- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠4رياض الصالحين
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
تمهيد :
أيها الإخوة الكرام؛ في كتاب رياض الصالحين, من كلام سيد المرسلين, حديث متفق عليه، والحديث المتفق عليه من أعلى درجات الحديث الصحيح، هذا الحديث ورد في باب:
المحافظة على السنة وآدابها.
وحينما شرحته في مسجد آخر, وجدت فيه قواعد مذهلة، يعد أصلاً من أصول الدين.
الحديث الأول: دعوني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم.....
(( فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: دَعُوني ما تركتُكم، فإنما أَهلكَ من كان قبلَكم كثرةُ سؤالهم، واختلافُهم على أنبيائهم، فإذا نهيتُكم عن شيء فاجْتَنِبُوه، وإذا أمرتكم بأمر, فأتوا منه ما استطعتم ))
يمكن أن نقف على كل كلمة في هذا الحديث.
معنى ذلك أن الحقيقة الأولى: حقيقة الذات الإلهية، هي مصدر سعادتنا، ومصدر أمننا، ومصدر طمأنينتنا، ومصدر أشواقنا، ومصدر محبتنا، ومصدر غِنانا، ومصدر قوتنا، وسبب انتصارنا.
هذه الحقيقة الأولى.
كل شيء يقربك إلى الله, أمرك النبي به, مهما بدا لك صغيراً، وكل شيء يبعدك عن الله, نهاك الله عنه، وكل شيء لا يقرب ولا يبعد سكت عنه، الشيء الذي أمر به يقرب، والشيء الذي نهى عنه يبعد، والشيء الذي سكت عنه حيادي لا يقرب ولا يبعد.
لو وقفنا في الصلاة, ورأينا مصليًّا يلبس قميصاً، ومصليًّا يلبس قميصاً ملوناً، ومصليًّا يلبس قميصاً بنياً، اختلاف ألوان هذه القمصان لا تقدم ولا تؤخر، ولا تزيد المرء إقبالاً، ولا تبعده عن الله عز وجل، إلا إذا كانت ثيابه مخالفةً للسنة, طبعاً: هنالك أحكام للثياب ليس هذا مقام التفصيل فيها.
فعود نفسك الشيء الذي سكت الله عنه, أنه ما سكت عنه إلا لحكمة بالغة، هذه الحكمة لا تقل عن ذكره غيره، ذكر شيئًا بحكمة بالغة، وسكت عن شيء بحكمة بالغة، فهؤلاء الذين غاصوا في كتب الإسرائيليات, ليعرفوا تفاصيل قصص القرآن، وأسماء أبطالها وملابساتها التي لم تذكر في القرآن, هؤلاء خالفوا هذا الحديث.
وكنت أقول لكم دائماً: إن الله عز وجل حينما يذكر قصة في القرآن يذكرها لحكمةٍ بالغة، يريد أن يعلمنا نموذجًا بشريًّا، يريد أن يقدم لنا قاعدة، أما حينما تطالب بالتفاصيل والجزئيات, فأنت أردت غير ذلك، أردتها قصة وقعت ولم تقع، أراد الله أن تكون هذه القصة قاعدة.
فحينما يسكت الله عن شيء, لا ينبغي أن تسأل عنه، لأنه لا جدوى من السؤال عنه.
مثال:
أستاذ في الجامعة, أراد أن يعلم طلابه في كلية الاقتصاد درساً بليغاً في عوامل التجارة الناجحة.
فقال: لي صديق أحبه كثيراً على قرب مني, اشترى محلاً تجاريًّا في مكان ازدحام الأقدام.
وانتقى بضاعة أساسية في حياة الإنسان.
وانتقى من هذه البضاعة أجود أنواعها.
وما باع دَيناً.
وأحسن معاملة الزبائن.
ولم يخالف القوانين النافذة.
فنجحت تجارته، وربح أرباحاً طائلة، وتزوج, واشترى بيتاً ومركبةً، وكان في بحبوحة من أمره.
أحد الطلاب أخذ بالتفكير: هذا الذي حدثنا الأستاذ عنه, هل هو أبيض أم أسمر؟.
ثم رفع إصبعه, وهو يظن أن ما يفعله حسناً، وأن هنالك شيئاً قد نسي الأستاذ أن يقوله.
طبعاً لم ينسَ الأستاذ شيئاً، فلا علاقة بين بياض الرجل أو سواده بالقواعد السابقة، ولا علاقة لزواجه بالقواعد السابقة، ولا حتى أسماء أولاده.
الآن: الأستاذ يعطي درسًا في الاقتصاد، ولا يروي قصة، يعطي حقائق وقوانين وأسسًا، فحينما تبحث عن تفاصيل لا تقدم ولا تؤخر، ولا تضيف شيئاً على مغزى القصة, فأنت سألت عن شيء سُكِتَ عنهُ لِحكمةٍ بالغةٍ، فعود نفسك أن ما ذكره الله, هو ما يجب أن تذكره.
كأن تسأل مثلاً: أستاذ: بالجنة أليس للزوجة حوري؟ لا تشغل نفسك بها, فالله عز وجل ذكر شيئًا عن الجنة، ولم يذكر كل شيء، ذكر الشيء المحبب والمرغِّب، ولم يذكر كل شيء.
رجل يسير في الطريق, لِيصل إلى قصر فيه كل شيء، فجأة وقف, لن أتابع المسير، وسأل نفسه كم غرفة في القصر؟.
حسناً، أنت لو سرت إليه, ستعرف جواب هذا السؤال.
إذاً: هذه الوقفة, ثم الأسئلة الكثيرة جداً، والتي لا معنى لها، والتي تعيق وصولك إلى هذا القصر, هي أسئلة غير حكيمة.
فالنقطة الأولى: دَعُوني ما تركتُكم.....
فالذي ذكره الله عز وجل, وذكره النبي, هو قمة في الحكمة، والذي نهى عنه قمة في الحكمة، والذي سكت عنه قمة في الحكمة.
فالإمام أحمد ابن حنبل, أكبر حجة ملكها في موضوع خلق القرآن:
قال: هل تكلم النبي في خلق القرآن؟.
قالوا: لا.
قال: هل تكلم أصحابه في خلق القرآن؟.
قالوا: لا.
قال: هل يليق بالنبي أن يكتم عنا علماً؟.
قالوا: لا.
قال: هل يؤخر بيان الوقت إلى غير وقته؟.
قالوا: لا.
قال: فالسؤال لا أهمية له, ولا يقدم, ولا يؤخر, ولا يميت.
إذاً: عوِّد نفسك على منهجية التفكير، العمل المجدي، الشيء العملي، الشيء الذي يرقى بك.
أيها الإخوة؛ افتح كتب التفسير, فستجد إسرائيليات كثيرة، كاسمِ زوجة العزيز، وماذا فعل يوسف بعدها؟ يتكلمون عن أشياء سكت عنها القرآن، وسكت عنها النبي صلى الله عليه وسلم.
دَعُوني ما تركتُكم ، فإنما أَهلكَ من كان قبلَكم كثرةُ سؤالهم..............
كرجل بعد صمت سألني: هذه القطعة من الملابس من صنع الكفار, فهل يجوز لي أن ألبسها؟.
الجواب: ما من نص يمنعك مِن لِبسها، وهي من صنع غير مسلم، البسها أو ارمها، ما المشكلة؟.
ثم يعيد السؤال: ولكنها من صنع الكفار, لِم التعنت, والتطرف, والمبالغة, والمراوغة عند بعض المسلمين؟.
كأن يقول أحدهم: يوجد حبة سمسم بين أسناني في رمضان، فهل أفطرت؟.
ويكون قد أتى بمعصية لا يتحملها جبل، ولكنه يسأل عن حبة السمسم، ما هذا التناقض العجيب؟ فهو يقع في مخالفة كبيرة، ويدقق في شيء لا يذكر.
دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمُ, فَإِنَمَا أَهلَكَ مَنْ كَانَ قَبلَكُم: كَثرَةَ سُؤَالَهُم, واخْتِلافَهُمُ عَلَى أَنبِيَائِهِم.......
مثلاً: أمر الله بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة، قالوا:
فلذلك: الأولى أن تكتفي بما ذكره الله عز وجل، وأن تكون عملياً، فكل واحد منا يعلم معلومات, تزيد على عمله بمليون ضعف، وأنا بهذا لا أبالغ، والله عز وجل لا يقبل إلا العمل ، فالكلام لا قيمة له، فلقد كان أصحاب النبي يقرؤون عشر آيات ويطبقونها، ونحن الآن نقرأ ألف آية، ولكن دون تطبيق.
جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له:
(( عظني ولا تطل، قال له: قل آمنت بالله ثم استقم، قال له: أريد أخف منها، قال له: إذاً: فاستعد للبلاء، قال له: عظني وأوجز، قال له آخر: فن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره, قال الأعرابي: كُفيت, قال: فَقُهَ الرجل. ))
إنك لتعجب أن أعرابياً, سمع آية فكفته، طبقها, فدخل الجنة بها، بينما تجد آخر عنده من الكتب الكثير، ولكن لا استقامة عنده.
ضَرَبتُ مثلاً لا تظنوه مبالغةً: إنسان يحمل أعلى شهادة في الدين، ومن أكبر الجامعات ، له مئتا مؤلف، وله مكتب فخم، وجاءته صحفية مثلاً، فملأ عينيه من محاسنها، وعنده مستخدم لا يجيد القراءة ولا الكتابة، ولكنه سمع من شيخ أنه ينبغي له أن يغض بصره عن الأجنبية، فغض بصره عنها، بمقياس الأرض الأول يحمل شهادة عليا، وهو أحد أعلام الدين، فهو عالم، والآخر جاهل، أما بمقياس الله فالمستخدم الذي غض بصره عن المحارم, هو العالم ، والذي ملأ بصره من محاسنها, هو الجاهل.
بطولتك أنت أن تعتمد مقاييس الله، لا أن تعتمد مقاييس البشر، فإذا تطابقت مقاييسك مع مقاييس الله عز وجل, فأنت من أسعد السعداء.
فإنما أهلك من كان قبلكم: كثرة سؤالهم, واختلافهم على أنبيائهم.....
تجلس مع أحدهم, تجده لا هم له إلا الموازنة بين العلماء، فإن كان فلان منهم عالياً أو غير عالٍ, فما نفعك من ذلك، تكلم بما ينفعك، اعمل عملاً طيباً، اقرأ القرآن، دل إنسانًا على الله، أعن مسكيناً، ساعد أرملة، ساعد أولادك، وابتعد عن الكلام الذي لا ينفع.
وللأسف: الكثير من الناس على هذا النحو، همه أن يجد خطأً، همه الانتقاد، همه الطعن وتقييم الناس، من تظن نفسك حتى تفعل هذا؟ هل أنت وصيٌّ على المسلمين؟ من وكلك لتقييم الناس, لتوزع ألقاب الإيمان والكفر عليهم, وتقول: هذا لا خير منه، وهذا شارد, أو ضائع، من كلفك؟ تكلم كلامًا مجديًا، تكلم كلامًا نافعًا.
أيها الإخوة؛ لم يبدأ الدرس بعد, الدرس هو:
فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه.....
أجمل ما في هذه الفقرة من الحديث:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ
معنى ذلك: أن تجعل بينك وبينها هامش أمان، وهناك كلمة رائعة للسيد المسيح يقول:
ليس الشريف هو الذي لا يقع في الخطيئة، ولكن الشريف الذي يهرب من أسباب الخطيئة
فالمؤمن لديه دائماً هامش للأمان، عنده منطقة عزل، بموضوع الزنا مثلاً إطلاق البصر, دخل في المنطقة المحرمة، مع أنه لم يزنِ, إلا أنه دخل في المنطقة التي تقرب من الزنا، النظر عميق ومخيف، له شاطئ مائل زلق، وشاطئ مستو جاف، الأكمل أن تكون على الشاطئ الجاف، أما الشاطئ المائل الزلق فهو خطر، إذا وقفت عليه ربما لا تقع في النهر، سبعون بالمئة تقع، من حام حول الحمى يوشك أن يقَع فيه.
فأروع ما في هذا التوجيه: أن تجعل بينك وبين كل معصية هامش أمان، الزنا ألاّ تطلق نظرك في الحرام، وألا تصحب الأراذل، وألا تخلو بامرأة لا تحل لك، وألا تستمع إلى مغامرات الزناة، وألا تتابع ما لا ينبغي أن لا تتابعه، أما هامش المال الحرام فأن تدع المال الذي فيه شبهة لله، خذ الحلال مئة بالمئة، وهذا هو الورع الذي يدع بينه وبين الحرام هامش أمان، قال عليه الصلاة والسلام:
المنهيات والمأمورات:
دخلنا الآن في موضوع آخر:
هو أن المنهيات حدية أما المأمورات فنسبية.
كيف هذا؟.
أعطيكم مثالاً: أنا يلزمني مستودع للوقود, لأن الوقت شتاءً، صنعت هذا المستودع، أهم ما في هذا المستودع إحكامه، وضعت في هذا المستودع ألف لتر، وأحكمت إغلاقه، ومنعت عنه التبخر، لو تركت هذا المستودع ألف عام, ما نقص منه شيء، وهذا معنى محكم.
المهم في المستودع شيئين:
تعبئته بقدر ما تستطيع، أي ما تملك من مال, فمعك مائة ليرة فإنك تملأ بها، ومعك أكثر املأ بهم، فالتعبئة بقدر الاستطاعة.
أما الإحكام: هل يجوز أن يكون الإحكام بقدر ما تستطيع؟. إن لم يكن محكماً عبأته أو لم تعبئه سيان.
في أيام عصيبة جداً, أيام حرب, كانت هناك أزمة على الوقود، قال لي صديق لي: بعد محاولات عدة, استطعت أن أملأ خزّاناتي من الوقود السائل، وطبعاً كان فرحي لا يوصف، دفعت المبلغ عداً ونقداً، وارتحت, لأنني ضمنت الدفء في الشتاء، وفجأة وجدت أن الصنبور الذي يوصل الوقود إلى بيت الخلاء مفتوحاً، وأن جميع ما ملأ من الوقود, قد ذَهَب في بيت الخلاء.
إذاً: إن كان المستودع الذي ملأته غير محكم الإغلاق، ملأته أم لم تملأه سيان، الاستقامة حدية, الإحكام حدي، أما التعبئة نسبية.
قال لك الله: أنفق من مالك، أنفق بقدر ما تستطيع، قال لك: صلِّ النفل، صلِّ بقدر ما تستطيع، اقرأ القرآن بقدر ما تستطيع، وكذلك إنفاق المال وصيام النفل بقدر ما تستطيع.
لو أنك صنعت مستودعًا عند أحدهم, تقول له: هل تم الأمر؟ يقول لك: إن شاء الله، قد تم, خذه واذهب، فهل ستقبل منه هذا الكلام, أم ستقول له: جربه لي؟ بل ستسأله: هل له من إشكال؟ هل يتسرب منه الوقود؟.
إذاً: أنت لن تقبل المستودع وهو غير محكم، وكذلك هذا الدين، المنهيات حدية، أما المأمورات فنسبية، عندما تفهم هذه الحقيقة سوف تسمو وترتفع، أما عندما تفهم أن المنهيات نسبية حينها تقول: الله غفور رحيم، بقدر ما أستطيع أفعل.
إذاً: المستودع غير محكم، ولو عبأته فسوف يفرغ، وهذا هو كلام العوام وعملهم، إن آخر مؤمن في الأرض, في أصعب زمن الفتن, مطالب أن يستقيم كما يستقيم الأنبياء، فالاستقامة حدية شاغلة، أما العمل الصالح: فالنبي هدايته عمت الخافقين، كل من اهتدى إلى الله بصحيفة النبي صلى الله عليه وسلم، لهم أعمال كالجبال، إذاً: أنت بالاستقامة يجب أن تكون كالأنبياء، يقول أحدهم: هل هذا الكلام معقول؟ هل لديك دليل؟ أقول له: طبعاً:
﴿
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المُرسلين ))
لأنه هل يعقل أن الجراح الأول في العالم, يعقم الإبرة والممرض الناشئ لا يستطيع تعقيمها؟ هل من أحد يقبلها؟ مستحيل, لأن أقل ممرض في الأرض, يجب أن يقوم بإجراءات التعقيم كما يفعلها أكبر طبيب في الأرض، هذا الدين, الاستقامة فيه حدية، والعمل الصالح نسبي، قدر ما تستطيع، يقول عليه الصلاة والسلام:
وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم.....
أمرك بصدقة فأتوا منها ما استطعتم، العمل الصالح نسبي، والاستقامة حدية, والاستقامة أرضية العمل الصالح، والعمل الصالح لا يقبل إلا على أرضِ من الاستقامة, قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)﴾
بقي على كلمة
في بعض اللغات الأجنبية معانٍ, تستنطق من النبرة، وفي بعض اللغات, علامات الترقيم, جزء من النص، بالنسبة لنا القضية غير واضحة، أما الفاصلة، فاصلة منقوطة، اعتراض، استفهام، تعجّب، نقطة، فقرة، أول كلمة بعد السطر, هذه كلها مصطلحات دقيقة جداً, تعني كل شيء في النص، تضيف على النص معاني دقيقة جداً، وفي بعض اللغات النبرة تغير المعنى.
مثلاً:
﴿
نحَوِّل لفظها، ففي المرة الأولى: بذل بعض الجهد، والثانية: تفخيم، استنفاذ كل الجهد، مما يشكل لنا معنى جديدًا، فلعل النبي الكريم يقول:
هذا الحديث رائع:
(( دَعُوني ما تركتُكم، فإنما أَهلكَ من كان قبلَكم كثرةُ سؤالهم، واختلافُهم على أنبيائهم، فإذا نهيتُكم عن شيء فاجْتَنِبُوه، وإذا أمرتكم بأمر, فأتوا منه ما استطعتم ))
لذلك: إذا صحب الإنسان الأراذل تجرح عدالته، وتكلمنا ذات مرة عن قضية العدالة، يقول عليه الصلاة والسلام:
الإنسان يقول: أهلي، أهل البيت، هذا التعبير قرآني، وهناك إنسان يتحدث عن زوجته، عن ميزاتها، الآخرون ليس لهم علاقة بهذا، ليس من المروءة الحديث عن ميزاتها، أما من قلة المروءة, ومن انعدام المروءة, الحديث عن جمالها، فالحديث عن النساء يجرح العدالة، صحبة الأراذل تجرح العدالة، التنزه في الطرقات تجرح العدالة.
يقولون أحياناً: الجنة بلا ناس ما بتنداس، لو أخذت أحدهم إلى مكان جميل جداً, فيه مناظر طبيعية، فيه أشجار، لا تجده مسروراً, يفضل مكان مزدحم، هذه صحبة الأراذل، الحديث عن النساء، التنزه في الطرقات، هذه تجرح العدالة، ويوجد تتمة للموضوع.
تطفيف بتمرة: أحياناً يزن لك البائع بنًّا غالياً جداً، أو شايًا بورق الإسمنت، ورق أكياس، باعك ورق الأكياس بثمن البن، هذا تطفيف، هذا يجرح العدالة، أحياناً يضع الحاجة بكفة ميزان بقوة, فيطبش الثقل, فيزيلها فوراً، هذا ليس وزنها، بل قوة اندفاعها، أحياناً مروحة متجهة باتجاه الميزان, وهو منتبه لها, في وقت اتجاهها, على الكفة يضع الحاجة.
أما في القماش عند الشراء, تجده بخط منحن على المتر، وإذا أراد البيع يقوم بشده حتى يتمزع القماش, فيكون القماش في أثناء البيع مشدودًا، وفي أثناء الشراء يصبح خطًّا منحنيًا، هذا التطفيف الذي يجرح العدالة، وهناك من يقوم بأكثر من الغش, فيقوم بحقن البرتقالة خمس حقن من الماء (سيروم)، فالبرتقالة الواحدة تملأ كأساً كاملة، فأساليب الغش لا تنتهي، لكن هذا الذي يجرح العدالة، تطفيف بتمرة أكل لقمة من حرام, يلعق بإصبعه ربع أوقية لبن، أو يتذوق الجبن، ثم يسأل كم ثمن الكيلو؟ تطفيف بتمرة فهو لا ينوي الشراء بالأصل، أيضاً من قاد برذوناً، مربي الكلب الكبير مسرور به، يربطه بحبل خوف الناس منه.
أعرف أخًا يسكن في بناء، أولاده مصابون بأمراض, بسبب هذا الكلب الذي يقف في مدخل البناء، شيء مخيف، كلب كبير، فصاحبه طبعاً متفق معه، لكن البقية غير متفقين معه، من أطلق لفرسه العنان جرحت عدالته، فهذه سرعة زائدة، في الإسلام سرعة الإنسان الشديدة لا تقبل شهادته، ليس المُخَاطِرُ محموداً، ولو سلم، من بال في الطريق، يشتمونه أحياناً: ملعون ابن ملعون، فهذا شيء مزعج، فمن بال في الطريق جرحت عدالته، إن سار عاري القدمين تجرح عدالته، من أكل في الطريق تجرح عدالته، فهناك شيء اسمه سقوط عدالة، وشيء اسمه جرح عدالة
الآن فهمنا:
سكت عنه لا نسياناً، ولكن رحمة، ويبدو أن هذا الشيء المسكوت عنه حيادي لا يقرب ولا يبعد، فأنت إذا سألت, وضيقت، وتعنت, تكون قد جلبت لنفسك قيدًا أنت في غنىً عنه.
البائع غير مكلف يسأل المشتري: ماذا تفعل بهذه الحاجات؟ تبيع أنت أطباقًا غير مكلف، أما إذا كنت تعلم أن هذه الصحون ذاهبة إلى مكان معصية أو إثم فهذا موضوع آخر، فأنت غير مكلف أن تسأل.
(( فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم, واختلافهم على أنبيائهم, فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ))
الملخص:
المنهيات حدية، المأمورات نسبية، والدين أمر ونهي، ولا أمر ولا نهي، سكوت، فالأمر نَفِذْهُ، والنهي اترِكْهُ، والذي سَكَتَ عنه لا تسأل عنه، هذا هو الدين، أما هناك أناس شددوا على أنفسهم, وضيقوا, فضيق الله عليهم.
الإنسان مخير.
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: كلُّ أُمَّتي يدخلون الجنة إلا مَن أبى، فقالوا: يا رسولَ الله مَن يأبى؟ قال: مَن أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى ))
معنى ذلك: أنت مخير.
أنت حينما تطيع الله, فقد اخترت طريق الجنة.
وحينما تعصي الله عز وجل, اخترت طريق جهنم.
والإنسان لا ينبغي أن يعتذر بالأقدار، من أنبأك أن الله قدر عليك ذلك؟ هذا كلام الشيطان، أنت مخير، وطريق الجنة واضح، وطريق النار واضح.
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3)﴾
﴿
﴿ أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ
﴿
ما أمرك أن تستغفره إلا ليغفر لك.
اليوم مر معنا بدرس بالطاووسية, أن الله عز وجل غفور.
فالله عز وجل أعفاك من إنزال العقوبة، وأخفى ذنبك عن الخلق، ثم أنساك هذا الذنب وحجبه عنك يوم القيامة، وهذه المغفرة ثمنها أن تستغفر.
مثلاً: إنسان عليه ثلاثون مليوناً، ومنزله ثمنه خمسة ملايين، سيارته مليونان، فلو باع منزله وسيارته لا يقضي دينه، قال لك صاحب الدين: قل لي: سامحني, أتنازل لك عن هذا الدين، كلمة واحدة تنجو بها من عذاب، ومصادرة, ومن شقاء، شيء عجيب أن المغفرة بيد الإنسان.
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10)﴾
بالمناسبة: ما أمرك أن تستغفره إلا ليغفر لك، ما أمرك أن تتوب إليه إلا ليتوب عليك، ما أمرك أن تدعوه إلا ليجيبك، ما أمرك أن تستعين به إلا ليعينك، لمَّا أمرك أن تستعين به, وأنه لا يعينك كلام لا معنى له.
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً (12)﴾
الحديث الثاني: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة, ذرفت منها العيون, ووجلت منها القلوب.....
(( عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة, ذرفت منها العيون, ووجلت منها القلوب, فقلنا: يا رسول الله, إن هذا لموعظة مودع, فإذا تعهد إلينا, قال: قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها, لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك, ومن يعش منكم, فسيرى اختلافا كثيراً, فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين من بعدي, وعليكم بالطاعة, وإن كان عبداً حبشياً, عضوا عليها بالنواجذ))
فكان أسد بن وداعة, يزيد في هذا الحديث:
الإسلام العظيم الذي هو رسالة السماء إلى الأرض، والذي أسعد الخلائق كلها، يغدو رقص عند بعض الحلقات، وطرب عند حلقات أخرى، وأداة لكسب المال عند بعض الناس، وتجارة في الوحل عند فئة أخرى، من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً.
فإذا كنتم في هذا، فالماء يجب أن يكون صافياً، نقيا،ً فلا رائحة له، ولا طعم له، فإذا صار الماء أسود ماذا تفعل؟ اذهب إلى النبع، وأوضح مثل: نبع بردى، ومصبه، مياه النبع: صافية، عذبة، أما مصبه: مياه آسنة، سوداء، تراكمات بدع، خرافات، خزعبلات، اجتهادات، انحرافات، تقولات، جهل، تجارة، تملك، أصبح الدين كما ترى، فإذا كنت في مثل هذا الزمان, فارجع إلى الكتاب والسنة
رواية أخرى: قَالَ:
(( أوصيكم بتقوى الله, والسمع, والطاعة, وإن كان عبداً حبشياً مجدعاً, فإنه من يعش منكم, فسيرى اختلافا كثيراً, فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها, وعضوا عليها بالنواجذ, وإياكم ومحدثات الأمور, فإن كل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة ))
أيها الإخوة:
(( عن معقل بن يسار رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العِبَادَةُ في الهرج كهجرة إليَّ ))
عبادة في الهرج: في زمن الفتن، زمن أن تشغل المرأة الساحة كلها، في الطريق، لو اشتريت بضاعة تافهة جداً, فلا بد من صورة امرأة عليها، هذا سقوط للمرأة، أصبحت المرأة سلعة، أو أصبحت لترويج السلع، فحينما يكون العصر هكذا فـ:
الآن بتركيا: لا يمكن لطالبة أن تدخل الجامعة أو أي مكان حكومي بالحجاب، مستحيل
و الحمد لله رب العالمين