الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد، الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الأربعين من دروس سورة آل عمران، ومع الآية السادسة والأربعين بعد المائة، الآية الكريمة:
﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ (146)﴾
وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
1 ـ (كم) الخبرية و (كم) الاستفهامية:
﴿كَأَيِّن﴾ أيها الإخوة بمعنى كم الخبرية، وكم لها استعمالان؛ كم الخبرية، وكم الاستفهامية، تسأله: كم كتاباً عندك؟ استفهامية، قد تقول: كم كتابٍ عندي! خبرية، أي عندي كتب كثيرة، فإما أن تسأل، وإما أن تفتخر، كم كتابٍ عندي! أي عندي كتب كثيرة! تسأله: كم كتاباً عندك؟ فإما أن نستخدمها استفهاماً، أو إخباراً، لذلك إعرابها كم الخبرية، أو الاستفهامية، ﴿كَأَيِّن﴾ تساوي كم الخبرية.
كم من نبي، أي ما أكثر الأنبياء الذين قاتل معه رِبِّيّون كثير.
الرِّبِّيّ هو الربّانيّ، الإنسان الذي عرف الله فأخلص له، وجعل كل وقته، وكل علمه، وكل طاقته، وكل جهده، وكل ماله في سبيل الله، سئل رجل: كم الزكاة؟ فقال: عندنا أم عندكم؟ غريب! فالدين واحد، قال: ما عندنا؟ وما عندكم؟ قال: عندكم اثنان ونصف بالمائة، أما عندنا فالعبد وماله لسيده، هؤلاء:
﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ(10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ(11)﴾
هؤلاء الذين انطبق عليهم قول الله عز وجل:
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ ۚ يُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِى ٱلتَّوْرَىٰةِ وَٱلْإِنجِيلِ وَٱلْقُرْءَانِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِ ۚ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِى بَايَعْتُم بِهِۦ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ(111)﴾
باعوا أنفسهم، وباعوا أموالهم نظير الجنة، فلذلك: ﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ العبرة أيها الإخوة، ألا نُهزَم من الداخل.
﴿فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ﴾ لماذا قال الله عز وجل:
﴿ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُۥ ۚ وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ(140)﴾
الانتصار والهزيمة تابعة لمشيئة الله وحكمته:
شاءت حكمة الله أن ينتصر المسلمون تارةً، وأن ينهزموا تارةً، لو أنّ الله كتبَ لهم النصر الأبدي لانضم إليهم كل الخلْق نفاقاً ومنفعةً! لكن أحياناً ينهزمون، أَيُعقل أن يكون سيد الخلق، وحبيب الحق يرى أحد أصحابه يعذب كعمار بن ياسر ولا يستطيع أن ينقذه؟ فيقول:
(( صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة. ))
ليس عنده مالٌ يعطيه لأصحابه، ليس عنده قوة يمنحها لهم، الدنيا ليست بيده، كان من الممكن أن يكون النبي قوياً كهؤلاء الطغاة، إذا كان النبي قوياً فكل مَن حوله يُسلِم، لا حباً، ولا تعبّداً، ولا خوفاً من الله، بل خوفًا منه، هذا الإسلام لا تقيمة له، لذلك شاءت حكمة الله أن يكون النبي ضعيفاً أحياناً، لا يستطيع أن يدفع العذاب عن أحد أصحابه (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة) فحكمة الله تقتضي أن ينتصر المسلمون تارة، وأن ينهزموا تارة.
﴿وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ﴾ ينتصرون فيتواضعون لله، ينهزمون فيتوبون إلى الله، هذه حكمة الله جل جلاله، يقول الله عز وجل: ﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ﴾
3 ـ الضعف النفسي مرض خطيرٌ:
هذا الضعف النفسي مرض، دليل عدم الثقة بالله، دليل عدم معرفة المؤمن لربه معرفة تامة، معرفته لا تكفي لذلك ضَعُفَ.
﴿فَمَا وَهَنُوا﴾ ما ضعفوا.
﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ هناك أناس كثيرون أمام أول عقبة يتراجعون، أمام أي صعوبة ينسحبون، أمام أي عقبة يعتذرون، هذا الإنسان ليس أهلاً أن يكون جندياً لله عز وجل، الله عز وجل يربي المؤمنين، ويسوق لهم من الشدائد ومن المتاعب.
4 ـ الضغط يؤدِّب المؤمنَ:
هذا الألماس، أنا رأيت قطعة ألماسٍ في متحف في إسطنبول قيل ثمنها: مائة وخمسون مليون دولار! بحجم البيضة، أكبر قياس! موضوعة في خِزانة، وعليها إضاءة، فكأنها شمس، ما أصل الألماس؟ فحم، لو أردت أن تشتري فحماً مثل هذه القطعة قد تساوي نصف ليرة، تلك الألماسة ثمنها مائة وخمسون مليون دولار، كيف تحوّل الفحم إلى ألماس؟ من شدة الضغط والحرارة، إذا ضُغِط الفحم ضغطاً لا حدود له، وأصابته حرارة عالية جداً يصبح ألماسًا، الآن هناك ألماس صناعي، تقريباً يشبه الألماس الطبيعي، لكن بالاستعمال يخبو وهجُه وتخبو وَضاءَتُه، فالضغط الشديد، والحر الشديد يقلبان الفحم إلى ألماس، هذا مثل مادي.
وأنت أيها المؤمن، أحياناً الضغط يؤدّبك، هذا الذي تراه مؤدّباً ساق الله له من الشدائد ما لا يعد ولا يحصى، حتى أصبح دقيقاً، منضبطاً، أديباً، متواضعاً، رحيماً، وقّافاً عند كتاب الله.
فالعبرة لا أن تنجو من الامتحان، لكن العبرة أن تنجح في الامتحان، هذا كلام دقيق.
﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ﴾ أحياناً تخور قِوى الإنسان، ويهبط، ويُحبَط، وييأس يستخذي، ويخضع، ويلين، لا، الله معكم، ولن يتركم أعمالكم.
5 ـ المؤمن الصادق لا تخور عزائمه عند الشدائد:
﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ مؤمنون صادقون مخلصون، مؤمنون باعوا أنفسهم وأموالهم في سبيل الله، مؤمنون اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم، مؤمنون سخّروا كل شيء في خدمة الحق، قال: ﴿فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ﴾ والله الذي لا إله إلا هو نحن لم نذُقْ شيئاً إطلاقاً، هؤلاء الذين ضحوا بأموالهم في الهجرة، وتركوها كلها في مكة، إنسان يسكن في بلد، له بيت، وله مركز تجاري، وله مركبة، ومعه رصيد في بيته، يذهب بثيابه إلى بلد بعيدة، لا عمل، ولا بيت، ولا مكتب، هذه الهجرة، اقتلاع من الجذور، هؤلاء أصحاب رسول الله ضحّوا بأموالهم، وأنفسهم، ووضعوا أرواحهم على أكفّهم في الجهاد في سبيل الله، قُطِعت يده اليمنى، فحمل الراية باليسرى، قُطِعت اليسرى فحملها بعضديه، حتى قتل في سبيل الله، إنه سيدنا جعفر.
أحدهم جُرحت إصبعه، يحتاج إلى تعقيم، وإبرة ضد الكزاز، وقلِقَ لجرحٍ طفيفٍ أصابه، أعرابي أسلم، ثم كانت غزوة، فشارك فيها، فانتصر المسلمون، أُعطي الغنيمة، قال: ما هذه؟ قالوا: هذه غنيمة! قال: ما على هذا أسلمت، أنا أسلمت على الذبح.
نحن والله ما قدّمنا شيئاً، والله نحن تمتعنا بالإسلام، نحن الإسلام رفعنا وحملنا، لكن أصحاب رسول الله حملوا الإسلام، وجاؤوا به إلينا وتجشّموا المَشاق.
رأت أنصارية أباها مقتولاً في المعركة، ثم رأت أخاها، ثم رأت زوجها، وتقول: ما فعل رسول الله؟ إلى أن رأته واطمأنت على سلامته، فقالت: يا رسول الله كل مصيبة بعدك جلل (أي تهون).
هؤلاء أصحاب رسول الله بذلوا الغالي والرخيص، والنفس والنفيس،
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ. ))
ويقول عليه الصلاة والسلام:
(( إذا ذُكِر أصحابي فأمسِكوا. ))
نحن ما فعلنا شيئاً، ذهب النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الطائف فاستهزؤوا به، وكذّبوه، وأغرَوا سفهاءَهم أن ينالوه بالأذى، حتى سال الدم من قدميه الشريفتين قال:
(( إن لم يَكُن بِكَ غضبٌ عليَّ فلا أبالي، غيرَ أنَّ عافيتَكَ هيَ أوسعُ لي، أعوذُ بنورِ وجهِكَ الَّذي أشرَقت لهُ الظُّلماتُ، وصلُحَ علَيهِ أمرُ الدُّنيا والآخرةِ، أن يحلَّ عليَّ غضبُكَ، أو أن ينزلَ بي سخطُكَ، لَكَ العُتبى حتَّى تَرضى. ))
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ، وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ. ))
6 ـ لا للاستكانة والركون إلى الدنيا:
﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ﴾ أحياناً قبل الزواج يكون الرجل متألقًا، بعد الزواج خبا نوره، وانطفأت هِمّته، وأصبح على الهامش، فتاة سلبته عقله، طلبت منه بعض الطلبات، قال لها: (اعلمي أن في الجنة من الحور من العين ما لو أطلت إحداهن على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر ، فلأن أضحي بك من أجلهن أهون من أضحي بهن من أجلك) على ماذا عاهد أصحاب رسول الله رسول الله؟ على الطاعة في المنشط والمكر، في إقبال الدنيا وإدبارها، في الصحة والمرض، في الغنى والفقر.
﴿ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا(23)﴾
الثبات نبات، فقد تجد أخًا التزم التزاماً، فلا يضيع وقت الدرس، التزم غضَّ البصرِ، التزمَ ضبطَ اللسانِ، التزمَ تحريرَ الدخلِ، انتهى الأمر، عاهدَ خالق الكون، أما أن يُقبِل، ويدبر، ويتقدم، ويتراجع، أخ أزعجه فترك الجامع، فلان أزعجني، لا أستطيع رؤيته بالجامع، ما هذا! لأتفه سبب يتراجع، وينتكس، لأتفه سبب يقصّر، ويلغي الدرس كله، لو جاءه ضيف ثقيل قبل الدرس يخجل منه.
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( سَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ، وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ. ))
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
(( قُلتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: هلْ كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَخْتَصُّ مِنَ الأيَّامِ شيئًا؟ قالَتْ: لَا، كانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وأَيُّكُمْ يُطِيقُ ما كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُطِيقُ؟! ))
دائم، المؤمن الصادق يبرمج حياته وفق منهجه الديني، أمور حياته تُؤدّى في الوقت الفارغ، أما أن يجعل منهجه الديني فَضْلة، وعلى الهامش فهذا مستحيل.
﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ﴾ الاستكانة أن تكون مُستخذِياً أمام قوي، مُتذلّلاً أمامه، خانِعاً أمامه، خائفاً منه، وتنسى أن الله معك، ﴿فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ﴾ أي مَا ضَعُفُوا، قال:
(( أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ في بَعْضِ المَشَاهِدِ وقدْ دَمِيَتْ إصْبَعُهُ، فَقالَ: هلْ أَنْتِ إلَّا إصْبَعٌ دَمِيتِ، وفي سَبيلِ اللَّهِ ما لَقِيتِ. ))
المؤمن هدفه كبير في سبيل هذا الهدف يضحّي بكل شيء ﴿فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ﴾ ما تذللوا للعدو، ولا وقفوا موقفاً ضعيفاً أمامه، ولا رَجَوه، ولا استخْذَوا.
7 ـ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ
﴿وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾ هناك آية أيها الإخوة تملأ المشاعر:
﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَٱضْرِب بِّهِۦ وَلَا تَحْنَثْ ۗ إِنَّا وَجَدْنَٰهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ ۖ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ(44)﴾
ويُعاب من يشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم.
﴿ قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُواْ بَثِّى وَحُزْنِىٓ إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(86)﴾
هذا قول سيدنا يعقوب، فالله يحب الصابر المتماسك، القوي في الله، الثابت، لكن لا يحب المتضعضع، المتزلزل، لا يحب الإنسان الذي مقاومته هشّة، أول ضغط يكسر، أي سريع العطب، لسبب تافه جداً يترك، وينتكس، وينقلب على وجهه، خسر الدنيا والآخرة، لأنه يعبد الله على حَرْف.
﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾ أتحب أن يحبك الله عز وجل؟ كن صابراً.
﴿ وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ(48)﴾
لو كان حكم الله واضحاً لا يحتاج إلى صبر، لو قال لك طبيب الأسنان: أنت لا يناسبك المخدر، لابد من قلع هذا السن بلا مخدر، هذا واضح، هو لصالحك، ولصالح قلبك، فالمخدر يؤذي القلب، قلبك ليس قوياً، ولا يحتمل المخدر، لا بد من قلع هذا السن بلا مخدر.
الأمر واضح جداً، هذا لا يحتاج إلى صبر، لكن الأمر الغامض يحتاج إلى صبر، قد يكون الإنسان مستقيماً، وتأتيه مصيبة، هنا الصبر، الحكمة غير واضحة أمامه، وكلما اتضحت الحكمة ضعُف الصبر، وكلما غابت عنك الحكمة ارتفع الصبر، أنت بحاجة إلى صبر ﴿وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ .
﴿وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾ أرجو من بعض الإخوة الكرام أن يقرأ القرآن الكريم قراءة تصنيفية، ماذا يحب الله عز وجل؟ يحب الصابر، يحب الشاكر، يحب المتقي، والصادق، والتوّاب، والمتَطهِّر، أسباب محبة الله بين يديك، محبة الله مُقنَّنة، لها قانون، كن صابراً يحبك الله، كن شاكراً يحبك الله، كن متطهراً يحبك الله، كن توّاباً يحبك الله.
﴿ وَمَا كَانَ قَوۡلَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسۡرَافَنَا فِيٓ أَمۡرِنَا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ (147)﴾
وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا
1 ـ الاستغفار بعد المصيبة دليل الرضا والقناعة والتقصير في حق الله:
عندهم إحساس، وعندهم قناعة أن الله عز وجل لا يسوق مصيبة إلا لحكمة بالغة، والأَولى أن تكون هذه المصيبة بسبب تقصير من هذا الإنسان.
﴿وَمَا كَانَ قَوۡلَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ لعلنا قصرنا في حق، أو تجاوزنا حدّنا، فإذا قصرنا في حق فهذا ذنب كبير، أو تجاوزنا الحد فذنب آخر.
(( ما مِن عثرةٍ، ولا اختلاجِ عِرقٍ، ولا خدْشِ عودٍ إلّا بما قدّمت أيديكم، وما يعفو الله أكثر. ))
﴿وَمَا كَانَ قَوۡلَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ هذا الذي أصابنا بذنوبنا، الله غني عن تعذيبنا، غنيٌّ عن أن يسوق لنا شِدّة بلا سبب، وبلا حكمة، غني عن ذلك، لذلك لمّا ﴿فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ* وَمَا كَانَ قَوۡلَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسۡرَافَنَا فِيٓ أَمۡرِنَا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾ وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ. ))
إنسان يقصر، وإنسان يتجاوز الحد، وإنسان يسرف على نفسه، وإنسان لا تثبت قدمه، فكان الدعاء: ﴿ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ وهناك ذنوب قد تظنها حسنات، وهي ذنوب، لذلك كلّما صغُرَ الذنب عند الإنسان كَبُر عند الله، وكلما كبُرَ عند الإنسان صغُر عند الله، إذا كان سيد الخلق يستغفر ربه فمن أنت حتى لا تستغفر؟ لماذا شُرِع الاستغفار بعد الصلاة؟ قد تكون في الصلاة قد سَهَوْتَ أو لَهَوْتَ، أو لم تُحكِم الاتصال بالله عز وجل، وهذا ذنب أيضاً، ينبغي أن تستغفر الله منه.
﴿وَمَا كَانَ قَوۡلَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسۡرَافَنَا فِيٓ أَمۡرِنَا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾ نحن في دار إعداد، نحن في دار تكليف لا دار تشريف، نحن في دار عمل، لا في دار جزاء، اليوم عمل ولا جزاء، وغداً جزاء ولا عمل، نحن في دار منقطعة، نحن في دار فيها همٌّ، وانقطاع، وسوف نأتي إلى دار -إذا أكرمنا الله، ونرجو ذلك- فيها عطاء، وامتداد، عطاء أبدي، لذلك من الحُمْق الشديد أن نُذهِب طيباتنا في الآخرة في الحياة الدنيا.
﴿إِلَّآ أَن قَالُواْ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسۡرَافَنَا فِيٓ أَمۡرِنَا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾ قال:
﴿ فَـَٔاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا وَحُسۡنَ ثَوَابِ ٱلۡأٓخِرَةِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (148)﴾
فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ
1 ـ الراضي باختيار الله يكسب ثواب الدنيا والآخرة:
اخترت رِضاء الله عز وجل فكسبت الدنيا والآخرة، والذي اختار الدنيا بسخط الله خسر الدنيا والآخرة، ربح المؤمن لا يوصف، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(( استقيموا ولن تُحْصوا. ))
من آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً، من آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً.
﴿فَـَٔاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا﴾ ما هو ثواب الدنيا؟ سمعة طيبة، حكمة بالغة، شعور آمن، ذرية طيبة، زوجة صالحة، مكانة عالية، هذا ثواب الدنيا، وإذا مات ﴿وَحُسۡنَ ثَوَابِ ٱلۡأٓخِرَةِۗ﴾ قال بعضهم في قوله تعالى :
﴿ وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى ٱلْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ(201)﴾
هي الزوجة الصالحة، التي إذا نظرت إليها سرتك، وإذا غبت عنها حفظتك، وإذا أمرتها أطاعتك، إن غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها، فثواب الدنيا زوجة صالحة، سمعة طيبة، شعور بالأمن، شعور بالسعادة، شعور بالرضا، رائحة زكية، أينما جلست يحبك الناس، ألقى الله حبّك في قلوب الخلق، وثمة إنسان مبغوض، أينما جلس يلعنه الناس، ماذا يمنع أن تكون نِعَمُ الدنيا متصلة بِنِعَمِ الآخرة؟ يمكن أن تنال ثواب الدنيا، وحسن ثواب الآخرة.
﴿وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ﴾ هذا الذي حينما يسوق الله له مصيبة لا يضعف، ولا يستكين، وهذا الذي يستغفر، يستغفر من تقصيره، أو من مجاوزته الحَدّ، وهذا الذي يدعو بتثبيت الأقدام، والنصر على القوم الكافرين، هذا عند الله محسن.
﴿ فَـَٔاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا وَحُسۡنَ ثَوَابِ ٱلۡأٓخِرَةِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (148) يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ (149)﴾
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ
1 ـ اتباع الكفار في نمط حياتهم خسارة فادحة:
والله هذه الآية أيها الإخوة مفصليّة، أنت حينما تتّبع الكفار في تجارتك، أحياناً طرائق في التجارة مُستقاة من العالم الغربي، نظام ربوي، وفوائد، وعُمولات، فكل هذه الحركة خلاف الشرع، أنت حينما تقلّد الغرب تطيعه، أحياناً تطيعه في تربية أولادك، تؤمن بالاختلاط، أيُعقل أن تسمح لبناتك أن يكنّ مع شباب وهنّ في سن الشباب بدافع الانفتاح، والحضارة، والمرونة، والثقة بالبنت؟ أنت بهذا تقلّد الأجانب، دقق؛ أعراس مختلطة، وإذا لم يكن ثمة اختلاط فيجب أن يقف العريس أمام النساء الكاسيات العاريات، هكذا التقاليد، نمط غربي، في أفراحنا، وأتراحنا، وفي كل شؤون حياتنا، نقلد الأجانب.
كان أحد المعامل يحقق أرباحًا عالية جداً بأعماله الصالحة، بإحسانه، بصدقاته، بزكاته، الآن يدفع كل هذه المبالغ للإعلانات، هذا نمط غربي، يدفع ملايين كثيرة على الإعلانات فقط، بدّل بالإحسان، وأداء الزكاة، والصدقات، الإعلان، النجاح بالتجارة، والصناعة أساسه التوفيق، والتوفيق أساسه الطاعة لله عز وجل، مؤمن بالتسويق الغربي، بالإعلان فقط، ومتى يكون الإعلان مثيراً؟ بالمرأة، فلا بد من امرأة كاسية عارية مع هذه البضاعة، هذا التسويق الغربي الأجنبي، وهناك من يؤمن بالتسويق الغربي، ولا يؤمن بالتسويق الإسلامي، الإسلامي أتقِن بضاعتك.
2 ـ النمط الإسلامي فيه الخير كلّه:
لي أخ رصدَ مبلغاً كبيراً بالملايين للإعلان، فماذا فعل صاحب هذا المعمل؟ وظّفه في الأعمال الصالحة فقط، قال: لاقت بضاعتي رواجاً لا يوصف، عنده معمل أجهزة كهربائية، رصد مبلغًا للإعلان، فجعله مقابل صيانة كل جهاز أصابه عطب دون مقابل لسنتين، المبلغ الذي رصده للإعلان جعله في خدمة هؤلاء المشتريين، أيّ إنسان عنده جهاز أصابه عطب يُصلَّح، وتُبدَّل القطع التالفة مجاناً، قال لي: راجَت البضاعة، فهل يجب أن تتقيد بالتسويق الغربي؟
ومعمل آخر سمعت عنه كان له مدير محسن، ويعطف على العمال، ويعطيهم مساعدات استثنائية في الأيام الحرجة، في أيام الولادة فرضاً، في أيام الشتاء، وكان العمال منصرفين إلى إتقان عملهم إتقاناً بارعاً، والمعمل كله أسرة واحدة، جاء أخ لهذا المدير، واستلم مكانه على النمط الغربي، لم يعطِ مساعدات أبداً، وما رحم أحدًا من العمال، لكن بذل أموالاً فلكية على الإعلان، هذا التسويق الغربي، فإذا أردت التوسع في الآية ترى أن نظام حياتنا كله غربي.
3 ـ اتباع الكفار طاعةٌ لهم :
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ﴾ حتى في بيوت المسلمين أجهزة اللهو هي في وادٍ، وأنت في وادٍ، هي في الشهوات، والعلاقات، والحفلات والمسلسلات، وكل عمل فني فيه معاصٍ لا تعد ولا تحصى، والأصل أن الدين شيء قديم لا قيمة له، نحن نطيعهم دون أن ندري، ممنوع أن يكون فندق من خمس نجوم دون خمر؟! مستحيل، هذه طاعة لهم، ثم لم يعد هناك نجوم، لقد طُمست النجوم من دون خمر، اعتنِ بالفندق عناية بالغة، سمّه باسم إسلامي، لا خمس نجوم، وفيه خمر، ونحن نطيعهم بهذا، طبعاً إذا أطعناهم في الربا، وفي الكسب الحرام، وفي الغش مثلاً فلا بد لهذه الدجاجة من أن تبقى من دون نوم أربعين يوماً، هي متوترة، والذي يأكلها يتوتر! هكذا تعلّمنا بالمداجن، يُطعمون البقر طحين اللحم، البقر نباتي، أطعموه طحين اللحم فجنّ، وما جنون البقر إلا من جنون البشر.
في الغرب يقولون: كل شيء قابلٌ للدراسة والرفض، لا يوجد عندهم شيء مُقدّس أبداً، نحن عندنا منهج، أصول الذبح، وأصول الطعام.
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ﴾ في سبيل السياحة نسمح بكل شيء، طاعةً للغرب، صناعة السياحة تحتاج إلى بيوت، إلى شقق مفروشة، وغض البصر عن الدعارة أحياناً، من أجل الدخل السياحي.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ(149) بَلِ ٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلنَّٰصِرِينَ (150)﴾
أيها الإخوة، أعيد وأكرر؛ منهج الله منهج كامل، ومن الخطأ الكبير أن نظنّ أنّ منهج الله هي هذه العبادات الشعائرية وحدها، منهج الله في كل شيء؛ في كسبِ المال، وإنفاقه، والزواج، والطلاق، والاحتفال، والأتراح، والأفراح، والسفر، والإقامة، منهج الله كامل، فحينما نطيع الذين كفروا في مناهج حياتنا، من أجل تقوية أولادنا باللغة الأجنبية لا بد من السفر إلى بلاد بعيدة، السفر مسموح، أما أن يسكنوا مع أسرة متفلّتة، واحتمال أن يعود الابن زانياً فلا مشكلة، لكنه قوي باللغة الانكليزية! هذه مشكلة كبيرة جداً، يجب أن ننشئ معاهد للتقوية في بلادنا، أما أن نضحي بأخلاق أولادنا من أجل تعلم اللغة فهذه مشكلة كبيرة جداً، فنحن ينبغي أن نأتي بالبدائل الإسلامية لكل شيء، أما أن نفهم الدين فقط صومًا وصلاة وحجّا، وزكاة، وفي شؤون الدنيا كالنمط الغربي، هذا تنطبق عليه هذه الآية: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ﴾ حينما خرجت المرأة إلى العمل، وانغمست فيه، وفقدَ الأولاد الأم المربية ماذا حصل؟ حصل خطأ كبير جداً، يدفع الآباء الآن ثمنه، لست ضد العمل إذا كان مشروعًا، أما إذا كان على حساب دين المرأة، أو على حساب استقامتها، أو على حساب عِفّتها، أو على حسب إخلاصها لزوجها، هذا عمل قد يُسيء للأسرة، فما كلّ عملٍ نرضاه للمرأة، نرضى لها عملاً يتناسب مع طبيعتها، ومع حِشمتها، ومع استقامتها، ومع عفتها، ومع إخلاصها لزوجها.
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمۡ﴾ مُطلَقة، تطيعه في ماذا؟ في شؤون حياتنا، في أنماط حياتنا، في منهجنا، في اقتصادنا، وعلاقاتنا، وفي منهجنا، في أفراحنا.
بَلْ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ
﴿إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ*بَلِ ٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلنَّٰصِرِينَ﴾ لو أنكم أطعتم ربكم تولّاكم ، ونقلكم من حال إلى حال ، ومن نجاح إلى نجاح ، ومن خير إلى خير ﴿بَلِ ٱللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلنَّٰصِرِينَ﴾
﴿ سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ بِمَآ أَشۡرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗاۖ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلظَّٰلِمِينَ (151)﴾
الملف مدقق