- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠4رياض الصالحين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
تمهيد :
أيها الإخوة الكرام؛ في كتاب رياض الصالحين باب عنوانه:
باب الحث على الازدياد من الخير في أواخر العمر.
من دخل في الأربعين فقد دخل في أسواق الآخرة، إذا وصل الإنسان إلى الأربعين, يجب أن يعد العدة لمغادرة الدنيا، تماماً كما لو كنت في نزهة لتمضي عشرة أيام في اللاذقية مثلاً:
لاحظ نفسك في اليوم الثامن تغيّر الخطة، تهيئة الأغراض، قطع التذاكر، شراء الهدايا ...إلخ.
من اليوم الثامن, هناك ترتيب جديد، هناك حركة معاكسة، واستراتجية جديدة، فقياساً على هذا السلوك اليومي, من دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة.، لذلك ورد في بعض الآثار أنه:
من بلغ الأربعين, ولم يغلب خيره شرَّه, فليتجهز إلى النار
عاش أربعين سنة، أربعين خريفاً، أربعين شتاء، أربعين صيفاً، أربعين موسم فواكه، نشأ، وكبر، وتزوج، وأنجب، وزوج أولاده، صدق القائل:
إلى متى أنت باللذات مشغول وأنت عن كل ما قدمت مسؤول؟
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمــري في المقال بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعـته إن المحــب لمن يحـب مطيع
أيها الإخوة؛ من عادة الإمام النووي, أن يفتتح كل باب من أبواب كتابه رياض الصالحين بالآيات المتعلقة بهذا الباب.
الآية الأولى:
قال تعالى:
﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ
أي: عمّرناكم عمراً كافياً كي تتذكروا.
لو كان العمر ساعة لما كفى، شهر لا يكفي، سنة لا تكفي.
أما قوله تعالى:
تسعة أشهر ضرب أربعة أسابيع، وستة وثلاثون, يوم الجمعة عطلة، وكل يوم ست ساعات، وست محاضرات، وست وظائف، ولم يدوام, ولم يقرأ، ولم ينتبه، ولم يفكر، رسوب, قال تعالى:
أي: عمّرناكم عمراً كافياً كي تتذكروا.
قد يقول أحدكم: السرطان، صحيح، هو مرض وبيل –والعياذ بالله– الإنسان يموت به، فإذا كان مؤمناً فإلى الجنة، ولو كان معه مرض السرطان، مرض سكتة دماغية، سكتة قلبية، تشمع كبد، فشل كلوي، كلها خطيرة، ولكن لو كان صاحبها مؤمنا يموت إلى الجنة، أما المرض الخطير الذي يسبب شقاءه الأبدي, فهو مرض الغفلة عن الله، قال تعالى:
﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ
نزل أحدهم بالسيارة، أول نزول سرعة معتدلة، ولم يستعمل المكابح، ليس معه مكابح ، في النزول بدأ يشتد ويشتد، وهو مرتاح، ضمن أنه مكابح، والسيارة منطلقة، وهو مرتاح، ومنتعش بهذه السرعة.
حينما يكتشف أنه لا يملك المكابح، والمنعطف حاد في النهاية، والحادث حتمي، وقد يموت، أكبر خطر ارتكبه السائق, أنه لم يفحص المكابح، غفل عنها، أكبر مرض يصيب الإنسان الغفلة، أن يغفل عن الله عز وجل، والناس –واللهِ– في معظمهم غافلون، يعيشون لحظتهم، أكلنا، وشربنا، ونمنا، وسهرنا، شاهدنا المسلسلات إلى الساعة الثانية صباحاً، استيقظنا بعد الشمس، نزلنا إلى المحل، تحدثنا، واشترينا, وبعنا، وربحنا، وتغدينا، ونمنا، وسهرنا مع المسلسلات، وهكذا.
أقول لكم هذه الكلمة، وأنا واللهِ بها صادق: هل يمكن أن تستيقظ كل يوم كالسابق إلى ما شاء الله, وإن كان السؤال محرجاً؟ لا، مستحيل، لي أجل.
وقد سمعت عن مغنٍّ حريص عن حياته حرصاً, يكاد يفوق حد الخيال، لا يصدق، ما ركب طائرة في حياته، ما أكل إلا لحماً أبيض في حياته كلها، لأنه أخف، السمك والدجاج، ما أكل في المساء طعاماً إطلاقا إلا الفواكه، الرياضة يومية، أنا كنت أتوقع أنه لا يموت, فمات.
إذًا: ممكن أن تستيقظ كل يوم دائماً كاليوم الثابت؟ معنى ذلك: أنه لا يوجد موت، والموت قائم، معنى ذلك: أنه في يوم ستستيقظ في وضع لم يكن من قبل، لا نعرف من أين يبدأ؟ من القلب، أو الكبد، أو الكليتين، أو من الأعصاب، أو من الدماغ، لا نعرف، كلنا على هذا الطريق، فلا يتشاءم أحدنا، وأنا معكم، من هو البطل في طريق المغادرة؟ الذي يستعد لهذه اللحظة التي لا بد منها، كل مخلوق يموت، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت، صدق القائل:
والــليل مـــــهما طال فلا بد من طـــلوع الفجر
والعــمر مـــــهما طال فلا بد من نــــزول القبر
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوما على آلة حدباء محمولُ
فإذا حملت إلى القبور جــنازة فاعلم بأنك بعدها محــمولُ
من هو النذير؟.
1- النبي عليه الصلاة والسلام.
قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً (46)﴾
وقد أعذر من أنذر، قال تعالى:
﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)﴾
هذا الواقع.
2- قالوا: القرآن هو النذير.
لأن فيه مشاهد القيامة، مشاهد أهل الجنة، وأحوال أهل الجنة، أحوال أهل النار، البرزخ، عذاب القبر، الصراط المستقيم، كل شيء في القرآن الكريم، هذا نذير.
إذا كان الشخص راكباً دراجة، وجد طريقاً مريحاً جداً لراكب الدراجة، وطريقًا آخر متعباً جداً، فطرته ودراجته تدعوه إلى أن يسلك الطريق الهابط، والذي عليه لوحة مكتوب عليها: الطريق الهابط ينتهي بحفرة ما لها من قرار، والطريق الصاعد المتعب ينتهي بقصر منيف، وهو ملكٌ لمن وصل إليه.
فاللوحة هي النذير، نحن نبهناك، وعلى اللوحة ناظور، إن شئت أن ترى بعينك فلك ذلك، هناك بيان، وهناك ناظور، فلا هو قرأ البيان، ولا استعمل المنظار، اتبع شهوته، الطريق النازلة أكثر راحة.
(( أَلَا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ثَلَاثًا, أَلَا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ ))
قال لك:
(( عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من أحببت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ))
مرة وقفت في سوق الحميدية، نظرت نظرة, فقلت: سبحان الله! كل خمسين سنة هناك طقم جديد، الشاب يفتح المحل، يزينه، يرتبه، يكبر, ويكبر أولاده، يختلفون, فيبيعون المحل، يأتي طقم ثان، وبيوت الشام كلها كل خمسين سنة فيها طقم جديد، والمحلات طقم جديد، وكل حال يزول.
3- المعنى الثالث: النذير سن الأربعين.
كما قلت قبل قليل: من دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة، وليس معنى ذلك: أن الذي في سن العشرين يعصي الله، هذا كلام غير مقبول إطلاقاً. وقد ورد في الآثار:
حدثني أخ, يعمل محاسباً في شركة ضخمة عملاقة، أرباحها الشهرية قريباً من مليونين، هو يعمل محاسباً، صاحب المعمل يغيب ساعة، يتناول طعام الغداء في مطعم، ثم يرجع، هذا الذي يعمل معك, لا يمكنه أن يأكل شيئاً، وأرباحك بالملايين في الشهر، قال تعالى:
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ
إذا لم يكن الإنسان بخيلاً, فهذه من نعم الله الكبرى، الإنسان بالبخل يصبح مذموماً، إذا كان أبًا بخيلاً، ومرض، وجاء الطبيب، يريد أولاده أن يرتاحوا منه، فيقول: هذه حالة عرضية ، والحمد لله، فيقول الأولاد: نحن لا نريدها عرضية، يخيب ظن الابن، أريد مرضاً خطيراً، لأن أباه بخيل، لو كان كريماً تصعد روح أولاده قبله من خوفهم عليه، بين أن تعيش بين أحباب، وبين أن تعيش بين أعداء، بين الكرم والبخل، الكريم محبوب، يتمنى الناس بقاءه.
هناك أب يدخل البيت, فيصبح البيت عرساً، من أخلاقه العالية، يحبه أولاده، وهناك أب إذا خرج من البيت، الحمد لله إن شاء يطيل غيابه، يأتي الساعة الواحدة ليلاً، نرتاح قليلاً، هناك إنسان ظله ثقيل جداً، يحاسب، وينتقد، ويسب، ويضرب، الجو مكهرب، الجو عدواني، كان النبي الكريم إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً.
صلى مرة النبي إماماً، فأطال السجود كثيراً، حتى ظنه أصحابه أنه فارق الحياة.
(( فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ, وَهُوَ حَامِلٌ الْحَسَنَ أَوْ الْحُسَيْنَ, فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَوَضَعَهُ, ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ فَصَلَّى, فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا, فَقَالَ: إِنِّي رَفَعْتُ رَأْسِي, فَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ سَاجِدٌ, فَرَجَعْتُ فِي سُجُودِي, فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ, قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ, هَذِهِ سَجْدَةً قَدْ أَطَلْتَهَا, فَظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ أَوْ أَنَّهُ قَدْ يُوحَى إِلَيْكَ, قَالَ: فَكُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ, وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي, فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ ))
اتركه يستمتع، هكذا كان النبي في بيته، كان النبي الكريم إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً، كان يقول:
(( أكرموا النساء، فو الله ما أكرمهن إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم ))
هناك رجل, يطرد زوجته إلى بيت أهلها الساعة الثانية صباحاً بقميص النوم، يركلها برجله، ليس هناك سيارات أجرة، هناك رجال وحوش، هناك رجل مؤمن، كله رحمة، كله ود ، كله حلم، كله صبر، كله حكمة، كلما قربتَ من الحكيم صرتَ حكيماً، من الرحيم تصير رحيماً، ومن الحليم تصير حليماً.
(( فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: لقدْ أعْذَرَ اللهُ إلى عبدٍ أحْياهُ حتى بَلغَ سِتِّينَ أو سَبعينَ سنةً ، لقدْ أعْذَرَ اللهُ إِليهِ ))
أي: أن الله عز وجل أنذر وأعذر, إذا بلغ الإنسان الستين ولم يستقم.
4- شيء آخر، المعنى الرابع: الشيب.
عبدي كبرت سنك، وانحنى ظهرك، وضعف بصرك، وشاب شعرك، فاستحي مني, فأنا أستحي منك، أبشع منظر في الأرض شيخ متصابٍ، مراهق على كبر، خمسيني مراهق، خمسيني يغمز ويلمز، ويتكلم كلاماً مائعاً مع النساء، وأحياناً يلامس، وأحياناً يصافح مصافحة حارة، وأحياناً يصف جمال الفتاة فيخجلها، وهو في الخمسين، هناك من هذه الحالات الشيء الكثير، شيخ متصاب، عند العوام: نفسه خضراء، فهذا الإنسان يخالف منهج الله عز وجل، وأبغض العصاة، وبغضي للشيخ العاصي أشد.
5- المعنى الخامس: النذير المصيبة.
المصيبة تلفت النظر، رجل سارح ويمشي في المعاصي والآثام، لا يسمع خطبة، ولا يهمه عالم، ولا يهمه كتاب، يقول: مِن اليوم إلى غد يفرجها الله، من الذي يرجعه إلى الله؟ مشكلة.
قال لي صاحب مطبعة: هيأت خمسمئة ألف ليرة، وسافرت إلى أمريكا للراحة والنزهة، هكذا قال بالضبط، دينه رقيق، وترك زوجته في الشام، وسافر ليتسلى، قال: وصلت إلى أمريكا، بعد أيام شعرت بآلام في ظهري لا تُحتمل, ذهب إلى الطبيب فقال له: سرطان في النخاع الشوكي، قال: بركت، قطع إجازته، وعاد إلى الشام، من مسجد إلى مسجد، من شيخ إلى شيخ، بعد ذلك عافاه الله، التشخيص الأول كان فيه خطأ، لكن الله أرجعه.
الله يعلم كيف يعالج؟ فالمصيبة لفت نظر، والله يعلم من أين يوجعك بالضبط؟ هناك شخص لا يؤثر فيه المال.
أخوه أخذ سيارته المرسيدس، أصابها حادث، فشقّت نصفين، لم يتنازل حتى ليراها، مليونير، قال: بيعوها، دخل إلى دائرة حكومية أهانه موظف، شعر أن قلبه سيقف، رأساً على الطبيب، هذا علاجه عذاب مهين، أما المال فلا قيمة له عنده.
قال لي شخص: واللهِ أبلغوني أن مستودعي احترق فيه قريباً من عشرين مليوناً بضاعةً، قال: لم أرد أن أنزع نفَس الأركيلة، الذي حدث حدث، هناك أشخاص بهذه الدرجة، عشرون مليوناً في المستودع بضاعة احترقت، قال: لم أغيّر جلستي، احترق احترق، هذا لا يعالَح بالملايين، يعالَج بمشكلة في القلب، هذا موضوع ثان.
الله يعلم لكل إنسان دواءه، ويعلم كيف يعالج، ومصيبته مصيبة، مصيبةُ الله عز وجل مصيبةٌ، تأتي في المكان المناسب.
كم من معنى للنذير؟ القرآن، والنبي، والأربعون، والستون، والشيب، والمصائب.
6- موت الأقارب نذير أيضاً.
فهذا إنسان تعيش معه ليلاً ونهاراً، ملء السمع والبصر، فجأة صار خبراً، أين فلان؟ مات.
دخلت دائرة حكومية، وهناك محاسب لي عنده قضية، العادة طاولته مملوءة بالأضابير والمعاملات، أعان الله هذا الموظف، دخلت مرة أخرى فلم أجد شيئاً، البللور نظيف ممسوح، وليس على الطاولة غرض، أين فلان؟ فقيل لي: مات، كيف مات؟ فقيل: كان جالساً فانقلب ومات.
جاء إلي رئيسه في صلاة الجمعة في جامع النابلسي، فقلت له: فلان مات، فقال: مات عندي في الغرفة، قال: دخل علي، وجلس، قلت له: نريد وصلاً للسيارة، لأنه محاسب، قال: فرأيت عينه جمدت، وقع ميتاً في مكتبي.
ومن ثلاثة أشهر تقريباً, عندنا في مسجد النابلسي، كان أحدهم جالساً يستمع الخطبة، فمات، خرج من بيته ماشياً، ورجع إليه محمولاً.
مرة كنت في مسجد الحنابلة، دعيت إلى مولد نبوي، رحّب بي أحدهم في المدخل ترحيباً غير طبيعي، كأنه عضو جمعية، أهلاً وسهلاً، جلست، وبعد دقيقتين لاحظت أن الوضع في المسجد فيه اضطراب، ما هنالك؟ لم يتكلم أحد، بعد ربع ساعة قمت، فقيل لي: الذي استقبلك قبل قليل مات الآن، والله ذهبنا إلى مستشفى أمية، مات فوراً، قبل دقيقتين استقبلني ورحب بي، فموت الأقارب نذير، فهذا معنى الآية، وهذه المعاني.
معاني النذير جاءت في تفسير القرطبي: النبي، والقرآن، والأربعون، والستون، والشيب، والمصائب، وموت الأقارب، قال تعالى:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً ))
قال لي أحدهم: أنا عمري ستون سنة، كل سنة أعيشها زائدة مكسب، هذا الحد القانوني، والنبي قال:
(( مُعْتَرَكُ المنايا ما بينَ الستينَ إلى السبعينَ ))
فإذا وصل أحدنا إلى الستين, وليس معه مشكلة, معنى ذلك: أن الله عز وجل سيحاسبه حساباً خاصاً، هناك ناس في الأربعين.
وقد كنا مرة في حلب, رأينا بناء في حي الشهباء، سمعت أن هذا البناء كلّف خمسة وثلاثين مليوناً سنة 1974، الآن يكلف سبعمئة مليون، وقتها كلف خمسة وثلاثين مليوناً، وكان الدولار بثلاث ليرات، رخام أونيكس بخمسة ملايين، صاحبه عمره اثنان وأربعون عاماً توفي، كان طويل القامة، والقبر كان قصيراً، جاء الحفار ووضع يده على صدره فدفعه، ودخل ملتوياً، قيل: دفعه برجله، وأنا سمعت أنه دفعه بيده، صاحب هذا القصر هذا هو مصيره.
تذكير:
إخواننا الكرام؛ قضية الموت قضية خطيرة جداً، وأنا أحب أن أذكره دائماً، أذكر نفسي، وفي الحديث:
(( عَنْ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ, يَعْنِي الْمَوْتَ ))
والتفكر في الموت يضبط الإنسان.
و الحمد لله رب العالمين