- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠3أحاديث متفرقة
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً ، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه ، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الإنسان مخير يختار طريق الإيمان أو طريق الكفر :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ رمضان شهر التقوى أطل علينا ، وسوف يكون الحديث في هذا اليوم إن شاء الله تعالى عن ليلة النصف من شعبان ، وعن مقدمة عن هذا الشهر الكريم، وقبل هذا وذاك لابد من مقدمة .
كلكم يعلم أن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
الإنسان مخير يختار طريق الإيمان أو طريق الكفر ، طريق الإساءة أو طريق الإحسان ، طريق الطاعة أو طريق المعصية ، طريق الإقبال عن الله أو طريق الإعراض عنه ، قال تعالى :
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾
الإنسان مخير هذا شيء ثابت ، ولولا هذا الاختيار لبطل الثواب والعقاب ، ولبطل الوعد والوعيد ، ولبطلت المسؤولية والتبعة ، والتغى التكليف ، ولأصبح حمل الأمانة عبثاً ، ولأصبح إرسال الرسل أيضاً لعباً ولهواً ، ولأصبح القرآن لا جدوى منه ، لو أن الله سبحانه وتعالى أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب ، لو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب ، لو تركهم هملاً لكان نقصاً بالقدرة ، الإنسان مخير :
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾
وهذه كل نكرة ، تشمل أي إنسان على وجه الأرض منذ أن خلق الله الأرض وحتى قيام الساعة ، ولكل وجهة أي طريق هو موليها ، وهو الذي يكتسب الإثم إن كانت الطريق غير صحيحة ، أو يكتسب الأجر والثواب إن كانت صحيحة ، الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾
معنى فاستبقوا الخيرات أنت الآن تنعم بحرية الاختيار ، تنعم بفرص النجاة ، أنت الآن تنعم بفرص السعادة ، أنت الآن في دار عمل ، أنت الآن في دار توبة ، أنت الآن في دار تصحيح ، أنت الآن في دار مغفرة , أنت الآن في دار مسابقة ، ومادام القلب ينبض فأنت في بحبوحة ، باب التوبة مفتوح ، باب المغفرة مفتوح ، باب الإصلاح مفتوح ، باب التقرب إلى الله مفتوح ، ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات ، أي هذه الوجهة التي يمكن أن توليها حيثما شئت ، هذه الوجهة لا تملكها دائماً تملكها بشكل مؤقت ، والدليل قوله تعالى :
﴿ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً﴾
أي أيها الإنسان سارع ، سابق ، هلم إلى طاعة الله ، والنبي عليه الصلاة والسلام حينما صعد المنبر وقال : آمين ، صعد الدرجة الثانية وقال : آمين ، صعد الدرجة الثالثة وقال : آمين ، وخطب وانتهت الخطبة وصلى بأصحابه ، بعض أصحابه قالوا : يا رسول الله علام أمنت ؟ أي لماذا قلت : آمين وأنت في الصعود إلى المنبر ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : " رغم أنف عبد ذكرت عنه ولم يصلِّ عليّ فقلت : آمين ، ثم قال : رغم أنف عبد أدرك والديه فلم يدخلاه الجنة ، فقلت : آمين ، ثم قال : رغم أنف عبد أدرك رمضان فلم يغفر له ، إن لم يغفر له فمتى ؟ "
الاستعداد لرمضان بالإكثار من العبادات في شعبان :
أيها الأخوة الكرام ؛ رمضان موسم من مواسم العبادة ، موسم من مواسم الذكر ، موسم من مواسم الإقبال ، موسم من مواسم الأعمال الصالحة ، موسم من مواسم القرآن ، إذاً الإنسان لا ينبغي أن تكون حاله مع الله في هذا الموسم بشكل اعتيادي ، لابد أن يجهد نفسه ليفوز بقصب السبق ، هناك نقطة دقيقة تصلنا إلى شهر شعبان ، أو إلى ليلة النصف من شعبان ، وهي أنه لابد من فترة تجريبية ، لابد من استعداد ، لابد من تحمية إن صح القول، فهذا الذي يبقى على ما هو عليه إلى أن يأتي أول رمضان ، هذا الجسم وهذه النفس لا تستطيع أن تقلع إقلاعاً مباشراً في أول يوم من أيام رمضان ، لذلك إذا انتبه الإنسان إلى قرب قدوم هذا الشهر الكريم في شهر شعبان ، وفرغ نفسه من بعض المشاغل ، واستعد للقاء الله عز وجل في هذا الشهر الكريم ، لقاء الاتصال ، لقاء الاستغفار ، لقاء المحبة ، لقاء الشوق ، ربما وصل إلى أول رمضان وهو في وضع جيد ، أخذ وضعه المستقل ، وانطلق في هذا الشهر الكريم في صيام ، وقيام ، وذكر ، وعبادة ، وتلاوة ، وتدبر ، وعمل طيب ، يرضي الله عز وجل .
الحقيقة موضوع ليلة النصف من شعبان ورد فيها شيء كثير ، لكن هذا الكثير أكثره غير صحيح ، ما صح من هذا الكثير هو أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( عن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ ، قَالَ : ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ))
هذا الحديث ورد في الترغيب والترهيب عن رسول الله ، النبي عليه الصلاة والسلام كأنه يستعد لرمضان في الإكثار من العبادات في شعبان ، كأن هذه النفس تهيئ لتأخذ سرعتها القصوى في رمضان .
ما يفعله النبي و أصحابه استعداداً لشهر رمضان :
شيء آخر ، عن أنس رضي الله عنه قال :
(( كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا نظروا إلى هلال شعبان أكبوا على المصاحف يقرؤونها ، وأخرج الأغنياء زكاة أموالهم ليتقوى بها الضعيف والمسكين على صيام رمضان ، ودعى الولاة أهل السجن فمن كان عليه حد أقاموه عليه وإلا فخلوا سبيله ، وانطلق التجار فقضوا ما عليهم ، وقضوا ما لهم ، حتى إذا نظروا هلال رمضان اغتسلوا واعتكفوا))
أي كأنني بهذا الشهر الكريم شهر شعبان جعله أصحاب النبي وجعله السلف الصالح استعداداً وتهيئةً لهذا الشهر الكريم من أجل أن تأخذ النفس استعدادها الأوفى للبدء بموسم من أطهر المواسم ، ومن أجلّ المواسم . حتى أن بعض العلماء كان يقرأ في هذه الليلة سورة ياسين على نية إطالة العمر في طاعة الله ، ويقرؤها ثانيةً على نية أن يحميه الله من بلاء الدنيا ، ويقرؤها ثالثاً على نية أن يغنيه الله عز وجل عن حاجة الناس ، هكذا فعل بعض العلماء ، ليس هذا من العبادة ولكن النبي عليه الصلاة والسلام كان يؤثر هذا الدعاء الشريف :
(( اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي))
من أكثر الأدعية التي كان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو بها ما دامت هذه الليلة كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ترفع فيها الأعمال ، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يحيي هذه الليلة ويصوم النهار الذي يليها ، هذا من فعل النبي عليه الصلاة والسلام .
شيء آخر : طبعاً قبل أن نقرأ الحديث ، ما ورد في بعض الكتب عن صلاة مخصوصة ، وعن دعاء مخصوص ، لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام هذا لا أصل له ، الإنسان يبقى في حدود السنة الصحيحة ، هناك صلاة ألفية كما يقولون ، وهناك دعاء خاص ، هذا لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن دائماً نتقيد بالسنة ، ونتمنى أن يكون العمل خالصاً وصواباً ، خالصاً ابتغي به وجه الله ، وصواباً وافق السنة التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام .
معالجة الإسلام القضايا التي تخص الإنسان معالجة تامة :
طبعاً كلكم يعلم أن إحداث أي شيء في الدين هو بدعة ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :
((كُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ ، وَكُلُّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ . . .))
أي لو أننا فتحنا باب الإضافة على الدين في العقائد والعبادات لما بقي الدين ، لصار الدين شيئاً آخر ، لذلك الدين كما ورد عن الله عز وجل :
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾
أكملت لكم من حيث النوع ، وأتممت عليكم من حيث العدد ، إذاً جميع القضايا التي تعني الإنسان عالجها الدين أكمل معالجة ، ولا يستطيع مخلوق بعد النبي عليه الصلاة والسلام أن يضيف على هذا الدين شيئاً لأنه من عند الله ، قال تعالى :
﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴾
أي هذا ما يعبر عنه العلماء ؛ النبي عليه الصلاة والسلام أمين وحي السماء ، هذه أمانة التبليغ التي قام بها النبي عليه الصلاة والسلام ، وهناك أمانة الأداء التي هي على عاتق العلماء أن يؤدوا هذا الدين إلى الناس كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من دون تبديل ، ولا تغيير ، ولا زيادة ، ولا حذف .
أي شيء تفعله لم يرد عن رسول الله إن فعلته من باب الذكر ، من باب نوافل العبادات شيء مقبول ، أما إذا قلت هذا عبادة فلا ، إذاً :
((كُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ وَكُلُّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ . . .))
الشيء الجديد في العقائد والعبادات بدعة أما من باب الذكر فهو من التطوع :
الشيء الجديد في العقائد والعبادات بدعة ، أما لو أنك فعلت من باب الذكر ، والنوافل ، والصلوات ، وقراءة القرآن وما شاكل ذلك ولم تقل هذا من الدين فهذا من باب التطوع، من باب العمل الطيب ، هذا لا شأن لك به ، ولا ضير عليك به ، هذا الذي أقوله من أجل ألا يسمع الإنسان من أي شخص كلاماً لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حول هذه الليلة، ليلة النصف من شعبان ، يجب أن نبقى في حدود السنة .
((عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا ، فَإِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ : أَلا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟ أَلا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ ؟ أَلا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ ؟ أَلا كَذَا ؟ أَلا كَذَا ؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ ))
إذاً هذه الليلة الإنسان له عند الله حاجة من حاجات الدنيا ، أو من حاجات الآخرة، يعلق عليها آمالاً عريضة عليه أن يدعو الله عز وجل لعل الله عز وجل يغنيه من فقر ، يعافيه من مرض ، يأمنه من خوف ، يهيئ له حياةً مستقرةً ، حياةً أسريةً سعيدةً ، يهيئ له إيماناً قوياً ، عملاً طيباً ، ذكراً حسناً ، إقبالاً على الله عز وجل ، هذا ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام ، وورد أيضاً هذا الحديث في الترغيب والترهيب . وأخرج ابن عساكر عن أبي أمامة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(( خمس ليالٍ لا ترد فيهن الدعوة ))
اغتنام الأوقات التي خصها الله بالفضل :
نحن في الخطبة قلنا : الله سبحانه وتعالى شاءت مشيئته أن يخص بعض الأوقات بالفضل مثلاً : من ساعات الليل خصّ الثلث الأخير ، قال تعالى :
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾
ربنا عز وجل خصّ وقت السحر بشيء خاص من التجلي ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
((لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ))
من أيام الأسبوع خصّ يوم الجمعة ، هذا الذي يأتي إلى صلاة الجمعة في الفوج الأول كما قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً ، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ ))
إذاً في يوم الجمعة ساعة استجابة ، إذا أصابها الإنسان أجاب الله دعوته ، أي أيها الإنسان كن طوال اليوم في حالة ذكر ودعاء وتلاوة قرآن ، لعل الله عز وجل ينالك بهذه الدعوة الطيبة ، الآن من أفضل أيام العام الأيام العشرة من ذي الحجة ، ومن أفضلها على الإطلاق يوم عرفة ، من أحبّ الأيام إلى الله ، هكذا شاءت مشيئة الله ، ماذا قال الله عز وجل؟ إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها .
فمادام هذا اليوم ، أو هذه الساعة ، أو هذا الشهر ، أو هذا الأسبوع خصه الله بخصيصةٍ خاصة من قبل التجلي ، والتوفيق ، واستجابة الدعاء ، فعلى الإنسان أن يكون في الموقع الذي أراده الله عز وجل ، لذلك :
(( خمس ليلٍ لا ترد فيهن ؛ الدعوة أول ليلة من رجب ، وليلة النصف من شعبان ، وليلة الجمعة ، وليلة الفطر ، وليلة النحر ))
الدعاء سلاح المؤمن :
هذه الليلة من له عند الله حاجة ، من له قضية ، من يشكو قلة الرزق ، من يشكو وهناً في البدن ، من يشكو ضيقاً في العيش ، من يشكو تعسيراً في العمل ، عليه أن يدعو الله عز وجل ، وما من شيء أحب إلى الله عز وجل من الدعاء ، ما من شيء أكرم على الله من الدعاء ، والدعاء سلاح المؤمن .
((عَنْ سَلْمَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ فَيَرُدَّهُمَا صِفْرًا أَوْ قَالَ خَائِبَتَيْنِ))
ولا ينفع حذر من قدر ، ولكن ينفع الدعاء فيما نزل وفيما لم ينزل ، فادعوا الله عباد الرحمن ، الدعاء مطلوب لا لذاته ، مطلوب لغيره ، من خلق هذه المشكلة ؟ الله سبحانه وتعالى ، من جعلك مضطراً ؟ الله سبحانه وتعالى ، خلق المشكلة ، أو جعلك في وضع حرج من أجل أن تلجأ إلى بابه ، هو دفعك إلى بابه ، في بابه السعادة ، في بابه الرضا ، في بابه السكينة ، في بابه السرور ، في بابه الطمأنينة ، في بابه الإقبال ، في بابه كل معاني السرور ، فكأن الدعاء ليس مقصوداً لذاته ، إن هذه المشكلة التي أصابت الإنسان ودفعته إلى الدعاء الدعاء دفعه إلى الاتصال بالله و الاتصال كل شيء . لذلك النبي الكريم كما روت السيدة عائشة : " كان معنا نحدثه ويحدثنا فإذا حضرت الصلاة فكأنما لا يعرفنا ولا نعرفه " .
وهو الذي يقول :
((أرحنا بها يا بلال ))
شيء رائع جداً ، الدين ليس معلومات ، وليس طقوساً ، وليس أعمالاً فحسب ، بل هو اتصال بالله عز وجل ، وإحسان إلى المخلوق ، ماذا قال سيدنا عيسى ؟ قال تعالى :
﴿ وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً ﴾
جوهر الدين أن تكون لك هذه الصلة بالله عز وجل ، وهذه الصلة لا تنعقد إلا إذا كنت في وضع يرضي الله عز وجل ، إذا كنت مستقيماً ، إذا كنت محسناً ، إذا كنت طاهراً ، إذا كنت مخلصاً هكذا .
بعض الآثار التي وردت بمناسبة النصف من شعبان :
شيء آخر :
((عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : فَقَدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَخَرَجْتُ أَطْلُبُهُ فَإِذَا هُوَ بِالْبَقِيعِ رَافِعٌ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ : يَا عَائِشَةُ أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ ؟ قَالَتْ : قَدْ قُلْتُ وَمَا بِي ذَلِكَ وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ ، فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعَرِ غَنَمِ كَلْبٍ ))
قبيلة كلب أكثر القبائل العربية إطلاقاً من حيث الغنم ، تملك غنماً لا يعد ولا يحصى ، والنبي عليه الصلاة والسلام هكذا قال ، وروي عنه أيضاً :
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَطَّلِعُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إِلا لاثْنَيْنِ مُشَاحِنٍ وَقَاتِلِ نَفْسٍ ))
ويلحق هذا النمام الذي يفرق بين الناس ، ينقل كلاماً من جهة إلى جهة ، يلحق بهذا عاق الوالدين ، يلحق بهذا أكل الربا ، يلحق بهذا لاعب القمار ، يلحق بهذا تارك الصلاة ، الزاني ، الغشاش ، أما من تاب وقضى ما عليه من حقوق فيتوب الله عليه ، هذه بعض الآثار التي وردت في مناسبة النصف من شعبان .
صيام أيام شوال ترميم وصيام أيام شعبان تهيئة واستعداد :
مرةً ثانية وأخيرة : كأن الله سبحانه وتعالى يريدنا في هذه الليلة قائمين في عبادته، صائمين ذلك اليوم الذي يأتي بعد تلك الليلة ، لعل الله سبحانه وتعالى يرحمنا ، ويغفر لنا ، ويفرج عنا ما نحن فيه ، وبشكل أو بآخر إن شهر شعبان تهيئة لرمضان ، واستعداد له ، كيف أن السنة القبلية استعداد وتهيئة وأن السنة البعدية ترميم ، أي يجب أن تصلي هذه الصلاة بشكل متقن ، فمن أجل الحفاظ على ركعاتها الأربع تصلي قبلها تهيئةً لها ، وبعدها ترميماً لما فاتك منها ، كيف أن السنة القبلية من معانيها - طبعاً هذا شيء اجتهادي - أنها تهيئ الإنسان لصلاة الفرض وأن البعدية ترمم ما فاته من الفرض ، كذلك هذا الشهر الفضيل شهر شعبان يهيئ لرمضان ، وصيام ستة أيام من شوال ترمم ما فات من رمضان ، يوم من أيام رمضان لم تكن الوجهة كما يريد الله عز وجل ، صيام أيام شوال ترميم ، وصيام أيام شعبان تهيئة واستعداد.
الإسلام عقائد و عبادات و معاملات و أخلاق :
الآن عودة إلى شهر الصيام ، كلنا يعلم أن في الإسلام عقائد ، وفي الإسلام عبادات ، وفي الإسلام معاملات ، وفي الإسلام أخلاق ، حينما يخطئ الإنسان فيظن أن الإسلام فقط عقيدة ، عقيدته متينة ، الإسلام عبادة ، وهناك من يخطئ فيظن أن الإسلام عبادة فقط يؤدي صلواته ، أما النفل وقيام الليل فلا يتعلم ولا يرقى بعلمه ، ولا يرقى بعمله الصالح ، كأن الإسلام عنده عبادة ، هذا الذي فهم الإسلام عبادة فهم جزءاً من الدين ، والذي فهمه عقيدةً فهم جزءاً آخر ، والذي فهمه معاملات وأحكاماً شرعيةً فهم جزءاً آخر ، والذي فهمه أخلاقاً وقلباً مفعماً بحب الله عز وجل فهم جزءاً رابعاً ، ولكن الإسلام هو كل هذه الأجزاء مجتمعةً ، لذلك لا ينصر هذا الدين إلا من أحاطه من كل جوانبه ، الحد الأدنى أن تكون لك عقيدة متينة ، وأن تكون لك عبادة كما أراد الله ، وأن يكون لك انضباط وفق الأحكام الشرعية في المعاملات ، وأن تكون لك نفس طاهرةٌ ، عفيفةٌ ، منيبةٌ ، كما أراد الله عز وجل .
فيجب أن تكون حركتك على أربعة خطوط ، وأن يكون جهادك على أربع جبهات، وأن تستكمل العقيدة الصحيحة من جهة ، وأن تستكمل العبادة الصحيحة من جهة ثانية، وأن تستكمل معرفة أحكام الفقه ولا سيما في عملك من جهة ثالثة ، وأن تستكمل تطهير قلبك من الدرن والدنس من جهة رابعة .
موقع الصيام من الإسلام :
الآن الصيام ما موقعه من الإسلام ؟ يوجد عندنا عقيدة ، وعبادة ، ومعاملات ، وأخلاق ، موقعه من العبادات ، الحقيقة الصلاة عماد الدين ، صوم وصلاة وحج وزكاة ، في الصلاة معنى الصيام ، الإنسان في الصيام لا يأكل ولا يشرب ، ولكنه في الصلاة لا يأكل ولا يشرب ولا يتكلم بكلام الناس ولا يلتفت ، إذاً أعلى درجات الصيام وأنت في الصلاة ، وفي الصلاة معنى الحج لأنك تتجه إلى بيت الله الحرام ، وفي الصلاة تذكر الشهادتين في القعود ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وفي الصلاة اتصال بالله عز وجل ، إذاً الفرض الوحيد الذي لا يسقط بحال ، الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال هي الصلاة ، الصلاة عماد الدين ، عصام اليقين ، سيدة القربات ، غرة الطاعات ، معراج المؤمن إلى رب الأرض والسموات ، الصلاة ذكر ، الصلاة قرب ، الصلاة خشوع ، الصلاة مناجاة ، الصلاة دعاء ، الصلاة طهور ، الصلاة حضور ، الصلاة نور .
الآن دقق أن الصيام من أجل الصلاة ، وأن الحج من أجل الصلاة ، وأن الزكاة من أجل الصلاة ، فاتني أن أقول : في الصلاة معنى الزكاة أيضاً لأنك إذا أغلقت محلك التجاري وتوجهت إلى المسجد لتصلي هذا وقت ، والوقت له ثمن ، لو أنك بقيت وراء مكتبك لبعت واشتريت ، إذاً أنت في الصلاة تأخذ من الصيام طرفاً ترك الطعام والشراب والكلام والالتفات ، تأخذ من الحج الاتجاه إلى بيت الله الحرام ، وتأخذ من الزكاة أنك تنفق أصل المال وهو الوقت ، وتأخذ من الشهادتين أنك تشهد أن لا إله إلا الله .
إذاً في الصلاة شهادتان ، وفي الصلاة نوع من الصيام ، وفي الصلاة نوع من الحج ، وفي الصلاة نوع من الزكاة ، وفي الصلاة صلاة ، إذاً العبادة الأولى هي الصلاة ، الآن الصيام من أجل الصلاة ، طبعاً أنت تصلي ولكن الله عز وجل يريد أن يرفع مستوى هذه الصلاة . زكيت مالك من أجل أن تصلي ، قال تعالى :
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾
تصلي من أجل أن تصلي ، وتزكي من أجل أن تصلي ، وتصوم من أجل أن تصلي ، وتحج من أجل أن تصلي ، لكن طابع الصلاة في الحج الدعاء ، دعاء عرفة ، دعاء منى ، دعاء الملتزم ، دعاء الطواف ، السعي بين الصفا و المروة ، الدعاء أمام النبي عليه الصلاة والسلام ، جوهر الحج الدعاء ، نوع الصلاة في الحج دعاء ، وفي رمضان تصوم جوارحك عن المعاصي ، ويصوم فمك عن الطعام والشراب ، ويصوم قلبك عما سوى الله ، هذا صيام العوام ، وصيام الخواص ، وصيام خواص الخواص ، صيام العوام عن الطعام والشراب ، وصيام الخواص عن المعاصي والآثام ، وصيام خواص الخواص عما سوى الله ، فالصيام من أجل الصلاة . تأتي صلاة التراويح من أجل أن تقبض الثمن ، إذا كنت طوال اليوم في يقظة تامة ، وفي صحوة تامة ، وفي انضباط شديد ، وفي حرص على طاعة الله لا حدود له ، في بذل ، و إنفاق ، ودعوة ، وأمر ، ونهي ، وكنت قد أكلت كما أراد الله عز وجل في الحد المعتدل من أجل أن تنشط لهذه الصلاة ، صلاة التراويح .
إذاً لاحظ معي أن الصلاة هي عماد الدين ، تصلي كل يوم خمس مرات ، يأتي رمضان يرتفع مستوى الصلاة ، تأتي الزكاة فترفع مستواها ، يأتي الحج فيرفع مستواها ، هكذا .
فوائد الصيام :
لكن من السذاجة ، ومن ضيق الأفق أن تظن أن الصيام له فائدة واحدة ، أي هذا ينطبق على الإنسان ، الإنسان إذا أمر بأمر ، وجه توجيهاً ، يكون في ذهنه هدف واحد فالأذكياء يقولون لك: ضرب عصفورين بحجر ، أي حقق هدفين في عمل واحد ، لكن أمر الله عز وجل فوائده لا تعد ولا تحصى ، لو حدثتكم لوقت طويل طويل عن فوائد الصيام كل هذا صحيح . وليس لنا الحق أن ننفي شيئاً ونثبت شيئاً ، أمر الله عز وجل لا يحد خيره ، أمر الله عز وجل لا يحد نفعه ، أي إذا إنسان قال : صوموا تصحوا كلامه صحيح . لو أنك سألت طبيباً يقول لك : هذه الأجهزة ، والأمعاء ، والمعدة ، والأوردة ، والشرايين مثقلة بالهضم ، والتصفية ، والدوران ، يأتي هذا الشهر صيانة لهذا المعمل العظيم ، صيانة كاملة حينما يجوع الإنسان يحصل تجريف في الأوعية الدموية ، في الأمعاء يحصل شيء من استهلاك الخلايا الميتة ، هذا بحث طويل يحتاج إلى أطباء مختصين .
ما فوائد الصيام ؟ إذا قلنا : إن الصيام له فوائد صحية ، هل معنى هذا أن هذا الكلام غلط ؟ لا ، الله عز وجل سلط الأضواء إن صح التعبير على التقوى ، قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
لكن إذا سلط الله الأضواء على التقوى ليس معنى هذا أن الفائدة الوحيدة من الصيام هي التقوى ، هناك فوائد لا تعد ولا تحصى ، ولكن أتمنى إن شاء الله في درس من دروس التفسير أن أخص آية الصيام بدرس خاص . أي قبل رمضان بأسبوع هذه الآية أجعلها محور الدرس إن أكرمني الله وأعانني ، وبدءاً من الدرس القادم نبدأ الحديث عن بعض أحكام الصيام ، وأتمنى أن يأتي رمضان وقد أتقنا أحكام الصيام ، واجبات الصيام ، سنن الصيام ، المستحبات ، المكروهات ، المفسدات نحتاجها جميعاً ، هذه إن شاء الله في درس آخر نبدأ بها، وفي رمضان نتمنى أن نعالج موضوع الزكاة ، لأن موسم الزكاة في رمضان أيضاً ، وموضوع الاعتكاف ، وموضوع ليلة القدر ، وموضوع الإنفاق وما شاكل ذلك .
الصوم طاعة لله عز وجل و إخلاص له :
لكن بشكل بسيط غير معقد ، الصوم طاعة لله عز وجل ، أنت عبد من عباد الله وجاءك خطاب إلهي يقول لك : كتب عليكم الصيام ، أنت حينما تصوم بادئ ذي بدء تشعر أنك في طاعة الله ، وأن هذا الذي خلقك ذاك الإله العظيم أمرك بترك الطعام والشراب ، أمرك بما هو مباح ، له أوامر كثيرة ؛ دع الكذب ، السرقة ، النظر إلى النساء ، الاحتيال ، الكبر ، الغرور ، أوامر الدين مفعمة بالأمر والنهي ، ولكن ما يلفت النظر في رمضان أن كل هذه الأوامر والنواهي متعلقة تعلقاً مباشراً بمصلحة الإنسان ، إذا غض بصره عن محارم الله كان عفيفاً ، وثمار العفة وفاق زوجي ، إذا أكل مالاً حلالاً حصن الله هذا المال ، إذا كان متواضعاً أحبه الناس ، إذا كان صادقاً احترمه الناس ، ما من أمر وما من نهي إلا وهو متعلق تعلقاً مباشراً بمصلحة الإنسان ، ولكن إذا قال الله لك : دع الطعام والشراب ، وأنت في البيت لوحدك والأيام أيام حر ، والثلاجة فيها ما لذّ وطاب ، والماء عذب فرات بارد ولا يوجد أحد ، والأبواب كلها مغلقة ، والنوافذ مغلقة ، وأنت في حالة عطش شديد ، هذه طاعة لها طعم خاص ، هذه لله وحده ، كأني بالصيام عبادة من عبادات الإخلاص ، أنت إذا تركت الكذب تشعر بعزة ، تنتزع إعجاب الآخرين ، الناس يثنون عليك ، فترك الكذب لا تدري أهو ابتغاء العزة عند الناس أم ابتغاء مرضاة الله ؟ الله أعلم ، ترك مثلاً الاحتيال ، أو ترك الكبر ، هو موقف ذكي أو موقف عبودي لله ؟ لا نعرف ، هناك مواقف ذكية تلتقي مع مواقف العبودية ، الإنسان أحياناً يكون متواضعاً بشكل رائع جداً ، الناس يحبونه وينطوي على كبر لا يعلمه إلا الله ، أما الغلاف فتواضع والجوهر كبر ، هذا موقف ذكي ، ولكن موقف العبودية موقف آخر ، لكنك إذا دخلت إلى البيت وكنت صائماً ، وصنبور المياه جاهز ، والكؤوس جاهزة ، والطعام لذيذ ، وأنت في حالة جوع شديد ، أنت إذا أكلت لا زنيت ، ولا سرقت ، ولا كذبت ، ولا فعلت شيئاً ، أكلت فقط، قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
بادئ ذي بدء هذه الطاعة من نوع خاص ، ترك للمباح لا ترك للخبيث ، الله عز وجل ماذا حرم ؟ حرم علينا الخبائث وأحلّ لنا الطيبات .
هذا الصيام ترك الطيبات ، لحم خنزير لا نأكل ، خمر لا يشرب المسلم ، أما ممنوع أن يأكل أكلاً عادياً ، ممنوع أن يشرب ماء ، إذاً أعلى درجات العبودية لله عز وجل يتبدى في الصيام ، لأن الله أمرك أن تترك المباح ، أحياناً نحضر مثلاً يوضح ذلك ، أب يأمر ابنه أن يعتني بأسنانه قد يعنفه ، يسأله : أنظفت أسنانك قبل أن تنام ؟ يقول له : لا ، فيقول له: قم ، ينزع عنه اللحاف ويأمره أن ينظف أسنانه ، هذا الأمر للابن بالأساس ، أما لو أن الابن أمر ابنه أن يدع الطعام ؛ الطعام طيب والابن جائع يقول له : لماذا أترك الطعام ؟ ماذا فعلت؟ لا يرضى ، أما إذا كان الابن على مستوى رفيع يقول : حاضر يا أبي ، هو عندما قال له : نظف أسنانك وأعطاه الأمر ، أو لا تكذب ، أو دع هذا ، العمل واضح لمصلحة الابن ، أما الطعام موضوع والأسرة ملتئمة حول الطعام ولا يوجد سبب إلا أنه : دع الطعام يا بني ، فقال له: حاضر هذا مستوى عال جداً ، كأن الله عز وجل يدربك على أن تكون متمثلاً لأعلى درجات العبودية له ، الطعام والشراب متوافر وأنت تخاف الله رب العالمين ، لسبب قد يكون في الحمام ويأخذ ماءً بارداً ، عذباً ، فراتاً ، زلالاً ، يغتسل به ، من يدري لو أنه مص مصةً منه ؟ لا أحد يدري ، هذا الصيام يعلمك طاعة الله عز وجل في الأشياء المباحة لا في الأشياء المحرمة ، ويعلمك الإخلاص ، أيستطيع الشيطان أن يقول لك : أنت منافق في هذا الصيام ؟ هذا غير ممكن ، المنافق يأكل بينه وبين نفسه ، وأمام الناس الحمد لله أنا صائم ، ويقول : الله أكرمنا بالصيام وعندما يدخل يشرب الماء ، هذا منافق ، لكن أيجرؤ الشيطان أن يقول لك : أنت منافق في هذا الصيام ؟ هذا مستحيل ، كأن الصيام يعلمك أقصى درجات العبودية لله عز وجل ، وكأن الصيام يعلمك الإخلاص لله عز وجل ، إذا الإنسان يوجد معه وسواس ، والشيطان متملكه ومتحكم به ، يمكن أن ينفذ منه بأن ينفق مالاً من دون أن يتكلم عن هذا الإنفاق ، أنفقت يمينه ولم تعلم شماله وبقي ساكتاً ، يقطع بهذا وساوس الشيطان ، يصلي الليل ويبقى ساكتاً هذا هو الإخلاص ، يصوم نفلاً ويبقى ساكتاً .
الصيام دليل الإيمان :
إذاً فوائد الصيام لا تعد ولا تحصى ، ولكن من أولى فوائده أنه طاعة لله عز وجل، يثاب الصائم عليها ، وينال بها رضا الله عز وجل ، وتكون له وقاية من عذاب الله يوم القيامة ، مثلاً يجوز أن تلتقي مع إنسان ذكي جداً يقول لك : سألوا أستاذاً في الجامعة عن عاداته اليومية ، قال : أنا أنام باكراً ، ولا أدخن ، ولا أشرب الخمر . أي انطلق هذا من مصلحته الشخصية ، رأى أن ساعات الليل الأولى لا تعدلها أضعاف الساعات في آخر الليل ، شعر أن هذا الليل تصميمه من أجل النوم ، فإذا نام باكراً واستيقظ باكراً شعر بنشاط انطلق إلى عمله بوقت مبكر ، وصار ينام باكراً ، ورأى أن الدخان يتلف رئتيه ، ويتلف قلبه ، وأوعيته ، تركه ، ورأى أن الخمر مادة مخرشة تذهب العقل ، فترك الخمر ، وترك السهر ، وترك الدخان ، هل يعد هذا عبادةً ؟ لا والله هذا موقف ذكي ، هذا موقف مصلحي ، المؤمن ينام باكراً ويدع هذا وذاك ، ولكن يفعل هذا تعبداً ، وشتان بين التعبد وبين المصلحة ، لكن الصيام أعلى درجة من العبودية ، لذلك قالوا : الصيام دليل الإيمان ، لماذا ؟ لأن الصائم يدع طعامه وشرابه وشهوته ابتغاء مرضاة الله وامتثالاً لأمره ، فصيامه برهان عملي على أنه يفضل حب الله عز وجل على حب كل شيء سواه ، دليل عملي وقطعي أمام الشيطان أنك تؤثر مرضاة الله عز وجل على كل شيء .
طبعاً يوجد أشخاص يحتالون على الله ، يجعل سفره في رمضان ويقول لك : الله عز وجل سمح لنا بالإفطار في السفر ، أي هذه السفرة مفتعلة ، إذا جاء السفر طبيعياً في هذا الشهر بحث آخر ، أما أحياناً فيكون السفر مقصوداً في هذا الشهر حتى ينجو من صيام أيام الصيف الطويلة ، المؤمن الصادق يعبد الله عز وجل في كل أشهر العام ، إن جاء رمضان في آب ، وفي تموز ، وإن جاء في نيسان ، وإن جاء في أيام الشتاء ، وهو برهان عملي على أن الصائم يؤثر مرضاة الله عز وجل على شهوات الدنيا ومغرياتها ، قال عليه السلام :
(( ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ ؛ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ))
لا ترقى إلى مستوى الإيمان الصحيح إلا إذا وجدت حلاوة الإيمان ، ذاق طعم الإيمان ، أي المؤمن يجب أن يقول : ليس في الدنيا من هو أسعد مني ، وليس معنى هذا مادياً قد يكون محاط بآلاف المشكلات ، ابتلاءً ، وامتحاناً إلى آخره ، لكنه سعيد لأنه في طاعة الله ، ولأنه قد عرف الله ، ولأنه على منهج الله ، من هنا تنبع سعادته .
* * *
قصة الصحابي الجليل عثمان بن مظعون :
والآن إلى قصة صحابي جليل من صحابة رسول الله عليهم رضوان الله تعالى ، هذا الصحابي اسمه عثمان بن مظعون ، هذا الصحابي الجليل ترتيبه في الإسلام أربعة عشر ، أي كان المسلم الرابع عشر في الإسلام ، حينما أسلم لم يكن قد أسلم قبله إلا ثلاثة عشر رجلاً وهو الرابع عشر ، هذا الصحابي الجليل هو أول المسلمين هجرةً وأولهم دفناً بالبقيع ، شاءت كتب السيرة أن تصفه بأنه راهب ، كان زاهداً في الدنيا ، النبي عليه الصلاة والسلام وصفه فقال: " يرحم الله ابن مظعون لم يصب من الدنيا ولم تصب منه ". أي أخذ الأحوط ، طبعاً حينما دعى النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه إلى هذا الدين الجديد سراً كان عثمان بن مظعون من أوائل هؤلاء الذين استجابوا لدعوة النبي عليه الصلاة والسلام ، لكن النبي عليه الصلاة والسلام كما قال الله عنه :
﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾
حينما بالغت قريش في تعذيب المسلمين ، وفي إيذائهم ، وفي التضييق عليهم ، وفي ملاحقتهم ، أشفق النبي على أصحابه ، وأمرهم بالهجرة إلى الحبشة ، وكان عثمان بن مظعون من أولئك الذين هاجروا إلى الحبشة ، بل جعله النبي عليه الصلاة والسلام أميراً على هؤلاء الفوج الأول الذين هاجروا إلى الحبشة . الحقيقة دائماً الكلمات شيء والواقع شيء آخر ، لي مثل مشهور : كلمة ألف مليون نطقها سهل ، وكتابتها أسهل ، اكتبها بالخط الرقعي ، الديواني ، الثلثي ، الفارسي ، وزخرفها ، وضع لها إطاراً ، واذكرها بلغة فصحى ، ولغة عامية ، ولكن بين أن تذكرها بشتى اللغات وبين أن تكتبها بمختلف الخطوط ، وبين أن تملكها فرق شاسع .
فالصحابة الكرام كانوا في مستوى الدعوة ، نحن بإمكاننا أن نتكلم ونقول : هذا الصحابي هاجر ، هل تعرف ما الهجرة ؟ تصور إنساناً مستقراً في بيته ، وعمله ، في محله التجاري ، في وظيفته ، وله زوجة وأولاد ، ترك كل هذا ورحل ، إلى أين ؟ إلى أرض مقفرة لا يعرف فيها أحداً ولا يملك فيها شيئاً ، كما قيل : لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها ، نحن نفتخر ونعتز بهؤلاء الصحابة أنهم هاجروا ، لكن هل تعلم ما تعني الهجرة ؟ تعني قطع الجذور ، استئصال الإنسان من جذوره ، تعني أن ينتقل من كل شيء إلى لا شيء .
هؤلاء الصحابة الكرام عندما هاجروا ، كأنهم هاجروا إلى الله عز وجل ، طبعاً حينما التقوا بالنجاشي ، النجاشي سألهم عن دينهم ، وكلكم يعلم أن سيدنا جعفر هو الذي خاطبه وقال : " أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، و نسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته ، وصدقه ، وعفافه "
سيدنا عثمان بن مظعون له ابن عم بالغ في إيذائه حينما كان في مكة ، ففي غربته كان لا يزال ألم الضر ملماً في نفسه ، ربنا عز وجل ماذا قال ؟
﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾
هذه ولسوف رائعة جداً ، الآن قد تكون غير راض ، الآن في طور المعالجة ، الآن في طور العمل ، الآن في طور التكليف ، الآن في طور الجهد ، الآن في طور الإعداد ، إذا المؤمن قرأ هذه الآية يذوب قلبه حباً لله عز وجل ، كأن الله يواسيك ، كأن الله عز وجل ينسيه آلام الحياة ، وربنا عز وجل قال :
﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾
فالإنسان المؤمن بحسب ما اهتدى إلى الله عز وجل يعرف الشيء قبل وقوعه ، يعرف أن العاقبة للمتقين ، يعرف أن الله سبحانه وتعالى سوف يكرم عباده المؤمنين ، أما الآن فأنت في طور ، هذا الذي يحملك على الصبر ، أنت موعود ، خالق الكون يؤكد لك أنه معك وأنك بعين رعايته ، وأنه سوف ينصرك ، وأنه يدافع عنك ، وأن العاقبة لك ، هكذا ، متاعب الحياة ما الذي يحملنا على تحملها ؟ ثقتنا بعطاء الله عز وجل ، وثقتنا برضوانه ، وثقتنا بأن الأمور لابد من أن تستقر على شيء يرضي المؤمن ، قال هذا الصحابي وكان شاعراً ويخاطب ابن عمه :
وحاربــــــت أقواماً كراماً أعزةً وأهلكت أقواماً بهم كنت تفــــــــزع
ستعلم إن نابتك يوماً ملمـة وأسلمك الأوباش ما كنت تصنع
***
انظر المؤمن هذه النظرة المستقبلية رائعة عنده ، الكافر يعيش وقته ، هو ابن لحظته ، ابن وقته ، يستمتع بهذه اللحظة بطريق مشروع أو غير مشروع ، أما المؤمن فيدبر لعواقب الأمور .
جاءت أخبار كاذبة ولم يعلموا أنها أخبار كاذبة أن قريشاً أسلمت جميعاً ، وأنها أسلمت مع النبي عليه الصلاة والسلام لله الواحد القهار ، أخبار رائعة ، فالصحابة الكرام الذين في المهجر - في الحبشة - عادوا إلى مكة وقد طارت قلوبهم فرحاً ، ولكنهم ما كادوا يقتربون من مكة حتى تبينوا كذب الخبر الذي بلغهم عن إسلام قريش ، وساعتئذ أسقط في أيديهم ، ورأوا أنهم قد عجلوا ، ولكن أين يذهبون وهذه مكة على مرمى البصر ؟ دخلوا مكة وسمع مشركو مكة بمقدم الصيد الثمين الذي طالما طاردوه ، ونصبوا لهم شباكهم ، ثم ها هو الآن تحين فرصته وتأتي مقاديره . الآن في الجاهلية كان هناك تقليد مرّ بنا سابقاً ، كان في موضوع الجوار تقليد رائع من تقاليد العرب في الجاهلية ، أي إذا دخل رجل مستضعف في جوار سيد قرشي أصبح في حمىً منيع لا يهدر له دم ، ولا يضطرب له مأمن ، من أجل هذا ظفر بالجوار من هؤلاء الأصحاب قلة من بينهم عثمان بن مظعون الذي دخل في جوار الوليد بن المغيرة ، دخل هذا الصحابي الجليل مكة آمناً مطمئناً ، مضى يعبر دروبها ، ويشهد ندواتها ، في جوار الوليد بن المغيرة من سادة قريش الكبار ، طالما هناك جوار لا يوجد تعذيب ، وتنكيل ، وتضييق .
لكن ابن مظعون الرجل الذي صقله القرآن ، وعلمه النبي العدنان تلفت حوله فرأى أخوانه المسلمين من الفقراء والمستضعفين الذين لم يجدوا لهم من يجيرهم ، ولا من يجبرهم ، يراهم والأذى ينوشهم من كل جانب ، وقوى البغي تطاردهم في كل سبيل ، بينما هو آمن في سربه ، بعيد من أذى قومه ، آلامه أن تكون له هذه الميزات ، آلامه أن ينعم بهذا الجوار ، آلامه أن يكون في نعمة العافية ، وإخوانه المؤمنين في شقاء التعذيب ، آلامه أن يتميز عليهم ، آلامه أن يكون واحداً قد نجا من هذا البلاء .
طبعاً هذا موقف خاص ، يوجد عندنا موقف شرعي وموقف شخصي ، الإنسان أحياناً يقف موقفاً شرعياً لا مؤاخذة عليه ، وأحياناً يقف موقفاً شخصياً ، سيدنا الصديق يروى عنه أنه شرب لبن تبين أنه مشبوه فقاءه ، هذا موقف شخصي ، سيدنا عمر لما هاجر علانيةً هذا موقف شخصي ، الموقف الشرعي كما فعل النبي ، فدائماً فرق بين الموقف الشخصي وبين الموقف الشرعي ، إذا كنت وفق الشرع فأنت آمن ، وإذا أردت أن تفوز بشيء خاص وقفت موقفاً آخر فالله سبحانه وتعالى يقبل هذا الاجتهاد . سيدنا عثمان ما تحمل أن يعيش هو في مكة في حماية الوليد بن المغيرة وأصحابه يعذبون ، وينكل بهم ، ويضيق عليهم ، على كل استمعوا إلى قوله هو ماذا فعل ، قال : لما رأى عثمان بن مظعون ما في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاء وهو يغدو ويروح في أمان الوليد بن المغيرة قال : والله إن غدوي ورواحي آمناً بجوار رجل من أهل الشرك وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى ما لا يصيبني لنقص كبير في نفسي . أنا أغدو وأروح في طمأنينة وأصحاب رسول الله يضيق عليهم وينكل به ويعذبون ، ما شعر أنه في موقف كامل ، فمشى إلى الوليد بن المغيرة فقال له : يا أبا عبد شمس - انظروا إلى هذا الموقف اللطيف ، الموقف العالي - وفت ذمتك ، وقد رددت إليك جوارك ، فقال له : لم يا بن أخي لعله آذاك أحد من قومي ؟ قال : لا ، ولكنني أرضى بجوار الله ولا أريد أن أستجير بغيره . من الأدعية التي تؤثر بالنفس : يا ربي ليس لي أحد سواك ، اتخذ الله صاحباً ودع الناس جانباً ، اجعل آمالك كلها معقودة على الله سبحانه وتعالى .
جاء مرة خليفة وحج بيت الله الحرام فسأل عن بعض علمائها الكبار وكان اسمه أبا حازم ، فقال : يا أبا حازم سلني حاجتك ؟ قال : والله إني أستحي أن أسأل غير الله في بيت الله ، فهذا الخليفة أراد أن يكرمه ، فلما غادر بيت الله الحرام التقى به خارج البيت ، قال له سلني حاجتك هنا المكان مناسب ؟ قال : والله ما سألتها ممن يملكها أفأسألها ممن لا يملكها ؟ التقى به مرةً ثالثة ، قال له : سلني حاجتك ؟ قال له : أريد أن تدخلني الجنة ، قال : هذه ليست لي ، قال : إذاً ليس لي عندك حاجة .
سيدنا عثمان بن مظعون ما أحب أن يكون في حماية مشرك ، الله عز وجل هو العزيز ، هو الكريم ، فقال له : لم يا بن أخي لعله آذاك أحد من قومي ؟ قال : لا ، ولكنني أرضى بجوار الله ولا أريد أن أستجير بغيره ، فانطلق إلى المسجد واردد عليّ جواري علانيةً كما أجرتني علانيةً ، فانطلقا حتى أتيا المسجد ، فقال الوليد : هذا عثمان قد جاء . . . . .