- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى :
الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكلي إلا على الله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذنٌ بخبر ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ، ولا تعذبنا فإنك علينا قادر ، والطف بنا فيما جرت به المقادير ، إنك على كل شيء قدير .
خلاصة الخطبة السابقة :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ في الخطبة السابقة تحدثت عن موضوع الوقت ، وقيمة الوقت في حياة الإنسان ، وقيمة الوقت في حياة المؤمن ، وكيف أن الوقت رأس مال المؤمن في الدنيا ، بل إن الوقت رأس ماله الضخم في الدنيا ، وكيف أن الوقت يمكن أن يكون سبباً في النجاة من عذاب الدنيا والآخرة ، وكيف أن الوقت يمكن أن يكون أكبر أعداء الإنسان .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ ربنا سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض بطريقة نحس بها بمرور الوقت ، إحساسك بمرور الساعات يتأتى من تنقل الشمس في قبة السماء ، تنقل الشمس في قبة السماء من الشروق إلى الضحى ، إلى الزوال إلى منتصف القبة السماوية بين الزوال والغروب ، إلى الغروب ، تنقل الشمس من قبة السماء دليل مضي الوقت ، والليل والنهار دليل مضي الوقت ، والإحساس بمرور الأيام ، القمر بأشكاله المختلفة ، ومراتبه المتنامية دليل على مرور الأيام ، والبروج التي نراها في دورتنا حول الشمس دليل على مرور الشهور ، وتغير ملامح الوجوه دليل على مرور السنوات والعقود ، من مضي الساعة ، إلى مضي اليوم ، إلى مضي الأسبوع ، إلى مضي الشهر ، إلى مضي السنة ، إلى مضي العقود هناك علامات دالة على مرور الوقت ، إذاً هو شيء ثمين لابد من أن يستغل لمصلحة الإنسان .
المحافظة على الوقت :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ هناك أوامر إلهية ، وهناك نواهن إلهية ، هدفها الحفاظ على الوقت قال تعالى :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾
ما هو اللغو ؟ كل ما سوى الله ، كل ما لا يمت بصلة إلى الآخرة كل الذي يترك في الدنيا ، كل ما سوى الله لغوٌ ، ألا كل شيء ما خلا الله باطل ، فأي جهد ، وأي وقت ، وأي طاقة تصرفها من أجل الدنيا فهي مضيعة للوقت إلا أن تكون الدنيا من أجل الآخرة ، قد يقتات الإنسان فيتقوى بالقوت على طاعة الله ، هذا يتصل بالآخرة ، فأي عملٍ يتصل بالآخرة من كسب رزق ، من أداء عبادة ، من حضور مجلس علم ، هذا توظيف للوقت ، واستغلال له على أحسن الوجوه ، وكل وقت يبذل للدنيا فقط من دون أن تكون لهذه الدنيا علاقة بالآخرة فإنه استهلاك رخيص للوقت ، إنه ضياع للجهد ، إنه استهلاك للحياة .
عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال ، عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل فيه ))
فالإشارات الدقيقة التي تؤكد أن الوقت شيء مهم وردت في القرآن الكريم :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾
ماذا يفعل اللغو ؟ قد يكون اللغو مباحاً ، قد تصرف وقتك في المباح ، لكن لأن الحياة محدودة ، والعمر محدود ، وهذا العمر يجب أن يستنفذ في طاعة الله كان هذا خسارة كبرى في حياة الإنسان .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ الحقيقة الثانية :
أن الواجبات التي كلفنا الله بها أكثر من الأوقات المتاحة ، دائماً أنت في سباق مع الزمن ، الزمن كالسيف إن لم تقطعه قطعك ، الزمن يمشي ، الحياة لا تقف ، فإن لم تستغل هذا الوقت في طاعة الله كنت من المسبوقين ، وتجاوزك الآخرون ، وبلغوا المراتب العليا ، وصرت أنت في أسفل السلم ، فلذلك تعد الواجبات ، وفي مقدمتها معرفة الله ، لو بذلت كل العمر ، لو بذلت كل وقت في طاعة الله لوجدت هذا في جنب الله قليلاً لوجدت هذا في جنب عطاء الله تافهاً ، لذلك المؤمن لابد من أن يندم يوم القيامة على ساعة مضت لم يذكر الله فيها ، يقول الله عز وجل :
﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
في نقطة هامة جداً ، هو أن كل عملٍ يحتاج إلى شيئين ، إلى أرض ، وإلى زمان ، إلى مكان ، وإلى زمان ، فإذا انعدم الزمان تعطل العمل ، قد تملك الأرض ، وقد تملك الثمن ، وقد تملك المقومات ، وقد تملك الأهلية ، ولكن لا تملك الوقت لتحقيق العمل ، فالوقت شرط مهم جداً لتحقيق الأعمال ، فإذا اتسع الوقت كان هذا مغنماً كبيراً ، وكان هذا حجةً كبرى على الإنسان إذا أتلف وقته في ما لا جدوى منه .
يا أيها الإخوة المؤمنون ؛ يقول الله عز وجل :
﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ﴾
فضل الله في الدنيا ، وفضل الله في الآخرة يبتغى من الوقت الذي خلقه الله عز وجل ، الوقت من خلق الله عز وجل ، هذا العمل الصالح إذا فعلته نجوت ، وإن لم تفعله فقد ضيعت الوقت الذي كان من الممكن أن تصرفه فيه .
﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
قيمة الوقت :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ من صفات العوام الجهلاء أنهم لا يعرفون قيمة الوقت ، إنهم يستهلكون أوقاتهم بلا طائل ، وليتهم وقفوا عند هذا الحد ، إنهم يستهلكون أوقاتهم وأوقات غيرهم بلا طائل ، يعدك ليزورك في البيت ، يمضي معك الساعات الطوال في الحديث عن فلان وعلان وعن كذا وكيت في أشياء لا تقدم ولا تؤخر ، ولا ترقى بك إلى الله عز وجل .
فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقم لسانه ))
فالذي لا يعرف قيمة الوقت لا ينبغي أن يعتدي على وقت الآخرين لا ينبغي أن يضيع وقتهم في التوافه ، في الترهات ، في الأباطيل ، في قيل وقال ، إن الله كره لكم قيل وقال ، وكثرت السؤال ، وإضاعة المال ، يعني أكاد أقول إن أثمن شيء تملكه الوقت ، إنك بعض الوقت .
تعريف الإنسان : بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه .
إذا استهلكت الوقت استهلاكاً رخيصاً فإنما تستهلك ذاتك ، التي جعلت بيدك أمانة كي تسعدها إلى الأبد .
يقول عليه الصلاة والسلام :
(( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ))
هذا الذي يتمتع بصحة تامة ، لا يشكو شيئاً ، وعنده متسع من الوقت ، يأتي يوم القيامة يتقطع ندماً كيف لم يستغل هذه الصحة ، وهذا الوقت في معرفة الله عز وجل ، كيف لا يستغل هذه الصحة ، وهذا الوقت في عبادته ، في التقرب إليه ، في معرفة أسماءه الحسنة ، في الدعوة إليه .
(( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ))
لذلك :
يقول عليه الصلاة والسلام ـ دققوا في هذا الحديث :
(( اغتنم خمسا قبل خمس : حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك ))
ثلاث فقرات في هذا الحديث متعلقة بالوقت ، من استغلال الوقت العمل المستمر ، العمل مهما قل إذا استمر انتهى بإنجاز كبير ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
(( أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل ))
هذا العمل الطيب القليل مع مضي الليالي والأيام ، مع مضي الأسابيع ، مع مضي الشهور ، مع مضي السنوات ، إذا أنت حققت إنجازاً كبيراً ، لو أنك عاهدت نفسك ألا تتخلف عن مجلس علم واحد ، بعد سنوات عدة تحس أنك قد قطعة مرحلة كبيرة في معرفة الله ، لقد ارتقت نفسك ، لقد تهذبت مشاعرك ، لقد ارتقت أحوالك ، لقد أصبحت عزيز النفس ، بعيداً عن السفاسف ، هذا كله يتأتى من المثابرة ، من المداومة .
النبي عليه الصلاة والسلام يلح على المداومة ، ويقول :
(( عليكم يا أيها الناس من العمل ما تطيقون ، فإن الله تعالى لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله أدومها ، وإن قل ))
شيء آخر : من المحافظة على الوقت الثمين التبكير إلى العمل ، قال عليه الصلاة والسلام :
(( بورك لأمتي في بكورها ))
فالذي يخرج من بيته الساعة الثامنة ، أو الساعة السابعة يمضي أعمالاً كثيرةً جداً حتى الساعة الحادية عشرة ، والذي يخرج من بيته الساعة الحادية عشرة فوت عليه خير كبير .
أيها الإخوة الأكارم ؛ بورك لأمتي في بكورها ، هذا حديث شريف .
قال عليه الصلاة والسلام :
(( ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ))
يا أيها الإخوة المؤمنون ؛ عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضجعة متصحبة فحركني برجله وقال :
(( يا بنية ! قومي فاشهدي رزق ربك ولا تكوني من الغافلين ، فإن الله يقسم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ))
رجل له مؤلفات عدة ، التقيت به ، قال لي أنا أكتب من الساعة الرابعة وحتى الساعة التاسعة كل يوم ، خمس ساعات ، في أول اليوم والإنسان في كامل النشاط ، بورك لأمتي في بكورها ، من أراد الإنجاز من أراد تحقيق المراد فليبكر إلى عمله ، فليبكر إلى رزقه ، فليبكر إلى إنجاز ما عليه .
لا يجوز سب الوقت .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ شيء آخر : الوقت لا ينبغي أن يلعن ، هذا الذي يلعن الوقت ، يلعن الساعة ، يلعن الدهر ، هذا إنسان جاهل ، فالأحداث قد تأتي سارة أو قد تأتي مرة لكن هناك إلهاً قدرها لحكمة بالغة ، وما علاقة الوقت بذلك ، قد يلعن الإنسان الساعة التي تعرف بها على فلان ، هذا كلام خطأ ، كلام ما له معنى ، ما علاقة الزمن ، الذي جمعك به هو الله ، لحكمة تأديبه أو علاجية ، فالنبي عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه ، يقول الله عز وجل :
(( يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر ـ من الدهر ؟ ـ أقلب الليل لا والنهار ))
لا تلعن الدهر ، لا تعلن الوقت ، لا تعلن الساعة ، هذا الوقت من خلق الله ، خلقه الله لك ، كي يتيح لك أن تعمل ، ألا تعربون في الأعراب ظرف مكان وظرف زمان ، كل فعل لا بد له من ظرف مكان يجري عليه ولا بد له من ظرف زمان يجري فيه ، فالفعل يحتاج إلى زمان وإلى مكان وإلى مسبب ، فالله هو المسبب ، وعمله حكيم ، وكل عمل لله عز وجل فيه كل أسمائه الحسنة ، فيه العدل ، وفيه الرحمة ، وفيه العلم ، وفيه القوة .
معرفة الله لا تكون وقت الشدة يجب أن تكون قبل ذلك .
شيء آخر :
أناس كثيرون لا يعرفون الله إلا في وقت الشدة ، يقول الله عز وجل :
﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
هذا الذي كلما ألمت به ملمة ، كلما لاح له شبح مصيبة ، عرف الله ، هذا كيف يعرف الله ، يعرفه في أوقات الشدة ، والشدة تأتي وتذهب لكن البطولة أن تعرفه في وقت الرخاء والشدة ، ابن آدم اعرفني في الرخاء أعرفك في الشدة .
الاتعاظ بالوقت دراسة التاريخ العام :
شيء آخر :
من الاتعاظ بالوقت : دراسة التاريخ العام ، قرأت مرة كتاب قصص العرب ، كتاب ممتع غاية الإمتاع ، بعد أن انتهيت منه أدركتني موعظة ، وهي أن هؤلاء الناس جميعاً ، يعني في الكتاب ذكر لآلاف الأشخاص ، أغنياء وفقراء ، أقوياء وضعفاء ، أصحاء ومرضا ، أذكياء ومعتوهين ، يعني من كل الأصناف والألوان والأجناس والأعمال ، هؤلاء قضاة ، وهؤلاء أمراء ، وهؤلاء قواد جيوش ، وهؤلاء خلفاء ، وهؤلاء ضعاف ، كلهم قد ماتوا ، الاتعاظ من قراءة التاريخ ، أن كل هذه الأمم السابقة كان لها شأنها ، وكان لها مجدها ، وكان لها عظمتها ، أين هي الآن ؟ ونحن كذلك ، نحن على درب الفناء سائرون .
كان النبي عليه الصلاة والسلام ، إذا وقف في البقيع يقول بعد أن يسلم على الأموات ، يقول : أنتم السابقون ونحن اللاحقون ، يقول الله عز وجل :
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾
أمر آخر .
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
هؤلاء الذين كذبوا بالدين ، واستمتعوا بالدنيا ، وانغمسوا في شهواتها ، وأكلوا ما لذا وطاب ، وسكنوا في البيوت الفخمة ، وساحوا في الأرض ، وعلى شأنهم ، أين هم الآن ؟
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾
دققوا تتبعوا ، ابحثوا .
﴿ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
ومن الاتعاظ بالوقت دراسة الأمم البائدة ، قال تعالى :
﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ ﴾
أيها الإخوة المؤمنون ؛ بالوقت ترقى إلى أعلى عليين ، وبالوقت يسفل الإنسان ويهوي إلى أسفل السافلين ، فالوقت إما أن يكون صديق لك ، وإما أن يكون عدواً لك وكل عمل صالح ، يحتاج إلى وقت ، وكل طاعة تحتاج إلى وقت ، وكل حضور مجلس علم يحتاج إلى وقت ، لا تسرف في استهلاك الوقت ، وفر وقتك للغاية التي خلقت من أجلها ، وفر وقتك لشيء ثمين ، وفر وقتك لعمل يعود عليك بالفائدة بعد الموت ، وفر وقتك لعمل ينزل معك في قبرك ولا تستهلك وقتك في القيل والقال ، في الغيبة ، في النميمة ، في المزاح الرخيص ، في الحديث عن أخبار الناس ، في الحديث عن ألوان الطعام في الحديث عن مشاهداتك في رحلتك ، هذا كله لا ينفع الناس ، ولا يجدي بل قد يسبب الغصة لهم .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ الوقت إما أن يكون سبباً لسعادتك في الدنيا والآخرة ، وإما أن يكون سبباً لشقاء بعض الناس في الدنيا والآخرة ، قبل كل شيء ، خطط لوقتك برمج حياتك ، لا بد من وقت أتعرف فيه إلى الله ، لا ينبغي أن يعتدي عليه أحد ، زارني ضيف ، وقت مجلس العلم ، اعتذر منه ، أنا عندي برنامج دقيق ، أقول هذه الزيارة ليست على موعد ، يؤسفني أن أبلغك أنني مضطر للذهاب إلى هذا المكان ، أما أن تسمح للناس أن يعتدوا على وقتك الثمين ، وأن يحولوا بينك وبين حضور مجالس العلم ، بينك وبين عبادة لله عز وجل ، وبينك وبين كسب رزقك ، الوقت الثمين .
للوقت زكاة .
آخر فكرة في هذه الخطبة :
للوقت زكاة كما للمال زكاة ، من حضر مجلس علم من أدى عبادة من تلا كتاب الله ، فقد زكى عن وقته ، عندئذ يبارك الله له في وقته ، الوقت القليل يحقق إنجازاً كبيراً ، في الوقت القليل يحقق أعمالاً كثيرة أحياناً الإنسان يكتب قائمة وينطلق من البيت إلى السوق ليحققها ، فلان قبل ربع ساعة أغلق محله ، فلان ليس في مكتبه ، فلان ، تتوتر أعصابه استهلاك أربع ساعات ولم يحقق شيئاً ، إذا ظننت بوقتك عن حضور مجلس علم ، بدد الله هذه الوقت ، وكان استهلاكه رخيصاً ، أما إذا زكيت عن وقتك ، وحضرت مجالس العلم ، وعبدت الله عز وجل ، وأنفقت منه في خدمة الخلق ، عندئذ يبارك الله لك في وقتك ، عندئذ تشعر بشيء ثمين اسمه التوفيق .
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
قد تبيض رسالة في ساعة من الزمن ، تخطئ في آخر سطر تضطر أن تعيدها مرة ثانية ، قد تفك محركاً تخطأ في التطبيق ، تستهلك عشر ساعات مرة ثانية ، الله عز وجل قادر أن يستهلك وقتك استهلاكاً يحطم أعصابك ، فإذا وفرت من هذا الوقت وقت لطاعة الله ، لحضور مجالس العلم ، للعمل الصالح ، لتلاوة القرآن ، عندئذ يبارك الله لك في وقتك .
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
أيها الإخوة المؤمنون ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .
والحمد لله رب العالمين
***
الخطبة الثانية :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحابة الطيبين الطاهرين .
قرون الاستشعار في الحشرات .
أيها الإخوة المؤمنون : الإنسان اخترع المراصد ، ليرصد حركات النجوم ، ليرصد الأجسام المتحركة ، ليرصد المناخ ، من يصدق أن في الكائنات الحية قرون استشعار تقوم بوظائف يعجز عنها الإنسان ، في الحشرات الدنيا التي تحتقرها ، فيها أجهزة تضاهي أدق الأجهزة التي اخترعها الإنسان العلماء قالوا : إن في بعض الحشرات قرون استشعار فيها مستقبلات كيميائية ، تستقبل الروائح والعطور ، وروائح المواد ، فتبني حركتها وبحثها عن رزقها وفق المعطيات التي تقدمها هذه المستقبلات الكيميائية هذه ليست بشيء .
في بعض الحشرات قرون استشعار فيها مستقبلات ميكانيكية تسمع بها الأصوات ، تحس بها بحركة الرياح ، هذه أيضاً مستقبلات ميكانيكية تتأثر بالحركة ، بينما الأولى تتأثر بالتركيب الكيميائي .
شيء آخر : بعض الحشرات لمجرد أن يكون هناك مادة حلوة تأتي فوراً ، كيف أتت ؟ إنها أتت عن طريق المستقبلات الكيميائية ، كيف أتت هذه الذبابة الكبيرة إلى هذا المكان ، لوجود حيوان ميت ، هذه الرائحة انتشرت في الجو ، وتأثرت بها هذه الذبابة ، فجاءت إلى هذا المكان ، هذه مستقبلات كيميائية ، وهناك مستقبلات ميكانيكية ، تعرف حركة الرياح ، والأصوات وما شاكل ذلك ، لكن الأغرب من هذا أن هناك مستقبلات في بعض الحشرات تتحسس بالأشعة تحت الحمراء ، فإذا استمرا إحساسها بهذا الشيء الحار ، بهذه الأشعة إذاً هي على استقامة معه ، إذا جاء الإحساس نوبياً ، هي تقطعه عرضانياً ، فإذا جاءت على محوره ، يستمر هذا الإحساس ، تتجه إليه ، وهذا الجهاز موجود في البعوضة ، فلو أن إنسانين نائمان على فراش ، الأول مصاب بالحمى ، حرارته مرتفعة ، البعوضة على بعد ثلاثة أمتار تعرف أن هذا الذي على اليمين مصاب بالحمى عندها قرون استشعار فيها نهايات تتحسس بالأشعة تحت الحمراء ، فتأتي إليه وحده .
شيء آخر : في بعض الذباب قرون استشعار فيها مستقبلات تحدد لها سرعة الرياح ، أجهزة لمعرفة سرعة الرياح ، في بعض الحشرات فيها مستقبلات .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم صن وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شر خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء .
اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، واصرف عنا شر الأعمال لا يصرفها عنا إلا أنت .