وضع داكن
03-12-2024
Logo
الدرس : 3 - سورة الحاقة - تفسير الآيات 38-52 القرآن كلام الله - عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

  ربنا جلَّ جلاله في آخر هذه السورة رَسَمَ لنا طريق الجنة:


أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الثالث والأخير من سورة الحاقَّة، ومع الآيات الأخيرة التي تبدأ بقوله تعالى:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)﴾

[ سورة الحاقَّة  ]

أيها الإخوة؛ القرآن الكريم آياته محكمة، فحينما قال الله عزَّ وجل:

﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ(24)﴾

[  سورة المعارج  ]

اللهمَّ اجعلنا من هؤلاء..

﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (32) إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ(37)﴾

[ سورة الحاقَّة  ]

كيف السبيل إلى دخول الجنة؟ كيف السبيل إلى أن نكون من هؤلاء الأوائل الذين أوتوا كتابهم بيمينهم؟ الذين هم ﴿فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23)﴾ هؤلاء الذين يتنعَّمون بما أسلفوا في الأيام الخالية، كيف نكون من هؤلاء؟
ربنا جلَّ جلاله في آخر هذه السورة رَسَمَ لنا الطريق، يقول الله عزَّ وجل: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)﴾ ما معنى لا أقسم؟ هذه كأس الماء ترونه جميعاً كأس ماء، فهل يحتاج إلى أن أُقسِم أنه كأس ماء؟ الشيء البديهي، الشيء المُسَلَّم به، الشيء الواضح كالشمس، المُسَلَّمات التي تتفق مع الفطرة هذه لا تحتاج إلى قسَم، هل تحتاجون إلى أن أُقسِم لكم أن الأب أكبر من الابن؟ من منّا يُصدّق أن الابن أكبر من الأب من حيث السن؟ مستحيل، الفرع يكون دائماً أصغر من الأصل، والجزء أصغر من الكل، هذه مسلَّمات، فلو أن إنساناً أقسم لكم أن عُمُرَ الأب أكبر من عمر الابن هذا القسَم لا معنى لأن هذه الحقيقة تُدرك بالفطرة، لو أنك سألت أهل الأرض جميعاً: من هو الأكبر الأب أم الابن؟ يقول لك: الأب، توجد حالات نادرة، قضايا اجتماعية، هذه موضوع آخر.
سئِل سيدنا العبَّاس: أيكما أكبر أنت أم رسول الله؟ قال: هو أكبر مني، وأنا ولدت قبله، هذا أدب رفيع جداً، أما من حيث العمر الزمني؛ من حيث عدد السنوات التي يعيشها الإنسان هل منّا واحدٌ يصدّق أن عمر الابن أكبر من عمر الأب؟ هذه الحقيقة البديهيَّة الواضحة الناصعة البسيطة التي يُدرٍكها الإنسان بالفطرة، هذه التي تنطوي تحت المُسَلَّمات هل تحتاج إلى قسَم؟ لا، هذا معنى قول الله عزَّ وجل: ﴿فَلَا أُقْسِمُ﴾ أي هذه الحقيقة لشدة وضوحها، ولنصاعتها، ولبديهيتها، ولانسجامها مع فطرة الإنسان لا تحتاج إلى قسَم.
 

في الكون حقائق لا أحد يُبصرها:


﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)﴾ هذه الآية فيها لفتة علمية عميقة جداً، لو نظرنا مثلاً إلى السماء، ماذا نرى؟ قرأت مرَّةً أن بعض المراصد المتواضعة تستطيع أن تعدّ عشرة آلاف نجمة، أما الحقيقة التي عرفها العلماء اليوم، والتي لا تُرى بالعين قريب من مليون مليون مجرّة، وفي المجرّة الواحدة قريب من مليون مليون نجم، أي مليون مليون ضرب مليون مليون، أي واحد أمامه اثنا عشر صفراً ضرب واحد أمامه اثنا عشر صفراً، العملية ضرب وليست جمعاً، هذا عدد النجوم التي توصَّل إليه العلماء بالمراصد العملاقة، أما هذه العين التي في رؤوسنا في إحدى الليالي التي غاب فيها القمر لو نظرنا إلى السماء لا نستطيع أن نعد أكثر من عشرة آلاف نجمة، فهذه العشرة آلاف نجمة مما نبصر، والمليون مليون ضرب مليون مليون نجم مما لا نبصر، فكأن الذي لا نبصره أعظم بكثير من الذي نبصره، فالله سبحانه وتعالى أشار إشارةً إلى أن في الكون حقائق لا أحد يُبصرها، ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ﴾ .
 

محدودية الحواس نعمة كبرى:


رأيت قرصاً عليه كثيرة ما يقرب من مئة واثنين وستين مليون معلومة، ثمن كتبه مئتا ألف ليرة سورية، هذا قرص صغير، انظر إلى المعلومات هل تستطيع بعينك أن تنظر إلى هذه المعلومات؟ مستحيل، فالحواس محدودة، وأنها محدودة هذه نعمةٌ كبرى، أحدنا يُمسك بكأس ماء يراه صافياً، تتوق نفسه إلى شربه، أما لو وضعت هذا الماء تحت مجهر لرأيت فيه من الكائنات الحيَّة والبكتريا ما تعاف نفسك أن تشربه، لا تشربه أبداً، لكن الحواس محدودة، قد تنظر إلى ابنك الصغير ذي الجلد المتألِّق الأملس، لو وضعت هذا الجلد تحت مكبّر مجهري إلكتروني لوجدت أخاديد، وجبالاً، وتلالاً، وودياناً على خدِّه، فمن نعمة الله عزَّ وجل أن الحواس التي أودعها الله فينا حواس محدودة، أحياناً تُجْرَحُ يدك قليلاً فإذا أكلت طعاماً حامضاً تشعر بألم لأن الأعصاب الحسَّاسة في الطبقة الثانية من الجلد، لو أنها مكشوفة لأصبحت حياة الإنسان جحيماً لا يُطاق، من هنا قال الله عزَّ وجل:

﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)﴾

[  سورة القمر ]

فالحواس محدودة، هذه العين لها عَتَبَة دنيا، وعتبة قصوى، لذلك توجد أشعة فوق الحمراء وتحت البنفسجية لا نراها نحن، الحواس إذاً لها عتبات، العين لها عتبة رؤية، والأذن لها عتبة استماع، وكل شيءٍ له حدود، إذاً حواسُّنا محدودة، إذاً عدم الرؤية لا يدل على عدم الوجود، وأكبر حماقةٍ ارتكبها الإنسان في مطلع عصر النهضة أنه أصبح حسِّياً لا يؤمن إلا بما يرى.
وقد سأل معلمٌ طلابه: هل ترون الله؟ قالوا: لا، قال: إذاً هو غير موجود، فقال له أحد الطلاّب: هل نرى عقلك يا أستاذ؟ قال: لا، قال إذاً ليس لك عقل، ما كل شيءٍ لا يُرى لا يوجد، عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، هذه حقيقةٌ مهمةٌ جداً وهي محور الدرس، ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)﴾ .
 

البحار من آيات الله الدالة على عظمته:


هذه البحار لو أنك وقفت على ساحل بحر ماذا ترى؟ ترى مياهاً زرقاء، لو أن إنساناً غاص إلى أعماق البحر لرأى العجب العُجاب؛ لرأى الجزر المرجانية، لرأى النباتات البحرية والطحالب، لرأى مليون نوع من السمك، بالموسوعة العلمية الحقيقة الثابتة أن في البحر مليون نوع من السمك، أنت ماذا رأيت من البحر؟ فباطن البحر مما لا نبصر.
الحقيقة يبدو أن الذي لا نبصره إذا قيس إلى الذي نبصره كبير جداً، بل إن الذي نبصره لا شيء إطلاقاً أمام الذي لا نُبصره، فربنا عزَّ وجل يشير إلى هذه الحقيقة.
 

الأحياء الدقيقة:


مرَّة رأيت في مجلّة علمية مكعَّباً من التراب، وفي داخل هذا المتر المكعب من التراب ما يزيد عن عشرة آلاف مخلوق، طبعاً البكتيريات بالملايين، أما الحشرات، ديدان التربة،  هذه لا تراها، ترى حقلاً، كم حيواناً يعيش تحت التراب؟ هذا مما لا تُبصر، هذا الذي نتحدث عنه عن الحشرات والأشياء التي يمكن أن نراها، أما التي لا تراه الأعين فهو أكبر بكثير.
 

الزغابات المعوية وشعر الرأس:


من منّا رأى أن أمعاءه الدقيقة فيها زُغابات تتبدل كل ثمان وأربعين ساعة؟ أبداً، عمر الخلية في زُغابة الأمعاء ثمان وأربعون ساعة، تتبدَّل كل يومين، أي منذ أن ولدت إلى الآن كل يومين يوجد تبدل في خلايا الأمعاء الدقيقة التي تمتص، وهذا الشعر الذي في رأسك من منّا يصدق أن لكل شعرةٍ وريداً، وشرياناً، وعصباً، وعضلةً، وغدّةً دهنيةً، وغدّةً صبغية؟
 

خلايا الدماغ والعصب البصري:


من منّا يصدق أن في رأسه مئة وأربعين مليار خلية استنادية في الدماغ لم تُعرف وظيفتها بعد؟ من منّا يصدق أن في شبكية العين مئة وثلاثين مليون عصيّة ومخروط؟ وأن العصب البصري قد يصل إلى تسعمئة ألف عصب، وهذه الخطوط لا تتداخل، أما نحن أحياناً  تتصل بإنسان فتسمع مكالمة ثانية، من أين جاءت هذه المكالمة الثانية؟ من تداخل هذه الخطوط، أما تسعمئة ألف عصب فلا يمكن أن تتداخل فيما بينها، تنقل الصورة إلى الدماغ حيث الإدراك، أنت وحدك كونٌ كامل، الحديث عن العين لا ينتهي بأشهر، الحديث عن الدماغ لا ينتهي بأشهر، الحديث عن أعضاء النطق، كل حرفٍ تنطق به تسهم في تكوينه سبع عشرة عضلة، كم حركة عضلية يحتاجها إلقاء كلمة خلال ساعة حتى صنعت هذه الحروف؟ وكم حرفاً صنع كلمة؟ وكم كلمة صنعت جملة؟ وكم جملة صنعت محاضرة؟ ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)﴾ .
 

الحوينات والنسج:


في اللقاء الزوجي الواحد هناك خمسمئة مليون حوين هل تراها أنت؟ هل بإمكانك أن تعدَّها واحدةً واحدة؟ كل حوين له رأس، وله عنق، وله ذيل، وكائن حيّ فيه مكونات، فيه مليون معلومة مورِّثة، أين هذا كلّه؟ الآن توجد مجاهر إلكترونية تُكبّر بعض النسج أربعمئة ألف مرَّة، الشيء الذي يُرى بالصور لا يُصدَّق، توجد صور للسان، صور لشبكية العين، صور لأعضاء الأذن، صور لجدار المعدة، صور للأمعاء، صور لخلايا الكبد، صور للجلد، صور للخلية العظمية، أنت ترى عظماً أملس ولكن هل تصدّق أنَّ عظمك إسفنجي؟ لأنه لو كان أَصَمّ لكان وزنك الضعف، ومعنى أن يكون وزنك الضعف هو أنك تحتاج إلى قلب مضاعَف، تحتاج إلى طاقة مضاعَفة، فيجب أن تأكل الضعف، أما العظم مخلخل وأمتن، المُفَرَّغ أمتن، عنق الفخذ يحمل خمسمئة كيلو، عظم الفخذ له عنق لكي يكون الإنسان منظره جميل، حتى يكون من الوسط أعرض من الصدر ومن الأرجل، لهذا يوجد عنق لعظم الفخذ، هذا العنق يحمل خمسمئة كيلو، هل تبصر خلية العظم كيف تكون؟
 

عظمة الكون:


الآن طبعاً يوجد تقدّم علمي مذهل؛ وصلوا إلى الفضاء، تراهم يقولون: غزونا الفضاء، تأدَّبوا مع الله، الفضاء الذي غزوتموه سابقاً يبعد عن الأرض ثانية ضوئية واحدة، القمر يبعد عن الأرض ثانية ضوئية واحدة، والآن المريخ حَطَّت مركبة على كوكب المريخ، لكن الأرض، والمريخ، والزهرة، وعطارد، والمشتري، كل هذه المجموعة الشمسية أقصى قطرٍ لها هو ثلاث عشرة ساعة، القمر ثانية ضوئية، هذه المجرّة التي تبعد عنّا ثلاثمئة ألف بليون سنة ضوئية هل تراها أنت؟ ثلاثمئة ألف بليون، قبل عامٍ ونصف أذاعت إحدى محطَّات الأخبار العالمية خبراً عن اكتشاف مجرّةٍ من خلال مرصدٍ عملاق رُكِّب على مركبةٍ فضائية أُرسلت إلى المشتري، وبقيت تسير في الفضاء الخارجي ست سنوات، وإلى جانب المشتري التقط هذا المرصد العملاق صورة مجرّة تبعد عن الأرض ثلاثمئة ألف بليون سنة ضوئية، هل ترى أنت هذه المجرَّة؟ إنَّ أقرب نجمٍ ملتهبٍ إلى الأرض يبعد عنّا أربع سنوات ضوئية، لو أردت أن تصل إليه فإنك تحتاج إلى خمسين مليون سنة، الأربع سنوات ضوئية تحتاج إلى أن تصل إليها إلى خمسين مليون سنة، فهذا الإله العظيم الذي يقول لك: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)﴾ أي هل من الممكن أن تكتشف أنت على الخلية الإنسانية، أي خلية، ولتكن  الحوين المنوي، أو خلية من الثدي التي تُستخدم في الاستنساخ، أنَّ هذه الخلية يوجد عليها أكثر من مليون معلومة مبرمجة؟ وكل معلومة لها علاقة بتكوينك، يوجد مورّث للطول، مورّث للون، مورث للشعر، موَرِّث للمرض الفلاني، مورث للسرطان، كل مورث عبارة عن أمر مبرمج معقَّد جداً، العلم الأول الآن في علم الطب الهندسة الوراثية، يريدون أن يعرفوا سرّ تكوين الإنسان، لماذا هذا الإنسان يتحمَّل بعض الجراثيم وهذا لا يتحمّل؟
أيها الإخوة؛ هذه الآية الكريمة: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)﴾ أنت ماذا ترى في الجو؟ مرة كانت الحرارة في المملكة العربية السعودية أثناء أداء فريضة الحج ستاً وخمسين درجة، ونحن في الطائرة قالوا: نحن على ارتفاع أربعين ألف قدم الحرارة خمسون تحت الصفر، أما على الأرض فهي ستاً وخمسين فوق الصفر، يوجد فرق مئة درجة، هل ترى ذلك أنت؟ الآن توجد طائرات، توجد مركبات فضائية، يوجد مراصد، يوجد مجاهر الإلكترونية، هذه الخلايا؛ الكريات الحمراء، البيضاء، هل تعلم أنه في كل ثانية يولِّد نقي العظام اثنين ونصف مليون كرية حمراء؟ وأنه في كل ثانية تموت اثنان ونصف مليون كريَّة حمراء؟ وأن المرض العضال توقف هذه المعامل عن تصنيع الكريَّات اسمه فقر الدم اللامصنع،  هذا المرض لا يوجد له الآن شفاء، ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)﴾ من يحرك هذا الطفل حينما يبلغ التسعة أشهر، يقلبه رأساً على عقب؟ قال: أمر هرموني، هل رأيت أنت هذا الأمر؟ من الذي يوسّع عظم الحوض في المرأة؟ قال: أمر هرموني ثان، من الذي يجعل الرحم يتقلّص تقلصاتٍ لطيفة متزامنة متقاربة؟ أمر هرموني ثالث، شيء لا يُصدّق، آلية الولادة من آيات الله الدّالة على عظمته.

﴿ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20)﴾

[ سورة عبس  ]

أنا لا أتكلّم الآيات بشكل مُنَظّم، كلمة: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)﴾ الذي لا نبصره من حيث الكم يساوي ملايين ملايين ملايين الأضعاف عن الذي نبصر، ومن حيث التعقيد الأشياء التي تراها بسيطة أما الأشياء التي لا تراها فهي معقَّدة جداً.
 

تضيق الأوعية الدموية عند إرادة الوقوف من آيات الله العظيمة:


الإنسان أحياناً قد يكون مُضّجعاً يستيقظ من فراشه لا يشعر بشيء، هذا الدم يكون موزّعاً على طول جسمك وأنت مضَّجع، فإذا وقف الإنسان فجأةً يجب أن ينساق الدم إلى الأسفل وذلك بحسب قانون الجاذبية، معنى ذلك الإنسان يصاب بإغماء مباشر فوري، حينما تنوي أن تستيقظ هناك أمر يأمر كل الأوعية الدموية بالتضَيُّق ليبقى الدم في الرأس، والإنسان مع التقدّم بالسن تضعف هذه الآلية، فيُنصح أنه إذا استيقظ ينبغي ألا يقوم فجأةً، هل ترى أنت هذه العوامل التي تؤثّر في الأوعية فتجعلها ضيِّقة؟
 

الغدة النخامية:


أنت حينما ترى -لا سمح الله-أفعى في بستان وتُدرٍك أنها أفعى، خلال ثوان تجري في جسمك عمليَّات معقَّدة جداً جداً وأنت لا تشعر، هذه العين انطبعت على شبكيتها صورة الأفعى، تنقل هذه الأفعى إدراكاً إلى الدماغ، الدماغ ملك الجهاز العصبي اتصل فوراً بملكة اسمها الغُدَّة النخامية، ملكة الجهاز الهرموني، هذه الملكة من أخطر غدد الإنسان، لو أنها اضطربت تصبح حياة الإنسان جحيماً لا يُطاق، أما وزنها كبير جداً نصف غرام، تفرز اثني عشر هرموناً، أحد الهرمونات ينظِّم السوائل في الإنسان، لو أن هذا الهرمون لم يُفرَز الإنسان يجب أن يقضي كل وقته جانب صنبور الماء والمرحاض، فيشرب عشرين صفيحة ماء في اليوم وسيطرحها، هذا الهرمون ينظّم توازن السوائل، هل ترى أنت هذا الهرمون؟ هل ترى الغُدّة النخامية كلَّها؟ هل ترى هذه الغدة التي هي ملكة؟ رئيس الجهاز العصبي الدماغ يتصل برئيسة الجهاز الهرموني الغدة النخامية المحترمة، هناك خطر تصرفي، هي ملكة تعطي أمراً لغدتي الكظر اللتين هما فوق الكليتين، الكظر توجد عنده أجهزة وعنده آلات، يُصدِر خمسة أوامر فورية هرمونية لا عصبية، أمر إلى الأوعية الدموية بتضييق لمعتها، فالخائف يصفرّ لونه فوراً، لأن الخائف بحاجة إلى الدم للعضلات لا إلى المنظر الوردي الجميل، الآن خائف عليه أن ينجو بجلده.
فأول أمر هرموني تضييق الأوعية الدموية في جسم الإنسان ولاسيَّما المحيطية، فالخائف يصفر.
الأمر الثاني إلى القلب يرتفع النبض إلى مئة وثمانين نبضة، الخائف يحتاج إلى تدفُّق دم سريع لا إلى سير بطيء، فعلى قدر النبضات سرعة الدم، النبضات ثمانون نبضة الدم يمشي بهذا الشكل، أما مئة وثمانون نبضة فإن يسير الدم سريعاً.
الأمر الثالث إلى الرئتين كي يتناسب وجيب الرئتين مع ضربات القلب.
الأمر الرابع إلى الكبد لطرح كمِّية سُكَّر إضافيةٍ في الدم، توجد الآن مشكلة جديدة طارئة، يحتاج الإنسان إلى غذاء استثنائي.
الأمر الخامس؛ الأوامر معقَّدة جداً؛ إلى الرئتين، إلى القلب، إلى الجلد، إلى الكبد، الكبد يجوز أن يكون فيه صدام مباشر، ويصير فيه جرح، يذهب أمر إلى الكبد بمضاعفة هرمون التجلُّط حتى لا ينزف الدم كلَّه، وأنت لا تدري خلال ثوان صار هناك إحساس، إدراك، اتصال بين رئيسي الجهازين، الغدة النخامية أعطت أمراً موحَّداً للكظر، الكظر أعطى خمسة أوامر وأنت لا تشعر، فالخائف يضطرب قلبه، يزداد وجيب رئتيه، يصفر لونه، لو فحصت سكر دمه لرأيته مرتفعاً، هل ترون هذا أنتم؟ لا ترون هذا أنتم أبداً.
جهاز في الدماغ يكشف تفاضل وصول الصوتين للدماغ، من هنا تعرف جهة الصوت والفرق بين الصوتين، فلو صرخنا وراء إنسان وكنا على جهة اليمين فإن الصوت يصل للأذن اليمنى قبل اليسرى بواحد على ألف وستمئة جزء من الثانية، هذا الجهاز يكشف التفاضل يعرف جهة الصوت، هل عرفت أنت ذلك؟
فيا أيها الإخوة؛ والله لا أريد أن أُطيل عليكم بالأمثلة، لو أننا أمضينا في تفسير هذه الآية سنوات وسنوات لا تنتهي، هذا الذي لا نبصره، فالأحمق هو الذي يقول: أنا لا أؤمن بشيءٍ إلا إذا رأيته:

وفي كل شيءٍ له آيةٌ               تدل على أنه واحدٌ

[ لبيد بن ربيعة ]

* * *

 

العضلات الهدبية:


توجد الآن بديهيات في العلم، عينك مثلاً لها عدسة، والعدسة لها مِحْرَق، والشبكية هي المحرَق، حتى يقع الخيال على المحرق يوجد لدينا احتمالان: إما أن نغيِّر حركة المحرَق، أو أن نغير احتداب العدسة، المحرق عندنا ثابت، بعد الشبكية عن العدسة ثابت، بقي تحريك العدسة، أن نزيد في احتدابها أو نقلِّص، من المسؤول عن ذلك؟ عضلات هدبية بسيطة جداً، والله لو أن هذه العضلات تحمل دكتوراه في الفيزياء لما استطاعت، تقيس المسافة وتضغط ضغطاً يتناسب مع وقوع الخيال على الشبكية، عملية المطابقة هذه من أعقد عمليات العين، ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)﴾ فالذي لا نبصره أضعافُ أضعافِ الذي نبصره، وعظمة الذي لا نبصره أضعاف أضعاف الذي نبصره، أنت ماذا ترى بعينك؟ ترى أن الشمس شرقت من الشرق وغربت من الغرب، والحقيقة عكس ذلك، نحن ندور حولها، ندور حول أنفسنا دورةً كل يوم، لذلك يجب على الإنسان أن يعلم الحقيقة وهذه بديهيات، كيفما تحرَّكت؛ كأس الماء الذي تشربه، الطعام الذي تتناوله، البيت الذي تسكنه، هذه الطاقة التي تستخدمها (الكهرباء) من خلقها؟ الله جلَّ جلاله، أنت ترى شجرة ماذا تبصر؟ في الشتاء حطب، خشب  فقط،  في الربيع أزهرت، ثم أورقت، ثم أثمرت، هذا الذي رأيته.
 

ورقة الشجر من آيات الله الدالة على عظمته:


والله أيها الإخوة؛ قرأت في موسوعة علمية مترجمة عن النباتات كلمة عن ورقة الشجر الحقيقة أذهلتني، قال: إن أعظم معملٍ صنعه الإنسان حتى الآن يبدو تافهاً أمام الورقة، ما هذه الورقة؟ تستقبل النسُغْ الصاعد، عبارة عن ماء محلول فيه أملاح ثمانية عشر معدناً تقريباً؛ الفوسفات، والآزوت، والكالسيوم.. إلخ، هذه الأسمدة التي يضعونها في التربة، هذه أملاح معادن وليست معادن، أملاح معادن قابلة للذوبان، تذوب هذه في الماء ويصعد الماء بخاصّية شعريةٍ معقَّدةٍ جداً.
هل عند الإنسان سائل يُحْقَن فيكون حديداً تارة وإسفنجاً تارةً وعصيراً تشربه تارةً؟ هل يوجد عندك شيء هكذا؟ سائل واحد يعطيك مادة صلبة، ومادة رخوية، ومادة إسفنجية، ومادة غذائية؟ غير معقول، النسُغُ الصاعد وهو يصعد قد يرجع، قال: يوجد دَسامات، والدسامات شيء لا يُصدّق، نحن عندنا دسامات كلنا، أنت تقف خمس ساعات والدم يصعد من أسفل إلى أعلى خلاف الجاذبية، يصعد بدفع القلب لكن ما الذي يمنعه من أن يرجع؟ توجد دسامات في الأوردة، ثلاث وريقات كل فترة، عندما يأتي النبض تُفتح، وعندما ينتهي النبض تغلق، فلا يرجع الدم، وحينما تتعطّل يصاب الإنسان بمرض الدوالي، هذا تعطّل الدسامات الصاعدة، هناك دسامات مشابهة في النبات، فالماء الذي يصعد لا يرجع، عن طريق دسامات، أما النسغ النازل لخطورته الوعاء مُحَصَّن بحلزون حتى لا يضغط نمو النبات على لمعته، هل ترى أنت هذا؟ والله عندنا شجرة حملت هذه السنة فقط والحمد لله، وأكلنا منها، هل تعرف أن الشجرة معمل صامت؟ هي معمل صامت ينقِّي لك الجو، يأخذ فضلاتك الغازية ويعطيك ما تحتاجه من أكسجين، هل تعلم ذلك؟ الإنسان حينما يمشي في غابة صنوبر يشعر بانتعاش لأنها تُعْطِي الأكسجين بأكبر كمِّية وتأخذ غاز الفحم، هل أنت تبصر ذلك؟ النبات، الحيوان.
 

الحليب آية عظيمة من آيات الله:


هذه البقرة، والله عندنا بقرة تعطي أربعين كيلو في اليوم، الحمد لله، هل تعلم كيف يتحول الدم إلى حليب من بين فرثٍ ودمٍ؟ بعض إخواننا المهندسين الزراعين اطّلع على بحث جميل أطلعني عليه، أن كلمة فرْث هي الفضلات السائلة، يوجد فضلات غازية هي الزفير، وهناك فضلات سائلة هي حمض البول الموجود في الدم، وهناك فضلات صلبة الغائط، هذه الخلية -خلية الحليب-تختار من الدم ما تحتاج؛ تختار البروتين، الشحوم، الفيتامينات، المعادن، من أجل أن تصنع لك حليباً كامل الدسم، حليباً يعدُّ غذاءً كاملاً يمكن أن تقيم عليه حياتك، حتى هذه الساعة لا يعلم أحدٌ كيف تعمل هذه الخلية الثديية في البقرة، هي خلية توجد فوقها شبكة أوعية كأنها تنتقي من الدم ما تحتاج، كأنها عقل، ثلاثة بالمئة بوتاسيوم، أربعة بالمئة من الفيتامين الفلاني، بروتين، شحوم، سكَّريات، الحليب يُحلل مادة غذائية كاملة، وهناك شيء آخر يقول: أربعمئة حجم دم يساوي حجم حليب واحد، فكل كيلو حليب تشتريه هذا ساهم بصنعه أربعمئة لتر دم من البقرة، وهذا الضرع الكبير مقسّم بجدارين متعاكسين من الداخل، لو أن هناك أربعة إخوة لهم بقرة واحدة، كل حلمة من البقرة تُعْطي ربع الكمية بالتمام والكمال، بقرة ساكتة تأكل الحشيش تعطيك الحليب، تأكل جبنة، ولبن، وسمن، وقشدة، وعدد مشتقات الألبان، وبوظة في الصيف، و أرز بحليب في الشتاء، وشمندور، أشياء لا تعدُّ ولا تحصى من هذا اللبن السائغ للشاربين:

﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)﴾

[  سورة النحل ]

هل ترى ذلك؟ فهذا الذي لا تراه أعظم بمليار مرّة من الذي تراه، فربنا نبّهنا قال: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)﴾ .
 

ديدان التربة:


مرَّة اطّلعت على مقالة بمجلة مترجمة يقول كاتب هذه المقالة: يمكن أن يُلغى وجود الإنسان، الإنسان المخلوق الأول، لو فني البشر قاطبةً الحياة مستمرة، لو فني الحيوان بأكمله الحياة مستمرة، إلا أن في التربة ديداناً لو ألغيت تتوقف الحياة، هل تصدق ذلك؟ الدود في التربة يقوم بعمل يعجز عنه العلماء، يأكل التراب ويعطيه تراباً صالحاً لإنبات النبات، وهذه الديدان إذا أُبيدت تنتهي حياة الإنسان من على الأرض لأن التراب لا ينبت، والحيوان يموت، والإنسان يموت بعدها، هذا لا تراه أنت.
والله هذا الكلام لم يكن مُحَضَّراً، ماذا يأتيني من خواطر حول هذه الآية، أما لو كان هناك دراسات منهجية بعالم النبات، بعالم الحيوان، بعالم الأسماك، بعالم الفضاء، بعالم التربة لرأيت العَجَب العُجاب، توجد كل حقيقة لا يصدّقها العقل.
 

جهاز المناعة:


أنت لا تعرف يقول لك: الحمد لله الصحة طيِّبة، الصحة طيّبة لأنه يوجد جهاز مناعة، هذا جهاز المناعة هو عبارة عن جيش يفوق أرقى جيش في العالم، له قيادة، له أسلحة، يقول لك: سلاح الطيران، وسلاح المدرَّعات، وسلاح الإشارة، يوجد سلاح الاستطلاع، فإذا دخل إلى جسم الإنسان جرثومة، أعطت القيادة المركزية أمراً لسلاح الاستطلاع، ينطلق سريعاً إلى هذا الجرثوم، لا يقاتله، ولكنه يأخذ معلومات عن تركيبه أو عن شفرته الكيماوية، ويعود بها إلى معامل الأسلحة، في العقد اللمفاوية توجد معامل أسلحة، يسلِّم هذا العنصر شيفرة هذا الجرثوم وتنتهي مهمته، لأن هناك تنسيقاً، توجد قيادة حكيمة، العنصر الذي في العقد اللمفاوية مهمَّته أن يُصَنِّع مصلاً مضاداً لهذا الجرثوم، يُصنّعه فوراً، وانتهت مهمَّته، يوجد خلايا ثالثة، خلايا مقاتلة، هؤلاء سلاح المشاة، يحملون هذا السلاح وينتقلون إلى هذا الجرثوم، ويقاتلونه حتى يقتلوه وتنتهي مهمتهم، هناك سلاح الخدمات، سلاح الهندسة، هذا يأتي لينظف أرض المعركة من الجثث، ويوجد سلاح كوماندوس هذا أعلى شيء، هذا عنده قدرات عالية جداً، ممكن أن يكتشف شذوذ خلية قبل أن تشذ فيقضي عليها، لولا هذا السلاح لكان السرطان يعمّ البشر كلّهم، هذه الخلية تكتشف الشذوذ قبل أن يبدأ وتقضي عليه، أما الشيء الذي لا يصدَّق أن هذا الجيش العرمرم الذي في الجسم قيادته خارج الجسم، كل جهاز له قيادة، العَصَب له الدماغ، الهرمونات الغدة النخامية، الدوران القلب، إلا هذا الجهاز قيادته من خارج الجسم، ويقول مؤلف كتابٍ حول هذا الجهاز: ولا نعلم من أين يأخذ أوامره، يكفي أن ترتفع قدراته القتالية تُلغى كل الأمراض، فإذا تضعضع هذا الجهاز أقل مرض يقضي على الإنسان، قال: إن الحُب، والطمأنينة، والشعور بالأمن يرفعون قدرة هذا الجهاز؛ وإن الخوف والقلق، والحقد والبغض يُضعفان هذا الجهاز.
والآن فسّر لماذا يصاب الناس بأمراضٍ عضالة؟ إنه من الشرك، الشرك يعطي خوفاً، وقلقاً، واضطراباً، والتوحيد أساسه الثقة بالله عزَّ وجل، العالم الآن لا يعنيه إلا هذا الجهاز، جهاز المناعة المكتسب، ما الذي يضعفه ويدمّره؟ الانحراف الجنسي.
سمعت قبل شهر -ولم أصدِّق ما قرأت-لقد قرأت عن وزير الصحة البريطاني عقد مؤتمراً صحفياً، يحمل دكتوراه في العلوم الإنسانية، قال في المؤتمر: أنا شاذ جنسياً، والله هذا شيء غريب في مؤتمر صحفي! هذا الإنسان في آخر الزمان،  كيف بكم إذا أصبح المعرف منكراً والمنكر معروفاً؟ كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف، كيف بكم؟ 
 

القرآن كتاب الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه:


﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)﴾ أي كل هذا الكون المرئي وغير المرئي، كل ما فيه من مجرّات ومن كازارات، من مذنَّبات، من كواكب، من نجوم، من أقمار، من سُحُب، والأرض بجبالها، بصحاريها، ببحارها، بأنهارها، بأسماكها، بأطيارها، بنباتاتها، بالإنسان، كل ما في الكون يدلُّ على أن هذا القرآن كلام الله، هذا جواب القسم.

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40)﴾

[ سورة الحاقَّة  ]

رسول ليس مُبْتَدِعاً، ليس من عنده..

﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)﴾

[ سورة المائدة ]

إنما أنا مُتَّبِع، قال العلماء: إما أن هذا الرسول هو سيدنا جبريل، أو هو محمدٌ عليه الصلاة والسلام، كلاهما جائز.

﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41)﴾

[ سورة الحاقَّة  ]

هذا القرآن ليس شعراً، ولا نثراً، ولا قصَّةً، هذا كلام الله، من الغباء أن توازن بينه وبين الشعر، أو بينه وبين القصة، أو بينه وبين النثْر، إنه كلام الله، ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ﴾ ليس من العقل أن ينكر الإنسان شيئاً لم يدرسه، ولا بحث فيه، ولا درس جوانبه، ولا تعمَّق بفهمه، أنت هل سمعت عن إنسان طرق عليه ساعي البريد أعطاه رسالةً فجاء الذي تسلَّمها مزَّقها ولم يقرأها؟ مستحيل، هذا الإنسان الذي لا يُعظّم هذا الكتاب دون أن يقرأه، لا يقرؤه، لا يتعمّق فيه، لا يفهم أحكامه، هذا القرآن هو كلام رب العالمين، أي كل الكتب في الأرض بكفَّة، يُطبع في اليوم الواحد من كتب في العالم باللغة الإنكليزية فقط ما لا يستطيع الإنسان أن يقرأه في مئتي عام، كم كتاب يوجد في الأرض؟ كل هذه الكتب بجميع اللغات في كفَّة وهذا كلام الله في كفَّة ثانية، هذا كلام الله.
دخل إنسان مُغَنِّ إلى مكتبة في إيطاليا لفت نظره القرآن الكريم باللغة الأجنبية، سأل صاحب المكتبة: مَنْ مؤلِّف هذا الكتاب؟ قال له: الله، فسخر من هذا الكلام، واشتراه لينقض هذه الدعوى التي ادّعاها صاحب المكتبة، قرأه فآمن، وأسلم، وترك الغناء، وأنفق ثروته كلَّها في شراء اسطواناته هو وإتلافها لعل الله يغفر له ذلك، بدْءُ الهداية قال له: هذا الكتاب ألَّفه خالق الكون، أشار إلى السماء، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، كم هي المسافة بين خالق الكون وبين إنسان حقير؟ هي نفسها بين كتاب ألَّفه إنسان شاعر، كاتب، مفكِّر، وبين كتاب الله،  لا يؤلمني إلا أن يُعدَّ كتاب الله كأي كتاب، هذا قرآن، هذا كتاب الخالق!

﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)﴾

[ سورة فصلت ]

من عند الله، هذا الحق فيه مُطْلَق، لا يوجد فيه خطأ أبداً، قد تقرأ كتاباً ما من كتابٍ قرأته إلا وجدت فيه ثغرات بعد حين، والله كتاب قرأته كثيراً وهو من أعظم الكتب الدينية، ذكر  فيه المؤلف أن الإنسان عندما يأكل يصعد بخار الطعام إلى الدماغ، كأن الجسم مُفَرَّغ، المعدة صحن وضعت فيه الطعام الحار، بخار هذا الطعام صعد إلى الدماغ، شيء مضحك لأنه كلام بشر، أما هل وجدتم حقيقةً في الأرض تُصادم آيةً قرآنية؟ مستحيل لأنه كلام خالق الكون.
 

الله عزَّ وجل خلق الكون ونوَّره بالقرآن الكريم:


طبعاً أيها الإخوة؛ ﴿فَلَا أُقْسِمُ﴾ عند علماء التفسير بحكم أقسم، بمعنى أن الله عزَّ وجل حينما قال: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)﴾ جواب هذا القسَم المَنْفي: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ أي أن الكون كلّه في كفَّة وكلام الله في كفَّة، والدليل:

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)﴾

[ سورة الأنعام ]

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1)﴾

[ سورة الكهف ]

فالله عزَّ وجل خلق الكون ونوَّره بالقرآن الكريم، إذاً:

﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(43)﴾

[ سورة الحاقَّة  ]

أحياناً يكون للإنسان دعوى بالقضاء، يصدر اجتهاد محكمة النقض خمس كلمات يقول لك: ارتحت، هذا الاجتهاد يغطي دعواي، أنا دعواي ناجحة، كلمة قالها إنسان اجتهاد بسيط وقد لا يؤخذ به يشعر بالطمأنينة، وربنا عزَّ وجل يطمئن المؤمن في ستمئة صفحة، يعد المؤمن بجنةٍ عرضها السماوات والأرض، ألا ينبغي أن نطمئن؟

﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)﴾

[ سورة ابراهيم ]

هو القرآن الكريم: ﴿تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ إذا الله عزَّ وجل وعد مؤمناً بحياة طيّبة، وعداً قطعياً، وعد المُعرض بمعيشة ضنك، لابدَّ من أن يحيا هذه الحياة، وعد المستقيم بالرزق الوفير، وعد الخائن بالمَحْق، أي شيءٍ وعد الله به محقق الوقوع، وأي شيءٍ أَوْعَد الله به محقق الوقوع ما لم يَتُب صاحبه.
 

النبي عليه الصلاة والسلام أمين وحي السماء:


﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44)﴾

[ سورة المعارج  ]

لو أن النبي عليه الصلاة والسلام تكلَّم كلمة ما قالها الله عزَّ وجل، قال:

﴿ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)﴾

[ سورة الحاقَّة  ]

الوتين عرق في القلب إذا انقطع يموت الإنسان، ﴿لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾ أي: أهلكناه.

﴿ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)﴾

[ سورة الحاقَّة  ]

أي النبي عليه الصلاة والسلام اسمه أمين وحي السماء، لا توجد كلمة أوحى الله إليها به إلا وذكرها، هناك أمانة مطلقة، أمين وحي السماء، إذاً الله عزَّ وجل يوحي إليه وهو الرقيب عليه، ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ﴾ تقوَّل أي قال عنَّا قولاً ما قلناه، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾ بطشنا به، ﴿ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)﴾ لأن كل إنسان في قبضة الله، ﴿وَإِنَّهُ﴾ القرآن الكريم ﴿لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾ لأن الإنسان مفطور على الكمال، فإذا توافقت فطرته مع كتاب الله شعر براحة كبيرة.
 

أنواع التكذيب:


﴿ وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49)﴾

[ سورة الحاقَّة  ]

إما تكذيب قولي، أو اعتقادي، أو سلوكي، الإنسان عندما يخالف نص القرآن الكريم أحد أنواع التكذيب، لكن تكذيب عملي وهذا خطير جداً.
 

حسرة الكافرين:


﴿ وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50)﴾

[ سورة المعارج  ]

الحسرة ليست الآن، حينما يكتشف أن هذا القرآن الذي أهمله، واتخذه وراء ظهره، وأعرض عنه، ولم يتله آناء الليل وأطراف النهار، ولم يأخذ بأحكامه، ولا بحلاله ولا بحرامه، ولا التصور الذي جاء به القرآن للكون، والحياة، والإنسان، وأنه سبب هلاكه تأتيه الحسرة، ﴿وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ مثلاً: إذا باع إنسان بيته ولا يملك غيره، وباعه بعملة صعبة، ومعه جهاز في جيبه لكشف الزيف في العملة ولكن لم يستخدمه، ثم اكتشف أن الثمن كلّه عملة مزورة ألا يُصْعَق؟ لكن لماذا يتضاعف ندمه؟ لأن معه جهاز كشف الزيف ولكن لم يستخدمه، فالله عزَّ وجل أعطانا منهجاً وأعطانا عقلاً، فلا استخدم عقله ولا استخدم المنهج.

﴿ وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51)﴾

[ سورة الحاقَّة  ]

كل ما فيه حق يقين، وخيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط، لأنه لابدَّ من أن يؤمن ولكن بعد فوات الأوان حينما يأتيه ملك الموت.

﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)﴾

[ سورة الحاقَّة  ]

سبحان الله العظيم.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور