الدكتور بلال نور الدين :
يا ربِّي ماذا فَقَدَ من وَجَــــــدَك ؟ وماذا وَجَـــــــــــد من فَقَــــــــــــــــدَك ؟
من فَاتَه مِنك وَصْلٌ حَظَّهُ النَّدَمُ ومن تَكُن هَمَّهُ تَسمو به الهِمَـــمُ
وناظرٍ في سوى معناك حُقَّ له يقتَصُّ من جَفنِه بالدَّمع وهو دَمُ
في كل جارحِةٍ عينٌ أراكَ بهـــــا منِّي وفي كل عُضوٍ للثَّناءِ فَــــــمُ
فإن تَكَلَّمْتُ لم أنطِق بغيرِكُـــــــمُ وإن سَكَتُّ فشغُلي عنــكمُ بكـــــــمُ
أخذتُمُوني مِنِّي في مُلاطفــــــةٍ فلســــتُ أعرف غيراً مُذ عرَفتُكُمُ
تركتُ كلَّ طريقٍ في مَحَبَتِكُــــم إلا طريقــــــــــاً تودي بي لرَبعِكُـــمُ
وبعدُ فَيَا أيَّها الأخوة الأكارِم ، ويا أيَّتها الأخوات الكريمات ، أُرَحِّب باسمكم جميعاً بفضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، أسأَل الله أن يحفظَه ، و أن يُبارِك في حياته ، وأن ينَفعنا بحالِه وعِلمه . وأشكُر لمركز الكالوتي التَّنموي هذه الدَّعوة الطَّيَّبة في باكورة البرنامج الإيماني ، وقد زُرنا بمَعيِّة شيخنا قبل أيام مَرافِق هذا المركز فوجدناه مركزاً أنيقاً في شَكلِه ، عَصريَّاً في ترتيباته ، عريقاً في مَضمونِه . فجَزى الله خيراً كلَّ من قامَ عليه ، وكلَّ من أَسَّسَ فيه ، وكل من سَعَى فيه لخَير ، فمَا أحوَج الأُمَّة اليوم إلى مراكز العِلم والخير والفِقه التي تنشُر الخير في المجتمع ، وقد أصبحنا في مجتمعٍ يَعُجُّ بالمُتناقِضات ، فكان لا بدَّ أن يقوم أهل الخير على سَدِّ هذه الثّغرَة في رعاية العِلْم و نَشرِه و بَثِّه بين الناس .
أيَّها الأخوة الكرام موضوع هذه النَّدوة الحِواريَّة ، وأنا أَشرُف بمحاورة شيخنا فيها .
عُنوِنَت "ومن أحسنُ قولاً" انطلاقاً من قوله تعالى :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) ﴾
ومن هنا سنبدأ ، ونحن في مركزٍ دَعوي ، في مركز دَعوةٍ إلى الله تعالى سنبدأُ من الآية الكريمة وأسأُل شيخنا الفاضل ، السلام عليكم سيدي بدايةً .
الدكتور راتب النابلسي :
وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته .
الدكتور بلال نور الدين :
سيدي سنبدأ من :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾
الدعوة إلى الله أعظم عمل على الإطلاق :
الدكتور راتب النابلسي :
من نَصِّ هذه الآية يَتَّضِح أنه ليس على وَجهِ الأرض إنسانٌ أفضل ممَّن دَعَا إلى الله، النَّص واضح ، هو قَطعِيُّ الدَّلالة ، ولا يَحتَمِل تفسيراً آخر .
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) ﴾
ثلاث كلمات عميقات جداً ، دعا إلى الله بخِطابِه ، أو بنفسه ، أو بمعامَلتِه ، أو بسهرةٍ يُقيمُها مع بعض الأخوة ، أو بسفرةٍ ، أي جميع أنواع التَّكلُّم في محاضرة ، في جامعة ، في جامع .
بالمناسبة ، الشيء بالشيء يُذكَر ، الجامع مُذَكَّر والجامِعَة مُؤَنَّث ، والرجال قوَّامون على النساء :
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) ﴾
بمعنى أن الجامعات ينبغي أن تَستَنبِطَ مَناهِجها من وحي السماء لا من وحي الأرض ، الجامعات لا تَرقى إلا إذا استَمدَّت مناهِجها وتفاصيل أنظمتها من وحي السماء ، هناك وحيُ السماء ، وهناك وحيُ الأرض .
وحيُ الأرض بالفكر شُبُهات ، وبالسلوك شهوات ، هناك من يُشَكِّك في كُتُب الحديث القَطْعِيَّة الثُّبوت ، وهناك من يُشَكِّك الآن في صلاحيَّة القرآن لهذا العصر .
وحيُ السماء : مبادئ وقُرُبات . بالفكر مبادئ ، بالحركة قُرُبات .
فلا بدَّ من أن نعتمد وحي السماء .
بالمناسبة أيها الأخوة الكرام ، إذا كان هناك قاض حَكَمَ أربعين سنة ، وكان قاضياً نَزيهاً ، لكن بأربعين سنة يوجد حُكمَان فقط تنقُصُه معلومات ، لو لم تنقُصُه لكان حُكمُه دقيقاً ، تَنقُصُه معلومات فجاء الحُكمُ بخلاف ما ينبغي فقط ، اسمه في الأرض : القاضي العادل ، لكن الله عز وجل المُطلَق والمُطلَقُ على إطلاقه .
مثلاً كل شيء هالِكٌ إلا وَجهه ، ماذا يوجد عندنا من مشاريع ضخمة ؟ فضائية كبيرة جداً ، معامل أرباحها فَلَكيّة ، ماذا يوجد عندنا شيء يفوق حَدَّ الخيال ؟ يَلفِتُ النَّظر ؟ كلُّ شيءٍ هالِكٌ ، ينتهي .
الذي لديه أكبر معمل سيارات ، والذي لديه أكبر شركة ، و الذي لديه أكبر وسيلة للرَّفاه ، انتهى ، إلا وَجهه ، قد نفهَم منها ذات الله عز وجل ، كل شيءٌ هالِك إلا وجهه ، إلا عَمَل ابتُغِيَ به وجهُ الله ، مثل هذا العمل إن شاء الله إلى أبد الآبدين ، فلذلك أعظَم عمل ينتهي بالموت ، الموت يُنهي كل شيء ، يُنهي قُوَّة القوي وضَعف الضعيف ، يُنهي وسامة الوسيم ودَمَامَة الدَّميم ، يُنهي صِحَّة الصحيح ومَرَض المريض ، يُنهي كل شيء ، إلا أن الدَّعوة إلى الله تبقى .
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾
ليس على وجه الأرض كُلّها عمل أفضل من الدَّعوة إلى الله ، لكنها واسعة جداً .
يوجد دَعوة بالِّلسان ، دَعوة بالجَنَان ، دَعوة بالمُعاملة ، الأمين داعية ، دعا إلى الله بأمانته ، والعَفيف دَعَا إلى الله بِعِفَّتِه ، و المُنصِف دَعَا إلى الله بإنصافِه ، لَمحَة واحدة .
(( سيدنا عمر رأى راعياً قال له : بِعني هذه الشَّاة و خُذ ثمنها ؟ قال له : ليست لي ، قال له : قُل لصاحِبِها ماتَتَ - ألا يوجد حل ؟- أو أكَلَها الذِّئبُ ؟ فقال له : والله إنني لَفي أَشَدِّ الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلتُ لصاحبها ماتَتَ أو أكلَهَا الذِّئبُ لَصَدَّقَني فإنَّي عنده صادقٌ أمين - دقق الآن - ولكن أين الله ؟ ))
هذا الراعي ثقافتُه صفر ، وَضَعَ يدَهُ على جوهر الديِّن ، عندما قال : أين الله ؟ لا يوجد حل .
لا ثقافة و لا مؤلفات ، ولا موقع في الانترنت ولا ، ولا ، ولا ، ولكنَّه وَضَع يدُه على جوهر الدِّين . إذا قُلتَ : أين الله ؟ فأنت مؤمن وربِّ الكعبة .
(( قال له : بِعْني هذه الشَّاة و خُذ ثمنها ؟ قال : ليست لي ، قال له : قل لصاحبها ماتَتَ أو أكلَها الذِّئب ، فقال له : والله إنني لفي أَشِدِّ الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلتُ لصاحبها ماتَتَ أو أكلَهَا الذِّئبُ لَصَدَّقني فإني عنده صادقٌ أمين . و لكن أين الله ؟ - هذا الإيمان ، لا يُمكن أن تخرُج باختيارك عن منهَج الله ))
و :
(( عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رُفِعَ عن أُمَّتي الخطأ والنِّسيانَ وما استُكْرِهوا عليهِ ))
أمَّا باختيارك من دون مَوانِع ، من دون ظروف صعبة جداً ، الشرع أعطاك بعض الإباحيات فينبغي عليك أن تُطيع الله . طفل بالعيد إذا أعطاه عمه خمسين ديناراً ، والعم الثاني أعطاه خمسين ، و خاله أعطاه خمسين ، وابن خاله أعطاه خمسين ، أصبح يملك مئتي دينار ، وهذا المبلغ في الأردن مبلغ كبير ، ماذا يقول الطفل ؟ معي مبلغ عظيم ، عظيم . فإذا قال رئيس دولة كبيرة أعدَدنا لحرب العراق مثلاً مبلغاً عظيماً ، من رئيس دولة مثل أميركا ، مئتا مليار ، كنا بمئتي دينار وصرنا بمئتي مليار ، فإذا قال الله عز وجل :
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ ۚ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) ﴾
الدكتور بلال نور الدين :
الله .
الدكتور راتب النابلسي :
من القائل ؟ خالِق الأكوان ،
فإذا أرَدَتَّ الدنيا فعليكَ بالعِلم ، وإذا أرَدتَّ الآخرة فعليكَ بالعِلم ، وإذا أردَّتهُما معاً فعليكَ بالعِلم ، والعِلمُ لا يُعطيك بَعضَهُ إلا إذا أعطيتَه كُلّك ، فإذا أعطَيتَه بَعضَكَ ، لم يُعطِكَ شيئاً ، ويَظلُّ المرء عالِماً ما طَلَبَ العِلم . فإذا ظَنَّ أنه قد عَلِم فقد جَهِل ، طالبُ العِلم يُؤثِرُ الآخرة على الدنيا فيربَحهُما معاً ، بينما الجاهل يُؤثِر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً
الدكتور بلال نور الدين :
سيّدي هذه :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾
والثانية :
﴿ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾
الدكتور راتب النابلسي :
دعا إلى الله بلسانه ، بخطابه ، بسهرةٍ يُقيمها ، بأُمسيةٍ يُقيمها ، بموقفٍ يأخذه ، وعَمِل صالحاً ، يوجد حركة . أنت إنسان مُتحرِّك ، ما الذي يُحرَّكُك ؟ الحاجة إلى الطعام و الشراب ، مُتَحرِّك ، وما الذي يُحرِّكُك ؟ الحاجة إلى الزواج ، أنت حياتك مُتَوقِّفَة على الطعام والشراب ، ولكن بعد أن درستَ الليسانس و بعدما أصبح عمرك خمساً وعشرين سنة تريد زوجة، بحاجة إلى الزواج ، للحفاظ على النوع .
الدكتور بلال نور الدين :
لإبقاء النوع .
الدكتور راتب النابلسي :
الحاجة الأولى : الحاجة إلى الطعام والشراب للحفاظ على وجودك كإنسان ، أما الحاجة إلى الزواج فهي للحفاظ على بقاء النوع . بعدما أكلتَ وشربتَ وتزوجتَ وأنجَبت لديك حاجة ثالثة هي بقاء الذِّكر ، أن تكون الطبيب الأول ، الدَّاعية الأول ، التَّاجِر الأول ، المُحامي الأول .
لديك حاجة إلى الطعام والشراب حفاظاً على بَقاء الفرد ، وحاجة إلى الزواج حفاظاً على بقاء النوع ، وحاجة إلى بقاء الذِّكر بالتَّفوُّق . فالتَّفوُّق في العمل ، والتدريس في المُحاماة ، في الطِّب ، هذه حاجة ثالثة ، الحاجات الثلاثة تتحقَّق بالتَّمام والكمال في مَنهَج الله .
الدكتور بلال نور الدين :
الله .
الدكتور راتب النابلسي :
الحاجات الثلاثة تتحقَّق بالتَّمام والكمال في مَنهَج الله .
الدكتور بلال نور الدين :
لكن سيّدي الآية هي :
﴿ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾
أي هل يُمكن أن يعمل سيئاً ؟ هذه الحاجات ممكن أن تُلبَّى بالصَّالحات أم بالسَّيَّئات ؟
الشهوات قوة دافعة أو مدمرة :
الدكتور راتب النابلسي :
نعم ، القِمار دَخِل ، قد يكون دَخِلاً كبيراً ، ﴿ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾ أي جاءت حَرَكَتُه في الحياة وَفقَ مَنهَج الله ، الحركة ، كَسبُ المال حركة ، إنفاق المال حركة ، إقامة علاقات اجتماعية حركة ، السفر حركة ، السياحة حركة ، التجارة حركة ، الإنسان مُتَحرِّك ، كائن مُتَحرِّك ، حاجته للطعام والشراب والزواج و التَّفوِّق ، هذه الحركة وَفقَ مَنهَج الله .
عفواً سأصَوِّر الشَّهوة ، صَفيحة بنزين ، ليست ماء ، والبِنزين سائل مُتفجِّر ، إذا وُضِعَت هذه الصفيحة في مستودع المركبة المُحكَم ، وسَال هذا البنزين في القَنوات المُحكَمَة تماماً ، وانفجَر في الوقت المناسب والمكان المناسب ، في البَستونات . ولدت حركة رائعة تُقِلُّكَ في العيد إلى العقبة أنت وزوجتك ، ما الذي حصل ؟ انفجارات في السيارة ، ولكن انفجارات مدروسة ، مُقَنَّنة ، مضبوطة . الآن صفيحة البنزين نفسها صُبَّهَا على المركبة أعطِها شرارة ، تُحرِقُ المركبة وما فيها . فالشَّهوات ، لولا الشَّهوات ما ارتقَينا إلى ربِّ الأرض و السماوات . الشَّهوات قِوى دافعَة ، والشَّهوات قِوى مُدمِّرة ، نفسها ، أعتقد أن هذا واضح .
طلب العلم فريضة على كل مسلم :
الآن شخص طَيَّار ، نَزل بالمِظَلَّة ، هذه المظَلَّة يا ترى ما شَكلُها ؟ يوجد مربع ، مستطيل ، ويوجد بيضوي ودائري ، لا يعلم شَكلها ، كم حَبِل ؟ لا يعلم ، من أي خيط صُنِع الحَبِل تترون أم طبيعي ؟ لا يعرف . يمكن يَجَهل خمسين معلومة إلا معلومة واحدة إذا جَهِلها نَزَل ميتاً ، طريقة فَتْح المِظلَّة .
هذا سَمَّاهُ العُلماء : ما ينبغي أن يُعلَم بالضرورة ، طالِب ، مُدَرِّس ، أستاذ جامعة ، طبيب كبير، جَرَّاح قلب ، هناك حَدّ أدنى في الدِّين لا يُعفَى منه أحد ، سَمَّاهُ العلماء : ما ينبغي أن يُعلَم بالضرورة .
أنا طبيب ، إذا كنتَ طبيباً ألا يوجد موت ؟ ألا يوجد قبر؟ ألا يوجد آخرة ؟ أنا مهندس ، فلذلك طَلَبُ العِلم فريضة على كل مسلم ، لتفهموها ، استنشاق الهواء فريضة لبقاء حياتك ، إذا لم تستنشق مدة خمس دقائق تموت . شُرْبُ الماء ، بدون ماء لن تعيش أكثر من ثلاثة أيام أو أربعة ، ومن دون طعام يمكن أن تعيش شهراً أو شهرين .
أي فريضة إن لم تفعلها تفقد كل شيء ، هذا الفرض ، فرائض بعبارة أخرى : لا تُحِب أحداً أَحِبب نفسك ، كن بالعبارة غير المقبولة أنانياً ، طَبِّق منهج الله بأنانيَّتك ، هذا الشيء الذي أتمنى أن يكون واضحاً . أنت إذا أطَعتَ الله فُزتَ فوزاً عظيماً ، انطلاقاً من حِرصَك على سلامتك .
السلامة والسعادة والاستمرار مطلب كل إنسان :
كم مليون في الأرض الآن ؟ ثمانية مليارات ، هل يوجد أحدهم يتمنَّى الفَقر ؟ ولا أحد . هل يتمنَّى أحدهم المَرَض ؟ ولا أحد . هل يتمنَّى أحدهم أن يكون في السجن ؟ ولا أحد . معنى ذلك عندنا قَاسِم مشترك بين أهل الأرض قاطِبةً ، السلامة والسعادة والاستمرار .
السَّلامة بالاستقامة ، والسَّعادة بالاتصال بأصل الكمال والجمال والنوال ، والاستمرار بتربية أولادك .
زُرتُ أميركا خمس مرات ، الرَّفاه عندهم يَفوق حَدَّ الخيال ، فقط قُل ابنك ، يُغمى عليه .
كنتُ أَذكرُ قصة من عشرين سنة ، لو بلَغتَ مَنصِباً ككلينتون – في ذلك الوقت كان الرئيس هو كلينتون ، و ثروةً كأوناسيس ، يعد أكبر ثري ، و عِلماً كأينشتاين ، ولم يكن ابنك كما تتمنَّى فأنت أشقى الناس .
كلامي واضح يا أخوان ، لا تُصَدِّق أن أباً يَسعَد وابنه شَقِي . النقطة الدقيقة أن تربية الأولاد تكاد تكون الفريضة السادسة في الإسلام ، أنا أكثر شيء آلَمَني ، كنتُ مَرَّة في أستراليا ، لا أكتُمُكُم هذه القصة ، ودَّعَني رئيس الجَاليَة وهو مُثَقَّف ثقافة عالية ، أستراليا قارَّة جديدة ، كم مليون فيها ؟ يوجد فيها ثمانية عشر مليوناً . قارَّة بأكملها ، الرَّفاه فيها العقل لا يَستوعِبَه ، قال لي : بَلِّغ أُخواننا في الشام أنَّ مَزابِل الشام خير من جَنَّات أستراليا ، كلامُه الدَّقيق ، أنا الحقيقة دُهِشت ، هي من أجمل بلاد العالم .
هنا في عمَّان لو احتَجتَ إلى كيس النايلون وسألتَ البائع : كم سعره ؟ يقول لك : ثمنه زهيد جداً لن آخذ منك شيئاً ، هناك الخروف لا يأخذون ثمنه ، رَفَاه . تُربة عمرها فقط 200 سنة ، التُّرَب عندنا عمرها حوالي ألفي سنة ، الإنتاج مُذهل يوجد تقريباً عشرة أنواع من الفواكه لا أعرفها ، و مع ذلك قال لي : بَلِّغ أخواننا في الشام أنَّ مَزابِل الشام خير من جَنَّات أستراليا ، قلتُ له : والله لم أفهم عليك ؟ قال لي : ابنك خمسون بالمئة يكون مُلحِداً .
الدكتور بلال نور الدين :
يا لطيف .
الدكتور راتب النابلسي :
والخمسون الثانية يا ليته مُنحرف أخلاقيَّاً ، شاذ ، من حينها أصبح لدي رغبة جامِحَة أن أكتشف إيجابيَّات حياتنا وليس سلبيَّاتها ، إيجابيَّات حياتنا .
الحضارة لا تكون إلا بالدين :
نحن دائماً الغرب أراد أن يُوقِعنا في حالة جَلدِ الذَّات ، جَلدِ الذَّات . نحن مُتحَضُّرون بكل معنى الكلمة ، بأوسع كلام أقوله بدينِنا، لكننا لسنا مُتطَوِّرين كما ينبغي .
هم مُتوحِّشون بعلاقاتهم ، قَتَلوا في أفغانستان خمسة آلاف إنسان بيوم واحد فقط ، ولم يتكلم أحد بكلمة ، لكنهم مُتطَوَّرون جداً . فنحن نريد حضارة والحضارة بالدِّين ، بتعليمات الصَّانع ، بالخُبُرات ، فنحن البُطولة الله جعل الأسرة هي الخَليَّة الأولى إن صَلُحَت صَلُحَ المجتمع ، إن فَسَدَت فَسَدَ المجتمع .
الدكتور بلال نور الدين :
جزاكم الله خيراً سيّدي . سيّدي أيضاً تتمة الآية :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) ﴾
الدُّعاة إلى الله بأكمَلِهم يجب أن يكونوا في دائرة واحدة :
الدكتور راتب النابلسي :
أي إذا كان هناك دَاعِية ، تَوهَّم نفسه أنه لا يوجد غيره ، هذا لديه مرض التَّوحُد ، أصبح مريضاً ، الله أجَلُّ و أَكَرَم أن يكون داعياً به ، فالله عز وجل عنده آلاف الدُّعَاة .
عندما تتَوهَّم أنه لا يوجد أحد غيرك ، أنت الوحيد ، الأوحد ، أي معك مرض التَّوحُد. هذا هو .
أمَّا :
﴿ وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
أنا واحد منهم ، فالتَّواضُع ، سوف أقول لكم أدَقُّ من هذه : الدُّعاة إلى الله بأكمَلِهم يمكن أن يكونوا في دائرة واحدة كلهم ، بمعنى أنَّهم على حَدٍّ معقول من كل فروع الدِّين ، على حَدٍّ معقول بالفِقِه ، بالسِّيرة ، بالأحكَام الشَّرعيَّة ، على حَدٍّ معقول بكل فروع الدِّين . الكل في دائرة واحدة ، لكن العُلماء الرَّبَّانيُّون ، الربَّانِيُّون قِطَاع عام ، وقِطَاع خاص ، و الآخرين قِطَاع عام ، نحن لنا القِطَاع الخاص فقط .
الآن هذه الدَّائرة ، هذا تَفَوَّقَ بالفِقِه الحَنَفي ، مُثلَّث ، هذا في الفِقِه الشَّافِعي ، هذا في التَّفسير ، هذا بالحديث ، هذا بالسِّيرة ، هذا و هذا ، المُثَلَّثات مُتكامِلة فيما بينها .
الآن الطًّرَف الآخر ، من دون ذكر اسمه ، يتعاونون تعاوناً مُذهلاً وبينهم خمسة بالمئة قواسِم مُشترَكة ، والمسلمون مع الأسف الشديد الشديد لا يتعاونون ، بل يتنافسون ، بل يتقاتَلون ، وبينهم خمسة وتسعون بالمئة قواسِم مشتركة ، هذه أكبر مشكلة في هذا العَصر.
الدكتور بلال نور الدين :
نعم ، جزاكم الله خيراً سيّدي .
سيّدي ! هل يمكن أن نَفَهَم أيضاً من قوله تعالى :
﴿ وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
اليوم بعض الناس إذا عَمِل صالحاً أو دعا إلى الله ثم قِيل له : ما هذا ؟ يقول : هذه من بيئتي، من تربيتي ، من ثقافتي المنزليَّة ، هكذا رُبِّينا ، هكذا مجتمعنا ، ولا يَعزو هذه الأخلاق إلى دينه ، هل يمكن أن نفهم :
﴿ وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
معنى إضافياً لِمَا تفَضَّلتُم به ؟
تطبيق منهج الله سبب إسلام الكثير من الناس :
الدكتور راتب النابلسي :
سأُوضِّحُها أكثر . إذا كان في سَفَر و دُعِيَ لمؤتمر وكان على الطاولة مشروب ، أنا لا يُناسِبُني ، أنا عندي مشكلة بالمعدة .
الدكتور بلال نور الدين :
قَرحة في المعدة .
الدكتور راتب النابلسي :
لا ، هذا حرام ، أنا لا أشربه
﴿ وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
الدكتور بلال نور الدين :
جميل .
الدكتور راتب النابلسي :
وَضِّح عَمَلك ، وَضِّح هدَفك ، عَلِّم الناس .
الدكتور بلال نور الدين :
نعم .
الدكتور راتب النابلسي :
والله أُقسِم لكم بالله بِحُكم جلوسي في المنزل أكثر وقتي في هذه السنوات أقرأُ أشياء ، أكثر من مئتي قصة ، من شخص عَدو الدِّين ، من موقف أخلاقي من مُسلم أَسلَم ، والله يوجد حوالي مئتي قصة لا أُبالِغ في أوروبا ، هذا الشخص عَدو الدِّين ، عدوه اللَّدود ، وَجَد أمانة ، وَجَد تواضُعاً ، وَجَد خدمة .
أذكر مًرَّة أن أحدهم سافر لم يجد إلا بيتاً عند جماعة في ألمانيا ، لديهم بنت جميلة جداً ، اشتَهى هذا الأب والأم أن يضبِطوا هذا الشاب ينظر لابنتهم ، إلى أن أسلَموا على يده جميعاً ، من غَض بصره فقط . يسكُن في ألمانيا من يراه ؟ وهم ليس عندهم مانع أساساً ، ثقافتهم غير ثقافتنا ، ليس عندهم مانع أبداً . أَقسَم بالله أن الجميع أسلَموا ، لدي لا أبالغ حوالي مئتي قصة عن شخص مسلم ، طَبَّق منهج الله في أوروبا أو أميركا أو أستراليا . تطبيق المنهج سبب إسلام عدد كبير .
الدكتور بلال نور الدين :
﴿ وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
سيّدي ، اليوم .
الدكتور راتب النابلسي :
دعا إلى لله بلسانه ، بأقواله ، بلقاءاته ، بسهرته ، عَمِل صالحاً .
الدكتور بلال نور الدين :
الدكتور راتب النابلسي :
أتَت حركته اليومية ، كَسب ماله ، إنفاق ماله وفق منهج الله ، ولم يدَّع أنه الوحيد، لو ادَّعى لصَار معه مرض التَّوحُّد .
الدكتور بلال نور الدين :
نعم ، سيّدي هنا يَبرُز سؤال مهم جداً ، الدَّعوة إلى الله يظنها كثيرٌ من الناس أنها حِكْرٌ على العُلماء أمثالكم سيّدي ، بمعنى العَالِم الذي مَكَنَّهُ الله من العِلم ، فمتى تكون الدَّعوة إلى الله فَرْضُ عَيْن ومتى تكون فَرْض كِفاية ؟
الدعوة إلى الله فرض عين وفرض كفاية :
الدكتور راتب النابلسي :
هي فَرضُ عَيْنٍ وفَرضُ كِفاية .
الدكتور بلال نور الدين :
نعم .
الدكتور راتب النابلسي :
في حدود ما تَعلَم هي فَرضُ عَيْن ، ومع من تعَرِف هي فَرْضُ عَيْن ، في حدود ما تَعلَم أي حَضرتَ خُطبَة ، شَرَحَ الخطيب آية ، تَأَثَّرتَ بها تَأَثُّراً بالِغاً ، اروِها لزوجتك أنت داعية ولكن كَفَرض عَيْن ، اروها لشريكك في العمل ، جالسون في سهرة والله الخطيب حَدَّثنَا هكذا اليوم ، هذه الدعوة فَرْض عَيْن ، في حدود ما تَعلَم والذي سَمِعتَه ، ومع من تعرف . أمَّا التَّعَمُّق والتَّبَحُّر والتَّثَبُّت فهذه فَرْض كِفاية ، إذا قام بها البعض سَقَطَت عن الكل .
الدكتور بلال نور الدين :
نعم . إذاً فَرْضُ عين في حدود من نَعرِف ومع من نَعرِف ، وفَرْض كِفاية للعُلماء الرَّبَّانيين .
الدكتور راتب النابلسي :
تحتاج إلى تبَحُّر ، إلى تَعَمُّق ، إلى تَثَبُّت بالنُّصوص ، وتحتاج إلى دعوة قد تكون عن طريق فَضائية أو تكون بموقع .
الدكتور بلال نور الدين :
هذه للمُتَخَصص .
الدكتور راتب النابلسي :
هذه تحتاج إلى خبرات عالية جداً وهي من نوع ثان .
الأولى : فَرضُ عَينٍ على كل مُسلم ، الثانية : تحتاج إلى تَعَمُّق ، إلى تَبَحُّر ، إلى تَثَبُّت ، إلى عُمومِيّة ، هذه الدعوة فَرْض كِفاية إذا قامَ بها البعض سَقَطَت عن الكل .
الدكتور بلال نور الدين :
فَرضُ العَين هل يمكن أن يكون دليلها من كتاب الله :
﴿ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ﴾
الدعوة إلى الله بالدليل والتعليل :
الدكتور راتب النابلسي :
﴿ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ ﴾
انظر ، دقق ، جزاك الله خيراً عليها .
﴿ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) ﴾
ما هي البَصيرة ؟ قالوا : الدليل والتَّعليل . ما الشاهِد ؟
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) ﴾
الدليل والتَّعليل .
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾
هذه الأولى، والثانية :
﴿ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
وقالوا :
( لولا الدَّليل لقالَ من شاءَ ما شاء )
الدكتور بلال نور الدين :
نعم .
الدكتور راتب النابلسي :
أنا كل عَمَّان مُلكي ولكن من دون دليل . لولا الدَّليل لقالَ من شاءَ ما شاء . فالدَّليل أصل .
الدكتور بلال نور الدين :
سيّدي أريد أن أبدأ بقواعد الدَّعوة إلى الله التي كنتُ أسمعها منكم دائماً مُذ كُنَّا في دمشق ، وشيخنا جزاه الله خيراً نحن تَرَبينا على يديه .
الدكتور راتب النابلسي :
أستغفر الله .
الدكتور بلال نور الدين :
في مسجد الشيخ عبد الغني النابلسي في دمشق ، مسجد جَدّ الشيخ القديم ، الشيخ عبد الغني النابلسي تُوفِّي من ثلاثمئة وسبعين سنة ، وله مَسجِد جميل جداً في دمشق ، إن شاء الله تَزورونَه في سَفْحِ قاسيون ، فكان شيخنا دائماً نتَعَلَّم على يديه في هذا المسجد المبارك ، ونسأل الله أن يُفَرِّج عن دمشق وعن أهل الشام جميعاً .
فمن القواعد الدَّعَويَّة التي أُريد أن أُعطي القاعدة التي تَعَلَّمتها من شيخنا وأسمعُ تَعقيبه بشكل سريع ، القاعدة الأولى سيّدي ، كنتم تقولون القُدوة قبل الدَّعوة ، لماذا ؟
الدكتور راتب النابلسي :
الناس يتَعلَّمون بِعُيونِهم لا بآذانِهم .
الدكتور بلال نور الدين :
الله .
الدكتور راتب النابلسي :
إذا الابن ما رأى أباه يخلَع ثيابه أمام أولاده ، لم ير أباه ، يوجد شيء على الشاشة لا يُرضي الله ، فَتَح عليه الباب وَجَده يفتح الشاشة على شيء جيد .
(( أقيموا الصَّلاةَ ، وآتوا الزَّكاةَ ، وحجُّوا ، واعتمروا ، واستقيموا يُستَقَمْ بكم ))
استقيموا يُستَقَمْ بكم ، لذلك القُدوة قبل الدَّعوة ، الناس يتعلَّمون بِعُيونِهم لا بآذانِهم ، بِعُيونِهم لا بآذانِهم ، فمستحيل أن تُلقي على ابنك توجيهاً أنت لا تُطَبِّقه ، لا تنتظر من ابنك أبداً أن يُطَبِّق شيئاً أنت لا تفعله .
الدكتور بلال نور الدين :
جميل . القاعدة الثانية سيدي ، الإحسانُ قبل البَيان ، لماذا ؟
الدكتور راتب النابلسي :
أي املأ قلب من تدعوه بإحسانك ليفتَح لك عقلَه لبيانك . دائماً وأبداً الإحسان يُقَرِّب المسافات ، يُخَفِّف المشكلات ، دائماً إذا أحسَنتَ مَلَكتَ قلبه ، إذا مَلَأتَ قَلبَه بإحسانك يفتَح لك عقله لبيانِك .
إذا الإنسان دعا إلى الله له أعمال طيَّبة ، لديه أخ بحاجة أعانَه ، أو تَوَسَّط له بإعانَته ، أو خَدَمَه . الدَّعوة إلى الله ليست فقط معلومات تُلقيها ، هي موقف مثالي تُسَوِّقُه ، يوجد عمل ، مريض مثلاً زُرته ، من عَادَ مريضاً فكأنما زارَ الله عز وجل .
الدكتور بلال نور الدين :
نعم .
الدكتور راتب النابلسي :
(( مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي يا عبدي ، قالَ : يا رَبِّ كيفَ أعُودُكَ وأَنْتَ رَبُّ العالَمِينَ ؟ قالَ: أمَا عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تعده ، أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ؟ ))
الدكتور بلال نور الدين :
جميل .
الدكتور راتب النابلسي :
الأعمال الصالحة بالمناسبة :
(( الطَّرائِق إلى الخالق بِعدد أنفاس الخَلائِق ))
الدكتور بلال نور الدين :
نعم . القُدوة قبل الدَّعوة ، الإحسان قبل البيان ، مُخاطَبة العقل و القلب معاً .
3 ـ مُخاطَبة العقل و القلب معاً :
الدكتور راتب النابلسي :
الحقيقة هذه دقيقة جداً ، الإنسان عَقل يُدرِك ، و قلب يُحِب ، و جِسم يتَحرَّك .
غِذاء العقل : العِلم ، غذاء القَلب : الحُب ، غذاء الجسم الطعام و الشراب ، فإذا غَذَّيتَ عقلَه بالعِلم أيها الدَّاعية ، بالعِلم الثَّابِت ، الطبيعي لا يوجد إشكالات ، ولا اعتراضات ، قَطعِي الدَّلالة . إذا ملَأتَ عقلَه بعِلمِك ، وقلبه بُحُبِّك ، أحسنتَ له وأطعمتَه بطعام أشُترِي بمالٍ حلال ، غَذَّيتَ عقلَه بالعِلم ، وقلبَه بالحُب و جسمه بطعامٍ حلال تَفَوَّق ، لذلك الآن يقع على رأس الهرم البشري 8 مليارات ، زُمرتان الأقوياء والأنبياء . الأقوياء مَلَكوا الرِّقاب ، والأنبياء مَلَكوا القلوب ، الأقوياء أَخذوا ولم يُعطُوا ، الأنبياء أَعطوا ولم يأخذوا ، الأقوياء يُمدَحون في حَضرتِهم ، والأنبياء في غَيبتِهم ، الأنبياء عاشوا للناس ، والأقوياء عاشَ الناس لهم ، والناس جميعاً تَبَعٌ لقوي أو نبي ، فالبطولة أن تكون من أتباع الأنبياء ، وإذا كنتَ قويَّاً تَخَلَّق بأخلاق الأنبياء .
الدكتور بلال نور الدين :
الله . سيدي إذا القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، ومخاطبة العقل والقلب معاً ، وفي ذلك يذكرون مثالاً من كتاب الله ، قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) ﴾
الدكتور راتب النابلسي :
خاطَب قلبه .
الدكتور بلال نور الدين :
قلبه ، ثم قال :
﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) ﴾
الدكتور راتب النابلسي :
خاطَب عقلَه .
الدكتور بلال نور الدين :
خاطَب عقلَه ، يوجد آيتان .
الدكتور راتب النابلسي :
الإنسان عقل و قلب وجسم . خاطِب عقله بالعِلم ، و قلبه بالحُب ، و جسمه بطعام وشراب .
الدكتور بلال نور الدين :
من قواعدكم سيّدي في الدَّعوة ، التَّدرُّج لا الطفرة . التَّدرُّج في الدَّعوة ، كيف نفهم ذلك ؟
4 ـ التَّدرُّج لا الطفرة :
الدكتور راتب النابلسي :
عفواً ، يوجد آية قرآنية ثابتة :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43) ﴾
المعنى الدَّقيق لك أن تشرَبَ الخَمرَ بين الصَّلاتين ، ولكنها مَنسوخَة حُكْماً باقية لفظَاً. لِمَ بَقيت ؟ لُيعَلِّمَنا الله التَّدرُّج .
ذهبتَ إلى بلد غربي ، أعطه كل الممنوعات يَبعُد عنها لا يقبل ، أعطه شيئين ، كل يومين أعطه شيئين ، يقبَلهم كلهم . التدرج مَنهَج إلهي ، قد تُنسَخ الآية ، الآية مَنسوخة ، مَنسوخة حُكماً لماذا بقيت لفظاً
﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ ﴾
التَّدرُّج .
أنا لي كلمة دقيقة ، هناك حركة شاقولية هكذا ، حرام فقط ، وهناك حركة مائلة ، التَّدرُّج :
(( أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا ما عسى أن يكون بَغِيضَكَ يومًا ما ، وأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا ما عسى أن يكونَ حَبِيبَكَ يومًا ما ))
أنا رأيي التَّدرُّج جداً دقيق ، اصعد بِتَدرُّج ، مثلاً هذه الجلسة لم تُعجِبك ، لا أريد أن آتي ، افتَعَلت مشكلة ، لا تأت كل جمعة ثم كل جمعتين ، ثم كل شهر ، مشغول والله . انَسحَبتَ بنعومَة . ادخُل بنعومَة ، واخرُج بنعومَة ، أهون عليك . الآن الإسلام ضعيف ، تقوم عليك القائمة ، لا بدَّ من حكمة .
بالمناسبة أخواننا الحكمة :
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) ﴾
ما قال : ومن يكن حكيماً ، ما قال : من يأخذ الحِكمة
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ﴾
الحِكمَة لا تُؤخَذ ، ولا تكون بل تُؤتَى ، والحكمة أكبر عطاء إلهي للمؤمن ، ممكن بالحكمة تسعَد بزوجة من الدرجة الثالثة ، وليست من الدرجة الأولى .
الدكتور بلال نور الدين :
إذا الزوج درجة ثالثة أيضاً سيدي ؟ لكيلا يحزنوا ، يكون الزوج من الدرجة الثالثة .
الدكتور راتب النابلسي :
وممكن أن تشقَى بزوجة من الدرجة الأولى .
الدكتور بلال نور الدين :
نعم .
الدكتور راتب النابلسي :
هذه الحِكمة ،
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) ﴾
كثيراً ، الله قال : كثيراً ، بالحِكمة تعيش بدَخل محدود ، مُمكن بدقَّة بالغة بالإنفاق ، من دون حكمة تُتلِفُ المال الكثير .
الدكتور بلال نور الدين :
سيدي القواعد كثيرة أريد تعليقكم ، لا أريد أن أُطيل على الأخوة ، أنا أعلم أنَّهم مسرورون بوجود الشيخ ، وكلنا مسرورون ، وسبحان من كتب لك القَبول سيّدي .
الدكتور راتب النابلسي :
حفظك الله ..
الدكتور بلال نور الدين :
لكن أنت تقول : قُومُوا عن الطعام وأنت تشتهيه . القاعدة التي أُريد تعليقكم عليها ، المبادئ لا الأشخاص .
الدكتور راتب النابلسي :
نحن نعرف الرِّجال بالحَق ، لا الحَقّ بالرِّجال .
الدكتور بلال نور الدين :
نعم ، جميل .
الدكتور راتب النابلسي :
معك مَنهَج ، خالَف المَنهَج لا أتَّبِعُه .
الدكتور بلال نور الدين :
الحق هو الأصل .
الدكتور راتب النابلسي :
الأصل هو الحق ، ما هو الحق ؟ الله هو الحق . الحق الشيء الثَّابِت و الهادِف ، شخص دخل الجامعة ، هذه حق لأنها تُخَرِّج عُلماء كبار ، قادة للأُمَّة ، هذا الحق . الباطل هو السيرك ، أسبوع واحد فقط ، فيل ولَعِب مُعَيَّن إلى آخره . فالباطل : الشيء العابِث و الزَّائِل ، و الحق الشيء الثَّابِت والدَّائِم .
الله هو الحق . النقطة الدقيقة ، دقيقة جداً هذه النقطة : الحرب بين حَقِّين لا تكون ، الحقُّ لا يتَعَدَّد ، وبين حقٍّ و باطِل لا تطول ، وبين باطِلين لا تنتهي .
الدكتور بلال نور الدين :
الله .
الدكتور راتب النابلسي :
بين حَقِّين لا تكون أي الهدف آخر الجلسة ، و الطريق لها واحد ، يوجد اثنان يمشيان في هذا الطريق اللقاء حَتمي ، و إذا لم يلتقوا ، واحد منهم كاذب لم يمش في هذا الطريق .
تمام واضحة ؟ الحرب بين حَقِّين لا تكون ، وبين حق و باطِل لا تطول ، وبين باطِلين لا تنتهي .
الدكتور بلال نور الدين :
جزاكم الله خيراً سيدي .
6 ـ المضامين لا العناوين :
طبعاً من قواعد الدعوة أيضاً المضامين لا العناوين ، كما تفَضَّل شيخنا : القُدوة قبل الدَّعوة ، الإحسانُ قبل البيان ، هذه نَحفُظُها لأنها مفيدة جداً ، القُدوة قبل الدَّعوة ، والإحسانُ قبل البيان ، والتَّدَرُّج لا الطفرة ، والمبادئ لا الأشخاص ، والمَضامِين لا العناوين ، لا نُرَكِّز على العناوين ، وإنَّما على مضمون الشيء ، ومُخاطَبة القلب والعقل معاً ، والأصول قبل الفروع .
الدكتور راتب النابلسي :
نعم .
الدكتور بلال نور الدين :
نبدأ بالأصول ثم الفروع ؟
الدكتور راتب النابلسي :
إنسان فرنسي أَسلَم على يد شيخ أزهري ، مع احترامنا البالغ للأزهر .
الدكتور بلال نور الدين :
نعم .
الدكتور راتب النابلسي :
أبقاه في أحكام المياه ستة أشهر ، حتى خَرَج من جِلدِه ، وتَرَكَ الدِّين ، التقى مع الإمام محمد عبده قال له : الماء الذي تَشربُه تَوضَّأ منه ، ضَغَطَ له ستة أشهر بكلمتين .
أنا اجتهادي ، الدِّين يحتاج إلى تَبسيط و عَقلنَة و تَطبيق .
الدكتور بلال نور الدين :
الله .
الدكتور راتب النابلسي :
تبسيط و عَقلنَة و تَطبيق . أي العقل من خَلقه ؟
الدكتور بلال نور الدين :
ربنا جلّ جلاله .
الدكتور راتب النابلسي :
والقرآن من أين نزل ؟ من عند الله .
ما دام شيئان من شيء واحد فالتَّوافُق بينهما قَطعِي ، إذا لم يتوافقوا ، يكون تفسير الآية خطأ أو يكون الحديث موضوعاً ، أو الشيء الثاني المادي غير صحيح ، أميركا غَزَت العراق ، قال بريمر : جِئنا من أجل الحُرَّبَّة ، كذَّاب ، جاء للنفط .
الدكتور بلال نور الدين :
جاء للنفط .
الدكتور راتب النابلسي :
فالعقل والنَّقِل تَوافُقُهُم حَتمي ، لأنَّهما من أصل واحد ، النَّقل هو القرآن وما صَحَّ من السُّنَّة .
الدكتور بلال نور الدين :
العقل خَلقُهُ .
الدكتور راتب النابلسي :
والعقل خَلقُه ، أي الكون خَلقُه ، فتوافُق النًّقل مع العقل قَطعِي وإذا لم يتوافقوا ، إمَّا بالنَّص يوجد خطأ ، أو فهمه خطأ ، أو أصله خطأ ، أو الشيء الثاني : العقل تبريري .
الدكتور بلال نور الدين :
العقل تبريري . العقل يُبَرِّر .
الدكتور راتب النابلسي :
أصبح تبريرياً . جِئنا من أجل الحُرَّية . هم كاذبون ، أتى شخص وقال : جِئنا من أجل النفط .
الدكتور بلال نور الدين :
جميل ، زِرتُم سيدي الشيخ متولي الشعراوي رحمه الله ، إمام الدُّعاة .
الدكتور راتب النابلسي :
زرته مرتين .
الدكتور بلال نور الدين :
وأَلّفتُم عنه كتاباً ، وفي أحد أسئلتكم له طَلبتُم منه نصيحة للدُّعاة لو تُكرِمُنا بها ؟
وجوب التزام الداعية بتطبيق كل ما يقول :
الدكتور راتب النابلسي :
في الحقيقة سألتُ الشيخ الشعراوي ، وأنا الحقيقة مُعجَب به كثيراً ، أنا أَعُدُّه من كبار الدُّعاة .
الدكتور بلال نور الدين :
وشيخنا كان يُسمَّى شعراوي الشام .
الدكتور راتب النابلسي :
رعاك الله .
الدكتور بلال نور الدين :
لتفسيره الجميل للقرآن كما أبدَعَ الشعراوي رحمه الله .
الدكتور راتب النابلسي :
سألتُه عن نصيحته للدُّعاة ، أنا والله لا أُبالِغ ، يمكن أن نتكلم ساعة في هذا الموضوع ، نصف ساعة ، ربع ساعة ، عشر دقائق ، خمس دقائق ، جملة واحدة قال لي : ( لَيحِذِر الدَّاعية أن يراه المَدعو على خلاف ما يدعوه ) ، لَيحِذِر الدَّاعية أن يراه المدعو على خلاف ما يدعوه .
أنا في الشام ، في جامع النَّابلسي لدنيا قبو بحجم الحرم بالضبط ، كله نساء ، وعندي طفلة صغيرة وهناك امرأة تعرف ابنتي ، كنت أتكلم على العلاقات الزوجية ، وَكَزَتها وقالت لها : أباك بالبيت مثلما يتكلم ؟
الدكتور بلال نور الدين :
المِصداقيَّة .
الدكتور راتب النابلسي :
مِصداقيَّة . أنت المُهم بالنسبة لك أنه مُهندس ولا يَهُمُّك دينه ، يا ترى صَلَّى قيام الليل ؟ أنت تريد هندسته فقط ، المحامي يهُمُّك عِلمه فقط ، هل يوجد أمل في ربح الدعوى ؟ والمهندس كذلك .
إلا رجل الدين إذا لم تتأكد أنه مُطَبِّق لِمَا يقول لا تَعبَأ بكلامه .
الدكتور بلال نور الدين :
سيّدي آخر شيء ، ما قصة مَجلّة التَّموين التي وجدتموها عند طبيب الأسنان وقرأتم فيها مقالة للتَّموين فانتفعتم بها للدعوة ؟
على كل إنسان أن يكون معطاء يعرض الحق بشكل ناصع :
الدكتور راتب النابلسي :
والله هذا الطبيب من أخواني الكرام ، وأنا لي عنده مَكَانة كبيرة . موعدي معه الساعة الواحدة والنصف ، وجدت نفسي أمام عيادته الساعة الواحدة والربع ، وإذا أَرَدت أن أُكمِلَ لبيتي أحتاج لرُبع ساعة والعودة ربع ساعة ، غير معقول ، هو ليست عنده إمكانية أن أَدخُل قبل وقتي، مواعيده دقيقة جداً ، طبيب غال عندي جداً ، وهو حَيٌّ يُرزَق الآن . قلتُ لنفسي : سأدخل لعنده ، دخلتُ لعنده ، قال لي : انتظر ربع ساعة ، وجَدت مجلات ، اخترتُ واحدة لا على التَّعيين وليس لها علاقة بالدِّين ولا واحد بالمئة . لوزارة التَّموين ، أثناء تَصفُّحي لها ، تفاجأتُ بمقالة : ( التَّدخُّل الإيجابي في السُّوق ) ، تدخُّل إيجابي في السُّوق !! بعدما قرأتُ هذه المقالة ، أنت يا وزير التَّموين ليست مُهِمَّتُك أن تُسَطِّر ضُبوطاً وتُحقّق غرامات ، افعلها استهلاكية و بِع أفضل بضاعة ، بأرخص سعر ، وأطيب معاملة ، تسَحَب إليك كل الزبائن . وهؤلاء من يغشون الناس إذا لم يُقَلِّدوك يموتوا من الجوع . هذا اسمه : التَّدخُّل الإيجابي في السوق .
العبد الفقير أعمل بالدعوة من خمس وأربعين سنة ، لم أُهاجِم فئة ، سَلَكتُ هذا الخط، أبداً ، لا يمكن ، يَحضُر درسي من كل الفئات .
الدكتور بلال نور الدين :
صحيح .
الدكتور راتب النابلسي :
من كل الاتجاهات ، هذا رأيته الآن ، الآن أفضل منهَج التَّدخُّل الإيجابي في السوق، تَكَلَّم عن الجِّهة الفُلانِيّة أصبحوا جميعهم أعداءك . تَكَلَّم عن شيخهم يُعادونك كلهم ، أنا لستُ ضد التَّحدث بالحقيقة ، أنا لم أَسلُك هذا الخط ، أنا مع التدخُّل الإيجابي في السُّوق ، هذا المَنهَج الآن مُريح جداً ، مُريح ويُريحك ، والله يجتمع بدرسي من كل فئات المجتمع .
الدكتور بلال نور الدين :
صحيح . صَدَقت .
الدكتور راتب النابلسي :
الصُّوفي والسَّلفي ، الكل يجلسون عندي ، ما أزعجت أحداً ، وما جَرحتُ أحداً . هذا الآن المَنهَج يُريح أكثر .
الدكتور بلال نور الدين :
و هذا المركز سيدي إن شاء الله من التَّدخُّل الإيجابي في السوق ، سوق المعرفة . اليوم الفيسبوك ، واليوتيوب ، والإعلام ، والمراكز العلمانية والإسلامية . فإن شاء الله هذا المركز يتبع منهج التَّدخُّل الإيجابي في السوق ، يعرُض الحق إن شاء الله ناصِعاً معطاءً ، وأن يكون بذلك يبذر بذرة طيبة في هذا المجتمع الأردني الذي نعتزُّ به وبسكننا فيه ، وبأخوتنا فيه ولله الحمد .
جزاكم الله خيراً سيدي ، وأحسن إليكم .
الدكتور راتب النابلسي :
شكراً لكم .
الدكتور بلال نور الدين :
يوم كنا صغاراً ، كانت مُعلِّمة الصف الابتدائي تُحدِّثنا ليس عن ليلى والذئب ، حَدَّثتنا عن ليلى والذئب ولكن كانت تُحدِّثُنا عن قصة بائعة الحليب ، قالت :
قالت: بنية قومي فامزقي اللبنـــــا فالماء سوف يزيد الوزن والثمنا
قالت لها البنت: يا أمــــاه معــذرةً فقد نهى عمـــــــــرٌ أن نخلط اللبنـا
قالت الأم: أنى يرى عمر صنيعنا إنما الفاروق ليــــــــــــــــس هنـــــــــــا
قالت البنـــــت: لا تفعلــــــــــــــي أبداً فالله يعلـــــــم منا الســــــــــر والعلنــا
إن لم يكن عمر الفاروق يبصرنـا فإن رب أبي حفصٍ هنـــا معنـــــــــا
سَمِع الفاروق قولها فوضَع علامة على البيت ، وفي الصباح أقسَمَ على أولاده لَيُزوجنَّها لأحدهم ، فتَزوَّجَها عاصم ، فكانت جَدَّة عمر بن عبد العزيز ، الذي أعاد للخلافة راشديَّتها .
أسأُل الله تعالى أن يُخرِج من هذا المجتمع الطَّيِّب من يكون قُدوةً وعزاً للإسلام والمسلمين .
كل الشكر لحضوركم ، وأسأل الله أن يجزيكم بكل خطوة خطيتموها إلى مجلس العلم هذا خيراً وبِرّاً وبركةً وفَضْلاً ، و أن يَجزي شيخنا فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي خير جزاء على ما تفَضَّلَ به ، وأن يَجزي أخوتنا في هذا المركز التَّنموي ونحن في باكورة الافتتاح ، وإن شاء الله الخير مُستمر إلى يوم القيامة بهذا المركز، والأجر عظيم ، والبِر كبير .
دمتم في رعاية الله وفضله ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .