- موضوعات علمية
- /
- ٠1موضوعات علمية من الخطب
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
ما هو الطريق الذي فتحه الخالق حتى يصل الإنسان إلى معرفته ؟
أيها الأخوة الأكارم, كأني بأحد الحاضرين أو المستمعين، يسألني هذا السؤال: قلت في مطلع الخطبة: إن الإنسان لا يسعد في دنياه وأخراه إلا إذا اتصل بربه، وأقبل عليه، وقد بيَّنت لنا صوراً من آثار انعقاد الصلة بالله، وقلت: إن هذه الصلة لا تكون إلا إذا استقامت جوارح الإنسان، وصلُح عمله، وهذه الاستقامة الخالصة، وذاك العمل الصالح، لا يكونان إلا إذا عرف الإنسان ربّه، وصحَّت عقيدته، أما السؤال: فكيف يعرف المرء ربَّه، وهو لا يراه؟ وفي الجواب عن هذا السؤال, أقول:
أيها الأخوة, السموات، بمجراتها، وكازاراتها، ونجومها، وكواكبها، ببروجها، ومذنباتها، بشموسها، وأقمارها, والأرض، بجبالها، وسهولها، ببحارها، وأنهارها، بأسماكها، وأطيارها، بنباتاتها، وأزهارها، بحيواناتها، ومخلوقاتها، بليلها، ونهارها، وشمسها، وقمرها, والإنسان، بخلقه، وطباعه، وبنيته، وأعضائه، وزوجته، وأولاده، كلها آياتٌ دالّةٌ على الله، مشيرةٌ إليه، ناطقةٌ بكمالاته، مجسدةٌ لأسمائه وصفاته، فالخلق يدل على الخالق، والصنعة تدل على الصانع، والنظام يدل على المنظم، والتسيير يدل على المُسَيِّر، والأقدام تدل على المسير ، والماء يدل على الغدير, أفسماءٌ ذات أبراج، وأرضٌ ذات فجاج، ألا تدلان على الحكيم الخبير؟!, صدق القائل:
سل الواحة الخضراء والماء جارياً ..
وهذه الصحارى والجبال الرواسياً
سل الروض مزداناً سل الزهر والندى
..سل الليل والإصباح والطير شادياً
وسل هذه الأنسام والأرض والسما ..
..وسل كلَّ شيءٍ تسمع الحمد سارياً
* * *
الشمس والبدر من أنوار حكمته
والبرُّ والبحر فيضٌ من عطاياه
الطير سبَّحه والزرع قدَّسه
.. والموج كبَّره والحوت ناجاه
والنمل تحت الصخور الصمِّ مجَّده
..والنحل يهتف حمداً في خلاياه
* * *
ربُّ السماء وربُّ الأرض ..
قد خضعت إنسٌ وجنٌ وأملاكٌ لعلياه
الناس يعصونه جهراً فيسترهم
...... العبد ينسى وربي ليس ينساه
الشمس آية من آيات الله الدالة على معرفته :
أيها الأخوة, قال تعالى:
﴿قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ * كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ * فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾
وقال تعالى:
﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
وها نحن يا رب, ننظر كما أمرتنا، في آيةٍ من آيات السموات والأرض، ألا وهي الشمس: فالشمس آيةٌ ساطعةٌ دالةٌ على الله، وهي نجمٌ متوسِّط الحجم، إذا قيست بالنجوم الأخرى، ومع أنها تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرةٍ حجماً، وتبعد عنها مئةً وخمسين مليون كيلو متر وسطياً، ويقطع ضوء الشمس هذه المسافة في ثماني دقائق, فهناك نجومٌ يزيد حجم أحدها عن حجم الشمس والأرض مع المسافة بينهما .
أما عن حرارتها، فهي تصل إلى عشرين مليون درجة في مركزها، فلو ألقيت الأرض في جوف الشمس، لتبخَّرت في زمنٍ قصير, ويزيد طول ألسنة اللهب المنطلقةٍ من سطحها عن نصف مليون كيلو متر, وتنتج الشمس من الطاقة, في كلِّ ثانية، ما يعادل إحراق ألفي مليار طن من الفحم الحجري، في كلِّ ثانية, وتفقد الشمس في كلِّ يومٍ من كتلتها، ما يعادل ثلاثمئةٍ وستين ألف مليون طن .
يظنُّ علماء الفلك، أنه مضى على اتقادها ما يزيد عن خمسة آلاف مليون عام، وهم يطمئنون الناس إلى أن الشمس لن تنطفئ قبل خمسة آلاف مليون عام أخرى، ولو انطفأت الشمس فجأةً لغرقت الأرض في ظلامٍ دامس، ولهبطت درجة الحرارة فيها إلى ثلاثمئةٍ وخمسين درجة تحت الصفر، ولتحوَّلت الأرض إلى قبرٍ جليديٍ هائل، وانعدام الدفء والنور كافيان لقتل كلِّ مظهرٍ من مظاهر الحياة على سطح الأرض .
سل الشمس: من رفعها ناراً؟ من نصبها مناراً، وضربها ديناراً؟ من علَّقها في الجوِّ ساعة، يدبُّ عقرباها إلى قيام الساعة؟ من الذي آتاها معراجها، وهداها أدراجها، وأحلَّها أبراجها، ونقَّل في سماء الدنيا سراجها؟ قال تعالى:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾
وقال تعالى:
﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾
وقال تعالى:
﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾
﴿لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ﴾
ها نحن يا رب، نسبِّح بحمدك، ونقدِّس لك، ونسجد لعظمتك, اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم والجهل إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن جفوة البعد إلى جنة القرب, لقد صدق الله العظيم ، حينما قال:
﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾
ولقد صدق الله العظيم أيضاً، حينما قال:
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾