وضع داكن
24-11-2024
Logo
مكارم الأخلاق - الندوة : 12 - الخلق الحسن
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الأستاذ عدنان :

تقديم وترحيب :

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أيها الإخوة والأخوات ، السلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأرحب بكم في برنامج مكارم الأخلاق ، وباسمكم أرحب بفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين ، أهلاً ومرحباً بكم دكتور .
الدكتور راتب :

أهلاً بكم أستاذ عدنان ، جزاك الله خيراً .
الأستاذ عدنان :
نسمع عن فلانٍ أو فلان بأنه على خلق حسن ، لكن لا أود أن أتوقف عند هذه الصفة إلا بعد أن أطرح ما يلي :
قد يقال عن فلان بمثل هذا الكلام ، لكنه عند أناس آخرين يرونه على غير هذه الصفة ، إذ يرون فيه نوعاً من أنواع عدم الانفتاح ، وآخرون يقولون : إن الخلق الحسن أن يكون الإنسان واعياً لما حوله ، ومتعاملاً التعامل الكامل مع من حوله ، إن كانوا على جودة ، أو كانوا على غير ذلك ، هنا قد تختلف أراء الناس في الإنسان ذي الخلق الحسن ، لكن وكلامنا واضح دائماً ، نحن نقول من خلال الشرع الإيماني الإسلامي ، ترى من الناحية الاصطلاحية من هو صاحب الخلق الحسن ؟.
الدكتور راتب :

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

الإنسانُ كائن متحرك بفعل الشهوة :

أستاذ عدنان ، الإنسان في الأصل كائن متحرك ، لماذا هو متحرك ؟ لأن الله أودع فيه الشهوات يتحرك ليأكل ، يتحرك ليعمل ، يتحرك ليتزوج ، يتحرك ليعلو ، هو كائن متحرك ، وهذه الحركة سببها أن الله أودع فيه الشهواتوالشهوات لحكمة بالغةٍ بالغة أرادها الله سمح للإنسان أن يتحرك فيها 180 درجة ، ويأتي منهج الله ليقنن حركته بمئة درجة مثلاً ، فما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها .

مَن هو الإنسان الأخلاقي بالمنظور الشرعي ؟

من هو صاحب الخلق الحسن في المنظور الشرعي ؟ في منظور القرآن الكريم ؟ و في حقيقة هذا الدين العظيم ؟
صاحب الخلق الحسن هو الذي يوقع حركته وفق منهج الله .

1 – الخلق الحسن كما جاء به الشرع :

فالإيمان خلُق ، يقول ابن القيم رحمه الله :

" الإيمان هو الخلق ، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان " ، والدليل : أن صحابياً جلياً شرح الإسلام لملك الحبشة بأنه خلق حسن ، قال :

(( أَيُّهَا الْمَلِكُ ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ))

أبرز صفات النبي أمانته ، وصدقه ، وعفافه ، هذه أخلاق حسنة .

(( فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ ، وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْن الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ، وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ ، وَقَوْلِ الزُّورِ ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ ، لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ، وَالصِّيَامِ ))

[ أخرجه الإمام أحمد عن أم سلمة أم المؤمنين ]

وهذا في المنظور الحديث العبادة التعاملية ، وقد يقول العلماء : " إن العبادة الشعائرية لا تقبل ، ولا تصح إلا إذا صحت العبادة التعاملية . 

2 – الشرع هو مقياس المتفتح والمنغلق :

أنا دائماً عندي مقياس ، أو عندي مرجعية ، أن أتهم إنسان أنه مغلق أو منفتح ، اجتماعي أو انطوائي ، هذا التقييم الشخصي لا قيمة له إطلاقاً .

يقولون : هذا عندنا غير جائز ومن أنتم حتى يكون لكم عند

العبرة أن تكون ذا خلق حسن بمقياس الله ، بمقياس القرآن ، بمقياس السنة ، فقد لا يروق عملك لواحد من الناس ، لا قيمة لتقيمه ، من عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به .
ونقول دائماً : إن الشرع هو المرجع ، فأنا صاحب خلق حسن إذا جاءت حركتي في الحياة وفق شرع الله ، أحياناً أعطي ، أحيانًا لا أعطي ، أحيانًا أغضب ، أحيانا لا أغضب ، أحيانًا أصل ، أحيانًا أقطع ، أحيانًا أتسامح ، أحيانًا لا أتسامح . 

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾

( سورة الشورى )

إذا غلب على ظن المقهور أن عفوه يصلح الطرف الآخر ينبغي أن يعفو ، فإذا غلب على ظنه أن عفوه سيزيده تعنفاً وانحرافاً ينبغي ألا تعفو عنه .
إذاً الخلق الحسن يوصف بمقياس الشرع ، أحياناً العطاء جيد جداً ، أحياناً العطاء لإنسان لا يستحقه ، وسينفق هذا المال في المعاصي والآثام لا يعد خلقاً حسناً ، وعند الناس سذاجة أحياناً ، أي عطاء يعد خلقاً حسناً ، لا ، المؤمن يعرف متى يعطي ، ومتى يمنع ، متى يصل ، ومتى يقطع ، متى يرضى ، ومتى يغضب ، متى يوالي ، ومتى لا يوالي .
دائماً وأبداً حينما يفهم الناس الخلق الحسن بالمقاييس الأرضية ، أو بمقاييس مستوردة ليست أصيلة في حياتنا ، ولا في ثقافتنا ، نقع في خطأ كبير .
من الخلق غير الحسن أن تقيم الناس بغير منهج الله عند الناس ، يقول لك : منفتح ، والفتاة المتفلتة اسمها متحضرة ، والذي يأكل المال الحرام اسمه ذكي ، والمنافق اسمه لبق ، فنحن لا نعتد بتقييم البشر من خلال قيم مستوردة أرضية للخلق الحسن ، الخلق الحسن يقيم من قبل خالق السماوات والأرض ، ويقيم أيضاً من خلال سنة النبي عليه الصلاة والسلام .
الأستاذ عدنان : 

دكتور ، أحياناً ، وضمن الخلق الحسن الممنهج من خلال القرآن والسنة يمكن أن يكون للإنسان عمل ما ضمن الخلق الحسن ، والتصرف الحسن ، ولكنه في ميدان إبراز قول أو نصيحة لإنسان آخر ، أن أكون على خلق حسن في معاملتي معك ، يقتضي أن أشير إلى مواطن ما أرى تبيانه بلباقة وأسلوب جميل ، وما يناسب ذلك ، وأحياناً قد أكون صريحاً إلى مستوى الفظاظة ، يمكن أن يكون هذا ، ولكنه أيضاً ضمن الأسس الكبيرة الواسعة في منهج القرآن الكريم والسنة الشريفة المطهرة ، كيف يبرز الخلق الحسن ؟
الدكتور راتب :

كيف يبرز الخلق الحسن في ساحة المعاملة ؟

1 – لابد للخلق الحسن أن يكون مرتبطًا بالحكمة :

هنا نضيف إلى الخلق الحسن الحكمة ، فليس بحيكم من لا يداري من لا بد من مداراته ، ليس بحكيم من أعطى في موطن المنع ، ومن منع في موطن العطاء ، الحكمة أن تفعل ما ينبغي مع من ينبغي ، في الوقت الذي ينبغي ، وبالطريقة التي تنبغي ، هنا ندخل الحكمة إلى الخلق الحسن .لذلك الإنسان أحياناً لا يعفو ، والنبي مرة لم يعفُ عن إنسان لأنه عفا عنه أول مرة ، وبالغ في إيذاء أصحابه وقتلهم ، المرة الثانية لم يعفُ عنه ، فالخلق الحسن يرتبط بالحكمة .
لذلك من حدث الناس بالحكمة ، وليسوا أهلاً لها فقد ضيع قيمتها ، ومن منعها أهلها فقد ظلمهم ، لذلك من أمر بمعرف فليكن أمره بمعروف .

2 – الفضيلةُ وسطٌ بين طرفين :

على كلٍ ، بشكل عام التطرف سهل ، والتهور نقيصة ، والجبن نقيصة ، والشجاعة بينهما ، و إتلاف المال نقيصة ، والبخل نقيصة ، والكرم بينهما .
لذلك قالوا : الفضيلة وسط بين طرفين ، ودائماً وأبداً التطرف سهل .
مثلاً : على مستوى التربية سهل جداً أن يضرب الأب ابنه ضرباً مبرحاً لذنب صغير ، وسهل جداً أيضاً أن يسيب أخلاقه بلا رادع ، وبلا توجيه ، ولكن البطولة أن يكون الطفل مع أبيه محباً له إلى درجة عجيبة ، ويخاف منه إلى درجة عجيبة ، أن يجمع بين الرهبة والرغبة ، دائماً المواقف المتوسطة المعتدلة صعبة ، تحتاج إلى مهارة ، بينما التطرف سهل جداً ، سهل أن تكون متطرفاً يمنة أو يسرة ، أما أن تكون وسطياً معتدلاً فهذا الذي ذكره الله عز وجل عن أنبيائه :

﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ﴾

( سورة الأنبياء الآية : 90 )

الأستاذ عدنان : 

دكتور ، ممكن أن يقول إنسان : إذا تعددت هذه الأمور من خلال ما وضحتم ، قد يحتار الإنسان كيف يكون على الخلق الحسن ، أنا مثلاً أود أن أجعل نفسي على طريق الخلق الحسن ، فما هي الخطوات ؟ وكيف أبدأ ؟ وما هو المنهج ؟.
الدكتور راتب :

الخطوات العملية في ميدان الخلق الحسن :

أنا أريد أن أبين حقيقة قد تغيب عن الإخوة المشاهدين ، وهي : أنك إذا أردت أن تجري فحصاً لقيادة المركبة ، أنا فيما أعلم يمتحن بالطريقة التالية : يكلف أن يرجع بها إلى الوراء ، وعلى طريق ضيق يكاد يساوي عرض المركبة ، وهناك قطع من البلاستيك إذا مس واحدا منها رسب ، لماذا فحص هكذا ؟ لأن أصعب شيء في القيادة أن ترجع إلى الوراء ، وعلى طريق ضيق ، وأن تنجح في هذا الامتحان أمرٌ صعب .

1 – البيت :

لذلك الإنسان تظهر حقيقته تماماً في بيته ، يقول عليه الصلاة والسلام :

(( خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي ))

[أخرجه الترمذي عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ]

الإنسان خارج بيته من مصلحته أن يكون أنيقاً ، من مصلحته المادية أن يكون لبقاً ، أن يعتذر ، أن يبتسم ، أن يجمِّل صورته ، أن يختار الكلمات اللطيفة ، هذا كله بالتعبير المعاصر ( بزنز )، ومصلحة ، لكن الإنسان ينكشف على حقيقته في البيت ، حيث لا رادع ، ولا رقيب ، ولا محاسب ، أنت ذو خلق حسن بقدر ما أنت أخلاقي في بيتك .

(( خيرُكم خيرُكُم لأهْلِهِ ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي ))

فالمرآة ما أكرمها إلا كريم ، ولا أهانها إلا لئيم ، النساء يغلبن كل كريم ، ويغلبهن لئيم ، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً ، من أن أكون لئيماً غالباً .
فأنا أرى أن الخلق الحسن يبدأ من البيت ، وهذا البيت جنة المؤمن ، والمؤمن كل كمالاته تظهر في بيته ، وأنا أعجب كثيراً بالتماسك الأسري ، حينما يكون الأب مؤمناً ومحسنًا ، وزوجا صادقا ، والمرأة مخلصة ، والأولاد ربوا في هذا الجو الرائع ، هذا هو الخلق الحسن .

 

2 – خارج البيت :

الآن خارج المنزل أغلب الظن من كان أخلاقياً في بيته هو أخلاقي خارج المنزل ، أما العكس فمنتشر جداً بين الناس ، في أعلى في درجات النعومة خارج البيت ، فإذا دخل إلى البيت فهو كالوحش الكاسر ، هذا شيء مرفوض ، والنبي الكريم بيّن أن الخلق الحسن يبدأ من بيت الإنسان ، من أقرب الناس إليه ، من زوجته .

أخلاق المصلحة لا قيمة لها :

إذاً : قضية الخلق الحسن لها أسباب ، وسوف أصل إليها ، والسبب الذي يأتي بالنتيجة أنا أعتقد والله أعلم إن كنت مصيباً فمن فضل الله ، وإن لم أكن فمن تقصيري ، أنا أعتقد أن الذي يتصل بالله اتصالاً صحيحاً يشتق منه العدل ، والإنصاف ، والرحمة ، والحكمة ، والكرم ، أنا لا أصدق أن قيمة أخلاقية عالية جداً تكون بعيدة عن الدين ، أما الذين هم أذكياء جداً ، ويتصرفون بذكاء ، وكأنهم أخلاقيون ، حينما تمس مصالحهم يصبحون كالوحوش كما نرى .
فلذلك هناك أخلاق أساسها الذكاء والمصلحة ، لكن هؤلاء يمتحنون ، فإذا امتحنوا ، وجاء من مس مصالحهم يصبحون كالوحوش تماماً ، لا قيمة لهذا الخلق الذي أساسه الذكاء وطلب الربح ، أما الخلق الأصيل فهو الخلق الذي يتأتى من اتصال الإنسان بربه ، هذا خلق ثابت ، لا يتبدل ، ولا يتغير ، لا يتأثر ، لا بالمصالح ، ولا بإقبال الدنيا ، ولا بإدبارها ، لا يتأثر لا بالمكاسب ، ولا بالعقبات ، ولا بالصوارف .
الصحابة الكرام كانوا أخلاقيون من هذا النوع ، لذلك حينما فتحت القدس من قبل الفرنجة ذُبح سبعون ألفا ، أما حينما فتحها صلاح الدين فلم يرق قطرة دم واحدة ، فالمؤمن عنده كمال داخلي .

الخلق الحسن صورة الإنسان من الداخل :

أستاذ عدنان ، بشكل أو بآخر لي كلمة دقيقة : الخلق الحسن صورة الإنسان من الداخل ، أنا لي صورة من الخارج ، هذا الإنسان له طول معين ، له شكل وجه معين ، له لو جلد معين ، له أناقة معينة ، هذه الصورة من الخارج ، أما الخلق الحسن فصورته من الداخل ، أدبه ، تواضعه ، رحمته ، قلبه الذي يشع رحمة ، حلمه ، خيره ، كرمه ، الخلق الحسن صورة الإنسان من الداخل ، وأكاد أقول : إن أول ثمرة من ثمار الإيمان الخلق الحسن وإن أولى صفات الأنبياء:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

( سورة القلم )

فالإيمان هو الخلق ، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان .
أستاذ عدنان ، جزاك الله خيراً ، النبي عليه الصلاة والسلام كان مع أصحابه في سفر ، أرادوا أن يعالجوا شاة ، قال أحدهم :

(( عليّ ذبحها يا رسول الله ، فقال الثاني : عليّ سلخها ، وقال الثالث : وعليّ طبخها ، فقال عليه الصلاة والسلام : وعليّ جمع الحطب فقالوا : نكفيك ذلك يا رسول الله ، قال : أعلم أنكم تكفونني ، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه ))

[ ورد في الأثر ]

هكذا كان عليه الصلاة والسلام .
كان مع أصحابه رواحل قليلة ، والأصحاب كثير ، وهو قائد ، قائد الجيش وزعيم الأمة ، ونبي الأمة ، وسيد الأنبياء والمرسلين ، فقال : كل ثلاثة على حدة ، وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة ، سوى نفسه مع كل أصحابه ، أو جعل نفسه جندياً في هذا الجيش ، فركب الناقة في نوبته الأولى ، فلما جاء دوره في المشي ، توسلا صاحباه أن يبقى راكباً ، فقال قولة والله لو أرددها آلاف المرات لا أشبع منها ، قال :

(( ما أنتما بأقوى مني على السير ، ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر ))

[ أحمد ]

دخل عليه أعرابي ، نظر إلى المجلس قال : أيكم محمد ؟ ما له كرسي خاص ؟ لم يتميز على أصحابه أبداً ، لذلك هؤلاء الأصحاب الذين افتدوه بأرواحهم هم الرابحون ، الإنسان قوي بكماله .

 

وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

( سورة آل عمران الآية : 159 )

مع أنك نبي ، مع أنك رسول ، مع أنك أوتيت الوحي ، مع أنك أوتيت القرآن مع أنك أوتيت الفصاحة ، مع أنك أوتيت البيان ، مع كل هذه الخصائص :

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

نأتي إنسانا يدعو إلى الله ، لا معه وحي ، ولا قرآن ، ولا معجزات ، ولا بيان ولا جمال ، ولا فصاحة ، ويدعو الناس إلى الله بغلظة ، لمَ الغلظة يا أخي ؟

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

أخلاق الدعوة وأخلاق الجهاد :

فلذلك هناك أخلاق الدعاة ، قال تعالى : 

﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾

( سورة فصلت )

وقد يخلط الناس بين أخلاق الدعاة ، وأخلاق الجهاد .

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾

( سورة التوبة الآية : 73 )

تلك في الجهاد ، في ساحة المعركة فقط ، ساحة المعركة هكذا أخلاقها ، فلذلك الخلق الحسن صورة الإنسان من الداخل ، ويمكن أن نضغطها بأن كل شيء جاءك من الله تتلقاه بالشكر ، وأن كل شيء أديته لله تعتذر عنه ، لأنه لا يليق بمقام الله ، وأنك مع الناس تكف عنهم الأذى ، وتبذل له المعروف .
الأستاذ عدنان : 

دكتور ، أحياناً كما يقال : ينضح الإناء بما فيه ، فلان من الناس في طويته أنه سهل المعشر ، سهل الحديث ، متواضع ، وهو مع الآخرين كذلك ، في بيته وخارج بيته ، لكننا نشهد في بعض الأحيان إنساناً آخر في الصفات نفسها ، ولكنه لا يتراجع عن مبادئه الأساسية الممنهجة ضمن شرع الله ، أما الأول فيمكن أن يتراجع من خلال ضعف في شخصيته ، فكيف نحكم موضوع حسن الخلق في هذا الأمر ؟.
الدكتور راتب :

لا مجال للمساومة في المبادئ والقيم ، لكن عليكم بالمداراة :


في موضوع المبادئ والقيم لا مجال للمساومة ، ولا للمسايرة ، ولا لأنصاف الحلول ، أما في موضوع التعامل العادي فلك أن تتسامح ، لذلك هنا نفرق بين المداهنة ، والمداراة ، المداهنة بذل الدين من أجل الدنيا ، بينما المداراة بذل الدنيا من أجل الدين . 

﴿ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾

( سورة القلم )

المؤمن الصادق لا يداهن في مبادئه وقيمه ، لكنه يداري الناس ، يبذل لهم من الدنيا ما شاء ، فالمؤمن يداري ، ولا يداهن ، بينما غير المؤمن يداهن ولا يداري .
الأستاذ عدنان :

 

ومن إعجاز الله تعالى أن خَلَق في ميدان آخر ضمن الإعجاز العلمي الذي ستحدثنا عنه بإذن الله تعالى من الحيوانات ما يمكن أن تداري أمورها لندرك عظيم خلق الله تعالى .
الدكتور راتب :

الموضوع العلمي : طائر البطريق :

1 – أين يعيش البطريق ؟

هناك طائر يعيش في أبرد منطقة في العالم

يبقى الشتاء هنا في المنطقة القطبية ستة أشهر ، تربية صغير في بيئة صعبة كهذه تحتاج إلى تضحية كبيرة جداً ، الحقيقة سوف نرى كيف أن هذا طائر البطريق يعيش ، ويعد من أكثر المضحين من أجل أولاده ، قد نجد إنسانا يقسو على الصغار ، وسوف نجد هذا الطائر البطريق يعطف على صغاره عطفاً لا حدود لها .

2 – رحلة البطريق :

هذه البطارقة تقوم برحلة إلى مكان الذي سيتحقق فيها اللقاء الكبير ، إنما أن تزحف على بطنها ، وإما أنها تمشي على قدميها ، تمشي أحياناً 100 كم ، وتمشي جميعاً إلى الجهة نفسها بشكل معجز

في نهاية هذه الرحلة ستلتقي آلاف البطارقة في مكان معين بشكل محير ، في منطقة حرارتها 60 تحت الصفر ، ورياحها 100 كم بالساعة ، هناك لقاء كبير في هذه المنطقة ، هذه الرحلة الشاقة هي بداية المصاعب التي تواجهها ، والتضحيات التي تقوم بها ، لأجل صغرها ، والصعوبة الأساسية تبدأ بعد وضع الأنثى بيضها .

 

3 – مهمة الذكر حضانة البيض :

البطريق هناك أنثى البطريق ، وهناك ذكر البطريق ، الأنثى تضع البيض ، هذه البيضة ماذا يفعل بها الذكر ؟ بعد أن تضع الأنثى بيضها لفترة قصيرة يهجم الشتاء ، الحرارة في أشهر الشتاء تنخفض إلى الخمسين أو الستين تحت الصفر ، وتهب الرياح حاملة معها الثلج والبرد بسرعة 100 كم في الساعة .

الآن تترك الإناث البيض عند الذكور ، وتعود إلى البحر ، الإناث تضع البيض في هذا التجمع الكبير ، وتنطلق إلى البحر ، وتوكل مهمة حضن البيضة للذكور ، تحمل ذكور البطريق البيوض على قدميها ، البطريق واقف ، يحمل على قدميه البيضة ، ويبقى واقفاً أربعة أشهر ، دون أن يأكل ، ودون أن يشرب ، حفاظاً على البيضة ، لأنها إذا لامست الثلج ماتت .

 

ما أروعها من رحمة !!!

ما هذه الرحمة ؟! بطريك أعجم لا يعقل ، يضع بيضة على قدميه ، ويغطيها بفروه ، ويبقى واقفاً من دون طعام وشراب أربعة أشهر ، وفي حوصلته غذاء هو في أمس الحاجة إليه من أجل أن هذه البيضة تنشق عن صوص صغير يلقمه الوجبة الغذائية الأولى .

شيء يكاد لا يصدق من رحمة الحيوان بصغاره ، وقد ترى أناساً من بني البشر يهملون أولادهم ، هم يجتمعون مع بعضهم بعضاً كي لا يتأثروا بالبرد الشديد ، وكل بطريق ذكر على قدميه البيضة التي يحفظها أربعة أشهر من دون أن تمس الثلج ، فإذا مست الثلج ماتت ، فيغطيها بفروه والبيضة على قدميه ، ويمشي مشياً متئداً لئلا تقع البيضة ، ما هذه الرحمة التي أودعها الله بالبطريك ؟ إلى أن يأتي فصل الربيع .

 

4 – مهمة الذكر إطعام الصغير بعد فقسه للبيضة :

وفي فصل الربيع يخف الثلج وينحسر ، وتظهر الأزهار عندئذٍ هذه البيضة تنشق عن بطريك صغيرأول عمل يفعله البطريق الأب أنه يعطي المولود الجديد الغذاء الذي هيأه في حوصلته لهذا المولود الجديد ، وبعد هذا يبقى البطريق الصغير على قدمي أبيه إلى أن يقوى عوده قليلاً ، ثم يمشي كما يمشي أبوه .

5 – مهمة الأنثى جمعُ الطعام :

لكن الأم في هذه الفترة في البحر ، ترجع من البحر إلى هذا التجمع الكبير ، هي جمعت غذاء ، وأتعبت زوجها بتربية هذه البيضة لمدة أربعة أشهر ، الآن جاء دورها في العناية بهذا المولود الجديد ، والذكر يعود إلى البحر ليستجم قليلاً ، وليأكل ، وليملأ حوصلته من ما في البحر من طعام .

هذا درسٌ للإنسان :

إنها آية من آيات الله الدالة على عظمته ترينا كيف أن الله أودع في قلوب الحيوانات هذه الرحمة ، فإذا قسا الإنسان فالمشكلة كبيرة جداً ، إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي الراحمون يرحمهم الله ، ولا شيء يؤلم الإنسان كأن تجد طفلاً يعذب ، طفل مريض ، طفل يُقتل ، أما الحيوانات العجماوات التي لا تعرف شيئاً من الحق ، أودع الله في قلوب أمهاتها هذه الرحمة ، أن يبقى طائر واقفاً أربعة أشهر ، وعلى قدميه بيضة يخشى أن تمس الثلج ، ولا يأكل ، ولا يشرب إطلاقاً ، وهو في مكان الحرارة فيه خمسون تحت الصفر ، إلى ستين ، وفيه رياح عاتية شديدة تحمل الثلج سرعتها مئة كم بالساعة ، والبيضة تبقى هي هي ؟! هذا من آيات الله الدالة على عظمته ، وهذا درس بليغ جداً للإنسان الذي يهمل تربية أولاده ، فإذا كان المخلوق البهيم بهذه الرحمة فما بال الإنسان ؟!
الأستاذ عدنان :

توديع :

في ختام هذا اللقاء كل الشكر لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين ، وكل الشكر أيضاً للإخوة المشاهدين .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور