- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى
الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق و البشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
التحليل القرآني لمشكلات المسلمين: لماذا يقتتل المسلمون فيما بينهم ؟
أيها الإخوة الكرام، يعاني المجتمع الإسلامي من مشكلات لا تعد ولا تحصى، ولهذه المشكلات تحليلات أرضية لا تعد ولا تحصى، ولكن البطولة أن تعتمد التحليل القرآني،.
لماذا يقتتل المسلمون ؟ لماذا هم في أشد حالات العداوة والبغضاء بينهم، الأمر الذي حملهم على أن يسفك بعضهم دم بعض ؟ هذه مشكلة كبيرة، وهذه ظاهرة، ولها تحليلات لا تنتهي من الأرض، فما تحليل السماء لها ؟
التحليل الأول: قانون العداوة والبغضاء:
أيها الإخوة الكرام، آية واحدة أرددها كثيراً تُفسر بها العداوات بين شخصين، وبين صديقين، وبين جارين، وبين زميلين، وبين زوجين، وبين شريكين، وبين أسرتين، وبين عائلتين، وبين قبيلتين، وبين عشيرتين، وبين شعبين، وبين أمتين، بل و بين حضارتين:
﴿ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾
للعداوة و البغضاء قانون سمي في القرآن الكريم سننًا، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنة الله تحويلاً.
والآن دققوا، حينما لا يكون المسلم مسلماً، يكون مسلماً انتماء تاريخياً، بحكم أن أمه وأباه مسلمان، حينما لا يكون المسلم مسلماً تنتقل اهتماماته من الآخرة إلى الدنيا، والدنيا محدودة، وهي موطن صراع وتنافس وتخاصم، بل إن الحروب كلها التي تجري في العصر الحديث هي في الحقيقة تنافس على ثروات الأرض، ولأول مرة من أربع سنوات يأتي التصريح في بلد قوي أن بقاءنا في هذا البلد من أجل النفط، هذا واضح، فحينما لا يكون المسلم مسلماً تنتقل اهتماماته من الآخرة إلى الدنيا، فإذا انتقلت إلى الدنيا فالدنيا محدودة، وهي موقع صراع وتنافس و خصومة، و عداوة وبغضاء، واقتتال و مذابح وسفك دماء.
عَنْ جَرِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ:
(( اسْتَنْصِتِ النَّاسَ، فَقَالَ: لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ))
وصف عليه الصلاة والسلام الخصومة بين المسلمين كفراً.
التحليل الثاني: قانون التناقض بين الطبع والتكليف:
أيها الإخوة الكرام، هذا تحليل، يوجد تحليل آخر: أنت كإنسان ركب فيك طبع، و ذكرت هذا مراراً، وأنت كإنسان معك تكليف، وبالتحليل الدقيق نجد أنّ هناك تناقضاً بين الطبع والتكليف، فالطبع يدعوك إلى أخذ المال، والتكليف يدعوك إلى إنفاقه، والطبع يأمرك أن تبقى نائماً في الفراش الوثير في أيام الشتاء الباردة، والتكليف يأمرك أن تستيقظ لتصلي الفجر، والطبع أن تملأ عينيك من محاسن النساء فتطلق البصر، و التكليف يأمرك أن تغض البصر، والطبع يأمرك أن تفعل ما تشتهي، والتكليف أعد لك خطة و حيزاً ينبغي ألا تتجاوزه، ودليل أن هناك تناقضاً بين الطبع والتكليف قول الله عز وجل:
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾
ثمن الجنة ذلك التناقض بين الطبع والتكليف، وهذا تمهيد، والطبع فردي، والتكليف تعاوني، فأنت بقدر إيمانك، و بقدر إخلاصك، و بقدر استقامتك، و بقدر قربك من الله تتعاون مع إخوتك المؤمنين، و بقدر ضعف إيمانك، و بقدر ضعف استقامتك، و بقدر بعدك عن الله تتنافس معهم، يقول الله عز وجل:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾
أنت أنتَ يا محمد، أنت سيد الخلق، و حبيب الحق، أنت الذي يوحى إليك، أنت الذي عصمك الله، أنت أكمل الخلق، أنت أنتَ:
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾
أي: اتصال، رحمة، لين، التفاف الناس، قطيعة مع الله، قلب قاس كالصخر، غلظة و فظاظة، انفضاض الناس عنك.
التحليل الثالث: قانون الأخوّة في الله:
أيها الإخوة الكرام، نعيش في هذه الأيام تحديات تواجه مجتمع المسلمين، أبرز هذه التحديات العلاقة المادية بين الناس، يبيع الرجل دينه وآخرته بعرض من الدنيا قليل، لذلك نحن أيها الإخوة في أمسّ الحاجة إلى فقه الأخوّة في الله، كيف نتعامل مع بعضنا ؟ كيف يفهم بعضنا بعضاً ؟ كيف يعذر بعضنا بعضاً ؟ كيف يحب بعضنا بعضاً ؟ كيف نختلف مع بعضنا بعضاً ؟ تحت مظلة الحب في الله.
أيها الإخوة الكرام، الأخوّة في الله من أوثق عرى الإيمان، عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( مَنْ أَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ، وَأَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَنْكَحَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ ))
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَجِدَ طَعْمَ الْإِيمَانِ فَلْيُحِبَّ الْعَبْدَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
(( وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ ))
بل إن الإخوة الإيمانية من أعظم النعم التي يسبغها الله على المؤمنين قال تعالى:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾
﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ﴾
أيها الإخوة الكرام، المحبة بين المؤمنين سبيل إلى ظل عرش الله يوم القيامة، فمن السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه.
بل إن حقيقة الإيمان تعني الأخوّة الإيمانية، والدليل قطعي، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
فإن لم يكونوا إخوة فليسوا مؤمنين، ( إنما ) أداة قصر وحصر:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
فإن لم يكونوا إخوة فليسوا مؤمنين.
أيها الإخوة الكرام، لقد وقعت المعجزة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الله عز وجل:
﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾
علامة إيماننا جميعاً أن يحب بعضنا بعضاً.
التحليل الرابع: قانون التوحدُّ وعدم الافتراق:
أيها الإخوة الكرام، ولكن لابد من شيء يوحدنا، قال تعالى:
﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً﴾
فإن لم يكن هذا الحبل فالوحدة مستحيلة:
﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾
إن لم يكن هذا الحبل، ونحن قد اعتصمنا به فلن تكون وحدة بين الناس المؤمنين.
شيء آخر: الوحدة قوة، لكن الصفر مع الصفر مع الصفر المجموع صفر، أما الأرقام إذا جمعت فتزداد كمًّا، وتزداد قوة، و تزداد تأثيراً.
أيها الإخوة الكرام، أول شيء أخوك المسلم له حق عليك شئت أم أبيت، أحببت أم غضبت، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ: قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ ))
و في حديث آخر:
(( أربع من حق المسلمين عليك: أن تعين محسنهم، وأن تستغفر لمذنبهم، وأن تدعو لغائبهم، وأن تجب تائبهم ))
أيها الإخوة الكرام، هذه حقوق.
وسائل تنمية الأخوة بين المسلمين
الآن ما هي وسائل تنمية الأخوة بين المؤمنين ؟
1 – الحبُّ في الله:
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
(( الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ ))
الحب في الله: هناك حب في الله، وهناك حب مع الله، الحب في الله عين التوحيد، والحب مع الله عين الشرك.
2 – سلامة الصدر:
ينبغي أن تكون سليماً من الحقد، أو الضغينة، أو سوء النية، وأن تحمل الأقوال على أفضل تحليل لها، وأن تحسن الظن بأخيك، فمن أحسن الظن بأخيه نال قرباً من الله عز وجل.
عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَقَاطَعُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ))
3 – عدم الهجر فوق ثلاث:
لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ: كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ ؟ قَالَ: هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ ))
4 – النصح والتواصي بالحق والصبر:
مما يمتن العلاقة بين المؤمنين، أولاً سلامة الصدر والنصح و التواصي، قال تعالى:
﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ *إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
5 – معرفةُ فضلِ إخوتِك:
وأن تعرف فضل أخيك، قال تعالى:
﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾
هناك قاعدة ذهبية: إذا أحسن أخوك إليك بشيء فما ينبغي أن تنسى هذا الإحسان ما حييت، أما إذا أحسنت إليه فينبغي أن تنساه فوراً، وألا تذكره إطلاقاً، هذا هو الكمال.
6 – المصارحة والمكاشفة:
لكم ومضة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الثانية، وقف أبو الهيثم يصارح ويكاشف، ويستفسر من النبي صلى الله عليه وسلم عما يجول في نفسه، قال: يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال، أي اليهود، حبالاً، وإنا لقاطعوها، فهل عسيت إن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك و تدعنا ؟ قال كعب بن مالك: فتبسم عليه الصلاة و السلام ثم قال:
(( بل الدم الدّم، والهدم الهدم، أنا منكم، وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم ))
هذه مصارحة.
كن مع أخيك صريحاً.
7 – التسامح والتراحم:
عَنْ جُودَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( مَنْ اعْتَذَرَ إِلَى أَخِيهِ بِمَعْذِرَةٍ فَلَمْ يَقْبَلْهَا كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ خَطِيئَةِ صَاحِبِ مَكْسٍ ـ صاحب الربا ـ ))
يقول عليه الصلاة و السلام:
(( من تنصل إليه أخوه فلم يقبل لم يرد عليّ الحوض ))
8 – إدراك فقه الخلاف:
لكن أيها الإخوة الكرام، وسائل حماية الأخوّة تبدأ بإدراك أهميتها، وبعدها يجب أن نعرف فقه الخلاف، إذا أدركت فقه الخلاف تسامحت مع أخيك، ينبغي ألا تنكر عليه قضية خلافية، أنت تعتقد بموضوع ما اعتقاداً معيناً، فإذا كان هذا الشيء له وجه آخر ينبغي ألا تنكر عليه في قضية خلافية، وأن يكون فقه الاختلاف معك في كل قضية تحاور بها إخوتك في الله، وينبغي أن ترفع سقف الاختلاف إلى أعلى مستوى ممكن، و ينبغي أن ترفع مستوى الحوار إلى أعلى مستوى ممكن.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَقُولُ: جَاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبْطَأَ الْقَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا ))
ثمار الأخوة
1 – ثمار الأخوة على المستوى الجماعي:
أيها الإخوة الكرام، ثمار الأخوة في الله على المستوى الجماعي لها ثمار يانعة، هذه الأخوة الإيمانية تحقق نجاحاً عاماً للمجتمع، هذه الأخوة الإيمانية تحقق راحة نفسية لكل أفراد المجتمع، هذه الأخوة الإيمانية تحقق تماسكاً في المجتمع، المجتمع المتماسك بأخوته الإيمانية لا يمكن أن يخرق، ولا أن ينال جانبه:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾
2 – ثمار الأخوة على المستوى الفردي:
أما على المستوى الفردي يشعر المسلم إذا كان يحظى بأخوة إيمانية مع إخوانه المؤمنين أنه ليس وحيداً في الحياة، أن المجموع للواحد، وأن الواحد للكل، لست وحدك في هذه الحياة، هذا يعينه على طاعة الله، وعلى عبادته.
أيها الإخوة الكرام، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ كَذِئْبِ الْغَنَمِ، يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ، وَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَالْعَامَّةِ ))
حينما تحب أخاك، وتختلط معه تأخذ من خبراته، ومن علمه، ومن أساليب حياته، تزداد الحياة ثراء و غنى بهذا التواصل وتبادل الخبرات، وحينما تعيش مع أخ أرقى منك في الإيمان هو قدوة لك في ضبط جوارحه، في ضبط دخله، في ضبط إنفاقه، في تربية أولاده.
والأخوة تعين على الثبات، على الثبات على الحق، الذي ينتمي إلى جماعة مؤمنة هذا الانتماء يجعله على اتصال بالله مستمر، أما إذا عاش وحده فقد يتوهم وحده شيئاً لا يرضي الله، وقد يتوهم وحده عداوة ليست صحيحة.
أما على مستوى المجتمع فالأخوة الإيمانية تجعل هذا المجتمع كبيراً عند أعدائه،
﴿لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ﴾
تجعلون هذا المجتمع في أعلى درجات الهيبة من قِبل أعداء المسلمين،
﴿لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ﴾
(( نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ ))
وأمته حينما تركت سنته هزمت بالرعب مسيرة عام.
ملخص الأخوة الإيمانية
أيها الإخوة الكرام، قضية الأخوة الإيمانية من لوازم الدين، ويمكن أن تلخص في آية واحدة:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
وما لم تشعر بانتمائك إلى مجموع المؤمنين، وما لم تحب إخوانك المؤمنين، ففي الإيمان ضعف إن لم نقل: في الإيمان خلل.
أيها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
* * *
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صل و سلم وبارك على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين.
الفتنة الطائفية: الورقة الرابحة في يد العدو
أيها الإخوة الكرام، كما ترون وتسمعون بقي في يد أعداء المسلمين ورقة رابحة، وأرجو أن تكون وحيدة وأخيرة هي ورقة الفتن الطائفية، هذه الورقة تُستخدم في بلاد حولنا، وقد حققت النتائج القذرة التي أرادها أعداؤنا، نحن في أمس الحاجة إلى أن نرجع إلى الله، وأن نستقيم على أمره حتى تنتقل اهتماماتنا إلى الآخرة، وحتى نتخلق بالخلق الذي يرضي الله عز وجل، وحتى نحقق الأخوة الإيمانية فيما بيننا، وحتى نتمتع بوعي عميق، وحتى نتمتع بإخلاص شديد، وحتى تحل مشكلاتنا ينبغي أن نسقط هذه الورقة الوحيدة إن شاء الله، والأخيرة من يد أعدائنا، نحتاج إلى صلح مع الله، إلى عودة إليه، إلى إقامة الإسلام في نفوسنا و في بيوتنا، و في أعمالنا، تمتين أواصر المحبة بيننا إلى أن نتعاون، إلى أن نبذل، إلى أن نضحي، فلعل الله سبحانه و تعالى يجعلنا نموذجاً لمسلمين متماسكين متعاونين متناصرين متضامنين متآلفين، لكن الشيء الذي يؤلم أشد الإيلام أن أعداءنا يتعاونون و بينهم من القواسم المشتركة عشرة بالمئة، لأنهم يستخدمون عقولهم قبل أيديهم، والمسلمون يتقاتلون وبينهم من القواسم المشتركة تسعون بالمئة، لأنهم يستخدمون أيديهم قبل عقولهم.
نحن حينما نحقق أهداف أعداء الإسلام نكون في أدنى درجات العقل، بل في أعلى درجات الغباء، إن كان للغباء درجات عليا، نحقق خطط أعدائنا.
ماذا تقتضي هذه المرحلة الحرجة منا ؟!!!
فيا أيها الإخوة الكرام، تقتضي هذه المرحلة ألا تثار قضية خلافية، تقتضي هذه المرحلة أن نسكت، تقتضي هذه المرحلة أن نتعاون، تقتضي هذه المرحلة أن نتعاون فيما اتفقنا، وأن يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا، تقتضي هذه المرحلة أن نتقارب، تقتضي هذه المرحلة أن نسقط هذه الورقة الرابحة، وأرجو أن تكون وحيدة وأخيرة من يد أعدائنا، تقتضي هذه المرحلة أن نحافظ على نعمة الأمن في بلادنا، نحن في نعمة لا يعلمها إلا الله نعمة الأمن.
فيا أيها الإخوة الكرام، أردت من هذا الموضوع في هذا الظرف الصعب أن أرسخ معنى الأخوة الإيمانية بين المؤمنين، وأن أجعل من هذه الخطة منهجاً.
أيها الإخوة، الأخوة الإيمانية تعني الحقوق، و تعني الواجبات، و تعني أكبر وسائل الدفاع عن كياننا، و تعني إحباط خطط أعدائنا.
أيها الأخوة الكرام، أسأل الله لي ولكم التوفيق و النجاح.
الدعاء
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، خذ بيد ولاة المسلمين لما تحب وترضى يا رب العالمين، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.