- الخطب
- /
- ٠2خطب الأعياد
الخطبة الأولى:
الله اكبر الله اكبر الله اكبر الله اكبر الله اكبر الله اكبر الله اكبر الله اكبر الله اكبر.....
الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيرا وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلاً
الحمد لله معزِّ الإسلام بنصره ، ومذلِّ الشرك بقهره ، ومصرِّف الأمور بأمره ، ومديم النعم بشكره ، الذي قدر الأيام دولاً بعدله ، وجعل العاقبة للمتقين بفضله ، وأظهر دينه على الدين كله ، القاهر فوق عباده فلا يمانَع ، والظاهر على خليقته فلا يُنازَع ، والآمر بما يشاء فلا يُراجَع ، والحاكم بما يريد فلا يُدافَع .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً .
اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آل محمد ، وعلى أصحابه الطيبين الطاهرين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، حيث رباهم تربيةً حملت أحدهم على أن يقول : والله لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً ، وحملت آخر على أن يقول : والله لو علمت أن غداً أجلي ما قدرت أن أزيد في عملي .
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات
أيها الإخوة الكرام في دنيا العروبة والإسلام
أعياد المسلمين ، تأتي عقب عبادات كبرى ، كالصيام والحج ، ومن معاني العيد أنه عودة إلى الله ، فإذا رجع العبد إلى الله نادى مناد في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ، والعبادة علة وجودنا في الأرض ، قال تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " والعبادة في أدق تعاريفها : " طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية " ففي هذا التعريف جانب معرفي ، وجانب سلوكي ، وجانب جمالي ، فالجانب السلوكي هو الأصل ، والجانب المعرفي هو السبب ، والجانب الجمالي هو الثمرة
والعبادات في الإسلام شعائرية وتعاملية
فالشعائرية كالصلاة والصيام والحج والزكاة ، وهي معللة بمصالح الخلق ، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وهي أساس الوازع الديني ، في حين أن التشريعات الأرضية تعتمد على الرادع الخارجي ، وفرق كبير بين الوازع والرادع ، أراد عبد الله بن عمر رضي الله عنها أن يمتحن راعياً فقال له بعني هذه الشاة ، وخذ ثمنها ، فقال ليست لي ، قال قل لصاحبها ماتت ، أو أكلها الذئب ، فقال الراعي والله إني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني ، فإني عنده صادق أمين ، ولكن أين الله ؟ هذا الراعي وضع يده على جوهر الدين ، فكفى بالمرء علماً أن يخشى الله ، وكفى به جهلاً أن يعصيه
والعبادات التعاملية هي الصدق والأمانة والعفة والعدل والإنصاف والرحمة وإنجاز الوعد ، والوفاء بالعهد والتعفف عن المال الحرام ... دخل سيدنا جعفر ابن أبي طالب على النجاشي ملك الحبشة ، فسأله عن الدين الذي جاء به نبي الإسلام فقال له : أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الرحم ، ونسيء الجوار ، حتى بعث الله فينا رجلاً ، نعرف صدقه ، وأمانته ، وعفافه ، ونسبه ، فدعانا إلى الله ، لنعبده ونوحده ، ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، يتضح من هذا التعريف أن الإيمان هو الخلق ، فمن زاد عليك في الخلق ، زاد عليك في الإيمان ، قال هذا ابن القيم رحمه الله
فالشريعة عدل كلها ، رحمة كلها ، مصلحة كلها ، حكمة كلها ، فكل قضية خرجت من العدل إلى الجور ، ومن الرحمة إلى القسوة ، ومن المصلحة إلى المفسدة ، ومن الحكمة إلى خلافها ، فليست من الشريعة ولو أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل
والحقيقة الخطيرة : أن العبادات الشعائرية ، ومنها الصلاة والصيام ، لا تقبل ولا تصح إلا إذا صحت العبادات التعاملية
سأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام : من المفلس ؟ قالوا من لا درهم ولا متاع ، فقال لا ... المفلس من أتى بصلاة وصيام وصدقة ، وقد أكل مال هذا ، وشتم هذا ، وضرب هذا ، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته ، فإذا فنيت حسناته ، طرحوا عليه سيئاتهم حتى يطرح في النار ، هذا في الصلاة
ومن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ، هذا في الصوم
ومن حج بمال حرام ، ووضع رجله في الركاب ، وقال لبيك اللهم لبيك ، فينادى أن لا لبيك ولا سعديك ، وحجك مردود عليك ، هذا في الحج
وقل أنفقوا طوعاً أو كرهاً لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوماً فاسقين هذا في الزكاة
هذه هي الحقائق المرة التي هي أفضل ألف مرة من الوهم المريح
ولكن ... ما السبب في ضعف العبادة التعاملية ، والجواب هو ضعف المعرفة بالآمر لأن أصل الدين معرفة الله ، فنحن إذا عرفنا الآمر ، ثم عرفنا الأمر ، تفانينا في طاعة الآمر ، أما إذا عرفنا الأمر ، ولم نعرف الآمر ، تفننا في التفلت من الأمر ، ومن طرق معرفة الآمر : التفكر في آياته الدالة على عظمته ، ومن هذه الآيات على سبيل المثال العين قال تعالى : ألم نجعل له عينين ... وحينما يعلم الإنسان أن العين آية دالة على عظمة الله ، فقرنيتها تتغذى عن طريق الحلول لاعن طريق الأوعية الشعرية ، وإلا كانت رؤية الإنسان من خلال شبكة الأوعية ، وفي أرقى آلات التصوير الرقمية الاحترافية يوجد عشرة ألاف مستقبل ضوئي في الميليمتر المربع بينما في العين التي هي من صنع الله يوجد مئة مليون مستقبل ضوئي ( عصيات ومخاريط ) في الميليمتر المربع من الشبكية ، لذلك تتمتع العين برؤية فائقة الدقة بحيث تميز بين ثمانية مليون لون ولو درج اللون الأخضر مثلاً ثمانمئة ألف درجة لفرقت العين السليمة بين درجتين ( صنع الله الذي أتقن كل شيء ) ولا تزال عملية المطابقة التي تقوم على ازدياد احديداب العدسة حتى يقع الخيال على الشبكية إعجازا في خلق العين ، يصعب شرحه من على المنبر
هذا الإله العظيم يعصى ، ألا يخطب وده ، ألا ترجى جنته ، ألا تتقى ناره
وإنما يخشى الله من عباده العلماء
وتدور العبادة مع الإنسان في كل مواقعه ، وفي كل أحواله ، وفي كل أوقاته ؛ فهناك عبادة الهوية ...
من أنت ...؟
إن كنت قوياً فعبادتك الأولى إحقاق الحق ، وإبطال الباطل ، وإنصاف الضعيف ، ونصرة المظلوم
وإن كنت غنياً فعبادتك الأولى إنفاق المال في وجوه الخير حبذا المال أصون به عرضي وأتقرب به إلى ربي
وإن كنت عالماً فعبادتك الأولى في قوله تعالى : الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله
وإن كنت امرأة فعبادتك الأولى حسن رعاية الزوج ليزيد عطاؤه في الحياة ، فوراء كل رجل عظيم امرأة ، ولما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة دعاه سادة قريش ليبيت عندهم ، وركز لواء النصر أمام قبرها ، ليعلم الناس جميعاً أن هذه المرأة التي في القبر شريكته في النصر ، لأنها كانت سنده من الداخل
وعبادتك الثانية : تربية الأولاد ليكونوا عناصر نظيفة ، منضبطة ، معطاءة ، تسهم في بناء المجتمع
هذا عن عبادة الهوية ...
فماذا عن عبادة العصر ...
إذا كان الطرف الآخر يريد إفقارنا ، فالعبادة الأولى استصلاح الأراضي ، وإقامة السدود ، واستخراج الثروات ، وتطوير الصناعات ، وتفجير الطاقات
وإذا كان الطرف الآخر يريد إضلالنا ، وتغيير هويتنا ، وطمس ثقافتنا ، فالعبادة الأولى ترسيخ معالم ديننا ، والحفاظ على مبادئنا ، وتعزيز قيمنا ، علماً بأن ثقافة كل أمة هي ملك البشرية جمعاء لأنها بمثابة عسل استخلص من زهرات مختلف الشعوب على مر الأجيال ، وهل يعقل إذا لدغتنا جماعة من النحل أن نقاطع العسل الذي استخلص من زهراتنا
وإذا كان الطرف الآخر يريد إفسادنا فعلينا أن نحصن شبابنا وشاباتنا ، فنأخذ ما في رؤوس العالم المتقدم من علم ومعرفة ، وندع ما في نفوسهم من تفلت وانحلال
أيها الإخوة حضوراً ومستمعين ومشاهدين
سأضع بين أيديكم لقطات وومضات من التاريخ الإسلامي المشرق يوم فهم الصحابة الكرام ، والتابعون الأعلام ، والعلماء الربانيون ، أن العبادة الشعائرية لا تصح إلا إذا صحت العبادة التعاملية ، فجعلهم الله قادة للأمم بعد أن كانوا رعاة للغنم
ولو فهم الصحابة الكرام الإسلام كما نفهمه نحن لما خرج من مكة المكرمة ، ولما وصل إلى الصين شرقاً ، وإلى مشارف باريس غرباً
عمر بن الخطاب ... كان إذا أراد إنفاذ أمر ، جمع أهله وخاصته ، وقال إني قد أمرت الناس بكذا ، ونهيتهم عن كذا ، والناس كالطير ، إن رأوكم وقعتم وقعوا ... وايم الله ... لا أوتين بواحد وقع في ما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني ... فصارت القرابة من عمر مصيبة
وقال لأحد الولاة : إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم ، ونستر عورتهم ونوفر لهم حرفتهم ، فإذا وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها ، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل ، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً ، التمست في المعصية أعمالاً ، فاشغلها بالطاعة ، قبل أن تشغلك بالمعصية ، ولا تغلق بابك دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم
ومرة كان يتفقد أحوال رعيته ليلاً وبصحبته عبد الرحمن بن عوف فرأى قافلة قد حطت رحالها في ظاهر المدينة ، فقال لصاحبه تعال نحرس هذه القافلة فسمع بكاء طفل فقال لأمه أرضعيه ، ثم بكى ثانية ، فقال لها ثانية أرضعيه ، قالت له وما شأنك بنا !!! إنني أفطمه ، قال ولم ؟ قالت : لأن عمر لا يعطينا العطاء إلا بعد الفطام ... تروي الروايات أنه بكى ، ووضع يديه على رأسه ، وقال ويحك يا بن الخطاب كم قتلت من أطفال المسلمين ، ثم أمر أن يعطى العطاء ( التعويض العائلي ) حين الولادة ، وفي صلاة الفجر ، بكى كثيراً ودعا وقال : يا رب هل قبلت توبتي فأهنئ نفسي ، أم رددتها فأعزيها
ومرة جاءه ملك الغساسنة جبلة ابن الأيهم مسلماً ، فرحب به عمر رضي الله عنه ، وفي أثناء طواف جبلة حول الكعبة داس بدوي من فزارة طرف ردائه ، فالتفت جبلة نحو البدوي وضربه ضربة هشمت أنفه ، فما كان من هذا البدوي إلا أن شكا جبلة إلى عمر ، فاستدعى عمر جبلة إلى مجلسه ، ودار بينهما حوار ، صاغه أحد الأدباء المعاصرين شعراً ؛ قال عمر لجبلة : أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟ قال جبلة : لست ممن يكتم شييا ، أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيديا ، قال عمر : أرض الفتى لابد من إرضائه ما زال ظفرك عالقاً بدمائه أو يهشمن الآن أنفك ، وتنال ما فعلته كفك ؟ قال جبلة : كيف ذاك يا أمير ؟ هو سوقة وأنا عرش وتاج ، كيف ترضى أن يخر النجم أرضا ، قال عمر : نزوات الجاهلية ، ورياح العنجهية ، قد دفناها ، أقمنا فوقها صرحاً جدياً ، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيدا قال جبلة : كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز ، أنا مرتد إذا أكرهتني ، فقال عمر : عالم نبنيه كل صدع فيه يداوى ، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى
وكان عمر رضي الله عنه يقول : والله لو تعثرت دابة في العراق لحاسبني الله عنها لم لم تصلح لها الطريق يا عمر
وكان عمر رضي الله عنه يمشي في إحدى سكك المدينة فوجد أطفالاً يلعبون ، فلما رأوه تفرقوا هيبة منه إلا واحداً فسأله عمر : يا غلام لم لم تهرب مع من هرب فقال أيها الأمير لست ظالماً فأخشى ظلمك ، ولست مذنباً فأخشى عقابك والطريق يسعني ويسعك
وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يؤدي خدمة لجارة له عجوز ، ولما تولى خلافة المسلمين غلب على ظن جارته العجوز أن هذه الخدمة سوف تتوقف ، وفي صبيحة اليوم الذي تولى فيه الخلافة طرق باب العجوز فقالت لابنتها افتحي الباب ، ثم سألتها من الطارق ؟ قالت البنت جاء حالب الشاة يا أماه
كان ابن عباس رضي الله عنهما معتكفاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في المسجد رجلاً تبدو عليه الكآبة ، فسأله مالك ؟ فقال : ديون لزمتني ما أطيق سدادها ، فقال ابن عباس : لمن ؟ فقال لفلان ، فقال ابن عباس أتحب أن أكلمه لك ، فقال الرجل إذا شئت ، فقام ابن عباس ليخرج من معتكفه ، وليكلم الدائن ، فقال أحد المعتكفين : يا بن عباس أنسيت أنك معتكف ، فقال ابن عباس : لا والله ... ولكني سمعت صاحب هذا القبر يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والعهد به قريب ، ودمعت عيناه سمعته يقول :
" والله لأن أمشي مع أخ في حاجته ، خير لي من صيام شهر واعتكافه في مسجدي هذا "
تروي فاطمة بنت عبد الملك ، زوجة الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين " دخلت على عمر يوماً في مصلاه فرأيته واضعاً يده على خده ، ودموعه تسيل ، فقلـت له : ما بالك ، وفيم بكاؤك ؟ فقال : دعيني وشأني ، فلما ألحت عليه قال لها : ويحك يا فاطمة ، إني قد وُليت هذا الأمر ، ففكرت في الفقير الجائع ، والمريض الضائع ، والعاري المجهول ، واليتيم المكسور ، والمظلوم المقهـور ، والغريب ، والأسير ، والشيخ الكبير ، والأرملة الوحيدة ، وذوي العيال الكثير ، والــرزق القليل ، وأشباههم في أطراف البلاد ، فعلمت أن ربي سيسألني عنهم جميعاً يوم القيامة ، وأن خصمي دونهم يومئذ رسول الله ، فخشيت ألا تثبت لي حجة ، فلذلك أبكي " .
وقد ورد في الحديث الشريف أنه يأتي على القاضي العدل ساعة يتمنى فيها أن لو لم يقض بين اثنين في تمرة
وقال عالم جليل : " والله لترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام " والدانق سدس الدرهم
وقد قال عليه الصلاة والسلام : " إنما تنصرون بضعفائكم " ، وفي الحديث الشريف ملمحان دقيقان ... الأول ملمح توحيدي : وهو أن القوي الذي مكنه الله في الأرض إذا نصر الضعيف أطعمه إن كان جائعاً ، وكساه إن كان عارياً ، وآواه إن كان مشرداً ، ووفر له عملاً إن كان عاطلاً ، وعالجه إن كان مريضاً ، وهيأ له سبل المعرفة إن كان جاهلاً ، ونصره إن كان مظلوماً ، عندئذ يكافئ الله القوي مكافأة من جنس عمله ، فينصره على أعدائه الأقوى منه ، والملمح الثاني تكتيكي إن صح التعبير : أن الأمة بنصرة الضعيف تتماسك وتجتمع وتصبح سداً منيعاً ، فلا يستطيع العدو الخارجي أن يخرقها ولا أن يفتت وحدتها ، ولا أن يشق صفوفها ، أعط الإنسان رغيف خبزه وكرامته وخذ منه كل شيء
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج المشكلات من أسبابها ، لا من نتائجها ، فقد دخل رجل بستان أنصاري ، وأكل من شجرة من دون إذن الأنصاري فساقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم على أنه سارق ، فقال له عليه الصلاة والسلام : هلا علمته إن كان جاهلاً ، وهلا أطعمته إن كان جائعاً
تَزَوَّدْ مِنَ التّقوى فإنّكَ لا تـدرِي إذَا جَنَّ لَيْلٌ هل تعيشُ إلى الفَجْـِر
فَكَمْ مِن سَليمٍ مَات مِن غيرِ عِلّةٍ وَكَمْ مِن سقيمٍ عَاشَ حِيناً مِنَ الدَّهْرِ
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
الخطبة الثانية
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله ، والله أكبر الله ، أكبر ولله الحمد . الحمد لله معيد الجُمَع والأعياد ، وناصر الأمم والأجناد ، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين
أيها الإخوة الأحباب ... قبل أن ننتقل إلى الموضوع الساخن ، لابد من التنويه إلى أن المسلم إذا قال الله أكبر وهو يطيع مخلوقاً ، ويعصي خالقه ، لأنه رأى أن طاعة هذا المخلوق أكبر عنده من طاعة خالقه ، فهو ما قال الله أكبر ولا مرة ولو رددها بلسانه ألف مرة
إخوة الإيمان في كل مكان ...
العولمة كما يريدها ، ويروِّج لها دُعاتها لا تعدو أن تكون تعبيراً معاصراً عن نزعة تسلطية قديمة ، صاحبت كل قوة غاشمة على مدار التاريخ .
إنها تضفي طلاءً من الذهب على الأغلال الحديدية ، وتتوارى خلف أقنعة زائفة من العبارات الجذابة ، والشعارات البراقة ، كالعدالة ، والديمقراطية ، والحرية ، والسلام العالمي ، والتعايش السلمي ، وحقوق الإنسان ، ومكافحة الإرهاب ... فهي علقم قديم في آنية جديدة .
ولعل من أبرز مظاهر هذه العولمة انهيار السدود بين الحضارات والثقافات ، وفرض الهيمنة الغربية في مختلف المجالات ، سياسة ، واقتصاداً ، وإعلاماً ، وفكراً ؛ توطئة للاستيلاء على ثروات الشعوب ، وشل قدراتها الوطنية ، ومسخ هويتها ، وخصوصياتها الحضارية ، وتحويل أسواقها المحلية إلى أسواق استهلاكية ، تفتح الأبواب على مصاريعها أمام الشركات الأجنبية لترويج منتجاتها ، وتراكم أرباحها .
أيها السيد الرئيس لقد قلت في مؤتمر القمة الإسلامي في الدوحة :
ديننا الإسلامي الحنيف ، دين الأخلاق ، والعدل ، والمحبة الذي تم تشويهه إعلاميا ، وتثقيفيا ، وتربويا ليغدو دين القتل ، والتطرف ، والإرهاب ، فكلما حدث اضطراب في منطقة ما من العالم وجهت أصابع الاتهام للإسلام ، ولو لم يكن للمسلمين وجود في تلك المنطقة ، وكل عملية تخريب ، أو عمل إرهابي منفذه هو مسلم ، حتى يثبت العكس ، وغالبا ما يثبت العكس ، أما الاتهام فيبقى كما هو
إن علينا أن نعزز الدين الإسلامي الصحيح عقيدة وسلوكا ففيه تحصين للإسلام والمسلمين وإضعاف لأعدائهم وهذا يبدأ بمكافحة وتجنب كل الممارسات الشاذة الناجمة عن فهم خاطئ للدين والتي تسيء إليه بشكل مباشر وتعطي الآخرين من أصحاب النيات السيئة الحجة والمبرر لوصف الإسلام بشتى الصفات السلبية واللاإنسانية.
جزاك الله خيراً
أيا الإخوة المستمعون أيتها الأخوات المستمعات
من مسلمات الإيمان الحق أنه لن تستطيع قوة في الأرض مهما طغت وبغت أن تفسد على الله هدايته لخلقه ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولكنه يسمح لهؤلاء الأقوياء أن يهددوا ليمتحن إيمان المؤمنين ، قال تعالى : الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله ، والله ذو فضل عظيم " فينبغي ألا نقلق على هذا الدين ، لأنه دين الله ، ولكن ينبغي أن نقلق على أنفسنا في ما إذا سمح الله لنا ، أو لم يسمح أن نكون جنوداً له ، ولكن إذا هان أمر الله علينا هنا على الله
أيها السيد الرئيس أنت ممن مكنه الله في الأرض ، وإنجازاتك وطموحاتك لاتغيب عن أحد ، فقد أتاح الله للممكنين في الأرض من الأعمال الجليلة ما لم يتح لسواهم من الملايين المملينة ، وكلما ارتفع موقع الإنسان اتسعت دائرة رؤيته ، وكثرت أمامه فرص الأعمال البطولية ، فبجرة قلم يحق حقاً ويبطل باطلا ، ويقر معروفاً ، ويزيل منكراً ، ويدعم حراً مخلصاً ، ويبعد فاجراً منافقاً ، وإن الله يزع بالسلطان ما لا يزعه بالقرآن ، وكلما ارتفع موقع الإنسان ازدادت مسؤوليته عند الله ، فأنت أيها السيد الرئيس أثقلنا حملاً ، لذلك يقول الإمام مالك إمام دار الهجرة : لو أن لي دعوة مستجابة لادخرتها لأولي الأمر لأن في صلاحهم صلاح الأمة ، لهذا ندعو لك من أعماق قلوبنا أن يوفقك الله لقيادة السفينة وسط الأمواج المتلاطمة إلى شاطئ السلامة ، وأن يجري الله الخير على يديك ، وأن ينفع الله بك البلاد والعباد ، وأن تكون ناصراً لدينه ، قويا على أعدائه وخصومه ، وأن يمتعك الله بالصحة والقوة ، أنت وأهلك ، وجميع من يعينك على أداء رسالاتك ، وتحقيق طموحاتك
يا رب أنت غنى كل فقير ، وعز كل ذليل ، وقوة كل ضعيف ، ومفزع كل ملهوف ، فحاشا يا رب أن نفتقر في غناك ، وأن نضل في هداك ، وأن نذل في عزك ، وأن نضام سلطانك ، فما من مخلوق يعتصم بك من دون خلقك ، فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا ، وما من مخلوق يعتصم بمخلوق دونك إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه وقطعت أسباب السماء بين يديه ،
اللهم انصرنا على أنفسنا حتى ننتصر لك فنستحق أن تنصرنا على أعدائنا
ولا تجعلنا ممن هان أمر الله عليهم فهانوا على الله
اللهم أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر
وكل عام وأنتم بخير