- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠4رياض الصالحين
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
تمهيد :
أيها الإخوة الكرام:
أصل الإيمان:
أن تؤمن بالله موجوداً, وواحداً, وكاملاً، خالقاً, مربِّياً, مسيِّراً، أسماؤه حسنى, وصفاته فضلى.
ومن لوازم هذا الإيمان:
أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق الخلق عبثاً، ولم يخلق الإنسانَ سدى، قال تعالى:
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)﴾
مستحيل، قال تعالى:
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)﴾
إذًا:
اللهُ عز وجل أمر, ونهى، وبيَّن، وأرشد، ووضَّح، فلا بدَّ من كتاب بين أيدينا، كتابُ خالق السموات والأرض، ولا بدَّ من إنسان تنزَّل عليه هذا الكتاب, وبيَّنه للناس، هذا أصل الدين خالق عظيم، وكتاب كريم، ورسول أمين.
أيها الإخوة؛ الآن: لو وازنَّا بين كتاب الله وبين أعظم كتاب ألَّفه بشرٌ، الفرقُ بين الكتابين كما بين الله وخلقه، وازِن بين خالق الكون وبين مخلوق، ما من كتاب ألَّفه إنسان, إلا وفيه خطأ صغير أو كبير، إلا وله تعديل, إلا وله تقويم، إلا وله طبعة منقَّحة، إلا وله تصويبات، هذا من شأن البشر، ولكنَّ خالق البشر كتابه لا ريب فيه.
لذلك: إذا دخلت إلى مكتبة، يقولون: إن أعظم مكتبة في العالَم بالكونغرس، أو بواشنطن، فيها العشرات الملايين من الكتب، كلُّ هذه الكتب, لو وُضِعت في كفة واحدة، ووُضع كلام الله في كفة لرجح.
لذلك:
إنسان يحمل شهادة عالية (دكتوراه) مثلاً, في فن الغزل في العصر العبِّاسي، الإنسان أعظم من ذلك، أعظم من أن يبحث في شعر, قاله إنسان في غرض محرَّم، أما حينما ينشغل بكلام الله فهو حقٌّ صِرف، لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه، حبل الله المتين, وصراطه المستقيم، المنهج القويم، نور الله في الأرض.
أيها الإخوة؛ شيء غريب: كلام خالق الكون، الكلمة لها معنى، الحرف له معنى, الحركة لها معنى, الله عز وجل قال:
﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا
واضح، قال تعالى:
﴿ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ
إذا قلت: ورسولِه، أي بريء من المشركين, وبريء من رسوله، لكن: ورسولُه بريء أيضاً، حركة.
أيها الإخوة؛ فعُمر الإنسان الثمين, لا يمكن أن يُنفق إلا في معرفة كتاب الله الكريم، أي أعظم عمل أن تفهم كلام الله، لأن فهم كلام الله يجعلك على صراط مستقيم، دون أن تشعر، والإنسان حركته في الحياة بحسب قناعته.
قد تجد إنساناً يرتكب حماقة كبيرةً جدًّا، يرتكب جريمة أحياناً، بأكل أموالَ الناس بالباطل, يظنُّ أنه قويٌّ، وهم ضعفاء، فيبتزُّ أموالهم، وهو يجهل أن الله سوف ينتقم منه، فهذا جاهل، الجاهل يفعل بنفسه ما لا يستطيع العدوُّ أن يفعله به، الجهل أعدى أعداء الإنسان، أعدى أعداء الإنسان الجهل، وليس من صفة في الإنسان أشدُّ نفوراً من الجهل، فأنت إذا قرأتَ كلام الله، كلام حقٌّ مئة بالمئة، صحيح مئة بالمئة، كلام خبير.
حديث ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله تعالى...
أيها الإخوة؛ فلو أن آلة معقَّدة غالية ثمينة, ذات نفع عظيم, التقيتَ بصانعها، مخترعها، وأعطاك تعليمات تشغيلها، ثم سألتَ أشخاصاً عاديِّين, لا علاقة لهم بهذه الآلة إطلاقاً, عن بعض الأسئلة حولها، فأجابوك، أيَّة إجابة تعتمدها؟ إجابة الصانع الخبير، هذا الكلام دقيق جدًّا، مقدِّمة لحديث شريف، مهما قُرِئ هذا الحديث, تشعر أنك في أمسِّ الحاجة إليه، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح, الذي رواه الإمام مسلم.
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا, نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ, وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ, يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ, وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا, سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ, وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ, وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا, سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ, وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ, يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ تعالى وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ, إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ, وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ, وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ, وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ, وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ, لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ))
نــصـيـب النـازليـن بـهـا سـهـاد فــافــلاس فــيــأس فــانــتــحـار
تــشــاد له المــنـازل شـاهـقـات وفـي تـشـيـيـد سـاحـتـها الدمار
قد تدخل إلى مسجد, فتستمع إلى آية كريمة، إلى حديث، إلى توجيه، إلى تعليم، إلى توضيح، إلى إرشاد، يمتلىء قلبُك سعادة ونوراً بهذا الكلام، لهذا كما ورد:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا, وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا ))
طبعاً: وملاهيها.
فضل قراءة القرآن.
لو سألت أحدَ إخواننا المتفوِّقين, إذا تلا كلام الله صباحاً, تلاه بقلب خاشع, تغمره سعادةٌ لا تُوصَف، وقد يشعر قارئُ القرآن, أن صوته يزداد حسناً إذا قرأ القرآن.
أي: إذا أردتَ أن تحدِّث اللهَ فادعُه، وإن أردتَ أن يحدِّثك اللهُ فاقرأ القرآن، أنت مع كلام خالق السموات والأرض, لذلك: قال تعالى:
﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30)﴾
الإنسان حينما يهجر هذا الكتاب, يقع في خسران كبير.
ما الذي يشغل الناسَ؟ الشاشة, وماذا في الشاشة؟.
كل أنواع الفسق والفجور في الشاشة، كل أنواع السلوك غير السويِّ في الشاشة، فالإنسان يتعلَّم خبرات سيِّئة جدًّا، يتعلَّم نماذج إنسانية حقيرة جدًّا، إنسان شهواني, إنسان يبحث عن لذَّته بكل وسيلة، علاقات كلُّها محرَّمة، علاقات كلها خارج الزواج، هذه كلها خبرات يكتسبها الإنسانُ، أما يشاهدها, يراها طبيعية جدًّا، شيء طبيعي جدًّا.
يمكن في مجتمع لا يقرأ القرآن, أو مجتمع فتيات لا يقرأن القرآن, تُعدُّ الفتاة التي ليس لها صاحب أو صديق معقَّدة غير سويَّة، الأصل: أن يكون لها صاحب، هذا إذا ابتعدنا عن القرآن الكريم.
حينما نبتعد عن كتاب الله, نقع في أوهام, وفي وحول لا يعلمها إلا الله، فلذلك: الإنسان شفاؤه في القرآن، ما اجتمع قوم كتاب الله، أحياناً: أسمع عن إخوان, واللهِ أنا أقدِّرهم كثيراً، يعملون دوراً لأنفسهم؛ الثلاثاء, الأربعاء، الخميس، سهرة، يقرأ كلُّ واحد من الحاضرين, يفسِّر صفحة، من معلوماتهم، و مما سمعوا من دروس العلم، أي جلسة لطيفة فيها كلام الله، هذا الكلام اترُكه في بالك،
مدارسة القرآن الكريم.
1-
2-
ختمة التلاوة كل يوم خميس صفحات، الحد الأدنى عشرة أحسن، عشرين جزءاً صار، ثلاثون يوما في ختمة، أو في الستِّين، أو بمئة وعشرين، لكن لا بدَّ من ختمة في الأسبوع عشر آيات.
أي: وقفة متأنِّية متدبِّرة، أبعاد الكلمة, إرشادات الآية, الأحكام الفقهية منها، اللفتات البلاغية فيها، الإشارات البعيدة منها, الاستنباطات الرائعة، كلام الله غنيٌّ جدًّا، مهما تلوته لا يخلق على كثرة الردِّ، إذًا:
أنت أحياناً: ترغب أن تقرأ القرآن فقط، ولكن أحياناً: ترغب أن تفقه معنى الكلمة، معنى الحركة, معنى الآية، الحكم الشرعي، الاستنباط اللغوي، الإعجاز النظمي, الإعجاز العلمي.
الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.
قال الله عز وجل:
﴿ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ
أربع كلمات, قال الله تعالى:
الواحد في الدرس نفسه, إذا قعد قعدةً ثابتة أكثر من ربع ساعة, يحسُّ أن رجله لم يعُد يشعر بها، وكأنها ليست منه، أو تنمَّلت, أو خضرانة بالتعبير العامي.
فالإنسان وهو نائم، طبعاً: في الجسم, هناك مراكز للإحساس بالضغط، هذه المراكز تنبِّه الدماغ، انضغطنا، فالدماغ يعطي أمراً، الإنسان ينقلب على اليمين، القسم الذي كان تحته مضغوطاً، والأوعية ضاقت، ونمَّلت اليد، تعكس، فيرتاح القسم الذي كان مُتعباً.
والآن: يبدأ تعبُ القسم الثاني، كذلك هذا القسم ينضغط، هناك مراكز إحساس بالضغط تنذر الدماغ، والدماغ يعطي أمراً معاكساً، ولكن هذه المرة ليس ذات اليمين، حتى لا يقع من السرير, ذات الشمال، وذات اليمين.
صوَّروا إنساناً نائماً في فيلم، تقلَّب ثمانية وثلاثين إلى أربعين مرة، لولا التقلُّبُ لا يمكن للإنسان أن تستمرَّ طاقته بعضلاته، والذي معه مرض السبات، إذا لم يقلِّبه أهلُه خلالَ أيام, يتفسَّخ لحمُه نهائياً.
الآن: هناك فراش غال جدًّا, الذي معه مرض السبات, هو يقلِّبه، معه محرِّكات، والله قال:
هذا إعجاز علمي في القرآن الكريم، إذا قرأ الإنسان قراءة متأنِّية, سيرى إعجازاً علمياً.
الإعجاز النظمي في القرآن الكريم.
هناك إعجاز في النظم، تقديم وتأخير، الله قال:
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)﴾
بدأ بالأب فقال:
﴿
بدأ بالمرأة، وهناك آية ثالثة، قال تعالى:
﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34)﴾
بدأ بالأخ، وهناك آية رابعة، قال تعالى:
﴿ يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11)﴾
مرة بالأب، ومرة بالزوجة، ومرة بالابن، ومرة بالأخ.
الإنسان له أب, وابن, وزوجة, وأخ، هناك إعجاز بالنظم، العلماء قالوا: في موطن الاعتزاز الاجتماعي الإنسان يعتزُّ بأبيه، أنا ابن فلان، والعرب كانت عندها سبَّة في الجاهلية: لا أبا لك، وفي موطن الحب الشديد بدأ بالابن، وفي موطن الاستعانة بالأخ، الابن صغير والأب كبير، تستعين بأخيك، فالإنسان إذا استعان فبأخيه، وإذا أراد أن يضحِّي بشيء من أجل بقاء شيء, يضحِّي بكل شيء إلا ابنه، وفي موطن الشهوة المرأة، وفي موطن الاعتزاز الاجتماعي الأب، فهناك دقَّة بالغة، قال تعالى:
﴿
الزانية، لأن المرأة سبب الزنا، وموضوع الزنا غير موضوع الطعام والشراب، لو جلست في غرفة جدرانها ملساء، ليس فيها شيء أبداً، بلا طعام تجوع، أما الجنس فلا بدَّ له من مؤثِّر خارجي، الجوع له دافع داخلي، لو لم توجد إثارة، ولو لم ترَ طعاماً.
الواحد أحياناً: يرى طعاما طيِّبا بالمطاعم، عند بائع الفواكه, مثلاً يشتهي، هذا مؤثِّر، أما لو ما رأى الإنسان أيَّ مؤثر يجوع، ويشتهي الطعام، الجنس بالعكس، إذا لم يوجد مؤثر خارجي, فلا تنشأ هذه الشهوة، وهذا من رحمة الله بنا.
فكلُّ إنسان يعرِّض نفسه لمؤثرات خارجية, يصبح معه كبت، وتمزُّق داخلي، أما إذا لم يعرِّض نفسه لمؤُِّثرات خارجية، عنده راحة نفسية, فالله بدأ, وقال:
﴿
موضوع ثان، في خلق السموات والأرض, قال تعالى:
﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)﴾
أما موطن البلاغة فبدأ بالإنس، فقال تعالى:
﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88)﴾
قال تعالى:
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)﴾
بدأ بغض البصر، لأن غضَّ البصر سبب لحفظ الفرج، قال تعالى:
ثمار مدارسة القرآن وقراءته.
أولاً: السكينة.
هي الشيء الذي إذا وصلت إليه سعدتَ به, ولو فقدت كلَّ شيء، وإذا خسرتها شقيتَ، ولو ملكت كلَّ شيء.
مُؤدَّى الدين كلِّه السكينة، أي: إيمانك بالله, وعملك الصالح, واستقامتك, واتِّصالك بالله, من أجل هذه السكينة التي تتنزَّل على قلب المؤمن، فالإتيان إلى بيت من بيوت الله, والاجتماع مع المؤمنين, وتلاوة كتاب الله ومدارسته سبب نزول السكينة.
الإخوة يعبِّرون عنها تعبيرا عادياً، فيقولون: انبسطنا، صار التجلي، هموم أُزيحت عن صدري، هذه هي السكينة، السكينة راحة نفسية، طمأنينة، وثقة بالله, سعادة, أمن، السكينة إحساس بالتفوُّق، لا تشتهي شيئاً.
أيها الإخوة؛ أهل الدنيا كلما شاهدوا شيئاً من الدنيا, يسيل لعابُهم له، قال تعالى:
﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ
مرة قال لي واحد -كلام مضحك- قال لي: و اللهِ هذه السيارة (B-M), أتمنى أن تصدمني, لكثرة ما أحبُّها، هكذا تصوَّر، يعلِّق فيها جرذان، يحبُّها كثيراً، يتمنى أن تسير فوقه, قال تعالى:
أنا ألقيت خطبة حول السكينة قبل أربعة أسابيع فيما أعتقد، فيها توفيق كبير كان.
أي كيف التجارة كلها من أجل الربح، والدين كله في الأساس من أجل هذه السكينة التي هي الجانب الجمالي في الدين.
هناك في الدين جانب علمي، وجانب سلوكي انضباطي، وجانب جمالي، الجمالي هو الثمرة، السلوكي هو الأصل، والعلمي هو السبب, سبب، أصل، ثمرة، مستحيل أن تنضبط دون علم، ومستحيل أن تنضبط، ولا تكون أسعد الناس.
نحن أحياناً: نصلي على رسول الله، نصلي على أسعدنا محمد، أسعد الخلق.
أحد إخواننا مقيم في أمريكا, جاء في الصيف، ومكث شهراً، بعد ما سافر بعث لي رسالة شكر، قال لي: عندنا كل شيء في الدنيا في أعلى مستوى، ولكن وجدتُ عندكم الراحة النفسية، وجدت الحبَّ، وجدت الاتصال بالله، وجدت الأسرة المتماسكة، وجدت الودَّ بين المؤمنين، هذا كله هناك لا نعرفه.
أحياناً: الإنسان يرحِّب بك، يمكن أن نسهر سهرة في غرفة صغيرة متواضعة، ونجلس على الأرض، نأكل أكلاً عادياً جدًّا، يقول لك: واللهِ صار التجلي، شعرنا بسعادة لا توصف، ويمكن أن تدخل إلى أفخم مطعم في البلد، وكله من أعلى مستوى، وتشعر بانقباض.
احفظوا هذه الكلمة: إذا ملكتَ السكينة سعدتَ بها, ولو فقدت كلَّ شيء، وإذا خسرت السكينة شقيت بفقدها, ولو ملكت كلَّ شيء.
ثانياً: الرحمة.
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)﴾
فإذا رحم الله عز وجل إنساناً, نجا من عذاب الدنيا والآخرة، لذلك: قال تعالى:
﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً
هناك شركات مبيعاتها أربعة آلاف مليون دولار، أحياناً: هناك شركات عندها فائض نقدي, عشرات ألوف الملايين من الدولارات، فائض زائد على حاجتها، الله قال:
هناك مطعم في أمريكا, أفخر مطعم سمك في الولاية على الإطلاق, عريق جدًّا، وصاحبه صار معه مئات الملايين، أراد أن يذهب في نزهة مع زوجته في يخت فاخر في فلوريدا، ضاعت الأخبارُ كلها، ولا خبر، لا عنه, ولا عن زوجته، ولا عن اليخت، فكان تعليق الناس أنه: أطعم الناس السمكَ أربعين عاماً فأكله السمكُ.
يكون الإنسان ملكاً, فينتهي في ثانية، يصبح نعياً في ثانية، يكون غنيًّا فيصير إنساناً عليه كَفَن فقط, صدق القائل:
فكل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت
الليل مهمـــا طال فلا بد من طلوع الفجر
والعمر مهما طال فلا بد من نـــزول القبر
كل ابن أنـــثى و إن طالت سلامته يوماً عــــلى آلة حدبـــاء محمولُ
فإذا حمــلت إلى القبـور جــــنازةً فاعــلم بأنـــك بعــدها محــــمولُ
فالإنسان يفقد حياته في ثانية، والإنسان مكلَّف بان يعتنيَ بصحته، لكن العناية بالصحة وحدها لا تفعل شيئاً، الإنسان يموت حينما ينتهي أجلُه, نسمع أحياناً قصصاً مؤثِّرة جدًّا، أعدُّها أساسيات في الحياة.
شاب من أصدقاء أخوتي, لهم سهرة كل سبت، قال: أنا أطيل الحياة حتى أموت، طبعاً: هو في الخمسينات، أنيق جداً، نحيل، يعتني بصحته عناية فائقة، ولا يدخِّن، يمشي كل يوم، وأكله قليل، علاقاته نامية، ليس عنده مشكلة.
قال: أن أطيل حتى أموت، الدور كان السبت، السبت الثاني كان تحت الأرض، هذا الكلام قاله بحضور أخي، أنا أطيل حتى أموت، لا أحد يعلم متى ينتهي أجله، إذا انتهى كل شيء جمَّعه في حياته, يخسره في ثانية واحدة, فالبطولة أن تكون مع الله.
ثالثاً: حفتهم الملائكة.
أيها الإخوة؛ إنسان بين ملَك يلهمه الصواب, وبين شيطان يورِّطه، ماذا قال سيدنا موسى, لما القبطي مرة ثانية اشتكى له؟ قال تعالى:
﴿ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ
الشيطان دفع الإنسان إلى جريمة، أحياناً: ترى واحدا حُكم عليه بالإعدام، تفسيرها هذا من عمل الشيطان، الشيطان وسوس له أن يقتل فقتل، وأوقِف، فأُعدم في السجن.
لو سألت كلَّ سجين على حدة، كل واحد متورِط في جريمة، في ساعة غفلة عن الله جاء الشيطان، فهنا إذا كان الواحد مع الله, حفّته الملائكة، كل خواطره, إلهامات عالية, يفكِّر في خدمة الناس, والإحسان إليهم، صلة الرحم, وإطعام الفقراء، وزيارة الأقارب خدمة الناس ، والدعوة إلى الله، هكذا إلهاماته كلها، أما غير المؤمن قد يُوسوس له بفعل معصية شنعاء.
من حوالي فترة, واحد تورَّط بمحاولة مع غلام، حكمها ثلاثون سنة أو حكمها خمس عشرة سنة
أنا أردت من هذا الدرس:
إخواننا بحكم القرابة، أو حكم الزمالة، أو حكم الجوار، أخوان مثلاً في زملكا، أخوان بحرستا، أخوان بالمهاجرين، كلّ مجموعون في حيٍّ، أو على أساس العمل، من يعملون في شركة موحَّدة، أو على أساس القرابة، إذا كان اللقاء أسبوعياً, كل واحد قرأ صفحة قرآن، وحاولوا أن يفسِّروا, أو يراجعوا درس الجمعة، المذاكرة هذه مفيدة جدًّا، تثبِّت الحقائق، يقرأ كل واحد صفحة، ونحاول أن نتذَّكر بعض ما قيل في درس الجمعة، والأحد, والسبت، هذا الاجتماع مبارك، قال تعالى:
﴿
أي أجمل ساعات العمر: أن تذاكر العلم مع أخيك المؤمن، تشعر بسموٍّ عالٍ جداً, والناس منشغلون بالشاشة، نحن بالقرآن، فرق كبير بين الشاشة والقرآن، إذا كان الإخوان بحسب أماكن سكنهم، أو بحسب أماكن عملهم، أو بحسب علاقات القرابة, جلسة ساعة زمان، دون ضيافة, كأس شاي فقط، ودون كُلفة، كل واحد قرأ صفحة قرآن حسب الحديث، قرأنا الصفحة، يتلون كتاب الله، وذاكرنا درس الجمعة, يتدارسونه، وإذا كانت جلسة لله خالصة, ليس لها أيَّ مقصد، الإنسان يشعر بهذه المعاني؛ السكينة, والرحمة, والتوفيق الإلهي.
في اليوم التالي مسدَّد, رشيد, موفَّق, ومحفوظ من الله، والحفظ, والتوفيق, والتأييد, والنصر، وهناك إلهامات ملائكية طيِّبة، لأن هذا كلام الله عز وجل، إن أردت أن تحدِّث ربَّك فادعُه، وإن أردت أن يحدِّثك اللهُ فاقرأ القرآن، وإذا كنا قرأناه ختمة تلاوة تعبُّدية, وختمة تدبُّر ودراسة، التدبر في آية الدرس, كله على حديث واحد، أحياناً: التعميق مُريح للنفس، آية يفهمها بعمق, يفهم كلَّ أبعادها، نفهم ما وراء مضامينها، وتأويلاتها، وهكذا.
أنا قناعتي أن الإنسان قد تنشأ عنده الآلاف من الأسئلة، وإذا قرأ القرآن بعناية، ما من سؤال يُقلقه إلا وجوابُه في القرآن، إذا هناك قراءة مستمرَّة، هذا الكلام نور الله عز وجل، هذا نور الله عز وجل بين أيدينا، وهذا تفسير الله للخلق، وللكون, والحياة, وللإنسان، ولمصير الإنسان، فكلما ازداد فهماً لهذا الكتاب, حُلَّت مشكلتُه العقائدية، عقيدته تصحُّ.
أحياناً: واحد يذهب إلى بلاد الغرب يختلُّ توازنُه، يجد فسقاً غير معقول، فجور, وفسق، أقوياء، ومنظَّمون، ومسيطرون على العالم، ويتحكَّمون في الشعوب، ويستهلكون أربعة أخماس ثروات العالم لأنفسهم، وتشعر أن الأموال كلها عندهم، والغنى كله عندهم، يختلُّ توازنه الواحد، يقرأ القرآن:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)﴾
توازن، لما شاهد المشاهدة اختلَّ توازنُه، قرأ الآية استعاد توازنَه.
تجد الواحد يظلم الناس مثلاً، لا يوجد من يحاسبه، تقرأ الآية:
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)﴾
استعاد توازنه، يكون شاباً فقيراً, ليس عنده شيء؛ لا بيت, ولا حائط، ولا شهادة، من يزوَّجه؟ ومن يعطيه؟ يقرأ الآية:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾
وعدٌ إلهي.
أيها الإخوة, لا توجد مشكلة فكرية, أو نفسية, أو اجتماعية, تغامر قلبك، إذا تلوت كتاب الله, ترى حلاًّ لها، أبداً، يقول لك: إنسان حجمه المالي ألف مليون.
مرة عزَّيت شخصاً، إنسان متوفى أهله عزَّيته، في الرجوع, قال لي: ترك أربعة آلاف مليون، عمره خمس وخمسون سنة, تقرأ الآية:
﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً
تتوازن، الحياة فيها مشكلات، وفيها صدمات، كلما قرأت كلام الله استعدتَ توازنك، فإذا أنت قرأت كلام الله, فأنت دائماً متوازن، وليس عندك مشكلة، وقيمك كلها قيم دينية, موازينك كلها صحيحة، زين الشخص في دينه، وعلمه, واستقامته, وليس في ماله وقوته.
الخلاصة:
أيها الإخوة؛ أرجو الله أن يُترجم هذا الدرس إلى واقع، أي إذا اقتطع أخ من وقته ساعة في الأسبوع، وقعد مع أخوان يحبُّهم، كل واحد يصطفي أخوين يحبهم، تآخيا اثنينِ اثنين، جامع فيه آلاف مؤلَّفة، اختر منه ثلاثة أربعة، لك جلسة خاصة معهم، فيها ودٌّ، وفيها تعاون، وفيها تفقُّد، تعاونهم ويعاونوك، وتنصحهم وينصحوك، وتعينهم ويعينوك، تأخذ بيدهم ويأخذون بيدك، تتفقَّدهم ويتفقدونك، لا سمح الله غبت في درس سألوا عنك، إذا مرضت يعودونك، عندهم مشكلة نحلها.
فالإنسان لا يعيش وحده، تآخيا اثنينِ اثنين، ثلاثةٍ ثلاثة أحسن، وخمسةٍ خمسة أحسن، ولكن لا بدَّ للحديث أن يُترجم لواقع، بحسب القرابة, أو بحسب الزمالة في العمل، أو بحسب السكن، أربعة خمسة في جلسة, في الجمعة ساعة، كأس شاي من دون تعقيدات، قرأ كل واحد صفحة قرآن، ضبط لسانه، وإذا يوجد أخ يجوِّد يعاونه، هنا فيه إدغام، وهنا فيه مدٌّ، إلى آخره ، بعد ذلك نراجع درس الجمعة، نتفقد بعضنا ونمشي، نكون قد طبَّقنا الحديث،
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي, وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي, فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي, وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي ملأ ذَكَرْتُهُ فِي ملأ خَيْرٍ مِنْهُ, وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا, وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا, وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ))
إذا الواحد همُّه أن يمدح الله عز وجل بين الناس، تجد الله عز وجل أين اجتمع الناسُ يمدحونه, همُّه أن يمدح الله، ويعرِّف الناسَ بالله، واللهُ مكافأة له: يلقي محبَّته في قلوب الناس, أينما ذهب يُرحَّب به، على عكس الإنسان إذا كانت له معصية، يلقي اللهُ بغضَه في قلوب الخلق، ولا يحبُّه أحدٌ.
الحديث ثمين جداً, سكينة, على رحمة, على إلهام ملائكي، على أن يذكرك الله فيمن عنده، وتلوت كتاب الله, وتدارسته فيما بينك وبينه.
والحمد لله رب العالمين