وضع داكن
27-03-2025
Logo
من أجمل ما قرأ الدكتور : الرد على من تحدث عن دعم المسلم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الكاتب    : إسلام ويب


التصنيف : أمثال السنة النوبية


عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله


عليه وسلم - قال : ( للهُ أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن ، من رجل في


أرض دَويّة مهلكة ، معه راحلته ، عليها طعامه وشرابه ، فنام فاستيقظ 


وقد ذهبت ، فطلبها حتى أدركه العطش ، ثم قال : أرجع إلى مكاني 


الذي كنت فيه ، فأنام حتى أموت ، فوضع رأسه على ساعده ليموت ، 


فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه ، فاللهُ أشد فرحا 


بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده ) رواه مسلم . 


وجاء في رواية أخرى : ( فسعى شرفا فلم ير شيئا ثم سعى شرفا  


ثانيا فلم ير شيئا ثم سعى شرفا ثالثا فلم ير شيئا فأقبل حتى أتى 


مكانه الذي قال فيه ) ، وفي حديث النعمان بن بشير زيادة : ( ثم قال 


من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح ) رواه 


مسلم .


غريب الحديث


أرض دويّة مهلكة : هي الأرض القفر والفلاة الخالية ، والتي يُخشى 


الموت فيها .


قال فيه : أي نام القيلولة .


تفاصيل القصة


مع كثرة الذنوب ، وتوالي الخطايا ، ومع الانسياق نحو الموبقات رغم 


تكرار الوعود وقطع العهود ، يتنامى سؤال كبير يدور في نفوس 


العصاة من بني آدم : " أبعد كلّ هذا يغفر الله لي ؟ وهل عساني 


أظفر بالعفو وقبول التوبة " .


وقبل أن تنقطع حبال الأمل من النفوس ، ويخيّم على أرجائها القنوط ، 


تأتي الإجابة على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مثلٍ 


مضروب ، يفتح للمذنبين أبواب الرجاء ، ويخرجهم من دائرة اليأس .


ويسرد النبي - صلى الله عليه وسلم - المثل الذي تدور أحداثه في 


صحراء مقفرة ، شديدة القيظ ، لا ماء فيها ولا كلأ ، وفي هذا المشهد 


يظهر رجلٌ تبدو على قسماته ملامح الإجهاد والتعب ، في سفرٍ طويل 


لا مؤنس له فيه سوى ما يسمعه من صدى خطواته ، وما يبصره من 


ظلّ ناقته ، والتي جعل عليها طعامه وشراب .


ولم تزُل الشمس عن كبد السماء حتى كان الإرهاق قد بلغ به أيما مبلغ 


فطاف ببصره يبحث عن شجرة تظلّه ، حتى وجد واحدة على قارعة


الطريق ، فاتّجه نحوها وأناخ ناقته ثم استلقى تحتها ، وأغفى قليلاً 


ليستعيد نشاطه ويستردّ قواه ، إلى حين تنكسر حدّة الشمس وتخفّ 


حرارة الجوّ ، ولأنّ الرّجل لم يُحكم وثاق ناقته ، انسلّت عنه ومضت في 


سبيلها ، فلمّا استيقظ من نومه لم يجدها ، ففزع فزعاً شديداً ، 


وانطلق يجري بين الشعاب وفوق التلال دون جدوى .


ولما استيأس الرّجل وأيقن بالهلاك ، عاد إلى موضعه تحت الشجرة 


جائعاً عطشاً ، مرهق الجسد قانط النفس ، فنام في مكانه ينتظر 


الموت ، ولكن يا للعجب ، لقد أيقظه صوت ناقته ، فوجدها فوق رأسه ، 


ففارقه اليأس ، وحلّ بدلاً منه فرحٌ شديدٌ كاد يفقده صوابه ، إنّه فرح 


من عادت له الحياة بعد أن أيقن بالموت والهلاك ، حتى أنّه أخطأ من 


شدّة الفرح فأبدل الألفاظ : ( اللهم أنت عبدي وأنا ربك ) .


ثم يخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - من حوله أن فرح الله بتوبة 


عباده وإقبالهم عليهم أشدّ وأعظم من هذه الفرحة التي طغت على 


مشاعر الرّجل : ( فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته 


وزاده ) .


وقفات مع المثل


إن الغاية من المثل الذي ضربه النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا 


الحديث هي دعوة المؤمنين إلى المبادرة بالتوبة ، حتى يطهّروا أنفسهم 


من أرجاس المعاصي والذنوب ، كما قال الحقّ سبحانه وتعالى في 


محكم التنزيل : { وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } 


(النور: 31) ، وقال تعالى : { أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله 


غفور رحيم } (المائدة: 74) .


وقد بيّن - صلى الله عليه وسلم - أن ربنا عز وجل يبسط يده بالليل 


ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، وأن 


أبواب التوبة مفتوحة ، لا تُغلق إلى قرب قيام الساعة ، وما أكثر الآيات 


والأحاديث التي جاءت تبيّن ذلك وتفصّله .


وإذا كانت المثل الذي بين أيدينا يعطينا لمحةً عن الرحمة الإلهيّة ، فهو 


يوقفنا كذلك على صفة من صفاته سبحانه ، وهي المذكورة في قوله 


عليه الصلاة والسلام : ( فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن ) ، وذلك 


إثباتُ أن الله تعالى يفرح فرحاً يليق بجلاله وكماله ، ولا يشبه فرح 


المخلوقين .


كما يشير الحديث إلى أنّ الله سبحانه وتعالى لا يحاسب العبد على 


الألفاظ والأقوال التي تصدر منه دون قصد ، فالرّجل قال من شدّة 


الفرح : ( اللهم أنت عبدي وأنا ربك ) فظاهر العبارة كفرٌ ، لكنّ العبرة 


بما وقر في قلبه وما أراده في نفسه .

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور