- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (029)سورة العنكبوت
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
من سنة الله في خَلقه ألا يدع عباده بلا أمر ولا نهي ولا توجيه:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الرابع عشر من سورة العنكبوت.
وصلنا في الدرس الماضي بتوفيق الله إلى قوله تعالى:
من لوازم رحمة الله عز وجل، من أسماء الله الحسنى أنه هو الهادي، بشكل مبسط، مثل مبسط: إذا رأى الأب ابنه في طريق غلط فلا يمكن لأب أن يسكت، لابد من أن يوجه، لابد من أن يُحذّر، لابد من أن يُعلّم، من أن يبين، يشقون طريقاً، وبعد شقّ الطريق يضعون اللافتات رحمةً بمن على الطريق، هنا منعطف خطر، وهنا منزلق خطر، وهنا طريق ضيقة، وهنا تقاطع خطر، وهنا قطار سيعبر الطريق، ما هذه اللافتات، ما هذه الشاخصات إلا رحمة بهؤلاء المارة، بأصحاب المركبات، لئلا يصابوا بالأذى والهلاك، شأن الخالق العظيم أنه لا يَدَع خلقه معطلِّين عن الأمر والنهي، لا يدَع خلقه بلا توجيه، بلا تعريف، بلا تبيين، بلا أمر لصالحهم، بلا نهي عما يؤذيهم، بلا وَعد يبشرهم، بلا وعيد يخوفهم، بلا بيان لحقيقة الكون، وحقيقة الحياة، وحقيقة الإنسان، بلا إشارة إلى الماضي السحيق، بلا تعريف بما ينتظر الإنسان في المستقبل البعيد، هذا كله من شأن الله عز وجل
(( عن أبي ذر الغفاري عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أنَّهُ قالَ: يا عِبَادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ؛ ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ؛ ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يا عِبَادِي، إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ. وفي روايةٍ: إنِّي حَرَّمْتُ علَى نَفْسِي الظُّلْمَ وعلَى عِبَادِي، فلا تَظَالَمُوا. ))
حكمةُ اللهِ في أُمِّيَةِ النبي عليه الصلاة والسلام:
الآية الأساسية في هذا الدرس قوله تعالى:
ولا يذهبن بكم الظن إلى أن كلمة أُمّي تعني أنه لا يعلم، لا، قد يأتينا طبيب من أرقى فروع الاختصاص، ولكنه يجهل لغتنا جهلاً مطبقاً، فهو في لغتنا أُمّي، وهو يمثل أعلى درجات العلم، وكلمة أمي تعني أنه لا يقرأ لغة، أنا أحياناً حينما أُمسك ورقة تخطيط قلب لا أفهم منها شيئاً، فأنا أُمّي في هذا، طبعاً، أما إذا قرأها الطبيب فيقول: القلب سليم، أو فيه اضطراب، أو فيه اضطراب في النظم، أو ما شاكل ذلك. لذلك معنى أمي:
يا أيها الأمي حســـبك رتبـةً في العلم أن دانت لك العلماءُ
* * *
كلما ارتفعت قيمة المعلِّم ارتفعت قيمة التلميذ:
الآن إنسان يحمل ليسانس أو ماجستير في الشريعة، يأخذ بعض الأحاديث الشريفة، يدرسها، يحللها، يدرس صيغها، مضامينها، أبعادها، يؤلف كتيباً صغيراً، يمنح على هذا الكُتَيب لقب دكتور، لأنه فهم بعض أحاديث النبي، فلذلك إذا قلنا: إن النبي أمّي يجب أن نقول: ولكن يوحى إليه، من الذي يوحي إليه؟ الله سبحانه وتعالى، إذا قلنا: إن فلاناً تلميذ فلان، كلما ارتفع المدرس ارتفع معه التلميذ، أنا أستاذي فلان، هؤلاء الأطباء قد يقولون: أنا فلان الفلاني البروفيسور الفلاني، الذي أجرى عشرة آلاف عملية قلب مفتوح هو أستاذي، كلما رفعتَ من قيمة الذي علّمك ترتفع معه، من الذي علم النبي عليه الصلاة والسلام؟ الله سبحانه وتعالى، وكفى بنبينا شرفاً وفخراً أن الله أوحى إليه، لذلك مرةً جرت مناقشة بين أناس لا يقدّرون أُمّية النبي وأناس يعرفون قدره حقّ القدر، فقالوا: أنتم نبيكم أمي، فكان الجواب: ولكنه يوحى إليه، فلذلك ربنا سبحانه وتعالى أراد أن يقطع على كل الناس، وعلى كل المشككين، وعلى كل الكافرين، وعلى كل الملحدين، أن يقطع عليهم طريق إنكار نبوة النبي، فجعله أمياً لا يقرأ ولا يكتب، لماذا؟ ليكون الوحي ظاهرةً جلية.
ظاهرة الوحي:
أيها الإخوة الأكارم؛ موضوع أمّية النبي ينقلنا إلى ظاهرة الوحي، ظاهرة الوحي هي الأساس في الدين، كل هذا القرآن جاءنا عن طريق الوحي، هذا الكلام كلام الله، بما فيه من أوامر، ونواهٍ، وأخبار، وتحليل، وتحريم، وما فيه من وعد ووعيد، ما فيه من توجيه، كل ما في هذا الكتاب جاءنا عن طريق الوحي، إذاً موضوع الوحي موضوع خطير جداً في الإسلام، لأنه على فهمه الدقيق، وعلى اليقين به يترتب كل فهمك لكلام الله، ولسنة نبيه.
أيها الإخوة الأكارم؛ في الوحي شيءٌ يجب أن يُعلم عِلماً يقينياً، هو أن ظاهرة الوحي تتمثل في شيء، في حقيقةٍ خارجة عن إرادة النبي، لا يملك جلبها ولا ردّها، لو أنه يملك جلبها لاختلط الأمر، لو أنه يملك ردها لاختلط الأمر، حقيقة الوحي أن الوحيَ مستقل تمام الاستقلال عن كيان النبي، لا يملك جلبها متى شاء، ولا ردها إذا جاءت، لذلك عَنْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ:
(( عن عائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أنَّها قالَتْ: أوَّلُ ما بُدِئَ به رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ في النَّوْمِ، فَكانَ لا يَرَى رُؤْيا إلَّا جاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إلَيْهِ الخَلاءُ، وكانَ يَخْلُو بغارِ حِراءٍ فَيَتَحَنَّثُ فيه - وهو التَّعَبُّدُ - اللَّيالِيَ ذَواتِ العَدَدِ قَبْلَ أنْ يَنْزِعَ إلى أهْلِهِ، ويَتَزَوَّدُ لذلكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِها، حتَّى جاءَهُ الحَقُّ وهو في غارِ حِراءٍ، فَجاءَهُ المَلَكُ فقالَ: اقْرَأْ، قالَ: ما أنا بقارِئٍ، قالَ: فأخَذَنِي فَغَطَّنِي حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فقالَ: اقْرَأْ، قُلتُ: ما أنا بقارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فقالَ: اقْرَأْ، فَقُلتُ: ما أنا بقارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فقالَ: {اقْرَأْ باسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإنْسانَ مِن عَلَقٍ (2) اقْرَأْ ورَبُّكَ الأكْرَمُ} [العلق: 1- 3] فَرَجَعَ بها رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَرْجُفُ فُؤادُهُ، فَدَخَلَ علَى خَدِيجَةَ بنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، فقالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حتَّى ذَهَبَ عنْه الرَّوْعُ، فقالَ لِخَدِيجَةَ وأَخْبَرَها الخَبَرَ: لقَدْ خَشِيتُ علَى نَفْسِي فقالَتْ خَدِيجَةُ: كَلّا واللَّهِ ما يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ، فانْطَلَقَتْ به خَدِيجَةُ حتَّى أتَتْ به ورَقَةَ بنَ نَوْفَلِ بنِ أسَدِ بنِ عبدِ العُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ وكانَ امْرَأً تَنَصَّرَ في الجاهِلِيَّةِ، وكانَ يَكْتُبُ الكِتابَ العِبْرانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإنْجِيلِ بالعِبْرانِيَّةِ ما شاءَ اللَّهُ أنْ يَكْتُبَ، وكانَ شيخًا كَبِيرًا قدْ عَمِيَ، فقالَتْ له خَدِيجَةُ: يا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أخِيكَ، فقالَ له ورَقَةُ: يا ابْنَ أخِي ماذا تَرَى؟ فأخْبَرَهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَبَرَ ما رَأَى، فقالَ له ورَقَةُ: هذا النَّامُوسُ الذي نَزَّلَ اللَّهُ علَى مُوسَى، يا لَيْتَنِي فيها جَذَعًا، لَيْتَنِي أكُونُ حَيًّا إذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ، قالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بمِثْلِ ما جِئْتَ به إلَّا عُودِيَ، وإنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ ورَقَةُ أنْ تُوُفِّيَ، وفَتَرَ الوَحْيُ. وقال : يونس ومعمر (بوادره).))
ليكون هذا الوحي واضحاً وضوح الشمس أنه ليس حلماً، وليس رؤيةً نفسيةً، ولا خيالاً، ولا وهماً، فقال عليه الصلاة والسلام:
بعض الدلائل على ظاهرة الوحي:
الآن عندنا بعض الدلائل التي تبرز ظاهرة الوحي لا على أنها كما يدّعي بعض المستشرقين لا على أنها رؤية نفسية، ولا على أنها شفافية، ولا على أنها شيء أَلِفه النبي عليه الصلاة والسلام، أو أحد فروع عبقريته، لا، ظاهرة الوحي ظاهرة مستقلة استقلالاً تاماً، وخارجة عن كيان النبي عليه الصلاة والسلام.
الدليل الأول:
أول دليل على ذلك: أن هناك فَرقاً كبيراً جداً بين أسلوب القرآن وبين أسلوب النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الشريف، أليس كذلك؟ لمجرد أن تقرأ آيةً تقول: هذا قرآن، ولمجرد أن تقرأ حديثاً شريفاً تقول: هذا حديث، هناك بون شاسع، وافتراق كبير، وتمايز واضح بين أسلوب القرآن وبين أسلوب النبي عليه الصلاة والسلام، هذا أولاً.
لو أن الوحي شيء من عند النبي كما يدّعي الكفار، أو كما يدّعي أعداء الإسلام، الوحي كان ينقطع، ويتألم النبي أشدّ الألم، وينتظر الوحي انتظاراً ممضاً، ولا يأتي الوحي، ماذا يعني ذلك؟ لو أن الوحي شيء من عند النبي لجاء به متى شاء.
الدليل الثاني:
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ:
(( تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ كُلَّ شَيْءٍ، إِنِّي لَأَسْمَعُ كَلَامَ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ، وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُهُ، وَهِيَ تَشْتَكِي زَوْجَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ تَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَلَ شَبَابِي، وَنَثَرْتُ لَهُ بَطْنِي، حَتَّى إِذَا كَبِرَتْ سِنِّي، وَانْقَطَعَ وَلَدِي ظَاهَرَ مِنِّي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ، فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى نَزَلَ جِبْرَائِيلُ بِهَؤُلَاءِ الْآيَاتِ: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ﴾. ))
ماذا قال؟ قال: ما أظن إلا أنك قد بِنت منه- أي هذا طلاق لقد طلقكِ طلاقاً فيه بينونة كبرى- فجاء الوحي بحكم آخر.
كان عليه الصلاة والسلام يُسأل فلا يجيب، ينتظر الوحي، حينما اتّهم الناس المُرجفون في المدينة، اتهموا أمهم أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها ما اتهموها به، والأمر معروف عندكم، أصاب النبي غمّ شديد، هذه الزوجة الطاهرة بنت أحبّ الناس إليه تُتّهم؟! تتهم في عفتها؟! ماذا فعل النبي؟ تأخر الوحي شهراً بأكمله، فالوحي حقيقة مستقلة عن مشيئة النبي لا يملك جلبها ولا دفعها، وحينما جاء جبريل النبي عليه الصلاة والسلام، وارتعد منه خوفاً، وقال: ((زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي)) وحينما ضمه ضمةً، وحينما انقطع الوحي فقال الله عز وجل:
﴿ وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى(5)﴾
هذا كله يؤكد أن الوحي شيء لا علاقة للنبي به، إنما هو خارجي عنه يأتيه بمشيئة الله وينقطع عنه بمشيئة الله.
الدليل الثالث:
شيء آخر؛ لو أن هذا الوحي من عند النبي لما ذكر النبي العتاب، هناك عتاب في أماكن متعددة من كتاب الله، قال تعالى:
﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى(4)﴾
﴿
إذاً: جاء الوحي بتوجيه مخالف لاجتهاد النبي عليه الصلاة والسلام، وفي هذا ما يؤكد على أن الوحي ظاهرة مستقلة عن النبي عليه الصلاة والسلام.
الدليل الرابع:
كلكم يعلم أن السيدة امرأة عمران، هذه المرأة المؤمنة التي قالت:
﴿
والقصة معروفة، وكانت موضوع الخطبة اليوم:
﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ
أي هذه الحادثة ما تعرفها أنت، وأنت أمي ما أخبرك أحد بها، أما:
النبي الكريم لا يقرأ ولا يكتب:
لذلك هذه الآية التي قالها الله عز وجل: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ أنت لا تقرأ، ولا تكتب، ولكن قد يسأل سائل: كيف قال الله عز وجل:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)﴾
كيف يؤمر أن يقرأ وهو لا يقرأ؟ الجواب سهل جداً؛ القراءة أيها الإخوة إما من كتابٍ، وإما من محفوظٍ، النبي عليه الصلاة والسلام ما كان يقرأ من كتاب، أما قوله تعالى:
﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7)﴾
لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، أنت حينما تقف بين يدي الله عز وجل ألا تقرأ فاتحة الكتاب أمياً كنت أم متعلماً؟ فالقراءة من المحفوظ هذه القراءة لا علاقة لها بهذه الآية، ولكن المقصود بالقراءة هذه الآية أن تقرأ من كتاب، إذاً:
ما ورد في السنة المطهرة من أحاديث يُشم منها أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يعرف القراءة والكتابة أكثرها ضعيف بل موضوع، وإذا قيل: إن النبي كتب بمعنى أمر بالكتابة، ألا تقول مثلاً: إن فلاناً بنى هذا البناء، أي أمر ببنائه، فلان رجل كبير جداً ما عرف موقع البناء، إذا قلت: فلان أقام هذا البناء، أي سمح بإنشائه، أو أمر بإنشائه، أو موَّله، فإذا ورد في السنة الصحيحة أن النبي عليه الصلاة والسلام كتب بمعنى أنه أمر بالكتابة، ألا نقول: الملك الفلاني كتب إلى الملك الفلاني، هو كتب؟ هو أعطى توجيهاً، هناك من كتب له. إذاً: أي حديث ورد في السنة يُفهم منه أن النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ ويكتب فهذه الأحاديث أكثرها ضعيف، وبعضها موضوع، أما ما كان منها صحيحاً فهو بمعنى أنه أمر بالكتابة، وعلى كل الذي لا يقرأ ولا يكتب لا يغيب عنه أن هذا كلام يكتب، وأن هذا حرف طويل، وأن هذا حرف مطموس، هذه الأشياء لا تنافي أمية النبي عليه الصلاة والسلام، لو أن النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ ويكتب:
كلما ارتقى مستوى علم الإنسان كلما ارتقى مستوى إيمانه ورأى إعجاز القرآن:
أما القرآن:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)﴾
إذاً: كلما ارتقى مستوى علمك كلما ارتقى مستوى إيمانك ترى إعجاز هذا القرآن، ترى أن هذا القرآن كلام الله عز وجل، قال تعالى:
﴿
كيف يُعْرَف الرجل أنه من أولي العلم؟!
يا أيها الأخ الكريم؛ إذا رأيت يد الله هي المسيطرة، وهي الفعالة، ولا يد سواها، إذا رأيت أنه لا إله إلا الله، لا معبود بحق، لا رافع ولا خافض، ولا معز ولا مذل، ولا معطي ولا مانع، ولا رازق ولا باسط، ولا خافض، إذا رأيت ذلك فأنت من أولي العلم، لقول الله عز وجل:
الشاهد الآخر؛ إذا رأيت هذا الكلام كلام الله، وأنه كلام معجز في نظمه، معجز في تشريعاته، في بلاغته، في أخباره، في وعده، في وعيده، في حقائقه العلمية، في أساليبه التربوية، إذا رأيت هذه الرؤية فأنت أيضاً من أولي العلم:
طلبُ الكفار من الرسول الآيات الحسية وردّ النبي عليهم:
كفى بالقرآن آيةً ومعجزة ورحمة وشفاء:
﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)﴾
يشهد الله لنبيه أن القرآن كلامه سبحانه عن طريق:
1 ـ الحياة الطيبة:
أما الآية التالية فدقيقة جداً في فهمها:
محور الآيات اليوم كله إثبات أن هذا القرآن كلام الله، ليس من عند النبي، إن هو إلا وحي يوحى، لأنه كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، كيف؟ بعض الأمثلة: الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿
هذه آية وردت في القرآن، شيء جميل، إذا جاء مؤمن، وآمن بالله، واستقام على أمره، وعمل صالحاً، لابد من أن يشعر أن شيئاً تغير في حياته، شعر بسعادة، شعر بطمأنينة، شعر بقربه من الله عز وجل، شعر أن معاملة الله له تغيرت، صار موفّقاً، صار مصيباً في كلامه، صار مُسدّداً في أفعاله، يشعر أن تطوراً جذرياً طرأ على حياته، يشعر أن انقلاباً كاملاً طرأ على حياته، كان في الجحيم فصار في النعيم، كان في التشتت فصار في الجمع، كان في البعد فصار في القرب، كان في الجفوة فصار في المودة، كان في التعسير فصار في التوفيق، هذه الحياة الطيبة وما فيها من توفيق، وتسديد، وحفظ، ورعاية، وإكرام، وتجلٍّ، وقرب، أليست شهادةً من الله عز وجل على أن هذه الآية كلامه؟ هذه الشهادة، كيف يشهد لك الله عز وجل؟ كيف يشهد الله عز وجل للنبي أن هذا الذي جاء به ليس كلامه بل هو كلام الله؟ أنك إذا طبقت وعده قطفت الثمار، إذا تجاوزت حدوده دفعت الثمن.
الفكرة دقيقة جداً، مثلاً: الحياة الطيبة من طمأنينة قلب، إلى سلامة جسم، إلى وفرة في الدخل، إلى شيء من الراحة النفسية، إلى شيء من توفيق الله عز وجل، هذا لا يفعله إلا الله، هذا قَدَر الله عز وجل، فإذا أنت آمنت بالله، واستقمت على أمره، وشعرت بما وعدك الله، إذاً هذه الحياة الطيبة هي من قدر الله لك، قدرها لك تأكيداً لوعده في القرآن:
2 ـ أفعال الله:
إذا قرأ إنسان قوله تعالى:
﴿
﴿
شاهد إنساناً مرابياً، وذكياً جداً، ويبدو أن المال بين يديه لا يُعد ولا يحصى، وأنه يزداد توفيقاً، ومنعةً، وقوة، وغنىً، ثم بضربة قاصمة أصبح صفر اليدين، بين عشية أو ضحاها أصبح مشرداً، أين أمواله الطائلة؟ أين ممتلكاته؟ أين عوائد أمواله في البنوك؟ محقه الله، أليس مَحْقُ هذا المرابي شهادة من الله لك أيها الإنسان أن هذه الآية كلامه؟ هذه الشهادة.
مثل آخر؛ إنسان ما عبأ بهذا الدين قال: ما هذا الدين؟ سلوك قديم لا يتناسب مع هذا العصر، هذا عصر العلم، هذا الدين أشياء غيبيات، عاش كما يشتهي، لم يستقم على أمر الله، أخذ المال مما أراد بحقّ أم بغير حق، وأطلق لشهواته العنان بحقّ أم بغير حق، فإذا حياته قطعة من الجحيم، يقول لك: ليس في الأرض من هو أشقى مني، أليست هذه الحياة الشقية التعيسة التي فيها القهر، والخوف، والقلق، والتشتت، والتبعثر، والتمزق، واليأس، أليست هذه الحياة الضنك شهادة الله له على أن قوله تعالى:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)﴾
هذه شهادة، أنا أريد من هذه الأمثلة أن أصل إلى تفسير هذه الآية:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾
3 ـ تدبر القرآن:
بإمكانك أن تتعرف إلى الله عز وجل من خلال القرآن عن طريق التدبر، الأمر، النهي، الوعد، الوعيد، البشارة، الإنذار، حقيقة الحياة، حقيقة الإنسان، حقيقة ما بعد الموت، أين كنا قبل الموت؟ ما التكليف؟ ما الرسالة؟ ما الأمانة؟ كله تعرفه.
وبإمكانك أن تتعرف إلى الله من طريق ثالث، عن طريق النظر في الحوادث، الحوادث أفعاله، والكون خلقه، والقرآن كلامه، وكل هذه الطرق سالكة إليه، يمكن أن تعرفه من خلال خلقه، ومن خلال أمره، ومن خلال أفعاله، فلذلك:
﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا(9)﴾
في زواجك، في تجارتك، في صناعتك، في بيعك، في شرائك، في علاقاتك، في أفراحك، في كل مناسبة من حياتك، فيما بينك وبين الله، فيما بينك وبين أهلك، فيما بينك وبين أولادك، فيما بينك وبين الناس:
﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى
كلام الله، إذاً:
4 ـ التوفيق والتيسير والتعسير:
التوفيق:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)﴾
التيسير شهادة الله لك أنك أعطيت، وأحسنت، وصدقت فتيسر أمرك:
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)﴾
والتعسير شهادة الله عز وجل على أن هذه الآية كلامه:
أزمة الإنسان هي أزمة علم ووقت:
لا يوجد إنسان على وجه الأرض كائناً من كان إلا وهو يبتغي السلامة والسعادة، فإذا علمت أنك إذا حدت عن منهج الله دفعت الثمن باهظاً في حياتك الدنيا، وفي أخراك، لا تفعل هذا، فالأزمة هي أزمة علم، والأصح من ذلك وقت، لأنه لو علم الكافر ما عند الله من ثواب لأطاعه، ولو علم الكافر ما عند الله من عقاب لانتهى عما عنه نهى، إذاً ما الفرق بين الكافر والمؤمن؟ موضوع العلم، فرعون وهو يغرق قال:
﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ
إذاً القضية قضية وقت أيضاً وليست قضية علم، لابد من أن تعلم ما جاء به الأنبياء من قبل ولكن عند الموت، لكن عند الموت لات حين مناص، لا ينفع الندم بعد فوات الأوان، إذاً الدرس كله ملخص بكلمتين، المشكلة مشكلة علم أو جهل، الجاهل يفعل في نفسه ما لا يفعله عدوه به، لو أحضرنا أعدى أعداء الإنسان، قلنا له: افتك بهذا الإنسان، هو بين يديك، لا يستطيع هذا العدو أن يفتك بهذا الإنسان كما يفتك هذا الإنسان بنفسه إذا كان جاهلاً.
الخروج عن منهج الله سبب مشكلات الأرض كلها:
والله الذي لا إله إلا هو ما من مشكلة في الأرض إلا بسبب خروج عن منهج الله، مشكلات الأُسَر، مشكلات الزواج، مشكلات الطلاق، البيع، الشراء، كسب المال، إنفاق المال، مشكلات الصحة، أبداً، ما من مشكلة في الأرض إلا بسبب الخروج عن منهج الله، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل، فالمشكلة مشكلة جهل، لهذا قال الله عز وجل:
﴿ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ
بعد مشكلة الجهل مشكلة وقت، إما أن تعرف قبل فوات الأوان، وإما أن تعرف بعد فوات الأوان، بعد فوات الأوان لابد من أن تعرف:
﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)﴾
﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ
إنها مشكلة وقت.
القبر صندوق العمل والموت قريب:
إذاً: ما الإنسان؟ بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، مشكلتنا مشكلة علم أو جهل، ومشكلة علم بالوقت المناسب، وليست علمًا فقط، في الوقت المناسب وأنت شاب صحيح، قوي، لهذا قال عليه الصلاة والسلام:
(( عن عبد الله بن عباس قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لرجلٍ وهو يَعِظُه: اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك. ))
لا تحب أحداً، أحبب نفسك وحدها، إذا أحببت وجودك، وسلامة وجودك، وكمال وجودك، واستمرار وجودك فهذا منهجك، هذه تعليمات الصانع، أنت آلة معقدة، إما أن تسحقها، وإما أن تعطبها، وإما أن تعطلها، وإما أن تجعل مردودها ضعيفاً، وهذه التعليمات، لا تحب أحداً، أحبّ نفسك، إن أحببت نفسك فهذا منهج الله، والدنيا ساعة اجعلها طاعة، والقبر صندوق العمل، والموت قريب.
نحن في هذا الجامع أنا والله أذكر أكثر من خمسين أخاً توفوا - رحمهم الله- كل فترة يوجد أخ توفي، رحل عنا، أين هو؟ دخلت إلى بيوت فخمة جداً، أين أصحابها؟ أين هم؟ تحت أطباق الثرى رهن أعمالهم، قال تعالى:
﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ(51) ﴾
خلقت لك السماوات والأرض، ولم أعيَ بخلقهن، أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين؟ لي عليك فريضة ولك عليّ رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك، وعزتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي، وكنت عندي مذموماً، أنت تريد، وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين