضرب المكبح بسرعة فقلب الوعاء على الموكيت -فرش السيارة-، قال: لمدة شهرين و أنا أشعر برائحة اللبن في السيارة، فأحياناً الإنسان يطمع بشيء ليس له، فما هو لك هو لك، وما ليس لك فهو ليس لك.
حدثني شخص تاجر أقمشة محله من أكبر المحلات في دمشق، جاءه أحد زبائنه من المحافظات الشمالية، و عقد معه صفقة بخمسين ألفاً، عندما كان البيت سعره عشرة آلاف، رأى صفة قماش على الحائط قال له: أريد هذه، فقال له: مباعة، فقال له: أريدها، فقال له: إذا لم تعطني إياها ألغي الصفقة بالكامل، طبعاً بتجبُّر، تشاور مع صانعه وقال له الصانع: إننا بعناها، فقال له: تفضل وخذها، يقسم ذاك الشخص أن البضاعة كسدت و بقيت عنده حوالي عشرين سنة و لم تبع، ثم قال: بعد ذلك قصصتها أمتاراً مربعة و صرت أصر بها الأقمشة.
الإنسان يجب أن يعلم أن الله عز وجل هو الجبار، قال لك: بيعت، إذاّ قل له: لا أريدها.
القرض جائزٌ في كل ما يحل تملكه.
الأداء الحسن بالقرض الحسن:
النبي عليه الصلاة والسلام استقرض المكيلات والموزونات والحيوان لأنه مشرع، فاستلف النبي من رجل من الأنصار أربعين صاعاً، فاحتاج الأنصاري هذه الأصوعة فأتى النبي عليه الصلاة والسلام فأعطاه فضلاً عما أخذ منه، وقد علمنا النبي بهذا الأداء الحسن أن نحسن نحن الأداء كذلك.
أكرمك بالقرض فأنت أكرمته وزيادة، طبعاً هذه غير مشروطة، اسمها الأداء الحسن، ومرة اضطّر أن يشتري جملاً بتمر، و التمر غير موجود عنده، قال لأحد أصحابه: اذهب لخولة بنت الحكيم بن أمية فقل لها: إن كان عندك وسق من تمر فأسلفينا حتى نؤده إليك إن شاء الله، فذهب إليها الرجل ثم رجع بالخبر، قالت: نعم هو عندي يا رسول الله فابعث مـن يقبضه، فقال عليه الصلاة والسلام: اذهب به فأوفه الذي له، فذهب به فأوفاه الذي له، الأعرابي رجع و مرّ برسول الله عليه الصلاة والسلام وهو جالس بين أصحابه فقال للنبي عليه الصلاة والسلام: جزاك الله خيراً فقد أوفيت و أطبت، فقال عليه الصلاة والسلام: أولئك خير عباد الله عند الله، الموفون المطيبون.
((عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: ابْتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَجُلٍ مِنَ الأَعْرَابِ جَزُورًا أَوْ جَزَائِرَ بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذَّخِرَةِ وَتَمْرُ الذَّخِرَةِ الْعَجْوَةُ فَرَجَعَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِهِ وَالْتَمَسَ لَهُ التَّمْرَ فَلَمْ يَجِدْهُ فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّا قَدِ ابْتَعْنَا مِنْكَ جَزُورًا أَوْ جَزَائِرَ بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذَّخْرَةِ فَالْتَمَسْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ، قَالَ: فَقَالَ: الأعْرَابِيُّ وَا غَدْرَاهُ، قَالَتْ: فَنَهَمَهُ النَّاسُ وَقَالُوا قَاتَلَكَ اللَّهُ أَيَغْدِرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً ثُمَّ عَادَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّه إِنَّا ابْتَعْنَا مِنْكَ جَزَائِرَكَ وَنَحْنُ نَظُنُّ أَنَّ عِنْدَنَا مَا سَمَّيْنَا لَكَ فَالْتَمَسْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ، فَقَال:َ الأَعْرَابِيُّ وَا غَدْرَاهُ فَنَهَمَهُ النَّاسُ، وَقَالُوا: قَاتَلَكَ اللَّهُ أَيَغْدِرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً فَرَدَّدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا فَلَمَّا رَآهُ لا يَفْقَهُ عَنْهُ، قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: اذْهَبْ إِلَى خُوَيْلَةَ بِنْتِ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ فَقُلْ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَكِ إِنْ كَانَ عِنْدَكِ وَسْقٌ مِنْ تَمْرِ الذَّخِرَةِ فَأَسْلِفِينَاهُ حَتَّى نُؤَدِّيَهُ إِلَيْكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَذَهَبَ إِلَيْهَا الرَّجُلُ ثُمَّ رَجَعَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: قَالَتْ: نَعَمْ هُوَ عِنْدِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَابْعَثْ مَنْ يَقْبِضُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: لِلرَّجُلِ اذْهَبْ بِهِ فَأَوْفِهِ الَّذِي لَهُ، قَالَ: فَذَهَبَ بِهِ فَأَوْفَاهُ الَّذِي لَهُ قَالَتْ: فَمَرَّ الأَعْرَابِيُّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَوْفَيْتَ وَأَطْيَبْتَ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُولَئِكَ خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُوفُونَ الْمُطِيبُونَ ))
النبي استلف تمراً و استلف أصوعة من القمح و الشعير و استلف بكر البكر ناقة فتية:
(( عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ فَرَجَعَ إِلَيْهِ أَبُو رَافِعٍ فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلا خِيَارًا رَبَاعِيًا فَقَالَ: أَعْطِهِ إِيَّاهُ إِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً ))
رباعياً: ناقة كبيرة عمرها ست سنوات.
أخذ بكرة عمرها سنة أعطاه ناقة عمرها ست سنوات، فالنبي علمنا بالقرض الحسن أن يكون هناك أداء حسن و كلام حسن و وعد صادق و مودة و شكر و حمد.
الأدلة العامة و التفصيلية للترغيب في الإقراض :
و بعد بقي علينا في درس اليوم موضوع أن النبي عليه الصلاة و السلام رغّب في الإقراض، القرآن الكريم و النبي الكريم رغّبا في الإقراض بأدلة عامة و بأدلة تفصيلية، فمن الأدلة العامة قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾
والقرض الحسن من أهم أفعال الخير وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلا حَفَّتْهُمُ الْمَلائِكـَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ))
هذه أدلة عامة رغّب بها النبي عليه الصلاة والسلام في الإقراض بخاصة:
(( عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ السَّلَفَ يَجْرِي مَجْرَى شَطْرِ الصَّدَقَةِ قَالَ نَعَمْ فَهُوَ كَذَاكَ قَالَ فَخُذِ الآنَ))
قد تدفع ألف ليرة صدقة و إذا أقرضت ألف ليرة كأنك تصدقت بخمسمئة هذا أول حديث.
لكن هناك حديثاً دقيقاً جداً:
((مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ ))
أقرضته ألف ليرة قال لك: لا أملك، بعد يومين، كل يوم لك أجر مثليْ هذا القرض، جزاء التأخير بالمناقصات له معنى ثانٍ، والتأخير عند الله عز وجل يضاعف لك الأجر عن كل يوم.
((مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ قَالَ ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيـْهِ صَدَقَةٌ قُلْتُ سَمِعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَقُولُ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ ثُمَّ سَمِعْتُكَ تَقُولُ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ قَالَ: لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ ))
هناك حديث بالنصف وحديث بالمثل وحديث بالمثلين.
أي ضمن المدة المكتوبة بالسند لك مقابل الدين بالمثل، بعد المدة المطلوبة صار لك مثلان، أرأيتم إلى هذا الشرع العظيم؟ أنت لست خاسراً، إذا أخوك المؤمن أقرضته ورأيته معسراً وما بيع معه البيت و كذلك البضاعة لم تبع، و هو موعود بدفعة لم يأخذها، يأتيك ولا يبقى ساكتاً ويقول لك: لا أملك مالاً ويعرض لك العذر ويرجوك أن تنتظره.
أول حديث –شطر- نصف الدين صدقة، والحديث الثاني مثل الدين صدقة، والثالث مِثّلا الدين صدقة.
المثل ضمن الأجل الموعود، والمثلان بعد الأجل الموعود، أما الشطر فكيف نوفق بين الشطر وبين المثل وكلها أحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال العلماء هذا بحسب النية، انحرجت صار عليك ضغط ممن حولك، أنك يجب أن تقرضه، و أنت لست مرتاحاً و أقرضته، لك الشطر، أما إن أقرضته بمبادرة منك فلك المثل، انتظرت عليه بعدما كان معسراً فلك المثلان.
هذا كلام النبي ولا تنسوا أن سيدنا سعد بن أبي وقاص قال: "ثلاثة أنا فيهن رجل وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس، ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله سبحانه وتعالى".
معنى ذلك أقرضت بأسوأ احتمالات الإقراض فَلَكَ نصف القرض صدقة، بالحالات الطيبة مثل القرض صدقة، إذا أنظرت معسراً فلك ضعف القرض صدقة، فما قولكم؟ تقول لي: فرق عملة، إذا إنسان قال: فرق عملة يذهب هو فرق عملة.
((رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ: مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ؟ قَال:َ لأَنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ، وَالْمُسْتَقْرِضُ لا يَسْتَقْرِضُ إِلا مِنْ حَاجَةٍ ))
الحزم سوء الظن :
بقي موضوعات: آداب التعامل مع المقترضين، وحسن التقاضي، ووضع الدين، وكيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع المعسرين؟ والحث والتشديد على أداء الدين، والأمر بأداء الدين، والحث على حسن القضاء، وتحريم المماطلة، هذه كلها موضوعات متعلقة بالدين، أرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقني في الدرس القادم والذي بعد القادم أن نعالج موضوع القرض الحسن معالجة وافية، و هو موضوع متعلق بالعمل الصالح.
ما منا واحد عند زواجه، عند سفره، عند تأسيس بعض مشروعاته إلّا و يحتاج إلى قرض، والله عز وجل يحبنا جميعاً إذا تعاملنا، لكن الإنسان يجب ألا يكون ساذجاً، شخص لا يعرفه إطلاقاً فليحذرهُ: " الحزم سوء الظن، احترز من الناس بسوء الظن، سوء الظن عصمة "
فممكن أن تجمع بين الطيب والانطلاق إلى عمل صالح، أما أخوك المؤمن الذي تعرفه ملياً معرفة جيدة، وتعرف أمانته، وتعرف عفافه واستقامته وورعه، وأنت معك، وهو في أمس الحاجة إلى هذا القرض فماذا تفعل؟ لا يجوز أن تمتنع.
قالوا لملك: إنّ هناك نصّاباً كبيراً، و أنتم تعرفون ما معنى نصّاب، فقال: أَحضِروه لنراه. قال الملك: أنت كيف تنصب؟ قال: سيدي أريد عدة، أين العدة؟ لا أملك ثمنها، أعطوه، فلم يرجع قالوا له: يا سيدي نصب عليك و مضى.
أحياناً شخص عنده أساليب، ويعرف كيف يكلمك في مكان يخوفك، وفي محل ما يبكيك، أنت لا تكنْ ساذجاً، شخص لا تعرفه أتلقي له بمالك؟" المؤمن كيس فطن حذر "، لكن شخص تعرفه، وتعرف أمانته، و تعرف ورعه، وتعرف عزته، وأنت معك لا تتردد، اسأل عنه، قال سيدنا عمر، إني لا أعرفك ولا يضرك أني لا أعرفك، و هذا قول لا أنساه: " جاءه رسول من القادسية قال له: يا أمير المؤمنين مات خلق كثير، قال له: من هم؟ قال له: إنك لا تعرفهم، فبكى عمر بكاء شديداً رضي الله عنه وقال: وما ضرهم أني لا أعرفهم إذا كان الله يعرفهم "
" قال له: إني لا أعرفك، ولا يضرك أني لا أعرفك، ائتني بمن يعرفك، جاءه بواحد قال له: أنا أعرفه، فقال له: هل سافرت معه؟ قال له: لا، قال له: هل جاورته؟ قال له: لا، قال له: هل حاككته بالدرهم والدينار؟ قال: لا، قال: فأنت لا تعرفه "
معنى ذلك أن الإنسان لا تعرفه حتى تسافر معه، أو تتعامل معه بقرض، أو بتجارة، أو بشراكة، عندئذ تعرفه، فالإنسان إذا طلب منه أحدٌ مبلغاً و هو لا يعرفه فليفعل كما فعل سيدنا عمر يقول: ائتني بمن يعرفك، نريد كفيلاً، قال لك: فلان عندي والثاني رجل عظيم، إذا قصر فخذ مني.
الإنسان لا يتورط ولا يكون ساذجاً، لكن إذا كانت حاجة وضرورة وإيمان وصدق ويسر لا تتردد.
أفضل قرض هو الذي يجعل المستقرض يقرض في المستقبل :
القرض قد يحل آلاف المشكلات، وينتشل إنساناً معسراً، وأفضل قرض هو القرض الذي يجعل المستقرض يقرض في المستقبل، أفضل زكاة تدفعها لمن ينقلب من قابض إلى دافع زكاة.
وأفضل قرض تدفعه لمن ينقلب من مقترض إلى مقرض، أقرضته وأخذت له آلة صوف اشتغل فيها، وفتح بيتاً، وأطعم أولاده، وردّ القرض، وقال لك: إذا كان عندك من يحتاج قرضاً فأنا جاهز، هذا أعظم قرض فقد حولته إلى منتج، هذا القرض الحسن، و هو باب كبير من أبواب العمل الصالح، وله إن شاء الله تفصيلات كبيرة جداً، وأنا أتوقع أن ينتهي خلال درسين قادمين، وهذا القرض الحسن بديل الربا، ولا تعبؤوا بكلام الناس إذ يقولون: موضوع العملة، و فرق أسعار العملة، والتضخم النقدي، هذا عند الله ليس له حساب إطلاقاً، الله عز وجل إذا أعطى أدهش، خسرت بالمئة ثلاثين نتيجة التضخم النقدي، بسنتين يعطيك الله بالمئة مئة من طرف ثانٍ وأنت تعامل الله عز وجل، و أنا لا أريد للمؤمن أن يصبح عقله مادياً، و له عقلية مدراء المصارف.