- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠4رياض الصالحين
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
مقدمة:
أيها الإخوة المؤمنون؛ إنني أسعى في درس الأحد, أن أختار من المواضيع الفقهية، أو من الحديث الشريف, ما نحن في أشد الحاجة إليه، وما يعد حلاً لمشكلاتنا، وما يعد علاجاً لنقائصنا.
حينما يفكر الإنسان: أيّ فرق جوهري بين الرعيل الأول من المسلمين والرعيل الأخير.
قد يجد في آخر الزمان: مظاهر إسلامية صـارخة؛ مسـاجد، ومـآذن، وزخـارف ، وخطبـاء، ومحاضرين، وكتبًا، وأشرطة، ومؤتمرات، ومناصب، وشهادات، ولكن الذي كان على عهد رسول الله شيء آخر, لعل من بعض الفروق: الحب بين المؤمنين، الإخلاص، النصيحة، التواضع، التعاون، التواصل، التآزر، التكاتف، التضامن، لذلك لا يصلح آخر هذه الأمة, إلا بما صلح به أولها.
الشيء الذي يلفت النظر: عناية الناس بالشعائر، وإهمالهم للمعاملات، يؤدون العبادات, يصلون، يصومون، يحجون, يعتمرون، ولكن في التعامل اليومي, ليسوا كما ينبغي أن يكونوا عليه.
قلت مرة وأنا في مكة المكرمة: لو فهم أصحاب رسول الإسلام كما نفهمه نحن الآن, لما خرج الإسلام من مكة المكرمة، ما وصل إلى المدينة.
كيف وصل هذا الإسلام إلى مشارق الأرض ومغاربها؟!.
لا بالعبادات الشعائرية، ولكن بالعبادات التعاملية.
على مستوى مسجد صغير متواضع, خصومات، أطراف، تشكيك، حسد، عدوان، هذا ضمن مسجد، وضمن مؤمنين، وضمن أناس يستمعون إلى الحق في الأسبوع أربع مرات، يشحنون بخطبة، ودرس الجمعة، ودرس السبت، ودرس الأحد، ودرس الاثنين، مع ذلك تجد ليسوا كما ينبغي أن يكونوا، ليسوا على الحب الذي ينبغي أن يكونوا، ليسوا على الوفاء الذي ينبغي أن يكونوا، ليسوا على ضبط اللسان الذي ينبغي أن يكونوا، ضبط اللسان نصف الدين.
تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم.
(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ, وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ, وَلا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ, حتى يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ))
أيها الإخوة الذي يحيرني أقول لإنسان:
أنت لماذا تصلي؟.
يقول لك: فرض.
أعوذ بالله، هل غاب عن ذهنك؟.
أن أي أمر بالقرآن هو فرض، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا
نهي هذا.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)﴾
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عن عليّ بن الحسين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ ))
(( طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ))
بالمناسبة أي شيء يمتن علاقتك بأخيك أمرك النبي به، وأي شيء يضعف علاقتك بأخيك نهاك النبي عنه.
أي شيء يقرب أمر به، أي شيء يبعد نهى عنه.
إذاً: ماذا يريد النبي؟ ومن خلال توجيه النبي ماذا يريد الله عز وجل؟.
يحبنا متعاونين، متناصرين، متآزرين، متناصحين.
(( عَنِ ابْنِ عُمَرَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لا يَجْمَعُ أُمَّتِي -أَوْ قَالَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ضَلالَةٍ, وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ, وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إِلَى النَّارِ ))
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ, مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ, فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا ))
الذي أراه الود بين المؤمنين، والحب بين المؤمنين, والتواصل، والتزاور، والتناصح، والتباذل، والتعاون، والتكاتف، والتواضع، هذا الذي يقوي علاقتنا بالله عز وجل.
أنا أقول لكم كلمة:
ليس كل المؤمنين على المستوى الذي ينبغي أن يكونوا عليه، ما الذي يحصل؟.
لو أن أحدهم أساء للآخر, لم يبعده عنه، ولكن أبعده عن المسجد، أبعده لا عن المسجد، ولكن أبعده عن الدين، بل أبعده عن الله عز وجل، ممكن من تصرف غير أخلاقي، غير حكيم، غير شرعي، أن تجعل أخاك يبتعد عن مسجدك، وعن دينك، وعن ربك، يمكن من تصرف آخر شرعي, تشد الناس إليك .
فيا أيها الإخوة الكرام؛ الوقت ثمين، العمر قصير، والمغادرة على الأبواب، ونحن في أمس الحاجة, إلى أن يعود أمر هذا الدين، إلى ما كان عليه من حب ووفاء، أي إذا لم نقدر على مستوى مسجد، على مستوى إخوة.
أنا أؤكد لكم:
أننا نرى بعضنا أكثر من أهالينا، الحياة معقدة جداً، والوقت معظمه في العمل، لكن ترى أخاك بالخطبة، بدرس التفسير، بدرس السبت، بدرس الأحد، بدرس الاثنين, فهذه الرؤية، وهذا التواصل, هذا ينبغي أن يترجم إلى تعاون.
أنا اليوم يؤلمني أن يكون بين المؤمنين بعض المشكلات، يؤلمني جداً أن يكون هناك جرح عميق بنفسه من أخيه، يؤلمني أن يقف المؤمن، ويقول: فلان أساء إلي.
والله الذي لا إله إلا هو في الروضة الشريفة، ومواجهها قبر النبي صلى الله عليه وسلم، والسنة كما علمنا أن نقف أمام قبر النبي، وأن نسلم عليه، وأن نقول له:
يقول الأخ: والله فلان ما أساء إلي أبداً، أحسن لي، كان وفياً، كان متواضع، ساعدني ، زارني، عادني، عرض علي مبلغًا من المال، واساني، أكرمني، صبرني، دلني على الله، هداني، لا يوجد فيها شيء, الدنيا كلها تجري.
أنا أتمنى المودات مكان العداوات, التواصل مكان التقاطع.
اليوم صباحاً في درس الفجر مر حديث:
أرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون متعاونين، متناصرين، متكاتفين.
(( عن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ, وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ, وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ, وَالْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ, عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ, فِي ظِلِّ الْعَرْشِ, يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ ))
الدرس لم يبدأ بعد، قدمت لهذا الدرس, لأننا في أمس الحاجة إلى هذا التواصل، ونحن نرقى عند الله، ويحبنا الله، ويبارك لنا أعمالنا، وينظر إلينا بعين العطف والرحمة, إذا تناصرنا، وإذا تعاونّا، وإذا تكاتفنا.
آيات تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم.
الإمام النووي رحمه الله تعالى, عقد في كتاب رياض الصالحين باباً, سماه باب تعظيم حرمات المسلمين، وبيان حقوقهم، والشفقة عليهم، ورحمتهم، قال تعالى:
﴿ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ
(( عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: المؤمنُ للمؤمنِ كالبنيان يَشُدُّ بعضُه بعضا، وشَبَّكَ بين أصابعه ))
قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ
والعياذ بالله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ضعاف النفوس يستعلون على أخوانهم المؤمنين, وهم أحقر من شاة أمام أقويائهم -أعدائهم-, يتذلل لكافر، ويستعلي على مؤمن، يقسو على مؤمن، ويلين مع كافر، يتكبر على مؤمن، ويتواضع لكافر، الآية معكوسة، الله عز وجل قال:
وهناك لفتة لطيفة جداً، هناك آية أخرى:
﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)﴾
والآية هذه:
الحكمة هي: أنت كمؤمن يجب أن تلتقي مع كل مؤمن تعرفه أو لا تعرفه، من مسجد أو من غير مسجد، من جماعتك أو من غير جماعتك، من بلدك أو من غير بلدك، لا بد من أن تنضوي تحت مظلة المؤمنين جميعاً, ومن ضعف الأفق، ومن ضعف اليقين، أن تقتصر على أبناء مسجدك.
يوجد مساجد أخرى فيها مؤمنون، طاهرون، صادقون، محبون، متواضعون، هؤلاء إخوانك في الله، فلا تكن ضيق الأفق، لا تكن قاصر النظر، أي مؤمن صحت عقيدته، وصح سلوكه, فهو أخي في الله، أنفتح عليه، وأساعده، وأحترم مشاعره، قال تعالى:
أيها الإخوة؛ أما الآية التي تلفت النظر في سورة المائدة, هي قوله تعالى:
﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ
أنت في حياتك, ألاَ تطمح تحيي إنسان، من الكفر إلى الهدى, أن تدله على الله عز وجل، تأخذ بيده إلى الاتصال بالله، هذا الذي أحييته, سوف يختار زوجة صالحة، وينجب أولادًا صالحين، وسوف يتعامل مع الناس وفق منهج الله عز وجل، لعلك بعد حين, ترى مئة شخص, هم على شاكلته، وكلهم في صحيفتك.
فالنبي صلى الله عليه وسلم, قف عند قبره, تتعجب، أقول لك: ألوف مؤلفة, لا والله، ملايين مملينة من شتى بقاع الأرض، من ماليزيا، من إندونيسيا، من باكستان، بنغلادش، الهند ، من سيلان، من سيريلانكا، من كل دول إفريقيا، من آسيا، من أوروبا، ملايين مملينة يقفون أمام قبره خاشعين، يبكون، يناجونه، وهو واحد فقط، هل من المعقول أن إنسانًا واحدًا عاش ثلاثًا وستين سنة، وفي الدعوة ثلاثًا وعشرين سنة فقط, يغير معالم الناس؟ قال تعالى:
ملاحظة هامة جداً.
حينما كنت في أمريكا, ألقيت خطبة, في أكبر جامع في بعض الولايات، الأسبوع الثاني أنا اعتذرت، لأنه يوجد عندي سفر إلى الولاية ثانية، ثم تأخر السفر, فحضرت خطبة، قام رجل من آسيا يخطب، والله أبكانا جميعاً، ماذا قال؟.
قال: نحن كنا عباد الوثن، نحن كنا نعبد النار، أنتم أيها العرب, جئتم إلى بلادنا، وهديتمونا إلى الله، نحن أتباع لكم، أنتم أسيادنا، نحن بفضلكم أصبحنا مسلمين، أنتم أولاد الصحابة والتابعين، آباؤكم وأجدادكم نشروا هذا الدين في شتى بقاع الأرض، ويخاطب المتفلتين هناك.
وأنتم الآن: تبيعون الخمر، وأنتم بدلا من أن تغيروا معالم هذه البلاد, ذبتم في عاداتها وتقاليدها، وكل حين يقول: سامحوني، أنتم لكم فضل علي.
قال: نحن ليس لنا تاريخ، التاريخ لكم، نحن أمة بلا تاريخ، نعبد الأصنام، نعبد الأوثان، نعبد الحجر، نعبد النار، تفضلتم علينا بهدايتنا، نحن في صحيفتكم.
يقول: أنتم أولاد التابعين والصحابة الكرام، أنتم لكم تاريخ، لماذا أنتم هكذا هنا؟ لماذا أنتم متفلتون؟.
أي لا يوجد فيها عمق، ولكن هناك عاطفة صادقة، فأنت هل تعرف من أنت؟ أنت تنتمي إلى أمة, جعلها الله وسطاً بين الأمم، أي وسطاء بين الله وخلقه، الله حملك مهمة كبيرة جداً، حملك رسالة، الإنسان عندما يهتم بشؤونه الشخصية ينتهي، أما إذا اهتم بالمسلمين يرقى عند الله.
أقول لكم كلمة دقيقة، والله لن يرضى الله عنا, إلا إذا حملنا هموم المسلمين، من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، أنت حامل هم المسلمين؟ قدمت شيئاً؟ أي شيء قدمته, كل إنسان يقدم شيئاً من اختصاصه، قدمت شيئاً للمسلمين, قدمت خبرتك.
أحياناً يقول لك الطبيب: أنا أداوي أشخاصا مجاناً، لأني أنا طبيب، وأقدم جزءاً من علمي زكاة، هذا شيء جميل.
يقول لك المحامي: أنا أي إنسان فقير مظلوم, أدافع عنه لوجه الله، هذا جميل جداً.
يقول لك المدرس: أنا أستاذ لغة أو رياضيات, إذا وجد عندك أخ فقير، وعنده شهادة, أنا أدرسه، قدم شيئاً، هذا قدم تدريسًا، هذا قدم هندسة.
يأتي أخ يقول لك: أنا كهربائي، هل هناك مجال أن أخدم المسجد؟ جزاك الله الخير، قدم شيئاً، فيجب أن تقدم شيئاً, وكل إنسان باختصاصه، هل هناك إنسان بالأرض ليس له ميزة؟.
أحياناً أجد أخًا كتلة وفاء, وحب لله ورسوله، يقدم شيئاً ضمن إمكانيته، رب درهم سبق ألف درهم.
زارنا إنسان من مصر، في أثناء الخطبة, اضطر أن يقضي حاجة، دخل دورات المياه، قال لي: لم أرَ في حياتي على الأرض مسجداً, فيه دورات مياه نظيفة, كهذا المسجد، كالبيت تماماً.
وهناك أخ من إخواننا، والله أنا أكبره، جزاه الله خيرًا، بكل تواضع, يقوم بتنظيف هذه الدورات بأعلى مستوى، فمرافقه كلها جيدة.
أعرف رجلاً بمسجد, توفي رحمه الله، تدخل إلى مرافق المسجد, إذا وُجد بيتٌ في الشام, سيدته معها مرض الوسواس بالنظافة، تنظف المكان خمس مرات، وتضع المنظفات والمعطرات, فهذا الجامع مرافقه أنظف من أي بيت بدمشق، كأنه الآن انتهى بناؤه، السجاد بالآلات، والشامبو، البللور، مرافق المسجد.
مرة التقيت معه قال لي: أنا أنطلق من قوله تعالى:
﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ
كل هذا العمل, ينطلق به من آية كريمة.
والآن: يوجد هنا إخوان, والله أبطال، عدد كبير، أنتم لا تنتبهون، تأتون إلى الجمعة, فتجدون الجامع يلمع، مرتبًا، نظيفًا، من عشرين إلى ثلاثين أخًا, ينظفون هذا المسجد جميعه، ينظفون السجاد، يلمعون البللور، جهد جبار، وليس جهد واحد، أو اثنين، أو ثلاثة، من عشرين إلى ثلاثين, يعملون ساعتين، وثلاثاً، نريد عملاً لله, عملاً تتقرب فيه، يا رب هذا العمل فعلته لأجلك، الإنسان يمر بمآزق بحياته، النبي علمنا أن ندعو الله بصالح أعمالنا، إذا عُمِل لوجه الله ، خدمة مسجد، معاونة أخ، إنسان قدم علمه الطبي، بارك الله به.
هناك أخوة أطباء، وهم جنود مجهولون، وهم أعلام عند الله، لا توجد مشكلة طبية إلا تجد, أنه حملها من مستشفى إلى مستشفى، من طبيب لطبيب، من محلل لمحلل، يقول لي: أنت ارتاح منها، أرسل لي إياه، والله له أياد بيضاء على هذا المسجد, لا يعلمها إلا الله، أطباء، وهناك محامون، يوجد مهندسون، تجده يقدم جهود، تجد هناك مشكلات في المسجد يقدمها.
أنا أريد عملاً لوجه الله، عملاً خالصاً, لا تبتغي منه لا سمعة, ولا كلاماً, ولا مديحاً, ولا ثناء، ولا تعليق صحيفة، ولا بطاقة شكر إطلاقاً، عملت هذا لله عز وجل، قال تعالى :
أحياناً أخ, يعينك بشيء آخر، وهي من المعاملات، يعاونك على هداية الناس، أخ يجلس معه، يناقشه، يسمعه شريطاً، يقنعه، يدعوه للمسجد، يتفقده، يزوره، يطمئن عن صحته ، على هذه المتابعة, انتمى انتماء كاملاً، ولزم المسجد، هذا الأخ الأول بارك الله به، كل أعمال الأخ الثاني في صحيفته، فالمعاونة أنواع، هناك ألف باب لمعاونة المؤمن، أحد هذه الأبواب تفقد الأخ.
أحياناً أراجع نفسي، هناك أخ من شهر لم أره، لعله مريض، أو مسافر، فعندما يطرق بابه تكسب وده، عيادة المريض مهمة جداً.
أخ أمام أهله, جاءه أصدقاؤه، جاء المؤمنون فانتعش، نريد عملاً صالحاً، فهل من المعقول: أن نتلقى طوال حياتنا علمًا؟ ليس معقولاً كل العمر نتلقى، وفي الأخير؛ متى نلقي؟ متى نتحرك؟ متى نقدم؟ متى نخدم؟ متى نساعد؟ متى نعاون؟ متى ننصح؟.
أنا والله لا أدعوكم لهذه الأعمال، لأنه يوجد تقصير، هناك إخوة يقدمون أشياء للمسجد لا يعلمها إلا الله، من جهد عضلي، وفكري، ووقت، ومال، ولا تنسوا قول الله عز وجل, حينما قال:
﴿
متى كانوا أشداء؟ لأنهم مع النبي, والنبي معهم، العمل الفردي غير مجد، ولا يحقق شيئاً، والإنسان مهما كان عظيماً, فهو ضعيف بنفسه، أما بإخوانه فهو قوي، قوي بمن حوله.
الأحنف بن قيس موقفه من مبايعة يزيد.
أحد كبار التابعين، وهو الأحنف بن قيس، وصفه أحد الكتاب، ليس هذا ذماً له، ولكن لبيان عظمة الإنسان، قال:
كان قصير القامة، أسمر اللون، مائل الذقن، ناتئ الوجنتين، صغير العينين، أحنف الرجل.
أعرج, هل هناك شيء آخر؟.
ناتئ الوجنتين، غائر العينين، ضيق المنكبين، أحنف الرجل، أسمر اللون، قصير القامة، ليس شيء من قبح المنظر, إلا وهو آخذ منه بنصيب, وكان مع ذلك سيد قومه، إذا غضبَ غضب لغضبته مئة ألف سيف، لا يسألونه فيما غضب، وكان إذا علم أن الماء يفسد مروءته ما شربه
ومرة كان في مجلس معاوية، وأراد أخذ البيعة لابنه يزيد، والناس تكلموا كلاماً طيباً عن يزيد، وأثنوا عليه ثناء كبيراً، وجعلوه في أعلى عليين، فلما جاء دور الأحنف بقي ساكتاً، فسكوته أحرج المجلس.
قال له: تكلم يا أحنف
قال: والله أخاف الله إن كذبت، وأخافكم إن صدقت
فكان تلميحاً أبلغ من تصريح، أي القضية قضية تعاون.
الحديث الأول المتفق عليه: المؤمن للمؤمن كالبنيان...........
هذا أعلى حديث في كتب السنة.
(( عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ' المؤمنُ للمؤمنِ كالبنيان يَشُدُّ بعضُه بعضا، وشَبَّكَ بين أصابعه ))
أنا شبهت المؤمنين كالأسرة، الأب يذهب إلى العمل, يأتي بالمال, الأم تطبخ، الابن يدرس، كل واحد له دور، أما الأدوار متكاملة, بيت بلا مال لا معنى له، إذاً: مال بلا طبخ, و تنظيف ليس له قيمة، طفل دون أن يدرس, هناك خلل بالأسرة، فالمؤمنون أسرة، كل واحد يقوم بدور، والأدوار متكاملة.
الحديث الثاني المتفق عليه: مثل المؤمنين في توادهم ...........
(( عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد ، إِذا اشتكى منه عضو : تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى ))
تطبيق عملي:
يقول صحابي للنبي, وقد مر عليه إنسان:
والله إني أحبه، قال له:
أي إذا أحد يحب أخاً, لا يضن بكلمة, أن يقول له:
بالمناسبة: لا يوجد إنسان يقصر ويُحب، إذا كنت تريد أن تُحب فلا تقصر، ليكن ظلك خفيفاً، لا تتميز على أقرانك أبداً.
الحقيقة: أن سيد الخلق، وحبيب الحق, في بعض المواقف للنبي عليه الصلاة والسلام ترويها مرة، مرتين، وثلاثاً، وخمساً، وعشراً، ومئة لا تشبع منها، عندما قال:
هو سيد الخلق بالمقياس الحضاري, زعيم أمة، قمة المجتمع، قائد عسكري, رئيس دولة، نبي هذه الأمة، أكمل الخلق عند الله, حبيب الله, ومع ذلك عندما قال أحدهم:
علي ذبحها، وقال الثاني: علي سلخها، وقال الثالث: علي طبخها، قال: وعلي جمع الحطب، قالوا له: نكفيك ذلك، قال: أعلم أنكم تكفونني، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه
لو طبقنا جميعاً هذه السنة, لكنا كالبنيان المرصوص، لا أحد يتميز على أحد، هناك شخص بأحسن مكان يجلس، أكبر تفاحة يأكلها، يكون مع أخوانه ينام، ويأخذ راحته، الأكل جاهز، يقوم، ويأكل، استحى, يشاركهم في الأكل، يوفر نفسه، وعلي جمع الحطب.
هذه السنة: إن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه، هذه وحدها تكفينا جميعاً، تجد هناك تواضعًا، تواصلاً.
طرفة لها مغزى:
ومن من باب الطرفة: هناك صناعة في أمريكا, تراجعت كثيراً، صناعة السيارات، وتفوقت عليها الصناعة في اليابان، وأسواق أمريكا أصبحت مغزوة بالسيارات اليابانية، وقد أرسلوا وفودًا ظاهرة وغير ظاهرة لكشف السر، أي ما سر تفوق اليابان بالسيارات؟ عندهم علم أعلى؟ لا.
اكتشفوا حقيقة مذهلة: السر تفوق اجتماعي، وليس تكنولوجيًا، لأن مدير المعمل هناك في اليابان, يأكل مع العمال، العامل يشعر بقيمته، كأن العامل له علاقة بالمعمل، بإدارته، بنجاح المعمل، فهذه المشاركة الاجتماعية بين المدير والعمال, تعمل حماساً، والحماس أدى إلى إتقان، والإتقان أدى إلى رواج، رواج صناعة غزت أسواق أمريكا, ليس لأسباب تكنولوجيا، بل لأسباب اجتماعية.
هذا هو نبيك:
أيها الإخوة؛ فكان النبي يأكل مع المسكين، ومع العبد، تستوقفه امرأة في الطريق, تكلمه كثيراً.
دخل عليه أعرابي قال له: أين محمد؟، أيكم محمد؟، ولا أريكة يوجد له، ولا لباسًا خاصّا أبداً، مثله مثل الصحابة- قال له: أنا، وفي رواية قال له: ذاك الوضيء، معقول نبي هذه الأمة, يقول عنه واحد: أيكم محمد؟ لا يوجد له ميزة، ولا ميزة مثله, مثل أخوانه.
هناك أناس عنده رغبة, هو على الأريكة، والناس جالسون على الأرض، أول شيء له، أول صف، وإن لم يكن أول صف, فمشكلة.
مرة داعبت شخصاً فقلت له: والله أنا أشتهي صالة للأفراح, طولها خمسة كيلو مترات، ولكن صف واحد, تحل كل مشاكل هؤلاء، الناس يجلسون جميعاً بالصف الأول، إذا لم يكن أول صف فمشكلة، إذا لم تقل له: فضيلة، فمشكلة، إذا لم تقل له: سماحة، فمشكلة، هذه كلها أقنعة مزيفة.
ماذا قال سيدنا الصديق؟.
من كان يعبد محمداً -بدون ألقاب- فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
إذاً هذا الحديث وحده: إن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه، لا تتميز أبداً، عامل نفسك كأقل واحد.
تعلم من نبيك:
وفي غزوة بدر أيضاً هناك قصتان:
عندي شيء لا يصدق، كل ثلاثة على راحلة، قال لهم:
(( وأنا, وعلي, وأبو لبابة على راحلة ))
رأساً عامل نفسه كجندي، كل ثلاثة على راحلة، هناك ثلاثمائة صحابي، ثلاثةٌ، ثلاثة ، و لكن هو قائد الجيش.
قال: وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة، ركب النبي عليه الصلاة والسلام.
والآن جاء دوره بالمشي، معقول الصحابة أن يجعلوه يمشي؟ توسلا إليه أن يبقى راكباً.
(( قال: لا، ما أنتما بأقوى مني على السير, ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر ))
أنا محتاج لأجر المشي، هذه السنة تفضل، وطبقها, وانظر ماذا يحصل معك؟ لا يوجد إنسان يكرهك، لا يوجد إنسان لا يحبك، عامل نفسك كأقل إنسان دائماً، حتى في بيتك.
مرة أخ قال: إن والدنا رحمه الله, كنا نقسم البطيخة، ونعطيه اللب كله له، فقال له أخ: رحم الله والدك، ولكن هذا شيء خلاف للسنة، الأب واحد من الأسرة، ممكن أطيب شيء للأب.
قدموا لسيدنا عمر أطيب قطعة باللحم، بكى، وقال:
عامل نفسك كأقل إنسان, يحبك الناس جميعاً، عندما تقول له: أنا مرتبتي أعلى منك، هنا مكاني، هذه أريد، هذه لي، انتهى.
قال لي شخص: أخذنا مزرعة بمبلغ اثنين وعشرين مليوناً، نحن ثلاثة أخوة، تدخل النساء هذه الغرفة لي، لا بل لي، بل لي، كل يوم مشكلة، بعناها باثني عشر مليوناً، لم نتحمل هذه الخصومات، أوجه غرفة لفلانة، لا لفلانة، لا لفلانة، انتهت لخصومات.
لو كان المؤمنون كما ينبغي أن يكونوا, لكنا في حال غير هذا الحال، لا تتميز أبداً.
تركب سيارة لحلب مع إخوانك, أنت أحسن مكان, أن تطول الطريق، غير معقول اعمل تناوب، ادع أخاك الذي يجلس بمكان ضيق, ليجلس مكانك، صار هناك محبة، يوجد شخص, يأخذ أحسن مكان، ويظل ساكتاً للأخير، يجلس بأحسن مكان، أحسن سرير له، هذا آخذ صفر بالعلاقات الاجتماعية، أنت آثر أخاك دائماً، لذلك:
(( عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم, وتراحُمهم, وتعاطُفهم, مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى ))
راقب نفسك:
اسمحوا لي بهذه الكلمة، وهي مقياس دقيق: كن جريئاً، وراقب نفسك, إذا أصاب أخاك خير, إذا تضايقت رسبت، وإن فرحت نجحت، يجب أن تفرح لخير أصاب أخاك، الدليل قوله تعالى:
﴿ إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)﴾
﴿ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)﴾
إذا وقع أخوك في مشكلة، وأنت فرحت, فدعه يأكلها، شيء داخلي، وشيء مخيف، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)﴾
لم يعمل شيئاً، لم يتكلم ولا كلمة، فقط أحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، لا يوجد عنده غيرة، إذا أصاب أخاك خير، أخذ شهادة عليا فلا تغر منه، بل افرح له، تزوج قبل منك ، اشترى بيتًا، تعين في منصب رفيع، إذا حزنت, فابك على نفسك، لأنك في خندق المنافقين، وأنت لا تشعر، وإذا فرحت فاشكر الله عز وجل، لأنك مؤمن ورب الكعبة، علامة إيمانك: أن تفرح لأخيك.
(( قال عليه الصلاة والسلام: لا تَنَاجَشُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَبَاغَضُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ أخْوَانًا ))
الخاتمة:
درسنا اليوم:
(( عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: المؤمنُ للمؤمنِ كالبنيان يَشُدُّ بعضُه بعضا، وشَبَّكَ بين أصابعه ))
(( عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد ، إِذا اشتكى منه عضو : تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى ))
ملحوظة أخيرة:
بين القول والعمل مسافة كبيرة، لاحظ لو أن رجلا قال: ألف مليون، بين أن تملكها، وبين أن تلفظ بها, كم هي المسافة؟ أفقر إنسان يقول لك: ألف مليون، فهذه الأحاديث بين أن تقرأها وتشرحها، وبين أن تطبقها مسافة كبيرة جداً، فنحن يهمنا التطبيق، يهمنا أن تنقلب حقائق هذا الدرس, إلى سلوك بين المؤمنين بالتعاون والتناصح.
و الحمد لله رب العالمين