- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (047)سورة محمد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون مع الدرس الرابع من سورة محمد صلى الله عليه وسلم.
المنافقون إن هم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً:
مع الآية السادسة عشرة وهي قوله تعالى:
﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ(16)﴾
هذه من للتبعيض
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ(12)﴾
﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ
الآيات التي تصف بعضاً ممن عاشوا مع رسول الله في حقيقتها تصف نماذج بشرية:
لو أنهم مثلاً اجتمعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ما الذي يحصل؟ فلنستعرض بعض النماذج البشرية: لو أن إنساناً امتلأ قلبه حباً للدنيا، لو أن إنساناً شرد عن الله شرود البعير، لو أن إنساناً أعرض عن الله عزَّ وجل وكان في جلسةٍ يُذْكَر فيها اسم الله عزَّ وجل، ما موقفه؟ ماذا يحصل؟ في الحقيقة أيها الإخوة؛ إن الآيات التي تصف بعضاً ممن عاشوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي في حقيقتها تصف نماذج بشرية، نموذج متكرر نراه في كل حين، في كل عصر؛ إنسان شارد، إنسان غافل، إنسان منغمس في الدنيا، إنسان أخرج من حساباته الدار الآخرة، إنسان لم يعبأ بهذا الدين العظيم، هذا الإنسان لو جلس في مجلس علم، لو التقى مع إنسان يدعو إلى الله مثلاً، فما موقفه؟ هذا الذي حصل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يمكن أن يقع في أي عصر.
من أراد أن يعرف الله أي شيء في الأرض يدل عليه:
من لم يطلب الحق لا يفهم شيئاً:
أقرب مثل: أحياناً الإنسان يدخل إلى محل تجاري فيه بضائع منوعة، لقد دخل إلى هذا المحل ليشتري قماشاً معيناً، فقد يأتي صاحب المحل التجاري ويعرض عليه بضاعةً أخرى، لا يعبأ، ولا يهتم، ولا يسمع، ولا يدقق، ولا يفكِّر إطلاقاً، هو في واد والبضاعة المعروضة عليه في وادٍ آخر، فلذلك هذا نموذج متكرر، أن يكون الإنسان غافلاً أو ممتلئًا قلبه بالدنيا، منصرفًا إلى الدنيا، مصراً على شهواتها، لم يُدخل في حساباته الدار الآخرة، مثل هذا الإنسان لو التقى برجل يحدِّثه عن الله عزَّ وجل، لا تجد إصغاءً، ولا فهماً، ولا تأثُّراً، ولا عقلاً.
من صدق في طلب الحقيقة تعلم من كل شيء:
لذلك لما الإنسان يصدق توجهُه في طلب الحقيقة يتعلم من كل شيء، فكأس الماء يُعَلِّمُهُ، ابنه الذي أمامه يعلمه، كل شيءٍ يُعْطيه درساً بليغاً، أما إذا ابتعد الإنسان عن الحق فلو واجه الآيات وجهاً لوجه لا يتأثر بها، لذلك النبي عليه الصلاة والصلاة قال:
((
إذا نظرت فاعتبر، وإذا صمتَّ ففكر، وإذا نظرت فاذكر، إذاً هؤلاء الذين كفروا والذين يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم.
﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ(171)﴾
في كل كرسيٍ تَسَنَّدَ إنسانٌ متكتفٌ أعمى أصمٌ أخرس
* * *
الإنسان إذا طلب شيئاً عقل عنه أما إذا أعرض عنه لم يفهم شيئاً:
أما في أوامر الدنيا فهو يفهم كل شيء، ربنا عزَّ وجل وصف أهل الدنيا قال:
﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُون(7)﴾
والدليل: حدِّث إنسانًا بأمور الدين، فإذا كان في وادٍ آخر يشعرك أن هذا الحديث لا يعنيه، يتململ، يتثاءب، يعتذر، ثم أُطْرُق معه حديثًا آخر دنيوياً، يقف على قدميه ساعاتٍ طويلة وهو لا يشعر لأن الدنيا تعنيه، لأنه راغبٌ فيها، لأنه لا يعلم شيئاً غيرها، لأنها أمنيته في الحياة، فهذا نموذج بشري متكرر، وهذا الشيء مما يعزِّي إخواننا الكرام، فلو كنت حريصاً على هداية أخ صديق وجئت به إلى المسجد وقد مُلِئْتَ أنت إعجاباً بالدرس، وسألته يقول لك: ما قال شيئاً يذكر، ماذا قال المتكلم ؟ لم أفهم عليه ولا كلمة واحدة، لا تتألم، لا تصب بالإحباط، فهذا شيء طبيعي جداً، الإنسان إذا طلب شيئاً عقل عنه، أما إذا أعرض عنه لم يفهم شيئاً.
علامة اهتمام الإنسان الحفظ و الإصغاء و التأثر:
شخص آخر مثلاً ساكن في بيت يملكه، والبيت مرتب ومنظم وهو مستقر فيه، فبينما هو في الطريق قال لقائل: هل تريد بيتًا شراءً؟ فيمكن ألا يسمعه، إذ ليس له علاقة، لكنك تصور: إنسان بلا بيت، خطب وعقد العقد ولم يجد بيتًا، ومضى على الخطبة سنتان، والأمور تعقدت وصار مشروع الزواج في خطر، يتمزق، فهو لا يعرف نفسه متزوجاً غير متزوج، وبينما هو بالطريق قال له قائل: هل تريد بيتًا؟ يمكن أن ينكب على رجليه يقبلهما من شدة اهتمامه، فإذا اهتم الإنسان بطلب الحق، يصغي، يتأثر، يحضر المجلس، يحفظ كل ما قيل فيه، علامة الاهتمام الحفظ، الدليل:
من علامات صدق الإنسان أن يستوعب الحقيقة و يتفاعل معها:
إذا جلست في مجلس علم، واستوعبت الآيات وفهمتها وتأثرت بها، وحفظتها، وتحدثت بها أثناء الأسبوع، هذا دليل صدقك، دليل إخلاصك، دليل أنك طلبت الحق، أما إذا جلست مع عدد من الإخوة تتذاكرون بالدرس ولم يخطر ببالك ولا فكرة، ولا آية، ولا حديث، والله هذه مشكلة، مشكلة كبيرة جداً أن تقول كما يقول هؤلاء:
من كان بعيد الاهتمام عن الدين فهو في غفلة مرعبة:
من امتلأ قلبه بالدنيا لم يعد فيه مكان للحق:
بلاني الدهر بالأرزاء حتى فؤادي في غشاءٍ من نبــــــالِ
فكنت إذا أصابتني سهـــامٌ تكسَّرت النصال على النصال
ليس فيه شواغر.
قال:
﴿
لك قلبٌ واحد فإذا امتلأ بالدنيا لم يعد فيه مكان للحق، أما إذا فرَّغته من الدنيا استوعب الحق.
من امتلأ قلبه بحب الدنيا خسر الدنيا و الآخرة:
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ۖ
فهذا الإضلال إذا عُزِيَ إلى الله عزَّ وجل فهو الإضلال الجزائي المبني على ضلال اختياري، إذا عزي الزيغ إلى الله:
ذاكرة الإنسان متعلقة باهتمامه:
لذلك يُروى أن سيدنا عثمان قال:
أنت تلاحظ أحياناً إخوانَنا المدرسين تجد أن طالباً شارداً، يكون درس فيزياء، كيمياء، رياضيات، درس لغة عربية، المدرس يجهد في توضيح الأفكار، وتسجيل الملاحظات على السبورة، وإملاء القواعد، لكن ذاك الطالب في عالم آخر، فلذلك الانتباه أساسه الاهتمام، خذ مثلاً صاحب محل تجاري عنده عشرة آلاف صنف، كقطع الغيار، أعندك القطعة الفلانية؟ يقول له: باقي قطعة، اصعد يا بني تجدها على الرف الثالث باليمين، بآخر الرف تجد قطعة أحضرها، فما معنى ذلك؟ معنى ذلك أنه مهتم كل الاهتمام بهذه المصلحة ويكسب منها رزقه، فحفظ كل تفاصيلها، فسبحان الله الذاكرة متعلقة بالاهتمام، كلما نما اهتمامك في شيء نمت معه الذاكرة، أحياناً إنسان يكون نَسَّاء أي كثير النسيان لكن بالموضوعات التي يهتم لها لا ينسى شيئاً، معنى ذلك أن الذاكرة اصطفائية، فلذلك هنا: كما أن هناك إضلالاً جزائياً أساسه الضلال الاختياري، وكما أن هناك إزاغةً جزائيةً أساسها الزيغ الاختياري، هناك طبع جزائيٌ أساسه امتلاء القلب بالشهوات، ذهبنا لنملأ قلبه خيراً فوجدانه ممتلئاً شرًا.
من اتبع أهواءه امتلأ قلبه بالشهوة:
إذاً
من كان صادقاً في طلب الله عقل و فهم و استفاد:
طبعاً تقرؤون هذه الآيات:
موضوع التذكر له علاقة بالاهتمام و صدق التوجه:
صار عدم استيعاب موضوع العلم، أو عدم عقل المعلومات وفهمها، وصمة عار بحق الإنسان، الدليل أنه ليس مهتمًا، والإنسان أحياناً ينسى أشياء كثيرة ويذكر أشياء كثيرة، الذي ينساه لا يهتم له، فمثلا شخص تقول له: الاسم الكريم، يقول لك اسمه، بعد دقيقة تنسى اسمه، دقيقة واحدة وتنسى اسمه فما السر؟ وإنسان آخر تسأله عن اسمه فلا تنساه طول حياتك، فموضوع التذكر له علاقة بالاهتمام و صدق التوجه، هذا النموذج الأول:
﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ(16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ(17)﴾
من اختار رضوان الله و الدار الآخرة شرح الله صدره للإيمان:
هذا موضوع آخر، النبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ. ))
إذا اختار الإنسانُ أن يصل إلى الله، إذا اختار رضوان الله، إذا اختار الدار الآخرة، فالله عزَّ وجل يزيده هدىً، هو اهتدى، حينما طلب الحقيقة اهتدى، حينما طلب رضوان الله اهتدى، حينما طلب الدار الآخرة اهتدى، فكيف يزيده الله هدىً ؟ قيل: يشرح الله له صدره للإيمان، ألم يقل الله عزَّ وجل
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ
فهذا القلب، قلبك الذي هو بين إصبعين من أصابع الرحمن حينما يشرحه للهدى يكون قد أعانك على نفسك، أنت اخترت الطريق الصحيح والله سبحانه وتعالى وجّه قلبك إليه، فهذا مما يزيدك الله به هدىً، وبعضهم قال: النبي عليه الصلاة والسلام ببيانه وسنته المطهَّرة القولية والعملية يزيدك هدىً، والله عزَّ وجل قال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ
وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى: آية لها عدة معان:
1ـ انشراح صدرك:
مثلاً أربعمئة حديثٍ شريف تُوضِّحُ أحكام البيع والشراء والتجارة، ففيها زيادة بيان و هداية، فالنبي من خلال سنته القولية والعملية زاد المهتدين هدىً، فإما أن نفهم أنّ الهدى انشراح الصدر، أي أن يزيدك الله هدىً فهو انشراح صدرك.
2 ـ بيَّن لك ما في القرآن الكريم:
إما أن نفهم أن يزيدك الله هدىً أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن لك ما في القرآن الكريم.
3 ـ وفقك إلى العمل الذي يرضاه:
وإما أن تفهم أن يزيدك الله هدىً أنه وفقك إلى العمل، وإلى تطبيق هذا الذي سمعته.
4 ـ أن ترى بعينك الأحداث التي تؤكِّدُ ما في القرآن:
وإما أن يزيدك الله به هدىً أن ترى بعينك الأحداث التي تؤكِّدُ ما في القرآن، فالخلاصة: إما أن الحوادث تؤكد ما في القرآن، وإما أن الله سبحانهُ وتعالى يوفقك إلى تطبيق ما تعلمت، وإما أن الله سبحانه وتعالى عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم يوضِّح لك ما في كتابه من تفاصيل، وإما أن الله سبحانه وتعالى يشرح صدرك للهدى، فشرح الصدر، وبيان النبي، والتوفيق للعمل، وأن ترى الحوادث تؤكِّدُ ما في القرآن الكريم، أربع معانٍ في قوله تعالى:
من طلب الهدى أعطاه الله زيادة عليها:
على ضوء هذه الآية أرجو الإصغاء إليّ: أنت في طريق ووصلت إلى مفرق طرق، فهناك طريقان، وأنت تتجه إلى حمص، ولا تدري من أي طريقٍ تسلك، فرأيت إنسانًا سألته: من أين حمص؟ قال لك: من هذا الطريق، قلت له: شكراً بارك الله بك، قال لك: انتبه يا أخي بعد حين هناك تحويلة، بعد حين آخر هناك ممر خطر، بعد حين ثالث يواجهك حاجز، أنت حينما سألته وأجابك، وشكرته زادك تفاصيل، هذا من باب التقريب، وأنت حينما طلبت الحق واهتديت إلى الله عزَّ وجل فأعطاك تفاصيل كثيرة، كيف تعامل زوجتك، كيف تعامل أولادك، كيف تكسب رزقاً حلالاً، كيف تمضي وقت الفراغ، كيف تربي أولادك، زادهم هدىً، هذه الزيادة، طلبت الهُدى فأعطاك الله ما طلبت وزيادة.
من اختار الهدى شرح الله صدره بالإيمان:
إذاً المعاني الدقيقة لهذه الآية:
النبي زاد الإنسان هدىً لأنه بيّن ما نزل في كتاب الله عزَّ وجل:
حينما يبيِّن لك النبي التفاصيل، فمثلاً أمرك الله بأداء الزكاة، والنبي بين لك بالأحاديث الشريفة أحكام الزكاة، تفاصيل الزكاة، زكاة العروض، زكاة النقدين، زكاة المواشي، زكاة الحلي، زكاة الرِكاز، النبي زادك هدىً لأنه بين ما نزل في كتاب الله عزَّ وجل، وحينما توفق إلى العمل الصالح وتقطف ثماره يزيدك الله به هدىً، وحينما ترى المرابي وقد دُمِّرَ ماله، والله سبحانه وتعالى يقول مخوفًا من عاقبة الربا:
﴿ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا
هذه الوقائع و الأحداث تزيدك هدىً، حينما ترى أن الذي يزني يُزنى به ولو بجداره فهذا مما يزيدك هدىً، حينما يعق الإنسان والديه ولا يوفق في حياته، فهذا كذلك يزيدك هدىً، فالحوادث تزيدك، والتطبيق حينما تطبِّق تقطف ثمار الهدى، والنبي يبيِّن، وشرح الصدر يدفع، هذا معنى:
الله عز وجل دلّ الإنسان على المنهج التفصيلي الذي ينبغي أن يسير عليه:
آتاهم المنهج التفصيلي الذي ينبغي أن يسيروا عليه، يعني بيّن لهم ما يتقون، لذلك قال تعالى:
﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ
ما من قضيةٍ متعلقةٍ بالدار الآخرة، متعلقةٍ باتصالك بالله عزَّ وجل، متعلقةٍ بسبب وجودك في الأرض، متعلقةٍ بالهدف الكبير الذي خلقت من أجله، ما من قضيةٍ متعلقةٍ بهذه الموضوعات إلا وبينها الله عزَّ وجل
العاقل من يحتاط لساعته و يعدّ لها العدة اللازمة:
﴿
وها نحن الآن بصدد الحديث عن الساعة: يعني أولاً هناك ساعتان، الساعة العُظْمى يوم القيامة، وساعة صغرى هي ساعة كل إنسان، فكل إنسان له ساعة، ساعةٌ خاصة وساعةٌ عامة، والأولى أن ينتبه الإنسان لساعته الخاصة، ساعة مغادرة الدنيا، والعاقل هو الذي يحتاط لهذه الساعة ويُعِدُّ لها كل شيء، يعد لها معرفة الله، يعد لها الاستقامة على أمره، يعد لها العمل الصالح.
ماذا ينتظر الإنسان من الدنيا ؟ هل ينتظر إلا:
1ـ الفقر المفاجئ:
((
فقر مفاجئ ممكن.
2 ـ الغنى المطغي:
دعوة النبي الكريم بأن من أحبه فليجعل الله رزقه كفافاً:
أنا مرة سألت إنسانًا قلت له: عدد لي المصائب، ذكر لي المرض والفقر والقهر والجوع، فقلت له: لكنك أكبر مصيبة لم تذكرها، قال لي: ما هي؟ قلت له: الغنى المطغي إن هذا المال سبب الشقاء الأبدي، سبب دخول النار، لذلك النبي الكريم قال:
(( قَدْ أَفْلَحَ مَن أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بما آتَاهُ. ))
وكلما قال لي إنسان: أنا دخلي الحمد لله كافيني، مستورة، أقول له: إذاً أصابتك دعوة النبي عليه الصلاة والسلام، أنت ممن تحب رسول الله، إذاً أصابتك دعوة النبي، خذ من الدنيا ما شئت، وخذ بقدرها هماً ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر، إذاً:
3 ـ المرض المفسد:
4 ـ الهرم المفند:
من كان تقياً متعه الله بسمعه و بصره و فؤاده إلى يوم مماته:
لذلك فالإنسان المؤمن يمتِّعُهُ الله بقوته وملكاته وعقله وذاكرته، وكذلك زرت إنسانًا أعرف أنه ما اقترف حراماً في حياته، ولا أكل درهماً حراماً، قال لي: والله أجريت تحليلات كلها مطمئنة عمره ستة وتسعون عاماً.. فكل التحاليل نتائجها سليمة، وذاكرته قوية، فالإنسان المستقيم جاء في وصفه من عاش تقياً عاش قوياً.
إذا كان دخله حلالاً، وأنفق المال وفق ما يرضي الله عزَّ وجل يمتعه الله بسمعه وبصره وعقله وقوته ما أحياه، ويجعله الوارث له، كما قال النبي الكريم:
(( اللهمَّ مَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا. ))
ذكر لي أخ أنّ أمه فقدت ملكاتها كلها، قال لي: نربطها، لأننا لو لم نربط يديها لأكلت من غائطها، وصلت إلى شيخوخة لا تحتمل، هذا يسمى أرذل العمر، أما المؤمن لكرامته على الله عزَّ وجل تكون أجمل سنوات حياته في خريف عمره، يزداد عقله، ويزداد مكانةً وعلماً وفهماً وهو في قلوب الآخرين، الشباب كلهم مثل بعض، أما التفاوت فيبدو واضحاً في خريف العمر، أيام الشيخوخة، فالمؤمن حينما يكون في شبابه مستقيماً، يمتعه الله بسمعه وبصره وقوته ما أحياه.
5 ـ الموت المفاجئ:
من أشراط الساعة بعثة النبي الكريم:
(( بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ يَعْنِي إِصْبَعَيْنِ. ))
يعنى أنّ مجيء النبي عليه الصلاة والسلام من أحد أشراط الساعة، ما دام النبي قد جاء برسالته فالساعة قريبة
الإيمان قضية وقت لا قضية قبول أو رفض:
﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ
فقال الله عزَّ وجل:
﴿
معنى ذلك أن الإيمان الذي يحدث عند الموت لا قيمة له ولا ينفع صاحبه بل يزيده ألماً وفجيعة، والإيمان قضية وقت لا قضية قبول أو رفض، أجل: قضية وقت حصراً لا قضية قبول أو رفض.
من أيقن بالساعة متأخراً ما نفعه يقينه أبداً:
﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ
من أتى أجله و هو منكر للإيمان خسر آخرته:
فالعبرة كما قلت وأقول دائماً وقد ذكرت هذه الفكرة المرة تلو المرة: خيارك مع الإيمان خيار وقت لا خيار قبول أو رفض، لا تستطيع أن ترفض الإيمان حينما يأتي الأجل:
﴿ لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا
﴿ يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي(24)﴾
﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ
﴿ أَن تَقُولَ نَفْسٌ
الإيمان سيحصل، لكن ليس هناك عمل، كما لو أن طالباً عرف السؤال ولكنه لم يدرس ولم يستعد، خرج من الامتحان فتح الكتاب هذا هو الجواب، ما قيمة هذه المعرفة المتأخرة ؟ فالنتيجة صفر، والصفر خسار و بوار.
تذكر الإنسان لا ينفعه إذا جاء أجله:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ(19)﴾
هذه الآية إن شاء الله لها تفاصيل في الدرس القادم.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين