- الفقه الإسلامي / ٠4الأخلاق الإسلامية
- /
- ٠3الكبائر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الكبائر الباطنة :
أيها الأخوة الكرام، في ذهني موضوعات كثيرة لهذا الدرس، ولكن اخترت لكم موضوعاً أرجو الله سبحانه وتعالى أن تضعوا أيديكم على حقيقة الدين، ذلك أن موضوع درس الجمعة حول قوله تعالى:
﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾
وقد تحدثت عن بعض الكبائر، والكبائر التي تحدثت عنها واضحة جلية لكل المسلمين، ولكن الشيء الخطير ليست الكبائر الظاهرة لأنها معروفة وظاهرة، ولأن الإنسان لا يقوى على أن يقيم عليها إلا أن يكون على قلبه رام، لكن الكبائر الخطيرة هي كبائر القلب سماها العلماء الكبائر الباطنة.
حرق المراحل :
ولكن قبل أن أمضي في الحديث عن هذه الكبائر الباطنة وهي خطيرة جداً لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
لكن تجربة صغيرة عاينتها، هذه التجربة تعني حرق المراحل، بالنظام التعليمي الشهادة الثانوية في بلادنا لابد لها من اثنتي عشرة سنة من الأول حتى الحادي عشر ثم البكالوريا، في بلاد أخرى الطلاب المتفوقون جداً قد يختصر لهم عام أو عامان، الشهادة الجامعية في بعض البلاد يمكن أن تنالها في ثلاث سنوات، لكن في الدين شيئاً آخر، شيء اسمه كلما كنت صادقاً أكثر كلما قطعت مراحل إلى الله أكثر، والحالة الحادة التي لا تصدق أن ساحراً جاء ليرد سحر سيدنا موسى فإذا هو صديق قال:
﴿ قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى * قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾
ممكن إنسان أن يصدق مع الله صدقاً من مستوى عال، المراحل التي كان يمكن أن يقطعها مرحلة مرحلة إذا هي تحرق إذا هو في الصف الأول، هذا الكلام مستوحى من قول النبي عليه الصلاة والسلام:
((إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا ))
الوصول إلى الله :
كأنني أريد في هذا الدرس أن أتحدث عن الوصول إلى الله، أنت بمحاكمة بسيطة حينما ترى أن الله موجود، وأن الأمر كله بيده، وأن أقوى الأقوياء وأضعف الضعفاء بيده، وأن كل من حولك بيده، وأن كل الذي تخشى منه أو تخاف عليه بيده، حينما توحد وصلت إلى الله، فإذا وصلت إلى الله عبدته، كيف تعبده؟ يلهمك رشدك.
((...نَّ الصِّدْقَ يَهْدِي ...))
يمكن أن تدقق وتفكر وتبحث وتتعرف إلى الله، هذا الصحابي الذي كان زعيماً من زعماء الشرك نعيم بن مسعود زعيم غطفان جاء ليقاتل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في خيمته في معسكر المشركين وقف لحظة تأمل قال: يا نعيم إنك رجل عاقل لماذا جئت إلى هنا؟ أجئت تقاتل هذا الرجل الصالح؟ أسفك دماً؟ انتهك عرضاً؟ أكل مالاً؟ أين عقلك يا نعيم؟ أيليق بك أن تقاتل هذا الرجل؟ دقائق فوقف واتجه لمعسكر النبي، ودخل المعسكر، ودخل على النبي عليه الصلاة والسلام قال: نعيم؟ قال: نعم نعيم، قال: ما الذي جاء بك إلينا؟ قال: جئت مسلماً، لحظة تفكير صادقة تنقلك إلى الإيمان، وإذا نقلت إلى الإيمان والله الذي لا إله إلا هو تلهم رشدك، تصبح مفتياً، يكشف الله عن بصيرتك، يريك الحق حقاً والباطل باطلاً، يريك أنه فعال، وأنه إله في الأرض، وأن الأمر كله بيده، لا أدري ما أقول! المسلمون كثر لكن انتماءهم للدين انتماء شكلي، لكن لو عرفوا الله وتوكلوا عليه وأطاعوه وركلوا الدنيا بأقدامهم لكانوا أقوى أمة في الأرض والله أيها الأخوة ولهابهم أعداءهم.
الصدق مع الله :
كيف انتهى علم الناس أن الدين صوم وصلاة وحج وزكاة؟ اختصر الدين لعبادات تؤدى شكلياً، لذلك الله عز وجل لا كما نتوقع لا ينصرنا، ولا يعبأ بدعائنا، ولا باستغاثتنا، لكن حجباً كثيفة بيننا وبينه، أما لو أيقنت بمغادرة الدنيا، وأن هذه الدنيا زائلة، وأن الآخرة هي الباقية، وأن السعيد من كسب الآخرة، وأن الشقي من خسر الآخرة، تكون مع الله في حال آخر، فلذلك أيها الأخوة: لا أقول لك جرب لأن الله لا يجرب، لكن حاول أن تكون صادقاً مع الله، وانظر كيف أنك تلقى من الله معاملة لم تكن في الحسبان.
قرأت البارحة قصة من موقع معلوماتي إياكم أن تقتدوا بهذه القصة، لكن لها دلالة واحدة: فتاة في لندن دعيت لسهرة، يبدو أنها ملتزمة، وليس عندها سيارة، لبت الدعوة وأخذها الوقت بعد الساعة الثانية عشرة، وهي تعلم علم اليقين أن المترو الذي تحت الأرض بعد الساعة الثانية عشرة لو أن فتاة وحدها هناك مجرمون وخطر على حياتها، لكن الوقت أخذها، نزلت فلم تجد أحداً إلا رجلاً واحداً يبدو أنه مجرم لم يمسها بسوء، ركبت وعادت لبيتها، في اليوم التالي تقرأ في الصحيفة أنه بعد دقيقتين من مغادرتها المترو هذا المجرم قتل فتاة أخرى فصار عندها رغبة جامحة أن تلتقي بهذا المجرم ولو في السجن والتقت به، هي عندما نزلت وحدها ورأت رجلاً دعت ربها أن يحميها، سألته كنت قبل دقيقتين لمَ لم تقتلني؟ قال: معك رجلان ضخمان خفت منهما، أنا صدقت هذه القصة! الله عز وجل يحفظك بمليار أسلوب، فإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟
أتمنى في هذا الدرس أن أستطيع أن أقرب لكم هذه الحقيقة، الدين كله أن تصل إلى الله وتتعامل معه بصدق وتخافه.
حدثني أخ عن أساليب كسب المال الحرام لا تعد ولا تحصى، ولا يمكن أن يكون مداناً في الأرض من يفعل هذا، طرق سالكة وآمنة ومحكمة ولا تكشف لكن الله وحده يعلم، فالذي يخاف الله فيما بينه وبينه لن يخيفه الله من أحد، والذي يخشى الله في سره لن يكشفه لأحد.
الإيمان حركة و حبّ و مناجاة :
مرة ثانية: أعيد لكم بعض الأمثلة: التجارة فيها حركة كبيرة جداً، لكن بعض التجار القدماء لهم بعض المصطلحات يقول: (مثل مطحنة الجن) (بالنهاية لا يوجد ربح لكن يوجد ازدحام ) فالدين فيه نماذج سلوك كبيرة جداً، أين كنتم؟ في الجامع، عندنا حضرة وذكر ودرس وسهرة ورحلة كله مظهر إسلامي، مظاهر الدين كثيرة جداً، يوجد صوم وحج وزكاة وجمعيات خيرية وبناء مساجد، إن لم تصل إلى الله، وإن لم تتعامل معه تعاملاً مباشراً، وإن لم تذق طعم القرب منه، وإن لم تذق أنس الصحبة معه، فلن يفيدك شيء.
قال: يا موسى أما علمت أنني جليس من ذكرني، وحيثما التمسني عبدي وجدني، أنا لا أفهم مؤمن يؤدي العبادات أداء شكلياً، أنا لا أفهم المؤمن يتعامل مع الدين كتعامله مع أشياء جامدة، الإيمان حركة وحب ومناجاة.
لا أنسى مرة جاءني رجل وطلب مقابلتي قال: جئت من عند طبيب نفسي لتوي، وهذا الطبيب ليس مسلماً شكوت له مشكلتي النفسية فالذي صعقني أنه أرشدني إلى أن أصطلح مع الله، قال: مشكلتك عندك شعور أن الله منزعج منك، ولا حل إلا أن تناجيه، وتخاطبه، وتلتحق برجل مؤمن يعاونك على أمر دينك، فجاء لعندي، أتمنى هل يوجد هكذا علاقة مع الله؟ هل يوجد مناجاة؟ استغفار و بكاء بين يدي حضرته؟ تمريغ الوجه بأعتابه؟ هل تشعر أنك غني إذا كنت مع الله؟ آمن؟ مطمئن؟ المستقبل لصالحك؟ الله لن يتخلى عنك إنك بعين الله.
المؤمن آمن يرى أن الله معه :
أيها الأخوة، هذه المشاعر مشاعر إيمانية مهمة جداً، هذه تطغى على كل مشكلات المجتمع، ففي المجتمع مشكلات لا تعد ولا تحصى، مصادر الخوف كبيرة، تسمعون الأخبار دائماً هناك تهديد، واحتمال قصف مفاجئ، ورفع أسعار، ونقص مواد، مصادر الخوف لا تعد ولا تحصى، لكن المؤمن آمن ويرى أن الله معه.
لازلت في المقدمة، ولا أعرف كيف أعبر عن هذه الفكرة! هل وصلت إلى الله؟ هل بينك وبينه خط مفتوح؟ هل بإمكانك أن تناجيه؟ لن تستطيع مناجاته إلا إن كنت مطيعاً له، هل بإمكانك أن تشعر بطعم الصلاة بين يديه؟ هل بإمكانك أن تشعر أنه يحميك ويحفظك ويوفقك وأن المستقبل لصالحك؟ بالوصول إلى الله قد تخسر الدنيا كلها لكنك تصل إلى الله فتربح كل شيء، وقد تربح الدنيا كلها لكنك لم تصل إلى الله فتخسر كل شيء.
تارة تأتيني مشاعر أن الإسلام بسيط جداً ونحن عقدناه، تفتح كتاب عقيدة تجد مثل الصخور، تفتح كتاب فقه قديم القضية محدودة بقدر ما يوجد اتجاهات وآراء وفلان قال والمذهب الفلاني في النهاية لا تفهم شيئاً.
القضية بسيطة ونحن في أمس الحاجة لتبسيط هذا الدين، هذا الذي تتلمذ على يد شيخ تقليدي أسلم حديثاً أبقاه ستة أشهر في أنواع المياه، يعيش في عصر فيه مياه نظيفة في المواسير، والبيوت نظيفة وطاهرة، ستة أشهر في أنواع المياه! حتى خرج من جلده وارتدّ على عقبيه، التقى بعالم آخر قال له: الماء الذي تشربه توضأ منه، أنا من أنصار التبسيط وأن نستهلك عمرنا لما هو ثمين بعمل صالح وقرب من الله.
الدين معرفة بالله و عمل صالح و استقامة :
أيها الأخوة: أكاد أن أجمع الدين كله بأربع كلمات؛ معرفة الله والاتصال به، والعمل الصالح، والاستقامة على أمره، الاستقامة سلبية أن تستقيم على أمره، وتعمل عملاً صالحاً إيجابياً، وتتصل به، ولن تجد في الدين شيئاً آخر، تعرفه تستقيم على أمره، تحسن إلى عباده، تتصل به، فتسعد في الدنيا والآخرة، والله عز وجل معنا وينتظرنا.
(( لو يعلم المعرضون انتظاري لهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم، لتقطعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إليّ، هذه إرادتي بالمعرضين فكيف بالمقبلين؟ ))
فالطريق مفتوح، وحينما يعطي يدهش، لكن أعظم عطاء تأخذه من الله أن يعلمك ما لم تكن تعلم، أن يلقي في قلبك السكينة، أن تحفك الملائكة، أن يذكرك الله عنده، إنسان تذكره كل من سمع ذكره يلعنه، وإنسان تذكره في مجلس فيتعطر به المجلس، شتان بين المؤمن وغير المؤمن.
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
يا أخوان، أتمنى لكم ما أتمناه لنفسي وأنا مقصر، لكن أنصحكم وأنصح نفسي ألم يئن أن نجلس مع أنفسنا جلسة صدق وأن نناجي ربنا ونعاهده على طاعته ونخدم المسلمين حتى نشعر أننا في أمان وطمأنينة؟ فهذا حال المسلم، يوجد نشاط لكن لا يوجد إنتاج، حركة لكن لا يوجد ربح، يوجد مظاهر إسلامية لكن لا يوجد اتصال.
الله قوانينه ثابتة، ولو كنا كما يريد الله والله الذي لا إله إلا هو لوجدنا من معاملته العجب العجاب.
الكبائر الباطنة :
1 ـ قسوة القلب :
فأنا قدمت لهذا الدرس أن الكبائر الباطنة أخطر بكثير من الكبائر الظاهرة، أولى هذه الكبائر الباطنة قسوة القلب، لا يرحم ولا يتألم لفقير ولا لمريض ولا منكوب ويعيش لنفسه، قسوة القلب علامة البعد عن الله، هذه كبيرة من كبائر الدين لكنها باطنة، لا يرحم، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا فَقَالَ الْأَقْرَعُ إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ ))
((عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"اطلبوا المعروف من رحماء أمتي تعيشوا في أكنافهم، ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم، فإن اللعنة تنزل عليهم، يا علي إن الله خلق المعروف وخلق له أهلا، فحببه إليهم وحبب إليهم فعاله، ووجه إليهم طلابه كما وجه الماء في الأرض الجدبة لتحيا به ويحيا به أهلها، إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة))
قسوة القلب علامة البعد والانقطاع عن الله :
الآن أعطيكم نقاط للبحث هل قلبك قاس؟ هل تحب أن تأكل وحدك؟ أن تتنعم وحدك ويكون معك مال وحدك؟ أن تكون في بحبوحة وحدك أم أنك تتألم لألم المسلمين؟ ترحمهم؟ تشفق عليهم؟ وتخفف عنهم؟
نقطة للبحث: إذا القلب فيه رحمة هذه والله بشارة أنك موصول بالله، وأنك وصلت إليه بشكل أو بآخر.
قسوة القلب علامة البعد والانقطاع عن الله عز وجل، والله عز وجل قال:
﴿ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
هذه نقطة.
2 ـ كفران نعمة المحسن :
النقطة الثانية: كفران نعمة المحسن هذه كبيرة، يوجد أشخاص يحسن أخلاقه ليصل لهدفه، فإذا وصل لهدفه أعرض عن الذي أحسن إليه كما قال بعض الشعراء:
أعلمه الرماية كل يـوم فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافيـة هجاني
***
والله أيها الأخوة: المؤمن الصادق من يفعل معه معروفاً لا ينساه حتى الموت.
يوجد قصتين: قصة سمعتها قبل خمسين عاماً كان بالقلعة ضابط شاب، وأبوه مساعد، شاءت الظروف أن يكون الأب مساعداً تحت إمرة ابنه حسب النظام العسكري، الابن ضابط والأب مساعد، فكان هذا المساعد يقدم الصف لابنه صباحاً و وراءه ستمئة إنسان، فيأتي ابنه ويقبّل يده أمام كل هؤلاء توقيراً لوالده.
وكم من قصة سمعتموها: إنسان من بيئة متواضعة جداً تألق نجمه وصار بمكانة علية، فجاء أصدقاؤه ولمحوا أباه فقال: خادم عندنا، استحيا بأبيه، فحينما تكفر النعمة يجب أن تعلم علم اليقين أنك مرتكب كبيرة عند الله.
أكبر جريمة أن تتلقى خدمة وترد عليها بإساءة :
درس اليوم: الكبائر الباطنة، الظاهرة ظاهرة واسمها واضح، شرب الخمر كبيرة، ظاهرة الزنا، السرقة، القتل، الفرار من الزحف، أكل الربا، هذه كلها كبائر ظاهرة معروفة، لكن المشكلة هذه الكبائر الباطنة قلب قاس مثل الصخر لا يلين، إنسان يستغل ضعف إنسان، يكلفه من الأعمال ما لا يطيق، اثنتا عشرة ساعة، خمس عشرة ساعة، ثم يعطيه مبلغاً لا يكفيه ثلاثة أيام، لا يرحمه، ممكن صاحب العمل ينفق باليوم الواحد ما يعطيه لموظفه في شهرين، مادام بحاجة يستغل حاجته في قلب قاس.
أيها الأخوة، يقول عليه الصلاة والسلام انطلاقاً من الكبيرة الثانية:
((لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر زوجها وهي لا تستغني عنه))
كم من امرأة زوجها محسن يقدم لها الطعام والشراب والمأوى والمعاملة الطيبة وهي تتفنن في إيذائه وإزعاجه وإقلاق راحته، قال: مثل هذه المرأة لا ينظر الله إليها.
وفي حديث آخر:
((مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ ))
يؤلمني أشد الألم أنني حينما كنت في بلاد الغرب عندهم عادات رائعة، لا يمكن أن يقدم لك إنسان شيئاً إلا تشكره إما بهدية أو باتصال هاتفي أو بزيارة، حينما يعظم أهل المعروف، ماذا قال الله عز وجل؟ قال:
﴿ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾
من لا يشكر الناس لا يشكر الله :
أكبر جريمة بحق المجتمع أن تتلقى خدمة وترد عليها بإساءة، هذا الذي يرد على الإحسان بإساءة يزهد الناس بالمعروف، وكم إنسان أقسم أيماناً مغلّظة ألا يقدم خدمة لإنسان أساء له؟
مرة كنت أصلي الفجر في جامع العفيف، الفضل لله عز وجل بقيت سبع سنوات أصلي فيه، كان درس الفجر فدخلت إلى البيت ما إن استلقيت على الفراش حتى طرق الباب، من جاءني بهذه الساعة؟ الساعة الخامسة والنصف فتحت الباب فإذا طفل صغير نبهني أنني نسيت المفاتيح على الباب قلت له: شكراً، شكرته ودخلت إلى البيت، بعد أن دخلت ماذا تعني كلمة شكراً؟ لا تعني شيئاً ! فبحثت عن شيء أقدمه لهم كالحلوى، وكان قد أسرع والله تبعته لآخر الشارع حتى قدمت له بعض الحلوى، طفل بريء وجد مفاتيح لو سحبهم تنشأ مليون مشكلة، فطرق الباب ونبهني، فحاول أن تشجع على المعروف.
النبي الكريم كما تروي الكتب إنسان نزع من على ثوبه ريشة فرفع يديه وقال: جزاك الله خيراً، إنسان قدم لك خدمة، أو كان وفياً معك، أو بشوشاً، أو مخلصاً، فهذا الذي يكفر النعمة صدقوني ولا أبالغ مقطوع عن الله عز وجل، لا يوجد عنده إحساس أبداً، وتجد أحياناً تقدم خيراً لإنسان لا يقدر بثمن يدير لك ظهره ويتنكر لهذا الخير، هذه كبيرة باطنة ومن أكبر الكبائر، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان.
((مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ ))
أي إنسان قدم لك خدمة اشكره عليها، ورد عليه بخدمة، قدم لك هدية ردّ عليه بهدية، قال عليه الصلاة والسلام:
((تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ وَلَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ شِقَّ فِرْسِنِ شَاةٍ ))
لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
((مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنِ اسْتَجَارَ بِاللَّهِ فَأَجِيرُوهُ وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ))
متى تقول لإنسان خدمك خدمة كبيرة جزاك الله خيراً؟ إن لم يكن بإمكانك أن تقدم له شيئاً، عندئذ تقول له: جزاك الله عني كل خير، أما إذا كان بالإمكان أن ترد على خدمته بخدمة مقابلة وعلى هديته بهدية مقابلة فلا ينبغي أن تكتفي بكلمة جزاك الله خيراً.
((... وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ))
(( عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أُعْطِيَ عَطَاءً فَوَجَدَ فَلْيَجْزِ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ فَإِنَّ مَنْ أَثْنَى فَقَدْ شَكَرَ وَمَنْ كَتَمَ فَقَدْ كَفَرَ وَمَنْ تَحَلَّى بِمَا لَمْ يُعْطَهُ كَانَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ ))
نوّه بفضل فلان، نوّه أن هذا العطاء من فلان، وأنني بفضل خدمة هذا الإنسان أكرمني الله بالذي أنا فيه.
3 ـ حب الظلمة و بغض الصالحين :
كبيرة ثالثة وقد تستغربون: حينما تحب الفسقة أو الظلمة وتبغض الصالحين، مؤشرات خطيرة، أول مؤشر قسوة القلب، ثاني مؤشر كفران النعمة، المؤشر الثالث أن تحب الفسقة، وأغلب الظن الفسقة أغنياء، ويقدمون لك طعاماً طيباً، وتتحقق مصالحك معهم، فإن كنت تحبهم وتبغض المؤمنين الفقراء الذين لا شيء عندهم، تأتيه دعوة من غني يكون أول الحضور، متعطر، ومرتد ملابس ثمينة، دعوة لطرف المدينة والله لا يوجد وقت أرجو ألا تؤاخذني.
كنت أقول: تلبية دعوة الأغنياء من الدنيا، وتلبية دعوة الفقراء من عمل الآخرة، لو دعيت إلى كراع بالغميم لأجبت، كراع (عظمة) بالغميم (ظاهر المدينة) لو دعيت لكراع بالغميم لأجبت.
فلذلك محبة الظلمة أو الفسقة وبغض الصالحين كبيرة من الكبائر الباطنة:
((عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثَلَاثٌ أَحْلِفُ عَلَيْهِنَّ لَا يَجْعَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْإِسْلَامِ كَمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ فَأَسْهُمُ الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةٌ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالزَّكَاةُ وَلَا يَتَوَلَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا فَيُوَلِّيهِ غَيْرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْمًا إِلَّا جَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَعَهُمْ وَالرَّابِعَةُ لَوْ حَلَفْتُ عَلَيْهَا رَجَوْتُ أَنْ لَا آثَمَ لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))
لو إنسان أحب الظلمة أو الفسقة حشر معهم، ادعه لجامع ينزعج، لفندق مسرور سارح، هذا مكان فسق وفجور، حفلة لا يوجد فيها اختلاط لا يرحب بالفكرة جيداً، إذا كان هناك اختلاط مسرور جداً بالدعوة، فالإنسان حينما يحب قوماً ظلمة فسقة ويبغض الصالحين يحشر معهم.
الولاء و البراء :
لذلك أيها الأخوة، الولاء والبراء أن توالي المؤمنين ولو كانوا فقراء وضعفاء، وتتبرأ من الكفار والمشركين ولو كانوا أقوياء وأغنياء، والحديث الشهير: "الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحب على شيء من الجور وأن تبغض على شيء من العدل"، وهل الدين إلا الحب في الله والبغض في الله؟
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾
أنا أعطيكم مؤشرات خطيرة، حينما تحب فاسقاً غنياً، أو ظالماً قوياً، حينما تبغض مؤمناً ضعيفاً أو مؤمناً فقيراً فهذه علامة خطيرة، ترشد إلى أنك ترتكب كبيرة من كبائر القلوب.
(( لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ ))
اجعل أخوانك مؤمنين، أصدقاءك مؤمنين، لا تقيم علاقة حميمة مع غير المؤمنين، يوجد علاقات عمل مسموح بها، أما علاقة حميمة مع المؤمنين:
(( لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ ))
طرفة: كان هناك طعام أسبوعي بمركز عملي، كل جمعة يوجد طعام فطور وهناك رجل خطيب مسجد ومؤمن دعانا وقدم لنا طعاماً نفيساً جداً، و هناك إنسان علماني علق على الطعام أنك يلزمك تقنين، اعتبره غنى، قلت له: يا أستاذ فلان ألم ينهاك النبي أن تعزم هذه النمر؟ فقال:
((لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ ))
إذا مؤمن دخل لبيتك يفرح لك، لا يحسدك.
الحسد من صفات المنافقين :
والله أيها الأخوة، أكاد أقول لكم هذا المقياس علامة إيمانك، إذا اغتنى أخوك تفرح له، كأنك أنت اغتنيت، اشترى بيتاً تفرح له، تزوج تفرح له، أخذ شهادة تفرح له، علامة إيمانك تحب المؤمنين، وقوتهم قوة لك، عندي قاعدة: الكل لواحد، والواحد للكل، هذا الإيمان، أما الحسد والعياذ بالله فهذا من صفات المنافقين.
﴿ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ﴾
حسداً بينهم، هناك حديث خطير جداً:
((المرء مع من أحب وإن لم يعمل بعملهم))
امرأة لوط هل كانت شاذة؟ لا، ليس من صالحها أن تكون كذلك، لأنها أحبت قومها الشاذين عذبت معهم:
((المرء مع من أحب وإن لم يعمل بعملهم))
يوجد آية دقيقة جداً:
﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ ﴾
بالمنطق ألا تجد إنساناً له تجارب سابقة ثم تزوج امرأة ليس لها تجارب سابقة؟ أين الآية؟ كل إنسان زان تزوج امرأة فهي زانية؟ مستحيل، وكل إنسانة زانية تزوجت شاباً زانياً؟ لا، معنى الآية: إذا علمت أنه زان ورضيت به لأنه غني فهي في حكم الزانية، لأنها رضيت أن تتزوج من زان، وإذا علم أنها زانية لكنها جميلة فآثر جمالها على عفتها ورضي أن يتزوج منها فهو في حكم الزاني.
((المرء مع من أحب وإن لم يعمل بعملهم))
والحديث الذي تعرفونه جميعاً:
(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ))
أمراض القلب و الجسد :
أيها الأخوة الكرام، رجائي لكم وأرجو نفسي أن نتعاهد قلوبنا،أمراض القلب خطيرة قد لا تحس بها وأنت في الدنيا، أما عند الموت فمهلكة، أمراض الجسد مهما تكن وبيلة تنتهي عند الموت، أمراض القلب تبدأ بعد الموت، لذلك هذه أقوى آية:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
قلبك السليم أكبر إنجاز لك في الدنيا أن تأتي ربك بقلب سليم.
((عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو ابْنِ جَرِيرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ قَالَ هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ ( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) ))
((عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ قَالَ وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا قَالَ لَا شَيْءَ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ قَالَ أَنَسٌ فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ))
يوجد إنسان يكره أمته، كلما تحدث أثنى على أهل الكفر، غير نظام وترتيب وفهم وعلم ودقة بالمواعيد وإتقان بالعمل، الأمور كلها واضحة، الإنسان حر، كرامته موفورة، يتعامى عن شيوع الجريمة، والانحلال الأخلاقي، والفساد الاجتماعي، هذا لا يراه، أينما جلس يثني عليهم، ويحتقر أمته، يوجد أخطاء لكن كن منطقياً وكن موضوعياً، إن تكلمت عن ميزة لهم وقد تكون صحيحة تكلم عن سيئة لهم.
ضياع هيبة الأمة الإسلامية لضعفها :
قرأت قبل فترة في موقع معلوماتي: سفير أمريكا برومانيا بالضبط في بوخارست يوجد تقاليد لطيفة أن السفير قبل أن يغادر بلدهم يقام له حفل وداع في وزارة الخارجية، والقصة قريبة منذ أشهر أقيم له حفل، وكان على رأس الحفل وزير الخارجية، وهذا الاحتفال مختلط، كل إنسان مدعو مع زوجته، فالسفير العتيد جاء مع شريكه الجنسي، هذا شاذ، جاء مع رجل هذه زوجته، هذا سيمثل أمة؟ دولة عظمى؟ ألا تحتقر هذه الأمة وتشعر أن هذه الأمة ساقطة من عين الله؟
إذا ذهبت إلى بلدة في أمريكا اسمها سان فرانسيسكو، خمسة وسبعون بالمئة من سكانها شاذون، نساء مع نساء، ورجال مع رجال، زرتها لم ألمح فيها طفلاً إلا قبل السفر بخمس دقائق، لا يوجد طرق سالكة للإنجاب، ألا تحتقر هذه الأمة؟ ! ألا تحتقر وزير بريطاني يقول: أنا شاذ جنسياً بمؤتمر صحفي؟ ووزير إيطالي قالها أيضاً، ألا تحتقر ملكة بريطانية التي ماتت بحادث و قبل أن تموت قالت: زنيت سبع مرات مع فلان وفلان بمؤتمر صحفي شاهده أحد عشر مليون إنسان! هذه أمة؟ لكن نحن ضعاف، ضعفنا أضاع هيبتنا، لكن عندنا وحي السماء، ودين عظيم.
فأتمنى إذا سافر إنسان وتكلم عن ميزة ومعها سيئة، وإن تكلمت عن سيئة هنا معها ميزة، أخواننا جميعكم جزاكم الله خيراً كلكم تذهبون لأعمالكم مطمئنين لزوجاتكم، أليست هذه نعمة كبيرة؟
سألت سؤالاً بأمريكا إذا اخترنا مئة بيت كم بيت فيه خيانة؟ قال: سبعون بالمئة، نحن لا يوجد عندنا هذه النسبة، قد تكون النسبة واحداً بالألف، تقريباً الأمور واضحة يوجد انضباط اجتماعي.
إنسان كان بفرنسا وجد شاباً واقفاً على نهر السين يحب أن يتدرب بالفرنسي معه، فقال له: لماذا تقف هنا؟ قال: أنا متألم، ما الذي يؤلمك؟ والدي، ماذا تتمنى؟ قال: أن أقتل والدي، قال: لماذا؟ قال: لأن هناك فتاة أحبها وأخذها مني، لاحظ الأب عندنا همه أولاده وتزويجهم وأعمالهم وتأمين أمورهم، نحن يوجد عندنا ميزات كبيرة جداً يا أخوان، والله بعدما أسمع ما يجري من ظلم، وقهر، وعدوان، وانتهاك أعراض، وقتل، وهدم بيوت، وغطرسة وكبر، وقلب الحقائق، والكيل بمليون مكيال، والله أتمنى خيمة فيها إنسان صادق، بيت لبن فيه إنسان بقلبه رحمة، الإنسان إذا مات عندهم كم ثمنه؟ عشرة ملايين دولار، خمسمئة مليون ليرة سورية، الطائرة التي وقعت واتهمت فيها ليبيا سيدفعون مليارين وسبعمئة مليون دولار! معنى هذا أن الإنسان عندهم قيمته كم؟ عشرة ملايين دولار، هؤلاء الذين يموتون في فلسطين كم ثمنهم؟ نرجو أن تكون الجنة لهم، لكن في مجتمع الظلم والعنصرية ومجتمع القهر لا ثمن له، قتل إنسان سهل جداً ويقتلونك بلا سبب.
الكبائر الباطنة خطيرة جداً :
أخواننا الكرام: ملخص الدرس ثلاث كلمات: القسوة وكفرة النعمة ومحبة الفسقة والظلمة، هذه كبائر باطنة تحجبك عن الله عز وجل، الكبائر الظاهرة معروفة أنها ظاهرة، أما الباطنة فخطيرة جداً، هذه تهلك الإنسان، وأنا أتمنى أن تنتبهوا إلى الكبائر الباطنة هذه يبدأ مفعولها بعد الموت، وتهلك صاحبها إلى أبد الآبدين، أما الكبائر الظاهرة فيسهل التوبة منها لأنها ظاهرة، فقسوة القلب دليل الانقطاع عن الله، وكفران النعمة بعد عن الوفاء، النبي الكريم عندما فتح مكة بلده، قلق الأنصار لعلك تستقر فيها، قال:
((...فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ....))
ومات في المدينة ودفن هناك، وفاء النبي لا حدود له، فإذا إنسان أكرمك بشيء، دلك على الله، خدمك خدمة تتنكر له؟ هذا منتهى اللؤم، والشيء الثالث يجب أن تحب المؤمنين أما أن تحب الفسقة والظالمين وأن ترتاح معهم وفي أماكنهم وندواتهم وتبغض المؤمنين فهذا انتماء إلى الكفار، لكن لا يعني أن الكفار لا ميزات لهم، لكن إذا ذكرت ميزة اذكر سيئة لهم، وإن ذكرت سيئة لقومك اذكر ميزة لهم.