- أحاديث رمضان
- /
- ٠01رمضان 1415 هـ - قراءات قرآنية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
من آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً :
أيها الأخوة الكرام ؛
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾
معنى هذه الآية : إنسان توفاه الله وهو ظالم لنفسه ، ارتكب الكثير من المعاصي، إذا سأله الله : لماذا ؟ يقول له : البيئة يا ربي ! والله كانت صعبة جداً ؛ فيها ضغط ، وإكراه على المعصية ، أي الجو كله موبوء ، لا أستطيع أن أفعل غير هذا . الله عز وجل يقول له :
﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾
معنى هذا أيهما أغلى ؛ مكان إقامتك ، ومصالحك ، ومعملك ، وبيتك ، وسيارتك ، ومتجرك ، وأهلك ، أم دينك ؟ بالآية دينك ، ليس لك عذر عند الله عز وجل :
﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾
أي إذا رجحت مصالحك المادية ، وبيئتك ، وعملك ، وتجارتك ، وأهلك ، رجحت هذه المصالح المادية على دينك ، المصير:
﴿ فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾
لكن إذا رجحت دينك ، وفررت به ، فاسمع الجواب :
﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً﴾
وعد من الله ، لا يوجد إنسان يهاجر من أجل دينه إلا و سيجد سعة في الأرض .
أنواع الهجرة :
يقولون : أعلى هجرة أولاً : الهجرة في طلب العلم . أرقى هجرة إنسان ترك بلده ، ترك وطنه ، ترك أهله ، ترك عمله ، ترك مكان استقراره ، وانتقل لبلد آخر.
أرقى أنواع الهجرة هي الهجرة في طلب العلم ، ثم الهجرة فراراً بالدين ، أي هناك ظروف صعبة ، أخواننا الذين جاؤوا من الدول الإسلامية ، من القوقاز ، قديماً قبل مئة سنة تقريباً ، هؤلاء فروا بدينهم ، فروا بدينهم خوفاً على دينهم .
ثم الهجرة في طلب الرزق ، إذا انعدم الرزق في بلدك ، عندك هجرة في طلب العلم، وهجرة فراراً بالدين ، وهجرة في طلب الرزق .
و هناك هجرة معكوسة من أجل الشيطان ، يكون مستقراً في بلد ، تقام فيه شعائر الله ؛ فيه مساجد ، فيه مجالس علم ، فيه روحانيات ، أموره مضبوطة ، فيه بقية حياء ، بقية خجل ، بقية أدب ، بقية علاقات أسرية مضبوطة ، ينتقل من هذا البلد الذي تقام فيه شعائر الله عز وجل ، إلى بلد ترتكب فيه الفحشاء على قارعة الطريق .
أندم إنسان من حصّل مالاً كثيراً وضيّع شيئاً ثميناً :
الله عز وجل ما قبل عذر إنسان ، استجاب لنداء البيئة ، وتحمل ضغط البيئة ، وتحمل قهر البيئة ، من أجل أن يبقى في بلده ، الله ما قبل هذا العذر ، وقال لك :
﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً﴾
وكل إنسان ترك بلداً مسلماً ، مؤمناً ؛ فيه مساجد ، فيه دروس علم ، ومن أجل الدرهم والدينار ، أو من أجل الدولار رحل إلى بلد ، فضيع دينه ، وضيع أهله ، وضيع أولاده ، تأتيه متاعب ، وتأتيه آلام ، ويأتيه شعور بالندم ، حينما يرى ابنته تقترن بيهودي ، مثلاً : حينما يرى ابنته لها رفيق ، حينما يرى أسرته قد انحلت ، حصّل مالاً كثيراً ، وضيّع شيئاً ثميناً . قال :
﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً﴾
والله التقيت من سنتين أو ثلاث إمام مسجد ، هو أساسه من تركيا ، قال لي : جئت مشياً على القدمين فراراً بديني ، من باب الموعظة قال لي : عندي خمسة وثلاثون بيتاً بالشام ، خمسة وثلاثون بيتاً ، الله رزقه ؛ أراض ، وبيوت ، قال لي : جئت إلى دمشق مشياً على قدمي، ما معي قرش واحد ، هذه تطبيق الآية :
﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً﴾
أي كل العقبات تذلل له :
﴿ مُرَاغَماً ﴾
كل العقبات أمام الإنسان الغريب تذلل مكافأة له على الهجرة .
مراعاة كل إنسان الأولويات في حياته :
إذاً أول آية : آية صلاة الجماعة في الحرب ، إذا كان الله عز وجل شرع صلاة الجماعة في الحرب ، وفي أثناء القتال ، وفي خط المواجهة الأول ، فهل لنا من عذر إذا تركنا الجماعة ، ونحن في السلم ؟
أي هذا الذي ينزوي ، يعتزل الناس ، هذا يخالف نصوصاً قرآنية ثابتة .
والشيء الثاني : الله ما قبل عذر الإنسان ، لأن بيئته سيئة ، ضغوط اجتماعية ، صعب على الإنسان أن يستقيم ، الجو العام فاسد ، ما قبل هذا العذر ، قال :
﴿أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾
عندك أولويات ، الدين رقم واحد ، فإذا نجوت بالدين فهذا شي عظيم ، لهذا سيدنا عمر كان إذا أصابته مصيبة ، قال : الحمد لله ثلاثاً ؛ الحمد لله إذ لم تكن في ديني ، والحمد لله إذ لم تكن أكبر منها ، والحمد لله إذ ألهمت الصبر عليها " .
المبادئ فوق المكاسب :
هناك نقطة ثالثة في الدرس :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً﴾
أي في أثناء القتال ، إنسان قال لك : أنا أسلمت ، أشهد أن لا إله إلا الله ، لما أسلم ، صار أخوك ، لم تعد تستطع أن تأخذ أمواله - كانت أمواله غنائم لك - لكن إذا أسلم ، وأعلن الشهادة ، انتهى الأمر ، هناك نفوس مريضة ، لا يعد هذا إسلاماً ، من أجل أن يأخذ الغنائم لا يقبل إسلامه . قال :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾
نعم :
﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ﴾
يقول أحد الأمراء المؤمنين - أظنه عمر بن عبد العزيز- ، لما قال له أحد الولاة : إن هؤلاء الناس النصارى دخلوا في دين الله أفواجاً ، لذلك الواردات ضعفت ، كان عندنا جدية ، فلما أسلموا لم يعد هناك واردات ، قال له : أتمنى أن أكون وإياك راعيي غنم ، وأن يسلم الناس .
هذا كلام سيدنا عمر ، ما قيمة هذا المال ؟ أتمنى أن أكون وإياك راعيي غنم ، وأن يسلم الناس جميعاً .
فالمبادئ فوق المكاسب ، المسلم مبادئه فوق المكاسب ، وهناك إنسان آخر المكاسب عنده فوق المبادئ .
أرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لمتابعة هذه الصلوات ، وسماع كتاب الله يتلى في الصلاة .
مرة ثانية أقول لكم : في كتاب الإحياء للإمام الغزالي ، في باب تلاوة القرآن ، الإمام الغزالي مع غيره من العلماء يؤكد أن أعلى درجة في قراءة القرآن أن تقرأه في صلاة واقفاً في مسجد .
أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بهذا القرآن الكريم .