- محاضرات خارجية / ٠07رحلات - أمريكا
- /
- ٠4رحلة أمريكا 4 - 5 - 6 - 7
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
لكلّ شيء وظيفتان؛ وظيفة تعريفية و وظيفة تكريمية :
أيها الأخوة الكرام ؛ أشكر القائمين على هذا المؤتمر أو الملتقى دعوتهم الكريمة التي أعتز بها ، والتي إن دلت على شيء فعلى حسن الظن بي ، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم .
أيها الأخوة الأكارم ؛ بادئ ذي بدء : هل تعلم أيها الإنسان من أنت ؟ أنت المخلوق الأول عند الله ، لقوله تعالى :
﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾
ولأنك قبلت حمل الأمانة سخر الله لك ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه تسخير تعريفٍ ، وتسخير تكريم ، والدليل : أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى الهلال فقال:
((هلالُ خَيْرٍ ورُشْدٍ))
بيّن النبي من خلال هذا الحديث القصير أن كل شيء خلقه الله له وظيفتان ، وظيفة تعريفية ، ووظيفة تكريمية .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((هلالُ خَيْرٍ – ننتفع به – ورُشْدٍ – يرشدنا إلى الله -))
تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف و تكريم :
الكون إذاً مسخر للإنسان بعد أن قبل حمل الأمانة تسخيرين ، تسخير تعريف وتسخير تكريم ، تسخير التعريف يقتضي أن نؤمن ، وتسخير التكريم يقتضي أن نذكر، فالإنسان إذا آمن وشكر حقق الهدف من وجوده ، وحينما يحقق الهدف من وجوده تتوقف جميع المعالجات الإلهية ، قال تعالى :
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾
الإنسان إذا آمن بالله واحداً وموجوداً ، وواحداً وكاملاً ، وآمن بأسمائه الحسنى، وصفاته الفضلى ، وخضع لمنهجه ، فقد حقق الهدف من وجوده ، ذلك أن على وجه الأرض الآن سبعة مليارات ما منهم واحد إلا وهو حريصٌ على سلامة وجوده ، وعلى كمال وجوده، وعلى استمرار وجوده ، سلامة وجوده بخضوعه لتعليمات الصانع ، لأن الجهة الصانعة هي الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها ، فسلامة وجوده بخضوعه لتعليمات خالقه ، وكمال وجوده في التقرب إليه ، كل ما في الأرض من جمال مسحة من جمال الله ، فالإنسان إذا عرف الله واتصل به ، اتصل بأصل الجمال في الكون ، فلذلك ينبغي أن يقول المؤمن : ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني ، الإنسان مخلوق للسعادة ، قال تعالى :
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾
خلقهم ليسعدهم .
الحكمة من المصائب التي تصيب الإنسان :
أيها الأخوة الكرام ؛ هذه السيارة التي نركبها ، لماذا صنعت ؟ من أجل أن تسير أليس كذلك ؟ نقول : علة صنعها السير ، لكن فيها مكبحاً ، ما مهمة المكبح ؟ أن يوقفها والإيقاف عكس السير ، ماذا نستنبط من هذا المثل ؟ أن الإنسان مخلوق للسعادة ، فإذا غفل عن الله ، أو قصر بما عليه ، أو أساء إلى خلق الله ، لا بد من أن يلفت الله نظره إلى خطئه ، إما بياناً أو تأديباً ، فلذلك قال تعالى :
﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾
هذه الآية أصل في المصائب .
﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾
فلذلك حينما نفهم أن كل مصيبة ساقها الله لنا ، علتها ، وحكمتها ، ومؤداها أن يصحح المسار ، يوجد بالمسار خطأ عن طريق المصيبة نصحح المسار ، مرة ثانية :
﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾
فحينما يفهم المؤمن حكمة المصيبة ، ووظيفة المصيبة ، ودور المصيبة ، وغاية المصيبة ، حينما يفهم على الله ما ساقه له قد ينتفع به ، وقد يسعد به ، لكن ورد في بعض الآثار أنه : " ما من عثرة ولا اختلاج عرقٍ إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله أكثر ، وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ، ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة " .
هذه الحقيقة المرة التي ينبغي أن تكون أفضل عندكم من الوهم المريح ، بين أن تعيش في وهم مريح ، وبين أن تعيش في حقيقة مرة .
" ما من عثرة ، ولا اختلاج عرق ، ولا خدش عود ، إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله أكثر ، وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ، ويعفو عن كثير ".
أخوتنا الكرام ؛ من آداب المؤمن أنه إذا وقعت مصيبة بأخيه يحسن الظن به ، ويقول : لعلها ترقية ، لكنني أنصح كل أخ مؤمن أنه إذا أصابته مصيبةٌ أن يبحث عن سبب هذه المصيبة ، لأن الله عز وجل يقول :
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾
لا تنس مثل السيارة ، صنعت لتسير ، وفيها مكبح ، المكبح يتناقض مع علة صنعها من أجل سلامتها ، فالإنسان حينما يتلقى من الله معالجات .
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾
أخوتنا الأكارم ؛ من أورع ما قال سيدنا عمر في هذا الموضوع أو قيل عنه ، أنه إذا أصابته مصيبةٌ قال : " الحمد لله ثلاثة ، الحمد لله إذ لم تكن في ديني - أكبر مصيبة مصيبة الدين ، أن تخرج عن منهج الله ، ألا تأبه لوعيد الله ، أن تنصرف عن طاعته - الحمد لله إذ لم تكن في ديني ، والحمد لله إذ لم تكن أكبر منها ، والحمد لله إذ ألهمت الصبر عليها ".
خطوات معالجة الله عز وجلّ للإنسان :
أخوتنا الكرام : الحقيقة أن الله جلّ جلاله في تربيته للمؤمن يسلك معه مراحل متتابعة ، المرحلة الأولى : الهدى البياني ، تستمع إلى قرآن ، إلى تفسير ، إلى حديث ، إلى شرح ، إلى موعظة ، إلى قصة ، إلى موضوع ، إلى ندوة دينية ، هذا هو الهدى البياني ، أول شيء الهدى البياني ، وأنت صحيحٌ ، معافى في بيتك وأولادك ومن حولك ، الأمور كلها على ما يرام ، لكن هناك خطأ ، وتقصيراً ، وانحرافاً ، وعدواناً ، لا بد من معالجة ، لأن الله رب العالمين ، وتقضي ربوبيته أن يعالج الإنسان ، فلذلك أول حقيقة أن الله يبدأ مع هذا الإنسان الذي غفل عن الله ، أو تجاوز حدود الله ، أو قصر فيما ألزمه الله به ، أو أساء لخلق الله ، هذا الإنسان الله عز وجل يبين له ، يرسل له من ينصحه ، قد يستمع إلى خطبة يجد فيها تنبيهاً له، قد يتابع ندوة يجد فيها تنبيهاً له ، إذاً أول شيء في معالجة الله عز وجل لهذا الإنسان الذي غفل عن الله ، وتجاوز حدوده ، وقصر في واجباته ، أن الله يبين له ، إما برسالة من صديق ، أو من عالم ، أو من خطيب مسجد ، أو من كتاب يقرؤه ، أو من ندوة يتابعها ، هذا هو الهدى البياني ، لذلك الموقف الكامل من الهدى البياني أن تستجيب .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
استجابة فقط ، هناك دعوة من الله لما يحييكم ، دعوة لسلامتكم ، دعوة لسعادتكم، دعوة لرقيكم ، إذا جاءتكم دعوة من الله ينبغي أن تستجيب .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
لو أن هذا الإنسان لم يستجب ، ما الذي يحصل ؟ يخضع لمرحلة ثانية هي التأديب التربوي ، يسوق الله لهذا الإنسان مشكلة ، أو شبح مصيبة ، يخوفه ، يقلقه ، هناك من يتجاوزه، هناك من يزعجه ، لذلك ما نزل بلاء إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة , هذه حقيقة دقيقة ، إن لم يستجب للهدى البياني يخضع لتربية أخرى اسمها التأديب التربوي ، يأتي التأديب ، دائماً وأبداً البطولة أن تبحث عن السبب ، وقد قالوا : من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر ، أصبح هو المصيبة ما دام هناك شيء مزعج ، لذلك ورد :
(( يا عبادي إني حَرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي ، وجعلتُه محرَّماً بينكم ، فلا تَظَالموا ، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ، كُلُّكم عار إلا مَنْ كَسوْتُه فاستكسوني أكسكم ، كُلُّكم جائع إلا مَنْ أطعمتُهُ ))
إلى آخر الحديث ، في نهاية الحديث وهو حديث قدسي :
((فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ))
هذه البطولة :
(( ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ))
فالإنسان أول شيء هدى بياني ، بيان ، توضيح ، ثم تأديب تربوي ، هناك شيء ثالث عبّر عنه العلماء بالإكرام الاستدراجي ، قد يكرمه الله عز وجل ، بربحٍ ، ببيتٍ ، بشيء يطمح إليه ، فلعله بهذا الإجراء الثالث يشكر ، أي وظيفة الإنسان في الهدى البياني أن يستجيب ، وفي التأديب التربوي أن يتوب ، وفي الإكرام الاستدراجي أن يشكر ، فإذا لم يستجب، ولم يتب ، ولم يشكر ، جاء القصم .
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾
لذلك البطولة أن تستجيب إذا دعيت إلى الهدى ، ولا سمح الله ولا قدر لو لم تستجب البطولة أن تتوب إذا جاء التأديب التربوي ، فإن لم تتب بالتأديب التربوي وجاء الإكرام الاستدارجي ينبغي أن تشكر ، فإن لم تفعل هذه ولا هذه ولا تلك جاء القصم .
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾
أنواع المصائب :
أخواننا الكرام ؛ المصائب تختلف من إنسان إلى آخر ، مصائب الأنبياء مصائب كشف ، عند النبي الكريم كمالات قد لا تظهر إلا بالمصيبة ، أي خرج إلى الطائف مشياً على قدميه ، المسافة تقدر بثمانين كيلو متراً ، يصل إليها ، يُكفر به ، يستهزأ به ، صبيانهم يضربونه، يسيل الدم من قدميه ، يأتيه ملك الجبال ، يقول له : يا محمد لو شئت لأطبقنا عليهم الأخشبين - الجبلين - قال : لا يا أخي ؛ اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون ، لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحده .
أي مصائب الأنبياء مصائب كشف لكمالاتهم ، ولكن حينما ننتقل إلى المؤمنين مصائب المؤمنين مصائب دفع لهم في طريق الإيمان ، ليرفعوا سرعتهم ، أو ليرفعوا أجرهم، مصائب المؤمنين مصائب دفع ورفع ، الآية الكريمة :
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾
إذاً المؤمن مصائبه دفع لمزيد من الإقبال على الله ، لمزيد من الطاعات ، لمزيد من القربات ، أو رفع لنيته ، ولأجره ، هذه مصائب أهل الإيمان ، والشيء الدقيق إذا أحبّ الله عبداً ابتلاه ، قال : فإن صبر اجتباه ، وإن شكر اقتناه ، أما مصائب المعرضين عن الله مصائب الكفار والمشركين فمصائب ردعٍ أو قصمٍ ، يردع أولاً فإن لم يستجب يقصم ، لذلك مصائب الأنبياء كشف ، مصائب المؤمنين رفع ودفع ، مصائب الكفار والمشركين قصم وردع ، هذه أنواع المصائب ، والبطولة أن نقف من المصيبة الموقف الكامل .
ومرة ثانية : من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر .
رأس الحكمة مخافة الله :
أيها الأخوة ؛ الله عز وجل يقول :
﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾
تفعل ما تشاء ، تأكل ما تشاء ، تأخذ مالاً من غير شرعية ما تشاء ، تؤذي من تشاء ، وهكذا :
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾
فلا بد من عقاب من الله عز وجل ، فما البطولة ؟ أن تدخل الله جل جلاله في حساباتك ، أقول لكم صادقاً : هناك إنسان لا يعبأ بأن يحسب لعقاب الله حساباً ، هذا أغبى أغبياء الأرض ، أي إنسان لا يدخل عقاب الله في حساباته يعد من أغبى أغبياء الأرض ، ولذلك هناك نقطة دقيقة جداً :
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾
أنت مع إنسان أقوى منك إن أخطأت فهذا الخطأ مسجل و ستحاسب عليه ، لا يمكن أن تخالفه ، أي بشكل آخر بين أيدينا تركب مركبة ، والإشارة حمراء ، وأنت مواطن عادي، والجزاء كبير جداً ، ماذا تفعل ؟ لا يمكن أن تتجاوز لماذا ؟ لأنك موقن أن واضع قانون السير تطولك عقوبته ، يطولك علمه ، لذلك لا تخالف ، فإذا علمت كما قال الله عز وجل :
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾
حينما تعلم ذلك لا بد من أن تراجع نفسك ، البطولة قبل أن تتحرك ، قبل أن تأخذ ما ليس لك ، قبل أن تظلم ، قبل أن تستعلي ، أدخل عقاب الله في حسابك ، لذلك قالوا : رأس الحكمة مخافة الله .
الإنسان خُلق ضعيفاً ليفتقر بضعفه فيسعد بافتقاره :
لذلك أيها الأخوة ؛ الله عز وجل قال :
﴿إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾
لا شك أنكم تعلمون أن المتانة مقاومة قوة الشد ، فالفولاذ أمتن عنصر ، لذلك المصائد والتل فريك يصنع من الفولاذ المضفور ، الفولاذ أمتن عنصر ، والألماس أقسى عنصر، المتانة مقاومة قوة الشد ، والقساوة مقاومة قوة الضغط ، فالألماس أقسى ، والفولاذ أمتن، الله عز وجل قال :
﴿إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾
أي هذا الإنسان في قبضة الله بثانية واحدة نقطة دمٍ لا تزيد عن رأس دبوس إذا تجمدت في أحد عروقه دماغه أصيب بالشلل ، أنت في قبضة الله ، أحياناً إذا ضاق الشريان التاجي دخلت في أزمات لا تنتهي ، إذا تجمدت نقطة دم في مكان ما دخلت في أزمة ثانية ، فالإنسان ضعيف .
﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾
بل لو أن الإنسان خلق قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه ، لكنه خلق ضعيفاً ليفتقر بضعفه فيسعد بافتقاره .
التّولي و التّخلي :
الصحابة الكرام هم قمم البشر ، في بدر ماذا فعلوا ؟ خضعوا لله .
﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾
أي افتقروا فانتصروا ، افتقروا إلى الله فانتصروا ، هم هم ، ومعهم سيد الخلق وحبيب الحق ، في حنين اعتدوا بعددهم ، فلم ينتصروا .
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾
الآن أضع بين أيديكم هذه الخبرة ، ما في مؤمن على وجه الأرض يقول : أنا إلا ويؤدب ، أما إذا قال : الله ، فالله يتولاه ، فالصحابة الكرام في بدر قالوا : الله ، فانتصروا ، في حنين قال : نحن كثيرون ، فلم ينتصروا ، المخلص أنت بين التولي والتخلي ، تقول : الله ، يتولاك الله ، لذلك قال تعالى :
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾
الله عز و جلّ غني عن تعذيب عباده :
أنت كمؤمن تعاملك اليومي مع الله ، حينما تعزو نجاحاً إليك وأنت لست كذلك هذا شرك خفي ، والنبي الكريم يقول :
(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي أما إني لستُ أقولُ إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ، ولكن شهوة خفية ، وأعمالاً لغير الله))
أيها الأخوة ؛ إذاً لا بد من ذكر أن الله عز وجل غني عن تعذيبنا ، قال تعالى :
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً﴾
طبعاً لو أن إنساناً عنده ثلاثة أولاد - دققوا بهذا المثل - ولد منغولي ، لا يوجد به أمل، وولد ذكيٌ جداً ومتفوق ، الأول تركه لأنه لا يوجد به أمل ، والثاني تركه لأنه حقق كمال البنوة ، الثالث ذكي ومقصر ، يصب الأب تربيته على الثالث ، لأن عنده إمكانية عالية وقصّر في استغلالها .
فلذلك الإنسان حينما يكفر بالله كفراً مغلظاً كما قال الله عز وجل :
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾
أما حينما يكون بخير يخضع لتجربة ، ولصعوبة ، تماماً كما لو أن إنساناً معه ورم خبيث منتشر في كل جسمه ، سأل الطبيب ماذا آكل ؟ يقول له : كُلْ ما شئت ، أما الذي يعاني من التهاب حاد في المعدة يخضعه الطبيب لحمية قاسية جداً ، أيهما أفضل أن يقال لك كل ما شئت أم أن تخضع لحمية قاسية ؟ الحقيقة الحمية القاسية أفضل لأن هناك أملاً بالشفاء.
لذلك أيها الأخوة ؛ حينما ترى أن الله يتابعك ، يحاسبك ، يسوق لك بعض الشدائد إثر بعض المخالفات ، إذا كان هناك تقصير ، أو تجاوز ، أو انحراف ، تأتي المصيبة ، فاشكر الله على أنك في العناية المشددة ، هناك إنسان ضمن عناية مشددة ، مع ذلك الأمل كبير بشفائه ، و إنسان خارج العناية المشددة و لا أمل من شفائه .
لذلك قالوا : إذا أحبّ الله عبده ابتلاه ، فإن صبر اجتباه ، ون شكر اقتناه ، ومن أحبنا أحببناه ، ومن طلب منا أعطيناه ، ومن اكتفى بنا عما لنا كنا له وما لنا .
مرور العالم بثلاث مراحل :
سيدنا عمر أيها الأخوة ؛ جاءه جبلة ملك الغساسنة مسلماً ، فرح به ، ورحب به ، هذا الملك في أثناء طوافه حول الكعبة ، بدوي من قبيلة فزارة داس طرف ردائه ، فانخلع رداءه عن كتفه ، هو ملك - جبلة بن الأيهم ملك الغساسنة - جاء مسلماً طاف حول الكعبة ، بدوي داس طرف ردائه فانخلع رداءه عن كتفه ، فضرب هذا الأعرابي ضربةً هشمت أنفه ، وسال الدم، هذا الأعرابي شكاه إلى سيدنا عمر ، سيدنا عمر جاء به ، أمام سيدنا عمر ملك الغساسنة وبدوي من فزارة ، شاعر معاصر صاغ هذه القصة شعراً ، قال عمر لجبلة : أصحيحٌ ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟ فقال جبلة : لستُ ممن ينكرُ شيا ، أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيديَّ ،قال عمر : ارض الفتى لا بد من ارضائه ، ما زال ظفرك عالقاً بدمائه ، أو يهمشن الآن أنفك وتنال ما فعلته كفك ، قال : كيف ذاك يا أمير هو سوقةٌ وأنا عرشُ وتاج ؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً ؟ قال له : نزوات الجاهلية ورياح العنجهية قد دفناها ، أقمنا فوقها صرحاً جديداً وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيدا ، فقال جبلة : كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز أنا مرتد إذا أكرهتني ، قال : عنق المرتد بالسيف تحز ،عالمٌ نبنيه كل صدع فيه يداوى ، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى .
أخوتنا الكرام ؛ بعض الفلاسفة أو المفكرين في شمال أفريقيا في بلد الجزائر ، رأوا أن العالم مرّ بمراحل ثلاث ، عصر المبادئ ، ثم عصر الأشخاص ، ثم عصر الأشياء ، الآن الإنسان يستمد قيمته من مساحة بيته ، يستمد قيمته من نوع سيارته ، أو برقم آخر مع النوع هناك مئتان ، أو ستمئة مثلاً ، فلذلك تستمد مكانة الإنسان من متاعه كما ورد قيمة المرء متاعه، القيمة الآن التفاضلية بين الناس متاع الناس ، أما في عصور سابقة فالقيمة أخلاقية.
المصيبة رسالة من الله عز وجل :
أيها الأخوة ؛ الآن هناك ملاحظة دقيقة جداً ، سأوضحها بمثل ، طفل صغير بالصف الخامس طلب من والده ألا يدرس ، قال له : كما تريد ، في اليوم الثاني هذا الطفل لا يوجد عنده عنده مدرسة فنام للساعة العاشرة ، أكل ، ذهب إلى السينما ، رأى نفسه أسعد طفل ، عندما كبر لا وظيفة ، ولا تجارة ، ولا شهادة ، ولا بيت ، ولا زوجة ، حقد على أبيه ، قال له : يا أبتِ يوم قلت لك : أريد ألا أدرس لِمَ لم تعنفني ؟ الآن دقق في هذه الآية :
﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً﴾
أي المصيبة رسالة من الله .
﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
فالبطولة بالمؤمن أن الله سبحانه وتعالى إذا ساق له مصيبة أن يشكر الله عليها لماذا ؟ لأن الله عز وجل رأى فيه خيراً ، ساق له مصيبة كي يشفى من مرض ألمّ به ، هذا الفهم الصحيح للمصائب عند المؤمنين .
كل شيء أراده الله وقع وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة :
لذلك هناك حقيقة دقيقة جداً أرددها كثيراً لأنها تلقي ضوءاً على مشكلات العالم الإسلامي ، كل شيء وقع في الأرض بالخمس قارات من آدم إلى يوم القيامة ، كل شيء وقع أراده الله ، ما معنى أراده ؟ العلماء قالوا : سمح به فقط ، تماماً كأب طبيب تزوج ولم ينجب ، مضى على زواجه عشر سنوات ، ثم جاءه غلامٌ هو آيةٌ في الجمال ، تعلق به تعلقاً مذهلاً ، لكن بعد حين اكتشف الأب الطبيب أن ابنه مصاب بالتهاب الزائدة ، فسمح للطبيب أن يخدر ابنه ، ويشق بطنه ، وتستأصل الزائدة ، المثل واضح ، هذا معنى أن كل شيء وقع أراده الله ، معنى أراد لا تعني أنه رضي ، ولا تعني أنه أمر ، لكن سمح فقط ، فكل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، هذه المقولة التوحيدية تفسر كل شيء يجري على وجه الأرض ، كل شيء وقع أراده الله ، أي سمح به ، لم يأمر ولم يرضَ ، كما أن الأب الطبيب سمح أن يفتح بطن ابنه لاستئصال الزائدة ، لكنه لم يرضَ أن تكون هذه العملية في الأصل ، كل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، الآن : وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، أي لا يوجد بالكون شر مطلق ، الشر المطلق يتناقض مع وجود الله ، هناك شر نسبي موظف للخير ، الشاهد الدقيق الواضح :
﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾
الآن دقق :
﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾
هذه الآية دقيقة جداً تبين أنه ما من طاغية على وجه الأرض إلا ويوظف الله طغيانه لخدمة دينه والمؤمنين من دون أن يشعر ، ومن دون أجر أو ثواب .
أيها الأخوة ؛ قالوا : إذا مات العبد الصالح استراح من عناء الدنيا ، وإذا مات العبد الفاجر استراحت منه البلاد والعباد والشجر والدواب ، ماذا بقي ؟
مرة سألني أخ قال لي : ما علاقة الدواب بالرجل الفاجر إذا مات ؟ قلت له : لأنه كان ممنوع استيراد العلف .
أخطر شيء بالعقيدة أن يتوهم الإنسان أن الله قدّر عليه ما يفعله :
أيها الأخوة جيء بشابٍ شارب خمر إلى سيدنا عمر ، فقال سيدنا عمر لهذا الشاب: أقيموا عليه الحد ، فقال هذا الشاب : والله يا أمير المؤمنين إن الله قدّر عليّ ذلك ، فقال عمر : أقيموا عليه الحد مرتين مرة لأنه شرب الخمر ، ومرة لأنه افترى على الله ، ثم قال : ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضرار ، الآن أدخل بموضوع خطير جداً حينما تتوهم أن الغلط الذي ترتكبه قد أراده الله ، أو قدره عليك ، أو أجبرك عليه ، وقعت في أفسد عقيدة ، وقعت في عقيدة الجبر ، عقيدة الجبر تلغي الثواب والعقاب ، تلغي الجنة والنار ، تلغي الفضائل ، تلغي التكليف ، في اللحظة التي تتوهم بها أن الله أجبرك على هذه المعصية وقعت في خطأ مدمر ، لولا حرية الإنسان ، لولا حرية الاختيار ، لا معنى للجنة والنار ، ولا معنى للثواب والعقاب ، ولا معنى للخير والشر ، إن الله أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً ، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً ، وأعطى عن القليل كثيراً ، ولم يعص مغلوباً ، ولم يطع مكرهاً .
أيها الأخوة ؛ أخطر شيء بالعقيدة أن تتوهم أن الله قدر عليك ذلك ، وهناك كلام عند العامة فيه خطر كبير ، أنت حينما تتوهم أن الله أجبر عباده على المعصية بطل العقاب ، وإذا توهمت أن الله أجبر عباده على الطاعة بطل الثواب ، وإذا توهمت أن الله تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة ، إن الله أمر عباده تخييراً ، ونهاهم تحذيراً ، وكلف يسيراً ، ولم يكلف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، ولم يعص مغلوباً ، ولم يطع مكرهاً .
أيها الأخوة الكرام ؛ أشياء دقيقة جداً يجب أن نعرفها في المصائب ، ما من مصيبة على وجه الأرض إلا بسبب منا .
عن أبي إدريس الخولاني رحمه الله ، عن أبي ذَرّ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال :
((فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ ))
وما دام القلب ينبض هناك فسحة في التوبة ، لذلك الله عز وجل حينما يسوق لعباده الشدائد من أجل أن يرجعوا إليه ، ويصطلحوا معه .
(( إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى منادٍ في السموات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ))
من عرف الله ثم عرف أمره تفانى في طاعته :
أخواننا الكرام ؛ لي ملاحظة أخيرة ، أنت إذا عرفت الله ثم عرفت أمره تفانيت في طاعة الله ، من هو الله ؟ بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية ، ماذا تعني أربع سنوات ضوئية ؟ يقطع الضوء في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر ، في الدقيقة ضرب ستين ، في الساعة ضرب ستين ، في اليوم ضرب أربع وعشرين ، في السنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين ، أربع سنوات ضرب أربع ، ابنك الصغير بدقيقتين يحسب لك على الآلة الحاسبة المسافة بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب ، لو أن هناك مركبة لهذا النجم متى نصل؟ قال : بعد خمسين مليون عام ، متى نصل إلى نجم القطب ؟ أربعة آلاف سنة ، متى نصل إلى مجرة المرأة المسلسلة ؟ مليونا سنة ضوئية ، متى نصل إلى مجرة اكتشفت حديثاً ؟ أربعة وعشرون ألف مليون سنة ضوئية ، اسمع القرآن :
﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، وإذا ظن أنه علم فقد جهل .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته