وضع داكن
23-11-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة البروج - تفسير الآيات 01-11 السماء وأهوال اليوم الموعود.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيدنا محمد الصّادق الوعد الأمين.
اللّهمّ لا علم لنا إلّا ما علّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهمّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا علمًا وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام؛ سورة اليوم:

بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ 

﴿ وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ(1)﴾

[ سورة البروج ]


المقياس على الأرض يتلاشى في السماء:


المقياس على الأرض يتلاشى في السماء؛ أي أن محيط الأرض أربعون ألف كيلو متراً هذا لا يذكر في السماء إطلاقاً، مهما بدت لك القارة واسعة الأبعاد، فالاتحاد السوفيتي مثلاً يشغل أكبر دولة في العالم من حيث الامتداد؛ مسافات شاسعة، والإنسان إذا نظر إلى سورية على الخارطة يجدها مسافة صغيرة جداً، اركب من دمشق إلى حلب تقول: لقد مللنا حتى وصلنا بخمس ساعات، فما قولك في دولة لها مسافات شاسعة، وجميع القارات الخمس تشكل خُمس الأرض، فاليابسة خُمس الأرض، وجميع المقاييس التي على وجه الأرض تتلاشى في السماء فلا قيمة لها، الزمان في الأرض لا زمان في السماء؛ أي صفر، والمكان في الأرض لا مكان في السماء؛ صفر، وقد يكون وزن الأرض- هذه فكرة جديدة- يوجد في السماء بقع سود يوجد فيها ضغط شديد جداً، والعلماء قدَّروا أن الأرض لو دخلت في هذه البقعة السوداء لانضغطت حتى تصبح كالبيضة، فمن يصدق الأرض بحجمها الكبير، بأنهارها بجبالها بقارَّاتها؟!- قال بعض العلماء: في السماء يوجد بعض النجوم المضغوطة، السنتيمتر المكعب يزن مئة مليون طن- إذاً ممكن لو دخلت الأرض في بعض هذه البقع السوداء لانضغطت،
 وبالمناسبة الماء لا ينضغط، فلو جعلنا متراً مكعباً من الماء في متر مكعب من الحديد الفولاذي السميك وأنزلنا على متر مكعب من الماء مكبساً فوقه مئة طن أو ألف طن لا ينضغط الماء ولا سنتيمتر ولا ميليمتر فالماء لا ينضغط، والأرض بأكملها تنضغط وتصبح كالبيضة فما هذه القوى الضاغطة في هذه البقع السوداء؟!

الإنسان يجب أن يفكر بالسماء حتى يعرف من هو الله -عزَّ وجلَّ-:


الآن، أراد الماء مجازاً أن يتمدد، لا توجد في الأرض قوة أرضية تستطيع أن تحول بينه وبين التمدد، وهنالك يوجد أكثر من المحرك المصنوع من أرقى أنواع المعادن من خلائط في منتهى المتانة والقساوة، فإن نسي أحدنا الماء في أيام الصقيع في المحرك من دون مادة مضادة للتجمد فالمحرك يتشقق، فما معنى ذلك؟ إن الماء إذا تمدد ليس في الأرض كلها قوةٌ تمنع تمدده لا فولاذ ولا صخر، الصخر يتفتت، أساساً أحد عوامل تفتت التربة تمدد الماء في أثناء الصقيع، فالماء إذا تجمد تمدد ثم يتفتت الصخر، وأحياناً تلاحظ في منطقة جبلية صخوراً متشققة تسرب الماء إلى داخلها وأصبح صقيعاً تمدد الصخر كلَّه، وحتى الآن إحدى الطرق لتقطيع الصخر صنع ثقوب فيه وإدخال ماء ثمَّ تبريده يشق الصخر، فالماء لا يمكن أن ينضغط، الأرض بما فيها وما عليها ومن فيها لو دخلت هذه البقعة السوداء في الفضاء لأصبحت كالبيضة، ما هذه القِوى؟! شيءٌ لا يعلمه إلا الله.
ما هذه القوى المتجاذبة في الفضاء؟ فالقمر مربوط بالأرض بقوة جاذبية تعادل كبل فولاذي قطره خمسون كيلو متراً؛ أي قطر الفولاذ من دمشق مثلاً إلى بلودان أو إلى قرب النبك؛ هذا ثخن القطر الفولاذي، فعندما يقول ربنا -عزَّ وجلَّ- يقول: ﴿وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ﴾ فالإنسان يجب أن يفكر بالسماء حتى يعرف من هو الله -عزَّ وجلَّ-، وحتى يعرف إذا كان الإله أمر بأمر كيف ستكون استجابتك، من أجل أن تعرف إذا وقفت بين يدي الله -عزَّ وجلَّ- لمن تصلي، ومن تخاطب؟ تقف بين يدي من؟ إذا قرأت القرآن فيجب عليك أن تعرف هذا كلام من؟ كلام رافع السماء بلا عمد، والسنة الضوئية -كما تعرفون- تعادل عشرة مليون مليون كيلو متر؛ أي ما يقطعه الضوء في سنة واحدة يعادل عشرة مليون مليون كيلو متر، والشيء الغريب أننـا عندما نرى نجماً في الفضاء ونرصده فهذا المكان مكان وجوده حينما أرسل ضوءه إلينا، والضوء استمر في الطريق؛ فأما ضوء القمر فيصل بثانية، وضوء الشمس بثماني دقائق، وضوء أقرب نجم إلينا أربع سنوات ضوئية وأربعة الأعشار، وأقرب مجرة بُعدها عنا اثنا عشر ألف سنة ضوئية، وهذه الأرقام قد لا يصدقها العقل.

إعجاز الله في الكون:


إذا ربنا -عزَّ وجلَّ- قال: ﴿وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ﴾ فكلكم يعلم أنَّ الأرض تدور حول الشمس وهذه الدورة بسرعة ثلاثين كيلو متراً في الثانية، وفي دورانها حول الشمس تطوف حولها وتمرّ على مجموعة نجوم، هذه المجموعات من النجوم تسمى الأبراج، فكلكم يعلم مثلاً برج العقرب، برج الجدي، وهناك بروج كثيرة، هذه المجموعات من النجوم على شكل عقرب، وهذه على شكل جدي، وهذه على شكل حمل... وهكذا، فربنا -عزَّ وجلَّ- يقول: ﴿وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ﴾ ، في أحد هذه الأبراج الذي هو برج العقرب نجم لامع أحمر اللون متألق اسمه (قلب العقرب)، وهذا النجم يتسع للأرض والشمس مع المسافة بينهما، وبعض العلماء قالوا: في السماء المرئية مليون مليون مجرة؛ هذا أحدث رقم ومن أحدث مصدر-مليون مليون مجرة- في كلِّ مجرة أكثر من مئة ألف مليون نجم ﴿وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ﴾ ، وفي كلِّ نجم من هذه النجوم الكبيرة يسع مليون أرض؛ أي النسبة بين الشمس والأرض مليون وثلاثمئة ألف، فالشمس التي نراها صباحاً وظهراً لو أنَّ جوفها مفرَّغ لاتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض، وفي هذه المجرات بعض النجوم يتسع لثلاثين مليون شمس، شمسنا تتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض، وبعض النجوم في المجرات يتسع لثلاثين مليون شمس من شمسنا فما هذه الأحجام؟! ربّنا -عزَّ وجلَّ- قال: ﴿وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ﴾ ، فهل فكرت فيها؟!هل نظرت إليها؟! وهل عرفت مبدعها؟! هل فكرت في خالقها؟! هل نظرت إلى عظمة الله من خلالها؟! هل خشعت بين يديه؟! هل انصعت لأمره أم بقي الإنسان متمرداً؟!

إلى مَتى أَنتَ في المَعاصي    تسيـر مرخى لـك العنـــانُ

عندي لك الصلح وهو يرى    وَعنـدك السيـف والسنــانُ

ترضى بأن تنقضي الليـالي    وما انقضت حربك العوانُ

[ عبد الرحيم بن أحمد بن علي البرعي اليماني ]

إلى متى أنتَ باللَّذَّاتِ مَشغُولُ   وَأنتَ عن كلِّ ما قَدَّمْتَ مَسؤُولُ

[ البوصيري ]

إلى متى؟!

فيا خـــجلتي منـه إذا مـا قال لي    أيا عبـدَ سـوء مـا قرأت كتابـنا

أما تستحي منا ويكفيك ما جرى    أما تخشى من عتبنا يوم جمعنا

أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً    إلينـا وتنظر ما به جـاء وعدنا

[ علي بن محمّد بن وفا  ]

إلى متى؟!

﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَٰسِقُونَ (16)﴾

[ سورة الحديد ]

هذه ساعة الصفر متى ستكون؟ ساعة التوبة الكاملة، ساعة الانصياع الكامل لله -عزَّ وجلَّ-، ساعة العزوف عن المعاصي كلِّها صغيرها وكبيرها متى؟ سوف أفعل هذا غداً، هلك المسوفون؛ سوف أفعل هذا في مطلع الصيف، بعد أن أؤدي الامتحان، بعد أن أتزوج أتوب، وما يدريك أن تصل إلى الزواج وأنت حيّ من يعلم ذلك؟!

المجرات والنجوم وما فيها من آيات الله الدالة على عظمته:


توجد أرقام ومعلومات -سبحان الله- الحديث عنها شيء غير معقول قد يبدو هذا لبعض الناس، وقيل في بعض المجرات يحدث فيها انفجار، والمجرات والنجوم تأخذ أرقاماً وحروفاً، فهذه المجرة التي رمزها (84m) يحدث فيها انفجار وهذا الانفجار يعادل قوة انفجار قنبلة هدروجينية مضروبة بواحد أمامه ستة وأربعون صفراً، والآن تكلمنا قبل قليل عن الرقم المذهل (مليون مليون) واحد أمامه اثنا عشر صفراً، فإذا كان واحد وأمامه ستة وأربعون صفراً ضعف انفجار القنبلة الهدروجينية؛ هذا انفجار يحدث في مجرة اسمها (84m).
مرصد ببعض الدول الأجنبية اسمه (بلومار) هذا المرصد حتى الآن رصد ألف مليون مجرة، وبكل مجرة من هذه المجرَّات تقريباً رصد مئة وثلاثين ألف مليون نجم، وقد رصد و صوّر، أما العين المجردة هذه لا ترى إلا ثلاث مجرات فقط؛ الأولى اسمها (المرأة المسلسلة) والثانية اسمها (ماجلان الكبرى) والثالثة اسمها (ماجلان الصغرى)، في هذه العين المجردة لا نرى إلا ثلاث مجرات فقط، وأما في المرصد الذي قطر عدسته اثنا عشر متراً، واستغرق صنع العدسة حوالي اثنتي عشرة سنة وتبريدها خمس سنوات؛ أي سبعة عشر عاماً حتى صُنعت هذه العدسة كي ترصد هذه المجرات الواسعة.

﴿ عَلَّمَ ٱلْإِنسَٰنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)﴾

[ سورة العلق ]

﴿ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُۥ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۗ مَن ذَا ٱلَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُۥٓ إِلَّا بِإِذْنِهِۦ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَىْءٍۢ مِّنْ عِلْمِهِۦٓ إِلَّا بِمَا شَآءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ ۖ وَلَا يَـُٔودُهُۥ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْعَظِيمُ (255)﴾

[ سورة البقرة ]

ربنا -عزَّ وجلَّ- سمح لنا أن نعرف حتى الآن هذه الحقائق، وما يدرينا أنَّ هناك حقائق أُخرى لا نعرفها نحن الآن؟

وصف السماء:


يوجد شيء آخر؛ النجوم العملاقة -كما قلت قبل قليل- قد يزيد حجم النجم منها على ثلاثين مليون شمس من شموسنا؛ هذه العملاقة، هذه ذات لون أحمر ويوجد لون أبيض أقلُّ إضاءةً، وربنا -عزَّ وجلَّ- قال:

﴿ وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ (11)﴾

[ سورة الطارق ]

مثلما أقول لك الآن: هل تقدر أن تعطي السيارة وصفاً ينطبق على جميع السيارات قديمها وحديثها، منذ أن صُنعت أول سيارة وحتى آخر طراز، الكبيرة والصغيرة، الشاحنة وغير الشاحنة والسياحية، ذات المصادر المتعددة والبلدان المتنوعة والطاقة المتعددة، وصف واحد يجمع فيه كلّ السيارات من دون استثناء، وأقدم سيارة وأحدث سيارة، أكبر سيارة وأصغر سيارة وحتى اللعب وصف واحد؟ السيارة شيء يتحرك؛ هذا الوصف الذي يجمع كل أنواع السيارات، فربنا -عزَّ وجلَّ- أراد أن يصف السماء فماذا قال؟ قال: ﴿وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ﴾ أي بخار الماء يتصاعد إلى السماء فيرجع أمطاراً وهذا شيء جميل، ﴿وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ﴾ هذه الأمواج التي تبثها الإذاًعات لولا طبقة في السماء تعيدها إلينا لما كان هناك اتصال لاسلكي على وجه الأرض ﴿وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ﴾ .
الحكمة من جعل الله -عزَّ وجلَّ- الكون متحركاً وليس ثابتاً:
ربنا -عزَّ وجلَّ- قال: ﴿وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ﴾ بمعنى آخر: أنّ كل كوكب في السماء يدور حول مدار معين في مدار معين، وكل أفلاك السماء، وكل نجوم السماء تدور، ومعنى الدوران أن تعود حيث كنت قبل قليل، والآن نحن في هذا التاريخ بعد سنة بالضبط بهذا التاريخ تكون الأرض قد رجعت إلى موقعها الحالي، فالأرض الآن تمشي، الأرض والشمس والقمر والمجرات والمجموعة الشمسية، كل كوكب في السماء يدور، فلماذا الله -عزَّ وجلَّ- جعل الكون متحركاً ولم يجعله ثابتاً فيكون أهدأ؟ لو أن الكون ثابت لتجمَّع كلَّه في كتلةٍ واحدة، طبعاً لوجود الجاذبية، النجم الأكبر يجذب الأصغر وهكذا الكون كلُّه يتجمع بكتلة واحدة، فلماذا جعله متحركاً إذاً؟ من أجل أن تنشأ قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة فيبقى الدوران ويبقى الانفصال مع الدوران، إذاً لمَ الحركة؟ الحركة فيها بركة، فلولا الحركة لا يوجد ليل ولا نهار، ولا يوجد صيف وشتاء وخريف وربيع، لا يوجد بروج تراها في السماء، فلولا أنَّ الأرض تدور حول الشمس لما رأيت بروج السماء ﴿وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ﴾ ، من نتائج دورة الأرض حول الشمس أن سكان الأرض يرون البروج في السماء-طبعاً الخبراء في النجوم- في الصيف يوجد بروج تُرى، والحقيقة في كلِّ شهر يوجد برج، وفي السماء اثنا عشر برجاً، فلكل شهر برج نراه نحن في سمائنا الدنيا، فربنا -عزَّ وجلَّ-قال: ﴿وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ﴾

كلمة الرجع صفة مشتركة لكل ما في السماء:


فعندما قال ربنا: ﴿وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ﴾ فكلمة الرجع صفة مشتركة لكل ما في السماء، وربنا 
-عزَّ وجلَّ- قال:

﴿ وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَٰطِلُ ۚ إِنَّ ٱلْبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)﴾

[ سورة الإسراء ]

أيضاً الباطل أنواع، فالباطل الاعتقادي أنواع، والباطل السلوكي أنواع، وباطل فئات الأرض أنواع، فللباطل أنواع لا تعد ولا تحصى؛ أي بين نقطتين لا يمر سوى مستقيم واحد، أما الطرق المنحنية والملتوية والمنكسرة يمر مليون خط منحنٍ بين نقطتين، ولذلك فربنا -عزَّ وجلَّ- قال:

﴿ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِى مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِۦ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)﴾

[ سورة الأنعام ]

 صراطي مستقيماً مفرد: ﴿وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ ، خطوط الانحراف كثيرة، إذاً الباطل كثير والباطل الاعتقادي كثير، في الهند يوجد المئات من الديانات كلها ديانات فيها شرك بالله -عزَّ وجلَّ-؛ تأليه الشمس، وتأليه البقرة، والإنسان يموت فيحرقونه، والبقرة تدفن دفناً؛ هذا باطل، ويوجد مذاهب في الأرض باطلة لا يعلمها إلا الله، ويوجد تصرفات باطلة، وكسب رزق باطل، وتعامل مع الناس باطل، ومعتقد باطل، وقيم باطلة، وتصورات باطلة، والآن مثلما قال ربنا -عزَّ وجلَّ-: ﴿وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ﴾ ، فهل ممكن الآن ربنا -عزَّ وجلَّ- يعطي وصفًا للباطل يشمل كلّ باطل من دون استثناء؟ قال: ﴿إِنَّ ٱلْبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ أي أن هذه الصفة المشتركة التي تجمع بين كلِّ أنواع الباطل فكل أنواع الباطل زاهقة، ولو قال: زاهقة، اسم فاعل، أنت قد تقول: ( فلان كاذب) أي أنت قد جربت عليه كذبةً واحدة، أما إذا كان كثير الكذب فهذا يسمى كذوباً على وزن فعول، كذلك ربنا -عزَّ وجلَّ- ما قال: إن الباطل كان زاهقاً، معنى زاهقاً يزهق مرة واحدة يمكن أن يتجدد أما: ﴿إِنَّ ٱلْبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ فإذا ربط إنسان مصيره مع الباطل فمعنى ذلك أنه معه مزهوق أيضاً؛ أي زاهق ومزهوقٌ معه، أما إذا ربط الإنسان مصيره مع الحق الذي لا يحول ولا يزول يكون في منتهى الذكاء والكياسة، وإذا ربطت مصيرك مع شيء باطل شيء هو مبدأ، هو شخص، هو سلوك، هو تصرف ﴿إِنَّ ٱلْبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ ، أما الإنسان إذا ربط نفسه مع الحق، كن للحق عبداً فعبد الحق حر:

﴿ وَلَا تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ ۘ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُۥ ۚ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)﴾

[ سورة القصص ]

معاني (كان) في القرآن الكريم:
فمعنى (كان) معنى دقيق جداً، وجدت في القرآن الكريم أربعمئة وأربع وعشرين (كان)، فالإنسان يقول لك أحياناً: الجو ممطرٌ، بعدئذٍ تقول: كان الجوُّ ممطراً؛ أي أنت نقلت هذا الحدث أو الإسناد إلى زمن ماضٍ، لكن إذا قرأت قوله تعالى:

﴿ إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوٓءَ بِجَهَٰلَةٍۢ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍۢ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17)﴾

[ سورة النساء ]

﴿ وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ ٱلرِّيَٰحُ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ مُّقْتَدِرًا (45)﴾

[ سورة الكهف ]

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُۥ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْءٍۢ ۚ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)﴾

[ سورة النساء ]

﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۢ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ ۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبْنَ ۚ وَسْـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِۦٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًا (32)﴾

[ سورة النساء  ]

هذه (كان) أصبح لها معنى آخر وليس معناها الماضي، معناها الكون العام والوجود والاستمرار؛ أي هذا الشيء الذي رُبط بهذا الشيء مع فعل (كان) مترابط معه وجودياً بحيث لو زال هذا الشيء لزال الأصل ﴿وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ أي علمه شيء ثابت وأزلي وقديم وسرمدي، مثلاً إذا رأيت ضوءاً أخضر فهل من الممكن أن تفصل الأخضر عن الضوء؟! ضوء أخضر هل بإمكانك أن تفصل اللون الأخضر وحده عن الضوء؟! مستحيل، فلما ربنا -عزَّ وجلَّ- قال: ﴿إِنَّ ٱلْبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ أي أن يكون الباطل زهوقاً فهذا شيء ثابت فيه، فالزهوق مترابطٌ مع الباطل ترابطاً وجودياً، حيث كان الباطل فهو زهوق: ﴿وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ أي العلم والحكمة شيء ثابت وقديم وأزلي وسرمدي.
 لا زلنا في السماء ذات البروج، ربنا -عزَّ وجلَّ- لما حدثنا عن السماء ذات البروج فإن بعض العلماء قالوا: إنَّ أقرب نجم إلينا بُعده عنا أربع سنوات ضوئية، وهنا توجد نقطة دقيقة جداً فهذا النجم عندما تقول: أربع سنوات ضوئية؛ أي انطلق الضوء منه، فالطريق يستمر أربع سنوات، ونحن اليوم رأينا النجم بالمرصد، فهل تصدقون أنَّ هذا النجم كان قد أصدر ضوءًا قبل أربع سنوات والآن في مكان آخر، فقد يكون انفجر، وقد يكون تحول، وقد يكون زال؟!
عندما صعدوا إلى القمر هل تظنون أنهم تتبعوا القمر بالضوء؟! ضوءه كاذب، والضوء الذي تراه فالقمر سائر وأنت يجب أن تذهب إلى مكان حينما تصل إليه يجب أن تصل إلى مكان وصوله بعد أربعة أيام، فهناك حسابات دقيقة جداً، فهذا النجم يصل ضوءه إلينا بعد أربع سنوات من انطلاق الضوء منه، وهذه الفترة الزمنية معقولة، أما مجرة المرأة المسلسلة فبُعدها عنا مليوني سنة ضوئية؛ أي إذا خرج منها الضوء يستمر سائراً في طريقه إلينا مليوني سنة ضوئية، فإذا رأينا هذه المجرة مجرة المرأة المسلسلة هذه الرؤية قبل مليوني سنة، وهي الآن أين تكون؟ لا يعلم مكانها الآن إلا الله، فالذي نراه في المرصد اليوم ما كان قبل مليوني سنة، وكل التاريخ البشري المقروء سبعة آلاف سنة قبل الميلاد، فما نراه اليوم عن هذه المجرة هو ما كان قبل مليوني سنة، فما هذه العظمة؟!

الزمن هو البعد الحركي للأجسام والجسم الثابت ليس له زمن:


شيء آخر؛ بعض الكازارات الآن كشفوا أن بُعدها عن الأرض اثني عشر ألف مليون سنة، القمر ثانية ضوئية، والشمس ثماني دقائق، وأقرب نجم أربع سنوات، وأقرب مجرة مليوني سنة، وأبعد مجرة من نوع الكازارات اثنا عشر ألف مليون سنة، والأغرب من ذلك أن المجموعة الشمسية تدور حول مركز المجرة فما سرعتها؟ نحن قبل قليل قلنا إن الأرض تمشي ثلاثين كيلو متر في الثانية، من نصف ساعة للآن ثلاثون دقيقة، فثلاثون في ستين ثانية؛ أي ألف وثمانمئة ثانية وبكل ثانية ثلاثون كيلو متر فنكون قد قطعنا مسافة في الفضاء تقدَّر بأربعة وخمسين ألف كيلو متر وهذه سرعة الأرض حول الشمس، فما قولكم في سرعة المجموعة الشمسية حول مركز المجرة؟ مئتان وخمسون كيلو متر في الثانية وهي سرعة المجموعة الشمسية حول مركز المجرة، فكم تستغرق المجموعة الشمسية في دورانها حول مركز المجرة حتى تصل إلى ما كانت عليه قبل كذا سنة؟ قال: مئتان وخمسون مليون سنة تستغرقها المجموعة الشمسية في دورانها حول مركز المجرة، فما سرعة بعض المجرات؟ قال: سرعة بعض المجرات تقترب من سرعة الضوء؛ أي حوالي مئتين وأربعين ألف كيلو متر في الثانية، الأرض ثلاثون كيلو متر، والمجموعة الشمسية مئتان وخمسون كيلو متر، وبعض المجرات الضخمة سرعتها مئتان وأربعون ألف كيلو متر في الثانية، فلو أن الشيء سار بسرعة الضوء لانقلب ضوءً- لصار ضوءًا-، ومن صفات الضوء أن كتلته صفر وحجمه لا نهائي، فلو أن إنساناً سار بسرعة الضوء لانقلب إلى ضوء؛ لذلك فالصورة تجميد الزمن، والزمن هو البعد الحركي للأجسام، والجسم الثابت ليس له زمن، أما المتحرك فله زمن أي:

﴿ وَيَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ ۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)﴾

[ سورة الإسراء  ]

هذا الذي أدركه الإنسان في هذا العصر والشيء الذي يجهله أكثر مما يعلم، والله الذي لا إله إلا هو، قلت قبل يومين كلمة في نفسي: كلما ازداد علم الإنسان بالله ازداد جهلاً به، كيف؟ فإذا كنت عرفت شيئاً من عظمته فتجد أنك لم تعرف شيئاً بعد أبدًا وما بقي عليك مما تجهله أضعاف مضاعفة مما عرفته، فالآن نحن نريد أن نستفيد من هذه الحقائق، الآن إذا قال ربنا -عزَّ وجلَّ- لك:

﴿ إِنَّنِىٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِىٓ (14)﴾

[ سورة طه  ]

(يا موسى أتحب أن أجلس معك؟ قال: كيف ذلك يا رب؟! قال: أما علمت أنني جليس من ذكرني؟) عندما تصلي استحضر هذه العظمة وهذه الصور عن الكون، تقف أنت بين يديه، عندما يأتيك أمر من البشر يتناقض مع أمر إلهي قُمْ بالموازنة بين المخلوق والخالق، فهل من المعقول أن يستمع جندي لكلام عرِّيف ويعصي أمر قائد الفرقة؟ يكون أحمقاً، لو تعارضوا يمشي مع قائد الفرقة، فالقائد يقدر أن يضع العريف في السجن، فهل من المعقول أن يطيع إنسان مخلوقاً في معصية الخالق؟! يكون لا يعرف الخالق، فبمجرد أن تعصي الله -عزَّ وجلَّ- مطيعاً لإنسان فهذه علامة الرسوب في الإيمان ﴿وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ﴾

حجم خوفك من الله بحجم علمك:


لكن ما هذه المناسبة بين: ﴿وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ﴾ وبين:

﴿ وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ (2)﴾

[ سورة البروج  ]

أي يوم القيامة، فربنا -عزَّ وجلَّ- يقول لك: ﴿وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ*وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ﴾ أي بقدر ما في السماء من عظمة بقدر ما في هذا اليوم الموعود من هول، فيكون هناك انسجام وتوافق وهذا عطف، فنحن في الأدب لا ينبغي أن نعطف اسماً على فعل، ولا فعلاً ماضياً على مضارع، والأقوى أن يكون هناك انسجام في العطف فربنا -عزَّ وجلَّ- يقول: ﴿وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ﴾ ، -والله الذي لا إله إلا هو- أنا اعتقادي أن الذي سمعتموه عن المجرات شيء صغير جداً وقليل جداً، فالإنسان معرفته متواضعة وعلمه في الحقيقة جهل، وكلما رأيت إنساناً متكبِّراً اعتبره جاهلاً فالعالِم متواضع.
﴿وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ*وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ﴾ إذاً من الذي لا يخاف من الله؟ الأحمق، الجاهل، فحجم خوفك بحجم علمك، مرة قال لي شخص: إني لا أخاف من الله، قلت له: معك حق، وعندما قلت له معك حق فانتبه لي كأنه انتصر، فقلت له: أحياناً الطفل الرضيع يمر بجانبه ثعبان فيلمسه ولا يخاف منه لعدم وجود الإدراك، فعلى قدر الإدراك الإنسان يخاف، أما عندما يكون أبوه لقفز قفزاً من الثعبان، فهل نقول: إن الطفل لا يخاف وهو أحسن من أبيه؟! الطفل لا يوجد عنده إدراك؛ لذلك عندما لا يخاف الإنسان من الله تعالى يكون أحمقًا، ورأس الحكمة مخافة الله، ولو أن الله أكرمنا بمعرفة الأنبياء نراهم أشدَّ الناس خوفاً من الله، وهؤلاء المقصرون علامَ هم مطمئنون؟ هذا شيء غريب.
 يقول سيدنا عمر: "عجبت لثلاث: لمُؤملٍ والموت يطلبه، وغافلٍ وليس بمغفولٍ عنه، وضاحكٍ ملء فِيه ولا يدري أساخطٌ عنه الله أم راضٍ؟!" فإنه لا يعرف، كيف هو مطمئن؟! هذه أنا سميتها طمأنينة بلهاء، فعندما الإنسان يطمئن وليس هو بمستقيم، يطمئن وليس متحققاً من دخله، مطمئن وليس مطيعاً لله -عزَّ وجلَّ- هذه طمأنينة بلهاء. 
﴿وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ*وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ﴾ ، فبقدر ما في السماء من عظمة بقدر ما في هذا اليوم من هول، لا على المؤمن ولكن على أهل العصيان والفسوق والفجور؛ لأن هناك حساباً دقيقاً.

﴿ وَشَاهِدٍۢ وَمَشْهُودٍۢ (3)﴾

[ سورة البروج  ]

قال بعض المفسرين: هاتان الكلمتان جمعتا الكون كله، هذا الشيء إما أن يكون شاهداً؛ أي كائناً مدركاً أو مشهوداً، فالكائنات الحية كلها والجمادات ما يَرى وما يُرى ﴿وَشَاهِدٍۢ وَمَشْهُودٍ﴾ ، كما قال الله -عزَّ وجلَّ-: 

﴿ فَلَآ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (1) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (2)﴾

[ سورة الحاقة  ]

﴿ أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُۥ ظَٰهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍۢ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَٰبٍۢ مُّنِيرٍۢ (20)﴾

[ سورة لقمان ]

 

ليس القرآن الكريم كتاب قصص ولكنه كتاب عبر:


 ﴿وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ* وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ* وَشَاهِدٍۢ وَمَشْهُودٍ﴾ ثلاث آيات:

﴿ قُتِلَ أَصْحَٰبُ ٱلْأُخْدُودِ (4)﴾

[ سورة البروج  ]

الآن ربنا -عزَّ وجلَّ- أشار إلى قصة جعلها تسليةً لهؤلاء الذين يُضطَهدون في سبيل الله، هؤلاء الذين يتحملون الصعاب لا لشيء، إلا لأنهم عرفوا الله -عزَّ وجلَّ- وخافوا منه فلم تأخذهم بالله لومة لائم، ليس القرآن الكريم كتاب قصص ولكنه كتاب عِبَر، فربنا -عزَّ وجلَّ- كأنه يسلي أصحاب النبي   -عليه الصلاة والسلام- الذين لاقَوا من أذى قريش وتعنُّتها وإخراجها لهم من بلادهم، ومحاربتها لهم وتعذيبها إيّاهم، كأن الله -سبحانه تعالى- من طرفٍ خفي، وبطريقةٍ غير مباشرة يسلّي أصحاب النبي الكريم المُعذبين، قال:

﴿ قُتِلَ أَصْحَٰبُ ٱلْأُخْدُودِ (4) ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ(5)﴾

[ سورة البروج  ]

وتفصيلات القصة لا تهمنا كثيراً، لكن يهمنا أنَّ هناك قوماً ظالمين حفروا أخاديد في الأرض وملؤها ناراً مشتعلة، وجاءوا بالمؤمنين وعذبوهم في هذه الأخاديد، على مرأى منهم ومسمعٍ من أصواتهم.
﴿قُتِلَ أَصْحَٰبُ ٱلْأُخْدُودِ* ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ﴾ أي أوقدوها وأضرموها حتى اشتعلت وألقوا فيها المؤمنين حتى احترقوا، ووقفوا يتأملون في تعذيبهم كأنهم يتشفَون منهم، لذلك كان لدى الرومان إستادات ضخمة جداً، فكانوا يأتون بإنسان يضعونه بالساحة العامة ويخرجون إليه وحوشاً ضارية، وكان الرومان يتلذذون بمرأى موت هؤلاء بين أنياب هذه الوحوش، طبعاً القلب القاسي بعيد عن الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿قُتِلَ أَصْحَٰبُ ٱلْأُخْدُودِ﴾ الله -سبحانه وتعالى- سيهلكهم: 

﴿ قُتِلَ أَصْحَٰبُ ٱلْأُخْدُودِ (4) ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6)﴾

[ سورة البروج  ]

أي قاعدون ينظرون إلى هؤلاء المُعذبين لينقعوا غُلتهم -كما يقول الأدباء-.

أهمية الحركة في حياة المسلم:


﴿ وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7)﴾

[ سورة البروج ]

يشهدون عذابهم بأنفسهم، فمن غير المعقول ملك يصدر أمراً بقتل إنسان ويحضر ساعة قتله إلا أن يكون في قلبه ألم شديد منه، إذ عليه أن يصادق على الحكم وانتهى فيقتلونه، أمّا أن يحضر قتله، فقد يكون عنده غيظ؛ امتلأ منه غيظاً، أراد أن يشفي غليله برؤيته وهو يتعذب.

﴿ قُتِلَ أَصْحَٰبُ ٱلْأُخْدُودِ (4) ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلَّآ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ (8)﴾

[ سورة البروج ]

أحياناً المؤمن تأتيه بعض المتاعب، فإذا كانت المتاعب جاءت بسبب تقصير فلا تقل: هذه لله أنا احتسبتها لله، فهذا تقصير منك، موظف تأخر فحاسبوه على تأخره لا يعتبرها لأنَّه مؤمن فعلوا معه هكذا؛ هذا تقصير، أما إذا أنت قمت بواجبك الكامل، ولسبب أنّك مؤمن تحمَّلت بعض المشاق فهذا احتسِبه عند الله -عزَّ وجلَّ-، وهذا ألم مقدّس وهذه مصيبة مقدسة، وهذه تصيب العظام من الناس، وهذه المصيبة بالذات تصيب من كان طموحاً لرضوان الله -عزَّ وجلَّ-، طبعاً إذا الإنسان لم يتحرك فلن يغلط، وإذا كان سكونياً لا أحد يقترب منه، فما دام هناك حركة فهناك محاسبة ومسؤولية؛ لذلك فالإنسان الذي يتحرك ويغلط أفضل من الذي لا يتحرك ولا يغلط، هذا قدَّم شيئاً للمجتمع، فهؤلاءِ ذنبهم الوحيد أنهم آمنوا بالله العزيز الحميد، هذا أسلوب بلاغي (تأكيد المدح بما يشبه الذم) أي:

ولا عيبَ فيهم غيرَ أنَّ سيوفهم    بهنّ فلول من قراع الكتائب

[ النابغة الذبياني ]

يوجد فيهم عيب واحد الحقيقة؛ من شدة خوض الحروب وشجاعتهم سيوفهم مثلّمة، والنبي الكريم استخدم هذا الأسلوب، فقد ورد في الأثر:( أنا أفصح العرب بَيْد أني من قريش) وقريش أفصح قبيلة، فهو أفصح العرب، وهو من أفصح قبيلة، فلان كريم؟ نعم كريم ولكن يوجد له قصة، هذا مع أنه كريم إلا أنه شجاع؛ هذا تأكيد المدح بما يشبه الذم.

العزة كلُّها محصورةٌ بالله -عزَّ وجلَّ-:


يوجد أسلوب آخر اسمه (تأكيد الذم بما يشبه المديح) : فلان بخيل إلا أنه إنصافاً له نقول: إنه لئيم؛ أي مع أنه بخيل فهو لئيم (تأكيد الذم بما يشبه المدح)
﴿وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلَّآ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ﴾ فلو (العزيز) وقفنا عندها أشهراً لا ننتهي منها؛ الذي لا يُنال جانبه، فإذا غلط الطبيب معك غلطة تفتح له هاتفاً وتعمل له تنبيهات: لماذا لم تسألني عن الحساسية؟ أخذت إبرة أصبح معي صدمة فذهبنا إلى المشفى في الليل، هكذا الأصول أيها الدكتور؟! هذا الشأن الكبير تلاشى، عندما يقدم لك صانع القطعة قطعة يوجد فيها عيب وتنبهه إلى العيب تجده انكمش، أما الله -سبحانه وتعالى- لا يُنال جانبه، في أعماله كلها حكيم، في كلِّ تصرفاته رحيم، لطيف، عليم، قدير، لا يُنال جانبه؛ عزيز.

﴿ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلْأَعَزُّ مِنْهَا ٱلْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلْمُنَٰفِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)﴾

[ سورة المنافقون ]

﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّٰلِحُ يَرْفَعُهُۥ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)﴾

[ سورة فاطر ]

أي العزة كلُّها محصورةٌ بالله -عزَّ وجلَّ-، سبحانك إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، الذي يعادي الله -عزَّ وجلَّ- له عذابٌ مهينٌ في الدنيا، وعذاب مهين غير أليم، يوجد عندنا عذاب أليم، وعذاب عظيم، وعذاب مهين:

﴿ وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلَّآ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ (8) ٱلَّذِى لَهُۥ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ (9)﴾

[ سورة البروج ]


كل ما في السموات والأرض ملك لله وحده خلقاً وتصرُّفاً ومصيراً:


  والله هذه الآية لوحدها تكفي: ﴿ٱلَّذِى لَهُۥ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ﴾ كلٌّ ما في السماوات، وكلُّ ما في الأرض، وما على الأرض، وما بين السماء والأرض ملكه، فما معنى ملكه؟ أي ملكه خلقاً، وملكه تصرُّفاً، وملكه مصيراً، هو خلقه، وهو الذي يسيِّره، وإليه مصيره: ﴿ٱلَّذِى لَهُۥ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ﴾ ، أحياناً الزوج يقول لك: زوجتي ليس لها أحد؛ مقطوعة، من الذي يقدر أن يكون حامياً لها؟! اقرأ هذه الآية: ﴿وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ﴾ ، أحياناً البائع يكون عليه ضغط يغش البضاعة، يقرأ الآية هذه: ﴿وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ﴾ ، سيدنا رسول الله -اللهم صلِ عليه- رأى أبا ذرّ الغفاري -رضي الله عنه- يضرب غلاماً له مرَّ به، فقال: اعلم أبا ذر أنَّ الله أقدر منك عليه: ﴿وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ﴾ ، شريكان الله يرى، أو أخان، أو جاران، أو موظفان، يأتيك مراجع تكون معاملته بالدرج الثاني، وأنت جالس مرتاح، وتقول له: تعال غداً، فهل تعرف من أين أتى؟ قم وتحرك واجلبها له، يقول لك: هو لايعرف، لم تُوقَّع من المدير، فتتكلم بما شئت، لكن ﴿وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ﴾ ، إن كنت تؤمن بالآية تنضبط وتستقيم: ﴿وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ﴾ ، كل شيء، هذه كلمة (شيء) تشمل كل شيء، كلمة (شيء) أوسع كلمة تعني عن كلِّ شيء ﴿وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ﴾ ، حتى الإنسان إن أدَّب ابنه يجب أن يتقي الله لأنه لا أحد يقدر أن يمنعه من ذلك، فهل يقدر أن يستغيث بأحد؟ أب يربي ابنه، يجب أن يرى أن الله على كل شيء شهيد، فهذا الذنب لا يستأهل الضرب، هذا الذنب بحجم يريد تأديباً من نوع معيّن، أحياناً يغضب الأب من زوجته فيصب كل غضبه على ابنه حتى يلفت نظرها، فما ذنب هذا الصغير؟ تحدثُ أحيانًا ﴿وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ﴾ ، الله يراك إذا غضبت، وإذا قصَّرت، وإذا كان يشتغل على الساعة، جاء فوجد المعلم لم يأت، هو جاء في الساعة الثامنة والثلث وكتبها ثمانية، اقرأ هذه الآية: ﴿وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ﴾ ، قال له: اطلع إلى السفر واصرف، فهذا كتب شيئاً كان وشيئاً لم يكن، مصروف الفندق مثلاً مئة وثمانون ليرة في الليلة هذا هو أقل سعر، وأنت دفعت ثمانين فقط ﴿وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ﴾ ، أحياناً تصلح عند شخص سيارتك، يقول: هنا كان يوجد قطعة تالفة فرميناها ووضعنا أخرى جديدة فأنت لن تنبطح وتراها من تحت، يكون هو وضعها ولكن صلحها ولم يغيرها بأخرى ﴿وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ﴾ إيّاك، حاسب نفسك فإنها آية فظيعة جداً تدور مع الإنسان، ومع الموظف، والصانع، وأصحاب المصالح، والزوج، والزوجة، والشركاء، والمدرسين، والمحامين، والأطباء، والمهندسين، والقضاة، وتدور مع كلّ مصلحة ﴿وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ﴾ ، أحياناً يأتيك زبون ساذج، يقول لك: هذا زبون مدهن، وبعد هذا لبسناه البضاعة تلبيساً، يوجد فيها عيوب وبأسعار غالية، أعطاها له قطعًا مقطعة ﴿وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ﴾ .

معصية الله -عزَّ وجلَّ- كلُّها خسارة وطاعة الله -عزَّ وجلَّ- كلُّها ربح:


قال لي أحدهم: عندي سيارة فبعتها ويوجد فيها عيب خطير وبعتها لشخص بسعر غالٍ، والله قال لي هذا الكلام وهو مزهو، أنا شعرت أنَّ هذا يوجد أمامه شيء، وذهب فاشترى سيارة جديدة، في اليوم السادس من ركوبها عمل حادثاً ﴿وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ﴾ ، فعندما الإنسان يظن نفسه كسب في معصية الله فهذا منتهى الحمق والغباء، معصية الله -عزَّ وجلَّ- كلُّها خسارة، وطاعة الله -عزَّ وجلَّ- كلُّها ربح:

﴿ وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلَّآ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ (8) ٱلَّذِى لَهُۥ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ (9) إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ (10)﴾

[ سورة البروج ]


هؤلاء الذين فتنوهم وعذبوهم واضطهدوهم وأحرقوهم:


﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ (10)﴾

[ سورة البروج ]

بعض المفسرين قالوا: عذاب جهنم هو نفسه عذاب الحريق، قد يقول قائل: إذا كان عذاب جهنم هو نفسه عذاب الحريق فلِمَ قال الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ﴾ ؟! العطف كما قال بعض علماء النحو يقتضي المغايرة، فهل تقول: جاء أحمدُ وأحمد، هل هو نفسه أحمد؟ غير معقول، إن قلت: جاء أحمدُ وأحمد، يكون أحمد هذا غير أحمد هذا، الاثنان اسمهما أحمد وأنت ناسٍ كنيتهما، جاء أحمد الذي أنت تعرفه وأحمد الثاني الذي هو أحمد، مادام هناك عطف فيوجد مغايرة، فربنا -عزَّ وجلَّ- قال: ﴿فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ﴾ ، بعضُ العلماء استنبط من هذه الآية أنَّه يوجد عذاب نفسي، ويوجد عذاب جسدي، فهناك عذاب الحريق، وعذاب نفسي، ويوجد أحاديث تؤكد هذا المعنى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ﴾ ، إنَّ كلام الله حق، ومن لم يخف من وعيد اللهِ فهو أحمق، والعبرة ما سيكون بعد الموت، وقد قال الإمام عليُّ كرم الله وجهه: "الغنى والفقر بعد العرض على الله" ، بعد العرض على الله لك أن تقول: أنا غني أو فقير، أما في هذه الدنيا لا قيمة للمال إذا كثُر ولا عبرة للمال إذا قلّ، العبرة للعمل الصالح، ونستطيع أن نستنبط من هذه الآيات الترابط بين:  ﴿وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ* وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ﴾ ، فبقدر ما في السماء من عظمة بقدر ما في يوم القيامة من هول، والشيء الآخر أنَّ ﴿وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ﴾ هذه الآية اجعلها شعاراً لك في كلّ حركاتك، وفي كلّ سكناتك، وفي بيتك، من لم يكن له ورعٌ يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيءٍ من عمله، وقد ورد في الأثر ( ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط ) ، والفكرة الثالثة أنَّ الباطل زهوق، فإذا الإنسان ربط نفسه مع الباطل فهو هالكٌ مثل الباطل، أما إذا ربط نفسه مع الحق، فالحق أبديٌ سرمدي، حتى لو جاء الموت تتنقل إلى حياة أجمل وأسعد وأكرم.

﴿ قِيلَ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَٰلَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِى رَبِّى وَجَعَلَنِى مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ (27) ﴾

[ سورة يس ]

﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30)﴾

[ سورة فصلت ]


الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور