- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر .
وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر . اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين . اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
التّقابل و التّطابق في القرآن الكريم :
أيها الأخوة الكرام ؛ آيات كثيرة فيها معنى التقابل ، والتقابل شيء والتطابق شيء آخر ، التقابل أن تقول : الخير والشر ، والحق والباطل ، والصلاح والطلاح ، أما التوافق فشيء آخر ، وربنا سبحانه وتعالى يذكر من هذه الآيات التي فيها معنى التقابل ، وقد يفيد التقابل التناقض .
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾
كل هذه الآيات تفيد معنى التقابل ، ومن معاني التقابل التناقض ، ففرق كبير بين المؤمن وبين الفاسق ، فرق كبير بين المسلم وغير المسلم ، وبين من يجترح السيئات وبين من يعمل الصالحات ، بين من وعده الله وعداً في الجنة ونعيمها ومن متعه الله في الدنيا متاعاً عاجلاً ثم هو يوم القيامة من المحضرين . . هذه الآيات كلكم يسمعها كثيراً ، ومن هذه الآيات أيضاً قوله تعالى :
﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾
يقتضي السياق أن تكون الآية : أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن لا يعلم . . قال تعالى :
﴿ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى ﴾
فهذا الذي يعلم أنما أنزل إليه من ربه الحق ، من هو في نص هذه الآية ؟ هو البصير ! . . وكلكم يعلم علم اليقين أنه لا يستوي الأعمى والبصير . .
﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾
فهذا الذي يقرأ كتاب الله ، ويعلم أنه كلام الله ، ويعلم أنه حق من عند الله ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، هذا القرآن هو منهج الإنسان إلى طريق سعادته ، هذا القرآن الذي يهدي للذي هو أقوم ، هذا الذي يحل حلاله ، ويحرم حرامه ، ويصدق وعده ووعيده، ويأتمر بأمره وينتهي عما عنه نهى ، هذا هو البصير ولو كان أعمى العينين . وهذا الذي لا يعرف قيمة هذا الكتاب ، ولا خطورته في حياته ، ولا أنه طريق سعادته ، هذا هو الأعمى ، ولو كان نظره حاداً . .
الآيات التي تصف أهل الإيمان آيات خطيرة جداً :
أيها الأخوة الكرام :
﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾
هذه الكلمة وردت في القرآن كثيراً ، أي أصحاب العقول .. من هم أولو الألباب ؟
﴿الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ ﴾
أولى صفاتهم .
﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ﴾
﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ﴾
أيها الأخوة الكرام ؛ الآيات التي تصف أهل الإيمان آيات خطيرة جداً ، لماذا؟ . . لأنها مقياس دقيق تقيس بها نفسك ، ولأنها هدف واضح أمامك ، قس بها إيمانك ، فإن كنت كما تريد فهذه نعمة من الله عظمى ، وإن لم تكن كوصف هذه الآيات فهي دليلك إلى هذه المرتبة .
البشر في القرآن الكريم لا يزيدون عن رجلين :
أيها الأخوة الكرام ؛ محور هذه الخطبة وقفة متأنية عند قوله تعالى :
﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ﴾
هذه الآية فيها بمصطلحات علماء البلاغة إيجاز غني ، لم يقل يصلون شيئاً معيناً ، قال :
﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ﴾
وهذه (ما) تفيد الشمول . كل شيء أمر الله به أن يوصل يصلونه . . ما هو الشيء الذي في مقدمة هذه الأشياء وينبغي أن يكون موصولاً بالله عز وجل ؟ . . إنه قلبك الذي بين جنبيك . .
أيها الأخوة الكرام ؛ القلب البشري ينبغي أن يتصل بالله ، ويمكن أن نقول : إن البشر على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وأجناسهم ، وألوانهم ، ومستوياتهم ، وثقافاتهم ، وأصولهم، وانتماءاتهم ، لا يزيدون عن رجلين ، رجل موصول قلبه بالله ففيه الخير كله ، فيه الكمال كله ، فيه الرحمة كلها ، فيه العدل كله ، فيه الإنصاف كله ، فيه الرأفة ، فيه الحلم ، وفيه الإحسان ، ورجل مقطوع قلبه عن الله ، فيه القسوة ، فيه الجحود ، فيه الفظاظة ، فيه الإساءة ، لا يزيد البشر عن رجلين ، موصول ومقطوع ، منضبط ومتفلت ، محسن ومسيء ، سعيد وشقي . . ولن تجد في الحياة الدنيا صنفاً ثالثاً . .
﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ﴾
هذا القلب ينبغي أن يتصل بالله ، ولكن كيف ؟ . . ما الطريق ؟ . . على أي طريق ينبغي أن يسلك ؟ . .
الطرائق إلى الله و التي يمكن للقلب أن يسلكها هي :
1 ـ التوحيد :
أيها الأخوة الكرام ؛ الطريق الأول إلى الله الذي يمكن أن يسلكه القلب طريق التوحيد ، فما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، إنك إن أيقنت أن كل ما في الكون بيد إله واحد، سميع مجيب ، قريب ، يعلم السر وأخفى ، لا يعجزه شيء في السموات ولا في الأرض ، بكل شيء عليم ، على كل شيء قدير ، هو الأول والآخر ، والظاهر والباطن ، هو الرافع والخافض ، هو المعز والمذل ، هو المعطي والمانع ، هو القابض والباسط . . إذا أيقنت أن لهذا الكون خالقاً واحداً ، ورباً واحداً ، وإلهاً واحداً ، إليه يُرجع الأمر كله ، تجد نفسك وأنت لا تدري تتجه إليه . أما إذا رأيت جهات أخرى بيدها أمرك ، وبيدها رزقك ، وبيدها رفعتك ، وبيدها شقاؤك ، بحكم فطرتك لابد من أن تتجه إلى هذه الجهات الأخرى ، فإذا اتجهت إليها أشركت ، وحبط عملك ، وشقيت في الدنيا والآخرة . قال تعالى :
﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
كيف يسلك القلب إلى الله وهو متلبس بالشرك ؟ كيف ؟ . . كيف يسلك القلب سبيلاً إلى الله وهو يرى أن زيداً أو عبيداً ، وفلاناً وعلاناً بيده الأمر ؟ . . إن لم تر أن الأمر بيد الله وحده ، وأن كل شيء في حياتك من أصغر شيء إلى أكبر شيء بيد هذا الإله الواحد، الذي هو يعلم من نفسك ما لا تعلم أنت منها . أقرب إليك من حبل الوريد ، يعلم ما توسوس به نفسك ، التوحيد هو المسلك الأول إلى الله ، فأي قلب أشرك بالله عز وجل كأن الطريق إلى الله صار مسدوداً . .
﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ﴾
يصلون قلبهم بالله بعد أن أيقنوا أنه لا إله إلا الله ، ولا معبود بحق إلا الله ، ولا رافع ولا خافض إلى الله ، ولا معطي ولا مانع إلا الله . . ما من أحد في العالم إلا قلة قليلة تحتاج إلى مصحات نفسية ، ما من أحد إلا ويؤمن أن لهذا الكون خالقاً ، لكن العبرة من الإيمان أن تؤمن بأن لهذا الكون إلهاً . . لهذا الكون خالقاً ، هذا شيء لا يختلف فيه اثنان ، أما الله جل جلاله فهو الفعال ، هو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ، إليه يُرجع الأمر كله . . هذا هو الخط الأول الذي ينبغي أن تصل من خلاله إلى الله عز وجل .
2 ـ التوجه إلى الله وحده :
وأما الخط الثاني فالخط الثاني من لوازم الخط الأول ، إذا أيقنت أنه لا إله إلا الله ، فبحكم فطرتك ، فبحكم حبك لذاتك ، ولوجودك ، ولسلامة وجودك ، ولكمال وجودك ، ولاستمرار وجودك ، ينبغي أن تتجه إليه وحده ، أن تفرده بالعبادة ، ألا تعبد معه إلهاً آخر ، ألا تطبق منهجاً آخر إلا منهج الله ، ألا تصغي إلى توجيه آخر ، ألا تقلد مذهباً آخر ، ألا تقتبس مبدأً آخر . إذا أيقنت أنه لا إله إلا الله ، ينبغي أن تتوجه إليه وحده . هذا هو الخط الثاني . .
أيها الأخوة الكرام ؛ كل أنواع العبادات . .
﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
صلاتك لله ، صيامك لله ، حجك لله ، دعاؤك لله ، قسمك بالله ، نذرك لله ، ولاؤك لله ، عداوتك لغير الله ، خشيتك من الله ، رجاؤك منعقد على الله عز وجل . هذا الخط الثاني الذي ينبغي أن تسلكه إلى الله ، وكأن بين الخطين تلازماً ، لمجرد أن توقن أنه لا إله إلا الله تتجه إليه .
أيها الأخوة الكرام ؛ في حياتنا أنت بحاجة إلى موافقة على هذا الطلب ، والدائرة التي أنت فيها يوجد فيها ألف موظف ، إذا أيقنت أن في هذه الدائرة إنساناً واحداً يملك حق التوقيع بالموافقة لا تتجه إلى غيره ، ولا تبذل ماء وجهك إلى سواه ، ولا تتذلل أمام غيره ، ولا تعطي غيره شيئاً . . إذا أيقنت وأنت في الدنيا ، وأنت في متابعة معاملة ، إذا أيقنت أن حق التوقيع بالموافقة بيد زيد ليس غير ، لا يمكن أن ترجو إنساناً آخر ، ولا أن تتضعضع أمام إنسان آخر ، ولا أن تبذل ماء وجهك أمام إنسان آخر ، ولا أن تتمسكن أمام إنسان آخر . . من لوازم التوحيد العزة . . الله جل جلاله يقول :
﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾
من لوازم التوحيد عدم النفاق ، من لوازم التوحيد الشجاعة ، شيئان اختص الله بهما ، وليسا لأحد سواه ، رزقك وحياتك ، حياتك بيد الله ورزقك بيد الله ، وكلمة الحق لا تقطع رزقاً ولا تقرب أجلاً .
3 ـ الاحتكام إلى شريعة الله :
أيها الأخوة الكرام ؛ أما الخط الثالث فمن أجل أن يسلك هذا القلب طريقه إلى الله، من أجل أن يتصل بالله ، من أجل أن تصل قلبك الذي أمرك الله أن توصله به ، ينبغي أن تحتكم إلى شريعة الله . .
﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾
لابد من أن توقن ، مثل يوضح الحقيقة : عندك جهاز بالغ التعقيد ، حاسوب ، ولك ابن لا تزيد سنه عن عشر سنوات ، ولهذا الحاسوب تعليمات دقيقة من مصنعه ، فلو جاءك توجيه من ابنك أن افعل به كذا ، وتوجيه من الصانع ، قبل أن تصغي إلى مضمون التوجيه ، قبل أن تحكم عقلك في المضمون ، ألست موقناً يقيناً قطعياً أن الصانع ينبغي أن يُستجاب له ؟ تعليمات الصانع لا تُناقش ، لأنه أخبر شيء بهذه الآلة ، هو العليم الخبير . الله سبحانه وتعالى ماذا يقول ؟
﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾
الله جلّ جلاله هو الخبير :
﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾
أيها الأخوة الكرام ؛ هناك يقين قطعي ، قبل أن تنظر في مضمون الأمر ، هناك توجيه الخالق ، وهناك هوى المخلوق ، فهل يُعقل أن تستجيب لنزوة مخلوق ؟ أو لغريزة مخلوق؟ أو لشهوة مخلوق ؟ أو لوهم مخلوق وتدع توجيه الخالق ؟ فلذلك أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً . . قبل أن تنظر في المضمون ، هذا كلام خالق الكون ، وهذا كلام إنسان ضعيف ، قد يكون منحرفاً ، قد يكون قاصراً في علمه ، قاصراً في إدراكه ، فالخط الثالث أن تعتقد يقيناً كاعتقادك بوجودك أن توجيه الله ، وشرعه ، وقانونه ، ودستوره هو الأصلح للبشر ، ولا يمكن أن ترى في المجتمعات البشرية مشكلة عويصة ، مأساة كبيرة ، إلا بسبب خروج عن منهج الله ، وهذا الخروج لا يُفسر إلاٍ بالجهل ، والجاهل ينال من نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يناله منه .
أيها الأخوة الكرام ؛ يكفي أن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾
الأمر لمن خلق ، التعليمات يجب أن نأخذها ممن خلق ، التوجيهات حلال ، حرام ، مباح ، مكروه ، فرض ، واجب ، يجب أن نأخذها ممن خلق . لقوله تعالى :
﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾
فإذا عشت في مجتمع لا يقيم وزناً لمنهج الله برئت منك ذمة الله ، لذلك ورد في الحديث الشريف أنه : "من أقام مع المشركين برئت منه ذمة الله " لأن هؤلاء لا يقيمون منهج الله، تعليمات الصانع لا وزن لها عندهم ، أهواؤهم وشهواتهم تتحكم بهم ، فلا بد من التوحيد ، ولا بد من توحيد الوجهة إلى الله عز وجل ، ولابد من أن تحتكم إلى شرع الله عز وجل .
4 ـ تأدية التكاليف :
والخط الرابع : أن تؤدي التكاليف ، ولو أنها ذات كلفة ، ما سُمي التكليف تكليفاً إلا لأنه ذو كلفة ، إذا أديت ما عليك من واجبات ومن حقوق ، عبدت الله كما يريد ، لا كما تريد أنت ، يجب أن تعبده ، ويجب أن تعبده كما أمر ، لا كما تريد ، ويجب أن تحسن إلى خلقه ، ويجب أن تقف عند حدوده ، ويجب أن تحل ما أحلّ ، وأن تحرم ما حرم ، وأن تبادر لما دعاك إليه ، وأن تجتنب ما نهاك عنه ، إن فعلت ذلك فقد أديت التكاليف .
5 ـ التخلق بالأخلاق الإسلامية :
والخط الخامس الذي به تسلك إلى الله عز وجل أن تتخلق بالأخلاق الإسلامية ، ولا تنس أن الإسلام في أصله مجموعة قيم أخلاقية . .
كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونسيء الجوار ، ونقطع الرحم ، حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف صدقه ، وعفافه ، فدعانا إلى الله لنعبده، ونوحده ، ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة، وصلة الرحم ، والكف عن المحارم والدماء . هكذا فهم حقيقة الإسلام سيدنا جعفر رضي الله عنه . .
جوهر الدين الاتصال بالله و توحيده :
أيها الأخوة الكرام ؛
﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ﴾
جوهر الدين الاتصال بالله ، وأساس الاتصال أن توحده ، وأن تفرده بالعبادة ، وأن تحتكم إلى منهجه ، وأن تؤدي ما عليك من تكاليف ، وأن تتخلق بأخلاق الإسلام ، إن فعلت هذه الأشياء الخمسة وجدت قلبك موصولاً إلى الله ، فإذا اتصلت بالله قطفت كل ثمار الدين ، وكل ثمار الإسلام ، وشعرت بسعادة لا تُوصف ؛ لأنك طبقت منهج الله عز وجل . أما أن ترفع يديك إلى الصلاة ، ومطعمك حرام ، ومشربك حرام ، وملبسك حرام ، فأنى تنعقد هذه الصلة ؟ أما أن تعيش حياتك وفق ما تهوى ، على مناهج أهل الكفر ، وعلى مناهج أهل البعد ، ثم تتوجه لتصلي ، هذه الصلاة أيها الأخوة يجب أن تستمر عليها ، ولكن لا تنعقد ، ولا تكون كما أراد الله عز وجل أن تكون إلا حينما تسلك هذه الطرق الخمسة إلى الله عز وجل .
التدبر بآيات التقابل في القرآن الكريم :
أيها الأخوة الكرام :
﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ﴾
حبذا كلما قرأت آية فيها تقابل ، عندما ينزل الله عز وجل على النبي آية فيها تقابل أي أن البون شاسع جداً إلى درجة التناقض .
﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
أكره رائحة على الأرض من دون استثناء رائحة اللحم المتفسخ ، وأطيب طعامٍ طعامُ اللحم ، وهو لحم . . مرة يغدو أبعد شيء عن نفس الإنسان و مرة يغدو أشهى شيء إليه وهو واحد في أصله . فالإنسان إن اتصل بالله عز وجل ملك يمشي على وجه الأرض ؛ رحمة ، وعلم ، وحكمة ، ورأفة ، وحلم ، وإنصاف . . أما إذا انقطع عن الله عز وجل فهو كاللحم المتفسخ ، كل حركاته وسكناته تؤذي ، لذلك إذا مات العبد المؤمن استراح من عناء الدنيا ، بينما إذا مات العبد الفاجر استراح الناس منه .
﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ﴾
معنى ذلك أن المؤمن تبكي عليه السماء والأرض ، وليس بين هذين التقسيمين تقسيم ثالث . . مؤمن موحد ، موصول ، منضبط ، محسن ، سعيد في الدنيا والآخرة . كافر ، أو مشرك ، مقطوع ، متفلت ، مسيء ، شقي في الدنيا والآخرة . .
أيها الأخوة الكرام ؛ حبذا لو نقرأ القرآن الكريم مع التدبر . . هذه الآيات :
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾
﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾
أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا ، الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني ..
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
منهج التلقي في حياة الإنسان :
أيها الأخوة الكرام ؛ ينبغي للمؤمن أن يتعرف إلى منهج التلقي في الإسلام ، ماذا يقبل وماذا يرفض ؟ قد تجد إنساناً في عقله متناقضات ، نصوص متضاربة ، وجهات نظر متعاكسة ، مزق ونتف من هنا وهنا ، لكن المؤمن الصادق عنده منهج التلقي ، لا يقبل إلا بالدليل ، ولا يرفض إلا بالدليل ، وأية مقولة تُعرض عليه يقيسها بالكتاب والسنة ، هذا منهج البحث ، أو منهج التلقي مهم جداً في حياة الإنسان . لا أريد أن أستفيض في موضوع أصولي ولكن أضع بين أيديكم مثلاً : لو قرأت أن أحدهم مهما عظم اسمه يقول : المرأة شر كلها ، وشر ما فيها أنه لابد منها . فهل تقبل هذه المقولة أم تقيسها بالكتاب والسنة ؟ . .
هذا الذي ليس عنده منهج تلقي ، ولا منهج بحث في الدين ، يقبل كل شيء ، أو يرفض كل شيء ، هذا إنسان غير سوي . . من لوازم طلب العلم أن تمتلك منهجاً لتلقي العلم ، ومنهجاً للبحث في موضوع ما .
فيا أيها الأخوة الأكارم ؛ من ملامح منهج التلقي ، أو منهج البحث في الإسلام أن في حياة المسلم نصوصاً ثلاثة ، النص الأول هو كلام الله ، كلام الله قطعي الثبوت ، منه ما هو قطعي الدلالة ، ومنه ما هو ظني الدلالة ، لا يُسمح لك مع كلام الله إلا أن تجتهد في فهمه كما أراد الله ، وفق علم الأصول وقواعد التفسير ، لأنه قطعي الثبوت ، أما حديث رسول الله فهو النص الثاني في حياة المسلم . الحديث النبوي الشريف قطعي الثبوت ، وظني الثبوت ، بعضه قطعي الثبوت كالمتواتر والصحيح ، وبعضه ظني الثبوت كالضعيف والحسن . لذلك أنت حينما تقرأ حديثاً نبوياً ، أو حين ينقل إليك حديث نبوي ، ينبغي بادئ ذي بدء أن تتحقق من صحته ، فهناك أحاديث ما قالها النبي عليه الصلاة والسلام ، وهي سبب فرقة المسلمين . الشيء الثاني : عليك أن تفهم هذا الحديث كما أراد النبي عليه الصلاة والسلام ، لا على هواك، كما فهمه الفقهاء الكبار المجتهدون ، الأئمة الأعلام . وأما النص الثالث الذي في حياة المسلم فهذا النص الثالث نص أي إنسان وهو غير كلام الله وكلام رسوله ، لأن الله كلامه حق والنبي معصوم ، وما سوى ذلك كل إنسان يُؤخذ منه ويُرد عليه . فالنص الثالث : أنت مكلف أن تتحقق من صحة نسبته إلى صاحبه ، وأن تتحقق من مدلوله الذي أراده صاحبه ، وأن تقيسه بالكتاب والسنة ، فإن وافقه فعلى العين والرأس ، وإن خالفه لا تعبأ به ، ولا تقم له وزناً . هذا منهج التلقي ، وهذا منهج البحث في الإسلام . .
قياس كل مقولة وفق الكتاب و السنة لقبولها أو رفضها :
الآن أضع بين أيديكم هذه المقولة : المرأة شر كلها ، وشر ما فيها أنه لابد منها . مع قوله تعالى :
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً﴾
ما قال الله عز وجل إنها شر كلها .
﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾
هذا كلام الله عز وجل :
﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾
﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
هذا كلام الله . . والنبي عليه الصلاة والسلام :
(( إنما النساء شقائق الرجال ))
ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( الدنيا كلها متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ؛ التي إذا نظرت إليها سرتك ، وإذا أمرتها أطاعتك ، وإذا أقسمت عليها أبرتك ، وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها))
(( ومن سعادة ابن آدم ثلاثة ، الزوجة الصالحة ، والمركب الصالح ، والمسكن الواسع ))
والنبي عليه الصلاة والسلام وصف البنات بأنهن المؤنسات الغاليات .
فقال :
((لا تكرهوا البنات ، فإنهن المؤنسات الغاليات ))
جاءته فاطمة ، فقال :
((ريحانة أشمها وعلى الله رزقها ))
هذه سنة النبي ، فأي مقولة تعرض عليك ينبغي أن تقيسها بالكتاب والسنة ، لا تقبل كل شيء ، ولا ترفض كل شيء ، معك منهج ، المنهج كلام الله ، وما صح من كلام النبي ، فإذا رأيت مقولة تتنافى مع كلام الله يجب أن ترفضها ، وألا تقبلها .
اتق شر من أحسنت إليه ، ماذا قال النبي ؟ قال :
(( اصنع المعروف إلى من هو أهله ، وإلى غير أهله ، فإن أصبت أهله أصبت أهله ، وإن لم تصب أهله كنت أنت أهله ))
هذا توجيه النبي عليه الصلاة والسلام . أي يجب ألا تقبل شيئاً إلا وفق الكتاب والسنة ، وألا ترفض شيئاً إذا كان موافقاً للكتاب والسنة . هذا منهج المسلم في التلقي ، ومنهج التلقي قبل طلب العلم ، قبل أن تطلب العلم تأكد ، هل تملك منهجاً صحيحاً للتلقي ؟ هل تقبل وفق الدليل ؟ ما معنى قوله تعالى :
﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
ما معنى البصيرة هنا ؟ أن تملك الدليل والتعليل . يقول عليه الصلاة والسلام :
(( من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه ، فليتق الله في الشطر الباقي ))
ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( أربع من أصابهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة ..... وزوجة صالحة لا تبغيه حوباً في نفسها وماله ))
وحين وردت الآية الكريمة :
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
سئل أحد العلماء الكبار ما حسنة الدنيا ؟ قال : المرأة الصالحة . .
أيها الأخوة الكرام ؛ إن فطرة المرأة ليست مناقضة ولا مخالفة لفطرة الرجل ، فكما أن الرجل يصبح خيراً وشريراً كذلك المرأة ، لذلك فطرة المرأة والرجل على حدّ سواء تقبل الخير والشر ، وهذا هو الاختيار .
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾
ناقش هذا القول مناقشة أخرى ، إذا خلق الله المرأة شر كلها ، وجعلنا مضطرين إليها ، فكأن الله عز وجل ألجأنا إلى الشر ، وهذا يستحيل على ذات الله عز وجل .
التحذير من الافتتان بالمرأة لا يعني أنها شر و لكن انحراف الإنسان يوقعه في الشر :
أيها الأخوة الكرام ؛ يقول الله عز وجل :
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
الإنسان إذا تراءى له لقصور في فهمه أن هذا الشيء شر هو في الحقيقة شر نسبي ، أي شر بالنسبة إليه ، وشر جزئي ، وهذا الشر على حسب ادعائه مغمور في خير كبير، وهو نعمة باطنة ، وهو معنى قوله تعالى :
﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
وهو كالمكبح في السيارة يتناقض مع سرّ صنعها ، لكنه ضمان لسلامتها . . إن كان هناك ما يُوصف بأنه شر فهو كالمكبح في السيارة ضمان لسلامتها .
أيها الأخوة الكرام ؛ من مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم لربه :
((والشر ليس إليك . .))
لكن النبي عليه الصلاة والسلام ، حذرنا من فتنة النساء ، فقال عليه الصلاة والسلام :
(( ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرجال من النساء ...))
هذا التحذير من الافتتان بالمرأة لا يعني أنها شر كلها ، ولكن لشدة الحاجة إليها، ولأن الفطرة معقودة على الاقتران بها ، فإذا انحرف الإنسان عن منهج الله في طلب هذه الحاجة فقد وقع في الشر . .
أيها الأخوة الكرام ؛ المرأة المسلمة بنت مهذبة ، وزوجة صالحة ، وأم فاضلة ، وليست شيطانة تغوي ، وتدعو إلى المعصية وتردي . . هذا الدور أراده أهل الكفر والعصيان والفجور ، أما الدور الذي أراده الله للمرأة فأن تكون بنتاً مهذبة ، وزوجة صالحة ، وأماً فاضلة ..
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .