- أحاديث رمضان / ٠10رمضان 1424هـ - موضوعات مختلفة
- /
- 2- رمضان 1424 - ومضات في آيات الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
مصائد إبليس لابن آدم:
أيها الأخوة الكرام, ورد في الأثر: أن سيدنا موسى -عليه وعلى نبيه أفضل الصلاة والسلام- دعا ربه بالسقيا، فأوحى الله إليه أن فيكم عاصياً، لذلك لا أستجيب لكم، فقال موسى عليه السلام: من كان عاصياً لله فليغادرنا، وبعد حين هطلت الأمطار، ففي المناجاة قال: يا رب من هو هذا العاصي؟ فقال له الله عز وجل: عجبت لك يا موسى! أستره وهو عاص، وأفضحه وهو تائب!.
يبدو أنه تاب.
ذكرت هذا الأثر القدسي تمهيداً لهذه الآية:
﴿وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾
الآن يتوهم الناس أنهم إذا فعلوا كذا يخسرون، وإذا تركوا الربا لا يربحون، وإذا نطقوا بكلمة حق يخسرون مناصبهم، هذا توجيه من إبليس, يوم كنت تائها وشارداً حفظك الله عز وجل، فلما تبت إليه؛ لأنك تبت إليه، وأقمت أمر الله, سوف يسحقك ويدمرك!؟ لأنك اصطلحت مع الله سوف يفقرك!؟ أهكذا ظنك بالله عز وجل؟.
عجبت لك يا موسى! أستره وهو عاص، وأفضحه وهو تائب!.
مثل لا يبنى عليه شيء: الذي خاف من الله، وخاف أن يعصيه, في أكبر معصية الذي توعده بها العصاة بالحرب من الله ورسوله، فوضع ماله في البيت، لأنه خاف من الله, يأتي من يأخذ المال ويقتله، أما الذي لم يعبأ بأمر الله، ولم يأبه له, يضع في بنك ربوي، وتقاضى عليه فائدة ربوية، هذا هو الآمن، هكذا يصور العامة، لك معاملة من الله، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، أو تطيعه وتخسر، لا يعني هذا أن تضعوا أموالكم في البيوت، لا هذا موضوع ثان، حينما تتوهم أنك إذا أطعت الله تدمر، إذا أمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر تخسر منصبك، إذا تكلمت بكلمة الحق لا ترفع، إذا دخلت للمسجد سوف تحاسب، أين الله؟ هكذا ظنك بالله؟.
﴿وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾
يوم كنتم مشركين تعبدون الأوثان، ألم تكن مكة حرماً آمناً؟ ألم تكونوا في طمأنينة وبحبوحة؟ الآن بعد أن اصطلحتم مع الله، وبعد أن تبتم إليه سوف تدمرون؟ القضية تحتاج إلى إيمان، لا تتصور أن الإنسان إذا التزم أمر الله عز وجل سوف يخسر، لا بد من أن يربح، ولكن بطريقة لا نعرفها نحن، لعل الله عز وجل يريد أن يمتحن الإنسان.
اتق الله تفتح لك المخارج:
لذلك قال تعالى:
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً﴾
المعنى: أنه قبل أن يتقي الله لم يكن له مخرج، استحكمت حلقاته، متى أقول: أين المخرج؟ حينما أرى الأبواب كلها مغلقة أقول: أين المخرج؟ من أين أخرج؟ فلحكمة بالغة وامتحانات الله عز وجل: أنك إذا كنت في ضائقة تغلق أمامك كل الأبواب المشروعة، ويفتح لك باب غير مشروع، ماذا تفعل؟ بعضهم يقول: أنا مضطر، لكن المؤمن الصادق يقول: الله الغني، والله لن أعصيك يا رب مهما ضاقت بي الأمور، اتق الله عز وجل عندئذ يفتح الله له مخرجاً:
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً﴾
ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه عليه:
أحد أخواننا الكرام, له قصة قديمة من ثلاثين سنة, يسكن في بيت متواضع جداً، ورأى بيتًا لا يقلّ عن ثمنه الحقيقي عشرة آلاف ليرة، كان ثمن البيت عشرة، عشرين، خمسة وعشرين، البيوت فخمة، وجد بيتًا بخمسة وعشرين ألفًا، ثمنها الحقيقي خمسة وثلاثون، لكن بدافع السفر وتصفية تركة عرض بهذا السعر، معه عشرة آلاف، وعنده معمل، وباع بضاعته بسندات، وشيء مسموح به في الشرع، وجاء لمدير بنك ليحسب له السندات، ويأخذ البقية ثمن البيت، وينتقل من بيت قميء متداع إلى بيت في حي راق، قال له مدير البنك، وليس مسلماً: أبا فلان أنت نظيف، وحسم السندات محرم في دينك، فهذا الأخ بكى، أنا أتلقى نصيحة من غير مسلم يرشدني لحقيقة دين!.
يقول هذا الأخ: عاد لمحله التجاري، فإذا رجل ينتظره من أصدقائه المخلصين يقول: أين أنت؟ تأخرت، يقول: هل بيننا موعد؟ قال: لا، ولكن انتظرتك طويلاً، قال: ما الأمر؟ قال: أنا مسافر لبلد خليجي، ومعي مئتا ألف، أريد أن أودعها عندك، وأناشدك الله أن تستعملها في غيبتي، سأغيب سنتين إن شاء الله، ماذا قال؟: معاذ الله يا رب، حينما تلقى نصيحة من إنسان غير مسلم, يعرفه بالحكم الشرعي في حسم السندات:
ما ترك عبد شيئًا لله, إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه:
﴿وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾
بعد أن آمنتم، وصدقتم، واستقمتم تتخطفون، ويوم كنتم مشركين تعبدون أوثاناً من دون الله حفظتكم، وجعلت لكم مكة حرماً آمناً, أهذا منطق؟.
طريقان لا خيار بينهما إما أن تكون على حق أو على باطل:
أيها الأخوة, آية ثانية:
﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾
يجب أن تعلم أنك على أحد طريقين لا ثالث لهما؛ فإما أن تتبع الهدى الإلهي، وإما أنك تتبع الهوى.
والدليل:
﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ﴾
إن لم تكن على الحق فأنت على الباطل قطعاً، إن لم تتبع هدى الله عز وجل فأنت تتبع الهوى، أنت في حالتين لا ثالث لهما.
لذلك: الإنسان يجب أن ينتبه، لا يوجد حالة وسط؛ إما أن تكون على الحق، أو على الباطل، ذلك لأن الحق والباطل متناقضان، فإذا كنت على الحق نقض الباطل، وإذا كنت على الباطل نقض الحق، الله عز وجل يبين أن: ما أوتيتم من شيء، الشيء: شركة عملاقة، نسمع بأرقام من الشركات فلكية، أرباح شركة مئة وثمانون مليارًا! ثمانون مليارًا فائض نقدي، ستون مليار دولار، قال:
﴿فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾
لو أنك تملك هذه الشركة، يوجد شركات أقول لكم كلمة واحدة: شركة يابانية أرباحها تساوي الدخل القومي لدولة عربية كبيرة جداً، أرباح شركة موظفوها أربعون ألفًا، لو أنك تملك هذه الشركة بنص هذه الآية:
﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا﴾
إنك سوف تموت، اتق الله يا عمر، فإنك ستموت، وستترك هذه الشركة، لأن الدنيا منقطعة، فهي ليست عطاء، وتنتهي بالموت، فهي ليست مكافأة.
الآخرة خير لك من الأولى:
﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾
بشكل مبسط: وخيروك أن تركب مركبة فارهة لربع ساعة، وبين أن تمتلك دراجة امتلاكاً نهائياً ماذا تختار؟ لو خيروك بين أن تمتلك مركبة ربع ساعة وبين أن تمتلك مركبة دائماً، هل تتردد باختيار مركبة دائمة؟ الحالة الثالثة: لو خيروك بين ركوب دراجة ربع ساعة، وبين ركوب مركبة من أعلى نوع، هل تتردد ثانية؟ ماذا قال الله؟:
﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾
دائمة وأعلى:
﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾
نحن في الأولى، يوجد متاعب وأمراض وهموم، واللهِ ما نجا من متاعبها أحد، تؤتى صحة وتفقد ابناً، تؤتى أولاد نجباء والزوجة سيئة جداً، تؤتى زوجة جيدة الأولاد منحرفون، تؤتى زوجة وأولاد جيدين الدخل قليل، تؤتى زوجة وأولاد ودخل كثير الصحة فيها متاعب كثيرة جداً، شاءت حكمة الله أن تكون الدنيا متعبة, لذلك:
((أعددت لعبادي الصالحين؛ ما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر))
﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾
﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ * أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾
ربح وخسارة:
آية البارحة التي كان يتلوها سيدنا عمر بن عبد العزيز كلما دخل مقر الخلافة:
﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ﴾
والآن: هؤلاء الطغاة في العالم متعوا في هذه الحياة الدنيا، أعطوا كل شيء؛ وجاهة ومكانة، واقتصادًا، وإعلامًا، وجامعات، وبنوكًا، ومراتب، وتصدرًا، وفلسفة، وإملاء إرادات على الشعوب:
﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾
أيها الأخوة, إن اخترت الآخرة على الدنيا ربحتهما معاً، وإن اخترت الدنيا على الآخرة خسرتهما معاً.