- محاضرات خارجية / ٠01دروس صباحية - جامع التقوى
- /
- دروس صباحية جامع التقوى - الجزء أول
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
جمال الرجل بفصاحته :
أيها الأخوة الكرام قيل: إن من البيان لسحراً وإن من الشعر لحكمة.
دخل وفد حجازي على عبد الملك بن مروان، يتقدمهم غلام صغير، فانزعج الخليفة وقال: أيها الغلام اجلس، وليقم من هو أكبر منك سناً- عشر سنوات وفد طويل عريض - فقال الغلام: أصلح الله الأمير المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا وهب الله العبد لساناً لافظاً وقلباً حافظاً فقد استحق الكلام، لو أن الأمر كما تقول لكان هناك من هو أحق منك بهذا المجلس، لقد أصابتنا سنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة دقت العظم، وفي بيوت أموالكم فضل أموال، فإن كانت لله فنحن عباده، وإن كانت لكم فتصدقوا علينا، وإن كانت لنا فلم تحبسونها علينا؟ فقال الخليفة: والله ما ترك لنا هذا الغلام كلاماً.
لذلك جمال الرجل بفصاحته، مرة سيدنا عمر يمشي في الطريق رأى أطفالاً، فلما رأوه تفرقوا إلا واحداً منهم بقي في مكانه لم يفر، قال: أيها الغلام لمَ لم تهرب مع من هرب؟ قال: أيها الأمير لست ظالماً فأخشى ظلمك، ولست مذنباً فأخشى عقابك، والطريق يسعني ويسعك.
لذلك أحياناً يوجد بالشعر حكم كبيرة جداً يقول بعض الشعراء:
لله فـــــــــــــــي الآفاق آيات لعـــــــــــــــــــــلّ أقلها هو مــــــــــــا إليــــــــــه هداكا؟
ولعل ما في النفس من آياته عجبٌ عجابٌ لــــــــــــو ترى عيناكـــــــــــــــا؟
والكون مشحون بأسرار إذا حاولت تفسيــــــــــــــــــــــــراً لهـــــــــــــــا أعياكــا؟
قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبــــــــــــــــــــه أرداكـــــــــــــــــا؟
قل للمريض نجا وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكـــــــــــــــــا؟
قل للصحيح يموت لا من علة من بالمنايا يا صحيــــــــح دهاكــــــــــــــــا؟
قل للبصير وكان يحذر حفرةً فهوى بها من ذا الذي أهـــــــــواكـــــــــــــــــا؟
بل سائل الأعمى خطا بين الزحـ ام بلا اصطدام من يقود خطاكـــــــــــا؟
قل للجنين يعيش معزولاً بلا راعٍ ومرعــــــــــــــــى مــــــــــا الذي يرعـــــــاكا؟
قل للوليد بكى وأجهش بالبكا لدى الولادة مـــــــــــــا الــــــــــــــذي أبكاكـــــا؟
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فاسأله من ذا با لسمـــــــــــــــــوم حشاكــــــا؟
واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا الســــــــــــم يمـــــــــــــلأُ فاكـــــا؟
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهدا ً وقل للشهد مـــــــــــن حلّاكـــــا؟
بل سائل اللبن المصفى كان بين دمٍ وفرثٍ من الذي صفّاكـــــــــــــــــــــــا؟
وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا ميت فاسأله من يا حي قد أحياكـــــا؟
قل للنبات يجف بعد تعهدٍ ورعايـــــــــــــــــةٍ مــــــــــــن بالجفــــــــــــافِ رماكا؟
وإذا رأيت النبت في الصحراء يربو وحد فاسأله مـــــــــــــــــــن أرباكــــــــــا؟
وإذا رأيت البدر يسري ناشراً أنواره فاسألــــــــــــــــــــــــــه مـــــــــــــن أسراكـــا؟
واسأل شعاع الشمس يدنو وهي أبعد كل شيء ما الذي أدناكـــــــــــــا؟
قل للمرير من الثمار من الذي بالمر من دون الثمـــــار غذاكـــــــــــــــا؟
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى فاسأله من يا نخل شــــــــق نواكــــــــــا؟
***
إنّ من الشعر لحكمة :
بالمناسبة يوجد ثلاث كلمات ترد في القرآن والسنة، الفتيل والقطمير والنقير، نواة التمرة لها طرفان، أحد أطرافها كالإبرة تماماً هذا النقير، والنواة لها فلقتان، بين الفلقتين خيط هذا الخيط يسمى الفتيل، وبين النواة والتمرة غشاء رقيق، هذا الغشاء اسمه القطمير، صار عندنا فتيل وقطمير ونقير ، قال تعالى:
﴿ وَلا تُظلَمونَ فَتيلًا﴾
وإذا رأيت النــــــار شـــــبّ لهيبها فاسأل لهيب النار مـــــــن أوراكـــــــــا؟
وإذا ترى الجبل الأشم مناطحاً قمم السحاب فسله من الذي أرساكا؟
***
موضوع النار.. عندي مقطع فيديو عن نار عظيمة تشتعل في أعماق البحر وتأتي الآية وتقول:
﴿ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ﴾
بأعماق البحار نار عظيمة :
وإذا ترى صخراً تفجر في المياه فسله من بالماء شق صفاكـــــــا؟
وإذا رأيت النهر العذب الزلال جرى فسله مــــــن الذي أجراكـــــــــــــا؟
وإذا رأيت البحر بالملح الأجاج طغى فسله من الذي أطغاكــــــــــا؟
وإذا رأيت الليل يغشى داجياً فاسأله من يا ليل حـــــــــاك دجاكـــــا؟
وإذا رأيت الصبح يسفر ضاحيا فسله من يا صبح صاغ ضحاك؟
ستجيب مافي الكون من آياته عجب عجاب لو ترى عيناكــــــــــا؟
ربي لك الحمد العظيم لذاته حمداً وليــــــــــــس لواحـــــــــد إلاكــــــــــا؟
يا مدرك الأبصار والأبصار لا تدري لـــــــــــــه ولكنه إدراكـــــــــــــــــــــا؟
إن لم تكن عيني تراك فإنني في كل شيء أستبيــــن علاكـــــــــــــا؟
يا مجري الأنهار عاذبة الندى ما خاب يوماً من دعا ورجــــــــاكــــــا؟
يا أيها الإنسان مهلا من الذي بالله جل جلالــــــــــــه أغراكــــــــــــــــــــا؟
***
إن من الشعر لحكمة.
قصيدة ثانية:
سل الواحة الخضراء والماء جاريــــــــاً وهذه الصحارى والجبال الرواســــــيـــــــا
سل الروض مزداناً سل الزهر والندى سل الليل والإصباح والطيــــــــــر شادياً
وسل هذه الأنسام والأرض والسمــــــا وسل كل شيء تسمع التوحيد سارياً
***
الشمس والبدر من أنوار حكمتــــــــــــه والبر والبحر فيــــــــــض مــــــــن عطاياه
الطيـــــــــــــر سبحــــــــــــه والزرع قدّسه والمـــــــــــوج كبره والحـــــــــــــــــــوت ناجاه
والنمل تحت الصخور الصّــــم مجده والنحل يهتــــــــــــــــــف حمداً في خـلاياه
رب السمـــــــــــــــــــــــــــــاء ورب الأرض قد خضعت إنس وجن وأملاك لعليــاه
الناس يعصونــــــــــــه جهراً فيسترهم العبد ينسى وربي ليس ينـــــــــــــــــــساه
***
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنــــــــــا فإنا منحنا بالرضا من أحبنــــــــــــــــــا
ولذ بحمانا واحتمِ بجنــابنـــــــــــــــــــا لنحميك مما فيه أشرار خلقنـــــــــــــــا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغـــــــــــل وأخلص لنا تلقى المسرة والهنـــــــــا
وسلم إلينا الأمر في كل ما يكــن فما القرب والإبعاد إلا بأمـــــــــــــرنــــا
فيا خجلي منه إذا هـو قال لـــــــي أيا عبدنــــــــا ما قــــــــــــــــرأت كتابنــــــا
أما تستحي منا ويكفيك ما جــرى أما تختشي من عتبنا يوم جمعنــــــا
أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً وتنظــــــــــــر ما به جـــــــــــاء وعدنـــــــا
فأحبابنا اختاروا المحبة مذهبـــــاً وما خالفوا في مذهب الحب شرعنــا
فـلو شاهدت عيناك من حسننـــا الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنــــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنــــــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـة لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعــى سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنــــــــــــــــا
فأيسر مافي الحب للصب قتلــــه وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنــــــــا
***
ضرورة الإحاطة بالدين من جميع أطرافه :
أخواننا الكرام؛ في الإسلام عقائد، وأفكار، ونصوص، وأدلة، وبراهين، وآيات، و أحاديث، وأقوال الصحابة، وأقوال التابعين، لكن هناك حباً بالإسلام، إذا افتقر المسلم إلى الحب افتقر إلى التجليات الإلهية، افتقر إلى نور يقذفه الله في قلبه، نصوص أصل في الدين، النص أصل، لكن النصوص وحدها معلومات، تحليلات، أفكار، أدلة، براهين، من دون بكاء أثناء الصلاة، من دون شعور بالقرب من الله، الدين يمل، وأنا كلامي دقيق، قال تعالى:
﴿ وَإِنَّها لَكَبيرَةٌ إِلّا عَلَى الخاشِعينَ﴾
العبادات صعبة، يقدم إلى البيت الساعة الواحدة تريد أن تصلي العشاء أربع ركع، العبادات من دون خشوع صعبة:
﴿ وَإِنَّها لَكَبيرَةٌ إِلّا عَلَى الخاشِعينَ﴾
فالإنسان كلما استقام وأقبل على الوحي بالبيان أصبحت العبادات مجالاً للسعادة، لذلك قالوا كلاماً دقيقاً: "عادات المؤمن عبادات وعبادات المنافق سيئات"، عاداته أي أخذ أهله يوم العطلة نزهة، هذه عبادة عند الله، متن علاقته بأولاده، أدخل على أولاده الفرح والسرور، اشترى طعاماً طيباً لأهله، اشترى ثوباً جديداً ستره، عادات المؤمن عبادات، وعبادات المنافق سيئات، فأنت حينما تؤمن الإيمان تماماً كالتيار الكهربائي، عندك ثلاجة وغسالة ومكيف وميكرويف ومروحة، عندك ثلاثون آلة كهربائية كلها تعمل بالكهرباء، وكلها تؤدي وظائف مهمة جداً في البيت، فإذا انقطعت الكهرباء أصبحت هذه الآلات قطعاً بلاستيكية لا عمل لها إطلاقًا.
فالبطولة أيها الأخوة أن نحيط بالدين من كل أطرافه، لا نكتف بأشياء في الدين، هناك أشياء لن تتم لك، الدين متكامل، أي كل هذه الأجهزة بالبيت إذا الخط الكهربائي كان مقطوعاً عشرة سنتمتر كله يقف، كله عبء، آخذ حجماً وله ثمن وهو غير مستهلك، وعندما تحكم خط التيار الكهربائي كل هذه الأدوات تعمل، فالزواج متعة للمؤمن، وغير المؤمن يقارن زوجته بامرأة أخرى، المؤمن يسعد بزوجته، النبي الكريم يقول: "الحمد لله الذي رزقني حب عائشة" الحب نعمة من الله، يحب أهله، يحب زوجته، لا يحب إنسانة أجنبية، لا يحب إنسانة لا تجوز له مثلاً، فأنت عندما تستقيم ترى بيتك جنة، بيت صغير، ستون متراً جنة، وخمسمئة متر جهنم من دون الصلة بالله، الدنيا لا تقدم لك سعادة مستمرة بل سعادة متناقصة، لم يسمح الله للدنيا بأن تقدم سعادة مستمرة ، الذي لم يكن عنده سيارة واشترى سيارة بعد أسبوعين تصبح عادية جداً، انتقل إلى بيت فخم بعد أسبوع يصبح عادياً جداً.
اللذة و السعادة :
ما سمح الله للدنيا أن تمدك بسعادة مستمرة، والأصح أن نقول: هناك لذة وهناك سعادة، هناك لذة طابعها حسي مادي تحتاج إلى أشياء ثلاثة، تحتاج إلى وقت، وإلى صحة، وإلى مال، ولحكم بالغة بالغة دائما ينقصك واحدة.
بالبدايات الصحة تطحن الصخر، الصحة موجودة والوقت موجود لكن لا يوجد مال في البدايات، أسست عملاً تجارياً، معملاً صغيراً صار عندك مال و صحة لكن لا يوجد وقت، كل يوم دوام، عندك عمال، قال لي شخص عنده معمل: والله ثلاثون سنة أكون بالمعمل الساعة الخامسة وأخرج آخر شخص، ماذا رأى من الدنيا؟ هذه الحالة الثانية، تحتاج إلى وقت ومال وصحة، بالبدايات يوجد صحة ووقت لكن لا يوجد مال، بمنتصف الحياة يوجد مال وصحة لكن لا يوجد وقت، كبر وسلم أولاده المعمل أصبح لديه وقت وعنده مال لكن لا يوجد صحة، هكذا ترتيب الله عز وجل.
الدنيا لا تصفو لأحد، إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح برخاء، ولم يحزن بشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي.